فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 17-05-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 17 مايو 2002 م

الخطبة الدينية : النفس – أي طريق تختار
الخطبة السياسية : الانتخابات البرلمانية – رأي معارض

( أرى عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية لأسباب ستة :
أولا : الانقلاب على الدستور الشرعي ، وميثاق العمل الوطني ، والالتزامات والتعهدات التي أعطيت للشعب .
ثانيا : أن الانقلاب المذكور صادر المطلبين الشرعيين الرئيسيين للانتفاضة الشعبية المباركة ، وهما تفعيل الدستور ، وإعادة الحياة البرلمانية ، والدستور الممنوح هو غير الدستور الشرعي ، والبرلمان المطروح هو غير البرلمان المطالب به
ثالثا : أن الدستور الممنوح هو دستور غير شرعي ، وأن المشاركة في الانتخابات البرلمانية هي بمثابة المصادقة على هذا الدستور ، وإعطائه الشرعية .

رابعا : أن الدستور الممنوح – في الوقت الذي سحب من الشعب الصلاحيات الدستورية التي أعطاها أياها الدستور الشرعي ( دستور 73 ) – طوقه ولم يسمح له بالتغيير من خلال الحياة البرلمانية ، بل أن السلطة قد تتوجه لإضفاء الشرعية على الدستور الجديد ، والانقلاب المذكور ، من خلال البرلمان القادم .
خامسا : توجهات الشارع . التوجه العام للشارع هو الرفض ، وأقدر بأنه يصعب جدا إقناع الشارع بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة ، وأقدر أيضا بأن المشاركة في الحياة البرلمانية بغير رضا الجمهور والشارع ، سوف تكون له تأثيرات سلبية خطيرة على الوضع السياسي للجمهور ، وعلى معنوياته وروحه الجهادية ، وبل وحتى التأثير على حالته الإيمانية .
سادسا وأخيرا : أن قبول الشعوب بالأمر الواقع الذي يفرضه الحكام يؤدي أولا : إلى قتل الروح المعنوية والجهادية ؛ وقتل روح الرفض والإباء عند الشعوب ، وثانيا : يؤدي إلى فساد الأنظمة والحكومات ، وتخلف المجتمع والدولة . ولهذه الأسباب الستة نرفض – حسب رأيي – الدخول والمشاركة في الحياة البرلمانية القادمة )
( مطالب المرحلة .. ماهي :
المطلب الأول : العودة إلى الدستور الشرعي ، وهو دستور 73 .
المطلب الثاني : رفض أي تعديل للدستور ، يأتي عن طريق غير طريق الآلية الدستورية كما حددتها المادة 104 من دستور 73 .
المطلب الثالث : أن يكون المجلس المعين استشاريا فقط ، وليست له أي صلاحيات تشريعية ، لأن الصلاحيات التشريعية هي من اختصاص المجلس المنتخب ، كما أنه ليس من حق المجلس المعين منع صدور أي قرار من السلطة التشريعية في المجلس المنتخب ، ويقترح ألا يزيد عدد أعضاء المجلس المعين عن نصف أعضاء المجلس المنتخب .
المطلب الرابع : حسب ما جاء في ميثاق العمل الوطني ، لا يكون الوزراء أعضاء في أي من المجلسين المعين والمنتخب
المطلب الخامس : تحقيق المساواة بين المناطق في توزيع الدوائر الانتخابية ، بحيث يكون التمثيل نسبيا حسب عدد السكان .
المطلب السادس : حل مشكلة البطالة ، ويتعلق بها تحسين مستوى المعيشة ، وذلك عن طريق وضع حد أدنى للأجور بعد احتساب تكلفة المعيشة ، والمساواة بين المواطنين في الوظائف ، وفتح أبواب الوظائف المغلقة في بعض وزارات ومؤسسات الدولة أمام جميع المواطنين ، وهناك مطالب تكميلية تتعلق بالتجنيس ، والمبعدين ، وغيرها من المطالب )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( ونفس وما سوَّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسَّاها ) صدق الله العلي العظيم .

