فهرس خطب الجمعة عام 2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 10 أغسطس 2001 م

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 10 أغسطس 2001 م

الخطبة الدينية : استكمال لموضوع النبي والمشروع المضاد
الخطبة السياسية : حول المسيرة التي نظمتها جمعية مقاومة التطبيع لدعم الانتفاضة الفلسطينية المباركة
أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة .. أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ” نون والقلم وما يسطرون ، ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، وإن لك لأجرا غير ممنون ، وإنك لعلى خلق عظيم ، فستبصر ويبصرون ، بأيكم المفتون ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، فلا تطع المكذبين ، ودوا لو تدهن فيدهنون ” صدق الله العلي العظيم .
في الحديث السابق ذكرت بأن الرسول الأعظم (ص) قد قدم مشروعا إلهيا إصلاحيا شاملا ، وأنه جوبه بمشروع مضاد ، وكان المشروع المضاد ضعيفا في نفسه ضعيفا في خطابه ، ضعيفا في مواقفه ، وأنه من ضعفه وصف الرسول الأعظم (ص) وهو سيد العقلاء بالجنون ، وهنا نجد بأن القرآن الكريم توجه إلى تشخيص المشكلة ، فهذا الوصف .. وصف أصحاب المشروع المضاد للرسول الأعظم (ص) بالجنون .. ليس لأن هناك خطأ في المشروع الذي تقدم به الرسول الأعظم (ص) .. ليس لأن هناك خطأ في خطابه ، وليس لأن هناك خطأ في سلوكه وممارساته ، وإنما الخطأ كل الخطأ في المشروع المضاد ، ولهذا نجد بأن القرآن الكريم لم يتوجه للنبي (ص) لأن يغير شيئا من مشروعه أو شيئا في خطابه أو شيئا في سلوكه وممارساته ، لأن المشكلة ليست في النبي محمد (ص) ، وإنما المشكلة كل المشكلة في المشروع المضاد ، فلو توجه القرآن للنبي محمد (ص) لكنت نتيجة التوجه أن يصل النبي محمد (ص) إلى الجمود والشلل ، لماذا ؟ ، لأن أصحاب المشروع المضاد إذا كانوا يحملون مشروعا مضادا لا يقوم على الحقائق ، فأصحاب المشاريع الإصلاحية مهما كانوا دقيقين في مشاريعهم ، ومهما كانوا دقيقين في خطابهم ، ومهما كانوا دقيقين في ممارساتهم ، فإن أصحاب المشاريع المضادة سوف يحاولون أن يقلبوا عليهم الطاولة ، فإذا توجهنا إلى أصحاب المشروع الإصلاحي وقلنا لهم غيروا في مشروعاتكم ، وغيروا في خطابكم ، فسوف تكون النتيجة هي الشلل والجمود ، لأنه لا يتوقع أن يتوقف أصحاب المشروع المضاد عن انتقاداتهم التي لا تعتمد الحقائق ، لهذا نجد أن القرآن الكريم توجه مباشرة إلى المشروع المضاد ، وناقشه على ثلاثة مستويات :-
المستوى الأول :- هو المستوى العلمي النظري ، وهو الذي تحدثنا عنه في المرة السابقة .
المستوى الثاني : وهو المستوى العملي ، وسوف نتحدث عنه في هذا الأسبوع .
المستوى الثالث : بين صفات وأخلاق أصحاب المشروع المضاد ، وهذا ما سنتحدث عنه في الأسبوع المقبل .
فعلى المستوى العلمي النظري ، بين بأن الرسول الأعظم (ص) أنعم الله عليه بالعقل والعلم الغزير وأنعم عليه بالنبوة ، فهل يمكن لسيد العقلاء بما أنعم الله عليه من العقل .. بما أنعم عليه من العلم ، هل يمكن أن يكون مجنونا ؟! الرسول الأعظم (ص) تحمل أعباء الدعوة وأدارها بنجاح حتى يتحقق له الفوز الكامل ، فهل يمكن لمن تحمل أعباء الدعوة وأحسن إدارتها وحقق لها النجاح والظفر أن يكون مجنونا ؟!!! ، الرسول الأعظم (ص) على خلق عظيم ، وسيرة حسنة ، فهل يمكن لمن تكون هذه أخلاقه وهذه سيرته أن يكون مجنونا ؟! .
