محاضرات وندوات عام 2004

كلمة الأستاذ في الذكرى السنوية لمعركة بدر

كلمة الأستاذ في الذكرى السنوية لمعركة بدر

الموضوع : محاضرة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
العنوان : معركة بدر الكبرى : عرض ودروس .
المناسبة : الذكرى السنوية لمعركة بدر .
المكان : قرية الدير – مأتم الإمام المنتظر ( ع ) .
اليوم : مساء الأحد – ليلة الاثنين .
التاريخ : 17 / رمضان / 1425 هـ .
الموافق : 31 / أكتوبر – تشرين / 2004 م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل على النبي المصطفى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .
اللهم أرحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ..
أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

أيها الأحبة الأعزاء : سوف يكون الحديث في هذه الليلة المباركة على ثلاثة محاور رئيسية .. وهي :

المحور الأول – الإذن للمسلمين بالقتال .
المحور الثاني – معركة بدر ( عرض ودروس ) .
المحور الثالث – معركة بدر في القرآن الكريم .

الهدف من الحديث : الحديث – أيها الأحبة – يتناول موضوع تاريخي ، وهدفي من الحديث ليس سرد الوقائع التاريخية .. فأنتم تسمعونها كثيرا ، وإنما الهدف .. هو : استخلاص الحقائق والدروس التي تتضمنها تلك الوقائع ، من أجل توظيفها في حياتنا العملية .

المحور الأول – الإذن بالقتال : من المعلوم لديكم أن الله تعالى لم يأذن للمسلمين بالقتال في مكة المكرمة ، وكان الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأصحابه حينما يأتونه يشتكون إليه أذى المشركين لهم ويطلبون منه الأذن بالرد عليهم : أمرت بالعفو .. أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة .

وقد سجل الله تعالى ذلك في قوله : { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( عن القتال في مكة ) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال ( في المدينة ) إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا } ( النساء : 77 ) .

أيها الأحبة الأعزاء : هذه الآية الشريفة المباركة تشير إلى فئة من الناس كانت في صفوف المؤمنين ، ولم يحصل لها الانصهار الكامل في الدين وصدق الانتماء إليه ، ودائما تنظر إلى الأمور من زاوية نفسها ومصالحها الخاصة ، وتحاول أن تجر الساحة إلى ما يخدم مصالحها على حساب الدين والمؤمنين ، فهي في الوقت الذي تفرض فيه الظروف الموضوعية الصبر على الأذى تدعوا إلى القتال والمواجهة ، وإذا حان وقت القتال والمواجهة انهزمت واحتجت .. وهذا ديدنهم دائما في كل زمان مما يوجب الحذر منهم لأنهم مفسدون في الأرض – كما أوضحه الله تعالى لنا في القرآن .

قال الله تعالى :{ ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ( في مكة تجيز لهم القتال ) فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال ( في المدينة ) رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم . طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم . فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } ( محمد : 20 – 23 ) .

أما المؤمنون الصادقون في انتمائهم ، المنصهرون في دينهم تمام الانصهار ، فهم يبحثون عما فيه مصلحة دينهم ومجتمعهم بعيدا عن الضعف والعصبية ، فيلتزموا الصمت والسكون إذا تطلبت مصلحة دينهم ومجتمعهم ذلك حسب الظروف الموضوعية ، ويضحوا بأنفسهم إذا تطلبت مصلحة دينهم ومجتمعهم ذلك حسب الظروف الموضوعية ، ولا يفرضوا ذواتهم وأمزجتهم في تحديد المواقف .

وبعد الهجرة الشريفة المباركة إلى المدينة المنورة بسبعة شهور أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال ..

قال الله تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور }
( الحج : 39 – 41 ) .

وقد تضمنت الآيات الشريفة المباركة التي أذنت للمسلمين بالقتال أول مرة حقائق عديدة .. منها :

الحقيقة الأولى : أن الله تعالى لم يأذن للمسلمين بقتال قريش لأنها تخالف دين المسلمين ، وإنما لأنها ظلمت المسلمين ومارست ضدهم الاضطهاد الديني وأخرجتهم من ديارهم بغير حق.

الحقيقة الثانية : أن صلاح الدنيا يتوقف على المطالبة بالحقوق ومقاومة الظلم والفساد والانحراف .. وتفعيل سنة التدافع في الحياة ، وأن تعطيل هذه السنة يؤدي إلى ظهور الفساد وترسيخ الظلم والإذلال وتضييع الحقوق والكرامة .

الحقيقة الثالثة : لقد وعد الله تعالى بنصر المؤمنين الذين يفعلون سنة التدافع في الحياة على أعدائهم ، وليس الخاملين والكسالى والقاعدين عن الجهاد ومقاومة الأعداء والمطالبة بالحقوق.

الحقيقة الرابعة : أن المؤمنين إذا وصلوا إلى السلطة فإنهم يفعلون المباديء التي كانوا يطالبون بها ويحققوا العدالة للجميع .

وبعد نزول هذه الآيات الشريفة المباركة نفذ الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله عدة غزوات .. قبل بدر .

وكان أول لواء عقده الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. لعمه ( حمزة بن عبد المطلب – رضي الله تعالى عليه ) على رأس ثلاثين راكبا ، وكان ذلك بعد سبعة شهور من الهجرة الشريفة المباركة إلى المدينة المنورة في ( رمضان / 1 هـ ) يطلب عيرا لقريش كانت متجهة من الشام إلى مكة .. ولم يحدث فيها قتال .

ثم عقد بعد شهر لواء لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ( شوال / 1هـ ) على رأس ستين راكبا ، فالتقى بمائتي من المشركين على رأسهم أبو سفيان وقد ترامى الفريقان بالنبل .. ولم يقع قتال .