النفس .. أعظم الآيات

هذه الآيات من ( 7- 10 ) من سورة الشمس ، وهي تتحدث عن النفس الإنسانية .
( ونفس وما سواها ) هذه الآيات التي تتناول بالبحث النفس البشرية جاءت في هذه السورة في سياق الحديث عن الآيات الكبيرة ، والمظاهر الكونية الثابتة . قال تعالى ( والشمس وضحاها ، والقمر إذا تلاها ، والنهار إذا جلاها ، والليل إذا يغشاها ، والسماء وما بناها ، والأرض وما طحاها ، ونفس وما سواها ) فهذه الآيات تشير إلى أن النفس البشرية في خلقها ، وإيجادها ، وإبداعها ، آية من آيات الله الكونية الكبيرة ، كالشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار ، والسماء ، والأرض ، بل أن سياق الآيات – كما سيتضح في مستقبل الحديث – تعد خلق النفس البشرية وإبداعها من أعظم وأكبر الآيات الكونية . كما نستفيد أيضا من سياق الآيات ، بأن إيجاد وخلق النفس البشرية غاية مقصودة من خلق الآيات الكونية الأخرى ، بمعنى أن الله – عز وجل – خلق الآيات الكونية الأخرى من أجل هذه النفس بغية هدايتها .

النفس بمعنى الروح

( ونفس وما سواها ) النفس : لفظ استخدم في القرآن الكريم بمعنى الروح ، قال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) والروح : هي الشيء الذي به الحياة ، سواءا كانت هذه الحياة حياة نباتية ، ومن آثارها النمو والتكاثر ، أو حياة حيوانية ، ومن آثارها – إلى جانب النمو والتكاثر – الحركة والسمع والبصر والشعور ، أو حياة إنسانية ، التي من آثارها – إلى جانب النمو والتكاثر والحركة والسمع والبصر والشعور – الإدراك والعقل والحب والضمير البشري .
على أن النفس التي يقسم بها الله في هذه الآية هي النفس البشرية خاصة ، بدليل الآيات التي تليها ( فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) وهذه خصائص النفس البشرية ، وربما يضاف إليها نفس الجن ؛ لأن الجن مكلفون أيضا .

النفس : روح وجسد

ومن خلال التأمل في الآية ، ولفظ النفس في القرآن الكريم ، فإن اللفظ لا يدل على أن المقصود بالنفس هو الروح المجردة فقط ، وإنما يقصد بالنفس الروح من خلال تعلقها بالجسد ، وحينما تتعلق الروح بالجسد ، وتمتزج خصائص الروح مع خصائص الجسد ؛ ففي ذلك إشارة إلى النفس ، وهذا المعنى نجده أيضا في القرآن الكريم على لسان موسى (ع) : ( قال ربي : إني قتلت نفسا متعمدا ) فموسى (ع) قتل إنسانا بروحه وجسده من خلال فصله للعلاقة بين الروح والجسد .

النفس وأداء الوظيفة

( ونفس وما سواها ) ما معنى سواها ؟ سواها : بمعنى عدلها وأكملها ، وزودها بكل ما يلزمها من كفاءات في سبيل أداء وظيفتها ، ولكي نفهم معنى تسوية النفس البشرية ، يجب أن نعرف طبيعة تكوين وخلقة الإنسان ، لأن تسوية النفس البشرية ترتبط بها ، وهذه النفس هي وليدة شيئين ، الحمأ المسنون وهو الطين ، والنفخة الربانية ( وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ، فإذا سوَّيته ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين ) وبالتالي فإن تسويتها وتكوينها يرتبط بالروح من خلال تسوية وتكميل الروح ، وهناك تسوية ترتبط بالجسد ، وهناك تسوية ترتبط بالعلاقة بينهما ، فتسوية الجسد هو تهيئة هذه الأجهزة الموجودة في جسم الإنسان بحيث تؤدي وظيفة حياتية ، فتحفظ حياة الإنسان ، وتسوية الروح بأن يزودك الله بالإدراك والعقل والمشاعر والغريزة ، فكلها من خصائص الروح ، وهناك تسوية وليدة علاقة الروح والجسد ، ومن جملتها الضمير ، وكل هذه الأدوات زود الله – عز وجل – بها النفس البشرية في سبيل أن تؤدي هذه النفس الوظيفة التي وجدت من أجلها .

ثلاث طرق للنفس

وحين نتأمل ونحلل ، نجد بأن هناك ثلاث طرق تسلكها النفس من خلال هذه التسوية:
الطريق الأول : أن تسوية النفس تخدم سير الإنسان في طريقه إلى الله عز وجل .
الطريق الثاني : أن تسوية النفس تخدم تعمير الإنسان للأرض ، وتسخير الكائنات الموجودة كلها .
الطريق الثالث : أن تسوية النفس تخدم إقامة الإنسان للحياة الاجتماعية ، وإدارتها وتطويرها ، لتحفظ النوع البشري ، وتسهم في تطويره من جميع الجوانب.

