محاضرات وندوات عام 2002

كلمة الأستاذ في مولد الإمام علي عليه السلام

كلمة الأستاذ في مولد الإمام علي عليه السلام

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : مولد الإمام علي عليه السلام .
المكان : الجامع الغربي ، بقرية الدير من جزيرة المحرق .
التاريخ : 14 / رجب / 1423هـ .
الموافق : 20 / سبتمبر / 2002م .

* يستطيع كل إنسان أن يختار المشروع الثقافي الحضاري الذي يرغبه في هذه الحياة ، إلا أن المشاريع الثقافية الحضارية لا تتساوى في قيمتها ، فقد يسلب المشروع الثقافي إنسانية الإنسان في الحياة الدنيا ، ويورده نار جهنم في الحياة الآخرة ، فالإنسان مسئول مسئولية موضوعية جادة ، عن المشروع الثقافي الحضاري ، وأن العلاقة التي تربطه بالمشروع علاقة وجودية ، ومصير وجودي ، وسوف يسأل عن ذلك ، ويراه رأي العين يوم القيامة .

* إن المشروع السياسي الذي انفصمت علاقته مع المشروع الثقافي ، إذا كان يمتلك أسباب القوة ، فإنه يمارس الظلم ، وينتهك حقوق الإنسان ، وإذا افتقد أسباب القوة ، وكان ضعيفا ، فإنه ينسحق أمام الآخر ويذوب فيه ، وهذا ما نجده في الأنظمة العربية ، نجدها تمارس الظلم ، وانتهاك حقوق المواطنين بدون رحمة ، وفي ذات الوقت منسحقة أمام العدو الصهيوني وأمريكا والغرب
* أن أي مشروع ثقافي مهما كان قويا ومتميزا ، لا يستطيع أن يشق طريقه على أرض الواقع ، إلا إذا وجد معه مشروع سياسي يحميه ويدافع عنه ، ويذلل الصعاب أمامه في الطريق ، إلا أن المشروع الثقافي هو الذي يعطي للمشروع السياسي حقيقته ومضمونه ، ويحدد له هويته وغايته ، ويقبل أساليب ووسائل عمله ، وإذا انفصمت العلاقة بين المشروع السياسي والثقافي * يتحول المشروع السياسي إلى مشروع سلطوي ، يهتم بالسلطة ومستلزماتها ، فيأله السلطان ، ويكون سطحيا يركز على الاحتياجات المادية ، ويتجاهل الاحتياجات المعنوية ، وتغلب فيه المصالح الفردية المصالح العامة للأمة ، ويكون جامدا يفتقر إلى الحركة والتنوع ، كما يكون قليل النفع للبشرية ، ولا يحمل رسالة إلى البشرية ، لأنه سلطوي ، وموظف لخدمة السلطان .
* في العالم الإسلامي ، نعاني من حالة استلاب سياسي وثقافي وحضاري على المستوى الرسمي ، والمشروع الثقافي الحضاري الإسلامي يمثل حالة شعبية غالبا ، وفي المقابل يواجهه مشروع استكباري عالمي ، يحمل وراءه مشروعا ثقافيا حضاريا يريد أن يفرضه على العالم بالقوة ، ويمتلك إمكانيات هائلة مادية وعلمية وتكنولوجية وبشرية .
* إننا أمام خطرين ، الخطر الأول : أن تنفصل العلاقة بين المشروع السياسي والمشروع الثقافي ، فيتحول المشروع السياسي ، إلى مشروع سلطوي سطحي مضر بالإنسان ، والخطر الثاني وهو الأكثر خطورة : أن يتقدم المشروع السياسي على المشروع الثقافي ، ويسخره لأغراضه ، ومثله أن يتقدم السياسي على المثقف ، ويسخره لأغراضه .

****

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرِّف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم ، اللهم معهم معهم ، لا مع أعدائهم ، . السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

في البداية يسعدني أن أرفع أسمى التهاني ، لإمامي وسيدي وشفيعي يوم القيامة ، الحجة بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، وإلى الفقهاء والعلماء ، وإلى المسلمين والمؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، بهذه المناسبة العطرة .

