فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 07-06-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 07 يونيو 2002 م

الخطبة الدينية : الرسول – مثال القيادة النموذجية

الخطبة السياسية : الانتخابات البرلمانية ( رأي معارض ) لما سبق الأستاذ الجميع بهذه الأطروحة ؟

( إخلاصي أولا وأخيرا لله – عز وجل – وإلى الحق ، وما يقربني إلى الله ، فإخلاصي ليس للرأي الذي طرحته ، فأنا أطرح هذا الرأي لأنني مقتنع فيه ، فإذا اتضح لي بعد ذلك ، أن هذا الرأي خاطئ ، فأنا أول من يبين خطأ هذا الرأي ، ويقف ضد هذا الرأي ، ويحارب هذا الرأي ، الذي هو رأيي ، لأنني أولا وأخيرا مخلص لله – عز وجل – ، وإلى ما يقربني إليه ، ولا أقف عند رأي من آرائي ، ولا أتعبد به إلا إذا كان صحيحا ، ويخدم المصلحة الإسلامية والوطنية ، وأني لا أجد أي صعوبة ، في التخلي عن رأي أو موقف سابق لي ، بل إنني –

والله شاهد على ما أقول – أناقش آراء الآخرين بنفس الآليات التي أناقش فيها آرائي ، وأحكم عليها بنفس المعايير ، فإما لها ، وإما عليها ، وأقف على الحياد بين رأيي ورأي الآخرين ، ولا أجد في نفسي صعوبة أن أتخلى عن رأي أو موقف سابق ، ولا أجد في نفسي صعوبة أن أقف على الحياد بين رأيي ورأي الآخرين ، من أجل الله ، ومن أجل الحقيقة والمصلحة الإسلامية والوطنية )
( النبي لا يستخدم الباطل والكذب ، ولا يستخدم أي وسيلة من الوسائل غير المشروعة في الدعوة إلى الله ، وما دام داعيا إلى الله ، فهو مزود بالحجج والبراهين الكافية في الدعوة إلى الله ، وتحريك الناس الأسوياء والعقلاء في طريق هذه الدعوة )
( الآراء المطروحة ، في الوقت الذي تعبر عن آرائي الشخصية ، وقناعاتي ، ففيها تجسيد وإبراز لآراء الشارع والجمهور ، وهذا مطلوب منا . فلنفترض أنني شخصيا لي قناعة أخرى ، وأنا أعرف رأي الجمهور ، ألا يجب علي أن أبرز هذا الرأي وأناقشه ، لكي يأخذه أصحاب القرار – سواء كان القرار الرسمي أو الشعبي – بعين الاعتبار )
( الرسول (ص) لا يقود الناس كالبهائم ، وإنما يقودهم كبشر عقلاء ، يملكون إرادة الاختيار ، فيخاطب عقولهم ، ويخاطب فطرتهم ، ويخاطب ضمائرهم ، ويحدد لهم الطريق السوي أو المستقيم الذي يجب أن يسلكوه في هذه الحياة ، والذي جعله الله لهم ، بوصفهم كائنات عاقلة تمتلك إرادة الاختيار ، وهذا ما يتناسب مع كرامة الإنسان ، ومع رسالة الأنبياء )
( المصلحة الوطنية تتطلب أن يبرز الرأي المعارض وقوته ، لتفهم الحكومة أن هناك رأيا معارضا ، ويمكن تفعيله بقرار ، حتى إذا ما اتخذ القرار بالمشاركة ، فإن هذا الرأي يبقى موجودا ، ويمكن تفعيله ، وبالتالي تحسب الحكومة لقراراتها ، وتضع في حساباتها رأي المعارضة ، بأنها موجودة وفاعلة ، ولا تحسب بأن الأمور تمر هكذا بغير رقيب ولا حسيب ، وهذا الأمر هو الذي يضع حدا للفساد ، فالحكومة إذا أعطت قراراتها ، ومارست إدارتها للبلاد بغير رقيب ولا حسيب ، فالأمر سينتهي للفساد ، أما إذا وجدت الرقيب ، والحسيب ، والمعارض ، فإن الأمر سيختلف )
( الآن وبعد أن تم طرح الرؤية السابقة في الحلقات الثلاث ، إذا جاءت مؤسسات ورموز التيار المحترمين ، ليتخذوا قرارهم ، وكان قرارهم مغايرا للرأي المطروح ، الذي تناقلته الأيدي والأفكار ، هل في وسعهم أن يتخذوا قرارا غير مسبب ، أي لا يوضح فيه السبب ؟!! ولا تطرح فيه رؤية أخرى ، غير الرؤية الأولى ؟!!. فمادام هناك رأي متداول بين الناس ، وله نسبة عظيمة تؤيده وتطالب بتفعيله إلى قرار، فيجب أن يطرح رأي آخر ، يناقش الرأي الأول ، ويتخذ القرار على أساس قوة الرأي الثاني )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( يا أيها النبي : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى بإذنه ، وسراجا منيرا * ) صدق الله العلي العظيم .

