لقاء الثلاثاء

لقاء الثلاثاء ( 49 )

لقاء الثلاثاء ( 49 )
مساء الاثنين ـ ليلة الثلاثاء
بتاريخ : 10 / جمادى الثاني / 1431هج
الموافق : 24 / مايو ـ آيار / 2010م
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأخيار

• لقد انحسرت عقيدة الإلحاد التي تقوم على أساس فلسفي دوليا، والتحدي الفكري الحقيقي الذي يواجه الإسلام في الوقت الحاضر دوليا وفي العالم الإسلامي، هو العلمانية، أعني : فصل الدين عن الشأن العام، وحصره في الشأن الخاص .


• لقد ضمن الله سبحانه وتعالى على نفسه لعباده المؤمنين الذين يجاهدون بصدق وإخلاص من أجله، أن يحقق لهم مبتغاهم .
• لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن وبين فيه الحقائق الأساسية التي يحتاجها الإنسان من أجل هدايته، ونصب وليا إماما ليمارس التوضيح والهداية الميدانية على الأرض، وطاعته لازمة من أجل السعادة والوصول، فلا حجة للإنسان على الله عز وجل بعد نزول القرآن الكريم ونصب الإمام الهادي إليه .
• الارتباط بالله ذي الجلال والإكرام من خلال العشق يحيي الروح الإلهية في الإنسان ويشعلها، ويحوله إلى موجود نوراني يحمل روح الله تبارك وتعالى، ويتحلى بصفاته وأخلاقه .
• انطلاقة العاشق وعطاؤه لا حدود لهما، وأن العشق يرفع الإنسان إلى درجات من القرب لا يقوى عليها الخوف من النار أو الطمع في الجنة ولا يقوى عليها الارتباط التقليدي البارد بالله جل جلاله .
• العاشق الحقيقي المخلص في عبادته لله تبارك وتعالى يكون همه في الطاعة والعبادة ولا يبحث عن المقامات والكرامات، فالكرامات قد تكون نتيجة لرياضة روحية يقوم بها الشخص، ولا تكون الكرامات دليلا على الصدق دائما، وتكون ساحة العاشق بريئة دائما من كل إدعاء كاذب أو إيهام باطل .
• أطروحة التكامل لم تكن موضوع اختلاف بين قوى الممانعة، وأن تيار الوفاء الإسلامي قد عبر عن متبنى واضح لخط الممانعة ككل وليس عن متبنى خاص به، ولست مستوعبا طرح بعض المؤمنين الرافض لأطروحة التكامل، ولست راضيا عن النقد الحاد المتشدد لأطروحة التكامل، وما يصاحبه من تشنج بين الجماهير .
• الغضب يكون سببا يدفع الإنسان ليحمي دينه ووطنه وناسه ويتحرك لتصحيح الأوضاع الخاطئة، فهو شعلة من نار اقتبست من نار الله الموقدة، تستخرجها حمية الدين والعرض والوطن من قلوب المؤمنين والشرفاء، فمن لا يغضب لا حمية له ولا غيرة .
• لنتأمل جيدا، فقد أعطينا لأنفسنا الحق في أن نكون متشددين تجاه الأخوة في الوفاق، وجئنا بمبررات لهذا التشدد، وهناك في صفوف الوفاقين من لديهم المبررات للتشدد ضدنا، فإذا سار كل طرف في هذا الاتجاه المتشدد ضد الطرف الآخر !! فما هي النتيجة ؟
• يجب احترام القيادة وتقديرها والالتزام بطاعتها، إلا أن الطاعة للقيادة لا تكون طاعة عمياء، فالطاعة العمياء تحول الأتباع إلى قطيع من الأغنام أو الكلاب لا قيمة لهم سوى أنهم أداة لتحقيق مآرب القائد، ولن يكون القائد في هذه الحالة إلا قائدا شيطانيا طاغوتا مستبدا، ولن يكون ـ بأي حال من الأحوال ـ قائدا رحمانيا .
• راقبوا القيادة وحاسبوها وانتقدوها نقدا إيجابيا وعبروا عن آرائكم في مختلف الأطروحات والمواقف، ولكن حافظوا على الاحترام والتقدير والطاعة والعلاقة السوية مع القيادة التي تمكنها من القيام بمهامها والنجاح في تحقيق أهدافها، ويجب أن تحرص القاعدة على تحصين نفسها ضد الاختراقات ومؤامرات الأعداء .
• لا يصيبكم الغرور، ولا تتحدثوا عن الكثرة، واحمدوا ربكم وأسالوه دوام التوفيق والنجاح، فإن الغرور والحديث عن الكثرة من الشيطان الرجيم .

