فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 01-03-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 01 مارس 2002 م

الخطبة الدينية : القيادة وضرورة الناصر -رؤية قرآنية – 2
الخطبة السياسية : حادثة سار – الانتخابات البلدية

( مطلوب من الناس أن تذهب للمراكز لتثبيت أسمائهم للاحتفاظ بهذا الحق لأن الوقت محدود ، فإذا حصل قرار بالمشاركة في الانتخابات البلدية فقد قمتم بتثبت حقكم في المشاركة ، وإذا كان هناك قرار بعدم المشاركة فلستم ملزمين بأن تصوتوا بعد التسجيل )
( موسى (ع) سأل الله – عز وجل – أن يعطيه اللسان الفصيح الواضح بحيث يفهم الناس ما يقول ، ولم يسأل الله أن يعطيه لغة دبلوماسية يبدد بها الأفكار ، ويجعل من رؤيته غير واضحة )
( في هذه المرحلة نحن محتاجون لهؤلاء الرجال المتعقلين ، والذين يعبرون عن آرائهم في وضح النهار وبصورة علنية ويتحملون مسئولية ذلك ، وعندهم استعداد تام لأن يذهبوا إلى المعتقل ، ولسنا محتاجين للأشخاص الذين يعبثون من وراء الستار )

( القائد الناجح ليس هو الذي يضخم إمكانياته ، ويقول : بأنه يعرف كل شيء ، وأن إمكانياته غير محدودة ، وأنه في غنى عن الآخرين ، وإنما القائد الناجح هو الذي يعترف بأن إمكانياته محدودة وأن لديه نواقص ، ويستكمل هذه النواقص بكفاءات الآخرين ، وبذلك يستفيد من كفاءات الآخرين من أجل توفير فرص أكبر لنجاح الرسالة )
( القوى السياسية المعارضة في حركتها لا ترفع شعار تغيير النظام ، وإنما ترفع شعار الإصلاح والتغيير في النظام ، وبالتالي فالشعار في نفسه مرفوض وغير مطلوب )
( حينما تولد المعارضة من رحم الاستضعاف والالتصاق بهموم وقضايا المجتمع ، تكون هذه المعارضة قوية وواعية ، لأنها لا تمارس المعارضة عن ترف سياسي ، ولا تمارس المعارضة من مصالح خاصة ، شخصية كانت أو حزبية ، أو فئوية ، أو طائفية ، وإنما تمارس المعارضة من أجل حاجات فعلية )
( هؤلاء الذين قاموا بهذه العمل يريدون أن يقولوا للناس أننا بين خيارين ، فإما نساير الحكومة في كل شيء ، فنميل مع كل ريح ، وننعق مع كل ناعق ، وإما أن نمارس المعارضة بالعنف ، وأن طريق المعارضة هو طريق واحد ، وهو طريق العنف ، وبالتالي فهم يقطعون الطريق الثالث ، وهو أن تعارض بالطريق السلمي . نحن نؤكد على حق المعارضة بالطرق السلمية ونرفض أن نكون بين هذين الخيارين ، فإما المسايرة وإما العنف )
( حتى الآن في التيار لم يحدد قرار المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات البلدية أو البرلمانية ، وهناك فصل وتمييز بين الانتخابات البلدية والبرلمانية ، وكل الدراسة في هذا الوقت منصبة على المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات البلدية ، ولحد الآن لا يوجد رأي محدد في هذه المسألة ، والناس مدعوون إلى مناقشة هذا الموضوع بكثرة ، ومحاولة تنضيج رأي واضح )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين ، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى يخاطب عبده ورسوله موسى بن عمران (ع) : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ، قال ربي اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي ؛ هارون أخي ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيرا ، ونذكرك كثيرا ، إنك كنت بنا بصيرا ، قال : قد أوتيت سؤلك يا موسى ) صدق الله العلي العظيم .
هذه الآيات المباركة تبين لنا وعي القائد بمسئولياته ، ومتطلبات تحقيق النجاح لرسالته .

