فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 21-09-2001

الخطبة الدينية : دراسة في نموذج الطغيان الفرعوني
الخطبة السياسية : تعليق حول رد الفعل الأمريكي على الهجمات التي أصابت المراكز الحيوية بأمريكا

( إن الشعوب الإسلامية لن تقبل التحالف مع أمريكا ، وسوف تقف الشعوب الإسلامية مع بعضها كالبنيان يشد بعضه بعضا ، حتى يحكم الله ، والله خير الحاكمين )
( بناء على الموقف الأمريكي من الكيان الصهيوني ضد العرب والمسلمين فإن الشعوب العربية والإسلامية رفعت شعار الموت لأمريكا ، ولم يتغير شيء من أمريكا لكي تتخلى الشعوب العربية عن هذا الشعار )
( نحن نستبعد كل البعد أن يكون منفذو هذه العملية هم من الإسلاميين ، وإذا ثبت فعلا أن المنفذين لها إسلاميون فهي نتيجة اجتهاد خاطئ وشاذ ، وهي لا تمثل حالة إسلامية ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يضرب شعب وتعاقب أمة نتيجة اجتهاد خاطئ من أشخاص لا يمثلون الإسلام )

( أن أمريكا لم تكن في يوم من الأيام نزيهة ، بل مارست الإرهاب في أبشع صوره ، ودعمت الإرهاب ، والصورة الجلية الواضحة ما يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المظلوم بدعم ومباركة أمريكا ، وبسلاحها ومالها )
( إننا نتوقع شرا مستطيرا للجنون الأمريكي والتحالف المشين مع أمريكا ، وأن الفساد والخراب سوف يعم الأرض نتيجة هذا الجنون الأمريكي وهذا التحالف المشين معه، كما نتوقع حالة انقسام أسوء من الانقسام الحالي في العالمين العربي والإسلامي )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .
قال تعالى : ( وقال الملأ من قوم فرعون : أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ، قال : سنقتل أبناءهم ، ونستحيي نساءهم ، وإنا فوقهم قاهرون ، قال موسى لقومه : استعينوا بالله واصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ) . صدق الله العلي العظيم .

تآمر وتحريض وتخويف

(وقال الملأ من قوم فرعون : أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) الملأ : هم الأشرار ، وأصحاب الكلمة والمصالح ، وهذه الآية تشير إلى حالة تآمر وتحريض وتخويف من أصحاب الكلمة ، وأصحاب الوجاهة ، وأصحاب المصالح من قوم فرعون ضد موسى (ع) وقومه ، وفيها تهويل لفرعون بأنه إذا ترك موسى وشأنه فسيقوض سلطان فرعون ، وذلك بعد الصدمة الكبيرة ، والضربة العنيفة التي وجهها موسى لفرعون ونظامه ، في المباراة التي جرت بين موسى والسحرة ، وانتصر فيها موسى ، وخر السحرة سجدا لربهم عائدين ، قد كشفت حقيقة نظام فرعون ، واهتز عرشه ، واهتزت معنوياته ومن معه ، وأدركوا بأن الأوضاع قد تتغير ، وفكروا .. ماذا يفعلون أمام هذه الصدمة العنيفة التي اهتز إليها نظام فرعون .. ذهب الأشرار إلى فرعون ، وحرضوه ضد موسى وقومه ، (قال الملأ من قوم فرعون : أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) .. موسى (ع) يدعو إلى التوحيد ، ويدعو إلى العدل والإحسان ، ولكن قوم فرعون الأشرار قالوا : بأن موسى عليه السلام وقومه الذين آمنوا به وبنبوته وبعقيدة التوحيد هم المفسدون في الأرض ، وهذا الوصف من الملأ لموسى (ع) وقومه يقوم على أساسين .. أساس موضوعي ، وأساس إعلامي .