ثم خرج سعد بن أبي وقاص على رأس عشرين رجلا في ( ذي القعدة / 1هـ ) يعترض عيرا لقريش .. ففاتته .

ثم خرج بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم في ( صفر / 2هـ ) يريد قريشا وبني ضمرة .. فلم يلق قريشا وعقد حلفا مع بني ضمرة .

ثم خرج بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم على رأس مائتين من المهاجرين والأنصار في ( ربيع الأول / 2هـ ) إلى ( بواط ) معترضا عيرا لقريش يقودها أمية بن خلف ومعه مئة من المشركين .. ففاتته .

ثم خرج بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم إلى العشيرة في ( جمادى الآخرة / 2هـ ) على رأس مئة وخمسين رجلا ، يطلب عيرا لقريش كانت متجهة من مكة إلى الشام .. ففاتته ، فأقام شهرا صالح فيه بني مدلج .. ثم أقفل راجعا إلى المدينة .

ثم خرج صلى الله عليه وآله وسلم في ( 8 / رمضان من نفس العام / 2هـ ) لاعتراض نفس العير في رجوعها من الشام إلى مكة .. فكانت معركة بدر الكبرى ، وكان كرز بن جابر الفهري قد أغار على المدينة المنورة قبل ذلك واستاق ماشيتها ، فخرج الرسول الأعظم الكرم صلى الله عليه وآله وسلم في طلبه حتى بلغ وادي سفوان قريبا من بدر .. فلم يدركه ، ويسمي المؤرخون هذه الغزوة ( بدر الأولى ) .

وتتضمن هذه الغزوات الدروس التالية ..

الدرس الأول : ضرورة تصدي القائد المحنك القوي بنفسه لصناعة الحدث وقيادته .. لتكون له الإدارة الفعلية للساحة .

الدرس الثاني : ضرورة اشعار العدو بقوة الموقف في سبيل وضع حد لاعتداءاته وحفظ هيبة المسلمين وحقوقهم .

قال الله تعالى : { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }
( الأنفال : 60 ) .

الدرس الثالث : إذا كانت ثمة اعتداءات وانتهاكات سابقة من قبل الأعداء ، فالحكمة السياسية تقتضي إبراز مظاهر القوة لإثبات تغير المعادلة في الساحة ليوقف العدو تلك الانتهاكات والاعتداءات .

سرية عبد الله بن جحش : وهي سرية لها خصوصيتها لهذا أفردتها عن الغزوات التي سبق ذكرها .

في ( رجب / 2هـ ) بعث الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن جحش في جماعة من المهاجرين ، وكتب له كتابا وأمره بأن لا ينظر فيه إلا بعد يومين من مسيره ، فإذا نظر فيه مضى في تنفيذه غير مستكره أحدا من أصحابه ، فسار وبعد يومين فتحه .. فإذا فيه : أمض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فتربص بها قريشا وتعلم لنا أخبارهم .. فقال عبد الله بن جحش : سمعا وطاعة ، وأطلع أصحابه على الكتاب .. قائلا : إنه نهاني أن استكره أحدا منكم ، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فينطلق معي ، ومن كره ذلك فليرجع .. فلم يتخلف منهم أحدا ، ومضوا حتى نزلوا أرض نخلة ، فمرت عير لقريش فهاجموها ، فقتل عمرو بن الحضرمي وأسر اثنان من المشركين ، وعاد عبد الله بن جحش بالقافلة والأسيرين إلى المدينة ، وقدم تقريرا مفصلا عن وضع قريش ولا سيما القافلة التي توجهت إلى الشام بقيادة أبو سفيان بن حرب .

ويظهر أن القتال المذكور قد حدث في آخر شهر رجب ، وهو من الأشهر الحرم – كما تعلمون – فقال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن جحش وأصحابه : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، وأوقف التصرف في القافلة والأسيرين ، وعلى أثر ذلك اتهم المشركون والمرجفون في الأرض المسلمين بأنهم أحلوا ما حرم الله تعالى ، وقد وجدوا فيما حدث مادة دسمة لترويج أراجيفهم ودعاياتهم ضد المسلمين .. فنزل الوحي لحسم الموقف .

قول الله تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
( البقرة : 217 ) .

فيكون القرآن الكريم بهذا قد زكى عمل عبد الله بن جحش وأصحابه وأثنى على إخلاصهم في ذات الله تعالى وطاعتهم للرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتنفيذهم المهمة التي أوكلت إليهم بنجاح تام .

وتتضمن هذه الغزوة وما نزل فيها من القرآن الكريم الدروس التالية ..

الدرس الأول: ضرورة التخطيط للعمل والجهاد في سبيل الله تعالى والحذر من التخبط في ذلك .

الدرس الثاني: أن العمل الإسلامي والجهاد في سبيل الله يقوم على الإيمان وليس على الإكراه .. وهذا من شروط النجاح .

الدرس الثالث : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مكلف بأن يأخذ بالأسباب الطبيعية في الحالات الاعتيادية في العمل والجهاد .. ولا يعول على الغيب في ذلك ، فلم يعتمد على إخبارات السماء له عن أوضاع الساحة ، وإنما بعث العيون والمختصين لدراسة الأوضاع وتقديم التقارير ، ليعلم أصحابه وأتباعه من بعده الأساليب الصحيحة في العمل والجهاد في سبيل الله تعالى .. ويقتدوا به في ذلك .

الدرس الرابع : أن المشركين والمرجفين في الأرض يكيلون بمكيالين ، فهم في الوقت الذي ينتهكون كل الحرمات والمقدسات في محاربة المسلمين واضطهادهم ، يأخذون على المسلمين الدفاع عن أنفسهم بأساليب مشروعة ، وأنهم يلجؤون إلى الشبهات التي قد تنطلي على الجاهلين لتضليل الرأي العام وقلب الحقائق ، فيجب علينا الحذر منهم وعدم الانخداع بأساليبهم الخبيث في تضليل الرأي العام .

