فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 08-02-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 08 فبراير 2002 م

الخطبة الدينية : البصيرة النافذة .. وسيلة القيادة والشعب
الخطبة السياسية : قائمة الإرهاب الأخيرة

( مارسنا دورنا الوطني ، وواجبنا الديني والوطني في المرحلة السابقة من خلال مطالبتنا بمطالب دستورية مشروعة وواقعية ، وكان على رأسها تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية ، ولم يكن هناك أي نشاط خارجي لهذه الرموز ، فكل نشاطهم كان وقفا على الساحة المحلية )
( يجب على القائد أن يعلن عن خطه ومنهجه ، وأهدافه ومبادئه ، ووسائل وآليات عمله ، وأن يكون الالتفاف والاستقطاب الشعبي حوله مبني على ذلك ، كما يجب أن يكون القائد صادقا وواضحا مع قومه ، وأن لا يخضع خطه ومنجه وأهدافه ومبادئه للمناورة السياسية ، ولا تخضع لما يسمى بالخطاب السياسي الذي يفتقر للوضوح ، وأن يكون القائد قويا ومتمسكا بخط عمله وأهدافه ومبادئه فلا تثنيه الصعوبات عن ذلك )

( أن الشارع البحريني فهم بأن هناك نية لتعديلات دستورية بمرسوم ، وأن ندوة الأربعاء في نادي النويدرات أثارت المخاوف حول إمكانية إيجاد صعوبات أمام هذه التعديلات ، لهذا جاء القرار بالاستجواب من أجل تخويف هذه العناصر وتقييد حركتها في المعارضة ، وجاءت المكرمة في سبيل أن يسكت الناس ولا يعترضون على هذه التعديلات . وقد يكون هذا الفهم خاطئ وليست له حقيقة ، ولكن ينبغي للقيادات السياسية والحكومة أن تعذر الشعب البحريني إذا فكر بهذا التفكير لأن هناك خطأ جسيم حمله على أن يفكر بهذه الطريقة ، وهذا الخطأ يتمثل في موضوع الاستجواب )
( جهاز المخابرات في البحرين جهاز عريق ، وله صيت وخبرة ، ومارس دوره لعقود من الزمن ، ولكن معظم خبرة الجهاز كانت في ظل قانون أمن الدولة وظروف مشابهة ، فيما خبرته في ممارسة دوره في ظل الانفتاح السياسي خبرة ضئيلة لا تمتد لأكثر من عام ، ولأن خبرته ضئيلة فقد ارتكب خطأ ، وهو خطأ فادح أساء فيه لرموز كبيرة في الساحة المحلية ، وأربك الساحة وحركها باتجاه معاكس ، وربما أساء حتى إلى سمعة البحرين في الخارج حينما تناقلت كل وكالات الأنباء الخبر كما ذكر ، وفي ظل إنكار الإدارة الأمريكية لحيثيات الخبر ، ففي الواقع أن في ذلك إساءة لسمعة البحرين )
( نحن نشكر – سمو الأمير – لأنه أكد على حماية أبنائه في الداخل وأنهم تحت رعايته ولن يسمهم سوء كما تضمنته الرسالة ، ولكن هذا ليس هو المطلوب فحسب ، وإنما المطلوب أيضا من القيادة السياسية وحكومة البحرين أن ترفض مثل هذه القائمة وأن تطالب الإدارة الأمريكية بالأدلة على حشر أبناء البحرين في مثل هذه القائمة ، والحمد لله أن القائمة غير موجودة ، ولكن فيما لو وجدت فالمطلوب منها هو هذا )
( رجاؤنا من سمو الأمير أن يحافظ على الالتزامات التي التزم بها للمعارضة لأن التصويت بهذه النسبة كانت بناء عليها ، وقبل اللقاء والبيان المذكور كانت نسبة ضئيلة من الناس من أبناء الشعب قد حسمت موقفها بنعم للميثاق ، وهناك نسبة أكبر منها قالت : لا الميثاق ، وكان أغلب الشعب مترددين وغير عارفين للطريق ، وبعد هذا البيان حسم الجميع أمره بنعم للميثاق ، وحصلت النسبة المذكورة ، وهو أمر ثابت ومعروف للجميع )
( في المرحلة السابقة لم يكن مأخذنا فقط على وجود قانون ومحكمة أمن الدولة ، وإنما الحياة كلها في البحرين اصطبغت بصبغة قانون أمن الدولة ، حياتنا الثقافية ، والسياسية ، والاجتماعية .. كلها اصطبغت بقانون أمن الدولة ، وهو أمر نريد له أن ينتهي ، فأن يدخل العمل المخابراتي في كل شأن من شئون الحياة بما فيها الشأن السياسي من شأنه أن يعكر صفو الحياة السياسية ويفقدها مصداقيتها )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله وما أنا من المشركين ) صدق الله العلي العظيم .

