فهرس خطب الجمعة عام 2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 07 سبتمبر 2001 م

الخطبة الدينية : علاقة المجتمع المسلم مع الغير
الخطبة السياسية : الطائفية السياسية

( لا تنازلات في العقيدة على الصعيد الفكري والعملي لأنها لن تنتهي عند حد إلا بالنزول على المشروع المضاد .. فالمعركة معركة عقيدة وإن تلونت بألوان أخرى )
( المؤمنون ليسوا أصحاب مصالح وليسوا تجار سياسة ، وإنما هم أصحاب مبادئ قد تضر بمصالح الخصوم )
( حذروا من الانسياق والاستجابة للإغراءات العاطفية وتقديم التنازلات في المواقع الفكرية والعملية )
( اليهود والنصارى وإن اختلفوا فيما بينهم ، فهم في النهاية مهيئون لأن يقفوا صفا واحدا وجبهة واحدة متحالفة ضد الإسلام والمسلمين ، وهذه النتيجة تجلت بكل وضوح في هذا العصر من خلال تحالف الصهيونية العالمية مع الصليبية العالمية لحماية الكيان الصهيوني ضد الإسلام والمسلمين، ورأيتم الوجه البارز لها في مؤتمر "ديربن" )
( مما يؤسف له أن نجد من المسلمين من يتعامل بـ " الطائفية السياسية" فيقرب ويبعد على أساسها )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ” ولن ترض عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى ، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاء من العلم ما لم من الله من ولي ولا نصير ” صدق الله العلي العظيم .

علاقة المؤمنين بالغير

هذه الآية المباركة الشريفة تتناول موضوعا في غاية الأهمية والخطورة ، ونجد في الآية إبراز لخطورة الموضوع .. الموضوع هو العلاقة بين المؤمنين والغير ، وتقدم الآية تجربة ، وتقوم بعملية تحليل لهذه التجربة في سبيل تبصير وتوعية المؤمنين بما يدور حولهم .. توعيتهم بالساحة التي يعيشون فيها والمحيط الذي يعيشون فيه ، وما هي أوضاع الساحة ، وما هي الأحداث التي تجري ، ومن هم الأشخاص الذين يتعاملون معهم ، ” ولن ترض عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم ” ،،، من المعلوم أن الرسول الأعظم (ص) جاء بمشروع إلهي عظيم من أجل هداية الناس ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .. المشروع قوي في ذاته ، فريد من نوعه ، وخصوم النبي محمد (ص) لم يتعاملوا مع المشروع الذي جاء به النبي محمد (ص) بموضوعية .. لم يتعاملوا معه بواقعية .. لم ينظروا إلى أحقية هذا المشروع ولم يبحثوا عن الدليل والبرهان ، ولم ينظروا إلى عدالة خطاب النبي محمد (ص) ، ولم ينظروا إلى عدالة سلوكه في التعامل مع الآخرين ، فرفضوا مشروعه رفضا قاطعا لا لئن المشروع خاطئ ، ولا لئن الخطاب خاطئ ، ولا لئن السلوك خاطئ ، وإنما لديهم هدف واضح ” أن تتبع ملتهم ” ، أن يتنازل النبي محمد (ص) عن مشروعه لصالح مشروعهم ، فتعاملهم مع مشروع النبي محمد (ص) من خلال الأهواء والمصالح الخاصة ، ولم يتعاملوا معه تعاملا موضوعيا واقعيا عقلانيا ، ولكن النبي محمد (ص) يريد هداية الناس ويريد المصلحة العامة من خلال مشروعه القوي في ذاته وما يملكه من دليل قاطع .. لكنهم لم ينظروا إلى الدليل الذي يملكه .. أرادوا فقط أن يلين لهم ويتبع مشروعهم ، وفي سبيل فهم أوضح للآية نقف على بعض أسباب نزول الآية حيث توجد عدة أقوال في أسباب نزولها وأهمها ثلاثة :-

