محاضرات وندوات عام 2009

اجابات الأستاذ في موسم الإسلام والعدالة الإجتماعية

ندوة موسم ( الإسلام والعدالة الإجتماعية )

الموضوع : مشاركة الأستاذ عبد الوهاب حسين في موسم ( الإسلام والعدالة الاجتماعية ) .
المنظمون للموسم : مؤسسات البلاد القديم: الجمعية الحسينية، مأتم أنصار الحسين، الحسينية المهدية .
عنوان الندوة : العدالة الإجتماعية في فكر أهل البيت ( عليهم السلام ) .
المكان : مأتم الجشي ـ البلاد القديم .
اليوم : مساء الجمعة ـ ليلة السبت .
التاريخ : 11 / شعبان / 1430هج
الموافق : 1 / اغسطس ـ آب / 2009م

أولا ـ أسئلة مدير الندوة ..
السؤال ( 1 ) : ماذا تمثل العدالة الإجتماعية في مشروع أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟
الجواب ( 1 ) : أهل البيت ( عليهم السلام ) هم الوارثون الحقيقيون والامتداد الرسالي الطبيعي لجميع الأنبياء والأوصياء ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وذلك يحكم العقل، وقد نصت عليه زيارة وارث المروية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) التي جاء فيها : ” السَّلامُ عـَلَيـْكَ يا وارِثَ آدَمَ صـَفـُوةِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيْكَ يا وارِثَ نـوُحٍ نَبــِيِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يـا وارِثَ إبـراهيـمَ خـَليـلِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يا وارِثَ موســى كـَليِم اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يـا وارِثَ عـيـسى روُحِ الله السَّلامُ عـَلَيْكَ يا وارِثَ مـُحـَمـّدٍ حـَبـيبِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يـا وارِثَ اَميرِ المُؤمِنينَ وَلَيِ اللهِ ” والغاية المجتمعية لجميع الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) هي : إقامة العدل بين الناس، قول الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ( الحديد : 25 ) ولايمكن تحقيق العدل الاجتماعي إلا من خلال الدولة، فغاية الانبياء هي إقامة دولة العدل الإلهي، والقائم المهدي المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) هو من سيحقق هذه الغاية على أكمل وجه بإقامته لدولة العدل الإلهي العالمية في آخر الزمان .
والخلاصة : إقامة العدل بين الناس هي الغاية المجتمعية التي يعمل من أجلها الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد ضحوا بأنفسهم من أجلها، إرضاء لله ذي الجلال والإكرام .