الحديث في هذه الآية مكرر ، لأني تحدثت فيها ، في جامع الإمام الصادق بالدراز ، في مولد النبي محمد (ص) ، وأعيد الحديث لأن الحضور غير الحضور .
الخطاب في الآيات الشريفة المباركة ، موجه إلى النبي (ص) ( يا أيها النبي ) ، إلا أن نتيجته وثمرته هي للمؤمنين . الآيات الشريفة المباركة تذكر خمس صفات للنبي محمد (ص) ، تبين فيها وظائف النبي محمد ، وفضله على المؤمنين أيضا .
الصفة الأولى : ( يا أيها النبي : إنا أرسلناك شاهدا ) الشاهد : هو الذي ينقل الخبر عن يقين ، وحضور ، ومعاينة ، ومشاهدة ، فلا يقول مثلا : سمعت عن كذا وكذا ، أو يقال كذا وكذا ، وإنما يقول : حضرت ، وعاينت ، وشهدت ، وسمعت ، فهو ينقل الخبر عن معاينة ، ومشاهدة وحضور ، وليس نقلا عن الآخرين .
وصف النبي بهذه الصفة ( شاهدا ) له أربعة معاني :
المعنى الأول – أن النبي (ص) شاهد لله على أمته : بأنه قد بلغ رسالة ربه إليهم ، وشاهد على تصديقهم أو تكذيبهم برسالة ربهم ، شاهد على هدايتهم أو ضلالهم ، وأيضا شاهد على أعمالهم وسائر أحوالهم ، والنبي (ص) يتحمل هذه الشهادة في الحياة الدنيا ، ليؤديها بين يدي الله يوم القيامة ، لتكون شاهدته هي الوثيقة التي تقوم بها الحجة لله على الناس . والشهادة ليست خاصة بالرسول (ص) ، وإنما هي للأئمة بعد الرسول أيضا ، قال تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) ، فالأنبياء السابقون شهداء على أممهم ، والنبي محمد (ص) شاهد على أمته ، والأئمة من بعده شهداء على الأمة ، قال تعالى : ( وقل اعملوا ، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .
والإنسان المؤمن ينبغي أن يفكر في أمرين ، وهو يستحضر أمر الشهادة ، شهادة النبي ، وشهادة الأئمة عليه يوم القيامة :
الأمر الأول : ما هي الشهادة التي يحب المؤمن ، أن يؤديها الرسول أو الإمام عنه يوم القيامة ؟ هل هي : الشهادة التي يفتخر ويعتز بها يوم القيامة ، فيرفع رأسه بين الأشهاد في ذلك اليوم العظيم ؟ أم هي الشهادة التي تمثل له خزيا وعارا بين الأشهاد في ذلك اليوم العظيم ؟ .
الأمر الثاني : ما الذي نريد أن ندخله في قلب النبي أو الإمام ؟ هل نريد ونحن في هذه الحياة الدنيا أن ندخل في قلب النبي أو الإمام – حينما يطلعون على أعمالنا – أن ندخل على قلوبهم السرور بأعمالنا وأحوالنا ، أو نريد أن ندخل على قلوبهم الطاهرة الألم والحزن ؟ ما الذي نريده ؟ النبي ، وهو رحمة للعالمين ، وقد تحمل من أجلنا العناء والتعب ، ما الذي يرضي ضمائرنا ؟ أن ندخل على قلبه السرور ؟ أم ندخل على قلبه الألم والحزن ؟!! ، والإمام ، صاحب العصر والزمان ، هذا الولي العظيم ، يطلع على أعمالنا وأحوالنا ، فما الذي نريد ونحب أن ندخله على قلب هذا الولي العظيم ؟ السرور أم الحزن والألم ؟ هل نرغب أن نكون سببا في حزن الإمام وألمه ؟ أم نرغب أن نكون سببا لسروره (ع) ؟ .
