فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 11-01-2002

الخطبة الدينية : دعوة الإسلام هي دعوة الحياة
الخطبة السياسية : دعوة إلى التطور و التقدم و الرقي في جميع مجالات الحياة

( إن الإسلام و الإيمان ليس مجرد عقيدة ، و ليس مجرد قول ، و إنما هما إلى جانب العقيدة ، و إلى جانب القول ، هما عمل و حركة في الحياة ، فدعوة الإسلام هي دعوة للحياة ، و دعوة إلى التطور و التقدم و الرقي في جميع مجالات الحياة )
( لا يصح أن نضع الإسلام في قوالب جامدة ، لا يصح أن نطرح عقائد الإسلام و مفاهيم الإسلام و أحكام الإسلام بأسلوب يجمد أو يقتل الحياة ، بأسلوب يعيق أو يعرقل سيرة الحياة ، و لا يصح أن نعالج القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية بمثل ذلك الأسلوب )
( إن الإنسان المؤمن بما هو مؤمن يجب أن يستجيب لله و للرسول ، فكيف يكون مؤمنا و لا يستجيب لله و لا يستجيب للرسول ؟! )

( الإنسان الذي يفتقر إلى الرحمة و المسئولية و الصبر و الحلم و التسامح و التآلف هذا ليس بإنسان . صحيح أن مظهره و شكله الخارجي شكل إنسان و لكن مضمونه ليس مضمونا إنسانيا ، و باطنه و ملكوته ليس ملكوتا إنسانيا … لم يأخذ من الإنسانية إلا الشكل و المظهر أما المضمون فلا )
( الإنسان الحقيقي لا يمكن أن يكون عاشقا للدنيا بل عاشقا لله و الآخرة ، الإنسان لا يكون أسيرا للمال أو الجاه أو الرئاسة أو الرمزية أو ما شابه ذلك ، بل هذه الأمور مما يقتل إنسانيته و يقتل قيمه .. )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين ، و أصحابه المنتجبين ، و من اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي و سيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن و الحسين ، السلام على علي بن الحسين و أصحاب الحسين ، السلام على جميع الأوصياء و مصابيح الدجى و أعلام الهدى و منار التقى و العروة الوثقى و الحبل المتين و الصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي و أرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفدا .السلام على العلماء و الشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة و الأخوات في الله و رحمة الله و بركاته .

قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)) صدق الله العلي العظيم (24) سورة الأنفال .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) نداء و خطاب من الله U للمؤمنين ، يبعث فيهم روح الإيمان و معنى الإيمان و حركة الإيمان و دور الإيمان ، فللإيمان قيمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ) طائعين مختارين ، و هو نداء للفطرة ، و نداء للعقل ، و نداء للضمير ، و نداء للمسئولية (اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ) خالقكم .. مالككم ، العليم الخبير ، اللطيف بكم ، الرؤوف بكم (وَلِلرَّسُولِ) المبعوث من عند الله رحمة للعالمين ، أمينا على رسالته ، حريصا على المؤمنين .

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)) إذا دعاكم للإسلام ، و دعوة الإسلام هي دعوة الحياة ، أو هي دعوة للحياة ، للحياة الكاملة ، بكل معانيها و بكل صورها ، و في جميع مجالاتها ، و الحياة أعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان ، فليس دون الحياة إلا العدم و البطلان ، و ليس دون الحياة إلا الهلاك و الفساد ، و هنا عدة معاني :

المعنى الأول : إن الإسلام و الإيمان ليس مجرد عقيدة و ليس مجرد قول و إنما هو إلى جانب العقيدة و إلى جانب القول هو عمل و حركة في الحياة ، فدعوة الإسلام هي دعوة للحياة ، دعوة للتطور و التقدم و الرقي في جميع مجالات الحياة ، في الحياة السياسية و الحياة الاجتماعية و الحياة الاقتصادية و الحياة الثقافية ، أي أن تكون لدنيا حياة سياسية متطورة ، و حياة اجتماعية متطورة ، و حياة اقتصادية متطورة ، و حياة ثقافية متطورة …الخ .