السؤال ( 2 ) : كيف سعى أهل البيت (عليهم السلام ) لتحقيق العدالة الإجتماعية ؟
الجواب ( 2 ) : سعى أهل البيت ( عليهم السلام ) لتحقيق العدالة الاجتماعية بكل الوسائل المشروعة : السلمية والعسكرية، فقد قاتل الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقاتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) يخرج بالسيف ويقيم دولة العدل الإلهي العالمية في آخر الزمان، ولا اشكال ولا خلاف حول استخدام الوسائل السلمية .
وكان اللجوء إلى القتال بعد أن سد المستكبرون كل السبل أمام الوسائل السلمية، واستخدموا العنف لمنع وصول صوت الحق ووصول الحقوق الطبيعية إلى أصحابها .
واللجوء إلى القتال في هذه الحالة : مسألة فطرية وعقلية تقرها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، ولو لم يقراها لأغلقا الباب أمام حق المستضعفين والمظلومين في الدفاع عن أنفسهم وعن حقوقهم الطبيعية في الحياة، والسعي لتحقيق الحياة الكريمة التي تقوم على أساس العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين البشر، إذ بمجرد أن يلوح المستكبرون والدكتاتوريون المستبدون بالقوة، ينتهي كل شيء .
وينبغي التنبيه هنا إلى مسألة في غاية الأهمية لفهم سيرة الأئمة ( عليهم السلام ) ومواقفهم، وهي حالة التعارض بين التوجه لإقامة دولة العدل الإسلامية وبين حفظ الرسالة وتبليغها . فمن الواضح أن أقامة دولة العدل هي الغاية المجتمعية لعمل أهل البيت ( عليهم السلام ) ولكن منطقيا : حفظ الرسالة وتبليغها مقدم على إقامة الدولة، وذلك ..
• لأنه لا يمكن إقامة دولة العدل بدون حفظ الرسالة وتبليغها، حيث تمثل الرسالة المرجعية الفكرية والتشريعية للدولة .
• أن الدولة قابلة للسقوط بعد إقامتها، فإذا لم يؤمن حفظ الرسالة، تنعدم فرصة إقامة الدولة من جديد، وبذلك تضيع الدولة والرسالة معا . أما مع حفظ الرسالة وبقائها، فإن فرصة إقامة الدولة التي تستند إليها تبقى قائمة متى توفرت الظروف والفرصة لذلك .
ولهذا نجد أن عناية أهل البيت ( عليهم السلام ) في المقام الأول كانت مركزة على ..
• حفظ الإسلام المحمدي الأصيل والتبليغ به .
• تربية جماعة من المؤمنين على أساسه، وتاهيلهم لحمله والتبليغ به .
• تحديد مواصفات القيادة الشرعية المؤهلة لقيادة الجماعة في عصر الغيبة .
وبقي تكليف إقامة دولة العدل قائما وثابتا في سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) رغم معاندة الظروف وقساوة الأعداء، وقد رحلوا هذا التكليف إلى الفقهاء في عصر الغيبة، وبصورة مطلقة إلى الإمام المهدي المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) وقد امتثل الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) لهذا التكليف، ونجح في إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران، وسوف تحمل هذه الدولة المباركة على عاتقها مسؤولية التوطئة الشاملة للظهور المبارك لصاحب العصر والزمان ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وينبغي التنبيه إلى ..
• أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) قد نجحوا بامتياز في انجاز المهام الثلاث المذكورة، وأصبح التعارض بين حفظ الرسالة والتبليغ بها وبين إقامة دولة العدل غير موجود على الوجه الذي كان على عهد الأئمة ( عليهم السلام ) مما يجعل السعي لإقامة دولة العدل الهدف الأساس للمؤمنين ( أيدهم الله تعالى ) في الوقت الحاضر، وقد يكون ذلك عبر مراحل، مع أخذ الظروف الموضوعية بعين الاعتبار .
• اجماع المعارضة في البحرين على استخدام الأساليب السلمية في المطالبة بالحقوق الطبيعية والوضعية وتحقيق الحياة الكريمة التي تقوم على أساس العدل والمساواة بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات، وعدم اللجوء إلى القوة، لأن الأساليب السلمية هي وحدها الأساليب الصحيح في هذه المطالبة والأقدر على تحقيق المطالب، وهذا مما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا . وأذكر هذا لكي لا يقول البعض بأن عبد الوهاب يدعو لحمل السلاح واستخدام القوة من أجل الإصلاح وإقامة العدل في البحرين، كما فعل بعض البندريين بعد كلمة لي في المنامة بتاريخ : 3 / جمادى الثاني / 1427هج ـ الموافق : 29 / يونيو ـ حزيران / 2006م تحت عنوان ( الشهداء أنصار الله واحباؤه ) حيث أثاروا زوبعة صحفية، ووقعت 25 جمعية بيان إدانة بغير حق ونشرته في الصحف كإعلان مدفوع الثمن، وشهدت الساحة إتصالات ولقاءات فارغة لا مصداقية لها، وقد أخرجتُ حينها بيانا مقتضبا بهذا الخصوص .

السؤال ( 3 ) : ما هو المنهج العام لأهل البيت ( عليهم السلام ) النهضة والتغيير أم الموادعة والمهادنة ؟
الجواب ( 3 ) : الأئمة قادة ربانيون تكليفهم التبليغ بالحق وإقامة العدل بين الناس، قول الله تعالى : { وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } ( الشورى : 15 ) والمهادنة تتنافى مع ذلك، قول الله تبارك وتعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } ( هود : 113 ) وقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به، شركاء ثلاثة ” (البحار .ج75 . ص312) .
ومعارضة الأئمة الأطهار للظالمين ثابتة ثبوتا يقينيا، وقد مضى جميعهم إلى الله جل جلاله شهداء سعداء مظلومين، وقد نجح الأئمة ( عليهم السلام ) في ..
• التبليغ بالإسلام المحمدي الأصيل ونقض التحريف في الدين الذي مارسته السلطات المتعاقبة .
• وبناء كيان مجتمعي مستقل على أساسه .
• وتحديد مواصفات القيادة البديلة للقيادة الطاغوتية التي تحكم بقوة الأمر الواقع .
وهذا نجاح ثابت لا شك فيه لا جدال، ولا أرى أدل على المعارضة منه، وأرى في القول بأن الأئمة هادنوا أو وادعوا الظالمين تجني على الحقيقة، وظلم لأهل البيت ( عليهم السلام ) وإساءة قبيحة للرب الجليل ولخط الدين والنبوة والإمامة، وربما وقع أصحاب هذه المقولة القبيحة في شبهة، لأنهم يحصرون المقاومة في المواجهة العسكرية، بدليل أنهم يعتبرون الإمام الحسين ( عليه السلام ) استثناء، وهذا خطأ في التفكير .