أعظم الآيات

وتجد أن لفظ النفس نكرة ، وهذا يدل على ثلاثة أشياء :
أولا : أن المقصود بالنفس هنا هو خصوص النفس البشرية ، أو هي النفس المكلفة التي تشمل النفس الإنسانية ، ونفس الجن ، لا أعم من ذلك .
ثانيا : أن النفس البشرية آية عظيمة جدا ، فالتنكير يفيد التفخيم والتعظيم ، مما يدل على أن النفس البشرية كآية ربما تكون في حقيقتها أعظم من الآيات التي سبق ذكرها في السورة .
ثالثا : أن النفس الإنسانية تفوق التصور ، أي ليس في وسع الإنسان أن يتصور حقيقتها .

النفس والاستعدادت العقلية

( فألهمها فجورها وتقواها ) بمعنى أفهمها وعلمها ، وأصل الإلهام هو البلع والشرب ، ثم استخدم بمعنى ما يلقيه الله في روع الإنسان ، وهذا التفهيم مبني على ما أعطاه الله – عز وجل – للإنسان من استعدادات عقلية ، فالله – عز وجل – أعطى الإنسان استعدادت عقلية ، ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يفهم ويتعلم ، فحينما أذكر لفظ باب مثلا ، فإنكم تتصورن الباب ، وحينما أذكر النافذة ، فإنكم تتصورون النافذة ، والآية تشير هنا إلى أن تصوركم هذا تتدخل فيه الاستعدادات العقلية التي منحها الله للإنسان ، كما تتدخل فيه إرادة الله – جل جلاله – وفعله .
وكأنما الله – عز وجل – بالإضافة إلى دوره في منحه استعداداتكم لإداراك هذه الصورة ، فإن له دورا أيضا في إيجاد هذه الصورة في أذهانكم ، وحينما نبرهن على شيء من خلال القرآن مثلا ، وأنتم تصدقون به أو تكذبونه ، فهذا فهم يرتبط باستعداداتكم العقلية التي أعطاكم الله إياها ، وأنتم من خلال هذه الاستعدادات تستطيعون أن تصدقوا أو تكذبوا ذلك أيضا ، وتدل أيضا على أن لله – جل جلاله – دور في خلق هذا التصديق أو التكذيب وإيجاده في أذهانكم .

الفجور شق للدين

( فألهمها فجورها ) المعنى الأولي للفجور هو : الشق الواسع ، وسمي الفجر فجرا ، لأنه يشق الظلام ، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الذنوب والمعاصي تسمى فجورا لأنها تشق الدين ، وكأنما الدين بمثابة الحجاب والستر الذي يشعر فيه الإنسان بقدسية الله وعبوديته له ، فإذا ارتكب الإنسان الذنوب والمعاصي ؛ شق هذا الحجاب والستر ، وبذلك يكون قد انتهك حرمة قدسية الله ، وحرمة الربوبية والعبودية له .

التقوى وقاية وحفظ

( فألهمها فجورها وتقواها ) وأما التقوى فمعناها الوقاية والحفظ ، أي أن الإنسان يقي نفسه مما يخاف ، فهو يطيع الله – عز وجل – ويتجنب المعاصي والذنوب ، لأنها تقيه اللهلكة ، وتقيه من غضب الله ، وفي الآية أكثر من نكتة والتفاتة :

الفجور والتقوى من النفس

أولا : أن الآية ربطت بين تسوية النفس ؛ وإلهامها الفجور والتقوى ، ( ونفس وما سوَّاها ، فألهمها فجورها وتقواها ) وهنا الهاء في كلمتي فجورها وتقواها تعود إلى النفس ، مما يدلل على أن الفجور والتقوى نابع من تسوية النفس ، وطبيعتها ، وكمالها ، حيث يعد إلهام النفس الفجور والتقوى من أهم جوانب كمال النفس ، فالفجور والتقوى إذن نابعان من تكوين وخلقة النفس ، وما العوامل الخارجية سواء التي تؤدي بالإنسان إلى الفجور ، أو تؤدي به إلى التقوى إلا عوامل مساعدة ، أما النفس فهي مفطورة ومطبوعة على أن تسير في طريق الفجور ، أو أن تسير في طريق الهداية ، لأنها تعرف طريق التقوى وطريق الفجور من خلال إلهام الله لها ذلك ، وهو ما يسمه البعض ( بالعقل العملي ) ، وهو أيضا ما تشير إليه الآية : ( فأقم وجهك للين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ، وهي قادرة أيضا على السير في كلا الطريقين حسب اختيارها .

