فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 31-05-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 31 مايو 2002 م

الخطبة الدينية : لم تكن هناك خطبة دينية
الخطبة السياسية : الانتخابات البرلمانية ( رأي معارض ) – وقفة مع الآراء الداعية للدخول

( إن وفاءنا لدماء شهدائنا ، وتضحيات إخواننا الذين عذبوا ، وإخواننا الذين هجروا وشردوا ، أفضل لدينا من التقاط الأنفاس . وإن الذين ذاقوا حلاوة التضحية والإخلاص ، وألام المعاناة ، لا يقبلون الوقوف في منتصف الطريق ، وأن هذا ليس بطرحهم ، وإنما هو طرح أناس مخمليين ، تعودوا الراحة ، وجني ثمار تعب الآخرين ، لا يعرفون قيمة الزرع والعمل ، ولا يتمتعون بذوق الثمر ، إنهم يأكلون من أجل الأكل .. أقول هذا من أجل الحقيقة لا غير )

( لا يشك اثنان ، والملك من بينهم ، بأن شعبية عظمة الملك ، قد تراجعت كثيرا ، بعد الانقلاب على الدستور ، وميثاق العمل الوطني ، عما كانت عليه مع بدء الحركة الإصلاحية ، وأن هذا التراجع في شعبية عظمة الملك ، بين جميع فئات وطبقات الشعب العظيم ، وليس بين فئة أو طبقة بعينها ، وهذا أمر واقعي ، إذ أن الثقة ، ليست توقيعا على بياض ، وإنما توقيع على سلوك ، وإنجازات ، وأفعال )
( في تقديري : فإن القيادة السياسية ، سوف تلجأ مضطرة لتأجيل موعد الانتخابات ، إذا اتخذ التيار الإسلامي الشيعي قرارا حاسما بالمقاطعة ، ولن تدخل السلطة في مجازفة غير محسوبة ، تخالف فيها معايير العمل الدبلوماسي ، بإجراء الانتخابات ، مهما تصاعدت لديها درجة اللا مبالاة ، فإن ذلك : يمثل لها ولسياستها ، فشلا ذريعا ، لا طاقة لها به )
( التيار لن يكون وحده في ساحة المعارضة ، فإن عددا من الرموز المستقلين ، من مختلف ألوان الطيف السياسي ، قد حزموا أمرهم على المعارضة ، والمطالبة بالحقوق الدستورية المشروعة ، وسوف يقفون إلى صف الشعب في مطالبه المشروعة ، ولن يقبلوا العودة للوراء )
( أحسب أن السلطة في قراءة خاطئة للساحة : استبعدت من حسابها خيار المقاطعة ، وذلك لتفرق كلمة المعارضة ، وعدم حزمها في الأمور ، كما تفيد التجارب السابقة بذلك ، غير أن الواقع اليوم ، يقول غير ذلك ، فالشارع العام يتجه نحو المقاطعة وبشدة ، والرموز يدركون تماما : صعوبة إقناع الشارع ، وتغيير توجهه ، ويدركون في نفس الوقت : خطورة اتخاذ قرار المشاركة ، بدون رغبة الشارع ، وخلاف توجهه وإرادته . وهذا الواقع ، يمثل صدمة عنيفة للسلطة ، والقيادة السياسية ، ويحشرها في زاوية ضيقة حرجة ، وهي التي تتحمل مسئولية ذلك ، لأنها لم تترك فرصة للحوار ، وأرادت أن تفرض الأمر الواقع من فوق ، ولكن وعي الشارع ، وإرادته غيَّر المعادلة ، وانقلب السحر على الساحر )
( ليست لدينا عقدة أو مشكلة مع ذات المشاركة في الحياة البرلمانية ، وإنما العقدة حول جدوى أو قيمة المشاركة ، في حياة برلمانية صورية ، طرحت لتجميل صورة النظام ، لا لتكرس حق السيادة الشعبية ، مصدر السلطات جميعا )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق ، وتواصوا بالصبر * ) صدق الله العلي العظيم .

أيها الأحبة : يعز علي جدا ، أن أتنازل في هذا الأسبوع ، عن الحديث الديني ، لحساب الحديث السياسي ، رغم إيماني العميق ، وخياري الأوحد ، بأن الدين هو محور تحركنا السياسي ، وغير السياسي ، في ميادين الحياة المختلفة ، ورغم إيماني بأهمية الثقافة الدينية ، ولا سيما الثقافة القرآنية ، في تهذيب سلوكنا ، وإضاءة مسيرتنا الإسلامية والوطنية ، وذلك التنازل ، جاء من أجل استكمال التصور ، عن أطروحة المقاطعة للانتخابات البرلمانية القادمة ، ليكون التصور ، بين يدي المواطنين ، والمهتمين ، وصناع القرار ، في أقصر وقت ، لاسيما وأني اتخذت القرار بعرض التصور ، من خلال خطاب يوم الجمعة ، ليكون اليوم ، والحاضر الغائب في هذا اليوم ، وسائر الحضور ، شهداء علينا ، في الصدق والأمانة ، في الأداء والاستماع ، فإنه لا مكان للخيانة فوق هذا المنبر الشريف المبارك .
وسوف يكون الحديث في هذا الأسبوع ، امتدادا أو استمرارا للحديث في الأسبوعين الماضيين ، وفي هذا الأسبوع ، سوف أقدم عرضا وافيا ، في صيغة واضحة ، لخمسة آراء ، هي أهم الآراء المطروحة ، الداعية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة ، وذلك حسب اطلاعي ، وفهمي ، وتقديري . وسوف أعرض الرأي كاملا ، بأمانة ووضوح ، ثم أناقشه بموضوعية – إن شاء الله تعالى – . وبالطبع لا يوجد – فيما هو مطروح – على الساحة ، صياغة كاملة للآراء ، كما هو مطروح في هذه الورقة ، فقد قمت بتجميع شتات ما يطرح ، ويقال ، ثم قمت بصياغته – حسب اجتهادي – في الصياغة التي ستعرض عليكم بعد قليل ، وذلك من أجل إعطاء فرصة أفضل للوضوح ، وزخم أقوى للمناقشة ، لكي نخرج بالنتيجة الأفضل ، لخدمة مصالحنا الوطنية ، التي نسأل الله جل جلاله ، أن يجعلنا أمناء عليها ، أوفياء لها ، إنه غفور رحيم . وأملي أن لا تمثل الآراء المطروحة في هذا الأسبوع ، والأسبوعين الماضيين ، والأسابيع القادمة ، ضغطا على أحد ، ولا مصادرة لأي رأي آخر ، وأن تعدوُّها مجرد آراء مطروحة للنقاش ، وليست قرارا ، فالقرار بيد أصحابه المؤتمنين عليه ، ولم يعطوا قرارهم بعد ، ونحن نتظره ، وسوف أعتني بتوضيح إشكاليات هذا الموضوع في الأسابيع القادمة إن شاء الله .

ولنبدأ بعرض الآراء ومناقشتها .