المعنى الثاني – أن يكون شاهدا على الأنبياء السابقين ، وشاهدا على الأئمة (ع) أيضا : قال تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) وقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فالرسول (ص) هو شهيد على الشهداء ، أي شهيد الشهداء ، وشهادة الرسول على الأنبياء السابقين ، والأئمة من بعده ، دليل على كمال عقله ، وكمال نفسه ( ص) ، ودليل على سلطانه الوجودي على الخلق أيضا ، أي أن لهذا النبي سلطة وجودية على الخلق .
المعنى الثالث – أن النبي شاهد على صدق نبوته ورسالته : كيف يكون النبي شاهدا على صدق نفسه ، وصدق رسالته ودينه ؟ يكون كذلك : لأن النبي (ص) يمثل الأنموذج الكامل للإنسان ، وكونه يمثل الأنموذج الكامل للنضج العقلي ، والنضج النفسي ، وأنه كما قال الله تعالى عنه : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ، وهذا ما عرف عنه ، وشهد له به ، وبالتالى ، فإنه بهذه الصفات ، وبهذا الكمال ، يكون دليلا على صدق رسالته ، لأنه منزه عن الكذب .
المعنى الرابع – أنه شاهد على عظمة الله وقدرته : فالشمس ، والنجوم ، وكل المخلوقات ، فيها دلالة على عظمة الله وقدرته ، وخلق الإنسان وبقية الكائنات فيها دلالة على عظمة الله وقدرته ، إضافة إلى كل ذلك : فالكمال المعنوي للإنسان دليل على عظمة الله وقدرته ، فالإنسان ليس مجرد كائن حي حيواني ، وإنما كائن له بعد معنوي ، وهذا البعد المعنوي ، قابل لأن يرتقي ، ويصل إلى درجة كبيرة من الكمال ، وقد مثل الرسول الأعظم (ص) النموذج الكامل لذلك الكمال المعنوي ، وبالتالي فالكمال المعنوي للرسول دليل على عظمة الله التي تتمثل في خلق هذا الإنسان ، القابل للارتقاء المعنوي العظيم ، ذو الأبعاد المختلفة ، وليس الإنسان في خلقته وتكوينه البيولوجي فحسب ، دليل على عظمته الله وقدرته ، والنبي محمد (ص) يمثل الأنموذج الكامل للإنسان ، وبالتالي فهذا الكمال هو من أقوى الأدلة على عظمة الله وقدرته ، حيث خلق هذا الإنسان ، وخلق فيه هذه الاستعدادات التي توصله للكمال .
الصفة الثانية : ( مبشرا ) مبشرا للمؤمنين والمطيعين بالجنة والثواب العظيم ، وبالمغفرة .. وبالرحمة .. وبالرضوان .. وبالسعادة الأبدية .
الصفة الثالثة : ( ونذيرا ) نذيرا للكافرين ، والمنافقين ، والعاصين بالنار ، والعذاب الأليم ، والشقاء ، والتعاسة في الدنيا والآخرة ، والخسران العظيم : خسارة رأس مال الوجود ، فالله – عز وجل – حينما خلق الإنسان ، زوده برصيد ضخم وهائل ، يستطيع من خلاله ، أن يصل إلى أعلى الدرجات في الجنة ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . النبي (ص) يحذر هذا الإنسان ، من التفريط في هذا الرصيد الهائل والضخم ، الذي يؤهله أن يتبوأ مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وبدلا من أن يكون هذا الإنسان ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) وإذا هو في ( أسفل السافلين ) في قعر جهنم ، أعاذنا الله وإياكم منها . فهل هناك خسارة أكبر من هذه الخسارة ؟!! وهل هناك رصيد أضخم وأهم من هذا الرصيد ؟ .