إما فجور أو تقوى

ثانيا : أن الله علق الإلهام على معنيي الفجور والتقوى ، وهذا يدل على أن فعل الإنسان إما أن يكون فجورا أو تقوى حتى في الأشياء المشتركة بينهما ، فالأكل مثلا يمكن أن يكون فجورا أو يكون تقوى ، فإذا أكلت الكسب الحلال من خلال البيع والشراء فهو تقوى ، وإذا أكلت الكسب الحرام من خلال الربا أو السرقة أو الغصب ، فهو فجور ، كما أن المضاجعة والمعاشرة الجنسية إذا كانت عن طريق الزنا – والعياذ بالله – فهي فجور ، وإذا كانت عن طريق الزواج الشرعي فهي من التقوى ، وحتى حضور للصلاة قد يكون من الفجور أو التقوى ، فإذا حضرت الصلاة قربة لله تعالى فهو من التقوى ، وإذا حضرت من أجل أغراض شيطانية فهو من الفجور ، كما يدلل التعليق على أن الله – جل جلاله – قد أفهم الإنسان الطريقين ، سواء عن طريق الفطرة ، أو عن طريق الحسن والقبح العقليين ، هذا بالإضافة إلى تعليمه وإفهامه من الخارج ، رحمة به عن طريق الأنبياء والكتب السماوية .

لا تتساهلوا في مسألة الفكر

( قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) أفلح بمعنى : فاز ونجح ، أما معنى زكاها ، فإن التزكية لها معنيان ، المعنى الأول : التطهير ، والمعنى الثاني : النماء والبركة ، فالتزكية تعني تطهير النفس من الذنوب والآثام والمعاصي والأحقاد والخصومات ، وجعل النفس تعيش السلام مع الله ، ومع ذاتها ، ومع الآخرين ، وأما تزكيتها بمعنى إنمائها كقولنا مثلا : زكا النبات : بمعنى نما نماء صالحا ، فهنا يكون تزكية النفس بالمعرفة ، معرفة الله ، ومعرفة الحق ، ومعرفة الخير ، ومعرفة الفكر المستقيم والصائب ، وهنا أركز على أهمية الفكر .. أيها الأحبة : لا تتساهلوا في مسألة الفكر ، فالفكر مرة يخدم تزكية النفس وتطهيرها ، ومرة يلوثها ، فإذا كان الفكر فكرا منحرفا ، فإنه يفتح عقل الإنسان على آفاق الشر ، ويخلق للإنسان نوازع الشر ، ويحرك الإنسان في الحياة حركة الشر ، وهذا فكر يلوث النفس البشرية ، وأيضا تزكيتها بالتقوى والعمل الصالح ، قال تعالى : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) .
( وقد خاب من دساها ) أصل الدس بمعنى : إدخال الشيء في الشيء ، كأن نقول : دس السم في العسل ، والبعض يشير إلى إدخال الشيء في الشيء قسرا أو خفاء ، والذي أردت ذكره هو : إدخال الشيء في الشيء ، ونفيد من هذا المعنى لشرح معنى ( دساها ) بذكر معنيين :
المعنى الأول : دساها بمعنى أخفاها وغطاها .
المعاني الثاني : دساها بمعنى أنقصها .

لا يصل لها

فحينما يدخل الإنسان نفسه في الذنوب والمعاصي ، فهو يغطيها عن نور الله ، ويغطيها عن نور الهداية ، فلا يصل لها نور الإيمان ، ولا يصل لها نور العقل ، ولا يصل لها نور الفطرة ، ولا يصل لها نور النبوات ، ولا يصل لها نور الكتب ، ولا يصل لها نور الموعظة ، لأنه حجبها وأخفاها وغطاها بالذنوب والمعاصي والخلق السيء ، كما أنه ينقصها حينما يخفيها ويلوثها وراء حجاب الذنوب والمعاصي ، فالتقوى تنمي النفس ، وإخفاء النفس وراء الذنوب والمعاصي ، الذي هو معنى الفجور ، ينقص النفس ، والآية هنا تبين لنا بأن النفس ، قابلة للنماء وقابلة للهبوط ، فقد تنمو النفس البشرية حتى يكون الإنسان أفضل من الملائكة ، وقد تهبط هذه النفس وتسقط حتى تكون أضل من البهائم ، فتتحول إلى نفس شيطانية ، وهذه النفس الشيطانية هي أنقص شيء في الوجود كله ، والآيات كلها تبين لنا بأن الله – عز وجل – خلق الإنسان ، وزوده بكل الكفاءات التي يحتاج لها لكمال نفسه ، وأعطاه الاخيتار ليختار أحد الطريقين ، فهل يختار طريق تزكية النفس ، أم يختار إنقاصها وتلويثها ، فهو يتحمل مسئولية ذلك ، وكأنما الآية تقول : لقد أكرمك الله أيها الإنسان ، فلا تهن نفسك باختيارك طريق الفجور .