يجب أن يعلن

( قل هذه سبيلي ) الله العلي الأعلى ، القاهر فوق عباده ، اللطيف الخبير الرؤوف بالعباد ، يخاطب عبده ورسوله وحبيبه محمد (ص) ويأمره بأن يعلن عن منهجه وطريقه في الحياة ( قل هذه سبيلي ) ، ونستفيد من ذلك بأن القائد يجب أن يعلن عن خطه ومنهجه ، ويعلن عن أهدافه ومبادئه ، ويعلن عن وسائل وآليات عمله ، وأن يكون الالتفاف والاستقطاب مبني على ذلك ، كما نستفيد من هذه الفقرة بأن القائد يجب أن يكون صادقا وواضحا مع قومه ، وأن خط ومنهج وآليات وأساليب العمل لا تخضع للمناورة السياسية ، ولا تخضع لما يسمى بالخطاب السياسي الذي يفتقر للوضوح ، كما أن القائد يجب أن يكون قويا ومتمسكا بخط عمله وأهدافه ومبادئه فلا تثنيه الصعوبات عن ذلك ، ولهذا نجد بأن الله يخاطب النبي محمد (ص) ويؤمره بأن ( قل : هذه سبيلي ) .

دعوة التوحيد أصل

( أدعو إلى الله على بصيرة ) وهذا توضيح وتعريف بالسبيل ، فحينما يقول النبي محمد (ص) ( قل هذه سبيلي ) فكأن سائلا يسأله : ما هي سبيلك يا محمد ؟ ، فيجيب : ( أدعو إلى الله على بصيرة ) أي الدعوة للتوحيد الخالص عن علم ومعرفة واستنادا للحجة والبرهان الواضح والبينة الواضحة غير العمياء ، والآيات اللاحقة لهذه الآية ( سبحان الله وما أنا من المشركين ) فيها دلالة على هذا التوحيد الخالص النقي والبعيد عن شتى أصناف وألوان الشرك ، ونستفيد من ذلك على أن دعوة التوحيد هي أصل ، وأن كل فروع وبنى الإسلام تعود لهذا الأصل ، فالدعوة إلى التوحيد تشمل الدعوة للإيمان بالله واليوم الآخر والنبوة والنبيين والكتب السماوية والملائكة وغيرها من العقائد ، وهي تشمل أيضا الدعوة إلى الحق المحض والعدل والخير وكل المبادئ الثابتة في الإسلام ، فهنا الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى التوحيد الخالص ، والتوحيد يشير إلى أصل تتفرع منه كل الفروع والبنى التي يقوم عليها الإسلام .

معاني البصيرة

( على بصيرة ) هذه الكلمة فيها توضيح للكثير من الخطوط الرئيسية للعمل ، ولكن قبل ذلك نتعرف أولا على معنى البصيرة . البصيرة لها ثلاثة معان أساسية :
المعنى الأول : البصيرة بمعنى العقل والفطنة والذكاء .
المعنى الثاني : البصيرة بمعنى الحجة والبرهان والبينة الواضحة التي يستدل من خلالها على حقائق الأشياء .
المعنى الثالث : البصيرة بمعنى الرؤية النافذة عقلية كانت أو قلبية ، والتي من خلالها نستقصي حقائق وبواطن الأشياء .