العلاقة مع الله تبارك وتعالى ..
تحدث الأستاذ في هذا الأسبوع حول العلاقة مع الله تبارك وتعالى، وقال : لقد انحسرت عقيدة الإلحاد التي تقوم على أساس فلسفي دوليا، والتحدي الفكري الحقيقي الذي يواجه الإسلام في الوقت الحاضر دوليا وفي العالم الإسلامي، هو العلمانية، أعني : فصل الدين عن الشأن العام، وحصره في الشأن الخاص، والبحث في هذا الشأن له مستويين ..
• البحث الفكري المنهجي .
• البحث المستند إلى الواقع .
وأعتقد بأن قدرة الإسلام على إثبات رؤيته على المستوى الفكري قوية جدا، إلا أن نقطة الضعف تتمثل في الواقع المنحرف المستغل للدين، كما كان حال الكنيسة في العصور الوسطى الذي أسس عمليا للتمرد على الدين، وظهور العلمانية في الغرب، والحكومات المستبدة التي استغلت الدين في العالم الإسلامي أسوء استغلال، كما كان الحال في العهد الأموي والعباسي، وحال الكثير من الحكومات في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، وظهور الحركات الإسلامية المتطرفة، مثل : طالبان والقاعدة ونحوهما، والمطلوب في سبيل الإقناع بالرؤية الإسلامية ..
• الاهتمام بالمستوى الفكري وبناء رؤية فكرية قوية متكاملة ومتماسكة تستند إلى الدليل والبرهان العقليين .
• نقد الواقع المستغل للدين في الماضي والحاضر وعلى كافة الوجوه والمستويات .
• إيجاد تجارب واقعية على الأرض تمثل الدين تمثيلا حقيقيا وصادقا، مثل : مقاومة حزب الله في لبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران .
وقال : لا أريد أن في هذه الليلة التوسع في هذا الجانب من البحث، وإنما أرغب في الانتقال إلى جانب آخر أشعر بحاجتنا نحن إليه .

وقال : الميزة الوجودية للإنسان الذي تميزه عن جميع الموجودات، هي قدرته على صناعة ماهيته بنفسه من خلال عقله واختياره، فهو الموجود الوحيد الذي يستطيع ..
• أن يجعل لنفسه ماهية أفضل من الملائكة، وأن يتحول من اللاشيء، قول الله تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } ( الإنسان : 1 ) أو من الفقر التام إلا ما منحه الله سبحانه وتعالى من القابليات والاستعدادات، قول الله تعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( النحل : 78 ) ليكون ملكا حقيقيا من ملوك الوجود وسلاطينه، قول الله تعالى : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } ( القمر : 55 ) وقول الله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا } ( الإنسان : 20 ) وفي الحديث القدسي : ” عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون ” بل يكون جليس الله سبحانه وتعالى في عرشه .
• أو يجعل لنفسه ماهية شيطانية أهبط من ماهية الحيوان، قول الله تعالى : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } ( الفرقان : 44 ) تهوي به إلى الدرك الأسفل في نار جهنم، قول الله تعالى : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ . إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ . فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ } ( الحاقة : 30 ـ ) .

وقال : لقد ضمن الله سبحانه وتعالى على نفسه لعباده المؤمنين الذين يجاهدون بصدق وإخلاص من أجله، أن يحقق لهم مبتغاهم، قول الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ( العنكبوت : 69 ) وفي الحديث القدسي : ” من تقرب لي شبرا تقربت له ذراعا، ومن تقرب لي ذراعا تقربت له باعا ” ..
• فطريق السعادة والوصول مفتوح للإنسان الراغب بجد وإخلاص في الطلب .
• أن الإنسان هو الذي يقطع على نفسه سبيل السعادة والوصول، ويمنع عنها الخير والنعيم والصلاح .

وقال : إلا أن الإنسان المؤمن يبتلى ويمتحن بحق في دينه وإيمانه، قول الله تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } ( العنكبوت : 2 ـ 3 ) وكلما زاد الإنسان إيمانا زاد ابتلاؤه، قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل ” ( الكافي . ج2 . ص252 ) والأمثل هو الأعلى رتبة ومنزلة في الدين .

