فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 28-09-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 28 سبتمبر 2001 م

الخطبة الدينية : معركة أحد.. حدث وتجليات – دراسة في أسباب النصر والهزيمة
الخطبة السياسية : مهرجان القدس الأول – تداعيات الرد الأمريكي على الانتفاضة

( السماح بإقامة مهرجان القدس في هذا الوقت العصيب فيه دلالة على أن القيادة السياسية وحكومة البحرين تقدر فعلا مرحلة الإصلاح ومتطلباتها حسب قراءتنا لذلك ، وتوجد ضرورة للقاء بين القيادة السياسية والرموز الشعبية لنقاش الوضع العالمي الراهن حفاظا على الوحدة الوطنية والمكتسبات )
( أمريكا اليوم التي أعلنت عن حركة المجاهدين الكشميرية بأنها مستهدفة قد تعلن عن حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والمنظمات الفلسطينية المعارضة بأنها مستهدفة أيضا .. ما المانع ؟!! القضية قضية وقت !!! )

( لقاء عرفات- بيريز لا أخلاقي ، يستهدف فض الضمير المسلم لقبوله بضرب المسلم وهذا ما عجز عنه شارون في محاولته الأخيرة لتصفية الانتفاضة )
( أمريكا تقول : بأنها ليست ضد الإسلام وليست ضد المسلمين !!! وإنما هناك إرهابيون اسمحوا لنا وأعطونا الشرعية للقضاء عليهم )
( لو أن شارون المجرم والكيان الصهيوني استمروا بعدوانهم في هذه الظروف على إخواننا وأحبتنا في فلسطين ، فهذا قد يعطي الضمير المسلم شيء من التحصين بحيث لا يعطي أمريكا وحلفاؤها الأوربيون مشروعية ضرب وقتل إخواننا المسلمين )
( ستقول أمريكا وحلفاؤها الأوربيون والكيان الصهيوني : لا يوجد هناك استقرار في باكستان !!! وهناك خوف من أن يقع هذا السلاح في أيد غير أمينة ولذلك يجب تصفية هذا السلاح ، وسيطلب الأمن العالمي والسلام العالمي أن يناقش السلاح الباكستاني لعدم وجود استقرار ووجوده في أيد غير أمينة ، فيصفيه وينهيه تماما ،،، )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( الذين استجابوا لله ولرسوله مما بعد ما أصابهم القرح ، للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ، الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتعبوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ، إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه ، فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين ) . صدق الله العلي العظيم .

في البداية .. بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاندلاع انتفاضة القدس ، رحم الله من قرأ سورة الفاتحة على أرواح الشهداء .

كان عزمي أن أجعل الحديث في هذا اليوم كله عن الحدث العالمي الذي استقطب اهتمام العالم أجمع وهو : ضرب المراكز الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية وتداعيات الحدث ، وذلك للأهمية القصوى للحدث وأهمية تسليط الضوء عليه لارتباطه المباشر بحياتنا وبديننا ، ولكن في آخر الوقت .. رأيت أن الأفضل تأجيل هذا الحديث لوقت لاحق لأتحدث بالموضوع الذي ستسمعونه .

معركة أحد

( الذين استجابوا لله ولرسوله مما بعد ما أصابهم القرح ، للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ) … إلى آخر الآيات التي قرأت .. نحن نسأل ما هو سبب نزول الآيات ..
أنتم تعلمون أن المسلمين في معركة أحد خالفوا تعليمات الرسول الأعظم (ص) لهم وكانت النتيجة الهزيمة الكبيرة التي أوقعها المشركون بالمسلمين في تلك المعركة ، وكان وقع ذلك قاسيا على المسلمين ، وبعد المعركة .. رجعت قريش بقيادة أبي سفيان إلى مكة ، وقبل أن تصل قريش إلى مكة ، تداولوا أمر المعركة ، وندموا لأنهم لم يستأصلوا المسلمين ، حيث كانت الفرصة متاحة لهم حينما أوقعوا الهزيمة الكبيرة بالمسلمين بأن يستأصلوا شأفة المسلمين ولكنهم لم يفعلوا ذلك فندموا ، وقرروا الرجوع إلى المدينة ، والإجهاض على المسلمين والقضاء عليهم ، وسمع بذلك الرسول الأعظم (ص) فنادى في المسلمين بالخروج لمواجهة قريش وقال : ” لا يخرج فينا إلا جريح ” ، ومعنى ذلك أن الأشخاص الذين تخلفوا عن المعركة والذين انهزموا منها لا يحق لهم الخروج ، إنما يخرج الذين ثبتوا في معركة أحد وجرحوا ، وخرج المسلمون إلى ” حمراء الأسد ” وهي تبعد ثمانية أميال عن المدينة ، وكل من خرج كان جريحا حتى أن البعض منهم كان يعجز عن المشي ، وكانوا يحملون بعضهم البعض ، فسمعت قريش بخروج الرسول الأعظم (ص) فخافوا وعادوا مسرعين إلى مكة ،،، ما هي الدروس المستفادة من هذه الآية ومن هذا الحدث :-