من هو البصير ؟

من خلال النظرة التحليلية لهذه المعاني نجد بأن البصيرة تقوم على النظر والاستقصاء والتأمل والتحليل ، وأنها تستند للحجج والبراهين والبينات ، ومن خلال كل ذلك يتم تجاوز ظواهر الأشياء إلى حقائقها وبواطنها . والإنسان البصير هو الإنسان العالم الخبير الذي يتجاوز ظواهر الأشياء إلى حقائقها نافذا لها بعقله وقلبه مستندا في ذلك إلى الدليل والبرهان وليس للظنون والتخرصات ، فالبصيرة لا يمكن أن تقوم على الظنون والتخرصات وإنما تقوم على علم ومعرفة ، ولا يمكن أن تستند لرؤى ذاتية وإنما لرؤى علمية وموضوعية ، ولا يمكن أن تتحقق البصيرة من خلال نظرة جزئية للأشياء وإنما من خلال نظرة شمولية وربط علاقات الأشياء مع بعضها البعض ، فالبصيرة شيء عظيم لا يتحقق إلا بهذه المقدمات .

بعد أن تعرفنا على معنى وشروط البصيرة ؛ نأتي لقوله تعالى : ( أدعو إلى الله على بصيرة ) الدعوة إلى الله على بصيرة تنقسم لقسمين :

لم يقلد الآباء والأجداد

القسم الأول – البصيرة في أصل الدعوة : الإنسان الداعية هنا يتبنى دعوته لله – جلال جلاله – على أساس البصيرة فأصل دعوته قائم على الإيمان والمعرفة ، فهو لم يتبن الدعوة جزافا ولم يقلد فيها الآباء والأجداد ، ولم يقلد فيها المجتمع والآخرين ، وإنما أخذ الدعوة وتبناها عن علم ومعرفة وبصيرة .
لا يتخبط
القسم الثاني – البصيرة في ممارسة الدعوة : وذلك حينما يمارس الإنسان الداعية دعوته إلى الله على بصيرة ، أي على علم ومعرفة وبرهان ، فهو يمارس الدعوة في ظل البصيرة ولا يتخبط في أمرها ، وإنما يمارس الدعوة بعلم ومعرفة ، والبصيرة بالنسبة للداعية ذات موضوعين :

كيف يكون بصيرا ؟

الموضوع الأول : أنه بصير بأمر الدعوة ، فهو يعرف مبادئ الدعوة وأهدافها وأساليبها وآليات عملها ، ويكون عالما بعقائد ومفاهيم وأحكام الدعوة ، وإلا كيف يكون على بصيرة دون أن يتحصل على هذه الأمور ؟ ، كما أن لديه علما فيما يتعلق بتطبيقات الدعوة ، فللدعوة مبادئ وأصول ، ولها تطبيقات على أرض الواقع وهو بصير بذلك كله ، كما أن للدعوة أصول وتفرعات هو عليم بها أيضا ويستطيع أن يصل للتفرعات من خلال الأصول وبالآليات العلمية المحددة لذلك ، وللدعوة جوهر واحد يتجاوز الزمان والمكان ، فالرسالة من عهد النبي محمد (ص) إلى الآن وحتى يوم القيامة لها جوهر واحد لا يتأثر بظروف الزمان والمكان ، أي البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخاصة بالزمان والمكان المعينين ، فهو جوهر واحد في جميع الأزمان وجميع الأماكن سواء في البحرين أو لندن أو واشنطن أو روسيا ، وهذا الداعية يميز بين هذا الجوهر وبين الأمر الخارجي المتعلق بالبيئة الزمانية والمكانية ، إذن .. فالدعوة إلى الله على بصيرة تشمل كل هذه الأمور وغيرها مما لا يتسع المقام لذكرها .

يعرف …

الموضوع الثاني : أنه بصير بأمر الواقع الذي تعيش فيه الدعوة والدعاة : أن الدعوة لله على بصيرة تشمل الواقع والبيئة التي تعيش فيها الدعوة ويعيش فيها الدعاة ، والإنسان الداعية يعرف البيئة جيدا ويعرف كيف يدعو إلى الله فيها ، فتكون دعوته ناجحة ويحقق أهداف الدعوة في هذه البيئة ، كما أنه يعرف كيف يحمي هذه الدعوة في بيئتها ، سواء كانت مسئولية حماية الدعوة في الظروف الاعتيادية أو الظروف الاستثنائية الصعبة ، ويعرف أيضا متى يدافع ومتى يهاجم دون تأخذه في الله وفي دعوته لومة لائم .

( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) يمكننا أن نستفيد من قوله تعالى : ( أنا ومن اتبعني ) عدة الأمور :-

دعوة واحدة تشمل الجميع

الأمر الأول : أن الدعوة والسبيل واحد ، فسبيل الرسول وسبيل المؤمنين به سبيل واحد .
الأمر الثاني : أن الدعوة إلى الله – جل جلاله – كما أنها واجبة على النبي محمد (ص) فهي أيضا واجبة على كل المؤمنين المتبعين والمقتدين بالنبي محمد (ص) .

لا تتحقق إلا في البعض

الأمر الثالث : أن مسئولية الدعوة حسب سياق الآية لا تشمل كل الاتباع والمؤمنين بالدعوة . وليس معنى ذلك أنها خاصة بجماعة معينة أو أشخاص معينين وإنما الاستثناء يعني أن هناك شروط لا تتحقق إلا في البعض ، وأحد شروط الدعوة أن يكون الداعية مخلصا لله – عز وجل – وعارفا بمقامه وهذا لا يتوفر لكل شخص ، وأن يكون الداعية ذو بصيرة وهذا لا يتحقق لكل شخص أيضا ، وكأن الخطاب يشير للقيادات الفرعية ، ففي الكيان الإسلامي توجد القيادات الفرعية تماما كما توجد القيادات الأساسية ، وعليه فيجب أن تتوفر في القيادات الفرعية صفتا الإخلاص لله – عز وجل – والبصيرة لتحقق أهداف الدعاة إلى الله .

شراكة

الأمر الرابع : أن قوله تعالى : ( أنا ومن اتبعني ) فيه دلالة على التواصل بين القيادة والقاعدة ، ففي البداية جاءت الآية ( قل هذه سبيلي ) حيث أمر الله – جل جلاله – النبي محمدا (ص) أن يعلن عن دعوته ومنهجه في الحياة ، وفي سياق هذا الإعلان عن الدعوة يكون الأتباع وتكون القاعدة على معرفة بهذا السبيل لأنه تم الإعلان عنه وتوضيحه ، ومثلما أن القيادة واعية بالخط والأهداف والمبادئ والأساليب والآليات التي تم الإعلان عنها فالقاعدة على علم بهذه الأمور أيضا ، وبالتالي فقوله تعالى : ( أنا ومن اتبعني ) تعني أنه لا يمكن أن يكون الاتباع وتكون القاعدة شركاء للقيادة في الدعوة إلا إذا كان هناك تواصل ، وكانت الدعوة معلنة ، والخط واضح ، والأهداف والمبادئ والآليات والأساليب واضحة لدى القيادة والاتباع معا ، وبذلك يكون الاتباع شركاء للقيادة في الدعوة ، وهذا يدلل على أهمية الأمر الأول وهو الإعلان عن المنهج في الحياة ، كما أن هذه الفقرة تشير إلى أهمية التواصل بين القيادة والقاعدة ، وأنه لا قيمة للقيادة ما لم تكن متواصلة مع القاعدة ، وأن القاعدة لا يمكن أن تكون شريكة للقيادة كما أمرت ما لم يتم هذا التواصل بينهما.

القائد القوي

قوله تعالى : ( وسبحان الله ، وما أنا من المشركين ) سبحان الله بمعنى تنزيها لله عما لا يليق به ، فالله – جل جلاله – يمثل الذات الكاملة ، والإنسان المؤمن يجب أن ينزه الله عن كل ما لا يليق به . ( وما أنا من المشركين ) فيها دعوة لتنزيه الدعوة عن كل أشكال الشرك ، فالإنسان الداعية لله على بصيرة يجب أن ينزه الله – جل جلاله – عن كل ما لا يليق بذاته المقدسة الطاهرة الكاملة كمالا مطلقا ، كما يجب عليه أن ينزه الدعوة عن كل أشكال وألوان الشرك الظاهر والخفي، فلا تكون الدعوة كيفما كانت وإنما يجب أن تكون الدعوة نقية نظيفة عن كل ألوان الشرك ، ولكي تكون الدعوة نقية ونظيفة عن كل ألوان الشرك ، فمثلما نحتاج في الدعوة إلى العلم والمعرفة والبصيرة لتحقيق ذلك ، فإننا نحتاج إلى قوة القائد ، لأن القائد إذا كان ضعيفا فيخضع للمغريات ويتأثر بالضغوط فهو لا يستطيع أن يحمي الدعوة من أن يدخل فيها ما ليس فيها أو يحذف منها ما هو فيها وأن يحمي الدعوة كما هي ، فلكي تحفظ الدعوة من أن يدخل فيها ما ليس فيها أو يحذف منها ما هو فيها يجب أن يكون القائد قويا ، ونحن نقول ( وسبحان الله وما أنا من المشركين ) .

