فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 22-11-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 22 نوفمبر 2002 م

الخطبة الدينية : الصلح .. إحدى العمليات السياسية – رؤية قرآنية
الخطبة السياسية : تعليق على خطاب الملك لأعضاء المجلس المعين بقصر الصافرية

( إذا حظي حاكم بالدعم الشعبي ، فهو أكبر مكسب سياسي يمكن أن يحصل عليه الحاكم ، وإذا خسر الحاكم الدعم الشعبي ، فإن هذه الخسارة لا يمكن أن يعوضها أي مكسب آخر ، ونستطيع أن نقول : بأن كل حاكم يجب أن يجعل قبول الشعب أو رفضه معيارا للحكم ، على نجاح أو فشل المشاريع ، فالمشروع الذي يحظى بالدعم الشعبي هو مشروع ناجح ، والمشروع الذي يرفضه الشعب هو مشروع فاشل )
( هل يمكن أن يستبدل الحاكم الحاذق والحكيم الدعم الشعبي الكبير برضا أفراد ؟ أي أن يضحي بدعم شعب من أجل أن يرضي مجموعة أفراد ، ومهما كبر هؤلاء الأفراد ، فهل هذا العمل من الحكمة ؟ .. أنا لا أعتقد ذلك .. خصوصا وأن عظمة الملك ملتفت إلى هذا الجانب من خلال تأكيده على الدعم الشعبي )

( وصية عظمة الملك بضرورة التكامل بين المؤسسات الدستورية ، وألا تكون السيطرة لإحدى السلطتين على الأخرى ، هي وصية لا يمكن تفعيلها والعمل بها ، لأن أساس نظام عمل المجلسين يفرض الهيمنة للمجلس المعين على المجلس المنتخب ، وبالتالي فإن الحالة التكاملية بين المؤسسات الدستورية غير ممكنة ، ولا يمكن العمل بها )
( نحن نعرف أن هناك تطورا في موقف الحكومة من المعارضة ، فحتى بدء الإصلاحات ، كانت كل التصريحات من المسئولين ترفض التصريح بلفظ المعارضة والاعتراف بوجودها ، وفي الآونة الأخيرة ، أثناء حملة الانتخابات ، وجدنا على لسان المسئولين في الحكومة ، والرموز السياسية اعترافا بوجود المعارضة وقوتها وحضاريتها ، وقد أثنوا عليها في هذا الجانب ، ولو أن عظمة الملك صرح بلفظ المعارضة في خطابه ، لكان قد أضاف شيئا جديدا وواقعيا لساحة العمل الوطني ، وللحركة الإصلاحية ، وللعلاقة بين المعارضة والحكومة )
( لو وقف الملك بجدية وموضوعية على مسألة المقاطعة للانتخابات التي قامت على أسس حقوقية وسياسية واقعية وموضوعية ، والواقع الذي انتهى إليه حال المجلس الوطني بعد المقاطعة ، متمثلا في خروج الرموز الوطنية والشخصيات المرموقة منه ، وخروج القوى السياسية الأساسية منه ، ودخول شخصيات مجهولة ، وقوى سياسية لا تمثل الوزن الأكبر في الساحة السياسية ، وقد أصبح أمر يقينيا أن المجلس لا يعكس توازن القوى في الساحة السياسية ، وأنه صورة مشوهة لذلك ، ألا يعد ذلك كافيا للمراجعة )
( المعارضة لا ترغب في توريط الشعب ، ولأجيال متعاقبة في وضع دستوري وسياسي خاطئ ، وتريد من جهة ثانية أن تفتح الباب للتصحيح ، فقد كانت المعارضة بين خيارين ، بين المشاركة التي تعني ترسيخ وتثبيت الوضع الدستوري والسياسي الخاطئ ، وبين المقاطعة التي تعني فتح المجال إلى التصحيح )
( الخلاف يتعلق بالدستور الذي ينتقص الحقوق المكتسبة للشعب ، وبالمؤسسة البرلمانية التي ترتهن إرادة الشعب مصدر السلطات جميعا ، وعظمة الملك لم يقدم شيئا في هذا الجانب ، ولو قدم شيئا في هذا الجانب لاستجابت المعارضة ، فالمعارضة هي الطرف الأساسي في الحياة البرلمانية ، وليس من المعقول أن تقاطع لو لم تكن مكرهة ومجبرة ومضطرة للمقاطعة )
( دعوة المعارضة للمشاركة دليل قوة ، حينما تكون قواعد اللعبة صحيحة ، وحينما تكون الشروط عادلة ، وفي هذه التجربة ، فإن قواعد اللعبة غير صحيحة ، وشروطها غير عادلة ، أي أنك ترتهن إرادتي ، وتوثقني ، ثم تقول : تعال وبارز ، هذا أمر غير معقول ، فقد تمت مخالفة قواعد اللعبة ، وهذه الدعوة في حد ذاتها لا تدل على القوة )
( المحافظة على الوحدة الوطنية هي هدف الجميع ، والرغبة في تفعيلها وتأكيدها على أرض الواقع يتطلب أن يوضع أساس واقعي لها ، وأنا أقدر بأن هذا الأساس غير موجود ، فقد كان عندنا دستورا متوافقا عليه ، وهو دستور 73 ، وقد ألغي هذا الدستور ، وكان عندنا ميثاق العمل الوطني ، وتم الانقلاب على هذا الميثاق ، وجيء لنا بدستور يصادر حقوقنا ، بعد ذلك .. كيف تكون الدعوة للوحدة الوطنية واقعية ، ولا يوجد أساس لهذه الوحدة )
( وصلتني دراسة قبل شهور عن أحدى الوزارات ، ولم أقم بإخراجها ، تشير هذه الدراسة إلى التمييز الطائفي بالاسم ، من الوزير إلى الإدارات الأساسية والفرعية ، ولدي قوائم بهذه الأسماء ، لتدركوا إلى أي حد بلغ التمييز الطائفي ، فإذا وقفت على الأسماء وليس الأعداد في هذه الوزارة ، من الوزير إلى سائر الإدارات ، تجد أن التمييز بارز بلون فاقع ، لدرجة أنه يغضب ، فكيف نتكلم عن وحدة وطنية ، والتمييز الطائفي بهذا المستوى من الوضوح ، ولكي تكون هناك وحدة وطنية حقيقية ، يجب إلغاء التمييز الطائفي ، ومعاقبة من يمارس التمييز الطائفي ضد المواطنين )
( انخفاض مستوى المعيشة خلق لنا مشاكل أخلاقية واجتماعية رهيبة ، وكثير من الأولاد والبنات تحت وطأة الفقر والحاجة باعوا شرفهم ، ولدينا شباب تصل أعمارهم لثلاثين سنة ولا يستطيعون الزواج ، ولدينا حالات عنوسة كثيرة ، فإذا افترضنا أن شابا تزوج ، وراتبه 120 دينارا ، وهو بهذا الراتب يريد أن يوفر أجار الشقة وفاتورة الكهرباء والماء وغيرهما ، فكيف له أن يعيش ، وأي زوجة تصبر على زوج لا يمتلك أن يصرف عليها ، سوف يكونان بالطبع في نزاع دائم )
( حين تأتيني بعمال أجانب ، وتجعلهم يخوضون في منافسة غير متكافئة مع المواطن ، يقينا سوف يشعر المواطن بالظلم ، وحين تستقدم أجنبيا ، وتفضله على المواطن ، وتضع له شروطا أفضل منه في العمل ، وتحرم المواطن من الخدمة في المؤسسة العسكرية ، وتفضل الأجنبي عليه ، وتضع له شروط إيجابية ، شروط لا يحلم بها ، حيث يأتي المجنس وعمره 18 إلى 20 سنة ، ويعمل 20 سنة أخرى ، ثم يتقاعد ويذهب إلى بلده ، ولديه منزل هنا يدر عليه دخلا إضافيا ، وراتبا تقاعديا ، هذه شروط لا يحلم بها المجنس في بلده ، في حين أن المواطن مسحوق ، ألا يشعر المواطن بالظلم )
( إذا كنا نعتقد بأن هويتنا وشخصيتنا في عاداتنا وتقاليدنا ، فلم هذه السياحة الهابطة التي تخالف كل عاداتنا وتقاليدنا ، والمشكلة أننا حينما نبني التنمية الاقتصادية ، فإننا نبنيها على أسس تضر بهوية المجتمع وشخصيته المعنوية ، فهل من المعقول أن تقول : أنني أريد أن ألبس هذا الإنسان وأسكنه على حساب روحه وأخلاقه وهويته ؟!!! هل هذا مبدأ صحيح ؟!!! )
( نحن نطالب المسئولين ومازلنا نطالبهم بأن يصدروا بيانا يوضحوا فيه ما حدث جامعة البحرين في الاحتفال بيوم الوفاء ، وأن يعاقبوا المسئولين عن ذلك ، لأن إدخال الخمور وشربها في جامعة البحرين ، وهي مؤسسة تعليمية مقدسة ، في احتفال بيوم وطني ، أمر يفوق كل مقاييس الانتهاكات )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