تجاوز الحدود

( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) الله – جل جلاله – يخاطب عبده ورسوله موسى بن عمران (ع) ويؤمره ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) . هذه الآيات تشير إلى أن هناك فسادا وانحرافا شاملا في الدولة والمجتمع ، وأن علة ذلك الانحراف والفساد هو طغيان فرعون ، والطغيان هو تجاوز الحدود ، ففرعون تجاوز الحدود وأفسد حياة المجتمع والدولة في جميع الجوانب ، في الثقافة ، في السياسة ، في الاقتصاد ، وفي الحياة الاجتماعية ، واختصارا أذكر جانبين أساسيين من جوانب الانحراف والفساد في الدولة والمجتمع :

ذروة ذلك

الجانب الأول : هو الانحراف الفكري والعقائدي ، وذروة ذلك أن فرعون أجلس نفسه في مقام الربوبية ، فقال : ( أنا ربكم الأعلى ) ، وبالتالي فقد فرض على الناس طاعته فيما يؤمر وينهى ، فهو الرب والناس عبيد .

طائفتان

الجانب الثاني : هو الانحراف السياسي ، حيث قسم فرعون المجتمع المصري إلى طائفتين ، طائفة الأقباط وهي الطائفة ذات الشوكة والقوة والامتيازات ، وهي الطائفة التي ينتمي إليها فرعون ، والطائفة الثانية هي طائفة بني إسرائيل ، وهي الطائفة المستضعفة المسلوبة حقوقها ، وحتى حقها في الحياة قد سلب فرعون أبناء هذه الطائفة منه كما في قوله تعالى ( يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ) ، وهي الطائفة التي ينتمي إليها موسى (ع) .

مهمة شاقة

الله – جل جلاله – يؤمر عبده ورسوله موسى بن عمران (ع) بأن يقاوم كل هذا الانحراف في الدولة والمجتمع ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) وهذه مهمة شاقة في حد ذاتها ، ويزيد في صعوبة هذه المهمة أن فرعون ينتمي إلى طائفة الأقباط ، وهي كما ذكرت بأنها الطائفة ذات الشوكة والقوة والامتيازات ، وفرعون في نفسه كان متجبرا ومتغطرسا للغاية حتى أنه نصب من نفسه ربا ، بينما موسى (ع) ينتمي إلى طائفة بني إسرائيل وهي الطائفة المستضعفة ، وموسى نفسه هو الطفل الذي وضعته أمه في التابوت خوفا عليه ، لأنها غير قادرة على أن تحفظ حياته وهو طفل ، وألقته في اليم ، فالتقطه فرعون وتربى موسى في بيته يتيما ، وهو الشاب أو الفتى المشرد الذي خرج من مصر خائفا يترقب ، وهو الأجير الذي يرعى الأغنام ، فكيف لهذا الإنسان بأن يخاطب فرعون ؟!!! ، وكيف يسمع منه ؟!! ، لهذا فالمهمة صعبة جدا ، إلا أن موسى (ع) تلقى هذه الدعوة والرسالة وأمر بحملها وكان بالوادي المقدس ، وقد كلمه ربه تكليما ، وبالتالي فإن موسى (ع) كانت لديه رؤية واضحة ، وكان مطمئنا كل الاطمئنان إلى عدالة قضيته ، ولهذا لم نجد من موسى (ع) بأنه طلب من ربه التخفيف من عبء الرسالة لأن الرسالة ثقيلة ، وإنما طلب من ربه أمورا تجعل من هذه الرسالة رغم ثقلها وصعوبتها سهلة يسيرة بالنسبة إليه بحيث يستطيع حمل الرسالة وأداء الأمانة وتحقيق النجاح لهذه الرسالة .

طلبات موسى (ع) من ربه تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ويتعلق به شخصيا ، وهي ثلاث طلبات .