الدرس الخامس : ضرورة الحذر من الهزيمة أمام القوى الباغية والتضليل الذي تمارسه للرأي العام بأساليبها الخبيثة .. مع التأكيد : أن أعداء الدين والإنسانية لن يتخلوا عن عداوتهم للدين والمؤمنين والكيد ضدهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ، ولن يوقفهم إلا الصمود والقوة في المواقف التي تحيل دون تحقيق أطماعهم .
والخلاصة : يجب الحذر من النزول على رغبتهم والضعف أمامهم .

الدرس السادس : ضرورة التزام القيادات الإسلامية الرشيدة بالقيم والمباديء السماوية التي تدعوا إليها .. وعدم التخلي عنها أمام المكاسب الآنية ، فلم يسيل لعاب الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله أمام القافلة والأسيرين – على حساب القيم والمباديء التي يدعوا إليها – وإنما انتظر حكم الله تعالى فيها .

الدرس السابع : ضرورة وقوف القيادات المحنكة إلى صف جماهيرها وعدم التخلي عنهم وقت المحنة وضرورة تفهم ما قد يقعون فيه من أخطاء – كما فعل الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع عبد الله بن جحش وأصحابه .

المحور الثاني – معركة بدر : ( عرض ودروس ) ..

ترامت الأنباء إلى المسلمين في المدينة المنورة ، بأن قافلة ضخمة لقريش عائدة من الشام إلى مكة بقيادة أبو سفيان بن حرب مع رجال لا يزيدون على الأربعين ، وهي تحمل أموال ضخمة لهم ، وكان الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى بشأنها تقريرا من عبد الله بن جحش .. فقال لأصحابه : ” هذه عير قريش فيها أموالهم ، فأخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ”

فقرروا الخروج ولم يوجب الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على أحد الخروج معه .. وإنما ترك كل فرد إلى رغبته ، وخرج من المدينة المنورة في يوم الاثنين : ( 8 / رمضان / 2هـ ) على رأس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أصحابه ، وكان أصحابه يحسبون أنهم خارجون في مثل السريا الماضية ، ولم يظنوا أنهم مقبلون على يوم من أخطر وأعظم أيام الإسلام .. وأنه سيفتح عليهم فصلا جديدا في تاريخهم وتاريخ البشرية قاطبة !!

وقد سمعت قريش بخروج الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لاعتراض عيرها ، حيث أرسل إليهم أبو سفيان يستنفرهم لحماية أموالهم ، ويستثير حميتهم للخروج في تعبئة ترد هجوم المسلمين عليها .. فخرجت لحمايته كما أوصاها ، وفي نفس الوقت استطاع هو أن ينجو بالقافلة ، فأرسل إلى قريش : إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا .. فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم فيها ثلاثا ، ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا ، وكانوا قد خرجوا في تسعمائة وخمسين مقاتلا .

وقد قال الله تعالى عن خروجهم هذا : { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط } .
( الأنفال : 47 ) .

لقد كان ذلك استعراضا للقوة ، وثبوت ما أراده أبو جهل يعد كارثة للإسلام والمسلمين ، وخلاف الرسالة التي أراد الرسول الأعظم الأكرم أن يبعث بها إلى قريش من خلال السريا والغزوات السابقة من تغير المعادلة وتحسن ميزان القوى لصالح المسلمين .

ولما كان عمل الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مبني على وضوح في الأهداف واستراتيجية محكمة للتحرك .. وأنها تقوم على أسس ومعادلات علمية صحيحة ، لذا كان لابد من معالجة حكيمة تثبت هيبة المسلمين وقوتهم أمام جبروت قريش وطغيانها ، وعدم إتاحة الفرصة لأبي جهل اللعين لكي يثبت إرادته السياسية والعسكرية على المنطقة التي يتحرك فيها الإسلام .. ويسعى لتثبيت أقدامه فيها .

ولما كان الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله ، لم يكن قد خرج بأصحابه من أجل القتال .. وإنما لطلب العير ، لجأ إلى استشارة أصحابه حول التعامل مع المستجدات في الموقف .

فقال عمر بن الخطاب : ” يا رسول الله : إنها قريش وعزها ، والله ما ذلت مذ عزت ، ولا آمنت مذ كفرت ، والله لتقاتلك فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته “

ثم قام المقداد بن عمرو الكندي .. فقال : ” يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل { إذهب أنت وربك إنا ها هنا قاعدون } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون . والذي بعثك بالحق : لو سرت بنا إلى برك الغماد ( موضع بناحية اليمن .. وقيل هو : مدينة الحبشة ) لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه .

فسر الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لما سمعه من المقداد وأشرق وجهه ودعا للمقداد .. ثم قال : أشيروا علي أيها الناس .

فقام سعد بن معاذ .. فقال : كأنك يا رسول الله تريدنا !!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أجل .

فقال سعد بن معاذ : قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك ، فامض يا رسول الله لما أردت ، نحن معك ، فوالذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا . إنا لصبر عند الحرب ، صدق في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عيناك ، سر على بركة الله .

وفي رواية أخرى .. قال : لعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره ، فأنظر الذي أحدث الله إليك فأمض ، فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت .

فسر الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقول سعد وقال : سيروا على بركة الله وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم .

وساروا حتى نزلوا ببدر وعسكروا في أدنى ماء من بدر ، فجاء الحباب بن المنذر إلى الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. فقال : أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟

فقال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة !

فقال الحباب : يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل ، أمض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فنعسكر فيه ، ثم نغور ما وراءه من الآبار ، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون .

فقال الرسول الأعظم الكرم صلى الله عليه وآله وسلم : لقد أشرت بالرأي ، ثم أمر بإنفاذه ، فلم يجيء نصف الليل حتى تحولوا كما رأى الحباب .