مجرد رأي

بعد هذه الوقفة ، آتي إلى الحديث حول قضايا الساحة ، وسوف يكون الحديث عن الانتخابات البرلمانية ، وسوف أجيب في هذا اليوم باختصار شديد ، وفي نقاط على ثلاثة أسئلة ، وأواصل الحديث عن نفس الموضوع في الأسابيع القادمة – إن شاء الله – ، مع لفت الانتباه إلى أن الكلام في هذا الأسبوع والأسابيع القادمة هو : مجرد رأي وليس قرارا ، وأن هذا الرأي مطروح للمناقشة ، وللأخذ والعطاء فيه ، في سبيل تكوين رأي عام ناضج ، وفي سبيل مساعدة قياداتنا ورموزنا في اتخاذ القرار الصائب بإذن الله .

الانتخابات البرلمانية ( أسباب الرفض )

السؤال الأول : لماذا نرفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة ؟

أنا أرى ضرورة عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة ، وذلك للأسباب التالية :
أولا : الانقلاب على الدستور الشرعي ، وميثاق العمل الوطني ، والالتزامات والتعهدات التي أعطيت للشعب .
ثانيا : أن الانقلاب المذكور صادر المطلبين الشرعيين الرئيسيين للانتفاضة الشعبية المباركة ، وهما تفعيل الدستور ، وإعادة الحياة البرلمانية ، فالدستور الممنوح هو غير الدستور الشرعي ، والبرلمان المطروح هو غير البرلمان المطالب به .
ثالثا : أن الدستور الممنوح هو دستور غير شرعي ، وأن المشاركة في الانتخابات البرلمانية هي بمثابة المصادقة على هذا الدستور ، وإعطائه الشرعية .
رابعا : أن الدستور الممنوح – في الوقت الذي سحب من الشعب الصلاحيات الدستورية التي أعطاها أياها الدستور الشرعي ( دستور 73 ) – طوقه ولم يسمح له بالتغيير من خلال الحياة البرلمانية ، بل أن السلطة قد تتوجه لإضفاء الشرعية على الدستور الجديد ، والانقلاب المذكور ، من خلال البرلمان القادم .
خامسا : توجهات الشارع . التوجه العام للشارع هو الرفض ، وأقدر بأنه يصعب جدا إقناع الشارع بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة ، وأقدر أيضا بأن المشاركة في الحياة البرلمانية بغير رضا الجمهور والشارع ، سوف تكون له تأثيرات سلبية خطيرة على الوضع السياسي للجمهور ، وعلى معنوياته وروحه الجهادية ، وبل وحتى التأثير على حالته الإيمانية .
سادسا وأخيرا : أن قبول الشعوب بالأمر الواقع الذي يفرضه الحكام يؤدي أولا : إلى قتل الروح المعنوية والجهادية ؛ وقتل روح الرفض والإباء عند الشعوب ، وثانيا : يؤدي إلى فساد الأنظمة والحكومات ، وتخلف المجتمع والدولة . ولهذه الأسباب الستة نرفض – حسب رأيي – الدخول والمشاركة في الحياة البرلمانية القادمة .