وقال : لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن وبين فيه الحقائق الأساسية التي يحتاجها الإنسان من أجل هدايته، ونصب وليا إماما ليمارس التوضيح والهداية الميدانية على الأرض، وطاعته لازمة من أجل السعادة والوصول، قول الله تعالى : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ( الرعد : 7 ) فلا حجة للإنسان على الله عز وجل بعد نزول القرآن الكريم ونصب الإمام الهادي إليه، قول الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي ” ( الترمذي . ج2 . ص308 ) .

وقال : هناك فرق كبير بين ارتباط الإنسان بالله عز وجل من خلال الخوف من عقابه أو الطمع في جنته، وبين الارتباط به من خلال عشقه ومحبته، قول الله تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } ( البقرة : 165 ) بل هناك فرق كبير بين الارتباط بالله ذي الجلال والإكرام من خلال العشق والمحبة وبين الارتباط التقليدي بالله سبحانه وتعالى ـ كما هو حال معظمنا ـ حيث أننا تربينا على الإيمان بالله سبحانه وتعالى وإقامة الفرائض والمستحبات لأننا سوف نموت ونبعث في يوم القيامة ونحاسب وندخل بعملنا الصالح وطاعتنا لله عز وجل الجنة أو ندخل بعملنا السيئ ومعصيتنا لله عز وجل النار، فنعمل الصالح ونترك العمل السيئ من أجل أن ندخل الجنة . أما الارتباط من خلال العشق والمحبة فهو يوصل الإنسان بالله ذي الجلال والإكرام كما تتصل الفحمة أو الحديدة بالنار، فتكتسب صفاتها فتكون جمرة ذات نور ونار، فالارتباط بالله ذي الجلال والإكرام من خلال العشق يحيي الروح الإلهية في الإنسان ويشعلها، قول الله تعالى : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } ( الحجر : 29 ) ويحوله إلى موجود نوراني يحمل روح الله تبارك وتعالى، ويتحلى بصفاته وأخلاقه، فانطلاقة العاشق وعطاؤه لا حدود لهما، وأن العشق يرفع الإنسان إلى درجات من القرب لا يقوى عليها الخوف من النار أو الطمع في الجنة ولا يقوى عليها الارتباط التقليدي البارد بالله جل جلاله . وهنا ينبغي التنبيه إلى أن العاشق الحقيقي المخلص في عبادته لله تبارك وتعالى يكون همه في الطاعة والعبادة ولا يبحث عن المقامات والكرامات، فالكرامات قد تكون نتيجة لرياضة روحية يقوم بها الشخص، وقد يكون هذا الشخص مستغرقا في ذاته ـ وهو حال نقيض للعبودية الحقة ـ ولا تكون الكرامات دليلا على الصدق دائما، ولنجعل تجربة إبليس وبلعم بن باعوراء حاضرة وماثلة أمامنا دائما، قول الله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ( الأعراف : 175 ـ 176 ) وتكون ساحة العاشق بريئة دائما من كل إدعاء كاذب أو إيهام باطل .

وقال : تتعدد وسائل الإنسان في الوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، فيجب على الإنسان في المقام الأول أن يأتي بالفرائض المكتوبة، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” أعبد الناس من أقام الفرائض ” ( البحار . ج71 . ص207 ) وهناك وراء الفرائض أنواع ووسائل عديدة للوصول، مثل : التفكر في خلق السماوات والأرض والنفس بأنواعها ومراتبها، وطلب العلم، وقراءة القرآن، وصلاة النوافل، والصيام المستحب، والدعاء، ونحوها .