طرفة أمنية

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة نأتي إلى قضية من قضايا الساحة المحلية وهي الطرفة الأمنية السياسية التي شغلت الشارع البحريني في الأيام القليلة الماضية ، والتي تتمثل في استدعاء بعض الرموز البارزة في الساحة المحلية ، وإخبارهم بأن هناك قائمة تتكلم عن منظمات مثل الجهاد الإسلامي وحزب الله وحماس ، وأنها تتضمن أسماء لهم علاقة بهذه المنظمات أو يشتبه في علاقتهم بها ، ومن جملة الأسماء 99 شخصية بحرينية منهم أسماء الأشخاص الذين تم استدعاؤهم .

السفارة الأمريكية نفت

السفارة الأمريكية في البحرين نفت لجميع وكالات الأنباء ووسائل الإعلام وجود مثل هذه القائمة ، واليوم في الصحافة المحلية تم الإعلان بأن الإدارة الأمريكية أيضا نفت وجود هذه القائمة ، ونحن قد وصلتنا تأكيدات من الإدارة الأمريكية بأنه لا وجود لهذه القائمة . من جانب آخر صرح مصدر مسئول في وزارة الداخلية بأنه لا يوجد أشخاص بحرينيون على قائمة الإرهاب الأمريكية ، وأن السلطات الأمنية حذرت بعض المواطنين بناء على بعض التساؤلات من الإدارة الأمريكية .

غير مفهوم !!

أنا أعتقد بأن هذا التصريح إن لم نقل عنه بأنه متناقض فهو غير مفهوم لأن أساس الاستدعاء والتحذير مبني على وجود القائمة والأسماء ، بل وتحديدهم على أنهم 99 اسما ، وما دامت القائمة غير موجودة فموضوع التحذير غير قائم لأنه تحذير بدون موضوع ، وأن التساؤلات ليس من شأنها أن تخلق موضوع التحذير ، وإلا كيف حددت أسماء وقوائم ؟!! وعلى أي أساس ؟!! .

محطات الشارع

بعد أن انكشفت هذه الحقيقة للشارع البحريني ربط الشارع البحريني بين ثلاث محطات :
المحطة الأولى : ندوة الأربعاء في نادي النويدرات بتاريخ 30/1/2001م
المحطة الثانية : الاستدعاء المذكور .
المحطة الثالثة : المكرمة الأميرية والإعلان عن التعديلات الدستورية .

خلاصة الأمر

وخلاصة الأمر ، أن الشارع البحريني فهم بأن هناك نية لتعديلات دستورية بمرسوم ، وأن ندوة الأربعاء في نادي النويدرات أثارت المخاوف حول إمكانية إيجاد صعوبات أمام هذه التعديلات ، لهذا جاء القرار بالاستجواب من أجل تخويف هذه العناصر وتقييد حركتها في المعارضة ، وجاءت المكرمة في سبيل أن يسكت الناس ولا يعترضون على هذه التعديلات . وقد يكون هذا الفهم خاطئ وليست له حقيقة ، ولكن ينبغي للقيادات السياسية والحكومة أن تعذر الشعب البحريني إذا فكر بهذا التفكير لأن هناك خطأ جسيم حمله على أن يفكر بهذه الطريقة ، وهذا الخطأ يتمثل في موضوع الاستجواب ، وأريد أن أشير إلى ثلاث نقاط :