الرأي الأول : يدعونا أصحاب هذا الرأي للقبول بالأمر الواقع ، وذلك لثلاثة أسباب ، وهي :
السبب الأول : أن هذا هو الموجود في البحرين في الوقت الراهن ، فالدستور الجديد قد صدر ، وأن الانتخابات ستجري ، شئنا أم أبينا !! ، ولن يغير الملك الدستور بمرسوم قبل الانتخابات ، وأن الشاطر هو الذي يستفيد مما هو موجود ، لا الذي يعود للوراء ، ويبكي على اللبن المسكوب ، ويدعونا أصحاب هذا الرأي للاستفادة من تجارب الإسلاميين في الأردن والمغرب ، الذين قاطعوا ثم عادوا وشاركوا في الانتخابات . ويقدر أصحاب هذا الرأي : بأننا إذا لم ندخل الآن ، فسوف يدخل غيرنا ، فالمقاطعة الجماعية غير ممكنة ، فقد حزم غيرنا فعلا أحزمتهم للدخول ، وبقينا نحن متأخرين ، نبكي على الأطلال واللبن المسكوب . ويرى أصحاب هذا الرأي : بأن المقاطعة من تيار واحد تضر ولا تنفع ، وأننا لسنا على رأي واحد ، وسوف نضطر للدخول متأخرين بعد 4 أو 8 سنوات ، كما فعل الإسلاميون في الأردن والمغرب . ويتساءل أصحاب هذا الرأي : لماذا لا ندخل الآن ، بدلا من تضييع الفرصة والدخول متأخرين ؟!! .
مناقشة الرأي الأول – السبب الأول : وتقع المناقشة في عدة نقاط ، وهي كالتالي :

النقطة الأولى – التعليق على القبول بالأمر الواقع :

في البداية ، أعلق على القبول بالأمر الواقع ، أو الخضوع لسياسة فرض الأمر الواقع من فوق ، التي تتبعها الكثير من الحكومات مع شعوبها . والسياسة المذكورة ، ليست حصرا على الحكومات ، فهي واسعة الانتشار في تعامل الأطراف المتصارعة مع بعضها . وقد بينت في الأسبوع قبل الماضي : بأن قبول الشعوب ، أو خضوعها لسياسة فرض الأمر الواقع من فوق ، الذي تتبعه الكثير من الحكومات مع شعوبها ، يؤدي دائما ، إلى فساد الأنظمة ، وتخلف الدولة والمجتمع ، فالقاعدة العقلائية ، التي أقرها الدين ، تقول : بمواجهة الانحراف والظلم ، وعدم الإقرار به ، فإن الإقرار به ينتهي إلى الفساد الشامل لنظام الحياة ، وتخلف الدولة والمجتمع . قال رسول الله (ص) : من رأى منكم منكرا ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع ، فبلسانه ، فإن لم يستطع ، فبقلبه ، وهو أضعف الإيمان . فالقاعدة إذن : هي الرفض للمنكر ومقاومته ، وعدم القبول به ، بأي حال من الأحول ، وتحت أي ظرف ، فأضعف الإيمان هو أن ترفضه بقلبك ، لا أن تعطيه الشرعية ، وتسمح له بالدخول إلى الساحة من أوسع أبوابها ، وأشرفها . وقد أوضحت الأحاديث ، كيف يؤدي السكوت عن المنكر إلى الفساد الشامل لنظام المجتمع والدولة . وفي القرآن الكريم قوله تعالى : ( لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) فالآية تقرر نفس القاعدة بوضوح تام . وقد كشفت القضية الفلسطينية ، بإجماع الشعوب ، عن عمق الفساد في الأنظمة العربية على اختلاف صورها وألوانها ، وعن العجز الكامل لدى هذه الأنظمة ، عن فعل أي شيء ذا قيمة ، في خدمة القضية الفلسطينية ، وعن نقص السيادة لدى هذه الأنظمة في سياساتها الداخلية والخارجية ، وليس هذا موضوع حديثنا ، وإنما أردت أن أقول : بأن الشعوب تتحمل مسئولية ذلك كله ، لأنها تقبل دائما ، وتخضع لسياسة فرض الأمر الواقع ، التي تتبعها الحكومات مع الشعوب ، ولا ترفض ، حتى انتهى الأمر ، إلى هذا المستوى المشين ، من الفساد ، والعجز ، ونقص السيادة. ولو كانت ترفض ، وتعارض ، لما انتهى الأمر إلى هذا المستوى المشين ، الذي يندى له الجبين . وصدق الرسول الأعظم (ص) حيث قال : ” كيفما تكونوا يولَّ عليكم ” .
والخلاصة : يجب علينا رفض سياسة فرض الأمر الواقع من فوق ، من الحكومات على الشعوب ، ومقاومتها بكل حيلة ، حتى نضع حدا للفساد ، ولا نسمح له بالرسوخ والتطور ، من أجل كرامة الإنسان ، ورقيه ، ومن أجل تطور الدولة والمجتمع .
النقطة الثانية : نعم لقد صدر دستور المنحة الجديد ، بتاريخ : 14 / فبراير / 2002م ، وحشر الشارع البحريني والمعارضة ، في زاوية ضيقة حرجة ، حينما أعلن عن موعد الانتخابات البلدية ، بتاريخ : 9 / مايو / 2002م ، وموعد آخر : للانتخابات البرلمانية ، بتاريخ : 24 / أكتوبر / 2002م ، فإنه مع إعلان هذه المواعيد لم يتح للشعب والمعارضة ، فرصة الاعتراض ، لأنه لا وقت للتغيير ، الذي يهدف له الاعتراض ، فالشعب ، والمعارضة أمام خيارين ، أحلاهما مر : إما القبول بالأمر الواقع ، ودخول الانتخابات ، رغم كل الانتقاص من الحقوق الدستورية ، وإما الرفض والمعارضة . وأحسب أن السلطة في قراءة خاطئة للساحة : استبعدت من حسابها خيار المقاطعة ، وذلك لتفرق كلمة المعارضة ، وعدم حزمها في الأمور ، كما تفيد التجارب السابقة بذلك ، غير أن الواقع اليوم ، يقول غير ذلك ، فالشارع العام يتجه نحو المقاطعة وبشدة ، والرموز يدركون تماما : صعوبة إقناع الشارع ، وتغيير توجهه ، ويدركون في نفس الوقت : خطورة اتخاذ قرار المشاركة ، بدون رغبة الشارع ، وخلاف توجهه وإرادته . وهذا الواقع ، يمثل صدمة عنيفة للسلطة ، والقيادة السياسية ، ويحشرها في زاوية ضيقة حرجة ، وهي التي تتحمل مسئولية ذلك ، لأنها لم تترك فرصة للحوار ، وأرادت أن تفرض الأمر الواقع من فوق ، ولكن وعي الشارع ، وإرادته غيَّر المعادلة ، وانقلب السحر على الساحر . وفي تقديري : فإن القيادة السياسية ، سوف تلجأ مضطرة لتأجيل موعد الانتخابات ، إذا اتخذ التيار الإسلامي الشيعي قرارا حاسما بالمقاطعة ، ولن تدخل السلطة في مجازفة غير محسوبة ، تخالف فيها معايير العمل الدبلوماسي ، بإجراء الانتخابات ، مهما تصاعدت لديها درجة اللا مبالاة ، فإن ذلك : يمثل لها ولسياستها ، فشلا ذريعا ، لا طاقة لها به . إذن وعي وإرادة الشارع ، قد حشر السلطة في زاوية ضيقة ، بدلا من أن تحشره هي في ذلك .
النقطة الثالثة : إن الأصل في العمل السياسي الوطني المخلص ، ليس تقاسم الغنائم ، حيث يحرص كل طرف على أن يكون نصيبه الأوفر ، من الغنائم الجائفة ، وإنما الأصل هو : الالتزام بالموقف الذي يخدم المصلحة الوطنية ، بل الأعم من ذلك ، أعنى الالتزام بالموقف الذي يخدم المصلحة القومية والإسلامية ، وأعتقد : بأن تزاحم الأطراف السياسية ، على اقتسام الغنائم الجائفة ، هو : من أصول انتشار الفساد في أنظمتنا ، ومن أصول تخلفها أيضا .
النقطة الرابعة : إذا كنا واثقين من صدق وصحة مواقفنا ، فإن التجارب الأخرى السلبية ، التي لا تمتلك إرادة التغيير الصلبة ، ذات النفس الطويل ، أو التي لا تمتلك رؤية واضحة لمواقفها ، فإن تلك التجارب لا تمثل لنا قدوة ، وليست علينا بحجة ، مع تأكيدنا : بأنه ليست لدينا عقدة أو مشكلة مع ذات المشاركة في الحياة البرلمانية ، وإنما العقدة حول جدوى أو قيمة المشاركة ، في حياة برلمانية صورية ، طرحت لتجميل صورة النظام ، لا لتكرس حق السيادة الشعبية ، مصدر السلطات جميعا ، فالدستور الجديد ، انتقص أهم شرطين للحياة النيابية ، وهما : الانتخاب ، وممارسة التشريع والرقابة على التنفيذ ، حتى أصبح في تقديرنا : بأن المشاركة مضرة لهذا الجيل ، والأجيال القادمة ، كما أوضحناه في الأسبوع قبل الماضي ، وليس مجرد مشاركة ذات جدوى أو قيمة منخفضة ، نتسامح في شأنها بانتظار الأفضل في المستقبل .
النقطة الخامسة : لقد أثبت التيار من خلال تجربة الانتفاضة ، أنه قادر على تحمل المسئولية ، وأنه صاحب الدور الحاسم ، ولازال كذلك ، وأن مشاكله الداخلية ، وإن أضرت به ، إلا أنها لم تغير من هذه الحقيقة ، وسوف يكون مستقبل التيار أفضل ، وأقدر ، فإن الإرادة ناشطة لدى أبنائه المخلصين جميعا ، على بنائه ، وتطويره ، على أسس علمية رصينة ، وسوف ينالون بتوفيق الله ما يريدون ، فإنهم ينشدون الخير ورضا الخالق جل جلاله . ومن جهة ثانية ، وللعلم ، فإن التيار لن يكون وحده في ساحة المعارضة ، فإن عددا من الرموز المستقلين ، من مختلف ألوان الطيف السياسي ، قد حزموا أمرهم على المعارضة ، والمطالبة بالحقوق الدستورية المشروعة ، وسوف يقفون إلى صف الشعب في مطالبه المشروعة ، ولن يقبلوا العودة للوراء .