وقال : يختلف الأشخاص في تأثرهم بهذه الأنواع المختلفة من العبادة، فهناك من يتأثر ويأنس أكثر بالتفكر، وهناك من يتأثر ويأنس أكثر بتلاوة القرآن، وهناك من يتأثر ويأنس أكثر بالدعاء والمناجاة، وهناك من يتأثر ويأنس أكثر بالصلاة، وهناك من يتأثر ويأنس أكثر بالصيام، وهناك من يتأثر ويأنس أكثر بتحصيل العلم والمعرفة، وهناك من يتأثر ويأنس أكثر بالصلة مع الناس وخدمتهم والقيام على مصالحهم، والمطلوب من الإنسان في سبيل الوصول ..
• أن يعكف على النوع الذي يتأثر ويأنس به أكثر ويكثر منه ويواظب عليه .
• أن يكون لطيفا في ترويض نفسه على الطاعة والسلوك وأن يأخذها برفق ولا يكرهها على نوع من العبادة أو السلوك لا تطيقه نفسه أو لا يحصل لها التوجه فيه، فإن الإكراه يعمي النفس، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” وخادع نفسك في العبادة، وأرفق بها ولا تقهرها . وخذ عفوها ونشاطها إلا ما كان مكتوبا عليك من الفريضة فإنه لابد من قضائها وتعاهدها عند محلها ” ( النهج . الكتاب : 69 ) .
• الحذر من الترخيص للنفس والتبرير لها في السلوك والمواقف، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” لا ترخصوا لأنفسكم فتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا ” ( النهج . الخطبة : 86 ) .
• المحافظة على التوازن وذلك بالحرص على إقامة الأنواع المختلفة من العبادات المستحبة ـ قدر المستطاع ـ وعدم الاستغراق في أحدها وترك الجميع، فلكل نوع من العبادة خواصه وفوائده وفيضه، فلا يحرم الإنسان المؤمن نفسه منها، وقد يكتشف المرء مع الأيام بأن نوعا آخر أكثر فائدة له وأنسا مما تعود عليه من أنواع العبادة .

وقال : لكي ينجو الإنسان وينجح في التقدم بخطى ثابتة في الشرف والرفعة ومنازل القرب من الله ذي الجلال والإكرام، عليه بمراقبة نفسه ومحاسبتها، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” النفس الأمارة المسولة تتملق تملق المنافق، وتتصنع بشيمة الصديق الموافق، حتى إذا خدعت وتمكنت، تسلطت تسلط العدو، وتحكمت تحكم العتو ( الغطرسة والاستبداد ) فأوردت موارد السوء ” ( غرر الحكم ) .

وقال : هناك عوامل تهدد الإنسان في دينه وإيمانه، سوف أبينها بحسب المقام ..
( 1 ) : جاذبية الأرض وحب الدنيا : وهذا العامل يهدد بصورة خاصة النخبة الذين يركضون وراء الجاه والمناصب ويسعون للتأثير على عامة الناس من أجل مصالحهم الدنيوية الخاصة، ونستطيع أن نصنف أدوار النخبة إلى أربعة أنواع ..
• التأثير على عامة الناس لصالح السلطة الحاكمة والأعداء من أجل التزلف بهدف خدمة مصالحهم الدنيوية الخاصة .
• التأثير على عامة الناس من أجل إضعاف علاقاتها بالقيادة الشرعية المؤهلة من أجل مغالبتها ليكون له أو لحزبه موقع ونصيب .
• التأثير على عامة الناس تحت تأثير الخوف والضعف عن المواجهة وعدم الاستعداد للبذل والفداء والتضحية، ولكن باسم العقل والواقعية والدين .
• التأثير على عامة الناس من أجل توثيق علاقتهم بالحق والعدل وتشديد تلاحمهم مع القيادة الشرعية المؤهلة والصدق معها، وتحريضهم على التضحية في سبيل الدين والإنسان، وهذا هو الدور الوحيد الممدوح للنخبة، وقليلا هم الذين يقومون بهذا الدور النبيل المشرف من النخبة .
( 2 ) : الكسل وإتباع الهوى والشهوات : وهذا هو العامل المؤثر على غالبية الناس، فأغلب الناس هم ضحايا الكسل والخمول والشهوات والغرائز، وبخاصة شهوة الجنس، وغريزة الغضب .
( 3 ) : التعصب الأعمى للأشخاص أو للقبيلة أو للحزب أو نحوهم، ويعتبر التعصب حجابا كثيفا يحجب الإنسان عن معرفة الحق والعدل وعن نصرتهما، ويكون التعصب وليد الجهل لدى الغالبية، وحب الذات والمصالح الخاصة لدى النخبة خاصة، فهم يتعصبون لرجل أو لحزب من أجل مصالحهم وإن كانت بخلاف الحق والعدل والفضيلة والمصالح العامة للناس، قول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } ( الزخرف : 23 ـ 24 ) وهذا الحال هو بخلاف الفطرة والإنسانية والدين والأخلاق ومضر بمصالح المجتمع الحيوية على المدى القريب والبعيد .