المعنى الثاني : إنه لا يصح أن نضع الإسلام أو الدين في قوالب جامدة .. في قوالب متينة ، لا يصح أن نطرح عقائد الإسلام و مفاهيم الإسلام بأسلوب يجمد الحياة ، و يعرقل مسيرة الحياة ، و كذلك لا يصح أن نطرح أحكام الإسلام بأسلوب يعيق الحياة و يقتل الحياة و لا يصح أن نعالج القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية بأسلوب يقتل الحياة فالقرآن الكريم يصف الرسول (ص) في قوله تعالى (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (157) سورة الأعراف ، فالإسلام يزيل الأثقال التي تثقل كاهل الإنسان ، و يزيل الأغلال التي تعيق حركة الإنسان ، فالإسلام هو دين الحياة و دين الحركة و دين التطور و دين النمو .

– الأمر الثاني :
(اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) هنا معنيان :

المعنى الأول : إن الاستجابة لله و للرسول هو مظهر من مظاهر الإيمان ، بمعنى آخر ؛ إن الإنسان المؤمن بما هو مؤمن يجب أن يستجيب لله و للرسول فكيف يكون مؤمنا و لا يستجيب لله و لا يستجيب للرسول ؟ هذه الاستجابة التي منها الحياة للإنسان .

المعنى الثاني : إن هذه الاستجابة التي فيها الحياة للإنسان هي منبع الحياة و مصدر الحياة . إن منبع الحياة في الإنسان هي الاستجابة لله و للرسول ، فإذا لم يستجب إلى الله و لم يستجب إلى الرسول شيمته الموت و الهلاك و الفساد ،،، الحياة التي تنبعث نتيجة الاستجابة لله و للرسول نستطيع أن نضعها في ثلاثة مستويات :
المستوى الأول : حياة الإنسان في نفسه .
المستوى الثاني : حياة الإنسان في الدنيا .
المستوى الثالث : حياة الإنسان في الآخرة .

المستوى الأول : قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) يحييكم الحياة الإنسانية ، الحياة التي تخرجكم من نطاق الحيوانية ،، فللحياة ثلاث مستويات أو مراتب :

المرتبة الأولى : ففي هذه الحياة الإحساس ، فالنبات لديه إحساس ، و فيها نمو و فيها تكاثر و توالد ، و انعدام الحياة النباتية يعني الرجوع إلى مستوى الجماد .

المرتبة الثانية من مراتب الحياة الحيوانية : و فيها إلى جانب الإحساس و النمو و التكاثر فيها الحركة و السمع و البصر و الشم ، و فيها الغضب و فيها الشهوة و كل خصائص الحياة الحيوانية الأخرى .

المرتبة الثالثة من مراتب الحياة هي الحياة الإنسانية ،،، فالإنسان فيه الخصائص النباتية كلها و فيه خصائص الحياة الحيوانية كلها و لكن للإنسان فوق الحيوانية مرتبة و هي الحياة الإنسانية ، و من أهم خصائص الحياة الإنسانية التفكير و من خصائصها الارتباط بالله و الارتباط باليوم الآخر ، و من خصائصها الإحساس بالمسؤولية و تحمل المسؤولية ، و من خصائص الصبر و الحلم و الرأفة و التسامح ،،، فالحيوان لا يشعر بمسؤولية و لا يتحمل مسؤولية . الحيوان ليس وسعه أن يكون حليما أو متسامحا أو رؤوفا ، فهذه من خصائص الإنسان ،،، و الإنسان الذي يفتقر إلى هذه الخصائص ؛ إلى الرحمة و الصبر و المسؤولية و الصبر و الحلم و التسامح و التآلف هذا ليس بإنسان ،،، صحيح أن مظهره و شكله الخارجي إنسان ، لكن مضمونه ليس مضمونا إنسانيا ، و باطنه و ملكوته ليس ملكوتا إنسانيا ،،، لم يأخذ من الإنسانية إلا الشكل و المظهر أما المضمون فلا .