السبب الثاني – يرى أصحاب هذا الرأي : أن الوضع في ظل المجلس الوطني ، أفضل من الوضع في ظل قانون أمن الدولة ، أو في ظل لا شيء . ويرى أصحاب هذا الرأي أيضا : بأننا في البحرين ، لا نستطيع إلا أن نكون جزءا من منظومة دول المنطقة والدول القريبة ، وأن العالم اليوم قد تغير ، ولم يعد العالم اليوم كما كان قبل الحادي عشر من سبتمبر.
مناقشة الرأي الأول – السبب الثاني : وتقع في عدة نقاط :
النقطة الأولى : نعم .. لا شك ، أن الوضع الراهن ، والوضع في ظل المجلس الوطني ، سيكون أفضل من الوضع الذي كان في ظل قانون أمن الدولة ، أو الذي سيكون في ظل لا شيء ، والدليل على ذلك : حديثي هذا معكم .
ولكن هذا لا يعني القبول أو القناعة بما هو موجود ، وعدم المطالبة بما هو مطلوب وإن كان يمثل الحد الأدنى . إن الوضع الذي كان في ظل قانون أمن الدولة ، كان خاطئا ، ولا يصح أن يكون معيارا في العمل الوطني ، أو معيارا في المطالبة بالحقوق . ولنا في البحرين مرجعية متوافق عليها بين الحكومة والشعب ، وهو دستور 73 ، الذي يمثل عقدا بين الطرفين ، لا يجوز نقضه من طرف واحد ، وأن نقض هذا الدستور من أي طرف ، يعني التصدع في القاعدة التي تقوم عليها الدولة ، وقد نقضته الحكومة من طرف واحد ، مما أدخل البلاد في أزمتين حقيقيتين : دستورية وسياسية ، ودستور 73 يلبي طموحات الشعب المشروعة ، ويفتح أمامه الطريق للتقدم والرقي ، بينما الدستور الجديد ، ينتقص حقه الشرعي في السيادة ، كما أوضحت قبل قليل ، وفي الأسبوع الماضي ، ويغلق أمامه فرص التغيير والتطور . إن الوضع الراهن ، والوضع في ظل المجلس الوطني ، وإن كان أفضل من الوضع في ظل قانون أمن الدولة ، إلا أنه لا يمكن القبول به ، وذلك للأسباب التالية:
1. أنه غير دستوري ، والقبول به يعني : القبول بالتلاعب بالقاعدة الأساسية التي تقوم عليها الدولة والمجتمع ، مما يهدد أمنهما واستقرارهما .
2. أنه أقل من دستور 73 ، وينتقص حق الشعب في السيادة بصورة فاضحة ، ويقضي على فرص التغيير المشروع ، والتطوير في نظام الدولة ، والأصل أن نتقدم للأمام ، لا أن نتراجع للخلف.
3. أن القبول به ، يعني الخضوع لسياسة فرض الأمر الواقع ، وقد أوضحت سلبيات ذلك ، وخطورته على المجتمع والدولة .
النقطة الثانية : إننا تقدمنا بالعريضة النخبوية في عام 92م ، وبالعريضة الشعبية في عام 94م ، وكنا ندرك تأثير هذه المقولة وخطئها ، وكانت الحياة البرلمانية في الكويت دليل خطأ المقولة ، وتقدمنا في مشروعنا النهضوي الديمقراطي ، وقد دعمت دول مجلس التعاون حكومة البحرين ، في قمعها للحركة المطلبية ، تحت عنوان مقاومة الإرهاب ، ولم يدم الحال ، فقد انكشفت الحقيقة ، وأدرك الجميع ، بأن لا مخرج للبحرين من أزمتها ، إلا باستجابة الحكومة لمطالب شعبها المشروعة والواقعية ، وأدرك الجميع خصوصية البحرين ، وشجعت حكومات المنطقة ، حكومة البحرين ، على الاستجابة لمطالب شعبها ، وإنهاء أزمتها ، وأدرك الجميع أن شعب البحرين يستحق ما يطالب به ، ومؤهل لتحمل مسئولية السيادة ، وإدارتها باقتدار . مع التأكيد هنا على ضرورة احترام خصوصيات كل دولة ، وأن التضامن بين دول المنطقة مشروع ، إلا أنه يجب أن يدفع بدول المنطقة للأمام ، لا أن يجمد حركتها ، أو يدفع بها إلى الوراء .
النقطة الثالثة : أنني ، وإن كنت أعتقد بأن العالم تغير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وأرى خطورة الوضع ، وانعكاساته السلبية على الساحة الوطنية ، والقومية ، والإسلامية ، وقد بينت بعض جوانب هذا في أحاديث سابقة ، إلا أنني أرى ، بأن التجربة ، قد أثبتت حتى الآن ، محدودية التأثير ، وأنه ليس من شأنه إعاقة مسيرتنا الوطنية ، أو حركتنا المطلبية المشروعة . أضف إلى ذلك : بأن الحركات الوطنية والإسلامية ، في العالمين العربي والإسلامي ، لم تخضع لهذا التحدي ، وقررت مقاومته ، والقضاء على تأثيراته وانعكاساته السلبية على الساحتين العربية والإسلامية ، وأن روح المقاومة تزداد كل يوم ، ولقيت القبول والتأييد من الرموز الشعبية : الإسلامية والوطنية ، ونحن جزء من الأمة ، ويجب أن نقف معها متضامنين ، هذا .. ومن أوجه نقدنا للسياسة الخارجية للدول العربية والإسلامية ، عدم تضامنها ، وتقديمها للمصالح المحلية أو الوطنية التجزيئية ، على المصالح القومية والإسلامية الشاملة ، مما أدى بها إلى الفشل الذريع ، ونقص السيادة الوطنية .

