محاضرات وندوات عام 2010

مسألتان من سيرة الإمام السجاد (عليه السلام)

كلمة الأستاذ عبد الوهاب حسين بمناسبة مواليد أبطال كربلاء (عليهم السلام)

مسألتان من سيرة الإمام السجاد (عليه السلام)
الموضوع: كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين.
المناسبة: مواليد أبطال كربلاء (عليهم السلام).
العنوان: مسألتان من سيرة الإمام السجاد (عليه السلام).
المكان (1): مأتم أنصار الحسين (ع) البلاد القديم.
التاريخ: 4 / شعبان / 1431هج.
الموافق: 17 / يوليو ـ حزيران / 2010م.
المكان (2): مسجد أبو طالب ـ مدينة حمد.
التاريح: 6 / شعبان / 1431هح.
الموافق: 19 / يوليو ـ حزيران / 2010م.


أعوذ بالله السميع العليم، من شر نفسي الأمارة بالسوء، ومن شر الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار.

السلام عليكم أيها الأحبة: أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته.

في البداية: أرفع أسمى التهاني والتبريك إلى مقام إمامنا وسيدنا وشفيع ذنوبنا الحجة بن الحسن العسكري (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ـ لاسيما ولي أمر المسلمين ـ وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، في مشارق الأرض ومغاربها، وإليكم أيها الأحبة الأعزاء بمناسبة الذكرى السنوية الميمونة لمواليد أبطال كربلاء (عليهم السلام).

أيها الأحبة الأعزاء: حديثي لهذه الليلة من المناسبة يدور حول الإمام السجاد (عليه السلام) وفي القسم الأخير من الكلمة سوف أتحدث ـ بناء على رغبة الأخوة ـ عن الساحة الوطنية.

الإمام السجاد (عليه السلام) هو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت الاثنى عشر (عليهم السلام) وقد ولد في الكوفة، بتاريخ: 5 / شعبان / 38هج، في زمن خلافة جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أي: قبل سنتين من شهادته غيلة على يد أشقى الآخرين عبد الرحمن بن ملجم (عليه اللعنة) بتاريخ: 21 / رمضان / 40هج، وقد سجد جده أمير المؤمنين لولادته شكرا لله تبارك وتعالى، وسماه عليا.

وقد تولى الإمام السجاد (عليه السلام) زمام الإمامة في يوم الجمعة، بتاريخ: 10 / محرم / 61هج، بعد شهادة سيد الشهداء أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) مظلوما عطشانا في كربلاء، وكان عمر الإمام السجاد (عليه السلام) يوم توليه الإمامة (22: سنة) ودامت إمامته لمدة (34: سنه) حيث استشهد مسموما في المدينة المنورة على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان، بتاريخ: 25 / محرم / 95هج.

وبهذه المناسبة سوف أتحدث عن مسألتين من سيرة الإمام السجاد (عليه السلام)..

المسألة (1) نجاته من القتل في كربلاء: من المعلوم أن الإمام السجاد (عليه السلام) كان مريضا مرضا أقعده عن القتال في كربلاء، وكان ذلك هو الحجة الشرعية الظاهرة لعدم مشاركته في القتال لنصرة أبيه الإمام المظلوم الحسين بن علي (عليهما السلام) قول الله تعالى: { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (التوبة: 91) والعلة الظاهرة لنجاته من القتل، إلا أن وراء نجاته من القتل علة كبرى، وهي أرادة الله العليا التي تعلقت ببقائه وذلك لتوقف بقاء الرسالة التي تكفل الله عز وجل ببقائها ووصولها للناس كما أنزلها على بقائه (عليه السلام) فقد تكفل الله عز وجل ببقاء الرسالة، قول الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر: 9) وبقاء الرسالة متوقف على بقائه (عليه السلام) فهو الإمام الحامل للرسالة والحافظ لها بعد أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) وهو السبيل الوحيد الباقي بعد فاجعة كربلاء لبقاء نسل الإمام الحسين (عليه السلام) ومنهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فمن المعلوم: أن الأئمة التسعة المتبقون بعد الإمام الحسين (عليه السلام) هم جميعا من نسله، وقد قتل في كربلاء جميع أولاد الإمام الحسين (عليه السلام) ولم يبق منهم إلا الإمام السجاد (عليه السلام) ففيه انحصر نسل الإمام الحسين (عليه السلام) من الأئمة ومن سواهم. وقد كانت أسباب الموت القريبة والشديدة تخفق فوق رأس الإمام السجاد (عليه السلام) وتحف به من كل جانب وصوب في كربلاء أثناء الفاجعة وفي الكوفة والشام أثناء الأسر، وقد شمل القتل في كربلاء حتى بعض الأطفال من آل الحسين (عليه السلام) إلا إن إرادة الله عز وجل تعلقت ببقاء الإمام علي بن الحسين السجاد (عليهما السلام) فلو اجتمع أهل الدنيا كلهم جميعا على أن يقتلوا الإمام السجاد (عليه السلام) لما استطاعوا قتله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، فإرادة الله عز وجل التي تعلقت ببقائه لا تقهر ولا تغلب ولا بأي حال من الأحوال، قول الله تعالى: { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (المجادلة: 21).