انشراح الصدر يدل …

الطلب الأول : ( قال ربي اشرح لي صدري ) ، وانشراح الصدر بمعنى سعة الصدر ، ولكي نفهم معنى انشراح الصدر بعيدا عن الجدل العلمي والفلسفي حول الدماغ وعلاقته بالقلب أو وظيفتهما والعلاقة بينهما ، نعود إلى التصور القرآني مباشرة ، فالصدر هو المكان الذي يضم القلب ، والقلب – حسب المفهوم القرآني – هو مركز الوعي ( إنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ، وأيضا مركز الإيمان والتقوى ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) .
الله – جل جلاله – ذكر في القرآن بأن البعض يشرح صدره للإيمان ، والبعض الآخر يجعل صدره ضيقا حرجا ، وهذا يدل على أن لانشراح الصدر أكثر من معنى ، فهو يدل على الفهم والإدراك ، ويدل على الصبر والتحمل ، ويدل على إدراك ساحة الصراع ومتطلباتها ، ويدل على سعة الأفق والتعقل والتروي في الأمور بحيث لا يضيق الإنسان المؤمن بآراء الآخرين ، ولا تزعجه المشاكل والصعوبات ؛ فهو يتحملها جميعا ، وموسى (ع) وهو يدرك صعوبة الرسالة التي حمَّلها الله إياه ؛ يطلب من الله أن يعطيه هذه الصفات بحيث يستطيع أن يتحمل أعباء الرسالة ليوفر لها فرص النجاح .

موسى يدرك

الطلب الثاني : ( ويسِّر لي أمري ) فهناك طريق صعب وموسى يدرك صعوبته ، ويدرك بأن قدراته وإمكانياته محدودة ، وأنه لا يستطيع أن يتغلب على صعوبات الطريق إلا بلطف الله وعونه ، ونجد هنا لدى موسى (ع) تواضعا ومعرفة موضوعية بقدراته ، فهو لم يضخم قدراته ، وإنما اعترف بأن قدراته محدودة ، وأن الطريق صعب والمشاكل كثيرة ، وسأل الله أن يعينه على صعوبات الطريق بحيث يعينه على تحقيق النجاح للدعوة .
الطلب الثالث : ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) هناك ثلاثة معاني لهذه الآية:

ثقل أو حبسة

المعنى الأول : ويذكره علماء التفسير ، حيث يقولون بأنه كان هناك ثقلا في لسان موسى (ع) أو حبسة ، ويعللون ذلك بأن موسى (ع) وضع في فمه جمرة حينما كان طفلا ، حيث حمله فرعون ، وكانت لحية فرعون مليئة بالجواهر ، فجذب لحية فرعون فغضب وأراد أن يقتله ، فتدخلت آسية بنت مزاحم ، وقالت بأن هذا طفل لا يفرق بين الجوهر والجمر فامتحنه ، فوضع له جمرة وجوهرة ، فأخذ موسى بتسديد من الله الجمرة فوضعها في لسانه ، فأصبحت علة في لسانه مما جعل في لسانه ثقلا وحبسا ، وهنا يسأل الله موسى (ع) أن يرفع هذه الثقل والحبس ليكون قوله فصيحا .

لم يسأل الله اللغة الدبلوماسية

المعنى الثاني : يقول بأنه لا توجد في لسان موسى (ع) ثقل ، وكل ما في الأمر أنه طلب من الله أن يعطيه البلاغة والفصاحة في سبيل أن يكون قوله مفهوما للآخرين ، وكل من يسمع قوله يفهم ويفقه ما يريده ، والدليل على ذلك أن محمدا (ص) سأل الله بنفس السؤال : ( اللهم إني أسألك بما سألك بي أخي موسى بن عمران ، أن تشرح لي صدري ، وتيسر لي أمري ، وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) ، ومحمد (ص) أفصح قريش ، وقريش أفصح العرب ، وفي ذلك إشارة إلى أهمية البلاغة والقول الفصيح والخطاب الواضح ، فهنا موسى (ع) سأل الله – عز وجل – أن يعطيه اللسان الفصيح الواضح بحيث يفهم الناس ما يقول ، ولم يسأل الله أن يعطيه لغة دبلوماسية يبدد بها الأفكار ، ويجعل من رؤيته غير واضحة ، وحينما نتابع الآيات القرآنية نجد بأن اللقاءات التي جمعت بين موسى وهارون مع فرعون كان الذي يتولى الكلام موسى (ع) ولم تكن هناك مشكلة .