السبب الثالث – يرى أصحاب هذا الرأي : أن البديل غير موجود ، فهل البديل : هو المواجهة مع الحكومة مرة أخرى ؟! ، أو أن البديل هو الانتظار 27 سنة أخرى ؟! ويقدر أصحاب هذا الرأي : بأن الخيار الأفضل هو القبول بالأمر الواقع ، وأنه كفاية بهدلة وتضحيات !! وقد آن الآوان : لينعم الجميع بالراحة والاستقرار ، في ظل ما هو موجود !! وأنه لا طاقة للتيار على المواجهة والبهدلة من جديد ، لاسيما بعد تغير العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر !! .

مناقشة الرأي الأول – السبب الثالث :

إن الخضوع لسياسة الأمر الواقع ، الذي تفرضه الحكومة ، من فوق على الشعب ، ليس هو الخيار الأفضل ، بل هو الأسوء على الإطلاق ، لأنه يؤدي إلى الفساد الشامل لنظام الحياة ، كما ألمحت ووضحت قبل أسبوعين ، وقبل قليل ، وأن البديل موجود ، وهو المعارضة السلمية ، التي توظف الآليات ، والوسائل ، والأساليب السلمية بفاعلية كبيرة لتحقيق أهدافها ، ومطالبها المشروعة والواقعية ، وقد حددت في الأسبوع قبل الماضي ، بعدين للمعارضة ، أرجو الرجوع للطلاع عليهما ، وأرى بأن وضع برامج العمل للمعارضة السلمية ، ليس بالأمر الصعب ، بل هو أسهل من وضع برامج العمل للمشاركة في البرلمان ، فإذا اتخذ قرار المقاطعة ، فسوف نكون جاهزين لوضع البرامج – إن شاء الله تعالى – . وأرى بأن وضع الشعب بين خيارين ، هما : إما القبول بالأمر الواقع ، وإن كان أقل من الطموح ، وإن كان ينتقص حقوقنا المشروعة الأساسية في السيادة ، وإما المواجهة والعنف ، هو مغالطة مفضوحة لا طائل منها . فخيار المقاطعة السلمية قائم ، وهو الأقوى ، والأفضل لتحقيق أهدافنا ، ومطالبنا المشروعة والواقعية ، والأجدر بحضارة شعبنا المسلم المسالم ، وقد أشرت إلى ذلك في التعليق على الدستور الجديد ، في اليوم الأول من صدوره ، في صالة النادي الأهلي ، لاحتواء غضب شعبنا المسلم الأبي الغيور . وأرى : بأن الحكومة لا تمتلك المبرر ، لقمع المعارضة ، والحركة المطلبية السلمية ، وتملك المبررات لقمعها إذا لجأت إلى العنف ، وعليه ، فإن المصلحة تكمن في التزام شعبنا والمعارضة ، بالأساليب والآليات السلمية ، في المعارضة والحركة المطلبية ، وعدم الانجرار للعنف ، وأرى : بأن شعبنا يملك الوعي الكافي ، والإرادة الصلبة ، ولن ينجر إلى العنف في حركته المطلبية ، وسوف يبدع في اختيار الأساليب ، والوسائل ، والآليات السلمية ، لتحقيق أهدافه ومطالبه المشروعة . إنني أؤكد هنا على ضرورة المشاركة الشعبية في المعارضة والحركة المطلبية ، فالجمهور هو الرقم الأصعب في المعادلة السياسية ، والذي من شأنه أن يوجد الكتلة الحرجة ، التي لا تتوقف دون تحقيق الأهداف والمطالب ، بل تزيد ، وأؤكد في نفس الوقت على السلمية في كل ذلك .

الرأي الثاني : يدور هذا الرأي ، حول دعم الحركة الإصلاحية ، والتغيير من الداخل ، ويرى أصحابه التالي :
1. بأن الكثير من أبناء الشعب يثقون في الملك ، وبالحركة الإصلاحية التي يقودها ، وأن نيته حسنة ، ولكن الحرس القديم ، والمستفيدين من الوضع الراهن ، الوظائف مثلا ، هم الذين يحاربون الملك ، ويعملون على إعاقة حركته الإصلاحية ، وأن خيارنا الوطني الأفضل ، هو دعم الملك ، ومساندته ضد الحرس القديم ، والمستفيدين من الوضع الراهن ، وليس معاداته ، وتقوية خصومه ضده .
2. ويرى أصحاب هذا الرأي أيضا : بأن المشاركة ، فيها تعزيز للديمقراطية ، وقيم الخير ، والحرية والمساواة ، وهي خيار واقعي ، ينسجم مع الممكن ، ومع المبدأ القرآني ، وهو : الدعوة بالحكمة ، والموعظة الحسنة .
3. ويرى أصحاب هذا الرأي أيضا : أن فرصة التغيير من الداخل متاحة لمن يريد العمل ، أما العاجزين على العمل ، فهم يبررون عجزهم بالبكاء على اللبن المسكوب .

مناقشة الرأي الثاني : وفيها عدة نقاط :
النقطة الأولى – الثقة بالملك ، وبالحركة الإصلاحية التي يقودها : أقول : لا يشك اثنان ، والملك من بينهم ، بأن شعبية عظمة الملك ، قد تراجعت كثيرا ، بعد الانقلاب على الدستور ، وميثاق العمل الوطني ، عما كانت عليه مع بدء الحركة الإصلاحية ، وأن هذا التراجع في شعبية عظمة الملك ، بين جميع فئات وطبقات الشعب العظيم ، وليس بين فئة أو طبقة بعينها ، وهذا أمر واقعي ، إذ أن الثقة ، ليست توقيعا على بياض ، وإنما توقيع على سلوك ، وإنجازات ، وأفعال .
النقطة الثانية : إن الانقلاب المذكور ، أو قل : صدور دستور المنحة الجديد ، يعد تراجعا في الحركة الإصلاحية ، بكل المقاييس ، وعند كل الناس ، وإن بقى أصل الإصلاحات ، وبعض إيجابياتها المهمة ، ومنها حرية التعبير ، والدليل على ذلك : حديثي هذا معكم .. فالاختلاف بين المواطنين ، ليس على حدوث التراجع ، فهم متفقون على ذلك ، وإنما الاختلاف حول القبول أم عدم القبول ، بما هو موجود ، وعدم القبول يقوم على أساس ما يلي :
1. أن ما هو موجود ، لا يمثل الحد الأدنى من حق السيادة الشعبية ، فالسيادة منتقصة من جميع الوجوه – كما أوضحت – سابقا .
2. أن ما هو موجود ، ليس له قاعدة أو مرجعية دستورية مقبولة ، وفي ذلك تهديد ، إلى قاعدة الأمن والاستقرار الشامل للدولة والمجتمع .
3. أن ما هو موجود ، لا يتيح الفرصة للتغيير المشروع ، بالوسائل المشروعة، كل هذا ، وغير هذا ، دعانا إلى رفض ما هو موجود ، وعدم القبول به .