ضربة قاصمة

الأساس الموضوعي : أن موسى حقيقة يدعو لتوحيد الله ، وسلطة فرعون تقوم على أساس ديني ، وهو أنه الإله الأعظم ، وبالتالي فإن نجاح دعوة موسى (ع) : هي ضربة قاصمة لنظام فرعون ، لأنها تضرب الأساس الذي يقوم عليه نظام فرعون وسلطته ، ولهذا نجد الآية ربطت بين الإفساد وألوهية فرعون ( ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ) ، لأن دعوة موسى إلى التوحيد ، وعدم الإيمان بألوهية فرعون فيها تقويض لنظام فرعون القائم على هذا الأساس الديني ، وقوله تعالى : (ويذرك وآلهتك) فيها دلالة على أن قوم فرعون لم يقوموا بأداء الشعائر لفرعون ، لم يركعوا ويسجدوا ويصلوا لفرعون وإنما كانت لهم آلهة يعبدونها ، وكما أن لفرعون نفسه آلهة يعبدها ، وأن ألوهية فرعون تتمثل في نظامه وكونه صاحب سلطة ، وصاحب النظام المستقل عن الله – عز وجل – حسب زعمه ، وبالتالي فإن دعوة التوحيد هي تقويض لهذا الأساس الذي يقوم عليه نظام فرعون وسلطته .

منطق الأنظمة الفرعونية

الأساس الإعلامي : ويتمثل في المعيار والمنطق الفرعوني في الحكم ، فهو لا ينظر إلى حجج موسى وبراهينه ، ولا ينظر إلى أحقية موسى أو عدم أحقيته ، وإنما ينظر إلى نتائج هذه الدعوة ، فليس المهم أن تكون دعوة موسى حقا أو باطلا ، إنما المهم أن نتائج هذه الدعوة هي تقويض سلطان فرعون ، وبما أنها تقوض نظام فرعون فهي إفساد ، فمعيار الحكم على الدعوة بأنها إصلاح أو إفساد ، هدم أو بناء ، بالنسبة للمعيار الإعلامي لفرعون ونظامه يتمثل بنتائجها على النظام ، فإذا كانت الدعوة تدعم النظام فهي إصلاح وبناء ، وإذا كانت الدعوة تهدد النظام والسلطة الفرعونية فهي إفساد وهدم ، وهذا هو المنطق الذي نجده لدى الأنظمة الفرعونية ، فلا تنظر إلى الحقائق فتقيمها ، وإنما تنظر إلى نتائجها إما لصالحهم فهي إصلاح وإما ضدهم فهي إفساد .

القرار البشع

( قال : سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ) ، وهنا نجد بأن كلام الملأ قد أثر في فرعون ، فاستشعر الخطر الحقيقي على نظامه وسلطانه ، وقال : ( سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ) .. اتخذ القرار البشع ، حيث كان فرعون قبل موسى يقتل الأبناء ويستحيي النساء ، خوفا من الرجل الذي يأتي فيقضي على نظامه ، ولما أن أصابته هذه الصدمة العنيفة ، فهزت معنوياته ونظامه ، اتخذ القرار بالعودة إلى السيرة السابقة وهي قتل الأبناء واستحياء النساء ، وهو حل جذري عميق للمشكلة بضرب القوة المؤثرة في النظام ، لأن الرجال هم القادرون على حمل السلاح ، وهم المؤثرون والفاعلون في الأرض ، فإذا قضى على الرجال فقد قضى على القوة الضاربة والمؤثرة على نظامه ، في حين يستبقي النساء للخدمة إماء وعبيدا .

اعتزاز بالقوة

وفرعون لم يتأمل منطق موسى وحجه موسى (ع) ، ولم يتأمل في دعوة موسى وأحقيتها ، وإنما واجه منطق العقل بمنطق القوة .. فرعون يتعز كثيرا بقوته الضاربة ، ويرى بأنه يمتلك القدرة على اجتثاث موسى وقومه ( وإنا فوقهم قاهرون ) فهو يمتلك قوة المال وقوة السلاح والعلاقات الخارجية التي تمكنه من القضاء على موسى ، كما أن هذا الموقف المجنون .. هذا الموقف البشع من فرعون هو محاولة للمحافظة على معنوياته ومعنويات قومه الذين أصابتهم الصدمة العنيفة لسجود السحرة وإيمانهم بدعوة الله ، فماذا يفعل أمام هذه الصدمة وهو لا يمتلك شيئا من منطق العقل ليواجه هذه الحالة سوى قوة المال والسلاح ، لقد حاول أن يثبت لقومه أنه يمتلك السيطرة على الوضع ، كما يمتلك الحل لمواجهة الحالة الجديدة بإشهار القوة والسلاح ، وهو بذلك يحاول النيل من القوة المعنوية لموسى (ع) وقومه ، لأنه إذا قتل الرجال وأبقى النساء – هذا التهديد – من شأنه – حسب ظنه – أن يرعب موسى (ع) وقومه .