النعمة أو المكرمة قد ..

المعنى الثالث : وهو معنى مجازي ، وللأمانة لم يذكره أحد من المفسرين ، ولكن هذا المعنى حصل في ذهني وأنا أتأمل الآيات الشريفة ، ووجدت في هذا المعنى عبر ؛ لذا أردت بأن أوضِّح هذا المعنى ، وذلك أن فرعون له يد ونعمة على موسى ، فقد تربى موسى في بيت فرعون ، وبذلك يكون لفرعون جميل عليه من هذا الجانب مثلما يقول الشاعر ( وهل ينطق من فيه ماء ) ، وبذلك تكون قدرة موسى على التعبير الصريح والواضح صعب ، كما أن فرعون لن يكون مهيئا لسماع كلام موسى ، ولهذا خاطب فرعون موسى ( ألم نربِّك فينا وليدا ، ولبثت فينا من عمرك سنين ) ، وجاوبه موسى (ع) ( وتلك نعمة تمنها عليَّ أن عبدت بني إسرائيل ) ، فالنعمة التي أنعمت بها عليَّ لم أكن أنا بحاجة إليك فيها ، ولكنك كنت تستضعف بني إسرائيل ، ويأتي كلام موسى هذا نتيجة لحالة الاستضعاف التي مارسها فرعون على بني إسرائيل ، وهذا درس ينبغي أن يفهمه ويستوعبه الدعاة والقادة والمصلحون ، بأن النعمة أو المكرمة قد تقيد الداعية أو القائد ، وينبغي أن يتخذ درسا من موقف موسى (ع) ليتجاوز هذه الحالة .

يدرك المهمة الصعبة

القسم الثاني : وفيه الطلب الرابع والأخير ، حيث سأل الله أمرا خارجا عن نفسه ، فالطلب الأول والثاني والثالث فيهم شيء يتعلق بموسى (ع) ، قال ( واجعل لي وزيرا من أهلي ) الوزير من الوزر بمعنى الثقل ، ويسمى الوزير وزيرا لأنه يحمل على عاتقه بعض الثقل عن الملك أو الرئيس ، وهناك معنى ثان تعني كلمة الوزر فيه الجبل ، لأن الإنسان يلجأ للجبل ويحتمي به ، والوزير يلجأ له الملك أو الرئيس ليستنير برأيه ، والآيات التي تلي هذه الآية تفسر ذلك ، قوله تعالى : ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ) حيث تبين هاتين الآيتين هذين المعنيين الأساسيين ، فبعد أن طلب موسى الوزير لأنه يدرك أن المهمة صعبة جدا ، وأن هناك عقبات ، وأنه يحتاج إلى من يعينه ويستنير برأيه ، وخص ذلك ( بهارون أخي ) ، والجدير بالذكر أن آل عمران وهم بيت موسى وهارون بيت طهارة ، ومن سلالة الأنبياء من ذرية إبراهيم من ابنه إسحاق ، وبالتالي فهذا البيت مهيأ لحمل الرسالة ، ومثلما أن موسى ينتمي لهذا البيت فكذلك ينتمي له هارون ، وهو مهيأ لأن يكون شريكا لأخيه موسى ، وهارون أكبر من أخيه موسى بثلاث سنوات ، وتوفى قبله بثلاث سنوات ، وكان هارون كما يقول علماء التفسير ، طويل القامة ، جميلا ، مهابا ، بليغا وفصيح اللسان ، وله إدراك عال ومتميز .. إلخ من الصفات التي يذكرها علماء التفسير .

