فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 17-08-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 17 أغسطس 2001 م

الخطبة الدينية : صفات أصحاب المشروع المضاد
الخطبة السياسية : الانتفاضة الفلسطينية وسبل دعمها في يوم الغضب الفلسطيني
أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة .. أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

في البداية رحم الله من قرأ سورة الفاتحة إلى أرواح شهدائنا وشهداء الانتفاضة الفلسطينية .

قال تعالى : ” نون والقلم وما يسطرون ، ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، وإن لك لأجرا غير منون ، وإنك لعلى خلق عظيم ، فستبصرون وسيبصرون ، بأيكم المفتون ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، فلا تطع المكذبين ، ودوا لو تدهن فيدهنون ، ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم ، أن كان ذا مال وبنين ، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ، سنسمه على الخرطوم ” صدق الله العلي العظيم .

في الأحاديث السابقة .. ذكرت بأن النبي محمد (ص) تقدم بمشروع إلهي إصلاحي للمجتمع البشري ، وأنه جوبه بمشروع مضاد ، ضعيف في أطروحاته وظالم في سلوكه ، وأنه من ضعفه وصف النبي محمد (ص) وهو سيد العقلاء بالجنون ، وقلنا بأن المعالجة القرآنية للموقف كانت عبر كشف القرآن لحقيقة وأبعاد هذا المشروع المضاد ، ولم يتوجه للنبي (ص) بأن يغير في مشروعه أو خطابه أو سلوكه لأنه لا خطأ في مشروع النبي ، ولا خطأ في خطابه ، ولا خطأ في ممارساته ، ومهما كان المشروع الإصلاحي دقيقا في نفسه ، ودقيقا في خطابه ، ودقيقا في ممارساته ، فسوف يحاول المشروع المضاد بكل وسيلة أن يقلب عليه الطاولة ، ولو أن الله سبحانه وتعالى توجه إلى النبي بالخطاب فإن النتيجة هي الجمود والشلل الكامل ، وقلنا بأن القرآن الكريم كشف أبعاد المشروع على ثلاث مستويات :-

المستوى الأول : المستوى العلمي النظري .

المستوى الثاني : المستوى العملي .

المستوى الثالث : كشف عن أخلاقية القائمين على المشروع المضاد ، وفي هذا اليوم نتحدث عن القسم الثالث والأخير وهو : أخلاقية القائمين على المشروع المضاد .

قال تعالى : ” ولا تطع كل حلاف مهين ” ، الحلاف : كثير القسم .. كثير الحلف ، ومهين : بمعنى الحقير في الرأي والتدبير ، لماذا يصر البعض على كثرة الحلف .. كثرة القسم ؟! ، لأنه يشعر في قرارة نفسه بأنه غير صادق ، وأن الناس لا يثقون به ولا يصدقونه ، ولهذا يلجأ لكثرة القسم لكي يصدقه الناس ، ولكن بدلا من أن يكتسب ثقة الناس ، ولعلم الناس بأنه يحلف على الكذب فنتيجة ذلك أن يكون حقيرا في نفسه ، حقيرا بين الناس ، وفي الكذب خطورة كبيرة على المجتمع والساحة العامة ، لأنه يقلب الحقائق .. يحول الباطل حقا والحق باطلا ، وبعد ذلك تصوروا حجم الأضرار الناجمة عن الكذب ، وعليه فإن أول صفة من صفات القائمين على المشروع المضاد هي الكذب ، وهؤلاء الناس لا يشعرون بالمسئولية العامة ، ولا يحترمون المقدسات ، فهل تجدون إنسانا يقسم بالله كذبا وباطلا يستشعر عظمة الله .. كيف يستشعر عظمة الله ويقسم بالله كذبا .. هذا الإنسان الذي لا يحترم عظمة الله وقدسية الله هل يحترم شيئا آخرا من المقدسات ، وبالتالي فإن اعتماد هؤلاء على الكذب والحلف بالله في كل صغيرة وكبيرة هي نتيجة طبيعة لحقارتهم في الرأي والتدبير .

الصفة الثانية ” هماز مشاء بنميم ” : الهماز : هو كثير الطعن في أعراض الناس ، وكثير العيب فيهم .. همه الأساس أن يعيب ويسفه ويحقر ويغتاب الآخرين ، ” مشاء بنميم ” يسعى بين الناس وينقل أحاديثهم من قوم إلى قوم بهدف الإساءة إلى العلاقة بينهم ، وإفساد العلاقات الاجتماعية بين الناس ، هذا الخلق السيئ ينتج عن عدم شعور الإنسان باحترام نفسه وعدم شعوره باحترام الآخرين ، كما ينتج عن هذا السلوك نتيجتان خطيرتان :-

النتيجة الأولى : هي إفساد العلاقات بين الناس .