وكانت قريش قد نزلت بالعدوة القصوى من وادي بدر ، فالتقى الجمعان ببدر على أمر قد قدر . قريش بالعدوة القصوى من وادي بدر ( جانب الوادي من جهة مكة الأبعد عن المدينة ) والمسلمون بالعدوة الدنيا ( جانب الوادي الأقرب إلى جهة المدينة ) وكلا الفريقين لا يدري ما وراء هذا اللقاء الرهيب .

ولما هبط الليل بعث الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عليا والزبير وسعدا يتحسسون له الأحوال ويلتمسون الأخبار ، فأصابوا غلامين لقريش كانا يمدانهم بالماء ، فأتوا بهما فسألهما الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن مكان قريش .. فقالا : هم وراء الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، فسألهما عن عددهم .. فقالا : كثير ، فسألهما : كم ينحرون كل يوم ؟ فقالا : يوما تسعا ويوما عشرا ، فقال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : القوم ما بين التسعمائة والألف ، ثم سألهما : عمن فيهم من أشراف قريش .. فأخبراه ، فأقبل صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه فقال : ” هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاد كبدها ” وبذلك يكون قد انكشف وجه الجد في الأمر ، وأن اللقاء المرتقب سوف يكون مر المذاق !!

قال الله تعالى يصور الأجواء التي عاشها المسلمون في تلك اللحظات الرهيبة : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممددكم بألف من الملائكة مردفين . وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم . إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام . إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب . ذلكم فذوقوه وان للكافرين عذاب النار } ( الأنفال : 9- 14 ) .

وفي يوم المعركة .. وكان يوم الجمعة ( 17 / رمضان / 2 هـ ) : اصطفت صفوف قريش ، وكان أمامها عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد ، فنادى عتبة الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. فقال : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فبدر إليهم ثلاثة من شبان الأنصار .. فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له .. فقال لهم : لا حاجة بنا إلى مبارزتكم .. إنما طلبنا بني عمنا . فقال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار : ارجعوا إلى مواقعكم .. ثم قال : يا علي قم ، يا حمزة قم ، يا عبيدة قم ، قاتلوا على حقكم الذي بعث الله نبيكم إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور الله .. فقاموا ، فقتل علي الوليد ، وجاء فوجد حمزة معتنقا شيبة بعد أن تثلمت في أيديهما السيوف .. فقال : يا عم طأطأ رأسك ، وكان الحمزة طويلا ، فأدخل رأسه في صدر شيبة ، فاعترضه علي بالسيف فطير نصفه ، وكان عتبة قد قطع رجل عبيدة ، وفلق عبيدة هامته ، فجاء علي فأجهز عليه ، وبذلك يكون علي بن أبي طالب عليه السلام قد شرك في قتل الثلاثة ، وقد استشاطت قريش غضبا لهذه البداية السيئة ، فأمطروا المسلمين وابلا من سهامهم ، ثم حمى الوطيس وتهاوت السيوف ، وتصايح المسلمون : أحد .. أحد ، وأمرهم الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يكسروا هجمات المشركين وهم مرابطون في مواقعهم .. وقال لهم : ” إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ، ولا تحملوا عليهم حتى تؤذنوا ” .

وكان الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وأله وسلم يتفقد رجاله وينظم صفوفهم ويسدي لهم النصائح ويذكرهم بالله تعالى والدار الآخرة ، ثم يعود إلى عريش هيىء له يرقب بطولة رجاله وجلدهم ويستغرق في الدعاء الخاشع ويستغيث بالرحمن الرحيم ، ويهتف بربه جل جلاله .. ويقول : ” اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض ” .

فلما اتسع نطاق المعركة واقتربت من قمتها ، كان المسلمون قد استنفذوا جهد أعدائهم وألحقوا بهم خسائر جسيمة ، خرج الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه يحرضهم بقوله : ” والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر .. إلا أدخله الله الجنة ”
ونزل بنفسه إلى الميدان يقاتل أشد القتال ، وأثر ذلك في أصحابه أشد التأثير ، فراحوا يشتدون نحو عدوهم لا يبالون بالموت ، ووهت صفوف المشركين ، وأخذهم الفزع ، وصاح الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرى كبرياء قريش يتمرغ في التراب : ” شاهت الوجوه ” .

وحاول أبو جهل عبثا أن يوقف سيل الهزيمة النازلة بقومه ، فأقبل يصرخ ولا زالت غشاوة الغرور ضاربة على عينيه : ” واللات والعزى لا نرجع حتى نفرقهم في الجبال .. خذوهم أخذا ” وأقبل يقاتل في شراسة وغضب ، وأحاطت به فلول المشركين ، ولكنها لم تلبث أن تهاوت أمام حماس المؤمنين وضرباتهم الشديدة في ذات الله تعالى ، فانكسرت صيحات الطيش أمام حقائق الإيمان ويقين المؤمنين ، وقتل أبو جهل ، وتفرق المشركون بعده بددا ، وانهزمت قريش ، وانكشفت المعركة عن مصرع تسع وأربعون من قريش .. وقيل سبعون ، وأسر سبعون ، وفر بقية التسعمائة والخمسون يجرون وراءهم أذيال الهزيمة والعار .

وكان علي بن أبي طالب عليه السلام صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معركة بدر ويسمى ( العقاب ) .. وله الدور الأساس فيها ، حيث كان عدد من قتلهم وشرك في قتلهم : اثنان وعشرون من مجموع تسعة وأربعون ، وقيل على تقدير السبعين : قتل واحد وعشرون ، وشارك في قتل أربعة ، وثمانية مختلف فيهم .