الغاية والطريق

قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) صدق الله العلي العظيم .
الآية الشريفة تحدد لنا ، وتدلنا على أمرين رئيسين ، هما :
الأمر الأول : الغاية القصوى ، والهدف الأسمى ، والمثل الأعلى للإنسان ، وهو الله جل جلاله .
الأمر الثاني : تحدد لنا ، وتدلنا على الطريق إلى الله ، وهو العبادة . وللعبادة معنيين أساسيين وهما :
المعنى الأول : أداء الطقوس الدينية ، مثل الدعاء ، والصلاة ، والصيام ، والحج والزكاة … إلخ .
المعنى الثاني : الطاعة .

القرب على قدر الكمال

ووظيفة العبادة : هي تزكية النفس وتطهيرها ، وإغناء النفس وإثرائها ، بحيث تتكامل ، وتدنو وتقترب من العلي الأعلى ، وتتأهل للسعادة ، وتهنئ بمقعد صدق عند مليك مقتدر ، وتكون مصدرا للخير والعطاء ، فالقرب من الله – جل جلاله – على قدر الكمال الحاصل للإنسان من العبادة ، فكلما كان الإنسان أكثر كمالا ، كلما كان أكثر قربا من الله تعالى . وللعبادة بعدان أو مستويان :
المستوى الأول : عبادة الفرد الكامل .
المستوى الثاني : عبادة المجتمع الكامل .

المراد من العبادة

فليس المراد من العبادة المذكورة في الآية مجرد العبادة ، وإنما المراد العبادة الكاملة ، عبادة الفرد الكامل : وتتمثل في عبادة الرسول الأعظم (ص) ، وعبادة أهل بيته الطيبين الطاهرين (ع) ، وعبادة الأنبياء (ع) ، وهم قدوة الناس في العبادة وتزكية النفس ، وتطهيرها وتكميلها ، أما عبادة المجتمع الكامل فتتمثل في دولة العدل الإلهي ، التي يقيمها صاحب العصر والزمان ، أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .

أحسن العمل

قال تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ، ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) نعم .. أحسن العمل وليس مجرد العمل ، وهذا يعني أن المشروع الإلهي العبادي ، يسعى لتحريك المسيرة التكاملية العبادية للفرد ، ويسعى لتحريك المسيرة التكاملية العبادية للمجتمع.

حقائق مهمة

والخلاصة ، أننا أمام ثلاث حقائق :
الحقيقة الأولى : أن الإنسان لم يخلق عبثا ، وإنما خلق لغاية . قال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ، وأنكم إلينا لا ترجعون ) .
الحقيقة الثانية : أن الإنسان أمام مسئولية موضوعية جادة وواقعية ، وليس مسئولية متخيلة ومختلقة . قال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) .
الحقيقة الثالثة : أن المشروع الإلهي العبادي ، يستوعب ويهيمن على جميع جزيئيات حياة الإنسان ، وتخضع له جميع الأهداف الجزئية للإنسان ، ومنه تستمد شرعيتها ومبررات وجودها وقيمتها . قال تعالى : ( إن صلاتي ونسكي ، ومماتي ومحياي لله رب العالمين ) .
وبكلام أكثر تفصيلا : فإن المشروع الإلهي العبادي ، يعطينا مشروعين إلاهيين ، ينبثقان من المشروع العبادي ، وهما :
أولا – المشروع الثقافي الحضاري .
ثانيا – المشروع السياسي .

ماهية المشروع الثقافي والسياسي

المشروع الثقافي الحضاري يهتم بالعقائد ، والأفكار والمفاهيم التي يحملها الإنسان ، ويهتم بالقيم والمبادئ ، ويهتم بالأحكام أو القوانين التي تضبط سلوك الإنسان وتوجهه . وفي ضوء ذلك كله : في ضوء العقائد ، والقيم ، والأحكام أو القوانين ، يتبلور وعي الإنسان بنفسه ومجتمعه الإنساني المحلي والخارجي ، ووعي الإنسان بالأشياء والطبيعة ، ووعي الإنسان بالعالم ، ومن ذلك كله يبرز بعده الحضاري : الفن ، والأدب ، والتكنولوجيا ، والإدارة والعمارة ، … إلخ .
أما المشروع السياسي : فهو المسئول عن إدارة الواقع ، أي تحريك عناصر ومكونات الواقع ، وتوظيفها من أجل تحقيق أهداف المشروع الثقافي .