النتيجة الثانية : تأجيج الصراعات بين الأطراف والقوى والتيارات ، فهل هذا السلوك نتيجة محبة للمجتمع ، وحرص على مصالح الوطن .. فهل المحب للوطن يسعى لتأجيج الصراعات بين القوى والتيارات المختلفة ، وتأليب بعضها على بعض ، أم هو نتيجة حقد وحسد وعدم الإحساس بالمسئولية .

قوله تعالى : ” مناع للخير معتد أثيم ” .. في الأصل الإنسان السوي محب للخير ، ويسعى للخير ويشجع الآخرين على فعل الخير ، ولكن هناك نفوس مريضة لا تفعل الخير وتمنع الآخرين عن فعل الخير ، بمعنى آخر أن الشر متأصل فيها ، وأنها تمثل حالة مرضية ، وهو مع كل هذا ” معتد أثيم ” ، والمعتدي : هو كثير الاعتداء على حقوق الآخرين العامة والخاصة ، والمتجاهل للحق في الرأي والعقيدة ، وهو أيضا أثيم : أي كثير الذنوب ، وكثير المعاصي ، ويعمل ما يأثم به ويآخذ عليه عند الله عز وجل ، وكأن هذا الآية تصور لنا بأن هناك نماذج من الأشخاص أصبح الشر جزءا من كيانهم ، وأصبح الخلق السيئ طبع ثابت فيهم .

قوله تعالى : ” عتل بعد ذلك زنيم ” .. لعلماء التفسير ثلاثة أقوال في تفسير كلمة العتل ، فالعتل : بمعنى الفض الغليظ الفاحش السيئ الخلق .. هذا هو القول الأول ، أما القول الثاني فهو : الأكول الشروب ، أي كثير الأكل والشرب ، الذي يحاول أن يستحوذ على كل شيء لنفسه ويمنع الآخرين عنه ، أما القول الثالث : فالعتل بمعنى الذي يعتل الناس أي يجرهم إلى الحبس والعذاب .

قوله تعالى : ” بعد ذلك زنيم ” : وفي تفسير هذه الآية قولين ، القول الأول : الزنيم هو المعروف بالشر والخبث واللؤم ، بحيث إذا ذكر الشر تبادر الذهن إليه دون الحاجة إلى ذكر اسمه ، والقول الثاني : الزنيم هو الدعي الذي لا أصل له وليس له نسب معروف ، وهذا معناه أن هذا الإنسان يعيش عقدا نفسية ، ويتفاعل مع الآخرين من خلال عقد نفسية ، كما أنه يعيش في بيئة فاسدة تؤثر في تعامله مع الآخرين ، ولعلماء التفسير تنبهين في تفسير هذه الآية :-

التنبيه الأول : أن الآية تصور هذا الشخص بأنه شخصية تمثل الشر والسوء من جميع الجهات .

التنبيه الثاني : بعد التنبيه إلى صفاته السابقة ، فإن هاتين الصفتين هما أسوأ ما فيه من صفات يدل على ذلك قول بعد ذلك ، أي بعد كل صفاته السابقة فهو عتل وزنيم .

قوله تعالى : ” أن كان ذا مال وبنين ” ولعلماء التفسير قولين في تفسير هذه الآية :-

القول الأول : ” ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم ، عتل بعد ذلك زنيم ” أي لا تطع من هذه صفاته لا لشيء إلا لأنه ذو مال وبنين .. إلا لأنه صاحب ثروة وجاه وسلطان ، وهو يبين لنا تأثير الثروة والجاه والسلطان في نفوس الناس بحيث يتقبلون من هذه صفاته ، والقرآن ينهانا عن إطاعة من هذه صفاتهم بوصفهم أصحاب ثروة وجاه وسلطان .