وأمر الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقتلى المشركين فطرحوا في بئر .. ووقف عليهم وناداهم رجلا .. رجلا : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا !! فقال له عمر : يا رسول الله : أتنادي قوما قد ماتوا ؟ فقال له الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ” ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني ” .

أما الأسرى : فقد أمر الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عليا أن يقتل رجلين منهم .. وهما : عقبة بن معيط ، والنضر بن الحارث ، لأن الأسر لا يعني صدور عفو عام عن الجرائم التي اقترفوها أيام حريتهم ، وكان لهذين ماض شنيع في إيذاء الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتحريض على القتال ضد المؤمنين ، وأخذ صلى الله عليه وآله وسلم الفداء من ثمانية وستين ، وقبل فداء الأسير الذي لا مال له وهو يكتب .. أن يعلم عشرة من أولاد الأنصار الكتابة .

وكان مجموع من قتل من المسلمين في معركة بدر : ( أربعة عشر ) ، ( ستة ) من المهاجرين و ( ثمانية ) من الأنصار ، وقد أقام الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في بدر .. ثلاثا ، ثم قفل عائدا إلى المدينة المنورة ، يسوق أمامه الأسرى والغنائم ، ورأى قبل دخولها أن يعجل البشرى لأهلها ، فأرسل ( عبد الله بن رواحة ) و ( زيد بن حارثة ) مبشرين يؤذنان الناس بالنصر العظيم ، وقد مكن هذا النصر للإسلام وأهله في المنطقة ، وأسلم بعد معركة بدر أناس كثيرون من أهل المدينة .

الدروس المستفادة من معركة بدر ..

الدرس الأول : أن المواقف السياسية الصحيحة : البناءة والقوية ، هي المواقف التي يتم اتخاذها على ضوء أهداف واضحة واستراتيجية تحرك محكمة .. وليس حسب الأمزجة .

الدرس الثاني : يجب على القائد أن يميز في الاستشارة بين صنفين من الآراء ..

الصنف الأول : الآراء التي تنبع من عوامل الضعف وغير المستوعبة للأهداف والاستراتيجية .

الصنف الثاني : الآراء الواقعية التي تقوم على رؤية واضحة للأهداف والاستراتيجية والواقع ومسؤولية الموقف وجديته .

الدرس الثالث : القائد الحكيم المحنك : مهما كان واعيا وبصيرا وحاذقا وكانت كفاءته عالية جدا ، فإنه يستشير أصحابه ولا يتجاهل وجهات نظرهم ، وهو يميز الخلفيات الفكرية والسياسية لمن يستشير ويأخذ ذلك بعين الاعتبار .

وكان الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : يستفز أصحابه ليحركوا عقولهم ليشيروا عليه رغم غناه من الناحية النظرية عن استشارتهم ، لأنه يملك عقلا عملاقا أكبر من عقل جبرئيل عليه السلام وإحاطة واسعة بالأمور .. بالإضافة إلى الوحي والتسديد الرباني ، ولكنه من الناحية العملية محتاج لاستشارتهم ، لأن تربيتهم التربية الرسالية الصالحة والفاعلة وبناء كيان الأمة الواعية القوية المسؤولة يتوقف علي ذلك .

الدرس الرابع : أن وضوح الأهداف والاستراتيجية لا يغني عن التشخيص الدقيق للواقع والتخطيط المحكم للمواقف وقيادتها .

الدرس الخامس : أن الجماعة المؤمنة تتخذ مواقفها انطلاقا من التكليف الشرعي على ضوء وضوح الأهداف والاستراتيجية ، وتنتظر مدد الرحمن ، ولا تضعف في المواجهة مع الأعداء ولا تأخذها في الله تعالى لومة لائم .. ولا يغرر بها ولا تخدع عن دينها وأهدافها . مع التأكيد على أن مدد الرحمن الرحيم حقيقة فعلية .. وليس مجرد شيء نفسي كما يرى البعض .

الدرس السادس : يجب التمييز بين الصمود النابع من الإيمان وذلك الذي يبنى على العصبية الجاهلية – كما كان الحال عند أبي جهل – فالصمود النابع من الإيمان طريق إلى النجاة والفوز في الدنيا والآخرة ، والذي ينبع من العصبية الجاهلية طريق إلى الخسران في الدنيا والآخرة .

الدرس السابع : أن القائد المؤمن بقضيته : لا يجعل نفسه وأهله والمقربين منه في مقدمة أصحاب المكاسب المادية ومؤخرة المضحين .. وإنما العكس : أول من يضحي .. وآخر من يحصل على المكاسب المادية ، كما فعل الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في معركة بدر وغيرها من المعارك .. وسائر حياته ، وكما فعل سبطه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء في يوم العاشر من المحرم ، ولهذا المنهج تأثيراته الكبيرة في بناء الجماعة وقوتها وانتصارها .

الدرس الثامن : يجب أن ندرك قيمة الوعي والإيمان وآثارهما الايجابية في قوة المواجهة مع العدو وتحقيق النصر .

الدرس التاسع : لم تكن معركة بدر كبيرة من حيث عدد المقاتلين وعدتهم ، ولكنها كانت كبيرة في تاريخ الإسلام والعالم بنتائجها التي غيرت وجه التاريخ والبشرية ، وقد اكتسبت تلك المعركة وأهلها أهمية كبيرة لدى المسلمين ، ويدعى أصحاب الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذين شاركوا فيها بالبدريين .. تأكيدا على فضلهم ومكانتهم في الإسلام !!

أيها الأحبة الأعزاء : إن انتصار المسلمين في معركة بدر كان حتميا ، لأن هزيمتهم تعني القضاء على الإسلام والمسلمين .. وهذا مستحيل عقلا .

قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر : 9 ) .

ولكن ذلك النصر – أيها الأحبة – غير معزول عن صدق المسلمين في المواجهة وإخلاصهم لربهم في العمل والجهاد .

