فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 21-02-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 21 فبراير 2002 م

الخطبة الدينية : القيادة وضرورة الناصر -رؤية قرآنية
الخطبة السياسية : التعديلات الدستورية

( نحن نعيش الآن انقلابا على الدستور وعلى ميثاق العمل الوطني وعلى الوعود والالتزامات ، هذه هي الحالة التي نعيشها بعد تاريخ 14/2/2002م ، وبالتالي فنحن بعد هذا التاريخ نعيش انتكاسة أكثر فداحة من انتكاسة عام 1975 )
( القائد لا يبحث عن موقف بطولي ولا يعيش عقدة البطولة ، وهو أيضا لا يعيش عقدة الانغلاق على الذات وإنما هو منفتح على الأمة ؛ وعلى هموم واحتياجات الرسالة ، ومن احتياجات الرسالة الحاجة للمؤازر والمعين )
( القائد الذي يفشل في إيجاد المؤازر الذي يؤازره في حياته من أجل إنجاح الرسالة ، ثم يكون امتدادا من بعده ، هو قائد عقيم مثله مثل الرجل العقيم )

( بعد تاريخ بعد 14/2/2002م لم يعد الدستور الذي تتوافق عليه المعارضة مع الحكومة موجودا ، ولم تعد لدينا سلطة تشريعية ، وإنما كل الذي قدمه لنا الدستور الجديد كان مجرد تطوير لمجلس الشورى ، وحسب ما ينص عليه الدستور الجديد ليست لدينا سلطة تشريعية ، ولا يوجد فصل بين السلطات ، وحتى إمكانية التغيير عن طريق هذا الدستور غير ممكنة ، فإذا تمسكنا بالدستور الجديد فينبغي أن نعيش اليأس من التغيير ، وهكذا تبخر ذلك الحلم أو الطموح ، وأصبح من تفكيرنا .. هل نشارك أو لا نشارك في الحياة البرلمانية القادمة ، وأغلب الاتجاه العام هو مع عدم المشاركة ، وأصبحنا نتكلم أيضا عن انقلاب حقيقي على الدستور )
( التصويت بنعم على الميثاق جاء بناء على وجود دستور ، ووجود ميثاق سيفعل هذا الدستور ، ووجود التزامات مثبتة تضع الحاكمية للدستور على الميثاق ، وتبين وظيفة كلا المجلسين ، وأن أي سياسي في العالم حينما توجد هذه المؤشرات الإيجابية لا يستطيع إلا أن يقول نعم ، ومع وجود هذه المؤشرات ، إذا وضع السياسي احتمالا أن يكون هناك تخلٍّ أو مخالفة لهذه الالتزامات وبناء على ذلك يقول لا فهو ليس بسياسي وليس إنسانا واقعيا في نفس الوقت ، ولو أن المعارضة مع وجود الدستور ووجود الميثاق ووجود الالتزامات لم تدعو للتصويت بنعم لكانت ملامة من قبل المراقبين ، وسمو الأمير يستطيع بأن يقول : بأنني مددت يدي للمعارضة بهدف الإصلاحات ولكن المعارضة رفضت كل ذلك دون أي مبرر لمجرد أنها تعيش هاجس الخوف والتشكيك ، وفي هذه الحالة فإن المعارضة ستفقد حتى أصدقاءها )
( لا يصح أبدا أن يترك الربان دفة السفينة وقت العاصفة ، وإنما الربان الصادق هو الذي يربط مصيره بمصير ركاب السفينة .. إنه شرف المهنة وشرف القيادة )
( الجدير بالذكر بأن مصر تمتلك مجلس شورى ونواب ، وأن مجلس الشورى له وظيفة استشارية فقط وليس له وظيفة تشريعية ، ومع ذلك فنصفه منتخب ونصفه معين حاله حال المجلس الوطني الحالي في البحرين ، مما يدل على أن المجلس الوطني في البحرين هو مجلس شورى مضخم ومطور عن السابق ، وفي ذلك تبذير للثروة من غير طائل ، وفي المحصلة النهائية لا توجد لدينا سلطة تشريعية وكل الذي نملكه مجلس شورى ضخم فقط )
( أذكر بأن الوضع الحالي لا يتسع أبدا للآراء الفردية ، ولا يتسع أيضا للآراء المرتجلة ، فينبغي أن تكون لنا رموزا ومؤسسات ومجتمعا رؤية مشتركة مدروسة دراسة جيدة ومتأنية حول ما ينبغي عمله في هذا الوقت ، وترتكز هذه الرؤية على مبدأ المحافظة على المصلحة الوطنية والدينية العليا كما ترتكز على التصرف المسئول للمعارضة، والمطلوب الآن – حسب تقديري الشخصي – هو توظيف هذه المساحة للتأسيس إلى معارضة سياسية سلمية تستخدم كل الأساليب والوسائل السلمية المشروعة لتحقيق أهدافها ، وهذه المسئولية هي مسئولية الرموز والمؤسسات والمجتمع )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( وزكريا إذ نادى ربه ؛ ربي لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) صدق الله العلي العظيم .
كانت رغبتي في البداية أن أتحدث في هذا اليوم عن الآيات التي تتكلم عن موسى (ع) من سورة طه ، ولكن رأيت أن أؤجل هذا الموضوع لحديث قادم ، وأتناول في هذا الأسبوع الآيات التي قرأتها عليكم والتي تتعلق بزكريا (ع) وذلك لسببين :