خصائص المشروع الثقافي

وإذا عدنا للمشروع الثقافي الإسلامي ، فإننا نجده يتمتع بثلاث خصائص رئيسية ، وهي :
1) الخاصية الأولى : أنه مشروع عالمي لكل الناس .
2) الخاصية الثانية : أنه مشروع شامل لجميع جوانب الحياة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية … إلخ .
3) الخاصية الثالثة : أنه مشروع خالد يتجاوز حدود الزمان والمكان ، أي يتسع لاستيعاب متغيرات الزمان والمكان .

.. في مواجهة

وهذا يعني أن المشروع الثقافي الحضاري الإسلامي ، سوف يكون في مواجهة المشاريع الثقافية الحضارية الأخرى ، مثل المشروع الليبرالي ، والمشروع الماركسي ، ومشاريع أقل أهمية مثل البوذية ، ووراء كل مشروع ثقافي ، مشروع سياسي يحميه ويدافع عنه ، ويسعى لتحقيق أهدافه ، وبعضها يمتلك إمكانيات هائلة جدا : مادية وبشرية وعلمية وتكنولوجية ، سواء كانت هذه المواجهة تصادم أو صراع ، أو حوار ، فإن الوقت والمقام لا يتسع لمناقشة إشكاليات هذا الموضوع ، وسوف أذكر أربع نقاط تتصل بالموضوع على نحو الإجمال لا التفصيل .

قيمة المشاريع ليست واحدة

النقطة الأولى : أن علاقة الإنسان مع المشروع الثقافي الإسلامي ، هي علاقة وجودية ، ومصير وجودي ، ومسئولية موضوعية جادة وواقعية . صحيح أن الإنسان يملك حرية الاختيار ” لا إكراه في الدين ” إلا أن قيمة المشاريع ليست واحدة ” قد تبين الرشد من الغي ” فليس كل مشروع يغني إنسانية الإنسان ويثريها ، فقد يسلب المشروع الثقافي إنسانية الإنسان ، ويتركه كما قال الله تعالى : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) وليس كل مشروع يأمِّن السعادة للإنسان في الآخرة ، فالإنسان مسئول ، وسوف يحاسب في الآخرة ، على أساس العقائد التي يحملها ، والقيم التي يتمسك بها ويعمل ، والأحكام أو القوانين التي يضبط بها سلوكه ، فإما جنة ، وإما نار . قال تعالى : ( وإذا جاءت الطامة الكبرى * يوم يتذكر الإنسان ما سعى * وبرِّزت الجحيم لمن يرى * فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ، ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى ) .

مسئولية جادة

والخلاصة : يستطيع كل إنسان أن يختار المشروع الثقافي الحضاري الذي يرغبه في هذه الحياة ، إلا أن المشاريع الثقافية الحضارية لا تتساوى في قيمتها ، فقد يسلب المشروع الثقافي إنسانية الإنسان في الحياة الدنيا ، ويورده نار جهنم في الحياة الآخرة ، فالإنسان مسئول مسئولية موضوعية جادة ، عن المشروع الثقافي الحضاري ، وأن العلاقة التي تربطه بالمشروع علاقة وجودية ، ومصير وجودي ، وسوف يسأل عن ذلك ، ويراه رأي العين يوم القيامة .

ونستطيع أن نخلص إلى مستويين من الحوار :

حوار في الجذور والمونتاج

المستوى الأول – الحوار في الجذور : وهو الحوار الذي يحاول أن يكتشف صدق المشروع أو كذبه ، وهو الحوار الذي تقوم على أساسه المسئولية الموضوعية ، والمصير الوجودي يوم القيامة .
المستوى الثاني – حوار حول مسألة التدبير والمونتاج : أي نتحاور حول إدارة الوطن والمصالح الوطنية المشتركة بين المواطنين ، بغض النظر عن الانتماء الديني والسياسي ، فنتحاور حول التطوير السياسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، والثقافي للوطن ، كيف نطور المؤسسات ؟ وكيف نطور الصناعة والزراعة والتجارة ؟ وكيف ننمي الحركة العمرانية والتجميلية للبلد ؟ … إلخ .