اجعلني به قويا

( اشدد بي أزري ) الأزر من الإزار بمعنى اللباس ، وبالخصوص اللباس الذي يربط في الوسط ، ولهذا يطلق الأزر على الظهر والقوة والقدرة ، وقوله تعالى : ( اشد به أزري ) بمعنى احكم به قوتي ، واجعلني به قويا قادرا على حمل الرسالة .
( وأشركه في أمري ) والأمر فيه جانبان :

ليس فيهما شراكة

جانب خاص : ويتعلق بتلقي الوحي ، والتبليغ الأولي عن الله ، وهذين الأمرين ليس فيهما شراكة ، ولا يجوز أن ينيب فيهما الرسول أو النبي شخصا آخرا عنه ، وموسى (ع) في تلقي الوحي والتبليغ الأولي لا يحتاج إلى شريك ولا إلى مساعد .

شريك في …

جانب عام : ويتعلق بالتبليغ العام ، وإدارة شئون التبليغ وشئون المجتمع ، وهذا يحتاج فيه النبي إلى شريك ، فموسى (ع) حينما سأل الله أن يجعل هارون وزيرا له وشريكا ، فليس معناه أنه شريك له في تلقي الوحي مع كون هارون (ع) نبيا ، وإنما هو شريك له في تبليغ الرسالة والدعوة وفي تحمل أعبائها ، وفي إدارة شئون المجتمع العامة أيضا .. وهكذا ، كما في حديث الرسول لعلي (ع) : ( ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ، فالإمام علي (ع) ليس شريكا مع النبي محمد في النبوة ، وإنما في التبليغ وتحمل أعباء الدعوة ، وهو شريكه أيضا في الصلاحيات ) من حيث كونه معصوما ومفترض الطاعة ، وكذلك هارون ، ولنستفيد من هذا البعد في حياتنا المعاصرة ، فإن ما يقال عن النبي يقال حتى عن الفقيه ، ففيما يتعلق بالفقاهة وخصوصيتها والجانب الخاص بالفقيه الذي يتميز باستنباط الأحكام الشرعية وتوضيح التكليف الشرعي للمكلف ، فإن الفقيه لا يحتاج فيها إلى من يعينه ويساعده ، وإنما يحتاج إلى ذلك في الأمور التي تتعلق بإدارة شئون التبليغ والشأن العام من خلال وظيفته كفقيه .

.. إلى واقع اجتماعي

( كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ) وهنا لا أريد أن أبين معنى التسبيح والذكر ، وإنما أذكر وظيفتهما في هذه الآية ، فموسى (ع) بين أن غاية المطالب الأربع وهي ( ربي اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي ) للوصول إلى هذه النتيجة ( كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ) وحينما نتأمل ندرك أن موسى وهارون لكي يسبحوا الله ويذكروه بلسانهم أو قلبهم ليسوا في حاجة لهذا المطالب الأربع ليتحقق هذا الذكر القلبي واللساني ، مما يدل على أن معنى ( لكي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ) هو تحويل التسبيح والذكر إلى واقع اجتماعي ، وأن حالة التأكيد بقوله كثيرا في التسبيح والذكر تشير إلى ضرورة أن يكون هذا التسبيح والذكر عاما وليس على نطاق ضيق .

نكتة طريفة

هنا نكتة طريفة فيما يتعلق بتقديم التسبيح على الذكر ، فالتسبيح يشير إلى أن موسى (ع) وبمساعدة هارون بإمكانه أن ينجح في تطهير أفكار أبناء المجتمع ونفوسهم من أفكار وقيم الشرك ، ويطهر سلوكهم أيضا من أفعال الشرك ، وبعد ذلك يكون الذكر لله في أسمائه وصفاته ، لتتحول بعد ذلك الصفات إلى واقع اجتماعي على مستوى الفرد والمجتمع كما في الحديث : ( تخلقوا بأخلاق الله ) ، فالإنسان في سبيل أن يتكامل ذاتيا ويتخلق بأخلاق الله ويتصف بصفات كماله ، وكذلك المجتمع كما يشير لذلك السيد الطباطبائي ( رحمة الله عليه ) يجب أن يحولان هذه الصفات إلى واقع اجتماعي ، فيكون الفرد والمجتمع متصفان بصفات الله من العلم والقدرة ، والعطاء والبذل والقهر ، فلا نكون مجتمعا مأسورا ، وإنما مجتمع قوي قاهر ، ولا نكون مجتمعا يعتمد على المجتمعات الأخرى فنكون اتكاليين واستهلاكيين وإنما العكس هو الصحيح بأن نعطي المجتمعات الأخرى ، وهذا ما نستفيده من هذه الآية .