تهنئة

في البداية ، أرفع أسمى آيات التهاني ، إلى إمامي وسيدي ومولاي وشفيعي يوم القيامة ، الحجة بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، وإلى مقام مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المسلمين والمؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم ، بمناسبة الذكري السنوية السعيدة ، لمولد إمامنا الحسن المجتبى (ع) .

قال تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ، وتوكل على الله ، إنه هو السميع البصير * وإن أرادوا أن يخدعوك فحسبك الله ، هو الذي أيديك بنصره وبالمؤمنين ، وألف بين قلوبهم * ) صدق الله العلي العظيم . ( 60 – 61 ) سورة الأنفال .

أهم العمليات السياسية

هاتان الآيتان تبحثان في واحدة من أهم العمليات السياسية ، التي وجدت على مدى التأريخ تقريبا ، وهي اتفاقية أو معاهدة الصلح ، والبعض يفرق بين المعاهدة والاتفاقية ، ولسنا بصدد الخوض في هذا الجدل ، فمعاهدة الصلح قد تكون محاولة لإنهاء نزاع داخلي بين طرفين ، وقد تكون محاولة إنهاء صراع خارجي مع عدو خارجي .

تأمره أن يميل للصلح

قوله تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) الآية الشريفة المباركة تأمر الرسول (ص) إذا جنح الطرف الآخر في الصراع إلى السلم أو الصلح والتعايش السلمي مع المسلمين ، أن يميل ويجنح للصلح ويقبل به .

هذه الآية فيها دلالتان رئيسيتان :

الدلالة الأولى – الأمر بالصلح : بمعنى إذا مال الطرف الآخر للصلح ، فعلى الرسول أن يميل ويجنح للصلح .

الدلالة الثانية : أن الآية لم تخصص طرفا دون طرف في قضية الصلح ، بل أمرت الرسول (ص) أن يميل للصلح مع كل طرف يميل ويجنح للصلح .

قد يكون ..

فقد يكون الطرف الآخر في حرب مع المؤمنين ، ويريد أن يوقف الحرب ، ويعقد عملية صلح مع المؤمنين ، وقد يكون الطرف الآخر ليس في حالة حرب ، ولكنه يريد أن يعقد عملية صلح مع المؤمنين ، والآية تأمر الرسول بعقد الصلح في كلتا الحالتين ، سواء مع من كان في حرب مع المؤمنين ، ويريد أن يوقف هذه الحرب ، ويعقد الصلح معهم ، أو من لم يكن في حالة حرب ، ولكنه يريد أن يعقد صلحا مع المؤمنين ، وقد تشير الآية إلى بعد آخر في مسألة الصلح ، فمرة يكون الطرف الآخر في حالة حرب ، ويريد أن يعقد صلحا ، وفي حالة أخرى ، قد لا توجد معاهدة صلح ، ولكن الطرف الآخر يريد أن يعتزل الحرب ، وهنا يجب قبول هذا الموقف منه وعدم ملاحقته للدخول في الصراع من جديد ، حتى لو لم يدخل في اتفاقية صلح ، وهذا ما يسمى في الاصطلاح الحديث ” بالاتفاق الضمني ” .