أسباب النزول

القول الأول : أن الرسول الأعظم (ص) كان يبذل ما في وسعه من أجل التودد لليهود والنصارى بغرض صداقتهم في سبيل أن يلين قلوبهم ويقربهم من الإسلام بخلق أجواء أفضل لتفهم الإسلام ،،، فنزلت هذه الآية .
القول الثاني : أن اليهود والنصارى كانوا يطلبون من النبي محمد (ص) أن يعطيهم مهلة .. يعطيهم فسحة ، فإن أمهلهم وأعطاهم فسحة من الوقت فسيدخلون في الإسلام،،، فنزلت هذه الآية .
القول الثالث : أن أهل الكتاب كانوا يأملون أن يتبع المسلمون قبلتهم وهي بيت المقدس ، فلما أن تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام حيث الكعبة المشرفة يأس اليهود ، ووجدت حالة من سوء العلاقة بين اليهود والمسلمين ، وهذه النتيجة – استياء اليهود – لم ترض بعض المسلمين ، وكان يطمح المسلمون أن تكون العلاقة على أحسن حال بحيث لا تضرر هذه العلاقة ،،، فنزلت هذه الآية .

لن يرضوا عنك

ونزول الآية بالنظر إلى هذه الأسباب الثلاثة للنزول فيها إشارة للنبي محمد (ص) وكل المؤمنين والدعاة والرساليين بأن المسالة ليست مسألة تودد وصداقة ، وأن المسألة ليست مسألة إمهال وتفهم وفسحة ، وأن المسالة ليست مسألة قبلة .. إن التودد والصداقة .. المهلة والفسحة .. صرت إلى قبلتهم أم لم تصر .. قبلت ببعض مشروعهم أم لم تقبل .. لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم ، فإن لم تدخل في ملتهم وتقبل مشروعهم بالكامل فلن يرضوا عنك ، وفي هذه الآية الشريفة دروس كبيرة أهمها :-

معركة عقيدة

الدرس الأول : أن المعركة الحقيقية بين المسلمين وغيرهم هي معركة العقيدة وإن تلونت بأي لون فهي في النهاية معركة عقائدية ، سواء أخذت اللون السياسي ، أو اللون الاقتصادي ، أو اللون الثقافي ، أو اللون العسكري فهي في النهاية معركة عقائدية ، لأن المسلمين الحقيقيين ليست لديهم مصالح خاصة ، وإنما هم أصحاب دين وعقيدة ، يريدون أن يبلغوا هذه العقيدة ، كما أن هدفهم المصلحة العامة من خلال النظرة الإسلامية والمبادئ الإسلامية العالية ، أما خصومهم فليست لديهم مثل تلك المبادئ العادلة لأنهم أصحاب أهواء ومصالح ، وبالتالي فإن نظرتهم إلى العقيدة على أساس أنها ضد مصالحهم الخاصة ولا تنسجم معها ومع أهوائهم فهم ضد هذه العقيدة ، فهناك إدراك بأن المؤمنين ليسوا أصحاب مصالح وليسوا تجار سياسة ، وإنما هم أصحاب مبادئ تضر بمصالح الخصوم ،،، لذا فإنهم يقفون ضد العقيدة ومبادئها .

تحالف رغم الاختلاف

الدرس الثاني : أن اليهود والنصارى وغيرهم وإن اختلفوا فيما بينهم ، فهم في النهاية مهيئون لأن يقفوا صفا واحدا وجبهة واحدة متحالفة ضد الإسلام والمسلمين ، وهذه النتيجة تجلت بكل وضوح في هذا العصر من خلال تحالف الصهيونية العالمية مع الصليبية العالمية لحماية الكيان الصهيوني ضد الإسلام والمسلمين، ورأيتم الوجه البارز لها في مؤتمر “ديربن” .

لا تنازل

الدرس الثالث : أن هذه الآية الشريفة تحذر المؤمنين من الانسياق والاستجابة للإغراءات العاطفية وتقديم التنازلات .. التنازلات للخصوم في المواقع الفكرية والمواقع العملية ، وتقول لنا هذه الآية : بأنكم مهما قدمتم من تنازلات فكرية ومهما قدمتم من تنازلات في المواقع العملية على الأرض فلن تقفوا عند نهاية إلا أن تنزلوا على ملة الآخرين .. فكلما قدمتم تنازلات أصبحتم في موقف أضعف وأصبح الخصم في موقع أقوى ولن تقف هذه التنازلات عند حد إلا أن تنزلوا على ملة الآخرين .. فهناك نهي وتحذير وزجر من فعل ذلك .