السؤال ( 4 ) : ما هي شروط أهل البيت (عليهم السلام) لتطبيق منهجهم النهضوي الثوري ؟
الجواب ( 4 ) : تطبيق المنهج غير مرتبط بشروط، والظروف الموضوعية هي التي تحدد أساليب العمل أو المواجهة : السياسية أو العسكرية أو غيرهما .

السؤال ( 5 ) : هناك إشكالات عديدة على منهج المقاومة، منها :
( أ ) أن التقية كمفهوم سياسي تتعارض مع النهضة التغييرية .
( ب ) تعدد المناهج عند أهل البيت (ع) بين الثورة والصلح .
( ج ) أن المنهج الغالب هو المهادنة والتعايش مع الظلم والنهوض يمثل الإستثناء .
( د ) أولوية الشؤون الثقافية والتبليغية وثانوية الشأن السياسي والحقوقي عند أهل البيت ؟
الجواب ( 5 ـ أ ) : وظيفة التقية هي المحافظة على الأهم إذا تعارض حفظه مع حفظ المهم، والقول بأن التقية تتعارض مع النهضة، يعني أن التقية تفيد التفريط في حفظ الدين وفي اهداف الإسلام العليا، في سبيل حفظ مصالح الأفراد أو الجماعات، وهذا مناقض لروح وحقيقة الإسلام وللمعلوم بالضرورة من السيرة المطهرة للأنبياء والأوصاء ( عليهم السلام ) . وقد أجمع المسلمون على وجوب التضحية بالنفس والنفيس في سبيل المحافظة على بيضة الدين والمصالح العليا للمسلمين، وهذا ما عبر عنه الإمام الحسين ( عليه السلام ) واستشهد على أساسه في كربلاء، بقوله : ” إن كان دين جدي لا يستقيم إلا بقتلي يا سيوف خذني ” .
الجواب ( 5 ـ ب ) : تعدد وسائل أهل البيت ( عليهم السلام ) بين الثورة والصلح هو تكتيك يستند إلى اختلاف الظروف الموضوعية ودورها في تحديد أساليب المواجهة، ولهذا اختلفت أساليب عمل الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين العهد المكي والعهد المدني، قول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ ( في مكة ) كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ( في المدينة ) إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } (النساء : 77) وبدون هذا الفهم لا نستطيع حل التعارض في سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) مما يسقط حجيتها، وهو ممتنع عقلا وشرعا .
الجواب ( 5 ـ ج ) : لا يوجد أصل واستثناء في سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) بالمعنى المذكور، فسيرتهم حجة في جميع الأحوال، وثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) تعطي الشرعية الكاملة لسلوك الثورة إذا كانت الظروف تحكم بذلك في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية السامية، فقد قاتل الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأن الإمام المهدي المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) يخرج بالسيف في سبيل محو الظلم وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية، وقد حظيت ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وقيام الحجة المهدي المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) باهتمام خاص لدى الأنبياء وجميع الأئمة ( صلوات الله عليهم جميعا ) لم تحظى بمثله سيرة أحد من الأئمة ( عليهم السلام ) مما يثبت حجية الثورة، وأنها ليست استثناء في سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
الجواب ( د ) : المشروع الثقافي هو المشروع الإمام في الدين الإسلامي الحنيف وفي كل مشروع نهضة إنساني، فكل مشروع لا يؤمه مشروع ثقافي هو مشروع سطحي وفاقد للقيمة الإنسانية، وفي نفس الوقت يعتبر المشروع السياسي جزء لا يتجزء من الرؤية الإسلامية للحياة، وبدونه لا يمكن أن تتحقق مقاصد وأهداف الشريعة المقدسة .
قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ” .
وقال : ” أفضل الجهاد عند الله عز وجل، كلمة حق أمام سلطان جائر ” .
وفصل الدين عن السياسة ( العلمانية ) فكر ومنهج مخالف للسيرة الطاهرة للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وللضرورة من الدين . ومما يؤسف له أن بعض المؤمنين يقدمون أطروحات علمانية ويتصرفون على أساسها بدون أن يشعروا، وذلك منهم في سبيل تبرير بعض المواقف السياسية الخاطئة، فينبغي الانتباه جيدا إلى ذلك والحذر الشديد منه .