حقيقة كونية

( قال موسى ) : قال موسى (ع) بلسان النبي الواثق من ربه ، والواثق بوعد الله يستنهض قومه ويثبتهم ، ويعلمهم الحقائق الكونية ، ( قال موسى لقومه : استعينوا بالله واصبروا ) .. استعينوا بالله الولي القوي الأمين الذي لا يخذل ولن يخذل عباده أبدا .. توكلوا على الله .. واصبروا في مواجهة الشدائد والتحديات التي يثيرها فرعون أمامكم .. ثم يشير إلى الحقيقة الكونية ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ) .. الأرض ملك لله ، وهو وحده المتصرف فيها ، وما فرعون وقوم فرعون إلا نزلاء على هذه الأرض ، وأن الله – جل جلاله – قادر على إقصائهم واستئصالهم في أي وقت حسبما تقتضي حكمته ، ليورثها من يشاء من عباده ، وفي ذلك توجيه من الله – عز وجل – للمؤمنين بأن لا ينظروا إلى اللحظة .. لا ينظروا إلى الهيمنة الفرعونية والتمكين والفرعوني ، وإنما ينظروا إلى التأريخ في حركته الطويلة ، فقبل تلك اللحظة لم يكن فرعون شيئا مذكورا .. لم يكن لفرعون ولسلطته وجود ، وإنما الوجود والسلطة لغيره فذهبت منه السلطة والقوة وأتى هو ( أي فرعون ) ، وهو سوف ينتهي وتأتي قوة أخرى ،،، إذن .. على المؤمنين إلا ينظروا إلى اللحظة ، ولا ينظروا إلى الهيمنة الفرعونية والتمكين الفرعوني ، ولا يكبر ذلك في أنفسهم بأن هذا الوضع لن يتغير ، وأن هذه القوة لن تذهب ولن تزول .. الله يقول : بأنها سوف تذهب كما ذهبت القوى التي سبقتها ، ( والعاقبة للمتقين ) .. إذا حكم الظلم .. إذا حكمت القوة الغاشمة في لحظة ، فإن العاقبة النهائية هي للمتقين ( وعد الله الذين آمنوا ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) والله لا يخلف وعده .

التقوى منهج حياة

هذه الآية تقول لنا : بأن الله – جل جلاله – يريد من المؤمنين أن يجعلوا من التقوى منهجا للحياة باتباع شريعته وسننه ، ويريد من المؤمنين أن يكونوا قادة واعين أقوياء ، يواجهون الشدائد والتحديات بصبر وبثقة ، ولا تهتز معنوياتهم أمام أي تحد مهما كبر ، وتقول لنا هذه الآية بأن هناك ثلاث نقاط إذا التزمتم بها فستنتصرون :-
النقطة الأولى : الإيمان بالله والثقة به والتوكل عليه .
النقطة الثانية : الصبر أمام الشدائد والتحديات مهما كان نوعها ، فلا تهتز معنويات المؤمنين أمام أي تحد مهما عظم وكبر .
النقطة الثالثة : اعتبار التقوى منهجا شاملا في الحياة ، فتكون التقوى هي الصبغة التي تصبغ تفكيرهم وسلوكهم وتصرفاتهم ، وليس الخوف من الطاغوت ، كما تبين الآية بأن الاستعانة بالله والتوكل على الله والثبات جزء من التقوى بل هي التقوى ( استعينوا بالله واصبروا ) فالمتقون هم المستعينون بالله والصابرون ، ومن لا يصبر ولا يصمد أمام التحديات فليس بتقي ( والعاقبة للمتقين ) .