صانعو النصر

الدرس الأول : بأن الذين يصنعون النصر .. الذين يمكنهم أن يحدثوا التغيير الإيجابي البناء .. الذين يمكنهم الإصلاح الحقيقي في المجتمع ، إنما هم الذين يحتفظون بالروح المعنوية العالية ، مهما قل هؤلاء ، ومهما كثرت جراحهم وقل عتادهم ، فالمعيار ليس الكثرة ، وليس العتاد ، وإنما المهم هو الإيمان والروح المعنوية العالية ، والذين خارت قواهم من أصحاب الروح المعنوية الضعيفة ، مهما كثروا ، ومهما كثر عتادهم ، فإنهم غير قادرين على تحقيق النصر ، وتحقيق الإصلاح الإيجابي في المجتمع .

ما زال في الوقت بقية

الدرس الثاني : أن الرسول الأعظم (ص) لم يرد للمؤمنين أن يناموا على الشعور بالهزيمة ، وينام المشركون على الشعور بالنصر والقوة ، لأن في ذلك نهاية الإسلام ودولته ، فأراد أن يوقظ روح الجهاد وروح الفداء في المؤمنين ، وأراد للمؤمنين أن يكونوا على استعداد دائم للمعركة المتجددة ، لأن المعركة ليست لمرحلة واحدة وإنما هي معركة متجددة تنتقل من مرحلة لأخرى ومن زمان لآخر ، وقد أراد الرسول الأعظم أن يبقى حالة الاستعداد الدائم للمعركة الطويلة المتجددة ، وأراد أن يقول للمؤمنين وللمشركين : بأن الهزيمة التي وقعت بالمسلمين في معركة أحد لا تمثل نهاية المطاف ، فما زال في الوقت بقية ،،، ( والعاقبة للمتقين ) ، فيمكن أن تقع على المسلمين هزيمة في مرحلة من المراحل ، وفي معركة من المعارك ، ولكن يجب على المسلمين أن يعلموا بأنها ليست المعركة الأخيرة ، وإذا انتصر المشركون في معركة من المعارك فليس ذلك نهاية المطاف فقد ” وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ” والله غالب على أمره .. غالب غير مغلوب .

تفويت الفرصة

الدرس الثالث : أن الرسول الأعظم (ص) أراد ألا يعطى المشركين فرصة الاستفادة من الأوضاع الشاذة لكي يبتزوا المؤمنين ، حيث كانت أوضاع الهزيمة الناتجة عن معركة أحد .. هذه الأوضاع غير صحية بالنسبة للمؤمنين ، وقد أراد المشركون أن يستفيدوا من هذه الأوضاع والأجواء لابتزاز واستغلال المؤمنين ، فأراد الرسول الأعظم (ص) أن يفوت عليهم الفرصة ، وهكذا يفكر القادة العقلاء .