السؤال ( 6 ) : ما هو تأثير الرؤية لمنهج أهل البيت (عليهم السلام) السياسي على منهجنا السياسي المعاصر ؟
الجواب ( 6 ) : تأثير منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) على منهجنا السياسي المعاصر يتمثل في نقاط عديدة، منها :
• عدم فصل الدين عن السياسة ( ديننا سياسة، وسياستنا دين ).
• الالتزام بقيادة المشروع الفكري للمشاريع الأخرى : السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .
• الالتزم بالمبادي والقيم الأخلاقية في العمل السياسي .
• رفض الظلم والجور ومقاومتهما وتحديد الأساليب بما يخدم الأهداف الإسلامية والوطنية المشروعة بالنظر إلى الظروف الموضوعية وليس بمعزل عنها .
• السعي لإقامة القسط والعدل بين الناس .

ثانيا ـ أسئلة الجمهور ..
السؤال ( 1 ) : الكل يسعى إلى الكمال، والعدل مطلب إنساني يراود الجميع في هذا العالم ..
( أ ) ما هو دورنا في حالة فقدان العدل الاجتماعي ؟
( ب ) ما هو دور الجمهور في رسم المنهج ؟
الجواب ( 1 ـ أ ) : نعم !! العدل من صفات الكمال للفرد والمجتمع والظلم نقص، وقد قلت في الإجابة على أسئلة السيد مدير الندوة، بأن إقامة القسط هو الغاية المجتمعية للأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ومن القبيح عقلا وشرعا القبول بالظلم والسكوت عليه، فمن الواجب العقلي والشرعي رفض الظلم ومقاومته، والسعي لإقامة القسط والعدل بين الناس، وهذا يتطلب ..
• الالتزام المطلق بخط الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) وامتداده الطبيعي المتمثل في خط الفقهاء العدول ( رضوان الله تعالى عليهم ) .
• التحقق من اتباع القيادة والمنهج الذين يمثلان الامتداد الطبيعي لخط الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ولديهما الاقتضاء والكفاءة لتحقيق الغاية المطلوبة .
• تنظيم الصفوف وجعلها كالبنيان المرصوص، والالتزام بالعمل الجماعي المشترك، فمن المستحيل أن تتحقق هذه الغاية ( العدل الاجتماعي ) من خلال الأعمال الفردية، والسبيل إليها هو العمل الجماعي المنظم .