بعد ذلك دخل القرآن الكريم في البعد العملي ، ” فستبصر ويبصرون ، بأيكم المفتون ” فستعلم يا محمد ، وسيعلم أعداؤك ، ومن خلال نتائج التجربة ، أيكم المفتون ؟! أيكم المجنون؟! ، الجنون في من ؟! هل في النبي محمد (ص) وأصحابه أو أن الجنون في الفريق الآخر من أعداء النبي محمد ؟! القرآن يقول : بأن نتائج التجربة على الأرض ستفرز وتبين وتوضح بكل جلاء بأن الجنون في أعداء محمد ، وهنا نشير إلى نقطتين :-
النقطة الأولى : بأن أعداء النبي وصفوا النبي الأعظم بالجنون في سبيل عزله عن الناس ، وإبعاد الناس عنه ، ولكن الناس عقلاء ، ولكن الناس قادرين على التمييز والتثمين ، وبالتالي فإن التجربة – ومن خلال المقارنة بين المشروع الإلهي الذي تقدم به النبي محمد (ص) والمشروع المضاد- سوف تكشف عن حقيقة المشروعين ، وعن حقيقة القائمين على كل مشروع ، وسوف يتبين بأن النبي محمدا (ص) على هدى وأعداؤه على ضلال ، وأن النبي محمدا على علم وأعداؤه على جهل .
النقطة الثانية : أن أعداء النبي محمد (ص) كانوا يمتلكون ثروات وإمكانيات مادية وبشرية ضخمة ، وقد سخروا هذه الإمكانيات في مواجهة النبي محمد (ص) ، ولكن القرآن يقول بأن النتائج على الأرض سوف تثبت هزيمة هذا الجانب ، سوف يهزمون وينتصر النبي محمد (ص) .. هذا في الدنيا .. أما في الآخرة فسوف يتبين لمن الفوز ولمن الخسارة ، وبالتالي فإن التجربة” فستبصر ويبصرون ، بأيكم المفتون ” فستعلم يا محمد ، ويعلم أعداؤك – ومن خلال نتائج التجربة- لأي الفريقين الجنون ، هل هو لمحمد وأصحابه أم لأعدائه ؟! إن التجربة ستبرز وتفرز بكل جلاء ووضوح بأنك على هدى وأعداؤك على ضلال ، وأنك على علم وأنهم على جهل ، وأنك سوف تكسب المعركة وسوف يخسرون المعركة ، وبالتالي نتوصل إلى نتيجتين أساسيتين :-
النتيجة الأولى : بأن وصف القرآن لأعداء النبي محمد (ص) بالجنون ليس جنونا حقيقيا ، وإنما هم في تكذيبهم للنبي محمد (ص) ، وبمحاربتهم للنبي محمد (ص) ، وما سوف ينكشف عن مستقبل المعركة من خسارة لهم وربح للنبي محمد (ص) ، سوف يكونون في حكم المجانين ، وهم في حكم المجنون في تكذيبهم للنبي محمد ومحاربتهم له ، وأن النتائج سوف تكشف ذلك ، لأنهم تصرفوا تصرف المجانين في هذا الموقف .
النتيجة الثانية : أن القرآن الكريم في الوقت الذي يؤكد فيه على أهمية الرد العلمي والإعلامي على المشاريع المضادة فإنه يؤكد أهمية التحرك على الأرض لفصل الخطاب ولفصل المعركة .. وهنا ” فستبصر ويبصرون ، بأيكم المفتون ” تأكيد على أهمية التحرك على الأرض مع عدم التقليل من أهمية التحرك العلمي والإعلامي ، لأن الذي سوف يحسم المعركة هو التحرك على الأرض .
” فستبصر وسيبصرون بأيكم المفتون ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ” ، ” إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله ” أعلم بأشخاصهم ، وأعلم بنواياهم ، وأعلم بأساليبهم وأعمالهم ، وأعلم أيضا بمصيرهم ، ” وهو أعلم بالمهتدين” .. أعلم بأشخاصهم ، وأعلم بنواياهم ، وأعلم بأساليبهم وعملهم ، وأعلم أيضا بمصيرهم ، وبالتالي حينما يطمئن القرآن الكريم عبده ونبيه وأصحابه المؤمنين بأن نهاية المعركة لهم ، ويحذر ويهدد أعداء النبي بأنهم سوف ينكشف ضلالهم ، وسوف يخسرون المعركة ، فإن ذلك عن علم وليس عن جهل .