القول الثاني : أن هذه الصفات السيئة المذكورة في الآية هي نتيجة للغرور الناتج عن الثروة والجاه والسلطان كما في قوله تعالى ” إن الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى ” وماذا ينتج عن هذا الغرور ” إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ” هذا الإنسان المغرور بماله ، المغرور بجاهه ، المغرور بسلطانه ، المتصف بالأخلاق الذميمة ، إذا تتلى عليه الآيات البينات الواضحات .. ما هو موقفه منها ؟ هل يتأمل في المضمون العميق لهذه الآيات .. لا .. يصفها بأنها أساطير الأولين .. قصص خرافية كتلك التي تنتقل من جيل إلى جيل ، وأنها أفيون الشعوب ، تماما كما وصف النبي محمد (ص) وهو سيد العقلاء بالجنون ، إذن يمكننا الاستفادة من نتيجتين مهمتين لهذه الآيات :-

نتيجتين مهمتين

النتيجة الأولى : بأن الذين وقفوا في وجه المشروع الإصلاحي الذي قاده النبي محمد (ص) هذه صفاتهم ، وأنه لا يمكن أن يقف في وجه المشروع الإلهي إلا من يحمل هذه الصفات ، وأن من يحمل هذه الصفات لا يمكن أن يتفاعل إيجابيا مع مشروع الخير ومشروع الإصلاح .

النتيجة الثانية : أن من كانت هذه صفاته .. هل يطاع ؟!!! ، أو أن حكمه أن يعزل ويبعد عن المجتمع ، فالحكم العقلائي أن من هذه صفاته يجب أن يعزل ويبعد عن المجتمع ، وبالتالي يجب أن نتأمل صفات كل صاحب دعوة قبل أن نسمع له .. تأملوا جيدا ودققوا جيدا في أخلاق أصحاب الدعوات وأصحاب المشاريع .

قال تعالى : ” سنسمه على الخرطوم ” السمة هي العلامة وتستخدم للعبيد والحيوانات والعبيد والحيوانات لا توسم في وجهها وإنما توسم في مكان آخر من جسمها كعلامة مميزة تميز صاحب العلامة عن غيره ، والخرطوم : هو الأنف ، ويستخدم بصورة خاصة للفيل والخنزير ، وهذا التشبيه حينما يقول: ” سنسمه على الخرطوم ” أي الأنف ، فالأنف رمز العزة والذل عند الإنسان ، فالإنسان الذليل يرغم أنفه في التراب والإنسان العزيز يشمخ بأنفه ، وفي ذلك إشارة إلى أن الله سيسمه بعلامة في أنفه كما هو حال الحيوان والعبد والخنزير والفيل .. هذا الإنسان المغرور المتغطرس سوف يصيبه الله بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ، وبالتالي فإذا أردنا أن نطرح أي مشروع يجب أن نتأمل أخلاق أصحاب هذا المشروع لأنها دليل ومؤشر على حقيقة وأبعاد هذه المشاريع .. فدققوا كثيرا في أخلاق أصحاب المشاريع .

بعد هذه الوقفة القصيرة مع الآية الشريفة نقف وقفة قصيرة مع قضية المسلمين الأولى ، وهي القضية الفلسطينية في يوم الغضب الفلسطيني الذي دعت إليه المنظمات الفلسطينية ، وجدير بأن يكون يوم غضب إسلامي ، ويوم غضب عربي ، وليس مجرد يوم غضب فلسطيني ، لأن فلسطين قضية المسلمين الأولى .. قضية كل المسلمين .. كلكم يعلم كما ذكرت في الحديث السابق ماذا يجري في فلسطين من القتل للنساء والرجال والأطفال والشيوخ والشباب ، والاعتقالات العشوائية .. هدم المنازل .. تخريب المزارع .. الحصار الاقتصادي والعسكري .. اغتيال الرموز والقيادات الفلسطينية ، وأيضا السعي لتهويد ما بقي من فلسطين ، ولاحتلال بيت الشرق دلالته لأنه يمثل المقر الرسمي للسلطة الفلسطينية ، وهو بذلك ضرب للسلطة الفلسطينية والإرادة الفلسطينية والوجود الفلسطيني ، وهو دلالة كبيرة على موت عملية السلام التي تركض وتلهث وراءها الدول العربية .. ماذا وجدنا من ردة الفعل العربي ؟! وبصورة خاصة ما هي ردة فعل الأنظمة العربية ؟!!! ، لا شيء غير التنديد والاستنكار والشجب .. وحتى هذه إذا تأملتم فقد قلت حدتها ، فالشجب والاستنكار أصبح أقل حدة مما كان عليه في السابق ، والسؤال !!! هذه ردة فعل الأنظمة العربية على احتلال بيت الشرق الذي يمثل رمز السلطة الفلسطينية وهو المقر الرسمي لها ، فلو أن الصهاينة احتلوا بيت المقدس فهل ستختلف ردة فعل الأنظمة العربية عن ردة الفعل العربية ؟!!! ، فرغم هذا الواقع المأساوي وضرب السيادة الفلسطينية لا توجد ردة فعل حقيقية للأنظمة العربية !!! ، وأؤكد لكم أنه لم تم احتلال القدس فلن يختلف رد الفعل عما رأيتم وسمعتم !!! ، لماذا ؟ لأن هناك حالة عجز حقيقي لدى الأنظمة العربية ، ولهذا العجز أسباب كثيرة جدا :-