القيادة العقيمة ، وضرورة المؤازرة

السبب الأول : أن الآية التي تتكلم عن زكريا فيها إشارة رمزية ذات دلالة عميقة جدا حول القيادة العقيمة ، وذلك من الناحية السياسية والرسالية ، حيث ترمز هذه الآية إلى أن القائد الذي يفشل في إيجاد المؤازر والنصير هو كالعقيم .
السبب الثاني : أن الآية التي تتكلم عن زكريا رغم قصرها فإنها تتناول البعدين الأساسيين للمؤازرة ، لاسيما البعد الثاني وهو بعد الوراثة الذي تتناوله هذه الآيات بصورة أوضح من الآيات التي تتكلم عن موسى وأخيه هارون (ع) ، وسوف يتضح ذلك في ثنايا الحديث .

من المعلوم

قال تعالى : ( وزكريا إذ نادى ربه ؛ ربي لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) من المعلوم أن زكريا (ع) بلغ سن الشيخوخة ولم يكن له ولدا ، وكانت امرأته عاقرا لا تلد ، وأنه (ع) لما أن دخل على مريم المحراب ووجد عندها رزقا وسألها : أنى لك هذا ، قالت : هو من عند الله ، فشعر بقيمة الولد الصالح ، وتوجه لله بالدعاء يسأله الذرية الصالحة ، وأن الله – عز وجل – استجاب له دعاءه ، ووعده بيحيى (ع) وأعطاه إياه ، وفي هذه الآية وفقا لما تقدم جانبان :

زكريا الإنسان

الجانب الشخصي : ويتعلق بزكريا الإنسان الذي يرغب ويحب أن تكون له ذرية صالحة ، يأنس ويتجمل بها في حياته ، ويستعين بها على نكبات ومصاعب ونوائب الحياة ، وتكون له امتدادا ماديا ومعنويا بعد وفاته ، فترث حصيلته من هذه الحياة وما جمعه فيها .

زكريا الرسالي

الجانب الرسالي : وما يهمنا من الحديث هو البعد الرسالي ، والبعد الرسالي يتعلق بخصائص القائد ، وهذه الآية تمثل وجها من هذه الخصائص ، وهناك وجه آخر يكمل هذا الوجه نستعيره من آية أخرى من أجل إكمال الصورة ، ومن أجل أن نتبارك أيضا بذكر سيرة نبي الله العظيم إبراهيم (ع) في هذه الأيام ، وهي أيام الحج ، وفيها تجسيد لسيرته العطرة المباركة .

كان أمة .. ماذا تعني ؟

قال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمَّـة ) لعلماء التفسير أقوال في تفسير هذه الآية ، آخذ منها قولين أساسيين :
القول الأول : ( إن إبراهيم كان أمة ) بمعنى كان إماما يقتدى به .
القول الثاني : ( إن إبراهيم كان أمة ) بمعنى أن شخصية إبراهيم شخصية عظيمة متكاملة تعادل بثقل أمة ، وتوزن بوزنها ، ولهذا القول عدة دلالات :

لا ينطلق من ذاته

الدلالة الأولى : أن إبراهيم (ع) لا ينطلق في حياته وفكره وسلوكه ومواقفه من ذاته وإنما من رسالته .
الدلالة الثانية : أن إبراهيم (ع) حينما يعبر ويقف الموقف ، فإنه يعبِّر عن الأمة ويقف مواقف الأمة ، فهو يمثـِّل ويجسِّد فكر الأمة ومواقفها ، وهنا قد تقع شبهة ، وهي أن إبراهيم (ع) كان وحيدا في أمة المشركين ، فهل كان يعبِّرُ عن أمة المشركين ؟!! لا .. وإنما كان يعبِّر عن الأمة التي ينتمي إليها ويقف مواقفها ، وهي أمَّة التوحيد .