و لكن السؤال من أين تنبع هذه المرتبة ، و ما هي أسباب هذه الحياة ، ما هو الينبوع الذي يغذي هذه الحياة الإنسانية ؟ الجواب هو الإيمان بالله و الإيمان باليوم الآخر و الارتباط بالنبي و الإمام ، فالذي ينقطع عن الله و الذي ينقطع عن اليوم الآخر و الذي ينقطع عن الأنبياء ليس في وسعه أن يكون إنسانا ، من أين يأتيه الحلم ، من أين يأتيه الصبر ، من أين يأتيه الشعور بالمسؤولية ؟ مصدرها ماذا ؟ المادة ، الشهوات ، حب الدنيا ، هل أن حب الدنيا يغذي و ينمي إنسانية الإنسان ؟ هل حب الشهوات و حب المال و حب الرئاسة و حب الجاه يغذي إنسانية الإنسان ؟ فالإنسان الحقيقي لا يمكن أن يكون عاشقا للدنيا بل عاشقا للآخرة . الإنسان الحقيقي لا يكون أسيرا للمال أو الجاه أو الرئاسة أو الرمزية أو ما شابه ذلك ، بل هذه الأمور تقتل إنسانية الإنسان و تجعل الإنسان أسيرا إلى مثل هذه الأمور مما يقتل إنسانيته و يقتل قيمه، فالذي يغذي إنسانية الإنسان و ينمي هذه القيم الإنسانية هو الارتباط بالله و الارتباط باليوم الآخر و الارتباط بالأنبياء و الأئمة (ع) ، و لهذا قال تعالى : (اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) فالاستجابة لله و الاستجابة للرسول هي التي تحيي إنسانية الإنسان ، و الذي ينقطع عن الله و ينقطع عن الرسول تموت إنسانيته فالمستوى الأول للبحث عن الحياة هو البحث عن حياة الإنسان في ذاته التي المرتبة الثالثة من مراتب الحياة .

المستوى الثاني : هو مستوى الحياة الدنيا ، كيف يعيش الإنسان الحياة الدنيا في ضوء الإسلام ؟ العقائد الإسلامية التي يدعو الله و الرسول إليها ، هذه العقائد تعطي الإنسان الصورة الكاملة و الواضحة لمبدئه و معاده ، و توضح له طريقه في الحياة ، و تفتح أفقه الواسع على الكون الواسع في الحياة ، هذه العقيدة التي تربطه بالله عز و جل تحرره من الأنانية و حب الدنيا و تحرره من حب المال و تحرره من حب الجاه و تحرره من حب الرئاسة من و تحرره من الشهوات و تحرره من الشيطان و تحرره من كل القوى السلبية التي يمكن أن تأثر عليه ، و الإيمان بالآخرة يبين للإنسان بأنه لم يخلق سُدى ، و لم يخلق عبثا و إنما خلق لغاية ، و إنه مسؤول و محاسب ، و إنه بدأ من الله و سوف يعود إلى الله ، و سوف يحاسب و يثاب أو يعاقب ،،، فالإيمان باليوم الآخر يعطي الإنسان معنا بأنه خلق لهدف و بالتالي تكوتن تصرفاته تصرفات مسؤولة و ذات معنى و ذات قيمة ، تعطي الإنسان معنى المسؤولية بأنه مسؤول عن أعماله و أنه سوف يحاسب ،،، و ارتباطه بالنبي و إيمانه بالنبوة و إيمانه بالإمامة يوضح له الطريق في الحياة ، و من أين يأخذ منهجه في الحياة و يعطيه القدوة الحسنة في حياته كلها و يبين له الصحيح و الخطأ و الحلال و الحرام و الخير و الشر ، هذا المنهج الذي يأتي به النبي و يأتي به الإمام يقوم على العدل و التوازن ، التوازن بين المادية و الروحية ، التوازن بين الدنيا و الآخرة ، التوازن بين الفردية و الحياة العامة و الاجتماعية ، التوازن في القيم ، التوازن في العقلية ، لا يذهب وراء المكر و الخداع و لا يضعف و يكون إنسانا أبلها سطحيا ، بل يكون أنسانا حكيما ، و كذلك فيما يتعلق بالقوة الغضبية لا يتهور و لا يظلم و لا يجبن و لا يقبل الظلم ، و إنما هناك الشجاعة الجرأة ، و في غرائزه لا يذهب وراء الغرائز ، و كذلك لا يحرم نفسه من طيبات الدنيا و حلالها ، و إنما يكون عفيفا . إنه التوازن في كل جوانب الحياة . و كذلك الإنسان يعيش في ظل القيادة الإسلامية و النبي بوصفه قائدا و الإمام بوصفه قائدا ، و خليفته الإمام الفقيه العادل بوصفه قائدا و القيادة الإسلامية في خصائصها المختلفة على ما تقوم عليه من الإيمان بهذا المنهج الفهم الكامل لهذا المنهج ، و الحرص على تطبيق هذه المنهج و الأمانة في تطبيق هذا المنهج و العدالة التي يتصف بها هذا القائد حيث لا يحيد عن ذلك شمالا و لا يمينا ، فهذا كله مما يبعث الحياة و التطور و التقدم في الحياة الدنيا ، فالالتزام بالإيمان أو بدعوة الإسلام يبعث الحياة في الدنيا ، و يجعل الحياة الدنيا نعيش فيها الكرامة و العزة و العدل و العلم و المعرفة و التطور بعيدا عن الظلم و الهلاك و الفساد. و يقينا عندما يبتعد الإنسان عن منهج السماء فالبديل لذلك هو الفساد و الخراب و الهلاك و الظلم ..الخ .