السبب الأول : التفكك بين الأنظمة العربية ، وعدم الرشد في العلاقات الخارجية ، وعدم الرشد في إدارة الصراعات والاختلافات بين الدول ، ودلائل هذا التخبط في العلاقات الخارجية وإدارة الخلافات واضحة للكل .. ولدينا حرب الخليج الأولى والثانية نموذج بارز .. وموقف الدول العربية من تركيا وعلاقاتها مع إسرائيل وموقفها من إيران نموذج آخر على هذا التخبط ، إضافة إلى موقف الأنظمة العربية من حزب الله وما يمثله من دور ريادي في المنطقة ، وفي ذلك مؤشر لطبيعة العقلية التي تدير العلاقات الخارجية وتدبير الخلافات بين الدول العربية والإسلامية ، وبسبب هذا التفكك ، وبسبب عدم الرشد في إدارة الخلافات نتج هذا العجز العربي .

السبب الثاني : الانقسام في الإرادة بين الحكومات والشعوب .. الشعوب في واد والحكومات في واد آخر .. أسوء مصداق للتفرق الذي نهانا الله عنه ” ولا تفرقوا فتفشلوا ” هو الانقسام بين الحكومات والشعوب ، والنتيجة هي التبعية ، فكل مراقب لا يكاد يشعر بأن هناك إرادة عربية حرة مستقلة ، وإنما كل الجهود والطاقات موجهة لحماية الأنظمة من الشعوب .. الأنظمة خائفة على كرسي الحكم وتحاول حماية هذا الكرسي من الشعوب .. فليس هناك مجرد انقسام في الإرادة وإنما الصراع فبدل أن تتحد الحكومات والشعوب وتكون لهما إرادة واحد نجد الصراع بينهما .. الحكومات تحاول أن تدافع عن نفسها من شعوبها والشعوب تدافع عن حقوقها المسلوبة من الحكام ، ولهذا شيء طبيعي أن يكون العجز ، وطبيعي أن يفشل أداء الحكومات والأنظمة العربية ، وفي ذلك تخلف سياسي اقتصادي ثقافي شامل في منطقة لها تراث وتاريخ ، ولديها ثروات لا مثيل لها في العالم ، وطاقات بشرية لا حدود لها .. فلنحاول أن نضع أيدينا على الداء ونشخصه .. فحين نتعرف على موقف الشعوب وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الذي يحاول أن يحمي المقدسات ويحمي قضيته عبر تضحياته التي ما زال يقدمها بالشهادة والاستشهاد – فليبارك الله لهم – نجد أن خيار الشعوب هو دعم الانتفاضة ، وهنا أريد أن أبين عدة واجبات يجب أن تلفت إليها الشعوب :-

الواجب الأول : رفض المشروع الصهيوني .. يجب أن نخلق اليأس في نفوس الصهاينة وفي نفوس الأمريكان وفي نفوس الغربيين من أن يكون للصهاينة وجود في منطقتنا ، أو أن يمرر المشروع الصهيوني على الدول العربية والإسلامية ، ينبغي أن نحشد كل الطاقات .. نحشد العقول والنفوس لعدم قبول تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ، وأول مسألة هو واجب طرد الكيان الصهيوني من أفكارنا وقلوبنا لكي يخرج من على أرضنا .. إذا كانت في نفوسنا قبول للمشروع الصهيوني والوجود الصهيوني فسوف يكون للكيان الصهيوني وجود على الأرض ، أما إذا أخرجنا الكيان الصهيوني من عقولنا وقلوبنا فسوف يخرج الكيان الصهيوني من أرضنا ، فالواجب الأول أن نخرج الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني الأمريكي الغربي من عقولنا وقلوبنا ، وقد لفت انتباهي ويا للأسف وأنا أقرأ بعض الجرائد حديث عن السلام وعملية السلام ، وأنا أسأل إلى أين وصلت هذه العقول .. بعد كل ما يجري في فلسطين نجد من يتحدث عن السلام ، وهذا دليل على أن هذا المشروع لازال عميقا في نفوس وأفكار البعض ، وهذا نموذج للعقلية التي تدير الصراع والتي مكنت للكيان الصهيوني من النفوس والعقول .