المثبطون

(الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) .. من هم الناس هنا .. هم المثبطون ، وهم فئة المنافقين وضعفاء الإيمان .. هؤلاء أرادوا أن يثبطوا عزيمة المؤمنين ، ويضعفوا الروح المعنوية لديهم ، فينالوا من روح الجهاد والفداء ، أما الناس الآخرين المقصودين : ” إن الناس ” فهم الأعداء ” قد جمعوا لكم ” .. المنافقون وضعفاء الإيمان يخوفون المؤمنين بالأعداء بأنهم كثر ، وبأن الأعداء يمتلكون القوة الطاغية التي ليس في وسعهم أن يواجهوها ، ولاحظوا هنا .. ” فاخشوهم ” .. المنافقون وضعفاء الإيمان يريدون أن يسحقوا الروح المعنوية للمؤمنين من خلال التخويف بقوة الأعداء ، فينسحب المؤمنون من الساحة ليملأها الأعداء ، ويسطروا على الساحة ويفسدوا في الأرض .. لاحظوا هنا محاولة تضخيم قوة الأعداء ، واعتبارهم قوة ساحقة ومهيمنة من شأنها أن تدخل الخوف والرهبة في قلوب المؤمنين .. تأملوا طبيعة المعالجة ” فاخشوهم ” .. ولكن ما هي النتيجة ” فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ” فزادهم إيمانا لأن قوة الأعداء ليس من شأنها أن تضعف قوة الإنسان المؤمن الواعي ، وليس من شأنها أن تسحق الروح المعنوية لدى الإنسان المؤمن الواعي ، وإنما تزيده إيمانا وثباتا وإصرارا على الجهاد والفداء ثقة بالله – عز وجل – فيزداد إيمانا بالله ، وإيمانا بالخط ، إيمانا بالموقف ،،، ” وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ” .. حسبنا الله كافينا وناصرنا ، ونعم الوكيل الذي نعتمد عليه في تدبير أمرنا وشؤوننا في كل الأحوال .
ونحن نستنتج بأن الثبات والإصرار في المعركة وفي المواجهة .. الإصرار على تحقيق النصر .. الإصرار على مواجهة التحديات إنما ينبع من الإيمان .. الإيمان وحده هو الذي يغذي هذه الروح ، فإذا فقد الإنسان الإيمان فإنه يفقد بذلك روح الإصرار والصمود والثبات والتحدي ، وهذا ما نلمسه على أرض الواقع .. فنجد حالة الثبات عند المؤمنين ، ونجد حالة الانسحاق أمام الأعداء لدى غيرهم .

حسن الظن بالله

( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ) وثقوا في الله .. أحسنوا الظن في الله ، فكان الله عند حسن ظنهم .. ” فانقلبوا بنعمة ” ما هي النعمة ؟ انقلبوا بنعمة الطاعة لله والرسول .. انقلبوا بنعمة السلامة والعافية .. انقلبوا بنعمة إدخال الرهبة والخوف في قلوب الأعداء .. انقلبوا بنعمة الذكر الطيب الحسن الجميل ، فأي الفريقين أحسن ذكرا عند الله وعند الناس .. المجاهدون الصابرون أم المنسحقون أما كبرياء الأعداء وغطرستهم ؟!! ، ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ) : النعمة هي الجزاء الحسن ، لأنهم أحسنوا بالله الظن فأنعم عليهم بما يستحقون ، وليس هذا فحسب بل و( فضل) أي زيادة ( فاتبعوا رضوان الله ) بطاعة الله ورسوله ( والله ذو فضل عظيم ) فيها إشادة وإشارة واضحة بأن المكاسب التي حققها المؤمنون من خلال الثبات والصمود هي فضل عظيم من الله – عز وجل – وهو فضل ذو شأن عظيم عند الله وعند الناس ، وفيها تحسير للذين تخلفوا عن المعركة .. الذين ضعفوا أمام المواجهة .. الذين انسحقوا أمام التحديات ، وتخطئة لرأيهم وموقفهم ، فقد فاتهم الفضل نتيجة الرأي والموقف الخاطئ .

ماذا في جعبة الشيطان

(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين) دعونا نقف أمام هذه الآية وما فيها من الدروس والعبر ” إنما ذلكم الشيطان ” .. ماذا في جعبة الشيطان وماذا يحمل ؟ .. الشيطان رمز للشر وليس في جعبته إلا الشر ، وليس في جعبته إلا الضلال والفتنة ، وليس في جعبته إلا قلب الحقائق ، وليس في جعبته إلا تغيير المعايير والمقاييس ، على أن الآية هنا أطلقت على المثبطين لفظ الشيطان ، فيمكن أن نقول للإنسان الذي يجسد روحية وعقلية الشيطان بأنه شيطان سواء كان فردا أو جماعة أو دولة .. الفرد أو الجماعة أو الدولة التي تجسد الشر وتدعو إلى الضلال والفساد ، والتي تغير الحقائق وتقلب المقاييس والمعايير هي شيطان.