و هنا أشير إلى نقطة تثار بأن هذا الكلام كلام عام ، و أن المطلوب هو وضع البرامج التي تثبت ذلك . فهذا الكلام صحيح من جهة و خطأ من جهة ثانية .

إذ تطالب الجماعة المسلمة بأن تضع برامجها للحياة في كل مجالاتها و هي بعيدة عن الحكومة و بعيدة عن المشاركة في صنع القرار ، هذا لغو و كلام فارغ و ليس له معنى . لكن إذا الجماعة المسلمة وصلت إلى الحكومة أو سمح لها بالمشاركة في صنع القرار في هذه الحالة يمكن مطالبتها بوضع و طرح برامجها للناس . فتكون مطالبة الجماعة بوضع و طرح برامجها لتنمية الحياة لا يكون ذلك و لا يصح إلا في حالتين : أن تصل الجماعة المسلمة للحكومة أو أن تشارك الحكومة في صناعة القرار ، و في هاتين الحالتين تكون مطالبة بوضع البرامج المختلفة لتنمية الحياة ، و سوف تقوم بوضع هذه البرامج المتميزة على ضوء عقائد و أحكام و مفاهيم و قيم و روح الإسلام و مقاصده و غاياته .

المستوى الثالث : هو الحياة في الآخرة و باختصار شديد أن ارتباط الإنسان بالله – عز و جل – و الارتباط بالنبي (ص) و الارتباط بالإمام (ع) يغذي إنسانية الإنسان ، و كذلك التزام الإنسان بالإسلام كمنهج شامل في الحياة الدنيا في الوقت الذي يحفظ التوازن و التقدم في الحياة الدنيا فإنه أيضا يغذي إنسانية الإنسان ، و بمقدار هذه الحياة الإنسانية التي اكتسبها تتحدد مرتبته و مكانته في الآخرة .

فبمقدار الغنى و الامتلاء في إنسانيتك و بمقدار ما تحققه من كمال في إنسانيتك في الحياة الدنيا من خلال ارتباطك – عز و جل – و ارتباطك بالنبي ، و ارتباطك بمنهج الإسلام ، و بقدر ما تحقق من كمال في إنسانيتك بقدر ما تحدد مكانتك في الآخرة ،،، و بالتالي فالسعادة في الحياة الآخرة تتوقف على الإيمان و الارتباط بالله – عز وجل – و الارتباط بالنبي (ص) في الحياة الدنيا ، و الذي تنقطع علاقته بالله – عز و جل – و النبي في الحياة الدنيا يفقد الإحساس بإنسانيته و يكون سببا في شقاءه في الحياة الدنيا ، كذلك يعيش الشقاء ة الهلاك في الآخرة .

قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) ) سورة التين .