” فلا تطع المكذبين ” ، إذا كنت يا محمد تعلم بأنه لا خطأ في مشروعك ، ولا خطأ في خطابك ، ولا خطأ في عملك ، وإنما الخطأ كل الخطأ في المشروع المضاد ، وإذا كنت تعلم بأن التجربة سوف تكشف عن حقيقة مشروعك ، وأن العاقبة لك ، وأن المشروع المضاد سوف تنكشف حقيقته ، وسوف يخسر المعركة .. فلا تطع المكذبين بك .. فلا تطع أعداءك فيما يدعونك إليه ، لماذا؟ ، ” ودوا لو تدهن فيدهنون ” أحبوا لو تلين فيلينون .. لو تسامح فيسامحون .. وهنا المداهنة ليست باللين المحمود أم المستحسن ، وإنما الملاينة في ما لا ينبغي .. اللين المذموم !! .. اللين الذي يكون على حساب الهوية !! .. اللين الذي يكون على حساب الثوابت !! .. ودوا لو أنك تلين وتتسامح وتتنازل وتساوم على شيء من هويتك .. على شيء من ثوابتك فيلينوا لك .. لكنك يا محمد صاحب هوية ومبدأ وعقيدة وهم ليسوا كذلك .. هم ليست لديهم مبادئ وليست لديهم عقيدة كي يتخلوا عنها ، فهذه الآية تبين بأن أصحاب المشروع المضاد ليسوا أصحاب مبادئ .. ليس أصحاب عقيدة .. ليس أصحاب إيمان .. وإنما أصحاب مصالح .. وأصحاب مظاهر جوفاء يصرون عليها .. يبحثون عن مكاسب .. يبحثون عن سلطة .. يبحثون عن مكانة .. أما أنت فلست كذلك .. وأيضا هذه الآية تبين بأن أصحاب المشروع المضاد يعيشون القلق والاضطراب وعدم الاستقرار .. هم لا يعيشون الثبات ، ولا يعيشون الصمود ، وهم غير قادرين على الصمود ، وبالتالي فهم مستعدون للتخلي عن مبادئهم في سبيل المصالح الشخصية أما أنت فليس كذلك ، فإذا تنازلوا لن يخسروا شيئا ، لأنهم لا عقيدة لهم .. لا ثوابت لهم .. لا هوية لهم .. أما أنت إذا تنازلت فسوف تخسر عقيدتك .. تخسر إيمانك .. وسوف تكون مثلهم .. تؤمن بالمصالح والمظاهر والمناصب والسلطات وما شابه ذلك .. فأنت الذي تخسر ، أما هم فلن يخسروا شيئا . ومن الناحية التاريخية نجد بأن أصحاب المشروع المضاد عملوا على أربعة مستويات لمواجهة النبي محمد (ص) :-
المستوى الأول : هو الاقتراب أو المداهنة .. أرادوا أن يقتربوا من النبي محمد (ص) ويقترب منهم .. أن يداهنهم ويداهنوه .. أن يتنازل عن شيء من هويته وثوابته ليقترب منهم ويقتربوا منه .. ولما أن يئسوا من ذلك .. لما أن نزل قوله تعالى ” قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ” لجئوا إلى :
المستوى الثاني : وهو التطويق .. التطويق المادي المتمثل في حصار ” الشعب ” ، والتطويق الاقتصادي ” لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ” ، والتطويق المعنوي والإعلامي بتشويه صورة النبي محمد (ص) وعزله عن الناس ، ووصفه بالجنون وبالسحر وغير ذلك .. فلما أن فشل هذا المستوى لجئوا إلى :
المستوى الثالث : وهو التصفية ، فاجتمعت القبائل على تصفيته وهو نائم في فراشه ، ففداه على ابن طالب (ع) بالنوم على فراشه وخرج هو وصاحبه إلى المدينة ، فلما أن فشل المستوى الثالث لجئوا إلى :
المستوى الرابع : وهو المواجهة الشاملة ، ولكن الله نصره عليهم وأظهر دينه ، وأظهر التجربة حقيقة المشروعين ، ومصير كلا المشروعين في الدنيا كما ستظهر في الآخرة .