هذه الصفات الثلاث ( شاهدا ، ومبشرا ، ونذيرا ) تدلنا على فائدتين كبيرتين ومهمتين ، وهما :
الفائدة الأولى : بأن الله – جل جلاله – لم يخلق الإنسان عبثا ، وإنما خلقه لغاية ، قال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ، وأنكم إلينا لا ترجعون ) .. لا .. الإنسان خلق لغاية وهدف ، فقد خلقه الله ، وحمَّله أمانة العقل والتكليف ، ثم يبعثه يوم القيامة ، فيحاسبه ، فإما جنة ، وإما نار . كما تنبهنا هذه الآية إلى جانب ذلك ، إلى أن هناك أكثر من عامل تذكير ، فهناك شهادة الله ، وهناك شهادة الملكين الكريمين ، وهناك شهادة النبي والأئمة (ع) ، فهل نتعظ ؟!! ، وهل نتذكر ؟!! ، وهل نحاسب أنفسنا قبل أن نقدم على أي عمل ؟!! .
فالإنسان لم يخلق عبثا ، وإنما خلق لغاية ، وهذا جزء من كرامة الإنسان ، لأن الإنسان ليس كالحيوان ، حياته لا معنى لها ، يأكل ويشرب ، ثم يذبح ، ويأكل لحمه !! الأنسان أكثر من ذلك ، الإنسان يحمل أمانة ، ومسئول عن حمل هذه الأمانة ، ومحاسب عليها أيضا ، وقد جعل الله له أكثر من عامل تذكير وتنبيه ، لعله يتذكر وينتبه إلى نفسه .
الفائدة الثانية : أن هذه الآية تشير إلى غريزة مهمة في الإنسان ، وهي : أن الله – عز وجل – خلق الإنسان وفطره ، على جلب المنفعة لنفسه ، ودفع الضرر عنها ، وكل إنسان مفطور على هذه الغريزة ، ولا توجد منفعة أكبر من الجنة ، ولا يوجد ضرر أكبر من النار ، فالآية الشريفة تخاطب فطرة الإنسان من خلال هذه الغريزة ، وتحركها في نفسه ، وتقول له : أيها الإنسان ، أنت حريص على جلب المنفعة لنفسك ، ودفع الضرر عنها ، ولا منفعة أكبر من الجنة ، ولا ضرر أكبر من النار ، فهل تسمع ؟!! وهل تطيع ؟!! وهل تتعظ ؟!! .
الصفة الرابعة : ( وداعيا إلى الله بإذنه ) داعيا إلى الله ، لا إلى الدنيا ، ولا إلى مال ، ولا إلى جاه ، ولا إلى مجد ، ولا داعيا إلى شيطان ، ولا إلى طاغوت ، أو أي شيء آخر ، وإنما داعيا إلى الله ، وتوحيده ، وطاعته في كل شيء .
ومادام النبي داعيا إلى الله ، فهو داعية لله بالحق ، لأن الله هو الحق ، والدعوة إلى الحق لا تكون إلا بالحق ، فالنبي لا يستخدم الباطل والكذب ، ولا يستخدم أي وسيلة من الوسائل غير المشروعة في الدعوة إلى الله ، وما دام داعيا إلى الله ، فهو مزود بالحجج والبراهين الكافية في الدعوة إلى الله ، وتحريك الناس الأسوياء والعقلاء في طريق هذه الدعوة .
( وداعيا إلى الله بإذنه ) بإذنه : تدل على خمسة أمور :-
الأمر الأول : أنه مبعوث ورسول من الله عز وجل ، فبعثته ورسالته ليست تطوعا ولا تكليفا عاما ، كما هو تكليف المؤمنين بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله ، كما في قوله تعالى : ( ادعو إلى سبيل ربك ) فكل إنسان مؤمن – بحسب هذه الآية – مكلف بالدعوة إلى الله ، ولكن دعوة النبي تكليف خاص يساوي النبوة والبعثة ، ويكون فيها النبي مبعوثا ومرسلا من الله عز وجل .
الأمر الثاني : أن كل ما عند النبي (ص) هو من عند الله جل جلاله ، فهو : أعني النبي (ص) ، ليس بمبتدع ، ولم يأت بشيء من عنده ، بل كل ما عنده ، وما جاء به ، هو من عند الله جل جلاله ، قال تعالى : ( لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) .
الأمر الثالث : أن طاعته واجبة ، كما في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) وقوله تعالى : ( ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ) أي طاعة الرسول في كل شيء .