وقف وحيدا

الدلالة الثالثة : أن إبراهيم (ع) لما أن عزَّ النصير أو انعدم ؛ فإنه وقف وحيدا الموقف الذي ينبغي أن تقفه الأمة كاملة ، فموقفه كان يعدل ويزن موقف أمة ، وهنا ينبغي أن نلتفت إلى أن إبراهيم (ع) حينما عبَّر عن الأمـَّة ووقف موقفها فقد حوّل هذه الأمة من فكرة إلى وجود وواقع حي متحرك وماثل للعيان على الأرض ، وهكذا ينبغي أن يكون الإمام أو القائد ، فهو لا ينطلق من نفسه وإنما من رسالته ، وحينما يعبِّر لا يعبِّر عن ذاته وإنما يعبر عن الأمة ، وحينما يتكلم فهو يتكلم وكأن الأمة تتكلم ، وحينما يقف موقفا فكأن موقفه هو موقف الأمة ، وحينما يعزُُّ أو ينعدم النصير فإنه يقف الموقف الذي ينبغي أن تقفه الأمة ، وبهذا ندرك الصلة بين المعنى الأول وهو أن يكون إبراهيم إماما يقتدى ، وبين المعنى الثاني وهو أن تكون شخصية إبراهيم (ع) شخصية عظيمة متكاملة ، حيث ينبغي أن يكون الإمام أو القائد الصادق ملتصقا بهموم الأمة وقضاياها .
وحينما نتأمل سيرة إبراهيم (ع) نجد فيها المعالم التالية :

صفات إبراهيم

1. إن إبراهيم (ع) كان يعيش قلق المعرفة والبحث عن الحقيقة .
2. ما إن وصل إلى هذه المعرفة والحقيقة دافع عنها بالدليل والبرهان ، فقارع الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة أولا ، ثم جابه الموقف المنحرف وحيدا ، وتحمل مسئولية ذلك بما فيه التهديد ومحاولة الإحراق ، حتى انتصر على الانحراف ، وأوجد الأمة الموحدة على أرض الواقع .
3. قاوم وساوس الشيطان ومغريات الحياة الدنيا من مال وبنين ، فضحى حتى بولده من أجل أن ينتصر للحقيقة التي عرفها وآمن بها ، وهذه خاصية خصائص القيادة .

لا يعيش عقدة البطولة

الوجه الثاني هو الذي تعبِّر عنه الآية : ( لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) فالقائد لا يبحث عن موقف بطولي ولا يعيش عقدة البطولة ، وهو أيضا لا يعيش عقدة الانغلاق على الذات ( لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) وإنما هو منفتح على الأمة ؛ وعلى هموم واحتياجات الرسالة ، ومن احتياجات الرسالة الحاجة للمؤازر والمعين ، فزكريا (ع) يخاطب الله – عز وجل – أنك حملتني الرسالة ، وأن هذه الرسالة تحتاج إلى معين ومؤازر أستشيره وأستنير برأيه وأستعين به في حمل الرسالة وترسيخها وتحقيق أهدافها ، فلا تذرني وتتركني وحيدا ، تماما كما قال موسى (ع) : ( واجعل لي وزيرا من أهلي ، هارون أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيرا ، ونذكرك كثيرا ، إنك كنت بنا بصير ) وهو ذاته المعنى الذي سأله النبي محمد (ص) إذ قال : ( إني أسألك ما سألك به أخي موسى ، أن تشرح لي صدري ، وتيسر لي أمري ، وتحل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيرا ، ونذكرك كثيرا ، إنك كنت بنا بصيرا ) فنزل قوله تعالى كما في بعض الروايات ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وهكذا نجد بأن القائد لا يعيش الانغلاق على الذات ، ولا يعاني عقدة البطولة ، وإنما هو منفتح على حاجات الرسالة ، ومن حاجات الرسالة المؤازرة ( البحث عن المؤازر والمعين ) ، فهو يحتاج إلى من يؤازره ويستشيره ويستعين به لتحقيق أهداف الرسالة (لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) ، وللمؤازرة لها عدة وظائف:

المؤازر واستمرارية الرسالة

الوظيفة الأولى : يشير لها قوله تعالى ( لا تذرني فردا ) فالقائد يحتاج إلى من يؤازره لكي يستعين به في ترسيخ وتثبيت الرسالة وتحقيق أهدافها ، لأن في وجود المؤازر والمعين تكون فرصة الرسالة في تحقيق أهدافها أكبر .
الوظيفة الثانية : وتتعلق باستمرارية الرسالة ، فحينما يموت القائد أو يرحل عن الساحة .. لمن يترك الرسالة ؟!! ، فلابد أن يوجد من يحمل الرسالة من بعده ، والذي يبحث عن استمرارية الرسالة والخط لابد له أن يبحث عن المؤازر ليعينه في حياته ويحمل الرسالة بعد وفاته .

مصالح ومكتسبات

الوظيفة الثالثة : إن هناك مكتسبات ومصالح ، فحينما يرحل القائد .. من يحفظ هذه المكتسبات والمصالح ؟ .. الذي يحفظها هو الوارث ، ولهذا يذكر في كتب التفسير أن زكريا (ع) كان يقوم على خدمة هيكل العبادة لبني إسرائيل ، وكان لهذا الهيكل أموال وهدايا ، وكان زكريا (ع) يخاف أن تضيع هذه الأموال والهدايا ( وإني خفت الموالي من ورائي ) ، فهو كان يخاف على هذا الإرث الرسالي ، ويخاف على هذه المصالح والمكتسبات أن تضيع ، ويحتاج لمن يحفظها من بعده .

أسألك

( وأنت خير الوارثين ) وهذا القول من زكريا كما يقول بعض المفسرين فيه تنزيه لله لأن الله وارث كل شيء ، بمعنى أنك وارث للأهل وللمال وللرسالة وللدين ، ولكن زكريا بخطابه هذا يقول : أنني أعلم بهذا ، بأنك خير الوارثين ، ولكنني أسألك العامل الطبيعي ، والامتداد الذي يكون بعدي فيحفظ الرسالة والدين والخط ، ويحفظ المكتسبات والمصالح من بعدي ، وهو أن تكون لي الذرية المؤازرة ، وكل هذه المعاني سوف تكون أوضح في الخطاب القادم إن شاء الله تعالى .

القائد .. الأفراد .. المؤسسات

هناك التفاتة مهمة ، هو أن المؤازرة لا تكون بالأفراد فقط ، فالمؤازرة تكون بالأفراد ، وهذا العامل كان الأبرز في الأزمنة القديمة وزمان نزول الآية ، حينما سأل زكريا الذرية ، وسأل موسى أن يكون معه هارون ، وسأل محمد (ص) أن يكون معه عليا بن أبي طالب (ع) ، وهكذا ينبغي أن يكون القائد في كل زمان ، فيبحث عن الأفراد الأكفـاء الذين يؤازرونه ، ولا يصح أبدا أن يبقى فريدا وحيدا ، بل إن الآية تشير إلى أن القائد الذي يفشل في إيجاد المؤازر الذي يؤازره في حياته من أجل إنجاح الرسالة ، ثم يكون امتدادا من بعده ، هو قائد عقيم مثله مثل الرجل العقيم ، لكن المؤازرة كما ذكرت ليست بالأفراد ، وإنما يمكن أن تكون حتى بالمؤسسات ، والقائد الذي يفكـِّر بهذه الروحية ، لا يفكر فقط بإيجاد الأفراد ، وإنما يفكر أيضا بإيجاد المؤسسة التي تؤازره ويستعين بها في تنظيم أعماله وترثه من بعده لأن هذا منطق الزمن ، ونحن نجد بأن بعض الفقهاء يشير إلى مؤسسة الفقهاء رغبة منه بتحويل الفقيه إلى مؤسسة بمعنى المرجعية المؤسسة بدلا من مرجعية الفرد ليستعين بها في حياته وترث نتاجه بعد مماته ، كما ينبغي على القائد أن يسعى لإيجاد مؤسسات التيار لذات الغرض والأهداف .