لا تعبر عن عقد نفسية

ولهذه الآية فائدتان أساسيتان :

الفائدة الأولى : أنها تكشف عن الرغبة الأصيلة لدى المؤمنين في الصلح والسلم ، وأنهم لا يرغبون في الحرب والصراع ، وأن دوافع الصراع لدى المؤمنين – حسب تعبير بعض المفسرين – لا تعبر عن عقد نفسية ، وإنما هم يخوضون الصراع من أجل المصلحة العامة ، سواء كانت مصلحة إسلامية أو وطنية .

الفائدة الثانية : أنها تؤكد على بعد الحوار مع الطرف الآخر ، سواء كان ذلك على المستوى الفكري ، أو على مستوى الواقع وإدارته .

يجب أن يدرس الواقع

قوله تعالى : ( وتوكل على الله ) التوكل على الله له أكثر من دلالة :

الدلالة الأولى : أن التوكل على الله يعني : أن الطرف المؤمن حينما يعرض عليه الصلح ، فيجب عليه أن يدرس ظروف الواقع ، ويدرس شروط الصلح إذا وجدت معاهدة صلح ، ويدرس معطيات الواقع حاضرا ومستقبلا ، ليكون الصلح من خلال رؤية واضحة ، ودراسة مستوفية ، وأول ما يبرز في تفكير المؤمنين حينما يعرض عليهم الصلح وجود احتمالين :

احتمالان

الاحتمال الأول : أن الطرف الآخر حينما مال إلى الصلح ، فقد فعل ذلك عن رغبة صادقة في الصلح .

الاحتمال الثاني : أن الميل إلى الصلح من الطرف الآخر هو خديعة ، وهذا الميل جاء نتيجة لوجود أوضاع غير جيدة في مرحلة الصلح ، ويريد أن يرتب من خلال الصلح أوراقه ، تمهيدا للهجوم على المؤمنين .

فإذا تيقن المؤمن بوجود الرغبة الصادقة للصلح ، فسوف يمضي في هذا الصلح ، ولكنه إذا درس ظروف الصلح ، وأحس بالخديعة ، فلديه عدة احتمالات .

تيقن الخديعة

الاحتمال الأول : أن المؤمن قد تيقن بأن الطرف الآخر ، إنما يريد الخديعة ، عندئذ لن يمضي في هذا الصلح ، قوله تعالى : ( وإما تخافن من قوم خيانة ، فابنذ إليهم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين ) ولو عقد الصلح ، وتبين له وجود الخديعة والخيانة ، فيجوز له أن ينقض الصلح ، ولكن قبل أن يبدأ الهجوم على الطرف الآخر – إذا كان في حالة الحرب معه – فعليه أن يعلم الطرف الآخر بأنه قد نقض الصلح .

نتيجة روح انهزامية

الاحتمال الثاني : أن الصلح جاء نتيجة روح انهزامية ، والآية تنهى الإنسان المؤمن أن يميل للصلح عن ضعف وروح انهزامية ، سواء كان الانهزام فكريا أو روحيا ومعنويا ، كما في قوله تعالى ( لا تهنوا وتدعو إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ) وعليه فينبغي على أن المؤمنين أن يصالحوا من موقع قوة ، وأن يدركوا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وأن الله معهم ، فلا ينبغي لهم أن يكونوا في موقف ضعف وهزيمة .

ألا يقطع الطريق

الدلالة الثانية : أن الصلح لا ينبغي أن يقطع الطريق على الحق والعدل ، وإنما يمهد للوصول إليهما ، وعلى الإنسان أن يتمسك بأهدافه وثوابته ، وعليه أيضا أن يبدي مرونة فيما يتعلق بإشكالية الواقع ، ولكن ليس على حساب الأهداف والثوابت ، وفيما يتعلق بالشروط ، فقد تكون الشروط مجحفة ، كما حدث للرسول الأعظم في صلح الحديبية ، وقد قبل الرسول بها ليس عن ضعف ، وإنما لأنه يمتلك رؤية واضحة لحركة الواقع ، وأن القبول بهذه الشروط المجحفة – حسب هذه الرؤية – من شأنه أن يمهد الطريق للمؤمنين للحصول على حقوقهم . فمعنى ( وتوكل الله ) تعني دراسة الظروف الصلح ، بأن لا يكون الصلح عن ضعف ، وتعني أيضا ألا يقطع الصلح الطريق على الحق والعدل بل يمهد للوصول إليهما .

يعطي كل طرف

قوله تعالى : ( إن الله هو السميع البصير ) بعدما أمرت الآية الرسول بالتوكل على الله ، فقد أخبرته بأن الله يسمع أقوال الطرف الآخر ، وما إذا كانت متضمنة لخديعة أو خيانة ، ويسمع أيضا أقوال المؤمنين ودعواتهم ، كما أنه يعلم نوايا الطرف الآخر ، ويعلم نوايا المؤمنين ، ويبصر أفعالهم ، ويعطي كل طرف ما يستحقه من الثواب والعقاب ، أو من النصر أو الخذلان .

قوله تعالى : ( وإن يريدوا أن يخدعوك ، فإن حسبك الله ) ذكرنا قبل قليل : أن الإنسان المؤمن قد يتقن نوايا الصلح من الطرف الآخر ، فيمضي فيه ، وقد يتقن نوايا الخديعة ، فيمتنع عنه ، ولكن توجد حالتين أخريتين غير الحالتين السابقتين

هو حسبك .. هو ناصرك

تتعلقان بموضوع الصلح :

الحالة الأولى : أن يظن الإنسان المؤمن بوجود الخديعة .