الأمر الرابع : أنها تدل على أن الرسول مسدد ومنصور أيضا من قبل الله ، كما في قوله تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) .
الأمر الخامس : أن رسالته باقية محفوظة ، وأنها تصل إلى كل من يطلبها في كل زمان ، كما في قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر ، وإنا له لحافظون ) ، وقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .
الصفة الخامسة : ( وسراجا منيرا ) السراج هو : الشمعة المضيئة ، سواء كانت تعمل بالزيت ، أو الكهرباء ، أو الذرة ، أو أي شيء آخر ، ووصف الرسول بهذا الوصف يدل على أن الرسول مزود بالأدلة والبراهين والحجج ، وفي ذلك إشارة إلى المعجزات التي جاء بها النبي محمد (ص) ، وفي مقدمتها القرآن ، وأن طاعة الرسول ، طاعة على نور وبصيرة ، وليست طاعة عمياء ، طاعة قائمة على الدليل والبرهان . فالرسول (ص) لا يقود الناس كالبهائم ، وإنما يقودهم كبشر عقلاء ، يملكون إرادة الاختيار ، فيخاطب عقولهم ، ويخاطب فطرتهم ، ويخاطب ضمائرهم ، ويحدد لهم الطريق السوي أو المستقيم الذي يجب أن يسلكوه في هذه الحياة ، والذي جعله الله لهم ، بوصفهم كائنات عاقلة تمتلك إرادة الاختيار ، وهذا ما يتناسب مع كرامة الإنسان ، ومع رسالة الأنبياء .
والآية القرآنية وصفت الرسول بأنه ( سراجا منيرا ) ، وأيضا وصفت الشمس بالسراج ، كما في قوله تعالى : ( وجعل القمر فيهن نورا ، وجعل الشمس سراجا ) ، فالقمر يستمد نوره من الشمس ، أما الشمس فنورها ينبعث من نفسها ، ووصف الرسول (ص) بهذا الوصف ، له أكثر من دلالة .
الدلالة الأولى : بأن الرسول الأعظم (ص) يهتدي مباشرة بهدي ربه ، وغيره من الناس يهتدون بهديه ، ومثلما أن الشمس ينبعث نورها من ذاتها ، فهدايته من الله ومن نفسه مباشرة ، والآخرون يهتدون بهديه (ص) .
الدلالة الثانية : أنه بذاته دليل على صدق نبوته ، وعلى أحقيته ، وذلك حينما نأخذ كمال الرسول بعين الاعتبار ، حيث يمثل الرسول – كما ذكرت – الأنموذج الكامل للإنسان .
الدلالة الثالثة : كما أن الشمس إذا أشرقت في أفق السماء الدنيا ، تضيء ما حولها ، كذلك إذا أشرقت شمس النبوة على نفس الإنسان ، أضاءت تلك النفس ، وتلك الروح ، لتصبح هذه النفس مهتدية ، ومبصرة ، ترى الحق من بعيد كما يقولون .
الدلالة الرابعة : أن هذه النفس ، التي تشرق في أفق سمائها شمس النبوة ، تكون مطمئنة ومستقرة ، لأن الإنسان عادة ما يشعر بالاطمئنان والإنس في النور ، ويشعر بالاضطراب والوحشة في الظلام ، فإذا دخل نور النبوة إلى نفس الإنسان ، يشعر بالاطمئنان والأنس ، وإذا كانت نفس الإنسان خالية من نور النبوة ، تشعر بالاضطراب والخوف والقلق والحرج ، وأيضا إذا خلا مجتمع من نور النبوة ، يكون هذا المجتمع عرضة للوحوش ، وعرضة لسرقة الشياطين والطواغيت ، لأن السراق يسرقون في الظلام ، ويستترون وراءه ، وليس بإمكانهم السرقة في النور ، كما أن الوحوش تهاجم فرائسها في الظلام أيضا .
الدلالة الخامسة : أن حركة الحياة كلها ، يجب أن تكون في ضوء شمس النبوة ، لكي تكون حركة سوية ، ورشيدة ، ومطمئنة ، كما هو حال حركة الحياة في ضوء أشعة الشمس .

بعد هذه الوقفة مع الآية ، آتي إلى الحديث عن الساحة المحلية .