بعد هذه الوقفة القصيرة مع الآية الشريفة ، نأتي إلى قضية من قضايانا الوطنية والمحلية ، وأتناول هنا المسيرة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية .. كلكم يعلم ماذا يجري في فلسطين ، ونحن نقول أن ذلك يحدث وسط الصمت العربي والدولي !!! فما هو حقيقة موقف الدول العربية ؟ وما هو موقف أمريكا والاستكبار العالمي ؟ لا أريد أفصل ولكن أسأل : هل أن الدعم الأمريكي والأوربي للصهاينة في فلسطين هو حبا في اليهود ؟ .. هل أن أمريكا تحب اليهود كيهود ؟ أو لأن لأمريكا والاستكبار العالمي مصالح كبيرة جدا ولأجل هذه المصالح يقدمون الدعم والمساندة للصهاينة .. يقينا أمريكا لا تحب اليهود ، وإنما لها مصالح حيوية .. مصالح استراتيجية في المنطقة ، ولأمريكا شيء أكبر من ذلك .. أكبر من المصالح المادية والمصالح الاقتصادية .. شيء أكبر من النفط .. لها مشروع حضاري ، وتيقنوا بأن أمريكا والغرب منذ البداية يعملون وفق نظرية صراع الحضارات .. وأن مشروعهم الحضاري في المنطقة .. وأن إسرائيل هي الأداة وهي الآلية لتنفيذ هذا المشروع ولخدمة هذه المصالح ، ولهذا فهم يقدمون الدعم اللامحدود وغير المشروط للكيان الصهيوني .. ما هو موقف الدول العربية والحكومات العربية ؟! .. الحكومات العربية بدلا من أن تعمل على تحرير أرض فلسطين المغتصبة ، وبدلا من أن تواجه المشروع المضاد للاستكبار العالمي ، اعترفت بالكيان الصهيوني وفاوضته ، وأكثر ذلك قبلت بان يكون له موقعا متقدما وموقعا قياديا في المنطقة على أساس أنه يمتلك العلم والتكنولوجيا ، أي أن الدول والحكومات العربية قبلت بالمشروع الحضاري المضاد للمشروع الحضاري العربي والإسلامي ، لماذا؟ .. باختصار شديد ، لأن إرادة الحكومات العربية لا تنبع من شعوب المنطقة ومن دين المنطقة ومن حضارة وتاريخ المنطقة وإنما هي إرادة مفروضة عليها من الخارج وفق علاقتها الخارجية مع دول الاستكبار العالمي ، أما الشعب الفلسطيني فقد اختار المقاومة ، واختار تحرير الأرض كل الأرض .. وهذا هو موقف الشعوب العربية ، وأن الشعوب العربية تقدم الدعم والمساندة للانتفاضة في فلسطين ، وفق خيار تحرير الأرض لإفشال المشروع الحضاري المضاد للمشروع الإسلامي ، وكانت المسيرة الشعبية في البحرين في ليلة البارحة لمساندة الشعب الفلسطيني هي أيضا موقف داعم لخيار الانتفاضة ، وخيار التحرير ، والدفاع عن المشروع الإسلامي ومواجهة المشروع المضاد ، وقد تجلت الوحدة الوطنية في هذه المسيرة ، فقد شاركت الحكومة في هذه المسيرة ، وشاركت القوى الشعبية ، وشاركت مؤسسات المجتمع المدني ، وكانت الشعارات تعبيرا عن هذه الوحدة الوطنية ، وكانت تعبيرا عن مساندة خيار الانتفاضة ، وخيار التحرير ، وخيار مواجهة المشروع المضاد للمشروع الإسلامي .
أسأل الله المزيد من وحدة الصف لهذا الشعب ، والمزيد من المساندة لقضايانا المصيرية .

والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 20 جمادى الأولى 1422هـ الموافق 2001/8/10 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.