الحوار في الجذور أهم

والإسلام يشجع على كلا الحوارين ، ولكن الأهم هو الحوار في الجذور ، ويعتبر هذا الحوار مسئولية دينية وأخلاقية لكل مؤمن ، لأنه طريق السعادة للإنسان ، ويجب أن يتحمل الإنسان مسئوليته تجاه الآخرين ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ومن الشقاء إلى السعادة ، ولا يكتفي بذلك لنفسه ، فيكون أنانيا ، وبعيدا عن روح الإيمان وحقيقته .

إذا انفصمت .. يصبح سلطويا

النقطة الثانية – علاقة المشروع الثقافي بالمشروع السياسي : كل مشروع ثقافي ، يحتاج إلى المشروع السياسي الذي يحميه ويدافع عنه ، ويسعى لتحقيق أهدافه . وأن أي مشروع ثقافي مهما كان قويا ومتميزا ، لا يستطيع أن يشق طريقه على أرض الواقع ، إلا إذا وجد معه مشروع سياسي يحميه ويدافع عنه ، ويذلل الصعاب أمامه في الطريق ، إلا أن المشروع الثقافي هو الذي يعطي للمشروع السياسي حقيقته ومضمونه ، ويحدد له هويته وغايته ، ويقبل أساليب ووسائل عمله ، وإذا انفصمت العلاقة بين المشروع السياسي والثقافي ، يتحول المشروع السياسي إلى مشروع سلطوي ، يهتم بالسلطة ومستلزماتها ، فيأله السلطان ، ويكون سطحيا يركز على الاحتياجات المادية ، ويتجاهل الاحتياجات المعنوية ، وتغلب فيه المصالح الفردية المصالح العامة للأمة ، ويكون جامدا يفتقر إلى الحركة والتنوع ، كما يكون قليل النفع للبشرية ، ولا يحمل رسالة إلى البشرية ، لأنه سلطوي ، وموظف لخدمة السلطان . وإن المشروع السياسي الذي انفصمت علاقته مع المشروع الثقافي ، إذا كان يمتلك أسباب القوة ، فإنه يمارس الظلم ، وينتهك حقوق الإنسان ، وإذا افتقد أسباب القوة ، وكان ضعيفا ، فإنه ينسحق أمام الآخر ويذوب فيه ، وهذا ما نجده في الأنظمة العربية ، نجدها تمارس الظلم ، وانتهاك حقوق المواطنين بدون رحمة ، وفي ذات الوقت منسحقة أمام العدو الصهيوني وأمريكا والغرب .

لا يتورعون

وفي أمريكا والغرب ، رغم احترامهم لحقوق الإنسان هناك ، لأنهم منتخبون من قبل الشعب ، فإنهم لا يتورعون عن الكذب ، وخداع شعوبهم من أجل تمرير مخططاتهم الخبيثة ، وهذا ما هو واضح للعيان ، وفي نفس الوقت يمارسون الظلم والعدوان على الشعوب الأخرى ، وسلب خيراتها بكل صلافة ووقاحة ، وباسم القانون أحيانا .

يزوده بالتالي

وإسلاميا : فإن المشروع الثقافي الإسلامي ، في الوقت الذي يحدد للمشروع السياسي هويته وغايته ، ويقبل وسائله وأساليب عمله ، في الوقت الذي يثري المشروع السياسي بالمعنى والمضمون ، فإنه يزوده بالتالي :
أولا : يزود المشروع الثقافي المشروع السياسي ، بمعيار دقيق لقراءة الواقع .
ثانيا : يزوده بالرؤية الواضحة ، والإرادة الصلبة ، التي تعطي فرصة أفضل لتحقيق أهداف المشروع . قال تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وقال ( إنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون ) صدق الله العلي العظيم .
ثالثا : يزوده بأفق أرحب ، وطريق لا ينقطع إلى الكمال الفردي والمجتمعي . قال تعالى : ( يا أيها الإنسان : إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) فالمسيرة التكاملية إلى الله تعالى لا تنقطع لأنها مسيرة إلى المطلق ، ولا يمكن للإنسان الفرد والمجتمع أن يبلغ الكمال المطلق .