وقال : العلاقة الصادقة مع الله سبحانه وتعالى مفيدة جدا للإنسان في الحياة الدنيا على المستوى الفردي والمجتمعي ولا تقتصر فائدتها للإنسان على الآخرة فحسب، فالإيمان يعطي الإنسان في الحياة الدنيا ..
• السكينة والطمأنينة في جميع الظروف والأحوال، في الغنى والفقر، في الصحة والمرض، في اليسر والعسر، وغيرها من الظروف والأحوال، قول الله تعالى : { الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } ( الرعد : 28 ) وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصف المتقين : ” نزلت منهم أنفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء رضي بالقضاء ” ( تحف العقول . ص 111 ) وقد كنت في السجن أشعر بأني أكثر راحة وطمأنينة من السجان الذي يعذبني .
• والإيمان وسيلة لتحقيق العدل والاستقرار والاستجابة للحاجات الأساسية للإنسان في حال ملك الإنسان المؤمن أو تحمل أية مسؤولية على أي مستوى كان، فالإيمان وسيلة لتحقيق العدل بين أفراد العائلة والاستجابة للحاجات الأساسية الممكنة للأسرة وتحقيق الاستقرار العائلي، وذلك حين يكون رب الأسرة مؤمنا صادقا وواعيا بإيمانه . ويكون الإيمان وسيلة لتحقيق العدل بين المواطنين، والاستجابة لمطالب أبناء الشعب العادلة، وضمان الحقوق والحريات والمساواة بين المواطنين، وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، حين يكون رأس الدولة مؤمنا صادقا وواعيا بإيمانه، وهكذا .
• ويكون الإيمان سببا لوحدة الصف وحسن التدبير وتحصيل القوة والثبات في نصرة الحق والعدل حتى يتحقق النصر بإذن الله جل جلاله، وذلك حين يتحلى الناس بالإيمان الصادق والانطلاق في السلوك والمواقف من أجل تجسيد الإرادة العليا لله عز وجل في الأرض، ولكي تتجلى صفاته الجمالية والجلالية في واقع الناس على وجه الأرض، كما هي الإرادة الإيمانية الحقيقية للمؤمنين .
والخلاصة : أحسن وصية يوصي بها الإنسان نفسه وإخوانه، هي : ” أن كونوا مع الله ذي الجلال والإكرام ” .

فتنة أطروحة التكامل ..
وبخصوص ما وجه للأستاذ من نقد شديد اللهجة لغضبه قبل أسبوعين بسبب اللجاجة في نقد أطروحة التكامل، قال : ما ذكره الأخ من ظهور الجانب المظلم من شخصيتي، فإنه لا تكاد تخلو شخصية إنسان من جانب مظلم حتى الأنبياء ( عليهم السلام ) فقد قال الله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ( البقرة : 253 ) وتفضيل بعضهم على بعض يعنى أن نور بعضهم أشد من نور البعض الآخر، وقد ربيت نفسي لعقود على الحلم وسعة الصدر والتحمل، وها أنا قد استمعت للوعظ والنقد الشديد لمدة نصف ساعة تقريبا وأنا صامت، إلا أن الغضب في بعض الحالات مطلوب ومحمود، وجميع الأنبياء ( عليهم السلام ) غضبوا، قول الله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي } ( الأعراف : 150 ) فالغضب يكون سببا يدفع الإنسان ليحمي دينه ووطنه وناسه ويتحرك لتصحيح الأوضاع الخاطئة، فهو شعلة من نار اقتبست من نار الله الموقدة، تستخرجها حمية الدين والعرض والوطن من قلوب المؤمنين والشرفاء، فمن لا يغضب لا حمية له ولا غيرة، وقد أمرنا الله جل جلاله بالغضب في محل الغضب، قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ( التوبة : 73 ) والغضب المذموم هو الغضب لغير الحق، والذي يخرج عن سيطرة العقل والدين، لينطلق اللسان بقبيح الكلام، وتنطلق سائر الجوارح بقبيح الأفعال، وهذا الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل ـ بحسب الحديث ـ فينبغي للإنسان أن يغضب في محل الغضب، ويحلم في محل الحلم، وأن يكون غضبه تحت سيطرة العقل والدين، ولم يحصل مني ـ والحمد لله رب العالمين ـ شيء من العمل القبيح حينما أظهرت بصرامة عدم رضاي عن اللجاجة في نقد أطروحة التكامل، وإنما عبرت عن رأيي بالصرامة التي رأيت أنها مطلوبة في المقام . وإذا صح تشخيص الأخ فيما وصفني به، فهذا يعني أني فاقد لما اجتهدت لعقود من أجل تحصيله، وأسأل الله الرؤوف الرحيم التوفيق للصواب، وأن يعينني على نفسي الأمارة بالسوء فيما بقي من عمري، والمرجو أن يكون تشخيص الأخ ليس صحيحا، وأشكر الجميع على صراحتهم البليغة معي، وهذا مكسب مهم جدا .