الحالة الثانية : أن يكون الإنسان المؤمن في حالة تردد أو شك من جدوى الصلح ، بعدما دراس واقع الصلح ، أو أن تكون بعض الأمور قد خفيت عليه .

الله سبحانه وتعالى يقول للإنسان المؤمن : بأنك في كلتا الحالتين ، في حالة ظنك ، وفي حالة ترددك ، لعدم دراستك للواقع بصورة كافية ، فعليك بالمضي في الصلح ، والله – عز وجل – هو كفيلك في كلتا الحالتين ، فإذا نوى الطرف الآخر الخديعة ، فقد أمرك الله بالتوكل عليه ، وهو حسبك ، وهو ناصرك وكافيك ، وإذا وجدت بأنك لم تستوفي دراسة الواقع بصورة كاملة ، وأن هناك أمورا خافية عليك ، فامض في الصلح ، والله – عز وجل – ناصرك ومسددك .

التوكل نافع .. فيه تهديد

الآية هنا تشير إلى أمور ينبغي أن نلتفت إليها ، ونبصرها ببصائرنا :

الأمر الأول – في حالة الظن والشك : حينما يتوكل الإنسان على الله – عز وجل – فإن هذا التوكل نافع للمؤمنين ، قوله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، إن الله بالغ أمره ) فإذا توكلت الله ، فسيكفيك وينصرك ، وهو بالغ أمره ، وغير قاصر عن تحقيق أغراضه ومراميه ، قوله تعالى : (وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقوله تعالى : ( لأغلبن أنا ورسلي ) ، وفي ذلك إشارة إلى أن إرادة الله وسننه في إدارة الأمور أن ينصر من يتوكل عليه ، ويقلب الموازين لصالحه ، وهذا يؤكد فاعلية التوكل في تحقيق النصر .

الأمر الثاني : أن التوكل فيه تحذير للطرف الآخر من مغبة نقض العهد ، بل فيه تهديد بأن الله سوف ينتقم من ناقضي العهود في الدنيا والآخرة ، وهو من فاعلية التوكل أيضا ، فحين تظن بوجود خديعة أو خيانة من الطرف الآخر ، فعليك أن تتوكل على الله ، وهو قادر على نصرك ، الانتقام لك ممن ينقضون العهد والميثاق في الدنيا والآخرة .

قوله تعالى : ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبكم ) ألف بين قلوبكم بداية الآية الثالثة ، وقد ضممتها للآيتين لارتباطها بهما .

امض في الصلح

الآية تقول للنبي محمد (ص) : أن الله حينما أمرك بالتوكل عليه ، وأكد على أن من يتوكل على الله فهو حسبه ، فهو يريد أن يقول لك يا محمد : بأن التجربة أثبتت نصر الله لك ، كما حصل في غزوة بدر ، قوله تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) ، فكما نصرك الله يا محمد في السابق ، فسينصرك في اللاحق والمستقبل ، وأحيانا يكون النصر نصرا مباشرا ، بأن يلقي الرعب في قلوب المشركين ، قوله تعالى : ( وإن تنصروا ينصركم ويثبت أقدامكم ) فهو الذي وعد بالنصر ، وهو الذي يتكفل بتحقيق هذا النصر ، وقد يكون النصر بواسطة الملائكة ، والآيات والأحاديث تتكلم عن الله كيف يمد الرسول والمؤمنين بالملائكة .

دور الجماهير

الآية تشير أيضا إلى المؤمنين ( وبالمؤمنين ) مما يعني أن المؤمنين يلعبون دورا كبيرا جدا في تحقيق النصر ، مما يعني أهمية الاهتمام بدعم الجماهير ، والمحافظة على دورهم وفاعليتهم ، ووجوب التواصل معهم ، والمحافظة على وحدتهم ، أما قوله تعالى : ( وألف بين قلوبكم ) فهذا يعني أن الألفة بين المؤمنين على الحق هي أحد عوامل النصر .

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة ، أنتقل إلى الحديث السياسي ، ويدور حول خطاب عظمة الملك الذي ألقاه على أعضاء مجلس الشورى المعينين ، في لقائه معهم مساء الاثنين ليلة الثلاثاء ، بتاريخ 18 / 11 / 2002م ، في قصر الصافرية ، حينما دعاهم على وجبة فطور ، وقد اخترت فقرات من خطاب عظمته للتعليق عليها ، وهذه الفقرات مأخوذة من جريدة الأيام ، وهي الجريدة الوحيدة التي انفردت بنقل الخطاب ، وأنا أقتبس هذه الفقرات منها .

الاستعداد للمراجعة والتصحيح

قال عظمته : ” إنه إذا وجدنا يوما أن هناك نظاما أفضل من نظام المجلسين ، فلن يكون لدينا مانع من دراسته والأخذ به إن كان صالحا لنا ، فالآليات السياسية ليست في حالة جمود ” .

هذا النص يتضمن حالة إيجابية ، وتتمثل في الاستعداد إلى المراجعة والتصحيح ، أي أن عظمة الملك أبدى استعداده لمراجعة الموقف وتصحيحه ، وقد ذكر مسألة مهمة تتعلق بالمجلسين ، وهي مسألة محل خلاف بين المعارضة والحكومة . وهنا أنبه إلى عدة نقاط :

دستور 2002 وليس المجلسين

النقطة الأولى : أن الخلاف الأساسي بين المعارضة والحكومة ليس في نظام المجلسين ، وإنما الخلاف الأساسي حول دستور 2002 ، والخلاف حول دستور 2002 يدور أيضا حول عدة نقاط :

أولا : أن دستور 2002 انتقص الحقوق الشعبية المكتسبة ، وهذه الحقوق لا يجوز دستوريا أن تمس في أي تعديل دستوري .

ثانيا : أن الدستور الجديد خالف ميثاق العمل الوطني في الكثير من بنوده .