الأحاديث الثلاثة السابقة لها امتداد ، وهي تمثل جوهر موضوع البحث ، وهناك أحاديث تكميلية متعلقة ببعض التساؤلات النظرية والعملية المتعلقة بالساحة ، وسوف أتحدث عنها بالتفصيل – إن شاء الله تعالى – في الأسابيع القادمة ، وفي هذا اليوم أجيب فقط على سؤال واحد ، حيث أن بعض الأخوة الأحبة يثيرونه بقوة ، وهو : لماذا سبق عبدالوهاب العلماء والرموز بهذه الأطروحات ، وهذا الرأي ؟ وتساءلوا أيضا : أليس من شأن هذا الرأي أن يخلق انقساما وارتباكا في الساحة وما شابه ذلك ؟ .
الجواب على هذا السؤال :
في تقديري ، إذا كان هذا السؤال صادر عن قناعة ، وليس مجرد إثارة ، فهو يدل على فهم خاطئ للوضع الصحي في المجتمع الإسلامي ، وذلك لعدة نقاط سأقوم بتوضيحها :
النقطة الأولى : أنني ذكرت ، أن الآراء المطروحة ، هي مجرد آراء مطروحة للمناقشة ، وليست قرارا ، وأن القرار متروك للأشخاص المعنيين المؤتمنين على القرار ، فالمطروح هو رأي ، والساحة محتاجة للآراء ، ولأكثر من رأي ، خاصة وأن المسائل الجوهرية محل اختلاف ، وتتعدد فيها الآراء غالبا ، لذا يجب أن تطرح جميع هذه الآراء بموضوعية ، وتناقش ، وتأخذ حقها في المناقشة ، لا أن تغيب ، وأن الأشخاص المؤتمنين على القرار ، يطلعون على هذه الآراء ، ويدرسونها ، ويقيمونها ، ثم يتخذون القرار المناسب ، فالقرار لا يتخذ استنادا إلى رأي ، وإنما إلى كل الآراء المطروحة ، لأن الحالة الصحية والطبيعية هي هذه ، والرأي المطروح ، لا يمنع الرأي المعارض ، فللآخرين أن يطرحوا آراءهم ، وهو المطلوب منهم . نعم .. مطلوب من كل ذي رأي أن يطرح رأيه ، لتناقش جميع الآراء ، والجمهور يستمع لجميع الآراء ، وأصحاب القرار يستمعون كذلك لجميع الآراء المطروحة ، وبعد ذلك يترك الأمر لأصحاب القرار لاتخاذ القرار المناسب .
النقطة الثانية : أنني شخصيا ملتزم بهذه الآراء كقناعات أؤمن بصحتها ، بعد قيام الدليل على صحتها ، ولكنني لا أقف عندها ، فإخلاصي أولا وأخيرا لله – عز وجل – وإلى الحق ، وما يقربني إلى الله ، فإخلاصي ليس للرأي الذي طرحته ، فأنا أطرح هذا الرأي لأنني مقتنع فيه ، فإذا اتضح لي بعد ذلك ، أن هذا الرأي خاطئ ، فأنا أول من يبين خطأ هذا الرأي ، ويقف ضد هذا الرأي ، ويحارب هذا الرأي ، الذي هو رأيي ، لأنني أولا وأخيرا مخلص لله – عز وجل – ، وإلى ما يقربني إليه ، ولا أقف عند رأي من آرائي ، ولا أتعبد به إلا إذا كان صحيحا ، ويخدم المصلحة الإسلامية والوطنية ، وأني لا أجد أي صعوبة ، في التخلي عن رأي أو موقف سابق لي ، بل إنني – والله شاهد على ما أقول – أناقش آراء الآخرين بنفس الآليات التي أناقش فيها آرائي ، وأحكم عليها بنفس المعايير ، فإما لها ، وإما عليها ، وأقف على الحياد بين رأيي ورأي الآخرين ، ولا أجد في نفسي صعوبة أن أتخلى عن رأي أو موقف سابق ، ولا أجد في نفسي صعوبة أن أقف على الحياد بين رأيي ورأي الآخرين ، من أجل الله ، ومن أجل الحقيقة والمصلحة الإسلامية والوطنية.