الجواب ( أ ـ ب ) يمكن أن تكون للجماهير مساهمة أساسية في رسم أصل المنهج، وتطبيق ذلك يحتاج إلى وضع آلية محددة، وهذا ما يسعى تيار الوفاء الإسلامي إلى العمل به . وبعد وضع أصل المنهج تكون للجماهير المبادرة في التطبيق ورسم التفاصيل الميدانية .
وأذكر بهذه المناسبة شيء من السيرة النبوية الشريفة ..
جاء في المادة ( 2 ) من إتفاقية صلح الحديبية التي عقدها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع قريش في السنة السادسة للهجرة الشريفة : ” من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه ” فلما جاء أبو جندل مسلما ولم يجف بعد حبر الاتفاقية، طالب أبوه سهيل بن عمرو برده إليه بحسب اتفاقية الصلح، وأخذ يجره من تلابيبه، وأبو جندل يصرخ بأعلى صوته : ” يا معشر المسلمين!! أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ ” فقال له الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” يا أبا جندل أصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا . إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم ” ثم جاء أبو بصير عبيد بن أسيد إلى المدينة مسلما، فأرسلت قريش وراءه إثنين من رجالها، فرده الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليهم . إلا أن أبو بصير رفض الاستسلام لهذا المصير، فاحتال في أثناء الطريق على سيف أحد الرجلين وقتله به ففر الآخر مذعورا وقفل راجعا إلى المدينة يخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما وقع لصاحبه، وفي أثناء محادثته مع الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طلع عليهما أبو بصير وهو متوشحا السيف، وقال : ” يا رسول الله وفت ذمتك، وأدى الله عنك، وقد اسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يبعث بي ” فقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ويل أمه، مسعر حرب لو كان معه رجال ” وأدرك أبو بصير أن لا مقام له في المدينة ولا مأمن له في مكة، فانطلق إلى ساحل البحر في ناحية تدعى ( العيص ) وشرع يهدد قوافل قريش المارة بطريق الساحل، وسمع المسلمون بمكة عن مقامه وعن كلمة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله غليه وآله وسلم ) في حقه : ” مسعر حرب لو كان معه رجال ” فتلاحقوا به يشدون أزره، حتى اجتمع إليه ما يقرب من سبعين ثائرا، منهم : أبو جندل بن سهيل، مما أضطر قريش إلى التنازل عن المادة ( 2 ) من الاتفاقية، وأرسلت إلى الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تناشده الرحم بأن يؤوي إليه هؤلاء الثوار الأبطال الذين ضيقوا الخناق على قريش وهددوا تجارتها وكسروا كبريائها، وبهذا لم يخالف أبو بصير نصوص الاتفاق، واجتهد في التفاصيل وأخذ بزمام المبادرة، وقد أقره الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) على ذلك، وهذا ما ينبغي أن يكون من الجماهير، مع التنبيه : إلى أن الخطأ وارد، ودور القيادة هو التوجيه والتصحيح .
والموقف يدل على ..
• صدق الإيمان بالقضية والاستعداد للتضحية من أجلها .
• المرونة والتقدم في الفهم الشامل للأمور والمواقف السياسية .
• الأخذ بزمام المبادرة في المساهمة الجماهيرية في صناعة المواقف السياسية العامة، وملأ التفاصيل العملية أو الميدانية على ضوء الخطوط العريضة للمنهج أو الاستراتيجية المعلومة .
• أن السجن والتضييق لا يفت في عضد المؤمن الصادق في إيمانه ولا يدخل إلى قلبه اليأس والقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى، وإنما يزيده إيمانا واحتسابا وصلابة وقوة، ويغرس في نفسه روح التضحية والاصرار على قهر الظالمين وكسر شوكتهم وجبروتهم وإنهاء طغيانهم في الأرض .

السؤال ( 2 ) : لقد ضحى أهل البيت ( عليهم السلام ) بأرواحهم الطاهرة من أجل الإسلام الحنيف ومصالح المسلمين، ولكن أرى محبي أهل البيت ( عليهم السلام ) في اختلاف لا مبرر له، فما ردكم ؟
الجواب ( 2 ) : التضحية من أجل الدين ومصالح المسلمين من المآثر الأخلاقية والكمال الروحي وضده نقص، وتكليف المؤمنين هو الوحدة ورص الصفوف، وهذا يحتاج فيما يحتاج إلى ..
• توفر الصدق والاخلاص .
• وقيادة تمتلك الكفاءة العلمية والنفسية والإدارية .
وأسباب الاختلاف عديدة، منها :
• الأنانية والاستئثار .
• وسوء الإدارة والتصرف من القيادة، التي ينبغي عليها أن تأخذ بزمام الأمور وتحسن إدارة الاختلاف الطبيعي في الرأي .
وربما يكون لبعض المؤمنين عذر في الاختلاف والتفريط في الوحدة بسبب نقص الخبرة ( القصور ) الذي قد لا تكون له علاقة بسوء النية والاهمال ( التقصير ) ولكن لا عذر لهم في التنازع .
وقد يكون التكليف هو الاختلاف إذا توقف الاصلاح عليه، فقد اختلف الأئمة ( عليهم السلام ) مع غيرهم، واختلف الكثير من الفقهاء والصالحون مع غيرهم من أجل الإستقامة والإصلاح وتحقيق الأهداف الإسلامية والوطنية العليا، وذلك حين تتردى الأوضاع كثيرا، وتكون القيادة المتصدية والمنهج عاجزين عن تحقيق ذلك، ومثاله : الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) وحزب الله المظفر في لبنان .