مطالب ستة

السؤال الثاني : ما هي المطالب الرئيسية للمرحلة ؟

وأذكر منها ستة مطالب .
المطلب الأول : العودة إلى الدستور الشرعي ، وهو دستور 73 .
المطلب الثاني : رفض أي تعديل للدستور ، يأتي عن طريق غير طريق الآلية الدستورية كما حددتها المادة 104 من دستور 73 .
المطلب الثالث : أن يكون المجلس المعين استشاريا فقط ، وليست له أي صلاحيات تشريعية ، لأن الصلاحيات التشريعية هي من اختصاص المجلس المنتخب ، كما أنه ليس من حق المجلس المعين منع صدور أي قرار من السلطة التشريعية في المجلس المنتخب ، ويقترح ألا يزيد عدد أعضاء المجلس المعين عن نصف أعضاء المجلس المنتخب .
المطلب الرابع : حسب ما جاء في ميثاق العمل الوطني ، لا يكون الوزراء أعضاء في أي من المجلسين المعين والمنتخب ، فميثاق العمل الوطني أشار إلى أن هناك مجلسين ، مجلس منتخب ذو صلاحيات تشريعية ، ومجلس للشورى ، والوزراء ليسوا أعضاء في أي من المجلسين . صحيح أن دستور 73 يشير إلى أن الوزراء أعضاء بحكم وظائفهم في المجلس الوطني ، ولكن الميثاق الذي صوت عليه الشعب يقول بأن الوزراء ليسوا أعضاء في أي من المجلسين ، وذلك من أجل فصل السلطات الثلاث .
المطلب الخامس : تحقيق المساواة بين المناطق في توزيع الدوائر الانتخابية ، بحيث يكون التمثيل نسبيا حسب عدد السكان .
المطلب السادس : حل مشكلة البطالة ، ويتعلق بها تحسين مستوى المعيشة ، وذلك عن طريق وضع حد أدنى للأجور بعد احتساب تكلفة المعيشة ، والمساواة بين المواطنين في الوظائف ، وفتح أبواب الوظائف المغلقة في بعض وزارات ومؤسسات الدولة أمام بعض المواطنين ، وهناك مطالب تكميلية تتعلق بالتجنيس ، والمبعدين ، وغيرها من المطالب .

المعارضة أمام خيارين

السؤال الثالث : ما هي أبعاد المعارضة ؟

للمعارضة بعدان :
البعد الأول : أن تتحقق المطالب ، وهو المأمول – إن شاء الله – وتحقيق المطالب يحتاج إلى أربعة عوامل أساسية :
العامل الأول : الرؤية الثاقبة والواضحة التي تبصر وتلامس حقائق الأمور .
العامل الثاني : إرادة التغيير الصلبة ذات النفس الطويل ، التي تتغلب على عوامل الإحباط ، والضعف ، والترهيب والرغيب .
العامل الثالث : المشاركة الشعبية الفاعلة والصحيحة في التعبير عن آرائها وإرادتها ومواقفها ، وأوكد بأن : الجمهور هو الرقم الصعب الذي من شأنه أن يشكل الكتلة الحرجة التي لا تقف دون تحقيق المطالب .
العامل الرابع : حسن إدارة عملية المعارضة ، واستخدام الأساليب والوسائل السلمية ، والآليات الصحيحة والمناسبة لتحقيق الأهداف ، وهنا أذكر بالحالة التي كانت في أوائل التسعينات بعد أن طرحت العريضة النخبوية الأولى ، حيث كان التصور بأن المطالب غير قابلة للتحقيق ، وأنها صعبة المنال ، وذلك ناتج عن عدم وضوح الرؤية ، والخطأ في قراءة الواقع ، ولكن بفضل الانتفاضة المباركة ، أصبحت المطالب قريبة المنال ، وكانت قاب قوسين أو أدني من تحقيقها ، وكادت أن تتحقق لولا الانقلاب ، ورغم الانقلاب فإن التجربة أثبتت لنا بأن المطالب قابلة للتحقيق .
البعد الثاني : لو افترضنا جدلا بأن المطالب لن تتحقق ، فهذا لا يدعونا للتخلي عن المعارضة ، بل الاستمرار في المعارضة لتحقيق هدفين أساسين :
الهدف الأول : المحافظة على الروح المعنوية ، والروح الجهادية ، وروح الرفض والإباء لدى الجمهور ، والمحافظة على تماسكهم المادي والمعنوي ، والمحافظة على وحدة الصف ، وهو هدف مهم ، ومطلوب بحد ذاته .
الهدف الثاني : أن نوقف الفساد عند أدنى حد ممكن ، ولا نسمح له بالتطور ، فإذا نحن لم نعارض فسوف يكون هناك فساد كبير ، حسب القاعدة القرآنية الكريمة ، كما في قوله تعالى ( فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) فعدم المعارضة يؤدي إلى الفساد الشامل ، وينبغي أن نضع حدا لهذا الفساد ، وهو أمر مهم ، ومطلوب في حد ذاته .

هذه أفكار مطروحة للنقاش ، وسوف نواصل الحديث في هذا الموضوع في الأسابيع القادمة .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 4 ربيع الأول 1423 هـ الموافق 17 / 5 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.