والدرس: أن لله عز وجل إرادة نافذة لا تقهر ولا تغلب في تدبير المسيرة التاريخية للإنسان، وأن هذه المسيرة سوف تنتهي حتما للنتائج التي يريدها الله تبارك وتعالى بدون أن يعطل ذلك ملكة الاختيار لدى الإنسان أو يعطل دوره ومسؤوليته في حمل الرسالة والدفاع عن الحق والحقوق، حيث تكفل الله عز وجل بأن يقيض لحمل الرسالة أناس شرفاء صادقون يكونون في نصرة الحق والعدل والخير والفضيلة دائما وأبدا، فإن لم نكن نحن فسوف يكون غيرنا، قول الله تعالى: { وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } (محمد: 38) فعلى كل إنسان أن ينظر لنفسه ويحدد موقعه من هذه الإرادة الربانية القاهرة..

  • فإما أن يكون معها وفي صفوف أناسها فيكون من الفائزين.
  • أو يكون ضدها وخارج صفوف أناسها فيكون من الخاسرين.

وقد ورد ضمن الدعاء المأثور للقائم الحجة المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) المروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: ” واجعلنا ممن تنتصر به لدينك وتعز به نصر وليك ولا تستبدل بنا غيرنا فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا كثير ” (مفاتيح الجنان. ص712).

المسألة (2) خصوصية دوره (عليه السلام): الإمام السجاد (عليه السلام) هو الإمام الرابع من الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وقد سبق القول أن ولادته (عليه السلام) كانت في الكوفة في زمن خلافة جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهو أول إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يكن موجودا في عصر النبوية، فالأئمة الذين سبقوه: (الإمام علي بن أبي طالب، والإمام الحسن بن علي، والإمام الحسين بن علي) كانوا جميعا موجودين في زمن النبوة، وقد قال فيهم الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الكثير من الأحاديث الشريفة التي تُعرف الناس بمنزلتهم عند الله تبارك وتعالى، وبموقعهم القيادي كأئمة للمسلمين، وقد أحاطتهم تلك الأحاديث بهالة قدسية لدى المسلمين جميعا، ولم تكن للإمام السجاد (عليه السلام) في أول عهده بالإمامة مثل تلك الهالة من القدسية، وكان ذلك يمثل له تحديا في ممارسة دوره الرسالي كإمام في الأمة الإسلامية.

كما واجه الإمام السجاد (عليه السلام) تحدي آخر، حيث أن إمامته جاءت بعد شهادة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) بشكل مروع في كربلاء، وبروز الشعور بالذنب والغضب لدى المسلمين والحاجة إلى الانتقام من قتلته والتكفير عن ذنب خذلانه والتقصير في نصرته، وهذا يتطلب مواقف ثورية من الإمام السجاد (عليه السلام) في مواجهة النظام الأموي الباغي.

وفي نفس الوقت: فإن خطة عمل الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) في التبليغ بالرسالة وتصحيح مسار الأمة، تقتضي انتقال عملهم بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من المواجهة العسكرية إلى العمل الفكري والسياسي وبناء الكيان المؤمن (كيان التشيع) وبالتالي فإن الإمام السجاد (عليه السلام) كان أمام مهمتين تسيران في اتجاهين متعاكسين..

  • الانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) وهذا يتطلب مواجهة عسكرية.
  • انتقال عمل الأئمة (عليهم السلام) من المواجهة العسكرية إلى مرحلة العمل الفكري والسياسي وبناء الكيان المؤمن.

وقد نجح الإمام السجاد (عليه السلام) في السير المتوازن جدا بحكمة بالغة على الحد الحاد والدقيق في الإدارة السياسية للملفات الساخنة والمواقف المطلوبة سياسيا ودينيا..

  • فسمح لحركات الانتقام والثورة في الانطلاق بدون إعاقة، والانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) وتصفية جميع زعمائهم المجرمين، والتمهيد لسقوط النظام الأموي الباغي، فكانت ثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري في العام (63هج) وثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي في العام (65هج) وثورة المختار الثقفي في العام (66هج) وغيرهم.
  • وسار هو مع بعض أصحابه بكفاءة منقطعة النظير في العمل الفكري والسياسي وبناء الكيان المؤمن والمحافظة على الممثلية الحقيقية للرسالة وعملها على المدى البعيد للرسالة وتصحيح الأوضاع العامة في الأمة الإسلامية.

وقد نجحت خطط الإمام السجاد (عليه السلام) وسياساته في كسب ثقة العامة والخاصة من أبناء الأمة، فغرس فيهم الولاء العميق والواعي لخط الإمامة، وظهرت له في الأمة قدسية ضخمة لا تقل عن القدسية التي كانت للأئمة المعصومين الذين سبقوه من أهل البيت (عليهم السلام) وهم: (الإمام علي بن أبي طالب، والإمام الحسن بن علي، والإمام الحسين بن علي) وحظي في وسط الأمة بولاء جماهيري واسع النطاق، والدليل على ذلك ما حصل في البيت الحرام مع الزعيم الأموي هشام بن عبد الملك، فقد روى المؤرخون أن هشام بن عبد الملك بن مروان، حضر في أحد مواسم الحج، وقد حاول أن يستلم الحجر الأسود، فلم يستطع لزحمة الحجيج، فأمر مرافقيه من أهل الشام أن يحضروا له منبرا ليجلس عليه حتى تحين فرصة يقل فيها تدفق الحجيج فيستلم الحجر، وبينما هو جالسا ومرافقيه محيطون به بالقرب من الكعبة الشريفة، إذ أقبل الإمام السجاد (عليه السلام) يسير على سكينة ووقار، فطاف حول البيت حتى بلغ الحجر الأسود، فانفرج الناس إجلالا له، فاستلم الحجر في يسر وسهولة، وأدى منسكه ـ وهذا يدل على عمق تأثير الإمام السجاد في الأمة وصلتها غير الاعتيادية به ـ مما أذهل الشاميين المرافقين لهشام بن عبد الملك، فسألوه من يكون هذا الذي أفرج له الناس إجلالا ليستلم الحجر الأسود ويؤدي منسكه ولم يفرجوا لك وأنت الزعيم الأموي الكبير ؟ فأجاب: بأنه لا يعرفه !! وكان الشاعر المعروف (الفرزدق) حاضرا، وكان من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) فقال: أنا أعرفه، فطلب الشاميون تعريفهم به، فأنشد قصيدته المعروفة التي قال فيها:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته       والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خـير عبـاد الله كلــهم       هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريـش قـال قائلهـا       إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله       بجده أنبياء الله قد ختموا

وليس قولك من هذا بضائره       العرب تعرف من أنكرت والعجم

وقد قبض على الفرزدق بعد هذه القصيدة وحبس في عسفان بين مكة والمدينة.   

والدرس: أن نميز بين القيادة الشجاعة التي تمتلك رؤية واضحة في العمل وتسير بوعي كامل على هديها، وبالتالي تستطيع الاستجابة الواقعية المناسبة لمقتضيات الرسالة والساحة، وبين القيادة الضعيفة أو القيادة التي ليس لها رؤية واضحة فتتخبط في العمل ذات اليمين وذات الشمال ولا تدري ماذا تفعل، أو تستجيب للحوادث استجابة انفعالية، وبالتالي لا تستطيع أن تستجيب الاستجابة الواقعية المناسبة لمقتضيات الرسالة وساحة العمل..