وهنا يجب أن نشير إلى نوعين من الإعجاز ..

النوع الأول – إعجاز الفتح : ووظيفته فتح الطريق أمام الرسالة ، وإقامة الدليل على صدق النبوة والإمامة .. مثل : عصا موسى عليه السلام والقرآن الكريم .

النوع الثاني – إعجاز البقاء والاستمرار : ووظيفته المحافظة على بقاء الدين والجماعة المؤمنة ووصول الرسالة إلى الناس كما كتب الله تعالى على نفسه وتعهد بذلك .. ومثال هذا الإعجاز : شق البحر لموسى عليه السلام وانتصار المسلمين في بدر وسلامة زين العابدين عليه السلام في كربلاء .

المحور الثالث – معركة بدر في القرآن الكريم ..

الهدف من الحديث في هذا المحور .. هو : الوصول إلى بعض القواعد والسنن التي جرت عليها معركة بدر بقيادة الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. وذكرها القرآن الكريم – وهذا بحث واسع جدا – غير أنني سوف أكتفي بذكر ثلاث طوائف من الآيات الشريفة المباركة .. طلبا للاختصار .

الطائفة الأولى – قول الله تعالى : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون . يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون . وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين . ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون .إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممددكم بألف من الملائكة مردفين . وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم . إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام . إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب . ذلكم فذوقوه وان للكافرين عذاب النار } ( الأنفال : 5 – 14) .

وتتضمن الآيات الشريفة المباركة الحقائق التالية ..

الحقيقة الأولى : لقد كانت مبررات القتال واضحة كما بينتها آيات الإذن بالحرب ، وأن الله تعالى قد وعد المسلمين قبل الحرب : إما الظفر بالقافلة أو النصر في القتال ، ومع ذلك نجد – كما في هذه الآيات – بأن جماعة من الصحابة كانوا كارهين للحرب ، مما يدل على قصر النظر وخطأ الحسابات عند البعض ، وأن مواقف الضعفاء والمغرضين من المواجهات مع الأعداء لا تستند إلى مبررات واقعية ، وإنما لعوامل الضعف ولأغراض نفسية مريضة .

ولهذا لم يعبأ الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بمثل تلك الآراء في اتخاذ الموقف .. وذلك لسببين :

السبب الأول : وضوح الأهداف وإستراتجية التحرك لديه ، وأن الاستشارة إنما تجرى في ضوء ذلك ولا تخرج عنه .

السبب الثاني : لأنه صلى الله عليه وآله وسلم يشخص بدقة الخلفيات الفكرية والسياسية والنفسية وراء الآراء المطروحة عليه في الاستشارة .. ويأخذها بعين الاعتبار في تقييم الاستشارة .

وهذا ما ينبغي أن يكون عليه القائد في الحالتين ، وهو جزء من البصيرة التي يجب أن يتوفر عليها كل قائد ناجح يعرف طريقه في العمل .

الحقيقة الثانية : أن إحقاق الحق وإبطال الباطل يتوقف على مواجهة الباطل وعدم الاستسلام له .. وهذه سنة ثابتة في الحياة بغض النظر عن أساليب المواجهة .

الحقيقة الثالثة : أن الإمدادات الغيبية الربانية بالملائكة وغيرهم حقيقة واقعية قائمة بالفعل على أرض الواقع ، وأن المؤمنون يؤمنون بها ويدخلونها في حساباتهم في المواجهة مع الأعداء ، وأن الحصول عليها يخضع لشروط .. منها : الإخلاص لله تعالى واستفراغ الوسع في توفير الشروط الموضوعية للقيام بالواجب وأداء التكليف .

الحقيقة الرابعة : أن الصد عن سبيل الله تعالى وارتكاب الجرائم بحق العباد من أهم الأسباب لغضب الله تعالى ونزول العذاب على المجرمين .

الطائفة الثانية – قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وأصبروا إن الله مع الصابرين . ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط . وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ملا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب . إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } ( الأنفال : 46 – 49 ) .

وتتضمن الآيات الشريفة المباركة حقائق عديدة تتعلق بأسباب النصر والهزيمة تجلت جميعها في معركة بدر العظيمة ..

الحقيقة الأولى : من شروط النصر الأساسية : الشجاعة والصبر والثبات في المواجهة مع الأعداء ، وذلك يحتاج إلى روح معنوية عالية ، والروح المعنوية العالية تحتاج إلى أمور .. منها : الإيمان بالله واليوم الآخر .. وكثرة الذكر لهما ، والإيمان بالقضية والأهداف ، والرؤية الواضحة في خطوات العمل .

الحقيقة الثانية : من شروط النصر الأساسية أيضا : وحد الصف والمواقف .. وعدم التنازع ، وهذا يحتاج إلى قيادة حكيمة لديها رؤية واضحة في العمل .. وتحسن إدارة الاختلاف في الرأي .

الحقيقة الثالثة : من أسباب الفشل والهزيمة والمقت الإلهي : الطغيان والزهو والتكبر والاستخفاف بالحقائق والعباد .. والصد عن سبيل الله تعالى .

الحقيقة الثالثة : أن تغرير الشيطان بالمجرمين حقيقة واقعية ، وأن المجرمين يزين بعضهم لبعض زخرف القول غرورا .. ليندفعوا في الطريق الخطأ والعمل الخطأ ، بالصد عن سبيل الله تعالى وارتكاب الجرائم الشنيعة بحق العباد .

الحقيقة الرابعة : أن الشيطان يستطيع أن يرى الملائكة والإمدادات الغيبية في حالة المواجهة بين المؤمنين وأعدائهم .. وأنه ينهزم بسبب ذلك ، كما أن معنويات المجرمين تتأثر سلبيا بالإمدادات الغيبية للمؤمنين ، كما تؤثر تلك الإمدادات الغيبية إيجابيا في معنويات المؤمنين ، وتغير ميزان القوى لصالحهم في المعركة .