الأمر الثالث : هو كما قلنا إن الإسلام هو دعوة الحياة ، و إن الاستجابة لله و الاستجابة للرسول هي مظهر من مظاهر الإيمان لهذه الدعوة ، كما أن هذه الاستجابة هي مصدر الحياة للإنسان في نفسه و حياته في الدنيا و حياته في الآخرة . و بالتالي فالأمر الثالث هو أنه من أن يحيى الإنسان إنسانيته أو يعيش في الحياة الدنيا الحياة الإنسانية ، أو يعيش الآخرة الحياة الخالدة في نعيم بدون هذا الارتباط .

فإنسانية الإنسان و سعادة الإنسان في الدنيا و سعادته في الآخرة رهين باستجابته لله – عز و جل – و للرسول (ص) .
ثانيا / الشأن السياسي والاجتماعي
بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة أتناول ثلاث قضايا من القضايا المثارة على الساحة

القضية الأولى :وهي تتعلق بنظرة الناس والمؤمنين إلى العلماء ودورهم في الساحة الإسلامية
نحن ورثنا من ارتباطنا بالنبي (ص) ونظرتنا إلى النبي (ص) ونظرتنا وارتباطنا بالأمة (ع؟) ، اثنا عشر إمام امتدت حياتهم لأكثر من ربع قرن ، أكثر من 250 سنة وكذلك نظرتنا للفقهاء وارتباطنا بهم ، وهذه النظرة أورثتنا أن ننظر بكثير من الاحترام وبكثير من القدسية إلى العلماء ، فنحن ننظر باحترام كبير وبقدسية إلى العلماء ، ارتباطنا بالدين ، ارتباطنا بالله ، ارتباطنا بالأنبياء ، ارتباطنا بالأمة ، ارتباطنا بالفقهاء ، ويفرض علينا نظرة الاحترام إلى العلماء ، ونحن لا نريد أن نخسر هذه النظرة ، وإن هذه النظرة وهذا الموقف هو الذي أنتج وأثمر الثورة الإسلامية في إيران ، فالإمام الخميني – رحمة الله عليه – ما كان في وسعه أن يفجر الثورة الإسلامية في إيران لولا نظرة الشعب الإيراني إلى الإمام الخميني بوصفة فقيها ، وبما في هذه النظرة من الاحترام والتقدير والطاعة ، بما أنه فقيهاُ بما أن الأمة ترتبط به كفقيه بما في هذه النظرة من الاحترام والتقدير والطاعة تمكن الإمام أن يفجر الثورة الإسلامية في إيران ويقيم الدولة الإسلامية في إيران ، وهو لم يقيمها بالسيف وإنما أقامها بالإيمان ،،، وكذلك نجاح حزب الله في لبنان في تحرير جنوب لبنان مرتبط بنظرة الناس إلى العلماء والفقهاء ،،، نجاح الانتفاضة في البحرين مرتبط بنظرة الناس إلى العلماء ، وبالتالي لا نريد أن نخسر هذه النظرة ، ولا نريد أن نفرط فيها ، نريد أن نحتفظ بهذه النظرة ونعززها لأنها نظرة نظرة صحيحة ومنتجة في حياة المؤمنين والمسلمين ، ولكن هناك أمور يجب نلتفت إليها ونأخذها بعين الاعتبار :

الأمر الأول : إن العمامة في نفسها ليست كخاتم سليمان ، فليس كل واحد يصنع الإمامة أصبح إنسانا مقدساُ مقدساُ وإنساناُ قائداُ وعالم بكل شيء ، فقد يكون هناك شخص فاشل في حياته ، وبمجرد أن يصنع العمة على رأسه يصبح إنساناُ ناجحاُ ومقدساُ وقائدا وعالما ، وهذا مستحيل فإذا ظن الناس ذلك تحل الكارثة ،،، فيجب علينا أن ننظر بموضوعية إلى العمة .