  • إما بسبب الضعف.
  • أو بسبب فقدان الرؤية الواضحة.
  • أو بسببهما معا.
  • أو الوقوع تحت تأثير الانفعال ونحوه.

وفي ختام الحديث عن الإمام السجاد (عليه السلام): أرغب في التنبيه إلى خطأ يتداوله بعض المؤمنين، وهو القول بتعايش بعض الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) مثل: الإمام الحسن، والإمام السجاد، والإمام الباقر، والإمام الصادق (عليهم السلام) مع الظلم والظالمين، وذلك لتبرير سلوك سياسي ما، فهذا القول ـ بحسب فهمي ـ لا يستند ـ مع حسن النية ـ إلى فهم صائب لحقيقة الإمامة، ودور الأئمة (عليهم السلام) في الحياة، وصاحبه يفتقر إلى البصيرة الكاشفة عن الحقائق في موضوع البحث، فجميع الأئمة الأطهار من أهل البيت (عليهم السلام) هم القيادة العليا لمشروع السماء لهداية الأرض، وإخراج الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهداية، فهم قادة إصلاح ومواجهة لكافة أشكال الباطل والظلم والفساد والشر والرذيلة، وهم قادة بناء حضارة الخلافة الإلهية للإنسان على وجه الأرض، وذلك على أنقاض حضارات الفساد والطاغوت، والله تعالى يقول: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } (هود: 113) فلا أحد من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والأولياء والصالحين يركن إلى الظلم والظالمين، لأنه ركون إلى غير الله عز وجل، وإلى غير الحق، وهو من الجهل والضلال، وعاقبته النار. 

وبخصوص الساحة الوطنية: كلكم يرى بوضوح التصعيد غير المسبوق للسلطة ضد المواطنين، على صعيد استخدام القوة المفرطة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، مثل: حصار القرى، والعقاب الجماعي اليومي لأهلها بالاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، والرصاص المطاطي، وسلاح الشوزن المحرم دوليا، واعتقال كل من ينقل إلى المستشفى من المصابين بالشوزن، وفيهم أناس لا علاقة لهم بالأحداث، وقد أصيبوا نتيجة للعقاب الجماعي الذي تنتهجه السلطة ضد أهالي القرى، وتوجه إليهم تهمة التجمهر وتدينهم في محاكمها الصورية غير النزيهة، لكي تبرئ ساحتها من استخدام عنف الدولة ضد الأبرياء، وعلى صعيد استخدام قوانين الإرهاب لأول مرة وإصدار أحكام بالمؤبد ضد أبنائنا الأبرياء من شباب المعامير في قضية تفتقر للمقومات القانونية للحكم فيها بالإدانة، وإصدار أحكام جائرة تصل لعشر سنوات ضد أبرياء آخرين، وعلى صعيد محاصرة بعض المساجد ودور العبادة بقوات الشغب من المرتزقة، ومنع العلماء من صلاة الجماعة وإلقاء الخطب فيها ـ كما حصل لمسجد الإمام الصادق (عليه السلام) بالقفول ـ وعلى صعيد التعدي على الرموز الدينية وإهانة علماء الدين والإساءة إليهم بدون مبرر معقول ـ كما حصل لفضيلة الشيخ المحروس أمام مبنى المحكمة ـ وغير ذلك، وهي أعمال إرهابية تقوم بها السلطة بهدف كسر شوكة المعارضة، وإسكات الأصوات الحرة المطالبة بالحقوق العادلة لأبناء الشعب، والمنتقدة لتجاوزات السلطة وانتهاكاتها البشعة لحقوق المواطنين، والذي يشجع السلطة على ذلك أربعة عوامل أساسية..