ثالثا : أن الدستور الجديد ألغى دستور 73 ، وجاء بدستور جديد ، والإلغاء لم يكن وفق آلية دستورية صحيحة ، ووضع الدستور الجديد لم يكن وفق آلية دستورية صحيحة أيضا .. إذن ، فالخلاف الأساسي ينصب حول دستور 2002.

الخلاف حول الصلاحيات

فيما يتعلق بنظام المجلسين ، لا يوجد خلاف حول أصل الموضوع بين المعارضة والحكومة ، فنظام المجلسين منصوص عليه في ميثاق العمل الوطني ، والشعب صوَّت على الميثاق بأغلبية ساحقة ، وبالتالي فإن نظام المجلسين غير مرفوض ، ولا يوجد خلاف حوله ، وإنما الخلاف حول صلاحيات المجلس ، وهيمنة المجلس المعين على المجلس المنتخب ، وإعطاء الصلاحيات التشريعية لمجلس الشورى المعين خلافا لميثاق العمل الوطني ، بل خلافا للدستور الذي ينص على أن الشعب مصدر السلطات جميعا .

وصية لا يمكن تفعيلها

من جانب آخر فقد أعطى الدستور الجديد الهيمنة الواضحة لإرادة الحكومة على إرادة الشعب ، وعظمة الملك في نفس الخطاب أكد على التكاملية بين المؤسسات الدستورية ، وأنه ينبغي ألا تهمين وتسيطر إحدى السلطات في المؤسسات الدستورية على الأخرى ، هذا من ناحية الكلام ، أما من الناحية الفعلية ، فحينما تأتي إلى واقع وهيكلية ونظام عمل المجلسين ، تجد هيمنة حقيقية للمجلس المعين على المجلس المنتخب ، ووصية عظمة الملك بضرورة التكامل بين المؤسسات الدستورية ، وألا تكون السيطرة لإحدى السلطتين على الأخرى ، هي وصية لا يمكن تفعيلها والعمل بها ، لأن أساس نظام عمل المجلسين يفرض الهيمنة للمجلس المعين على المجلس المنتخب ، وبالتالي فإن الحالة التكاملية بين المؤسسات الدستورية غير ممكنة ، ولا يمكن العمل بها .

أنا شخصيا سمعت

قال عظمته : ” أننا عندما أقدمنا على إحداث كل هذه التحولات ، انطلقنا من دعم شعبنا ، ومشاركتهم لنا في الرأي ” .

أنا شخصيا سمعت من عظمة الملك أكثر من مرة أنه قال عن نفسه : أنه يستمد قوته من شعبه ، وكل ملك أو حاكم يستمد قوته من شعبه ، فإذا حظي حاكم بالدعم الشعبي ، فهو أكبر مكسب سياسي يمكن أن يحصل عليه الحاكم ، وإذا خسر الحاكم الدعم الشعبي ، فإن هذه الخسارة لا يمكن أن يعوضها أي مكسب آخر ، ونستطيع أن نقول : بأن كل حاكم يجب أن يجعل قبول الشعب أو رفضه معيارا للحكم ، على نجاح أو فشل المشاريع ، فالمشروع الذي يحظى بالدعم الشعبي هو مشروع ناجح ، والمشروع الذي يرفضه الشعب هو مشروع فاشل .

هل يمكن ؟!!!

وهنا أثير تسائلا بناء على هذا النص من عظمة الملك : هل يمكن أن يستبدل الحاكم الحاذق والحكيم الدعم الشعبي الكبير برضا أفراد ؟ أي أن يضحي بدعم شعب من أجل أن يرضي مجموعة أفراد ، ومهما كبر هؤلاء الأفراد ، فهل هذا العمل من الحكمة ؟ .. أنا لا أعتقد ذلك .. خصوصا وأن عظمة الملك ملتفت إلى هذا الجانب من خلال تأكيده على الدعم الشعبي ، وأذكر بما حصل عليه عظمة الملك من استقبال متميز في سترة ، حتى أنه عبر في أكثر من مرة ، أن هذه الحفاوة التي حصل عليها في سترة جعلته لا يسيطر على شعوره ، والشعب مستعد أن يقدم كل الدعم لعظمة الملك ، وعظمة الملك يستطيع أن يراهن على هذا الشعب ، ويستطيع أن يعتمد عليه في الأوقات الصعبة ، ولكن عليه أن يعطيه ، وأن تكون مشاريع عظمة الملك مقبولة من الشعب لكي يحظى بدعمه .

تمنتيت لو صرح …

قال عظمته : ” علينا أن نشرك الجميع معنا في الحوار نحو الرأي الأفضل ، وألا نكون منقطعين عن الآخرين ” هذا نص كلامه ، وقد قالت الجريدة : ” مؤكدا بأن المشروع الوطني يجب أن يجمع الجميع ، وأن ينجح باتفاق الجميع ” .

هذا النص يحتوي على إيجابيتين :

الإيجابية الأولى : الدعوة إلى الحوار ، والتأكيد على أهميته ، وأن تـُشرك جميع الأطراف فيه ، ولا يستعبد أي طرف من الحوار .

الإيجابية الثانية : أن عظمته أكد على التوافق والإجماع الوطني .

وقد تمنيت وأنا أقرأ هذا النص : لو أن عظمة الملك صرح بلفظ المعارضة بدلا من لفظ الآخرين حينما قال : ” وألا نكون منقطعين عن الآخرين ” ويقصد بالآخرين المعارضة بالطبع ، ونحن نعرف أن هناك تطورا في موقف الحكومة من المعارضة ، فحتى بدء الإصلاحات ، كانت كل التصريحات من المسئولين ترفض التصريح بلفظ المعارضة والاعتراف بوجودها ، وفي الآونة الأخيرة ، أثناء حملة الانتخابات ، وجدنا على لسان المسئولين في الحكومة ، والرموز السياسية اعترافا بوجود المعارضة وقوتها وحضاريتها ، وقد أثنوا عليها في هذا الجانب ، ولو أن عظمة الملك صرح بلفظ المعارضة في خطابه ، لكان قد أضاف شيئا جديدا وواقعيا لساحة العمل الوطني ، وللحركة الإصلاحية ، وللعلاقة بين المعارضة والحكومة .