بعدها ننتقل للحديث عن الساحة المحلية ، والحديث في هذه الأيام يدور حول التعديلات الدستورية .

كنا نعتقد و لكن ؟؟؟؟

في البداية ، منذ أغسطس عام 1975 حينما حل الأمير السابق البرلمان وعطـَّل المادة 65 من الدستور ، وحتى تاريخ 14/2/2001م كانت المعارضة في البحرين تجاهد من أجل تحقيق مطالب شعبية عادلة ، وكان على رأسها تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية ، ومنذ تاريخ 14/2/2001م وهو تاريخ التصويت على ميثاق العمل الوطني ، وحتى تاريخ 14/1/2002م وهو تاريخ إصدار الدستور الجديد ؛ كنا نعتقد بأن ميثاق العمل الوطني سوف يحقق لنا هذين المطلبين الأساسيين ، وهما تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية ، وذلك استنادا لدستور 1973 ، ولميثاق العمل الوطني ، وللوعود والالتزامات التي قدمها سمو الأمير – حفظه الله تعالى – للرموز السياسية والدينية ، وعلى رأس هذه الالتزامات حاكمية الدستور على الميثاق ، وأن المجلس المعين استشاريا فقط ، وليس من صلاحياته إعاقة القرارات والقوانين التي تصدر عن المجلس المنتخب ، وكنا نعتقد بأننا نمتلك دستورا تتوافق عليه الحكومة مع المعارضة وهو دستور 73 ، وأن ذلك أساسا قويا للاستقرار السياسي في البلد ، وكنا نطمح أو نحلم بأننا في البحرين سوف نقدم نموذجا بحرينيا متميزا للحياة البرلمانية والسياسية تستفيد منها دول المنطقة والدول العربية قاطبة ، ولكن بعد تاريخ بعد 14/2/2002م لم يعد الدستور الذي تتوافق عليه المعارضة مع الحكومة موجودا ، ولم تعد لدينا سلطة تشريعية ، وإنما كل الذي قدمه لنا الدستور الجديد كان مجرد تطوير لمجلس الشورى ، وحسب ما ينص عليه الدستور الجديد ليست لدينا سلطة تشريعية ، ولا يوجد فصل بين السلطات ، وحتى إمكانية التغيير عن طريق هذا الدستور غير ممكنة ، فإذا تمسكنا بالدستور الجديد فينبغي أن نعيش اليأس من التغيير ، وهكذا تبخر ذلك الحلم أو الطموح ، وأصبح من تفكيرنا .. هل نشارك أو لا نشارك في الحياة البرلمانية القادمة ، وأغلب الاتجاه العام هو مع عدم المشاركة ، وأصبحنا نتكلم أيضا عن انقلاب حقيقي على الدستور ، فنحن نعيش الآن انقلابا على الدستور وعلى ميثاق العمل الوطني وعلى الوعود والالتزامات ، هذه هي الحالة التي نعيشها بعد تاريخ 14/2/2002م ، وبالتالي فنحن بعد هذا التاريخ نعيش انتكاسة أكثر فداحة من انتكاسة عام 1975م .