الحقيقة الخامسة : أن المنافقين شأنهم شأن المشركين في الاستخفاف بصدق الانتماء لدى المؤمنين ، وينتقدون عليهم صلابتهم في الدين وقوة مواقفهم في الحق ، وأن ثبات المؤمنين وصبرهم على أذى المشركين والمنافقين .. ينتج عنه تأييد الله تعالى ونصره لهم ، وهو القوي العزيز الغالب الذي لا يغلب .

الطائفة الثالثة – قول الله تعالى : { وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير . إذ أنتم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم . إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور . وإذ يركموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمر كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور } ( الأنفال : 41 – 44 ) .

تتضمن الآيات الشريفة المباركة الحقائق التالية ..

الحقيقة الأولى : أن الإمدادات الغيبية الربانية بالملائكة وغيرهم حقيقة واقعية قائمة بالفعل على أرض الواقع ، وأن المؤمنون يؤمنون بها ويدخلونها في حساباتهم في المواجهة مع الأعداء ، وأن الحصول عليها يخضع لشروط .. منها : الإخلاص لله تعالى واستفراغ الوسع في توفير الشروط الموضوعية للقيام بالواجب وأداء التكليف ، وقد سبقت الإشارة لهذه الحقيقة في الطائفة الأولى من الآيات الشريفة المباركة .

الحقيقة الثانية : أن معركة بدر الكبرى جاءت بتقديرات وتخطيط رباني لتحقيق إرادة ربانية عليا للانتقام من أرباب العناد والاستكبار أعداء الحق والإنسانية .. وإثبات كلمة الحق وفتح الطريق أمامها .

فمعركة بدر الكبرى من هذه الناحية : تشبه طوفان نوح عليه السلام ، وغرق فرعون وقومه ، وتدمير قوم عاد وثمود وأصحاب الأيكة ( قوم شعيب عليه السلام ) وقوم لوط عليه السلام . وقد أجريت مقارنة في محاضرة سابقة بين الآيات التي تناولت طوفان نوح عليه السلام ومعركة بدر .. وأبرزت أوجه الشبه في تناول الآيات للحدثين .

أيها الأحبة الأعزاء : إن الانتقام من أرباب العناد وقوى الاستكبار سنة ثابتة باقية في الحياة مادام الصراع قائما بين قوى الحق والباطل والخير والشر ، وفيها بشرى للمؤمنين وتحذير لقوى البغي والكفر والاستكبار العالمي ، وحصول هذه النتيجة في حقهم متوقع في كل حين ، وهذه الحقيقة ملموسة في العديد من الآيات القرآنية الشريفة .. ولا يتسع المقام لتفصيل ذلك .

الحقيقة الثالثة : أن الغاية النهائية من معركة بدر – كما هو الشأن في أمثالها – إقامة الحجة على الناس بالتمييز التام بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل ، لكي لا يبقى للناس عذر عند الله تعالى في يوم القيامة ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة .

الحقيقة الرابعة : أن أسباب النصر عند الله تعالى ، ليس في كثرة العدد ، وليس في ضخامة الاستعدادات والإمكانيات المادية ، وليس في قوة الدعاية والإعلام .. وإن كان العمل عليها يدخل ضمن التكليف في الاستعداد للحرب والمواجهة مع الأعداء ، وإنما في صلاح العقيدة ، وقوة الإيمان ، وصدق النية والإخلاص لله تعالى في الجهاد ، والتوكل عليه سبحانه ، والصبر في المواجهة .. وكلها من شروط تحصيل النصر من عند الله تعالى . فحاشى لله تعالى أن يحرم من النصر عباده الذين أحسنوا الاستعداد لمواجهة الأعداء وأخلصوا له في الجهاد وتوكلوا عليه !!

قال الله تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون } (آل عمران:123) .

وقال الله تعالى :{ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجنتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين }
( التوبة : 25 ) .

الحقيقة الخامسة : أن للروح المعنوية آثار واقعية في المواجهات مع الأعداء ، والحرب النفسية جزء لا يتجزأ من المعركة ، ولهذا ينبغي على المؤمنين مراعاة ذلك في موجهاتهم مع الأعداء .

تكملة : أسئلة الجمهور ..

السؤال ( 1 ) : لماذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ” من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ” رغم أن أبي سفيان كان شديد العداوة للإسلام ؟

الجواب ( 1 ) : كما قلت لكم : الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يتحرك من منطلق العصبية أو الضعف ، وإنما يتحرك بواقعية تامة من منطلقات شرعية ومن أجل المصلحة العامة للرسالة والأمة .. وساعة فتح مكة : كان من أهدافه صلى الله عليه وآله احتواء الوضع فيها سلميا ، وطمأنة أهلها وفتح الطريق أمامهم لدخول الإسلام ، وكان موقفه من أبي سفيان أحد الوسائل لتحقيق ذلك الهدف الإسلامي الإنساني النبيل .. ففعله .

ولنا في ذلك الموقف الدروس التالية ..

الدرس الأولى : التحلي بالمرونة والواقعية التامة في اتخاذ المواقف بعيدا عن الضعف والعصبية على ضوء التشخيص الموضوعي الدقيق للواقع ، والأهداف المحددة بعناية ودقة ، والاستراتيجية المرسومة للتحرك .

الدرس الثاني : يجب علينا أن لا نعطي التعيينات وإسناد الوظائف والعلاقات الاجتماعية في تقييم الأشخاص أكثر من حجمها الطبيعي الذي يمثل حقيقتها وواقعها .