وأما بخصوص اللجاجة في نقد أطروحة التكامل، فأنا لازلت غير راض عنها، لأنها ليست بالأمر الطبيعي ..
• فليس من الطبيعي أن يشتغل البعض بجملة واحدة ضمن رؤية تزيد على خمسة عشر صفحة، ويتم تجاهل المهم في الرؤية والذي وجدت الرؤية من أجله والذي يفترض فيه أنه يخدم هدف الذين يلجون في مناقشة أطروحة التكامل وهو إثبات صواب خيار المقاطعة للانتخابات القادمة .
• وليس من الطبيعي أن تناقش أطروحة التكامل بشكل حاد ومتشنج بين جماهير المقاطعين ليس بالشكل المضر بالعلاقة مع المشاركين فحسب، وإنما بالشكل التحريضي المضر بالعلاقة بين المقاطعين أنفسهم، حتى وصل الحال لدى البعض للقول بأن أطروحة التكامل هي الأداة الفعالة لتدمير خط الممانعة !! تأسيا بالسلطة التي تتهم أطفالا لا يتجاوزون الخامسة عشر من عمرهم بالسعي لقلب نظام الحكم لأنهم كتبوا شعارا على جدار أو لأنهم رموا شرطيا بحجر !! والمرجو أن لا يكون خط الممانعة من الهشاشة إلى درجة أن جملة واحدة ضمن رؤية واسعة كفيلة بتدميره !! وهو ليس كذلك طبعا .
• وليس من الطبيعي أن تناقش أطروحة التكامل بالشكل الذي يصرف النظر عن النقاش في الملفات والقضايا الحيوية على الساحة الوطنية، مثل : المسألة الدستورية والتجنيس والتمييز الطائفي وأملاك الدولة والمعتقلين والاحتجاجات وتنظيم الساحة ونحوها، فلأسابيع عديدة ورغم تحذيري الشديد من خطورة هذا السلوك، لا يزال البعض يصر على نقد أطروحة التكامل وإعاقة المناقشة للقضايا الملحة على الساحة الوطنية، فكان جدير بنا أن نناقش في هذه الليلة ملف المعتقلين والمطاردين والمستهدفين أمنيا، وكيف نستطيع مواصلة التقدم والنجاح الذي تحقق في اعتصام التجنيس، وكيف نفعل لجان المناطق، ونحوها، وكيف نستفيد فكريا من هذا اللقاء، إلا أننا لم نستطع ذلك بسبب الإصرار على التوقف عند أطروحة التكامل، حتى حق لنا أن نطلق عليها فتنة التكامل كما يريد البعض لها أن تكون .

وقال : لقد قال أحد الأخوة بأن التيار نجح في تجاوز عددا من الفتن، مثل : فتنة الشرعية، وفتنة منع قياداته من الصلاة في بعض المناطق، وغيرها، وأسأل الله عز وجل أن يعين التيار على تجاوز فتنة أطروحة التكامل، مع ملاحظة أن الفتن الأخرى صنعها المختلفون مع التيار، أما فتنة التكامل فهي من صناعة من يفترض أن يكونوا إلى صف التيار !!

وقال : إن اللجاجة في نقد أطروحة التكامل بهذا الشكل من الحدية والتشنج والإصرار وما يترتب عليه من أضرار بخط الممانعة، يدل على أحد أمرين ..
• إما أننا مخترقين من الأعداء .
• أو أننا غير رشيدين في مناقشة قضايانا وإدارة خلافاتنا .

وقال : أنتم ترون عنف السلطة وقسوتها معنا أمنيا، فالاعتقالات والمطاردات والقمع العنيف بالذخيرة الحية ( الشوزن ) والعقاب الجماعي لقرانا ونحوها، ولكم أن تتسالوا : أين هو دور مخابراتها في التأثير على أوضاعنا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض . طبعا السلطة ليست رحيمة بنا في هذا الجانب، وليست عفيفة عن محاولة إيقاع الفتنة بيننا، فأين هو دورها في هذا الجانب ؟ ومن هم عناصرها ؟ هل تتصورن بأن السلطة إذا أرادت أن توز في أذن عبد الوهاب بهدف التأثير عليه وتغيير قناعاته أن تبعث له شابا مراهقا أو شخصا ليس ظاهره التدين والوطنية، أم تبعث له رجلا ظاهره الوقار والإيمان والوطنية ؟! لاشك أن السلطة إذا أرادت أن توز في أذن عبد الوهاب وتسعى للتأثير على قناعاته، فإنها سوف تبعث له الرجل المناسب الذي ظاهره الوقار والإيمان والوطنية، ويكون حديثه باسم الدين والوطنية والأخلاق والحرص على الدين والوطن والعباد .