من وحي الشيطان

كما نستفيد من هذه الآية بأن دعوة التثبيط ومحاولة النيل من الروح المعنوية للمؤمنين ، وقتل روح الفداء والجهاد في أنفسهم ، والضعف والانسحاق أمام الأعداء .. كل ذلك من وحي الشيطان ” إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ” فالمثبطون إنما يعملون بوحي الشيطان ، والذي يستجيب لهم إنما يستجيب للشيطان ، ولذلك قال : ” فلا تخافوهم ” وفي ذلك منع ونهي عن الاستجابة للمثبطين ، لأن التثبيط من وحي الشيطان والاستجابة له استجابة للشيطان ، وهذه الدعوة بعيدة كل البعد الإيمان ولذلك نهاهم .
( وخافوني ) أي خافوا الله .. خافوا مقام الله .. استجيبوا لدعوة الله وندائه لكم فلا تنسحقوا أمام تحديات الشيطان والأعداء ( إن كنتم مؤمنين ) إذا كنت مؤمنا حقيقيا ، فليس من الإيمان أن تنسحق أمام الأعداء ، وليس من الإيمان أن تستجيب لتثبيط المثبطين ، وإنما عليك أن تجاهد وتقدم التضحيات استجابة لنداء الله ورسوله في الدعوة .. خط الله – عز وجل – ، وفي الآية أيضا إشارة إلى خطورة اتخاذ المواقف المهمة أو التساهل في القضايا الحيوية تحت تأثير الخوف .

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة .. أقف عند قضية ” مهرجان القدس الأول ” الذي أقيم في جزيرة النبيه صالح .

شكر واجب ورغبة بلقاء

في البداية أشكر شعب البحرين على الاستجابة لنداء الانتفاضة وإحياء ذكراها الأولى حيث قدرت الصحف الحضور في الليلة البارحة بأربعة آلاف فرد ، كما أشكر أهالي جزيرة النبيه صالح على قيامهم بهذا المهرجان ، وأشكر جمعية التوعية على احتضانها ودعمها للمهرجان ، وأشكر كل الذين ساهموا وقدموا الدعم المعنوي والمادي للمهرجان ، فكل تكاليف المهرجان كانت بمساعدة المؤسسات وعليه فإنني أشكر هذه المؤسسات التي وضعت يدها بيد الشعب لإقامة هذه الفعاليات ، كما أشكر القيادة السياسية وحكومة البحرين لسماحها بهذه الفعالية وهذا النشاط ، وهو ليس من باب المجاملة ، لأن هذا السماح في هذا الوقت العصيب فيه دلالة على أن القيادة السياسية وحكومة البحرين تقدر فعلا مرحلة الإصلاح ومتطلباتها حسب قراءتنا له ، وبهذه المناسبة أعرب عن تقديري لوجود حاجة ماسة في هذه المرحلة للقاء بين القيادة السياسية والرموز الشعبية من أجل الحوار والتفاهم حول الوضع الراهن ، وذلك للحفاظ على الوحدة الوطنية والتلاحم بين القيادة والشعب في الظروف العصيبة الراهنة ، كما أنني أعبر عن سروري لتجلي الوحدة الوطنية في المهرجان من خلال حضور ومشاركة كل الأطراف ، وأدعو القوى الشعبية والتيارات السياسية المختلفة في البلد إلى المزيد من التلاحم ، وعدم التأثر بالدعوات التي تدعو إلى النيل من التلاحم والوحدة الوطنية ، وأن تكون لهذه التيارات والقوى استراتيجيات واضحة للتعاون في الشأن الداخلي على أقل تقدير ، فلا تتأثر بالانفعالات السريعة والمواقف الطارئة .. ولأن الذكرى في هذا اليوم هي ذكرى الانتفاضة ، فأرى من المناسب أن أعيد الحديث الذي ذكرته في المهرجان .