الأمر الثاني : يجب أن نميز بين الكفاءة العلمية والكفاءة القيادية ، فقد يكون فقيها وقد يكون هو الأعلى من الناحية الفقهية ، لكنة ليس الأكفأ في القيادة ، ولهذا يشترط الفقهاء في المرجع أن يكون قادراُ على تحمل أعباء المرجعية والقيادة ،،، فلا بد أن نفرق بين أمرين بين الكفاءة العلمية والكفاءة القيادية فليس كل عالم وكل فقيه تكون لديه الكفاءة القيادية ،،، وبالتالي حينما نبحث عن القائد علينا أن لا ننظر فقط إلى الكفاءة العلمية وإنما لابد من البحث عن الكفاءتين الكفاءة العلمية والكفاءة القيادية ومن تكن فيه هاتين الكفاءتين فهو قائد،،، وهذا لا يعني أننا نستغني عن كفاءات غير العلماء فيجب علينا الاستفادة من الكفاءات القيادية والكفاءات العلمية من غير العلماء لان غير ذلك يعطل الكفاءات الأخرى من المثقفين والشباب وغيرهم ، فالذي يقود التيار الإسلامي وبصورة رئيسية هي القيادة العلمائيه ، ولكن هذا لا يعني تعطيل باقي الكفاءات ،،، وتعطيل الكفاءات غير العلمائية يعني الكارثة فيجب استثمار وتوظيف كل الكفاءات في خدمة الإسلام والمسلمين بصورة علمية و موضوعية .

القضية الثانية : تتعلق باتخاذ القرار لدى القيادة الإسلامية .

كيف تتخذ القيادة الإسلامية القرار ؟
أولاُ قولة تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم العلمه الذين يستنبطونه منهم ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلا ) هذه الآية تستنكر على المؤمنين بأنهم يتصرفون في أمور مختلفة في شؤون الحياة بدون الرجوع إلى القيادة وذوي الاختصاص ويعتبر ذلك بمثابة اتباع الشيطان ، وبما إني تحدثت عن الآية بالتفصيل في حديث سابق اكتفى بهذا المقدار ، حيث أن هذه الآية تحذرنا كمؤمنين من أن نتصرف ونتخذ المواقف في الشأن العام من دون الرجوع إلى القيادة وتعتبر ذلك بمثابة السير على نهج الشيطان أو إتباع خطوات الشيطان من جهة أخرى قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ول كنت فظاُ غليظ القلب لا نفظوا من حولك ، فاعفوا عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله ، إن الله يحب المتوكلين ) هذه الآية تفرض على القائد أن يشارك الناس الرأي ، وأن لا يستبد برأيه ، حيث إن هذا الشأن لا يتعلق بالأحكام ولا بالحلال والحرام ولا بالعقيدة وإنما في أمور إدارة الشأن العام ،،، وحيث أن الله عز وجل فرض على الرسول(ص) هذه المشاورة ، فهذا يعني أن المشاورة ليست فقط هي السبيل لتحسين الرأي والوصول إلى الصواب ، حيث أن الرسول الأعظم (ص) معصوم ، وبما أنه يوحي إليه قادر على أن يتخذ الموقف الصواب ، ولكن لهذه الشورى أبعاد أخرى ترتبط بتفاعل الناس مع القيادة وتدريبهم على تحمل المسؤولية ، والرفع من مستواهم السياسي والاجتماعي والثقافي إلى أخره من الأمور ،،، فالتشاور له علاقة بتطوير الحياة وتنميتها وليس مجرد الحصول على الرأي الصائب ، ولهذا نجد أن الرسول الأعظم (ص) شاور الناس في بدر لما أن نزل في موقع حيث سألوه بأن هذا الموقع اخترته أنت من نفسك أم أن الله أمرك به ؟ قال: هو من عنده . قالوا له : هذا المكان غير مناسب فنزل في الضفة الثانية استجابة منه (ص) للمشورة .
ولما أراد (ص) . أن يبدا الحرب مع قريش شاور أصحابه أيضا في شأن الحرب.
وفيما يتعلق بمعركة أحد شاور أصحابه بخصوص التحصن في داخل المدينة ، أو الخروج ومواجهة الأعداء خارجها . ولما كان رأي الصحابة (رض) خاصة الشباب منهم هو الخروج من المدينة ، نزل على رأيهم وخرج معهم من المدينة لمواجهة الأعداء .وكذلك في معركة الخندق ، لما أن ضيق المشركون الخناق على الرسول الأعظم (ص) وأصحابه ، أراد أن يتنازل عن الثلث من غلة المدينة للتأثير على موقف المشركين ، رحمة منه بالمؤمنين فقال له الصحابة بأن ذلك ليس مناسباُ وقالوا بأنهم قبل الإسلام كانوا لا يعطونهم إلا بمقابل ، فكيف يعطونهم بدون مقابل بعد أن أعزهم الله جل جلاله بالإسلام ؟ فاستجاب الرسول الأعظم لهم ونزل عند رأيهم .