بعد ذلك أريد أن أشير إلى ثلاثة أمور :-

ليس في محله

الأمر الأول : أن البعض يحمل الرموز وأصحاب المبادرة مسئولية ما حدث لأنهم دفعوا الناس للتصويت بنعم على الميثاق ، كما يطالبونهم بحضور ودور أكبر في هذه المرحلة . أقول إن تحميل الرموز وأصحاب المبادرة المسئولية في ما حدث ليس في محله ؛ لا لأنهم ليس لهم دور مصيري في التصويت بنعم على الميثاق ، فأنا أقول وأؤكد بأن لهم دور مصيري في ذلك ، فسمو ولي العهد – حفظه الله – في المقابلة التي أجراها قبل الاستفتاء ونشرتها الصحافة المحلية ؛ كان يراهن على 51% من التصويت بنعم على الميثاق لإمضائه ، فالحكومة لم تكن تطمح أو تتوقع نسبة 98,4% ، وإنما هذه النسبة جاءت بعد الالتزامات التي قدمها سمو الأمير لأقطاب المعارضة ، وبناء عليها تمت الدعوة بالتصويت بنعم على الميثاق ، حيث تحركت الرموز على المعارضة في الداخل والخارج وأقنعت الناس بالتصويت على الميثاق ، فالتصويت بنعم على الميثاق جاء بناء على وجود دستور ، ووجود ميثاق سيفعل هذا الدستور ، ووجود التزامات مثبتة تضع الحاكمية للدستور على الميثاق ، وتبين وظيفة كلا المجلسين ، وأن أي سياسي في العالم حينما توجد هذه المؤشرات الإيجابية لا يستطيع إلا أن يقول نعم ، ومع وجود هذه المؤشرات ، إذا وضع السياسي احتمالا أن يكون هناك تخلٍّ أو مخالفة لهذه الالتزامات وبناء على ذلك يقول لا فهو ليس بسياسي وليس إنسانا واقعيا في نفس الوقت ، ولو أن المعارضة مع وجود الدستور ووجود الميثاق ووجود الالتزامات لم تدعو للتصويت بنعم لكانت ملامة من قبل المراقبين ، وسمو الأمير يستطيع بأن يقول : بأنني مددت يدي للمعارضة بهدف الإصلاحات ولكن المعارضة رفضت كل ذلك دون أي مبرر لمجرد أنها تعيش هاجس الخوف والتشكيك ، وفي هذه الحالة فإن المعارضة ستفقد حتى أصدقاءها ، فالموقف كان صحيحا ، ولكن ماذا تمتلك المعارضة أمام حالة انقلاب على الدستور والميثاق والالتزامات ، فنحن يجب أن نعرف أن ما حصل كان انقلابا على كل ذلك ولا نلوم المعارضة ، فهل توجد وثيقة أكثر أهمية وخطورة من الدستور ؟!! ، والانقلاب كان على الدستور نفسه ، وبالتالي فأصحاب المبادرة كانوا معذورين لهذا السبب .

لا يصح

لكن مطالبة الرموز وأصحاب المبادرة بأن يكون لهم حضور وتواجد في هذه المرحلة شيء صحيح ، فهم مطالبون بأن يكون لهم حضور ودور فاعل في هذه المرحلة ، وأن يكون لهم إعلان واضح عن خطتهم وبرامجهم وآليات وأساليب عملهم في هذه المرحلة ، فإنه لا يصح أبدا أن يترك الربان دفة السفينة وقت العاصفة ، وإنما الربان الصادق هو الذي يربط مصيره بمصير ركاب السفينة .. إنه شرف المهنة وشرف القيادة .

يجب العودة للمادة 104

الأمر الثاني : وفيه عدة نقاط :
النقطة الأولى : أن ميثاق العمل الوطني أشار إلى إحداث تعديلات في الدستور ، وهي تعديلات تتعلق بمسألتين ، المسألة الأولى وتتعلق بمسمى الدولة بأن تتحول إلى مملكة ، والمسألة الثانية هي مسالة المجلسين ، ولكن الميثاق لم يحدد آلية التعديل ، ولم يشر إلى مضمون التعديلات ، ووفق كل المقاييس الدستورية يجب العودة إلى المادة 104 من الدستور .
لم يخول
النقطة الثانية : أن الميثاق لم يخول سمو الأمير – حفظه الله – بإحداث أو إجراء التعديلات ، ولا يمكن أن يكون هناك تخويل من الميثاق بذلك ، لأن فيه مخالفة صريحة للدستور ، والذي حدث في البحرين بإجراء التعديلات أو تقديم دستور جديد بمرسوم أميري لا يوجد له مثيل في العالم أبدا ، وتجربة البحرين فريدة من نوعها في العالم كله ، حيث لا يوجد في العالم كله إجراء تعديلات دستورية بمرسوم أميري ، ولهذا ذكرت في ندوة الأربعاء بنادي النويدرات بأن أسوء خيار هو هذا الخيار ، وأنه سوف يضر بسمعة البحرين ، فالبحرين كسبت سمعة دولية تحت عنوان الإصلاحات وخسرت هذه السمعة بسبب التعديلات الدستورية ، والبحرين التي كانت تسعى للاحتذاء بالديمقراطيات العريقة ما كان لها أن تأتي بهذه التجربة الفريدة من نوعها في التعديلات !!! وإنما كان ينبغي لها أن تلتزم بالنهج والمبادئ الدستورية في التعديل ؟!! ، لقد كان جدير بها أن تأخذ بالنهج الدستوري في التعديلات ، لا أن تأتي بالتعديلات أو الدستور الجديد بهذا الأسلوب .