لو وقف بجدية

في النص الأول : أظهر الملك استعداده لمراجعة الموقف وتصحيحه ، وفي النص الحالي أكد على الحوار والتوافق الوطني ، وأنا أسأل الآن عظمة الملك : لو وقف بجدية وموضوعية على مسألة المقاطعة للانتخابات التي قامت على أسس حقوقية وسياسية واقعية وموضوعية ، والواقع الذي انتهى إليه حال المجلس الوطني بعد المقاطعة ، متمثلا في خروج الرموز الوطنية والشخصيات المرموقة منه ، وخروج القوى السياسية الأساسية منه ، ودخول شخصيات مجهولة ، وقوى سياسية لا تمثل الوزن الأكبر في الساحة السياسية ، وقد أصبح أمر يقينيا أن المجلس لا يعكس توازن القوى في الساحة السياسية ، وأنه صورة مشوهة لذلك ، ألا يعد ذلك كافيا للمراجعة .

لا يتوقع الكثير

كل من تأمل كثيرا في واقع المجلس الوطني بغرفيته ، لا يتوقع الكثير من المجلس الحالي ، فلا الحكومة تتوقع منه شيئا ، ولم تعطه وزنا كما بينت ذلك في الأسبوع الماضي ، كما أن الشعب لا يعول عليه شيئا ، ويقدر أن المجلس لا يستطيع أن يقدم شيئا ذو بال أو أهمية .. ألا يكفي ذلك إلى أن يراجع عظمة الملك هذا الموقف ويسعى لتصحيحه ، لاسيما وأنه دعا إلى الحوار ، وأكد على التوافق الوطني ، فأين التوافق الوطني ، والدستور غير متوافق عليه ، والمجلس مقاطع .

الدخول في حوار

بناء على كل هذا ، واستنادا إلى قول عظمة الملك وتوجهه ، فإنني أدعو كما دعوت سابقا عظمة الملك إلى الدخول في حوار جاد مع المعارضة بناء على دستور 73 وميثاق العمل الوطني.

قال عظمته : ” إننا كنا نريد من الجميع أن يشارك في التجربة ، لذلك لم ننتظر حتى ننتهي من كل ما قمنا به لكي ندعو من في الخارج ، بل دعوناهم جميعا للمشاركة في التجربة منذ البداية ، وهذا دليل على قوة تجربتنا ” .

أساسنا حقوقي وسياسي

أولا : أن موقف المعارضة من المقاطعة قائم على أساس حقوقي وسياسي ، الأساس الحقوقي يتمثل في الدستور الذي انتقص الحقوق المكتسبة للشعب ، وهي حقوق لا يجوز دستوريا انتقاصها بأي حال من الأحوال ، ثم وجود مؤسسة برلمانية ترتهن فيها الحكومة إرادة الشعب ، أما الأساس السياسي : فإن المعارضة لا ترغب في توريط الشعب ، ولأجيال متعاقبة في وضع دستوري وسياسي خاطئ ، وتريد من جهة ثانية أن تفتح الباب للتصحيح ، فقد كانت المعارضة بين خيارين ، بين المشاركة التي تعني ترسيخ وتثبيت الوضع الدستوري والسياسي الخاطئ ، وبين المقاطعة التي تعني فتح المجال إلى التصحيح .

الدعوة لم تقدم شيئا

ثانيا : أن دعوة عظمة الملك للمعارضة بالمشاركة لم تقدم شيئا الجانبين الحقوقي والسياسي اللذين استند عليهما قرار المقاطعة ، وفيما يتعلق بدعوته للجمعيات الأربع المقاطعة على وجبة الغذاء ، فقد دعاهم في ذلك اللقاء إلى المشاركة ، وسمح للجمعيات السياسية بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية ، ولكن الخلاف الأساسي ليس هذا ، فمع كوننا نؤكد على أهمية العمل المؤسساتي ، وأنه لا وجود لإصلاحات جادة بدون عمل مؤسساتي ، إلا أن الخلاف يتعلق بالدستور الذي ينتقص الحقوق المكتسبة للشعب ، وبالمؤسسة البرلمانية التي ترتهن إرادة الشعب مصدر السلطات جميعا ، وعظمة الملك لم يقدم شيئا في هذا الجانب ، ولو قدم شيئا في هذا الجانب لاستجابت المعارضة ، فالمعارضة هي الطرف الأساسي في الحياة البرلمانية ، وليس من المعقول أن تقاطع لو لم تكن مكرهة ومجبرة ومضطرة للمقاطعة .

خلاف قواعد اللعلبة

ثالثا : قوله ” وهذا دليل قوة تجربتنا ” . تعد دعوة المعارضة للمشاركة دليل قوة ، حينما تكون قواعد اللعبة صحيحة ، وحينما تكون الشروط عادلة ، وفي هذه التجربة ، فإن قواعد اللعبة غير صحيحة ، وشروطها غير عادلة ، أي أنك ترتهن إرادتي ، وتوثقني ، ثم تقول : تعال وبارز ، هذا أمر غير معقول ، فقد تمت مخالفة قواعد اللعبة ، وهذه الدعوة في حد ذاتها لا تدل على القوة .

هدف الجميع ، ولكن لا أساس لها

قال عظمته : ” إن المحافظة على الوحدة الوطنية هي هدفنا الأساس ، وكذلك محاربة كل أشكال الفساد ” .