تعرف أننا ..

( إنك كنت بنا بصيرا ) بمعنى أنك تعرف بأننا مخلصون لك في الدعوة ، وتعرف في نفس الوقت بأن قدراتنا وإمكانياتنا محدودة ، وبالتالي فنحن في حاجة إلى عونك ومساعدتك . هذه الآيات توصلنا إلى ثلاث نتائج أساسية يمكننا الاستفادة منها في حياتنا العملية :

لم يكن أسير نفسه

النتيجة الأولى : أن موسى (ع) لم يكن أسير نفسه ولم يكن مستغرقا في ذاته أيضا ، ولم يضخم إمكانياته ليقول : بأن إمكانياته غير محدودة ، وأن إمكانياته إمكانيات شاملة بحيث يستغني عن الآخرين ، فموسى (ع) كان في غاية التواضع ، وكان يعرف بأن له إمكانيات محدودة ، وأنه ورغم كونه نبيا ومعصوما إلا أن عنده بعض نقاط الضعف ، فهو يقول : بأن أخي هارون أفصح مني لسانا ، وأنه أراد أن يستكمل هذه النقاط بالآخرين ، وبذلك فقد استفاد من إمكانيات الآخرين ، واعترف بمحدودية قدراته وإمكاناته ، وهو بذلك لم يكن منغلقا على ذاته ، وإنما كان منفتحا على هموم ومتطلبات الرسالة ، وهكذا ينبغي أن يكون القائد الناجح ، فالقائد الناجح ليس هو الذي يضخم إمكانياته ، ويقول : بأنه يعرف كل شيء ، وأن إمكانياته غير محدودة ، وأنه في غنى عن الآخرين ، وإنما القائد الناجح هو الذي يعترف بأن إمكانياته محدودة وأن لديه نواقص ، ويستكمل هذه النواقص بكفاءات الآخرين ، وبذلك يستفيد من كفاءات الآخرين من أجل توفير فرص أكبر لنجاح الرسالة .

سابق على الرسالة

النتيجة الثانية : أن هذه الآيات تدل على أن موسى (ع) كان على وعي كامل بمسئولياته ، وعلى وعي كامل أيضا بمتطلبات النجاح ، وأن هذا الشيء كان سابقا على النبوة والبعثة ، ويدل على ذلك أن موسى (ع) يعيش هم الإصلاح ، وكان ملتصقا بهموم المجتمع وقضاياه منذ نعومة أظفاره ، وقد أثــَّر حتى في بيت فرعون وكانت له أول بصمة في هذا البيت ، فآسية بنت مزاحم وصلت إلى ما وصلت إليه من القرب إلى الله – عز وجل – ببركة موسى (ع) حيث قالت : ( ربي ابني لي عندك بيتا في الجنة ) ، فكانت في درجة إيمانية عالية جدا بحيث أنها داست الدنيا والترف الذي كانت تعيشه في قصر فرعون بأقدامها ، وأخلصت لله – عز وجل – ، وعارضت زوجها الملك لدرجة الشهادة ، وشاركتها في ذلك بناتها ، وكل ذلك ببركة موسى (ع) ، ويدل على التصاقه بهموم مجتمعه وقضاياه ، حينما وقف لنصرة الإسرائيلي الذي كان في حالة اشتباك مع القبطي ، حيث وكزه موسى فقتله ، وهو بذلك كان ملتصقا بالناس ويحمل على عاتقه نصرة المظلومين ، والمتابع للآيات القرآنية يجد بأن المجتمع كان يعرف عن موسى هذا التوجه ، أي توجهه نحو الإصلاح والتصاقه بهموم وقضايا المجتمع ، وبالتالي لم تكن البعثة هي بداية اهتمام موسى (ع) بقضايا وهموم المجتمع وإنما كانت تتويجا لذلك .