فالقيادة لا تتخذ الرأي والقرار في الشأن العام بصورة منفردة ، بل لابد من الرجوع إلى التشاور ، ففي الوقت الذي يستنكر فيه القرآن الكريم على المؤمنين أن يتصرفوا ويتخذوا المواقف من دون الرجوع إلى القيادة ، فأنه يفرض على القيادة أن تتخذ الواقف من خلال التشاور مع الناس ، فالقرار يخرج وينبع من بطن الاستشارة ، وأن تكون هناك آليات محددة في اتخاذ القرار ، والأمة ينبغي أن تعي بهذه الآليات ، والقيادة لا تفاجئ الأمة بمواقف غير مفهومة . نعم هناك بعض القضايا تحتاج إلى السرية ، والقيادة هنا قد تتخذ موقف معين بصورة منفردة استناداُ إلى صلاحياتها الممنوحة إليها ، وثقة الأمة بها ، والأمة هنا عليها أن تتفهم ذلك ، حيث أن هذه الحالة حالة استثنائية . أما أن تتخذ القيادة دائما أو غالباُ المواقف الغير مفهومة أو التي لا تخضع لآليه معينه ، أو لا ترجع فيها لاستشارة الأمة فهذا غير صحيح وغير مقبول .والخلاصة : أن الأمة يجب عليها أن تلتزم بمواقف القيادة وتوجيهاتها ، والقيادة عليها أن تتخذ القرارات من بطن التشاور مع الأمة .

القضية الثالثة : وهي تتمة إلى الحديث في الأسبوع الماضي حول لقاء العلماء .

فبالإضافة إلى ما ذكرته في الأسبوع الماضي ، أؤكد ما أكدته في الأسبوع الماضي : بأننا لسنا ضد اللقاء في نفسه ، ولسنا ضد الصلح في نفسه ، وإنما نريد صلحاُ واقعيا ، يتم الترتيب إليه ، ومناقشة المسائل محل الخلاف بصورة علمية وموضوعية ، بحيث تقبل الأمة بهذا الصلح ، ويصب هذا الصلح في مصلحة الإسلام والوطن .وأنا واثق بأن الأمة لن تقف عند الماضي ، ولن تتخلى عن المصلحة الإسلامية والوطنية ، فقد أثبت شعب البحرين بالتجربة العملية بأنة شعب طيب ، وأنة شعب يتسامى فوق الجروح والآلام ، وان هذه الطيبة وهذا التسامي ، كانا هما مفتاح نجاح الإصلاحات السياسية التي جاء بها سمو الأمير حفظة الله تعالى . فما كان للإصلاحات أن تنجح لولا تلك الطيبة وذلك التسامي ، وقد جاء التلاحم الشعبي مع القيادة السياسية دليل على ذلك ، وقد ثبت بالتجربة أن هذه الاستجابة والتلاحم كانا سلوكا موضوعياُ وواعياُ ، بدليل أن الشعب في الوقت الذي استجاب فيه للقيادة السياسية فأنة يراقب الإصلاحات وينتقد السلبيات ويثير الإشكاليات الواقعية ، ويمثل هذا الوعي جداراُ صلبا ضد كل عوامل ومحاولات الالتفاف أو التضيق أو الحد من سقف الإصلاحات . ونفس الموقف يتكرر في لقاء المشايخ والصلح في البيت الداخلي ، فالأمة لن تقف عند الماضي ولكنها تريد صلحاُ واقعيا يصب في مصلحة الدين والوطن .أكتفي بهذا المقدار .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 27 شوال 1422 هـ الموافق 11 / 1 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.