النقطة الثالثة : من الناحية المنطقية ، فإن الحرس القديم موجودن فعلا ، ولا يمكن إنكار وجودهم ، ونعني بالحرس القديم : من يملكون السلطة والنفوذ ، ولهم مصالح في عدم الإصلاح ، ولكن يجب ملاحظة التالي :
1. أن الحرس القديم ، مهما كانت قوتهم وسلطتهم ، فإنهم لا يملكون القرار الحاسم ، فالقرار الحاسم في يد عظمة الملك ، وهو الذي يمسك مفاتيحه بيده، وقد أثبتت التجربة ذلك .
2. كثيرا ما يشار إلى سمو رئيس الوزراء في الحديث عن الحرس القديم ، فهو الرجل الأقوى في الدولة ، والماسك بمفاصل الأمور فيها ، ولا يمكن الاستغناء عنه ، بالإضافة إلى الرابطة الأدبية بينه وبين الملك ، فهو بمثابة الأب للملك ، مما يجعل رئيس الوزراء يفرض شروطه على الملك ، والملك يقبل بتلك الشروط . وأنا في الوقت الذي أؤكد فيه مكانة ودور سمو رئيس الوزراء – وهذا ليس دفاعا عنه – فإنني أقول : بأن الملك يملك صلاحية عزل رئيس الوزراء ، وأن رئيس الوزراء ، تقدم بمشروع أفضل من مشروع الملك ، وهو الانتخاب الكامل لأعضاء مجلس الشورى ، فالمجلس الوطني ، ما هو إلا مجلس شورى مضخم ، نصفه منتخب ، والنصف الآخر معين .
النقطة الرابعة : أن عظمة الملك هو المسئول الأول والأخير عن الدستور الجديد ، رغم كل ما يقال ، وبالتالي فإن ما حدث ، هو تعبير عن سياسة متوافق عليها بين أعمدة النظام في خطوطها العريضة ، على أقل تقدير .
النقطة الخامسة : بأي شيء نفسر التوزيع الطائفي الظالم للدوائر الانتخابية ، واستمرار سياسة التمييز الطائفي في الوظائف ، واستمرار غلق أبواب التوظيف قي بعض دوائر ووزارات الحكومة أمام بعض المواطنين ، وعدم حل مشكلة المفصولين منها لحد الآن ؟!
النقطة السادسة : لا تعتبر المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة تعزيزا للديمقراطية ، وقيم الخير والحرية ، أو تعزيزا للمبدأ القرآني : الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، لأن الحقوق في الحياة البرلمانية منقوصة ، والمشاركة فيها تعني الاعتراف بفشل المطالبة بالحقوق ، وعقم نتائجها ، وتعزيز مبدأ المهادنة والقبول بالأمر الواقع ، بدلا من تعزيز القيم المشار إليها ، أو تعزيز الثوابت الشعبية في الحقوق والقيم .
النقطة السابعة : من الواضح جدا ، أن معارضتنا ليست مبنية على عجز ، وإنما على ثوابت واقعية ، وإيمان بأن المجلس المنتخب لا يمتلك آليات فعلية ، وصلاحيات حقيقية ، تتيح الفرصة للتغيير من الداخل ، مما يوقع الأعضاء في حرج مع أنفسهم ، ومع الجماهير ، وتصبح البرامج الانتخابية عبثية ، أو قليلة القيمة ، وأن عطاءاتها لن تلبي الطموحات المشروعة الواقعية للجماهير .
النقطة الثامنة : أن المشاركة ، والقبول بالأمر الواقع ، ليس إلا مجرد تأجيل لمشكلة قائمة ، وأن الجيل القادم سوف يضطر لإعادة المطالبة بالمشروع الإصلاحي ، فالمشاركة ترحيل لمشكلة قائمة ، من هذا الجيل ، إلى الجيل القادم ، ونحن نمتلك اليوم مواجهتها ، ولا نعرف بظروف الجيل القادم ، إلا أن الحل سوف يكون أصعب .

الرأي الثالث : يدعو أصحاب هذا الرأي إلى المشاركة النسبية في الانتخابات البرلمانية القادمة ، ويعتقدون أن رأيهم هذا ، يمثل حلا وسطا ، يجمع بين إيجابيات المشاركة ، وضرورة المقاطعة ، وينقسم أصحاب هذا الرأي إلى قسمين :
القسم الأول : يرى دخول الصف الثاني من التيار في الانتخابات ، ويقاطعها الصف الأول ، ويقدرون أنهم بهذا الرأي ، في الوقت الذي يعطون فيه الثقل الأكبر للمقاطعة ، وذلك بعدم دخول الصف الأول في الانتخابات ، فإنهم يمسكون العصا من نصفها .
القسم الثاني : يرى دعم مرشحين مستقلين ، ذو ميول إسلامية أو معتدلين .

مناقشة الرأي الثالث – القسم الأول : وفيها عدة نقاط :-
النقطة الأولى : بعد الاعتذار الشديد لأصحاب هذا الرأي ، فإن طرحهم هذا : مموه لا حقيقة له ، وأعتذر لأصحاب هذا الرأي بالخصوص ، لأني لم أصف أي رأي آخر بمثل هذا الوصف ، ولأني أعرف شخصين كبيرين عزيزين عليَّ جدا ، كانا يتبنيان هذا الرأي ، وإن كنت لا أعرف ، إن كانت لهما نفس القناعة حتى الآن ، أم عدلا عن رأيهما . وعلى أي حال ، فإن الوصف موضوعي – حسب تقديري – ، وذلك للأسباب التالية :-
السبب الأول : أنه لا يوجد حد فاصل بين صفوف التيار ، فالصفوف متداخلة مع بعضها ، ولا يمكن فصلها بدقة علمية .
السبب الثاني : من المسلم به أن الرموز العلمائية الكبيرة ، ذات الشهرة الواسعة ، لن يرشحوا أنفسهم في الانتخابات ، حتى في أفضل الأحوال ، والأشخاص الذين هم في واجهة العمل السياسي ، عددهم محدود جدا ، ولن يلبوا حاجة التيار من المرشحين ، فما هي حقيقة الصف الأول ، والصف الثاني ، في العملية بعد ذلك ؟!.
النقطة الثانية : لا وجود حقيقي لحالة الوسط بين المشاركة والمقاطعة في العملية الانتخابية ، فإما أن تشارك ، أو تقاطع ، وأن أي مشاركة ، وبأي صورة كانت ، تذهب بقيمة المقاطعة ، وأشير هنا إلى ملاحظتين هامتين ، وهما :
الملاحظة الأولى : أن الرهان الأول في تقييم الفشل أو النجاح لأحد الطرفين : المشارك والمقاطع ، يتوقف على نسبة المشاركين في الانتخابات ، فإذا ارتفعت نسبة المشاركين ، فقد كسب الطرف المشارك الجولة ، ونجحت سياسة فرض الأمر الواقع ، وإذا انخفضت نسبة المشاركة ، كسبت المعارضة الجولة ، لتبدأ بعد ذلك عملها ، على أساس قوي ومتين ، وأصبح الطريق أمامها ممهدا بصورة أفضل . ونحن إذا كان لدينا مرشحين ، فسوف نضطر لدعمهم ، ورفع نسبة المشاركة ، وبالتالي نخسر الجولة الأولى ، ذات الأهمية والدلالة الكبيرة ، التي سوف تلقي بظلالها على المراحل اللاحقة . مع التأكيد هنا : على أن ارتفاع نسبة المشاركين في الانتخابات ، ليست الفيصل ، أو نهاية الطريق ، في نجاح أو فشل المعارضة في الجولات اللاحقة.
الملاحظة الثانية : أن عملية الإدارة للعملية بشقيها : المشاركة والمقاطعة ، سوف تكون في غاية الصعوبة ، بل مستحيلة ، كيف تشارك وتقاطع ؟! فمن جهة : تقبل اللعبة بشروطها وتشارك ، ومن جهة ثانية ترفض اللعبة بشروطها وتقاطع ، تقبل الدستور الجديد ، وتعارضه في نفس الوقت ، وفي نفس الجهة ، إنه التناقض بعينه ، والأمر يختلف تماما : حينما تقبل اللعبة وشروطها ، وتقبل الدستور ، وتشارك على هذا الأساس ، ثم تعارض المشاريع والمقترحات .. أي المشاركة في اللعبة مع التوافق على شروطها . وهو الحال ، لو جرى الأمر على أساس دستور 73 الشرعي ، وميثاق العمل الوطني .. أما الآن ، فالأمر مختلف تماما .
النقطة الثالثة : أن دخول شخصيات ذات كفاءة قليلة ، سوف يؤدي إلى الأداء السيء ، وزيادة السخط ، وفرص أقل لتولي مناصب مهمة في المجلس ، ولن ينفع كثيرا التوجيه من الخارج ، رغم سلبياته الجانبية ، فإنه ليس مجرد التزام بالخط ، كما لو كان الأعضاء أقوياء يعتمد عليهم ، مما يؤدي إلى ضعف موقفهم أكثر .
النقطة الرابعة : لن تقبل الجماهير بتمثيل هؤلاء للتيار ، وإن ضعف الأداء ، بالإضافة إلى ضعف القيمة ، أو قلة الجدوى أصلا ، سوف يؤدي إلى مزيد من السخط والانقسام في التيار .
النقطة الخامسة : إن تخلف الصف الأول ، ودخول الصف الثاني ، لن يقلل من درجة الرفض لدى الجمهور ، ولن يقلل من سلبيات المشاركة ، التي أهمها :
1. إعطاء الشرعية للدستور الجديد ، والانقلاب على الدستور الشرعي ، وميثاق العمل الوطني ، والتعهدات والالتزامات التي أعطيت للشعب .
2. ارتفاع نسبة المشاركة ، ونجاح العملية الانتخابية ، أضف إلى ذلك : بأنه لن يزيد من عطاء أو جدوى المشاركة ، بل يقلل منها ويسمح بتمرير ودعم قوانين مضرة بالشعب ، ومصالحه ، وقيمه ، بسبب قلة الكفاءة ، وضعف الأداء .. والنتيجة : سخط جماهيري ، انقسام في التيار ، نتائج فقيرة المضمون ، قليلة الجدوى .