حينما ..

النتيجة الثالثة : وتتعلق بالمعارضة ، فحينما تولد المعارضة من رحم الاستضعاف والالتصاق بهموم وقضايا المجتمع ، تكون هذه المعارضة قوية وواعية ، لأنها لا تمارس المعارضة عن ترف سياسي ، ولا تمارس المعارضة من مصالح خاصة ، شخصية كانت أو حزبية ، أو فئوية ، أو طائفية ، وإنما تمارس المعارضة من أجل حاجات فعلية ، كما أن مطالبها تكون واقعية لأنها تنبع من نفس الحاجات ، وهنا أذكر أن الحاجات الفعلية ليست هي الحاجات الطبيعية في المجتمع ، لأنها ليست حاجات آنية ، وإنما حاجات تشمل التطوير والإبداع في المجتمع ، ولهذا نجد بأن الله أجاب موسى في مسائله وقال : ( قد أوتيت سؤلك يا موسى ) .

بعد هذه الوقفة مع هذه الآيات الشريفة ، نأتي إلى قضيتين أساسيتين وباختصار شديد .

القضية الأولى : وتتعلق بحادثة سار ، وهي ذات شقين :
الشق الأول : أنه في منطقة سار وجدت بداية كتابات على الجدران ، ومن هذه الكتابات شعار ( الموت لآل خليفة ) .
الشق الثاني : في ليلة الأربعاء ، وبعد منتصف الليل ، وفي الساعة الواحدة تقريبا ، كانت هناك محاولة لتفجير ثلاث أسطوانات غاز ( سلندرات ) من الحجم الكبير ، حيث وضعت الأسطوانات في إطارات السيارات ، وتم إشعال النار ، حيث كان ذلك في منطقة مأهولة بالسكان ، ولو انفجرت الأسطوانات لأزهقت أرواحا بريئة ، وعليه فسأعلق على الشقين :
الشق الأول : وفيه أمران :

محتاجون لهؤلاء الرجال

الأمر الأول : ذكرنا في الأحاديث السابقة بأن الكتابة على الجدران هو أسلوب غير حضاري ، وأنه تصرف في أملاك الآخرين ، وهو محرم شرعا ، وسكوت الفقهاء على هذه الممارسة في المرحلة السابقة لأن الشعب البحريني لم تكن له وسيلة للتعبير ، أما الآن فتوجد وسيلة للتعبير ، ولا أحد يستطيع القول : بأنه لا توجد وسيلة للتعبير ، فوجود هذا المنبر دليل على حرية التعبير ، والندوات التي تقام فيها دليل على أننا نستطيع أن نعبر على آرائنا بأسلوب حضاري أيضا ، وأقول بوضوح : بأننا نحتاج إلى الشخص الذي يعبر عن رأيه في وضح النهار ، ولديه الاستعداد الكامل لتحمل مسئولية آرائه ومواقفه ، بحيث لو طلب للاعتقال لا يحتاج لأن يذهب المخابرات إلى بيته ، وإنما يتصل بهم تلفونيا ويقول : أنني قادم لديكم ، ومستعد أن أتحمل مسئولية كلامي ومواقفي .. في هذه المرحلة نحن محتاجون لهؤلاء الرجال المتعقلين ، والذين يعبرون عن آرائهم في وضح النهار وبصورة علنية ويتحملون مسئولية ذلك ، وعندهم استعداد تام لأن يذهبوا إلى المعتقل ، ولسنا محتاجين للأشخاص الذين يعبثون من وراء الستار.