بعد هذه الوقفة مع هذه الآية الشريفة المباركة ، أقف بشديد الاختصار على الحدث الذي يشغل الرأي العام العالمي في الوقت الحاضر ، وهو الهجمات على المراكز الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وردة الفعل الأمريكي على هذه الهجمات .

اجتهاد خاطئ وشاذ

أولا : بأن هذه الهجمات من حيث أنها استخدمت وسائل غير مشروعة ، فهي بعيدة كل البعد عن الفكر الإسلامي ومرتكزاته ، وبعيدة عن تشريعات الفقه الإسلامي .. هذه الهجمات ليست بوصفها هجمات ضد أمريكا ، وإنما من حيث استخدامها لوسائل غير مشروعة في إزهاق آلاف الأرواح من الأبرياء هي بعيدة كل البعد عن مرتكزات الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي ، ونحن نستبعد كل البعد أن يكون منفذو هذه العملية هم من الإسلاميين ، وإذا ثبت فعلا أن المنفذين لها إسلاميون فهي نتيجة اجتهاد خاطئ وشاذ ، وهي لا تمثل حالة إسلامية ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يضرب شعب وتعاقب أمة نتيجة اجتهاد خاطئ من أشخاص لا يمثلون الإسلام أو الحالة العامة للإسلام ، فهذا هو عين الظلم .

أمريكا لم تكن نزيهة

ثانيا : أن أمريكا لم تكن في يوم من الأيام نزيهة ، بل مارست الإرهاب في أبشع صوره ، ودعمت الإرهاب ، والصورة الجلية الواضحة ما يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المظلوم بدعم ومباركة أمريكا ، وبسلاحها ومالها ، وأن أمريكا سخرت قوتها الخارجية لحماية الكيان الصهيوني كما حدث في مؤتمر “ديربن” ، فإذا كانت أمريكا ضد الإرهاب فلماذا حمت وباركت الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المظلوم ؟!!! ، وهل أن أمريكا سوف تعاقب الكيان الصهيوني على جرائمه وهي تدعو وتسعى لاستئصال الإرهاب من العالم ؟!!! ، أم أنها كانت ومازالت وسوف تبقى الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني ؟!!! ، وبناء على هذا الموقف الأمريكي من الكيان الصهيوني ضد العرب والمسلمين فإن الشعوب العربية والإسلامية رفعت شعار الموت لأمريكا ، ولم يتغير شيء من أمريكا لكي تتخلى الشعوب العربية عن هذا الشعار .

حرمة التحالف مع أمريكا

ثالثا : أن الفقهاء المسلمين الذين أبدوا رأيهم في الحدث وأفتوا بكل وضوح وبكل صراحة بحرمة التحالف مع أمريكا لضرب أي شعب مسلم .. إننا نتوقع شرا مستطيرا للجنون الأمريكي والتحالف المشين مع أمريكا ، وأن الفساد والخراب سوف يعم الأرض نتيجة هذا الجنون الأمريكي وهذا التحالف المشين معه، كما نتوقع حالة انقسام أسوء من الانقسام الحالي في العالمين العربي والإسلامي .. سوف تنقسم دول العالم العربي والإسلامي إلى دول مناهضة للإرهاب تتحالف مع أمريكا ، ودول داعمة للإرهاب وستكون ضحية للجنون الأمريكي وحلفاء أمريكا ، وحري .. جدير بالحكومات العربية والإسلامية أن تتحالف ضد الإرهاب الصهيوني على الشعب الفلسطيني وحليفته أمريكا الداعمة لهذا الكيان .. لماذا لم تحرك هذه الدول ساكنا ضد الإرهاب الصهيوني وحليفته أمريكا وتتحالف الآن مع الجنون الأمريكي لضرب الشعوب الإسلامية والحركات الإسلامية ؟!!! ، فهل هذه إرادة حرة مستقلة !!!!! ، وبكلمة أخيرة : فإن الشعوب الإسلامية لن تقبل التحالف مع أمريكا ، وسوف تقف الشعوب الإسلامية مع بعضها كالبنيان يشد بعضه بعضا ، حتى يحكم الله ، والله خير الحاكمين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 2 رجب 1422هـ الموافق 2001/9/21 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.