مناقشة الرأي الثالث – القسم الثاني :
وهو دعم شخصيات مستقلة : يوخذ على هذا الرأي النقاط التالية :
النقطة الأولى : أن مسألة الدعم من شأنها أن ترفع نسبة المشاركين في الانتخابات ، وقد بينت الرأي في ذلك .
النقطة الثانية : إذا لم تقدم الدعم لهم في مرحلة الانتخابات ، فإنهم غالبا لن يتعاونوا في المراحل اللاحقة .
ولكن استنادا إلى احترام الرأي الآخر ، فإنه لن يكون هناك أي موقف عدائي من المشاركين في الانتخابات ، وسوف ندعو إلى تقديم الاحترام اللازم لهم . فإذا رغب أحد هؤلاء في التعاون بعد فوزه ، فإنه لا مانع من ذلك ، فيما هو مشترك ، على قاعدة : التعاون على البر والتقوى .

الرأي الرابع : يتساءل أصحاب هذا الرأي ، عن الفائدة الحقيقية التي نجنيها من الإصرار على دستور 73 ، الذي توفاه الله تعالى ، قبل 27 سنة ، ويتساءلون : هل هو كتاب مقدس ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، حتى نتمسك به ، بهذه الصورة الغريبة ؟! ، وقد نشأ على تساؤلهم هذا ، ثلاثة آراء مختلفة ، وهي :
أولا : المرونة في التعاطي بشأن الدستور الجديد .
ثانيا : المطالبة بمجلس تأسيسي يقوم بوضع دستور تعاقدي جديد ، أفضل من دستور 73 .
ثالثا : المطالبة بتغييرات جذرية في النظام أشمل مما هو مطروح .
مناقشة الرأي الرابع : وفيها عدة نقاط :
النقطة الأولى : دستور 73 ، ليس كتابا منزلا ، وليس خلوا من الخطأ والسلبيات ، والتمسك به ، ليس لأنه كذلك ، وإنما للأسباب التالية :
1. أن الدستور يمثل أهم وثيقة قانونية لتنظيم الدولة والمجتمع ، وينبغي التعامل معه بحذر شديد ، من أجل المحافظة على استقرار وأمن الدولة والمجتمع ، فلا يقبل التساهل مع المخالفات الدستورية ، ولا يقبل تعديله بغير الآلية الدستورية ، حتى وإن كان التعديل للأفضل ، لأن ذلك يعني : التساهل بشأن كل شيء بعده ، مما يهدد أمن واستقرار الدولة والمجتمع .
2. دستور 73 يمثل مرجعية متوافق عليها ، وهو مرجع المرجعيات ، فهو مرجعية متوافق على قبولها بين المعارضة والحكومة ، وهو مرجعية يقوم عليها ميثاق العمل الوطني ، ودستور المنحة الجديد عند واضعيه ، بينما دستور 73 ليس كذلك ، وبالتالي فإن الاحتكام إلى دستور 73 أمر مقبول وواقعي ، بينما الاحتكام إلى دستور المنحة الجديد ، غير مقبول ، وغير واقعي ، بعد الملاحظات القاسية حوله ، وإن كانت محل اختلاف بين فقهاء الدستور !! فالاحتكام إلى ما هو محل اتفاق ، أولى ، وأجدى ، من الاحتكام إلى ما هو محل اختلاف ، وإن كان الاختلاف مشروعا في نفسه ، وينبغي احترامه وتقديره .
3. دستور 73 يلبي الحد الأدنى من الطموحات المشروعة والواقعية للشعب ، ويتضمن آلية مناسبة لتعديله ، تسمح بتطوير النظام وتقدمه تدريجيا ، واستخدامها ممكن ، بينما دستور المنحة الجديد ، سلب الشعب صلاحياته الدستورية ، التي أقرها دستور 73 ، ولم يتح له الفرصة المناسبة للتعديل ، بعد ما أوضحناه بشأن نظام المجلسين ، لا كما صوت عليه الشعب في ميثاق العمل الوطني ، ولكن بما خالف به دستور المنحة الجديد ، ما صوت عليه الشعب في الميثاق . فالدستور الجديد لم يأخذنا للأمام ، وإنما أرجعنا للوراء خطوات ، والأصل أن نتقدم لا أن نتأخر .
4. أن عدم المرونة في تقبل دستور المنحة الجديد ، لم يكن اتباعا للهوى ، أو محاولة لإعاقة المسيرة الإصلاحية التي يقودها عظمة الملك ، وإنما لأسباب موضوعية ، تم توضيحها فيما سبق من أطروحات .
النقطة الثانية – بشأن المجلس التأسيسي : فكرة المجلس التأسيسي ، هي أحد الخيارات المطروحة في الساحة ، إلا أنها محل خلاف شديد ، سياسيا ودستوريا ، وهي أكثر تعقيدا من فكرة المطالبة بالعودة إلى دستور 73 ، وأصعب تحققا ، ويمكن طرحها للحوار ، ونحن نسلم بما يتوافق عليه الشعب مع الحكومة على أسس دستورية صحيحة .
النقطة الثالثة – التغيير الجذري في النظام : ليس هو الخيار الشعبي ، وطرحه غير مأمون العواقب ، وبعيد عن الواقعية في الرأي العام الشعبي – حسب تقديري الشخصي – وهو خارج نطاق بحثنا هذا ، فالشعب يطالب بالحد الأدنى من حق السيادة ، الذي ضمنه دستور 73 ، ومستأنس بآلية التعديل كما نص عليها دستور 73 في المادة ( 104 ) ، إذ تمكنه من التطوير والتقدم التدريجي للأمام ، ولا يطالب بأكثر من ذلك .