لا ترفع شعار …

الأمر الثاني : أن القوى السياسية المعارضة في حركتها لا ترفع شعار تغيير النظام ، وإنما ترفع شعار الإصلاح والتغيير في النظام ، وبالتالي فالشعار في نفسه مرفوض وغير مطلوب .
محاولة لمصادرة
الشق الثاني : وهو محاولة تفجير أسطوانات الغاز . ذكرنا في أكثر من مرة كما ذكر الرموز بأن من حق الناس التعبير عن آرائهم ، فيمارسوا المعارضة بشرط عدم الإخلال بالأمن ، ووصل الأمر عند آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم إلى تحريم الإخلال بالأمن وممارسة العنف ، وأنا أعتقد بأن الذي حدث في سار هو محاولة لمصادرة حق المعارضة السلمية ، فهؤلاء الذين قاموا بهذه العمل يريدون أن يقولوا للناس أننا بين خيارين ، فإما نساير الحكومة في كل شيء ، فنميل مع كل ريح ، وننعق مع كل ناعق ، وإما أن نمارس المعارضة بالعنف ، وأن طريق المعارضة هو طريق واحد ، وهو طريق العنف ، وبالتالي فهم يقطعون الطريق الثالث ، وهو أن تعارض بالطريق السلمي . نحن نؤكد على حق المعارضة بالطرق السلمية ونرفض أن نكون بين هذين الخيارين ، فإما المسايرة وإما العنف .

أشكر الجمعيات الخمس

لهذا فهذه المحاولة العابثة هي محاولة خطيرة جدا ، وهي عبث أعمى وخطر ، ويعود بالضرر الكبير على المجتمع ، بل إن من شأنه أن يهدم كل المكتسبات ، ويقطع طريق الإصلاح ، ويرجعنا للوراء ، ولهذا أنا أشكر الجمعيات الخمس التي أخرجت بيانا تدين فيه هذا العمل ، وأدعو المجتمع وكل مؤسساته أن يقف صفا واحدا ضد هذا العبث الأعمى الخطر ، وأؤكد على حق المعارضة السلمية .

القضية الثانية : وتتعلق بالانتخابات البلدية ، فأبناء الشعب مدعوون يوم السبت القادم ولمدة أسبوع من التثبت من حقهم في الترشيح من خلال مراجعة المراكز لتصحيح الأسماء والمعلومات .

حتى الآن

حتى الآن في التيار لم يحدد قرار المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات البلدية أو البرلمانية ، وهناك فصل وتمييز بين الانتخابات البلدية والبرلمانية ، وكل الدراسة في هذا الوقت منصبة على المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات البلدية ، ولحد الآن لا يوجد رأي محدد في هذه المسألة ، والناس مدعوون إلى مناقشة هذا الموضوع بكثرة ، ومحاولة تنضيج رأي واضح فيها ، وكما علمت بأن جمعية الوفاق سوف تتخذ قرارا في هذه المسألة من خلال الرجوع للجمعية العمومية ، حيث أن لديهم اجتماعا بتاريخ 10/3/2001م الموافق ليوم الأحد ليلة الاثنين في جمعية المهندسين للخروج من خلال الجمعية العمومية بقرار المشاركة من عدمها في الانتخابات البلدية ، وبذلك فالوفاق لا تتخذ قرار خاص بها وإنما عن التيار والطائفة كلها ، وفي هذا الصدد أنتم مدعوون لمناقشة هذا الموضوع بكثرة في مجالسكم ، وسوف يكون هذا الموضوع موضوع الحوار في لقاء ليلة الثلاثاء ، ولكن مع ذلك ، مطلوب من الناس أن تذهب للمراكز لتثبيت أسمائهم للاحتفاظ بهذا الحق لأن الوقت محدود ، فإذا حصل قرار بالمشاركة في الانتخابات البلدية فقد قمتم بتثبت حقكم في المشاركة ، وإذا كان هناك قرار بعدم المشاركة فلستم ملزمين بأن تصوتوا بعد التسجيل .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 16 ذي الحجة 1422 هـ الموافق 1 / 3 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.