وقال : لقد كانت لي قناعة قديمة تحدثت بها إلى بعض الأخوة، بأن السلطة تتبع معنا هذا الأسلوب الخبيث لتفريقنا والتأثير سلبيا على أوضاعنا وموقفنا، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير، فعلينا أن نكون حذرين ولا نبلع الطعم، ولكن دون هوس لكي لا يؤثر الحذر سلبا على جسور الثقة بين المؤمنين فيهدمها، ففي ذلك ضرر بليغ بالمؤمنين، والمطلوب : أن نتصرف بحكمة وفطنة ومسؤولية مع الجميع، وفق الضوابط الشرعية والإنسانية والأخلاقية والدبلوماسية العملية .

وقال : تيار الوفاء الإسلامي يتبنى في الوقت الحاضر أطروحة التكامل بشكل رسمي واستراتيجي، ويرى بأنها الأطروحة التي سوف نصير إليها جميعا في المستقبل ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد نجح في توسيع قاعدة القبول بها، وهي ليست أطروحة سخيفة بالشكل الذي يصورها به البعض، فالعديد من الشخصيات الفكرية والسياسية والنخبوية باركت أطروحة التكامل ونصحت بالعمل من أجل تطبيقها، وحينما أشير إلى هذه المباركة، لا أقصد الاستقواء ـ كما قال أحد الأخوة ـ وإنما أقصد التنبيه إلى أن الأطروحة ليست سخيفة كما يصورها البعض، وللأطروحة أرضية قبول جماهيري رغم الضجيج العالي الذي أثاره البعض ضدها، وسوف يسعى تيار الوفاء ويبذل ما في وسعه من أجل تطبيقها، ونحن نحترم الرأي الآخر، والأيام هي الكفيلة بوضع الأطروحة موضع التطبيق أو زوالها، مع التأكيد على أن أطروحة التكامل لم تكن موضوع اختلاف بين قوى الممانعة، وأن تيار الوفاء الإسلامي قد عبر عن متبنى واضح لخط الممانعة ككل وليس عن متبنى خاص به، ولست مستوعبا طرح بعض المؤمنين الرافض لأطروحة التكامل، ولست راضيا عن النقد الحاد المتشدد لأطروحة التكامل، وما يصاحبه من تشنج بين الجماهير .

وقال : أنظروا إلى بعيد، وفكروا فيما يحصل على الأرض بواقعية وعمق وشمول، ولا تكونوا أسرى التفكير في لحظة أو في نقطة، لتكن نظرتكم شاملة إلى الساحة بكل مكوناتها، وإلى كل الملفات الحيوية على الساحة الوطنية، وابحثوا بواقعية وعمق وشمول عن الأفضل في إدارتها، ولكن كما أراد الله سبحانه وتعالى لنا في قوله : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ } ( الزمر : 18 ) .

وبخصوص حدة اللهجة تجاه الأخوة في الوفاق، قال : لقد سمعت من بعضكم نقدا شديد اللهجة للأخوة في الوفاق، ورأى هذا البعض أن لا مهادنة مع الوفاق، ولا نصيحة عندي في هذا المقام أبلغ من قول الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } ( سبأ : 46 ) لنتأمل جيدا، فقد أعطينا لأنفسنا الحق في أن نكون متشددين تجاه الأخوة في الوفاق، وجئنا بمبررات لهذا التشدد، وهناك في صفوف الوفاقين من لديهم المبررات للتشدد ضدنا، فإذا سار كل طرف في هذا الاتجاه المتشدد ضد الطرف الآخر !! فما هي النتيجة ؟
الجواب : أن النتيجة الحتمية لهذا التشدد من الطرفين هو الضعف والفشل للجميع، والمستفيد الوحيد هي السلطة !! فعلينا أن نتحلى بالحكمة وبعد النظر، وأن نحرص جميعا على تجنب المواجهات البينية، ونسعى لتقريب وجهات النظر والتنسيق بيننا في المشتركات، فهذا ما يرضي الله جل جلاله ويرضي أمامنا صاحب العصر والزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) عنا، وفيه مصلحتنا، وهو السبيل الوحيد لتحقيق أهدافنا، والسلطة هي المستفيد الوحيد من فشلنا في إدارة الاختلاف وتحويله إلى صراع مرير بيننا، وفي ذلك مرضاة لعدونا الأول الشيطان الرجيم .