الواجب الثاني : أن نتبنى خيار تحرير فلسطين كل فلسطين .. كل التراب الفلسطيني بغير استثناء ، لأن الحكم الشرعي يقول : بأن أي أرض إسلامية تحتل فواجب المسلمين تحرير هذه الأرض الأقرب فالأقرب ، وليس لأحد الحق حتى الفلسطينيين أنفسهم أن يقبلوا بوجود الصهاينة على أرضهم ، إذن فالخيار الإسلامي الوحيد هو تحرير كل أرض فلسطين ويجب على الحكومات أن تتبنى هذا الخيار وتدعمه ، كما أنه خيار الانتفاضة لأن النسبة الكبرى من الانتفاضة تتبنى خيار تحرير كل فلسطين.

الواجب الثالث : تقديم الدعم المادي والمعنوي للانتفاضة ، ليس من خلال الخطب والمهرجانات فقط ، بل بإيجاد حالة عامة في كل البلاد الإسلامية داعمة للانتفاضة ورافضة للكيان الصهيوني ولمشروعه ، والمسيرات هي إحدى الأشكال ، والدعم المادي أحد الأشكال ، ولكن يجب أن تكون حالة سياسية اجتماعية عامة لدعم الانتفاضة ومقاومة التطبيع ورفض الكيان والمشروع الصهيوني ، ولا ينبغي أن تكون هذه في هذا اليوم فقط وهو يوم الغضب الفلسطيني بل يجب أن تكون مستمرة ومستديمة ، لأنها قضية المسلمين الأولى ، وكرامة المسلمين تتعلق بهذه القضية ، ضمير المسلمين يتعلق بهذه القضية .. لن تكون للمسلمين كرامة .. ولن تكون لهم عزة .. ولن تكون لهم أخلاقية بالمعنى الدقيق ما لم يتوجهوا لتحرير فلسطين .

الواجب الرابع : السعي للتأثير الإيجابي على الأنظمة والحكومات لتتبنى خيار الانتفاضة والتحرير .. يجب معالجة هذا الانقسام في الإرادة بين الأنظمة والحكومات .. هذا أخطر انقسام ، وأنا أخشى أن تكون قضية فلسطين نقطة تصادم بين الأنظمة والشعوب إذا بقيت الحكومات على الاتجاه وهذا العجز وهذا الضعف في الأداء وهذا الموقف المتخاذل مع ما تتحسسه الشعوب من الإهانة والغضب ، والمطلوب من الأنظمة أن تغير مواقفها وتقترب من شعوبها وأن تتحد إرادتها مع إرادة شعوبها ، بمعنى آخر يجب أن تكون هناك إصلاحات سياسية ، وأن لا تكون الحكومات مشغولة بالدافع عن كراسي الحكم والشعوب مشغولة بالدفاع عن حقوقها أمام حكوماتها .. يجب أن تنتهي هذه الحالة وإلا فإن حالة العجز والضعف لن تتغير ، وبهذه المناسبة أشيد بالمسيرة الشعبية وأؤكد على الإشادة بها حين يمكن أن تكون نموذجا للمحافظة على الوحدة الوطنية ، ودعم قضايانا الإسلامية والوطنية والقومية المصيرية وغيرها من القضايا ، وتوجد هناك سلبيات تتعلق بصورة خاصة بإدارة المسيرة والسلبيات ، وأنا أشكر الكتاب الذي أكدوا على إيجابيات المسيرة ، وعالجوا السلبيات بحكمة ومن خلال توجهات إيجابية لخدمة القضايا الوطنية ووحدة الصف الوطني ودعم القضايا المصيرية للأمة ، وأرغب بصدق إلى تلك الأقلام التي عالجت السلبيات بتوجهات سلبية غير مسئولة أن تقتدي بالأقلام الأخرى التي أكدت على الإيجابيات وعالجت السلبيات بتوجهات إيجابية .. السلبيات والأخطاء توجد في العمل الوطني ، ولكن ينبغي أن نعالج السلبيات بحكمة ومن خلال توجهات إيجابية تخدم المصالح الوطنية والقضايا المصيرية .

أكتفي بهذا المقدار ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 27 جمادى الأولى 1422هـ الموافق 2001/8/17 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.