أقبرت .. وجاءت .. ولم تكتف

النقطة الثالثة : إن ميثاق العمل الوطني أشار إلى التعديلات في مسألتين : في مسمى الدولة والمجلسين ، بينما التعديلات نسفت الدستور القديم ، وقد عبر عنها البعض بأنها أقبرت الدستور القديم وجاءت بدستور جديد ، ولم تكتف بالتعديلات في المسألتين اللتين أشار إليهما الميثاق .

مجلس مضخم

لهذا لا يمكننا القول بدستورية هذا الدستور وشرعيته ، والناتج – كما ذكرت قبل قليل – بأنه لم يعد لنا دستور نتوافق عليه ، ولم تعد لدينا سلطة تشريعية وإنما الذي حدث هو مجرد تطوير لمجلس الشورى ، والجدير بالذكر بأن مصر تمتلك مجلس شورى ونواب ، وأن مجلس الشورى له وظيفة استشارية فقط وليس له وظيفة تشريعية ، ومع ذلك فنصفه منتخب ونصفه معين حاله حال المجلس الوطني الحالي في البحرين ، مما يدل على أن المجلس الوطني في البحرين هو مجلس شورى مضخم ومطور عن السابق ، وفي ذلك تبذير للثروة من غير طائل ، وفي المحصلة النهائية لا توجد لدينا سلطة تشريعية وكل الذي نملكه مجلس شورى ضخم فقط ، كما لم يعد لدينا فصل في السلطات التي أشار لها الدستور القديم والجديد ، فالسلطة التنفيذية مهيمنة على السلطة التشريعية ، والملك على رأس كل السلطات ، أي على رأس السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، بل حتى المادة الأخيرة التي تتكلم عن المحكمة الدستورية أعطت المحكمة الدستورية سلطات تشريعية ، بالإضافة إلى أنه أصبح من غير الممكن إحداث التغييرات في الدستور الجديد ، وهذا معناه أن هناك عملية تطويق وسلب ، فالدستور الجديد سلب من الشعب الصلاحيات التي يمتلكها في الدستور القديم وطوقه وقطع عليه الطريق للتغيير والتطوير ، ولهذا قلنا بأن انتكاسة فبراير 2002م أفدح من انتكاسة أغسطس 1975م .

التأسيس لمعارضة

الأمر الثالث : أن الذي بقي لنا من عهد الميثاق هو مساحة الحرية ، أي حرية التعبير والحركة ، فالميثاق أوجد لنا هذه المساحة من الحرية ومازالت باقية كما أن الدستور الجديد كفلها لنا ، والمطلوب الآن – حسب تقديري الشخصي – هو توظيف هذه المساحة للتأسيس إلى معارضة سياسية سلمية تستخدم كل الأساليب والوسائل السلمية المشروعة لتحقيق أهدافها ، وهذه المسئولية هي مسئولية الرموز والمؤسسات والمجتمع .

لا يتسع للآراء الفردية والمرتجلة

وبعد هذا أذكر بأن الوضع الحالي لا يتسع أبدا للآراء الفردية ، ولا يتسع أيضا للآراء المرتجلة ، فينبغي أن تكون لنا رموزا ومؤسسات ومجتمعا رؤية مشتركة مدروسة دراسة جيدة ومتأنية حول ما ينبغي عمله في هذا الوقت ، وترتكز هذه الرؤية على مبدأ المحافظة على المصلحة الوطنية والدينية العليا كما ترتكز على التصرف المسئول للمعارضة .

يجب علينا

وأذكر أيضا بان هناك من يرى قبول الأمر الواقع ومسايرته ، ويجب علينا أن نحترم هذا الرأي ونفسح له الطريق ، كما يجب على أصحاب هذا الرأي أن يقبلوا الرأي الآخر الذي يدعو إلى المعارضة وأن يفسحوا له الطريق للتعبير عن نفسه ، ويفسحوا له الطريق للحركة والعمل .
وينبغي علينا جميعا أن نعرف ثلاثة أمور :
أولا : أن نعرف كيف نتعايش سلميا مع بعضنا البعض .
ثانيا : أن نعرف كيف نحافظ على مكتسباتنا الدينية والوطنية .
ثالثا : أن نعرف كيف نرتقي بالمجتمع والدولة نحو الأفضل .
أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله لي ولكم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 9 ذي الحجة 1422 هـ الموافق 21 / 2 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.