الرأي الخامس : يقوم هذا الرأي ، على أساس حساب الفوائد والأضرار .
أولا – فوائد المشاركة : يرى أصحاب هذا الرأي ، بأن للمشاركة الفوائد التالية :
1. إبعاد تهمة تخريب مشروع الملك عن التيار الإسلامي الشيعي .
2. المحافظة على ما تبقى من سلطة تشريعية .
3. تعلم ممارسة العمل الديمقراطي ، واكتساب الخبرة السياسية ، وبناء كوادر محنكة .
4. الحصول على الحصانة البرلمانية ، واستثمار المساحة الحقوقية المتاحة ، لا سيما السلطة الرقابية .
5. القرب من أصحاب القرار والسلطة ، لمعرفة ما يدور ، من أجل تقليل الضرر ، والسعي لخدمة المواطنين .
6. معرفة ما يدور داخل المجلس .
7. أخذ فرصة لالتقاط الأنفاس ، وترتيب الأوضاع داخل التيار .
ثانيا – أضرار عدم المشاركة : يرى أصحاب هذا الرأي بأن لعدم المشاركة الأضرار التالية :
1. إشعال نار الفتنة والصراع داخل الطائفة .
2. تفرد غيرنا بالساحة ، وبقاؤنا بعيدا عنها بلا حول لنا ولا قوة .
3. الاصطدام بالسلطة من جديد ، ووضع المعارضة تحت مجهر المراقبة ، الأمر الذي لا طاقة للتيار به ، لا سيما بعد التغيرات في العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
4. عدم المشاركة : تخدم مصلحة الحرس القديم ، والمستفيدين من الوضع الراهن ، وبقاء الامتيازات التي يحصلون عليها كالوظائف ، وبقاؤنا محرومين ، ومغضوب علينا من النظام !! .
5. وصول أشخاص غير مؤهلين دينيا وسياسيا للمجلس ، مما يبرزهم كقيادات شعبية ، ويكونون سببا لتمرير ودعم قوانين مضرة بالشعب ومصالحه وقيمه.
مناقشة الرأي الخامس :
القسم الأول – فوائد المشاركة :
الفائدة الأولى : إبعاد تهمة تخريب مشروع الملك عن التيار ، وفيها عدة نقاط :
النقطة الأولى : أن قرار المشاركة في الانتخابات ، أو عدم المشاركة ، يجب أن يستند إلى الحقائق العلمية ، وليس لاعتبارات نفسية غير واقعية ، وأن الرأي في أساسه قائم على حساب الفوائد والأضرار ، فكيف يناقض نفسه ، ويدعونا لتحديد مواقفنا المصيرية على أساس اعتبارات نفسية غير واقعية ، لا يمكن ضبطها والتحكم فيها .
النقطة الثانية : أن التيار أثبت بالتجربة ، حسن نيته ، وحرصه على إنجاح الحركة الإصلاحية ، التي يقودها عظمة الملك ، فقد تجاوز الظلم الذي وقع عليه في المرحلة السابقة ، المرحلة المظلمة ، مرحلة قانون أمن الدولة ، وصوَّت بنعم للميثاق ، وكان له الدور الحاسم في ذلك ، وهذا ما شهد به الجميع ، ومدح الجميع سلوك التيار ، وخطابه ، ومواقفه في العام الأول من بدء الحركة الإصلاحية ، ولازال الجميع يشهدون بدوره ، في ضبط حركة الشارع ، في حالات الغضب الجماهيري لأسباب عقلائية .
النقطة الثالثة : ليس من أهداف التيار إنجاح مشروع الملك بأي ثمن ، حتى لو كان الثمن القبول بمجلس صوري ، والتخلي عن الثوابت والقيم ، والمصالح العليا للوطن والتيار ، حسب تقدير رموزه ، وقياداته ، وأبنائه .
النقطة الرابعة : ماذا يقول الآخرون ، عن التوزيع الطائفي للدوائر الانتخابية ، والتجنيس ، وغلق أبواب التوظيف أمام بعض المواطنين ، في بعض مؤسسات ووزارات الدولة !! .
الفائدة الثانية : المحافظة على ما تبقى من سلطة تشريعية : عجيب أمر أصحاب هذا الرأي!! يطالبونا بالتنازل عن الكثير ، للمحافظة على القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، بل يطالبونا بالمحافظة على القليل ، الذي من شانه أن يخلق لنا الكثير من الأوضاع السلبية الخاطئة ، التي لن تصفح الأجيال القادمة عنا إذا أقرت من قبلنا .. فليضيع هذا القليل ، بعد أن ضاع منا الكثير الأهم ، ( فليس يضر الشاة سلخها بعد ذبحها ) .
الفائدة الثالثة – تعلم ممارسة العمل الديمقراطي ، واكتساب الخبرة ، وبناء الكوادر : وفيه عدة نقاط :
النقطة الأولى : لا شك أن الدخول في العمل البرلماني رغم سلبياته ، يفيد في اكتساب الخبرة ، وبناء الكوادر ، وأن هذا نافع للوطن والتيار ، غير أن هذا ليس سببا كافيا ، يحملنا على التغاضي عن السلبيات الخطيرة في سبيله . نعم .. إنه شيء مهم ، ولكنه يضيع الشيء الأهم ، والعقل يقضي بتحكيم الأهم على المهم .
النقطة الثانية : أن تعلم ممارسة العمل الديمقراطي ، وبناء الكوادر ، ليس محصورا في العمل البرلماني ، فيمكن تحصيله ، من خلال العمل المؤسساتي المنظم ، القائم على النهج الديمقراطي من حيث الممارسة . ومن شأن هذه المؤسسات ، أن تخرج أفواجا من الكوادر المدربة ، تفوق عشرات المرات ، بل المئات ، ما تخرجه المؤسسة البرلمانية . فيمكننا ضبط مؤسساتنا ، وحسن إدارتها على النهج الديمقراطي ، من حيث الأسلوب ، ثم صقل المواهب من خلال الدراسات التخصصية ، مثل القانون ، والعلوم السياسية ، وسائر العلوم الإنسانية ذات الشأن .
الفائدة الرابعة – الحصانة البرلمانية ، ومراقبة السلطة التنفيذية : وفيها عدة نقاط.
النقطة الأولى : الحصانة البرلمانية ، ومراقبة السلطة التنفيذية ، حقين منتقصين ، كما أوضحت في الأسبوع الماضي .
النقطة الثانية : على فرض تمام الحصانة البرلمانية ، فإنها لأشخاص معدودين ، ولا تستحق أن تكون ثمنا للتضحيات بالمكاسب ، والحقوق الأسياسية الأكثر أهمية ، وهي الحقوق الدستورية التي أعطاها دستور 73 الشرعي للشعب ، وسلبها منه دستور المنحة الجديد ، والتي يجب أن نطالب بها ، لا أن نسترخصها في سبيل شيء زهيد ، قليل الفائدة والجدوى .
الفائدة الخامسة – القرب من أصحاب القرار والسلطة : وفيه عدة نقاط :
النقطة الأولى : أن للقرب من أصحاب القرار والسلطة أضرار ، قد تكون أكثر من إيجابياته ، لا سيما لدى أصحاب النفوس الضعيفة ، فقد يتحول الشخص إلى جزء من السلطة ، وقد يتحول إلى وسيلة ضغط على التيار ، وقد يمتلئ قلبه بالخوف والرعب ، وقد لا يستطيع الفراق بعد أن يذوق حلاوة القرب .
النقطة الثانية : لقد أثبتت التجربة حتى الآن ، بأن القرب من أصحاب القرار والسلطة ، لا يجدي نفعا وقت الضيق والحرج ، وأن شخصا وعائلته ، كانوا في غاية القرب من قمة الهرم في السلطة ، وبقي ابنهم في السجن ما يقرب العشرين عاما ، لم تنقطع علاقتهم بالسلطة ، ولم يخرج ابنهم السجن ، حتى أنهى سنوات حكمه تقريبا .
الفائدة السادسة – معرفة ما يدور في المجلسين : إن جلسات المجلسين : المنتخب والمعين علنية ، ويمكن حضورها .
الفائدة السابعة – أخذ الفرصة للالتقاط الأنفاس وترتيب الأوضاع : إن وفاءنا لدماء شهدائنا ، وتضحيات إخواننا الذين عذبوا ، وإخواننا الذين هجروا وشردوا ، أفضل لدينا من التقاط الأنفاس . وإن الذين ذاقوا حلاوة التضحية والإخلاص ، وألام المعاناة ، لا يقبلون الوقوف في منتصف الطريق ، وأن هذا ليس بطرحهم ، وإنما هو طرح أناس مخمليين ، تعودوا الراحة ، وجني ثمار تعب الآخرين ، لا يعرفون قيمة الزرع والعمل ، ولا يتمتعون بذوق الثمر ، إنهم يأكلون من أجل الأكل .. أقول هذا من أجل الحقيقة لا غير .
أما عن ترتيب الأوضاع ، فإن المقاتل يعرف كيف يرتب أوضاعه في المعركة وخارجها ، ولن يشغله شيء عنها ، حتى يحقق النصر .