الطائفية السياسية

الدرس الرابع والأخير : أن الآية تستنكر التعامل مع الآخرين من خلال الهوية وبعيدا عن الدور الذي يمارس على الأرض ، فاليهود لم ينظروا إلى أحقية المشروع الذي تقدم به النبي محمد (ص) ، ولم يطلبوا الدليل والبرهان ، وإنما تعاملوا معه من خلال هويته ، فالآية تستنكر التعامل مع الآخرين على أساس الهوية ، وتدعو إلى التعايش السلمي بين الأديان والمذاهب ، ومما يؤسف له أن الآية في الوقت الذي تستنكر فيه موقف اليهود والنصارى وخصوم الإسلام في تعاملهم مع المسلمين على هذا الأساس ، نجد من المسلمين من يتعامل بنفس القاعدة ونفس المبدأ .. فهم يتعاملون مع الآخرين على أساس هويتهم وهو ما يسمى ” بالطائفية السياسية ” ، فيقربون ويبعدون على أساس “الطائفية السياسية” .

غير قابل للمساومة

بعد ذلك تقدم الآيات للنبي محمد والمؤمن الرسالي وللمسلمين كافة جوابا إذا ابتلوا بهذا البلاء ، ماذا يفعل إذا عومل على أساس الهوية !!! هل يتنازل عن مشروعه ؟! الآية تحذر من تقديم التنازلات ، ولكن .. لماذا هذا التحذير من تقديم التنازلات ” قل إن هدى الله هو الهدى ” قل إن هدى – وهو الإسلام – هو الهدى حقا ، هو الهدى الذي يرضي الله – عز وجل – ويوصل الإنسان إلى الجنة .. هو الهدى القائم على الدليل والبرهان .. هو الهدى الذي ليس فيه خرافات وجهالات .. هو العلم والحقيقة لأنه دين الله .. ولأنه دين الله فهو الهدى وهو الهدى كله ، ليس بعده أو فوقه أو تحته هدى ، وعليه فكل دين غير دين الله فهو ضلال وأهواء ، لذا يجب التمسك بهذا الهدى وإعلانه وعدم التخلي أو التنازل عنه في أي موقع فكري أو عملي ، ولأنه هدى الله ولأنه دين الله ، فهو غير قابل للمساومة والتنازل وإرضاء الآخرين .

العقيدة فوق الأشخاص

” ولئن اتبعت أهواءهم ” إذا اتبعت أراءهم الفاسدة ، ومطالبهم غير الحقة والعادلة ، ” بعد الذي جاءك من العلم ” بأنك على حق وأنهم على باطل ” ما لك من الله من ولي ولا نصير ” ولي : يتولى أمرك ويحفظك من عقاب الله ، ونصير : ظهير ينصرك ومعين يعينك على الله – عز وجل – ويحفظك من عقاب الله ، وفي ذلك تهديد وتحذير شديد اللهجة ، حيث بلغ القرآن الكريم الغاية تهديدا وتحذيرا في هذه الآية ، ويريد القرآن الكريم أن يقول : أن هذه التنازلات – كما في الآية الأولى – تمس العقيدة في مواقعها الفكرية والعملية ، وأن التنازلات لن تنتهي إلا بالتخلي عن الدين والنزول على دين الآخرين ، ولأن المسألة تمس العقيدة فقد توجه القرآن بالتهديد والتحذير إلى النبي محمد (ص) ، وبما أن هذه المسألة تمس العقيدة ومواقعها الفكرية والعملية فهي فوق كل الأشخاص .. لا يوجد شخص مقدس في هذه الحالة .. كل الأشخاص يسقطون حتى النبي محمد ، لأن هذه المسألة تمس العقيدة بصورة مباشرة ومصيرها ومصير البشرية ، وتوجيه الخطاب من الله لنبيه العظيم وحبيبه المصطفى بصورة التهديد والتحذير فيه تأكيد على خطورة المسألة وتجاوزها لكل مقدس ،،، إذن لا تنازلات في العقيدة على الصعيد الفكري والعملي لأنها لن تنتهي عند حد إلا النزول على المشروع المضاد .
أكتفي بهذا المقدار .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بتاريخ 19 جمادى الثاني 1422هـ الموافق 2001/9/7 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.