العلاقة مع القيادة ..
وبخصوص العلاقة مع القيادة، قال : تلعب القيادات دورا جوهريا في تشكيل الرؤى والمواقف، وإدارة الملفات على الساحة، وتنظيم الكوادر والجماهير وإدارتهم وتوحيد صفوفهم وتفعيل أدوارهم ومحاسبتهم في مقام المحاسبة الصحيح، وهي سبب رئيسي للنجاح أو الفشل .

وقال : يجب احترام القيادة وتقديرها والالتزام بطاعتها، إلا أن الطاعة للقيادة لا تكون طاعة عمياء، فالطاعة العمياء تحول الأتباع إلى قطيع من الأغنام أو الكلاب لا قيمة لهم سوى أنهم أداة لتحقيق مآرب القائد، ولن يكون القائد في هذه الحالة إلا قائدا شيطانيا طاغوتا مستبدا، ولن يكون ـ بأي حال من الأحوال ـ قائدا رحمانيا، والحالة غير محمودة عقلا وشرعا، وتتنافى مع كراكة الإنسان وتكليفه ودوره في الحياة . إلا أن البعض يخلط بين الإتباع الحر الواعي للقيادة وبين الجرأة عليها وتكبيلها وتعطيل مهامها القيادية . وإذا عدنا إلى التاريخ نجد بين أيدينا تجربة بليغة وغنية بالدروس، وهي تجربة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ومعاوية بن أبي سفيان، ولن أتحدث عن تجربة معاوية فهي في غاية الوضوح لديكم، وإنما سوف أتحدث باختصار شديد عن تجربة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فهو قائد يتحلي بجميع المؤهلات القيادية المطلوبة على أكمل وأتم وجه، إلا أن تقيده بالشريعة المقدسة وتحليه بالأخلاق العالية في التعاطي مع القاعدة، حمل معظمهم على الجرأة عليه ومخالفته وإضعاف دوره، وقد قال ( عليه السلام ) : ” وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد ديني ” ( النهج . الخطبة : 68 ) وقال ( عليه السلام ) : ” لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما ( الغم والحزن ) قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهام ( جرعات الهم ) أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن أبن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ” ( الخطبة : 26 ) ثم دعا عليهم وقال ( عليه السلام ) : ” أبدلني الله بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا لهم مني ” ( الخطبة : 69 ) وكان ذلك في الليلة التي قتل في صبيحتها، وقد استجاب الله تعالى دعاءه، فنقله إلى جواره محمودا، وسلط عليهم معاوية بن أبي سفيان يذلهم ويسومهم سوء العذاب .

وقال : نجد في واقعنا حالتين متناقضتين ..
• حالة تكون القاعدة فيها صامتة لا يسمح لها بالمشاركة وإبداء الرأي والمطلوب منها التسبيح بحمد القائد وتقدسه .
• وحالة تسعى فيها أطراف من القاعدة بمحاصرة رأي قيادتها وقمعه ومصادرته .
وقال : وضع كلا الحالتين غير صحيح، والمطلوب إقامة العلاقة بين القيادة والقاعدة على أسس صحية، لا تبعية عمياء واستبداد، ولا جرأة على القيادة وتكبيلها وتعطيل مهامها القيادية، راقبوا القيادة وحاسبوها وانتقدوها نقدا إيجابيا وعبروا عن آرائكم في مختلف الأطروحات والمواقف، ولكن حافظوا على الاحترام والتقدير والطاعة والعلاقة السوية مع القيادة التي تمكنها من القيام بمهامها والنجاح في تحقيق أهدافها، ويجب أن تحرص القاعدة على تحصين نفسها ضد الاختراقات ومؤامرات الأعداء .

تأدبوا بآداب القرآن الكريم واحذروا الغرور ..
وبخصوص التفاعل مع دعوة التحالف الثلاثي لاعتصام جيان الاحتجاجي ضد التجنيس، قال : لا يصيبكم الغرور، ولا تتحدثوا عن الكثرة، واحمدوا ربكم وأسالوه دوام التوفيق والنجاح، فإن الغرور والحديث عن الكثرة من الشيطان الرجيم، وتذكروا قول الله تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } ( التوبة : 25) .

صادر عن : إدارة موقع الأستاذ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.