أقول : أن المحافظة على الوحدة الوطنية هي هدف الجميع ، والرغبة في تفعيلها وتأكيدها على أرض الواقع يتطلب أن يوضع أساس واقعي لها ، وأنا أقدر بأن هذا الأساس غير موجود ، فقد كان عندنا دستورا متوافقا عليه ، وهو دستور 73 ، وقد ألغي هذا الدستور ، وكان عندنا ميثاق العمل الوطني ، وتم الانقلاب على هذا الميثاق ، وجيء لنا بدستور يصادر حقوقنا ، بعد ذلك .. كيف تكون الدعوة للوحدة الوطنية واقعية ، ولا يوجد أساس لهذه الوحدة ، وأول أساس للوحدة الوطنية ، أن تكون هناك مرجعية متوافق عليها ، والمرجعية المتوافق عليها ، والمتمثلة في دستور 73 وميثاق العمل الوطني تم إلغاؤها ، وجيء بدستور مختلف حوله ، وفي هذا الاختلاف ، نجد بأن المعارضة هي التي تتمسك بالجانب الدستوري ، فالموقف الدستوري هو من جانبها فقط ، أما الحكومة فهي مخالفة للدستور ، والمعارضة كالحكومة تؤكد على أهمية الوحدة الوطنية ، ولكن في سبيل تفعيل هذا المبدأ يجب أن نضع الأساس الصحيح ، وأول هذا الأساس هي المرجعية المتمثلة في الدستور ، والدستور الجديد لا يمثل أرضية وأساسا للوحدة الوطنية .

بالأسماء وليس بالأرقام

كما أن الوحدة الوطنية تتطلب إلغاء التمييز الطائفي الموجود والمستشري في كل مؤسسات الدولة ، ولا أحد يستطيع أن ينكر عدم وجود التمييز الطائفي ، وقد وصلتني دراسة قبل شهور عن أحدى الوزارات ، ولم أقم بإخراجها ، تشير هذه الدراسة إلى التمييز الطائفي بالاسم ، من الوزير إلى الإدارات الأساسية والفرعية ، ولدي قوائم بهذه الأسماء ، لتدركوا إلى أي حد بلغ التمييز الطائفي ، فإذا وقفت على الأسماء وليس الأعداد في هذه الوزارة ، من الوزير إلى سائر الإدارات ، تجد أن التمييز بارز بلون فاقع ، لدرجة أنه يغضب ، فكيف نتكلم عن وحدة وطنية ، والتمييز الطائفي بهذا المستوى من الوضوح ، ولكي تكون هناك وحدة وطنية حقيقية ، يجب إلغاء التمييز الطائفي ، ومعاقبة من يمارس التمييز الطائفي ضد المواطنين .

لا ينسجمان

أما فيما يتعلق بالفساد ، فكيف لمحاربة الفساد أن تكون مطلبا واقعيا ، مع صدور قانون يريد أن يحمي المسئولين عن انتهاك حقوق الإنسان ، والمسئولين عن التعذيب ، وهو قانون مخالف لدستور مملكة البحرين ، سواء كان دستور 73 أو دستور 2002 ، ومخالف أيضا لكل المواثيق الدولية ، ولهذا فقد طالبت المعارضة بإغلاق هذا الملف بمصالحة وطنية ، فمحاربة الفساد مع صدور هذا القانون شيئان لا ينسجمان مع بعضهما البعض .

لا أشك .. ولكن عن طريق القانون

قال عظمته : ” إن قدرنا هو الوحدة الوطنية ، والعمل على تقديم الرعاية والخدمات اللازمة للمواطنين لإسعاد قلوبهم ، إذ أن من أصعب الأمور هي أن ترى ابنك لا يبتسم ) .

أنا لا أشك في صدق هذا التوجه لدى عظمة الملك ، ولكن كما شرحت بالتفصيل في خطاب آخر ، ينبغي أن يكون إيصال الحقوق عن طريق القانون والمؤسسات ، فإيصال الحقوق عن طريق القانون والمؤسسات يعني الاعتراف بأنها حقوق ، وضمان توصيلها لكل الأشخاص المستحقين في كل زمان دون أن يتوقف ذلك على الأشخاص ، ونحن نتمنى لعظمة الملك طول العمر ، فهو يحمل هذا التوجه ، وقد يأتي بعده خلف لا يكون حريصا على إيصال هذه الحقوق ، لهذا فإننا نؤكد بأن الذي يتناسب مع كونها حقوق ، والذي يتناسب مع كرامة المواطنين ، أن تصل هذه الحقوق من خلال القانون والمؤسسات .

قال عظمته : ” علينا معالجة مشكلة البطالة ، وإنعاش الإقتصاد الوطني ، موضحا أن أبسط معادلة تكمن في أن يكون في جيوب الناس أموالا كافية ، لكي يتمكنوا من الصرف على أنفسهم ” ثم قال ” ونحن حينما نركز على مسألة البطالة لأنها مسألة مهمة ” وقال : ” ونرى بأن الشعور بالظلم هو أشد من الظلم ” .

أي حياة يعيش !!!

ذكرنا في أحاديث سابقة ما هو موقفنا من البطالة ، ونحن نؤكد على أن حل مسألة البطالة وتوفير فرص العمل أمر مفروغ منه نظريا ، ولكن المسألة تكمن في رفع مستوى المعيشة وتحسين مستوى الأجور ، فالمواطن الذي ينفق على عائلة كبيرة ، براتب 150 دينارا فقط ، أي حياة تلك يعيشها مع عائلته بهذا الراتب ، فانخفاض مستوى المعيشة خلق لنا مشاكل أخلاقية واجتماعية رهيبة ، وكثير من الأولاد والبنات تحت وطأة الفقر والحاجة باعوا شرفهم ، ولدينا شباب تصل أعمارهم لثلاثين سنة ولا يستطيعون الزواج ، ولدينا حالات عنوسة كثيرة ، فإذا افترضنا أن شابا تزوج ، وراتبه 120 دينارا ، وهو بهذا الراتب يريد أن يوفر أجار الشقة وفاتورة الكهرباء والماء وغيرهما ، فكيف له أن يعيش ، وأي زوجة تصبر على زوج لا يمتلك أن يصرف عليها ، سوف يكونان بالطبع في نزاع دائم .