السؤال ( 3 ) : لقد قلتم بأن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) يخرج بالسيف، فهل التمهيد له يكون من خلال المقامة السلمية أم من خلال الجهاد بالسيف، إذا علم أن الحاكم فاسد وظالم ؟
الجواب ( 3 ) : التمهيد لظهور القائم ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) هو تمهيد شامل، والممهدون الحقيقيون يخوضون معارك على كافة الأصعدة : الفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ويختلف الدور باختلاف الظروف والإمكانيات المتاحة .

السؤال ( 4 ) : نرى أن تحرك التيار بطيء، فهل نجحت السلطة في فرض الحصار ؟
الجواب ( 4 ) : نعم تحرك التيار بطيء، والسعي لمحاصرة تحرك التيار ليس من قبل السلطة فحسب، وإنما يشارك فيه أخوة مؤمنون باسم الدين والمصلحة الإسلامية وهو الأصعب والاخطر، إلا أن التمكن من المحاصرة الحقيقية غير ممكن مع توفر الصدق والاخلاص والصبر لدى العاملين في التيار ( قيادات ونخب وجماهير ) لقول الله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } ( الطلاق : 2 ) ولقد كان الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجتمع مع أصحابه سرا في دار الأرقم بن الارقم المخزومي في بداية الدعوة في مكة المكرمة، ثم حوصر هو وأصحابه فيها في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات، ومع الصدق والاخلاص والصبر انتصر هو وأصحابه، وأقام الدولة الإسلامية المباركة في المدينة المنورة، وفتحت له طرق الأرض، ونجح في اسقاط امبراطوريتي الفرس والروم الطاغويتين، وانتشرت رسالته في جميع بقاع الأرض، ولا تزال تتقدم وتقتحم القلاع الحصينة بقوة الحق وسلامة الأسلوب وشرعيته، حتى يظهر الله تعالى دينه على الدين كله، وتقام دولة العدل الإلهي العالمية على يد منقذ البشرية حفيده الإمام المهدي المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .

السؤال ( 5 ) : في ظل الوضع السياسي الحالي الخطير جدا وانقسام المعارضة على نفسها، واختلاف الرموز والنخب السياسية حول الأسلوب الأمثل للتعاطي مع النظام، ما هو دور الناس في الاصطفافات القائمة ؟
الجواب ( 5 ) : هناك منهجان يطرحان في الساحة ..
المنهج ( أ ) : يرى بأن عامة الناس لا يملكون النضج المعرفي، وبالتالي هم لا يملكون القدرة على الفهم والتمييز والاختيار، وعليه يدعوهم أصحاب هذا المنهج إلى االتسليم للرموز والقيادات والأخذ عنهم .
المنهج ( ب ) : يرى بأن الله جل جلاله قد كرم بني آدم وأسجد لهم ملائكته ودعاهم لتحمل مسؤولية التكليف في الأرض، فهم قادرون على الفهم والتمييز والاختيار، ولذلك هم محاسبون في يوم القيامة ويجزون جزاء موافقا لاختيارهم وأعمالهم .
ويرى أصحاب هذا المنهج :
• أن الإنسان من عامة الناس قادر على اختيار دينه من بين عدة أديان، واختيار مذهبه من بين عدة مذاهب، واختيار قيادته ومنهجه من بين عدة قيادات ومناهج، ولهذا خاطبهم الأنبياء والأوصياء والصالحون وحملوهم مسؤولية الاتباع وأنذروهم بالحساب والجزاء في يوم القيامة .
• أن المنهج الأول لا يتناسب مع كرامة الإنسان وتكليفه، ويسقط حجة الله على الناس، فمن بين كل دين ومذهب ومنهج علماء صالحون بحسب معاييره، فالقول بالتسليم للعلماء بدون نظر ولا تمحيص، مما يسقط حجة الله عز وجل على الخلق، ويؤدي إلى التردد والقلق لدى عامة الناس في ظل الاختلاف بدلا من الطمأنينة والسكينة، ويقطع الطريق على الاهتداء إلى الحق والعدل والفضيلة والإصلاح في الحياة .
والخلاصة : أن السبيل إلى الاطمئنان والسكينة والاهتداء إلى الحق، أن يتحمل عامة الناس مسؤوليتهم في اختيار القيادة والمنهج الذين يرون فيهما أنهما يعبران عن الدين الحق والطريق إلى الصلاح وإقامة العدل بين الناس، وبهذا المنهج تستقيم الحجية، وتتحقق مسؤولية التكليف، وتصان كرامة الإنسان .