مارسنا دورا وطنيا

النقطة الأولى : أننا مارسنا دورنا الوطني ، وواجبنا الديني والوطني في المرحلة السابقة من خلال مطالبتنا بمطالب دستورية مشروعة وواقعية ، وكان على رأسها تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية ، ولم يكن هناك أي نشاط خارجي لهذه الرموز ، فكل نشاطهم كان وقفا على الساحة المحلية ، وانتهت المرحلة السابقة باستجابة سمو الأمير – حفظه الله تعالى – لهذه المطالب ، وبدأت الحركة الإصلاحية ، واستمر الرموز بدعم وترسيخ الحركة الإصلاحية ، وهو أمر معروف ، كما أن بعض الرموز بقي في السجن لخمس سنوات بدون محاكمة تحت مظلة قانون أمن الدولة ، وبعضهم حصل حتى على البراءة ولم ينفذ الحكم ، وبالتالي كان من المتوقع من حكومة البحرين ليس فقط أن تحمي أبناء شعبها في الداخل فيما لو كانت هناك قوائم فعلية ، ونحن نشكر – سمو الأمير – لأنه أكد على حماية أبنائه في الداخل وأنهم تحت رعايته ولن يسمهم سوء كما تضمنته الرسالة ، ولكن هذا ليس هو المطلوب فحسب ، وإنما المطلوب أيضا من القيادة السياسية وحكومة البحرين أن ترفض مثل هذه القائمة وأن تطالب الإدارة الأمريكية بالأدلة على حشر أبناء البحرين في مثل هذه القائمة ، والحمد لله أن القائمة غير موجودة ، ولكن فيما لو وجدت فالمطلوب منها هو هذا .

جهاز عريق .. ولكن !!

النقطة الثانية : وتتعلق بجهاز المخابرات . جهاز المخابرات في البحرين جهاز عريق ، وله صيت وخبرة ، ومارس دوره لعقود من الزمن ، ولكن معظم خبرة الجهاز كانت في ظل قانون أمن الدولة وظروف مشابهة ، فيما خبرته في ممارسة دوره في ظل الانفتاح السياسي خبرة ضئيلة لا تمتد لأكثر من عام ، ولأن خبرته ضئيلة فقد ارتكب خطأ ، وهو خطأ فادح أساء فيه لرموز كبيرة في الساحة المحلية ، وأربك الساحة وحركها باتجاه معاكس ، وربما أساء حتى إلى سمعة البحرين في الخارج حينما تناقلت كل وكالات الأنباء الخبر كما ذكر ، وفي ظل إنكار الإدارة الأمريكية لحيثيات الخبر ، ففي الواقع أن في ذلك إساءة لسمعة البحرين .. هذا من جهة .

توجد حاجة

من جهة ثانية أقول بكل وضوح وصراحة : بأنه لا توجد دولة معاصرة لا تحتاج إلى جهاز المخابرات ، ودور جهاز المخابرات لا يقتصر على مرحلة دون مرحلة ، كما أننا لا نستطيع أن نقول ، أو نصحح القول ، بأن الحاجة لجهاز المخابرات في الدول المستبدة فقط ، وأنه لا توجد حاجة له في الدول الديمقراطية ، فالحاجة لجهاز المخابرات حاجة ملحة لكل الدول المعاصرة بكل أشكالها وألوانها وفي كل المراحل.

صداقة .. وصداقة حميمة أيضا

ونحن كمعارضة ، وأنا هنا أتكلم عن نفسي كأحد الأشخاص الذين مارسوا هذا الدور ، وأرى بأنه ربما يكون هذا الفهم عند جميع القوى السياسية المعارضة ، نريد بأن تكون علاقتنا مع جهاز المخابرات علاقة صداقة ، وصداقة حميمة أيضا ، وذلك حينما يمارس جهاز المخابرات دوره ووظيفته الحقيقية التي تتمثل في حماية الدولة ومؤسساتها ، والمحافظة على حقوق وحريات المواطنين ، وأن لا يدخل العمل المخابراتي في العملية واللعبة السياسية ، لأن إدخال العمل المخابراتي في العملية السياسية يشوشها ويفقدها مصداقيتها ، ويجعل من هذه المرحلة غير مختلفة عن المرحلة السابقة اختلافا جوهريا .