نعتز بالانتفاضة وننحاز لها

فقد بدأ الحديث بالسؤال : ماذا يعني احتفالنا بالذكرى السنوية لاندلاع الانتفاضة ؟ .. الاحتفال يعني الكثير ، ومما يعنيه أمران :-
الأمر الأول : هو الفخر والاعتزاز والتقدير للانتفاضة في نفسها .. الانتفاضة لو لم تكن إلا ليوم واحد أو لساعة واحد فهي مدعاة للفخر والتقدير ،،، ولكن الفخر والاعتزاز والتقدير أكبر لصمود الانتفاضة لمدة عام .. صمودها أمام كل العقبات ، وأمام كل التحديات ، وأمام شتى صنوف الإرهاب الصهيوني وقد عبر أحد الرموز قائلا : ( إنه عام كألف عام ) .. عام أمام كل هذه التحديات ، وأمام كل صنوف الإرهاب من قتل وتشريد وتخريب للبيوت وحصار أمني واقتصادي ليس شيئا قليلا ، وإنما يعني الكثير الكثير ، فهذا العام هو فعلا كألف عام ،،، ونحن في البحرين مررنا بانتفاضة لم تكن أوضاعنا فيها كأوضاع الأخوة في فلسطين ، وعليه فإننا نعرف قيمة الصمود والصبر على هذه الأوضاع ونتحسسها تماما .
الأمر الثاني الذي يعنيه هذا الاحتفال بذكرى الانتفاضة : أننا نتبنى وننحاز انحيازا كاملا لخيار الانتفاضة والتحرير لكامل التراب الفلسطيني ، في مقابل عملية المساومة على الأرض .

تراجع وقتي ولقاء خطير لا أخلاقي

ومن الملاحظ أنه وبعد أحداث نيويورك وواشنطن ، والأجواء النفسية وأجواء الرعب التي خلقتها حدث تراجع للانتفاضة على مستوى الفعل والاهتمام بالانتفاضة ، حيث مال الإعلام إلى تغطية أحداث واشنطن وتداعياتها على حساب الاهتمام بتغطية الجرائم التي تقع على إخواننا وأحبتنا بفلسطين ، ولكن هذا التراجع ليس خطير لأنه حالة مؤقتة ، وأن الأحبة في فلسطين قد حسموا الأمر لصالح الانتفاضة لأن مصير قضيتهم مرتبط بمصير الانتفاضة ، ولكن الأمر الخطير هو لقاء ياسر عرفات مع بيريز ،،، أنتم تعلمون أنه بعد أحداث نيويورك وواشنطن حاول الإرهابي شارون أن يستثمر الفرصة للإجهاض على الانتفاضة ، فمارس صنوفا من الإرهاب والتنكيل بأحبتنا في فلسطين وما زال يمارس جرائمه ، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوربيون وبيريز – وبيريز أخطر من شارون – أرادوا أمرا آخرا غير أخلاقي وخطير جدا جدا .. التحضيرات الأمريكية تحاول أن تخترق الضمير المسلم وتفضه ، وأستعمل عبارة فض للإيحاء ببشاعة الموقف وبشاعة العمل .. إنه عمل بشع جدا !!! أمريكا أعربت صراحة عن نواياها أنها تريد أن تقضي على القوى المؤثرة في الساحة الإسلامية تحت عنوان الإرهاب ، وهي تريد الشرعية منا على هذا العمل .. أمريكا تقول : بأنها ليست ضد الإسلام وليست ضد المسلمين !!! وإنما هناك إرهابيون اسمحوا لنا وأعطونا الشرعية للقضاء عليهم ، فهي تحاول أيها المسلم أن تخترق ضميرك وتفضه بحيث تعطيها الشرعية لقتل المسلم .. إنها تحاول أن تدخل عوامل التخدير وتزيل كل عوامل التحصين لتنجح في اختراق الضمير المسلم ، ومنها مسألة فلسطين ، فلو أن شارون المجرم والكيان الصهيوني استمروا بعدوانهم في هذه الظروف على إخواننا وأحبتنا في فلسطين ، فهذا قد يعطي الضمير المسلم شيء من التحصين بحيث لا يعطي أمريكا وحلفاؤها الأوربيون مشروعية ضرب وقتل إخواننا المسلمين ، وفي ذلك فشل لمخططها ، لذلك .. لابد أن تكون هناك عملية سلام ، ولابد أن تتصدى للإرهاب .. أمريكا لم تغير نواياها .. ما زالت في نوايا أمريكا وفي قاموسها أن حماس والجهاد الإسلامي وكل المنظمات الفلسطينية المعارضة وحزب الله كلها حركات إرهابية ، ومن حق أمريكا بدعوى الإرهاب أن تصفي هذه الحركات ، وتعطي الضوء بأن كل جرائم وإرهاب شارون والكيان الصهيوني هو دفاع عن النفس ، وأن الكيان الصهيوني سوف ينضم مع أمريكا لتصفية الإرهاب ولكن ليس في هذا الوقت ، فهي قضية مؤجلة لمرحلة أخرى .. القضية الآن هي القضاء على إخواننا في أفغانستان وباكستان ، وكما قال بوش : بأن المعركة طويلة وقد تستمر عشر سنوات وأنها سوف تطال عدة دول وعدة منظمات ، ولن تضع الحرب أوزارها إلا إذا لم يبق إرهابي واحد .