الدرس الثالث : يجب أن نستند في تقييم الأشخاص إلى أدائهم وسلوكهم وليس للأشياء الإضافية عليهم .. مثل : العنوان والنسب والوظيفة .

السؤال ( 2 ) : ما هو تصوركم حول المجلس الإسلامي العلمائي ؟ وما دوركم فيه ؟

الجواب ( 2 ) : يقع الجواب في عدة نقاط ..

النقطة الأولى : لقد طالبت مرارا بتنظيم الحالة العلمائية القيادية واعتبرتها ضرورة ، وأعتقد بأن تشكيل المجلس العلمائي استجابة طيبة لهذه الحاجة .

النقطة الثانية : إن محاولات السلطة إعاقة المشروع عمل غير صحيح وفيه حرمان للعلماء من حقهم المشروع في تنظيم حالتهم لكي يتمكنوا من أداء دورهم بصورة أفضل في خدمة الدين والوطن ، وهو موقف يتنافى مع حقوق الإنسان التي كفلتها المواثيق الدولية ، ويتنافى مع شعار دولة المؤسسات والقانون .. ويستبطن الرغبة في بقاء الحالة العلمائية ضعيفة وغير منظمة .

النقطة الثالثة : أرى بأن بعض الملاحظات التي أثارها بعض المخلصون حول المجلس تتصف بالموضوعية ، وأقدر بأن الهيئة المركزية المنتخبة سوف تدرسها بعناية وتتصرف معها بموضوعية .. وهذا جشمنا فيهم .

النقطة الرابعة : لم أكن بعيدا عن المشاورات التي أديرت حول المجلس وساهمت برأيي فيها ، ولم يحصل لي شرف العضوية في المجلس لأنه – كما تعلمون – مجلس علمائي ولا تنطبق علي شروط العضوية فيه .

السؤال ( 3 ) : ما هو تصوركم وتوقعكم لمستقبل البحرين ؟
وهل تنتظر البحرين أيام سوداء ..مثل : قانون أمن الدولة ، واعتقالات واسعة وتضييق الحريات ؟
أم هناك توقع لانفراج الوضع .. مثل : تعديلات دستورية ، وفتح باب التوظيف في وزارتي الدفاع والداخلية ؟

الجواب ( 3 ) : المستقبل لن يكون سهلا ، والمطلوب من السلطة والمعارضة عمل الكثير ، والمخرجات تتوقف إلى حد بعيد على تغيير السلطة والمعارضة من منهجيتهما ، والمطلوب من المعارضة بصورة خاصة : أن تكون على بصيرة من أمرها من حيث تحديد الأهداف واستراتيجية التحرك ، وأن تحسن إدارة الاختلاف في الرأي ، وأن ترسم استراتيجية تحركها على تعدد مسارات الحركة .. مع ضرورة خلق التوازن والتنسيق بينها .

السؤال ( 4 ) : قلتم : على الطرف المهدد أن يبرز ما لديه من قوة لتكون قوة ردع .
فهل هذا الأمر يخول الأمة الإسلامية وعلى رأسها إيران اللجوء إلى القوة النووية كقوة ردع كبيرة ضد هجمات الأعداء ؟ مع العلم أن هناك إشكالا شرعيا لدى القيادة الإيرانية بهذا الخصوص !!

الجواب ( 4 ) : إن الله تعالى قد فرض على المسلمين بناء قوة رادعة ترهب الأعداء وتمنعهم من الهجوم على بلاد المسلمين واحتلال أراضيهم أو تهديد استقلالهم ودعوتهم أو السيطرة على ثرواتهم ومقدراتهم .

وهناك حالتين يجب على المسلمين النظر إليهما في هذا الموضوع ، فإن لكل حالة حكمها الخاص بها .. وهما :

الحالة الأولى : هي الحالة الاعتيادية .
الحالة الثانية : هي حالة الاستثناء والضرورة .

أما عن الإشكال : فربما يكون سببه طبيعة السلاح النووي ، حيث أن تأثيرات هذا السلاح تمتد إلى خارج دائرة المعركة ، وتكون خسائره في دائرة المدنيين والأبرياء والبيئة أكثر من دائرة ساحة القتال والمقاتلين .. ولأجيال متعاقبة .

السؤال ( 5 ) : ذكرتم بأن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أمر بردم آبار بدر لحرمان جنود قريش من الماء .
فهل ترى صحة ذلك ؟ خصوصا إذا ما قارنا هذا الموقف بموقف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في معركة صفين حيث سمح لجيش معاوية بالشرب من الفرات حينما سيطر عليه ، ولم يكن معاوية قد سمح لجيش أمير المؤمنين عليه السلام بالشرب حينما كان الفرات تحت سيطرته !!

الجواب ( 5 ) : لقد ذكر هذا الأمر علماء السيرة من مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت عليهم السلام ، ولم أقف على مناقشات فقهية منهم لهذا الموضوع ، وكلهم ذكره ضمن التدابير العسكرية الناجحة للحرب ، وليس لي أن أجتهد وأعطي حكما شرعيا في هذا الموضوع .. ولكن أنبه إلى بعض النقاط العامة :

النقطة الأولى : أن الآبار لم تكن مملوكة لأحد .
النقطة الثانية : أن تأثير ردم الآبار في بدر لم يمتد إلى دائرة أوسع من دائرة المحاربين .. فلم يسمم الماء مثلا .
النقطة الثالثة : يحتمل في الأمر حكمين : الجواز مطلقا أو أنه في دائرة الضرورة العسكرية مع أخذ النقطتين السابقتين بعين الاعتبار .
النقطة الرابعة : أن جيش معاوية من المسلمين ، وجيش قريش من المشركين .. وهذه حيثية لها تأثيرها في الحكم .
النقطة الخامسة : أن عمل أمير المؤمنين كان ضمن آداب الحرب وليس واجبا .. مع انتفاء الضرورة العسكرية لمنع الماء .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.