اصطبغت بقانون أمن الدولة

في المرحلة السابقة لم يكن مأخذنا فقط على وجود قانون ومحكمة أمن الدولة ، وإنما الحياة كلها في البحرين اصطبغت بصبغة قانون أمن الدولة ، حياتنا الثقافية ، والسياسية ، والاجتماعية .. كلها اصطبغت بقانون أمن الدولة ، وهو أمر نريد له أن ينتهي ، فأن يدخل العمل المخابراتي في كل شأن من شئون الحياة بما فيها الشأن السياسي من شأنه أن يعكر صفو الحياة السياسية ويفقدها مصداقيتها ، ولكي تكون الصورة واضحة لكم ، فالأمر لا يتعلق بالجانب السياسي فقط وإنما حتى الجانب الاقتصادي يدخل في العملية ، ففي المرحلة السابقة لا يحصل الواحد منا على وظيفة إلا إذا حصل على براءة ذمة من جهاز الأمن ، فهو يربط بين حق الإنسان في العيش ببراءة من جهاز الأمن ، وهو أمر غير معقول ، وقد كان مثل هذا موجودا في المملكة الأردنية الهاشمية ثم ألغاه البرلمان ، ونحن نطالب القيادة السياسية بإلغاء هذا الرابط ليكفل حق المواطن في العمل والعيش الكريم دون أن يكون له علاقة بالجانب الأمني ، فحينما يكون لجهاز المخابرات مآخذ على شخص فليس لذلك علاقة برزقه ولقمة عيشه لأن من حق هذا الشخص أن يكون له عمل وتؤمن لقمة عيشه دون مساس من أحد .

نريد أن تؤكده

موضوع بحثنا بالطبع هو العملية السياسية ، وعليه فيجب أن تكون العملية السياسية نظيفة من تدخل العمل المخابراتي ، فيجب أن يترك الدور للسياسيين بما فيهم المعارضة أن يمارسوا اللعبة السياسية حسب قواعدها بعيدة تماما على التدخل المخابراتي ، وهذا ما نريد أن تؤكده القيادة السياسية وحكومتنا الموقرة وجهاز المخابرات ، ونحن كما ذكرت نريد أن تكون علاقتنا كمعارضة مع جهاز الأمن والمخابرات علاقة صداقة ، وذلك إذا مارس هذا الجهاز الوظيفة الحقيقية المسندة له ، واليوم والحمد لله رب العالمين على جهاز المخابرات رجل من أبناء الوطن ، وهو محل ثقة سمو الأمير ، وهذا يمكن الجهاز من أن يلعب الدور الحقيقي الذي يجب أن يناط به ، وهو كما بيناه .

خيارات التعديل

النقطة الثالثة : وتتعلق بالتعديلات الدستورية ، التعديلات الدستورية وكما ذكرت في ندوة نادي النويدرات بأن هناك ثلاث خيارات :
الخيار الأول : أن التعديل يكون وفق المادة 104 ، والتي تنص على أن يكون التعديل من خلال ثلثي أعضاء البرلمان وتصديق الأمير .
الخيار الثاني : الاستفتاء الشعبي .
الخيار الثالث : التعديل بمرسوم .

إلا أن ؟!!

إلا أن المادة (1) من الدستور الفقرة (و) تنص على أن التعديل لا يكون إلا جزئيا وبالطريقة المنصوص عليها في الدستور ، وهذا يعني أن الخيار الثاني والثالث غير دستوريين ، وأن الخيار الدستوري الوحيد هو الخيار الأول المتمثل في المادة 104.
هناك جانب آخر يتعلق بمساحة التعديل ، فمن المعلوم أن الدستور كوثيقة قانونية هو الوثيقة الأهم في الحياة السياسية ، وأنه أساس الاستقرار في النظام السياسي ، وبالتالي فالتغييرات الواسعة في الدستور من شأنها أن تربك الحياة السياسية ، ولهذا نصت المادة (1) على أن الدستور لا يعدل إلا جزئيا وبعد مضي خمس سنوات ، لماذا ؟ .. لأن الدستور أساس الاستقرار في البلاد ، لذا يجب أن نتمسك بكون التعديلات لا تمس إلا المقدار الضروري الذي أشار له ميثاق العمل الوطني والذي يتعلق بتسمية الدولة وبالمجلسين، ومن خلال الطريقة والآلية الدستورية المنصوص عليها في الدستور ، وهنا أذكر بثلاث نقاط ينبغي أن يكون الجميع بما فيهم القيادة السياسية على علم بها :

سمعة البحرين ترتبط ..