مناقشة القسم الثاني – أضرار عدم المشاركة :
الضرر الأول – إشعال نار الفتنة والصراع داخل الطائفة : لا توجد أي علاقة بين مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة ، وبين إشعال نار الفتنة ، والصراع داخل الطائفة ، إنما الخوف أن يؤدي قرار المشاركة إلى الانقسام ، وضعف التيار جماهيريا ، فالغالبية العظمى من أبناء التيار ضد المشاركة ، وفي حال اتخذ القرار بالمشاركة ، ربما لا يستجيب الكثير .. الكثير ، أما لو اتخذ القرار بعد المشاركة ، فإن الغالبية سوف تكون مع القرار قلبا ، وقالبا ، والأقلية القليلة الباقية ، لن تكون ذات أثر . وفي تقديري ، وكما أوضحت قبل قليل ، فإن نتائج العمل البرلماني ، سوف تكون مخيبة للآمال ، وسوف تكون لها نتائج سلبية على وحدة التيار وتماسكه ، لو شارك فيها التيار ، ولن يكون الأمر كذلك ، وفي حال المقاطعة ، فإن التيار سوف يحافظ على وحدته وتماسكه . فالتحدي يقرب أبناء التيار إلى بعضهم ، ولا يفرقهم ، وقد دلت التجربة على ذلك أثناء الانتفاضة المباركة .
الضرر الثاني – تفرد غيرنا بالساحة ، وبقاؤنا بعيدا عنها ، بلا حول لنا ولا قوة : لم يتفرد غيرنا بشيء رغم إرادتنا ، فنحن الذين أردنا ذلك ، لا عن ضعف ، وإنما تركنا الغنائم الزهيدة لغيرنا ، من أجل التمسك بالثوابت والقيم والمبادئ والحقوق ، ومن أجل الكرامة الإنسانية ، والمصلحة الوطنية العليا ، وقد أوضحت قبل قليل ، بأن الأصل في العمل الوطني المخلص ، ليس هو التفكير في حجم الغنائم ، واقتسامها ، وإنما الالتزام بالمصالح الوطنية ، والقومية ، والإسلامية العليا ، وهو حضنا من الحياة ، وشرفنا في الدنيا والآخرة – إن شاء الله تعالى .
الضرر الثالث – الاصطدام بالسلطة ، ووضع المعارضة تحت مجهر المراقبة من جديد : قلت قبل قليل ، بأن محاولة حصر الشعب والمعارضة بين خيارين فقط ، هما : إما القبول بالأمر الواقع ، وإما المواجهة والعنف ، هي محاولة لا طائل منها ، وأن البديل الثالث قائم ، وهو المعارضة السلمية ، التي أقدر أنها الأقدر على تحقيق المطالب والأهداف ، والأكثر تعبيرا عن حضارة شعبنا المسلم المسالم ، والأسلم لشعبنا ، لأن السلطة لا تملك المبرر لقمع المعارضة ، أو الحركة المطلبية ، في حال التزامها بالنهج السلمي ، بينما تملك المبررات في حال استخدام العنف . وقلت : بأن شعبنا يمتلك الوعي والإرادة للالتزام بالخيار السلمي في المعارضة ، وعدم الانجرار وراء العنف ، وأنه سوف يبدع في اختيار الأساليب ، والوسائل ، والآليات السلمية الفاعلة ، والقادرة على تحقيق أهدافه ومطالبه المشروعة والواقعية.
ومن جهة ثانية : فإن شعبنا المسالم الأبي ، قادر على مواجهة التحديات والصعوبات ، من أجل عزته وكرامته ، ومن أجل رقيه وتقدمه ، ومن أجل دينه ووطنه ، وليس هذا ادعاء ، أو تفكير من فراغ ، فالتجربة خير دليل ، وقد أثبتت ذلك .
الضرر الرابع – عدم المشاركة تخدم مصلحة الحرس القديم ، والمستفيدين من الوضع الراهن ، وبقاؤنا مغضوب علينا : وفيه عدة نقاط :
النقطة الأولى : لقد أوضحت رأيي بشأن ما يسمى بالحرس القديم قبل قليل .
النقطة الثانية : أن الوضع الراهن لم يغير شيئا فيما يتعلق بالتمييز الطائفي ، ولم يفتح أبواب الوظائف المغلقة ، أمام من أغلقت في وجوهم تلك الأبواب ، وازداد نشاط التجنيس ، ولم تعط الجنسية لبعض من يستحقها . والأدهى من ذلك كله : هو التوزيع الطائفي الظالم للدوائر الانتخابية ، للانتخابات البلدية ، وقد رأيتم نتائج ذلك ، وهي تعني فيما تعني : أن الحركة الإصلاحية فيما عليه الآن ، لم ترغب في إلغاء التمييز الطائفي ، بل سعت إلى ترسيخه ، واعتبرته سلوكا مطلوبا ، لتحقيق التوازن غير العادل ، ولكنه مطلوب في المعادلة السياسية القائمة ، والمرغوبة لدى السلطة السياسية .
النقطة الثالثة : أن المجلس المنتخب ، وهو جزء من المجلس الوطني ، لا يمتلك الآليات المناسبة ، ولا الصلاحيات الحقيقية ، لكي يجلب نفعا ، أو يدفع ضررا ، كما أوضحت فيما سبق .
والخلاصة : أن الوضع الجديد لن يغير علينا كثيرا ، والأصلح : أن نبقى ملتزمين بثوابتنا ، ونستمر في حركتنا المطلبية ، حتى يفتح الله علينا ، أو يحكم بيننا ، وهو خير الحاكمين .
الضرر الخامس – وصول أشخاص غير مؤهلين دينيا وسياسيا : إذا حدث هذا ، فإنه دليل فشل الحكومة ، وليس فشل المقاطعة ، ويجب أن يخيف السلطة ، لأنه فشل لتجربتها ، ولا يخيف المعارضة ، لأنه دليل على صحة موقفها . وأن الأضرار المذكورة ، مثل : تمرير ودعم قوانين مضرة بالشعب ، ومصالحه ، وقيمه ، فإنها إلى حين ، وليس إلى الأبد ، وأن إيجابيات المقاطعة ، أهم وأجدى لخدمة الوطن والمواطنين . أما الخوف من بروز هؤلاء كقيادات شعبية ، فليس في محله ، فالشعب يعرف كيف يختار رموزه ، وقياداته ، ومن أين يختارهم ، وفي أي وسط ، وأن الخوف على هؤلاء أن يسخط عليهم الجمهور ، لا أن يتحولوا إلى رموز وقيادات شعبية ، والتجربة خير دليل . لهذا قلت في جواب سابق : يجب أن نحترم الرأي الآخر ، ولا نتخذ مواقف عدائية ، من الذين سيشاركون في الانتخابات البرلمانية القادمة ، ويجب أن نحث الجمهور على ذلك ، لأن اشتراكهم ، من شأنه أن يجلب عليهم سخط الجماهير ، لا أن يحولهم إلى رموز وقيادات شعبية.
في الختام : أعتذر عن الإطالة ، فقد أردت أن أستكمل بحث هذه الحلقة ، وأعتذر عن الاختصار في مناقشة بنود الرأي الأخير / الخامس ، فإني قد استوعبت معظم نقاطه في مناقشة الآراء الأربعة السابقة ، وسوف نواصل حديثنا في الأسبوع القادم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 17 ربيع الأول 1423 هـ الموافق 31 / 5 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.