حينما كنت مشرفا

ومن القضايا المميتة المؤلمة الموجعة ، أنني حينما كنت مشرفا اجتماعيا بمدرسة مدينة عيسى ، جاءني طالب من الطلبة الأوائل في المدرسة ، يريد أن يترك المدرسة ، فسألته لماذا ؟ وبعد إلحاح ، قال لي : أنني بين خيارين ، إما أن أضيع المدرسة أو أضيع شرف أمي !!! هذه مشكلة من المشاكل الاجتماعية المميتة ، ويجب على القيادة السياسية أن تلتفت لمثل هذه المشاكل ، وهي التي تعطي الوزراء والمسئولين آلاف الدنانير ، وكل الأمور مسهلة لهم ، والمواطن يسحق ويموت ، ولا يشعر به أحد ، فعن أي إصلاح نتكلم ؟!! .

ألا يشعر بالظلم !!!

إضافة إلى كل هذا ، نجد العمالة السائبة والتجنيس ، وقد قال عظمة الملك : ” أن الشعور بالظلم أشد من الظلم ” فحين تأتيني بعمال أجانب ، وتجعلهم يخوضون في منافسة غير متكافئة مع المواطن ، يقينا سوف يشعر المواطن بالظلم ، وحين تستقدم أجنبيا ، وتفضله على المواطن ، وتضع له شروطا أفضل منه في العمل ، وتحرم المواطن من الخدمة في المؤسسة العسكرية ، وتفضل الأجنبي عليه ، وتضع له شروط إيجابية ، شروط لا يحلم بها ، حيث يأتي المجنس وعمره 18 إلى 20 سنة ، ويعمل 20 سنة أخرى ، ثم يتقاعد ويذهب إلى بلده ، ولديه منزل هنا يدر عليه دخلا إضافيا ، وراتبا تقاعديا ، هذه شروط لا يحلم بها المجنس في بلده ، في حين أن المواطن مسحوق ، ألا يشعر المواطن بالظلم .

هذا التمييز الطائفي ، وهذه المنافسة غير المتكافئة مع العمالة الأجنبية ، وهذا التجنيس الذي يحصل من خلاله المجنس على وظائف بشروط لا يحلم بها المواطن ، سوف تشعر المواطن بالظلم ، وينبغي أن تكون المعالجة جذرية لهذه القضايا .

نتمنى على عظمة الملك

قال عظمته : ” عندما علمنا أن هناك آراء متحفظة على قانون الصحافة ، وأن عقوبة الحبس التي يتضمنها القانون تتناقض مع مرحلة الانفتاح ، أمرنا بأن يجلس المسئولون مع الصحفيين لكي يبدو ملاحظاتهم ، لإصلاح ما هو مناسب ” .

في هذا الكلام تفعيل لمبدأ المراجعة ، الذي أشار إليه عظمة الملك في النص الأول ، وأكد على استعداده له ، وهو أمر إيجابي ، ولكن السؤال : لماذا لا يعمل بمبدأ المراجعة للدستور والموقف من البرلمان الحالي كما هو حاصل مع هذا القانون ؟ هل هما أقل أهمية ؟ نحن نتمنى على عظمة الملك الذي فعل مبدأ المراجعة فيما يتعلق بقانون الصحافة أن يفعله فيما يتعلق بالدستور والحياة البرلمانية .

لم السياحة الهابطة

قال عظمته : ” إن شخصيتنا تكمن في عاداتنا وتقاليدنا ” مؤكدا بذلك احترامه للعادات والتقاليد ، والعادات والتقاليد تمثل هوية أي مجتمع من المجتمعات ، وأي مجتمع لا هوية له ، لا مكانة ولا دور له ، ولكنني أريد أن ألفت الانتباه هنا إلى ضرورة تفعيل هذا المبدأ ، فإذا كنا نعتقد بأن هويتنا وشخصيتنا في عاداتنا وتقاليدنا ، فلم هذه السياحة الهابطة التي تخالف كل عاداتنا وتقاليدنا ، والمشكلة أننا حينما نبني التنمية الاقتصادية ، فإننا نبنيها على أسس تضر بهوية المجتمع وشخصيته المعنوية ، فهل من المعقول أن تقول : أنني أريد أن ألبس هذا الإنسان وأسكنه على حساب روحه وأخلاقه وهويته ؟!!! هل هذا مبدأ صحيح ؟!!! وإليكم قول الله تعالى : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ، إن الله عليم حكيم ) فقد منع الله المشركين من الدخول إلى المسجد الحرام ، وترتبت على ذلك آثار اقتصادية مضرة بالمؤمنين لوجود التجارة بينهم وبين المشركين ، ولكن الله في هذه الآية ينبههم وينبهنا إلى أن التنمية الاقتصادية يجب ألا تكون على حساب الثوابت والهوية ، مع العلم أن لا أحد يستطيع القول أن السياحة تصب في جيوب الفقراء ، بل تصب في جيوب فئة قليلة منتفعة من هذه المهنة غير الشريفة ، وهي لا تخدم الاقتصاد الوطني بالمعني الحقيقي .

أخطر شيء

كما أذكر بما حدث في جامعة البحرين ، وأخطر شيء يحصل في مؤسسة تربوية ، أن تشرب الخمور في داخلها ، ففي ذلك انتهاك لحرمة هذه المؤسسة المقدسة ، التي تزود المجتمع بالكوادر المهنية والأكاديمية ، ونحن نطالب المسئولين ومازلنا نطالبهم بأن يصدروا بيانا يوضحوا فيه ما حدث جامعة البحرين في الاحتفال بيوم الوفاء ، وأن يعاقبوا المسئولين عن ذلك ، لأن إدخال الخمور وشربها في جامعة البحرين ، وهي مؤسسة تعليمية مقدسة ، في احتفال بيوم وطني ، أمر يفوق كل مقاييس الانتهاكات ، وعليه فالمسئولون في جامعة البحرين ، استنادا لقول عظمة الملك ، مطالبون بأن يصدروا بيانا يوضحوا فيه ما حصل ، ويحاسبوا المسئولين عن ذلك .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 17 رمضان 1423 هـ الموافق 22 / 11 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.