النقطة الأولى : أن سمعة البحرين مثلما ترتبط بالحركة الإصلاحية فهي ترتبط أيضا بالتعديلات الدستورية ، فإذا تمت التعديلات الدستورية بآلية غير دستورية فمن شأن ذلك أن يضر بسمعة البحرين الدولية ، أما الذي يخدم سمعة البحرين الدولية إلى جانب الحركة الإصلاحية أن تتم التعديلات وفق الآلية الدستورية ، وهي الطريقة التي يرتضيها الشعب والقوى السياسية المعارضة .

التزامان أساسيان

النقطة الثانية : أن الشعب صوت بنسبة 98,4 لميثاق العمل الوطني ، وهذا شرف كبير ، ودرجة عالية من التوافق بين القيادة السياسية والشعب ، وهي نسبة يجب أن نحافظ عليها ، وهنا أذكر بالتزامات سمو الأمير ، فهذه النسبة من التصويت الشعبي جاءت بناء على الالتزامات التي قدمها سمو الأمير في لقاء الخميس بتاريخ 7 / 2 / 2001م إلى أربعة من الرموز الذين اجتمعوا معه في مساء ذلك اليوم ، وهم السيد عبدالله الغريفي ، والشيخ عبدالأمير الجمري ، والدكتور علي العريبي ، وعبدالوهاب حسين ، والالتزامان الأساسيان الذي قدمهما الأمير لهؤلاء وبناء عليهما تم تحصيل هذه النسبة هما :
الالتزام الأول : حاكمية الدستور على الميثاق .
الالتزام الثاني : أن المجلس المعين ليست له أي سلطة تشريعية وإنما له وظيفة استشارية ، كما أنه ليس من صلاحيات المجلس المعين أن يعيق صدور قرارات المجلس المنتخب .

أذكر الأمير بالتزاماته

بناء على هذين الالتزامين تحركنا مع المعارضة في الداخل و الخارج ، فأصدر أصحاب العريضة بعد تحفظاتهم على الميثاق بيانا في يوم الجمعة 8 / 2 / 2001م يقضي بالموافقة على الميثاق ، كما أصدرت حركة أحرار البحرين في يوم السبت بتاريخ 9/2/2001م بيانا بتجميد قرارها بعدم التصويت للميثاق وأعطت للشعب الخيار ، وكل هذه النقاط تم تثبيتها في بيان يوم الجمعة الصادر في جامع الإمام الصادق والموقع من قبل الأشخاص الأربعة المذكورين ، ورجاؤنا من سمو الأمير أن يحافظ على هذه الالتزامات لأن التصويت بهذه النسبة كانت بناء عليها ، وقبل هذا اللقاء والبيان المذكور كانت نسبة ضئيلة من الناس من أبناء الشعب قد حسمت موقفها بنعم للميثاق ، وهناك نسبة أكبر منها قالت : لا الميثاق ، وكان أغلب الشعب مترددين وغير عارفين للطريق ، وبعد هذا البيان حسم الجميع أمره بنعم للميثاق ، وحصلت النسبة المذكورة ، وهو أمر ثابت ومعروف للجميع .

متوافقة مع النظام

النقطة الثالثة : أن القوى السياسية المعارضة متوافقة تماما مع النظام في القبول بالدستور واحترامه والعمل المشترك طبقا له ، وهذا مكسب كبير للبحرين ، وأساس لتحصيل الاستقرار فيها ، وهو أمر يجب أن يحافظ عليه الجميع حكومة ومعارضة ، وعدم التفريط فيه من أجل مصلحة البلاد وازدهارها ، ومن شأن إجراء التعديلات الدستورية خلافا للآلية المنصوص عليها في الدستور ، وبدون قبول قوى المعارضة والتيارات الشعبية فيها أن يضر بذلك التوافق ، مما يعود سلبا على الاستقرار السياسي والعمل المشترك والمصلحة الوطنية للبلاد .

أوصي أبناء البحرين

وفي ختام الحديث ، أوصي أبناء شعب البحرين بأن تكون عيونهم على بلدهم وعلى الإصلاحات ، فيحرصون على إنجاحها ، وأن يضعوا أيديهم في يد سمو الأمير – حفظه الله تعالى – ، وأن لا تشغلهم قضايا خارجية أو ثانوية عن ذلك ، وإلى مستقبل أفضل للبحرين وشعبها .
أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله لي ولكم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 26 ذي القعدة 1422 هـ الموافق 8 / 2 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.