السؤال ( 6 ) : أن الظروف السياسية التي عاشها الأئمة ( عليهم السلام ) تختلف من إمام إلى إمام ..
ألا تعتقد والحال هذه أن تحديد منهج معين في العمل السياسي من خلال سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) لتطبيقه في واقعنا الحالي هو أمر صعب مستصعب ؟
الجواب ( 6 ) الاقتداء بالرسول الاعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة الطاهرين من أهل البيت ( عليهم السلام ) حقيقة دينية ثابتة وصالحة لكل زمان ولكل مكان ولكل حالة، قول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } ( الاحزاب : 21 ) ومنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) منهج واحد وله مشتركات ثابتة ينبغي على المؤمنين اكتشافها من خلال الدراسة الموضوعية الشاملة لسيرتهم الطاهرة والعمل بها وتطبيقها، والاختلاف إنما هو في التكتيك نظرا لاختلاف الظروف الموضوعية، وهذا ما ينبغي تمييزه ليتحقق الاقتداء المطلوب : الصحيح والواعي، وبدون هذا الفهم تسقط حقيقة الاقتداء وحجية سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) التي هي جزء من السنة المطهرة، حيث تنقسم السنة إلى ثلاثة أقسام، وهي :
• القول .
• والفعل ( ومنه السيرة ) .
• والتقرير .

السؤال ( 7 ) : ما صحت القول بأن أغلب الأئمة ( عليهم السلام ) تعايشوا مع الأنظمة الظالمة ؟ .
الجواب ( 7 ) : الأئمة ( عليهم السلام ) لم يتعايشوا مع الأنظمة الظالمة، وكانوا معارضين لها، وحثوا الناس على المعارضة، ونهوا شيعتهم عن مشاركة الظالمين حتى ببرية قلم، قول الله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } ( هود : 113 ) .
وقد قضى جميع الأئمة ( عليه السلام ) شهداء على أيدي الحكام الظالمين، ولو كانوا متعايشين معهم لما احتاجوا إلى قتلهم وقتل شيعتهم ومحبيهم، ولقاموا بإكرامهم من أجل كسب الشرعية لأنفسهم .

السؤال ( 8 ) : ألا يتنافى وجود منهج مكتوب متكامل للأئمة ( عليهم السلام ) مع مبدأ الاقتداء والأسوة الحسنة، خصوصا إذا لم يطلع عليه المؤمنون ؟
الجواب ( 8 ) : لا يوجد تنافي بين القول بوجود منهج مكتوب متكامل للأئمة ( عليهم السلام ) مع مبدأ الاقتداء والأسوة الحسنة، فالرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نبي يوحى إليه ومسدد من الله جل حلاله، وأمر الله تعالى للمؤمنين أن يقتدوا به ثابت بنص القرآن الكريم، بل الوحي والتسديد من دواعي الاقتداء .

السؤال ( 9 ) : في ظل الاخفاق لخط المشاركة، وإصرارهم على سياسة الاقصاء ورفض النقد وشن الحملات ضد التيار الآخر، فما هو واجبكم أنتم ؟
الجواب ( 9 ) : يجب علينا احترام قناعاتهم المشروعة، والاعتراف بحقهم في الاختلاف، والرحمة بهم، وإسداء النصح إليهم، ولنا حق الاختلاف وإبداء الرأي، والعمل وأداء التكليف وتحمل مسؤوليتنا الوطنية بحسب قناعاتنا الخاصة المشروعة . ونرفض سياسة الاقصاء ونقاومها ونعتقد بقبحها وخطئها وأنها سياسة غير أخلاقية وغير إسلامية، ونعمل بتكليفنا في النقد والتصحيح والتطوير، ولن تأخذنا ـ إن شاء الله تعالى ـ في الله والحق والعدل لومة لائم، ونحرص على السعي للتكامل ورص الصفوف .

انتهت الأسئلة والإجابة عليها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.