النقطة الثالثة : أن الآراء المطروحة ، في الوقت الذي تعبر عن آرائي الشخصية ، وقناعاتي ، ففيها تجسيد وإبراز لآراء الشارع والجمهور ، وهذا مطلوب منا . فلنفترض أنني شخصيا لي قناعة أخرى ، وأنا أعرف رأي الجمهور ، ألا يجب علي أن أبرز هذا الرأي وأناقشه ، لكي يأخذه أصحاب القرار – سواء كان القرار الرسمي أو الشعبي – بعين الاعتبار .
النقطة الرابعة : وهي مهمة ، لنفترض جدلا ، بأن مؤسسات ورموز التيار ، اتخذوا قرارا بالمشاركة ، فهل تعدُّ هذه الآراء مشكلة أم لا ؟ طبعا لا ، وذلك للأسباب التالية :
السبب الأول : كانت هناك حركة مطلبية ، وأهم مطلبين فيها ، تفعيل الدستور ، وإعادة الحياة البرلمانية ، ثم جاء ميثاق العمل الوطني ، بدعوى أنه سيحقق هذه المطالب ، وكان التصويت عليه لأن فيه تحقيق للمطالب الشعبية ، وكانت هناك التزامات وتعهدات أيضا ، وبعد ذلك حصل تراجع عن الميثاق والالتزمات ، وعبرنا عنه بالانقلاب على الدستور والميثاق والالتزمات ، وهنا يأتي السؤال : أذا كنا نريد اتخاذ قرار بالمشاركة ، فأين تكمن المصلحة الوطنية ؟ هل نتخذ القرار بالمشاركة ، وانتهى الأمر !! أم أن المصلحة الوطنية تتطلب أن يبرز الرأي المعارض وقوته ، لتفهم الحكومة أن هناك رأيا معارضا ، ويمكن تفعيله بقرار ، حتى إذا ما اتخذ القرار بالمشاركة ، فإن هذا الرأي يبقى موجودا ، ويمكن تفعيله ، وبالتالي تحسب الحكومة لقراراتها ، وتضع في حساباتها رأي المعارضة ، بأنها موجودة وفاعلة ، ولا تحسب بأن الأمور تمر هكذا بغير رقيب ولا حسيب ، وهذا الأمر هو الذي يضع حدا للفساد ، فالحكومة إذا أعطت قراراتها ، ومارست إدارتها للبلاد بغير رقيب ولا حسيب ، فالأمر سينتهي للفساد ، أما إذا وجدت الرقيب ، والحسيب ، والمعارض ، فإن الأمر سيختلف .
السبب الثاني : وهو متعلق بالتيار ، ونحن نسأل : أيهما أفضل للتيار ، وأيهما يبرز قوة التيار ، وهيبته ، وشموخه ، وأهليته ، وقيمته ، أن يبرز التيار برأي واحد ، وأن تسير الناس بدون تفكير وراء هذا الرأي ؟!! أم أن الذي يحفظ التيار ، وهيبته ، وقوته ، ووقاره ، وكفاءته ، أن تكون هناك آراء متعددة في التيار ، وأن لكل رأي وزن ، وأن هذه الآراء تؤخذ بعين الاعتبار ، في صناعة واتخاذ القرار ، وأن القرار يتخذ من بين كل تلك الآراء ، في حساب ، وموازنات موضوعية ، تخدم المصلحتين : الإسلامية والوطنية . فأيهما أفضل ؟! أن يبرز التيار برأي واحد ؟!! وهي حالة غير طبيعية ، ولا تكون إلا في قطيع الغنم ، أم بآراء متعددة ، يبرز من بينها القرار بآليات صحيحة ، تخدم المصلحة الإسلامية والوطنية ، وهذا ما يليق البشر الذين لديهم عقول ، ويملكون القدرة على التفكير والاختيار . فالذي يبرز هيبة وقوة وكفاءة التيار ، أن تتعد فيه الآراء ، وأن القرار يتخذ من بين كل هذه الآراء ، وأن كل رأي قابل للتفعيل بقرار .