تحت تأثير الخوف

تأملوا إلى أين ذهبت القضية ، وسأذكر لكم موقفا واحدا يتعلق بباكستان .. باكستان تحت تأثير الخوف تساهلت في أمور حيوية ، والآية نبهتنا كما سبق الحديث إلى خطورة الخوف ” ولا تخافوهم وخافوني ” .. التساهل في الأمور الحيوية تحت تأثير الخوف أمر خطير وقد نهانا القرآن عنه ، وكل الدول العربية والإسلامية واقعة تحت هذا التأثير الذي نهى الله عنه ، ولكن دعونا نقيم الوضع بشيء من الموضوعية .. الرئيس الباكستاني أعلن دخوله في التحالف مع أمريكا لثلاثة أسباب أساسية :-
1. لا يريد أن يخسر قضية كشمير .
2. لا يريد أن يخسر السلاح النووي الباكستاني .
3. المحافظة على مصلحة باكستان .

باكستان مستهدفة

ونحن نعلم أن في قائمة المنظمات السبعة عشر المستهدفة التي أعلنت عنها أمريكا ” حركة المجاهدين الكشميرية ” ، وقضية كشمير بدأت في 1948 مع القضية الفلسطينية ، وباكستان تعتبر حركة المجاهدين بكشمير حركة مقاومة تماما مثل حزب الله ، وحركة حماس ، وحركة الجهاد الإسلامي ، ولكن أمريكا أعلنت بكل صراحة بأن حركة المجاهدين الكشميرية حركة مستهدفة ، وهي بالتالي قد انحازت صراحة إلى حليفها القديم ” الهند ” على حساب باكستان وقضية حيوية من قضايا باكستان ، وعليه فإن باكستان مرشحة لأن تخسر قضية كشمير ، لأن حركة المجاهدين مستهدفة من قبل أمريكا وستقوم بضربها ، على أن نلتفت إلى أن تحالف أمريكا مع الهند لا يرقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي بين أمريكا الكيان الصهيوني .. فما يدرينا .. أمريكا اليوم التي أعلنت عن حركة المجاهدين الكشميرية بأنها مستهدفة قد تعلن عن حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والمنظمات الفلسطينية المعارضة بأنها مستهدفة أيضا .. ما المانع ؟!! القضية قضية وقت !!! .

ما وراء السطور

أما قضية السلاح النووي الباكستاني .. فقد أشار بوش : أن باكستان تمتلك سلاحا نوويا ، وهو سلاح خطر جدا يتطلب أن يكون هناك استقرار في البلد التي تمتلك هذا السلاح .. هذا التصريح له قراءة خلفية أي ما وراء السطور والكلمات .. الأحداث الجارية الآن في أفغانستان وباكستان تهدد الاستقرار الأمني والسياسي في باكستان ، وبالتالي فالنظام في باكستان مهدد ، وستقول أمريكا وحلفاؤها الأوربيون والكيان الصهيوني : لا يوجد هناك استقرار في باكستان !!! وهناك خوف من أن يقع هذا السلاح في أيد غير أمينة ولذلك يجب تصفية هذا السلاح ، وسيطلب الأمن العالمي والسلام العالمي أن يناقش السلاح الباكستاني لعدم وجود استقرار ووجوده في أيد غير أمينة ، فيصفيه وينهيه تماما ،،، وبعد ذلك نناقش أين مصير مصلحة باكستان ..
وقد كان في عزمي أن أناقش أحداث أمريكا وتداعياتها ولكنني أجلت ذلك ، وسوف آتي له في وقت لاحق – إن شاء الله – حينما أرى الوقت المناسب ، وأفصل لكم الكثير من النقاط ، وأقول لكم في هذه الساعة : احذروا ثم احذروا ثم احذروا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 10 رجب 1422هـ الموافق 2001/9/28 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.