  • تفرق قوى المعارضة وفشلها في الإدارة الحكيمة لخلافاتها.
  • ما تمتلكه السلطة من قوات عسكرية، مثل: الجيش، والحرس الوطني، وقوات الشغب، وهي تقوم بدور ظاهر في القمع والإرهاب، وتغلغل عناصر الأجهزة الأمنية (المخابرات) في أوساط المواطنين، حيث تقوم بالتجسس على المواطنين، والعمل على تفريق صفوف المعارضة، والتحريض ضدها، وبث الفتنة بينها، وهو دور خفي خبيث يجب علينا جميعا الحذر منه، فأنا أرى تأثيرات هذا الدور الخبيث ظاهرة بيننا، ولا أرى الوعي الكافي لدى البعض بهذا الدور وخطورته، وقد يقع الكثير منهم في المصيدة، ويتم خداعهم والتأثير على قناعاتهم ومشاعرهم ومواقفهم بخلاف ما يريدون !!
  • الدعم الأمريكي غير المحدود للسلطة، فكلكم عرف عن التوسعة الجديدة للقاعدة الأمريكية بكلفة (580) مليون دولار، وهذه التوسعة بهذه الكلفة الكبيرة ناظرة إلى زمن طويل محوره السلطة، وليس لزمن قصير، مما يعني أن أمريكا سوف تقدم كل الدعم للسلطة على الصعيد المحلي والإقليمي، والسلطة تعول كثيرا على هذا الدعم الأمريكي غير المحدود.
  • التجنيس ودوره في قلب المعادلات السياسية على الساحة الوطنية لصالح السلطة.

وأقول: مثل ما أنا على يقين من طلوع الفجر من ليتنا هذه، فأنا على يقين بأن الحل الأمني لن يوصل السلطة إلى نتيجة، وأنها تعيش في مأزق حقيقي، والسبيل إلى خروجها من هذا المأزق هو الحل السياسي الجدي الذي يستجيب لمطالب الشعب العادلة، وليس الحل السياسي ألترقيعي، فقد جربت السلطة الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي، وظنت بأن الأمور سوف تستقيم إليها، ولكنها متفاجئة الآن ومذهولة بما وصل إليه الوضع على الساحة الوطنية، وخابت جميع ظنونها.

وقد تحدث البعض عن اختلاف في العائلة الحاكمة حول أسلوب التعاطي مع الوضع على الساحة الوطنية، حيث يطالب البعض منهم باحتواء الوضع قبل أن تصل الأمور إلى مستوى أكبر من التدهور أو ألا رجعة، وأنا لا أعرف شيئا عن هذا الاختلاف، ولا أعرفا شيئا عن المستندات التي اعتمدها أصحاب هذا الطرح، ولكني على يقين بأنه إذا كان هناك شخص رشيد في السلطة أو العائلة الحاكمة، فإنه يدرك الخطأ فيما تفعله السلطة، وأن ما تفعله السلطة ليس في مصلحتها، وأنه سوف يجر عليها الكثير من المصائب الكبيرة والويلات، وبدوري أنصح السلطة بأن تصحح الخطأ قبل أن تفقد كل شيء.

ومن جهتنا: فإننا نحتاج في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بنا والعقبات التي تضعها السلطة في طريقنا، إلى أمور عديدة، أهمها:

  • توحيد صفوفنا.
  • الإدارة الرشيدة.
  • توفير الكوادر التي تمتلك العلم والخبرة.
  • الإرادة الجدية للتصحيح والمواجهة والبناء السليم للدولة، وحينما أتكلم عن الإرادة الجدية، فإني أتكلم في الحقيقة عن الحد الفاصل بين الإدعاء الذي تمثله الخطب المنبرية، والحقيقة التي يمثلها المنهج الصحيح والأفعال القوية.

وأرى بأن الواجب الديني والوطني يحتم علينا ـ في ظل الظروف الراهنة ـ أن نتجاوز ذواتنا ومصالحنا الخاصة: الشخصية والحزبية ونحوها، لكي ننجح في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بنا والعقبات التي تضعها السلطة في طريقنا، وأرى بأن وقوف أي منا ـ في ظل الظروف الراهنة التي نمر بها ـ عند حدود ذاته ومصالحه الخاصة: الشخصية أو الحزبية، فإنه يكشف..

  • عن أنانية بشعة تصل إلى درجة الجريمة.
  • أو الغرق في ظلمات الجهل والغفلة وفقدان البصيرة.

أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر عن كل خطأ أو تقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.