السبب الثالث : الآن وبعد أن تم طرح الرؤية السابقة في الحلقات الثلاث ، إذا جاءت مؤسسات ورموز التيار المحترمين ، ليتخذوا قرارهم ، وكان قرارهم مغايرا للرأي المطروح ، الذي تناقلته الأيدي والأفكار ، هل في وسعهم أن يتخذوا قرارا غير مسبب ، أي لا يوضح فيه السبب ؟!! ولا تطرح فيه رؤية أخرى ، غير الرؤية الأولى ؟!!. فمادام هناك رأي متداول بين الناس ، وله نسبة عظيمة تؤيده وتطالب بتفعيله إلى قرار، فيجب أن يطرح رأي آخر ، يناقش الرأي الأول ، ويتخذ القرار على أساس قوة الرأي الثاني ، فإذا اتخذ القرار بناء على مناقشة الرأي الآخر ، فالسؤال : القرار هنا يكون سطحيا وبسيطا ، أم عميقا وناضجا ؟!! القرار العميق الناضح ، هل هو القرار البسيط الذي لا يعدو عن كونه قرارا ، أم هو القرار الذي يقوم على مناقشة مختلف الآراء ؟ فالقرار البسيط الذي لا يقوم على مناقشة مختلف الآراء ، يكون قرارا سطحيا ، وغير ناضج ، وبالتالي فطرح الرأي الآخر يلزم المؤسسات والرموز المحترمين ، على اتخاذ قرار مسبب يبينون فيه سبب اتخاذ هذا القرار ، وهذا يعطي القرار قوة ونضجا وعمقا ، ويقنع كل الجماهير ، وكل النخب ، وهذا القرار المسبب يكون سببا للوعي في الأمة ، فالذي يعطي الوعي للجماهير ، ويجعلها ذات كفاءة عالية ، وقادرة على تحمل المسئولية ، هل هو الرأي الواحد ، والقرار البسيط ، أم الآراء المتعددة ، والقرار المركب ، القائم على مناقشة عدة رؤى ؟! وأيهما الذي يتناسب مع النهج القرآني ، وسيرة الأنبياء والأئمة (ع) في تربية الأمة ، هل هو الرأي الواحد ، والقرار البسيط ، أم تعدد الآراء ، والقرار القائم عليها ؟!!
السبب الرابع : نفترض جدلا ، أن عبدالوهاب لم يطرح رأيه في هذه الفترة ، ثم سبقه العلماء والرموز الكبيرة المحترمة ، فأعطوا رأيا ، أو اتخذوا قرارا ، ففي هذه الحالة ، هل يكون في وسع عبدالوهاب أو غيره أن يطرحوا رأيهم المخالف ؟!! وهل الناس ستتفهم ذلك ؟!! إذا لم تتفهم الناس لحد الآن أن عبدالوهاب يطرح رأيا في الوقت الحاضر ، ثم يأتي الرموز بسهولة وبساطة ، ويعطون رأيا مخالفا لرأي عبدالوهاب ، على قاعدة تعدد الآراء ووحدة القرار ، التي طرحناها قبل قليل ، وفي خطب سابقة ، فهل تتفهم أن يسبقه الرموز العلمائية الكبيرة ، والمؤسسات ذات الشأن . إنه لن يتفهموا ذلك ، وبالتالي سوف تكون هناك مشكلة ، ولن يكون إلا رأي واحد ، وقرار بسيط يستند إلى الرأي المتفرد بالساحة ، ولن يكون ذلك في خدمة المصلحة الوطنية ، وتنمية الوعي الجماهيري ، المطلوب إسلاميا ووطنيا . سوف يفهم الرأي فهما خاطئا ، تماما كما حصل في البلديات ، ففي مسألة البلديات ، لما أن اتخذ قرار بالمشاركة ، أصبحت الناس لا تتفهم أن يكون هناك رأي آخر ، وأصبحت الساحة في وضع شاذ غير صحي ، ولا يخدم المصلحة الإسلامية والوطنية ، وقد نتجت عنه نتائج سلبية خطيرة ، يعرفها الجميع . فالرأي الواحد شيء خاطئ ، ولكن الجانب الموضوعي يتطلب منا المراعاة ، فلما أن اتخذ القرار في الانتخابات البلدية بصورة معينة ، كان طرح الرأي الآخر يسبب مشكلة ، لعدم وجود حالة وعي كافية تتفهم تعدد الآراء ، والآن الرأي الآخر طرح ، ويستطيع العلماء والرموز ، وتستطيع المؤسسات أن تناقش هذا الرأي ، ثم نكون – إن شاء الله – ملتزمين بالقرار الناضج المبني على آليات وأسس صحيحة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 24 ربيع الأول 1423 هـ الموافق 7 / 6 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.