نعاني من

النقطة الثالثة : في العالم الإسلامي ، نعاني من حالة استلاب سياسي وثقافي وحضاري على المستوى الرسمي ، والمشروع الثقافي الحضاري الإسلامي يمثل حالة شعبية غالبا ، وفي المقابل يواجهه مشروع استكباري عالمي ، يحمل وراءه مشروعا ثقافيا حضاريا يريد أن يفرضه على العالم بالقوة ، ويمتلك إمكانيات هائلة مادية وعلمية وتكنولوجية وبشرية ، فنحن أمام مشكلتين ، وهما :

مشروعين سلطوي واستكباري

المشكلة الأولى : أننا نعاني من حالة استلاب سياسي وثقافي وحضاري ، وأن المشروع السياسي الرسمي في العالم الإسلامي ، هو عبارة عن مشاريع سياسية سلطوية ، تحمل جميع سلبيات المشروع السياسي والسلطوي بصورة مكثفة ومخيفة ، ونواجه مشروعا سياسيا سلطويا استكباريا عالميا يمتلك إمكانيات هائلة .
المشكلة الثانية : أن العلاقة بين المشروع الثقافي الحضاري الإسلامي والمشروع الغربي ، ليست علاقة بين مشروعين ثقافيين تقوم على الحوار ، وإنما علاقة بين مشروع ثقافي حضاري ، وبين مشروع سياسي استكباري ، يريد أن يفرض مشروعه الثقافي والحضاري بالقوة على العالم ، مما يهدد مستقبل البشرية جمعاء ، وليس مستقبل العالم الإسلامي ، ومشروعه الثقافي والحضاري فحسب .

من كل ذلك يتضح لنا أننا أمام خطرين :

أن تنفصل .. أن يتقدم

الخطر الأول : أن تنفصل العلاقة بين المشروع السياسي والمشروع الثقافي ، فيتحول المشروع السياسي ، إلى مشروع سلطوي سطحي مضر بالإنسان .
الخطر الثاني – وهو الأكثر خطورة : أن يتقدم المشروع السياسي على المشروع الثقافي ، ويسخره لأغراضه ، ومثله أن يتقدم السياسي على المثقف ، ويسخره لأغراضه .

شكل جديد للاستعمار

النقطة الرابعة والأخيرة : إننا في الوقت الراهن ، في ظل التهديدات الأمريكية لأفغانستان والعراق وإيران ولبنان وغيرهم ، أمام شكل جديد من الاستعمار ، أكثر سوءا وخطورة من الشكل القديم . الشكل القديم من الاستعمار كان يستهدف الأرض والثروة ، أما الاستعمار الجديد : فهو يستهدف الأرض والثروة والإنسان والثقافة والحضارة . الاستعمار القديم إذا تركت له الأرض والثروة ، فإنه لا يستهدف قتل الإنسان ، أما الاستعمار الجديد فإنه يأتي بهدف قتل الإنسان ، يأتي بتصميم سابق لكي يسيطر على الأرض والثروة ويقتل الإنسان ، لأنه يحمل مشروعا ثقافيا وحضاريا يمثل ضررا على مصالحه الاستعمارية ، ويزعم أنه يروج لمشروع ثقافي وحضاري . السؤال : ما هو موقفنا تجاه هذا المشروع الحضاري الذي يستهدف الأرض والثروة والإنسان والثقافة والحضارة ؟!! هل نستسلم ؟! أم نقاوم ؟ من الواضح جدا أنه إذا كان مشروعنا السياسي منفصل عن المشروع الثقافي الحضاري الإسلامي ، أو متقدم عليه ، فإننا لن نستطيع المواجهة ، وسوف نخسر الدنيا والآخرة .

يحمل مشروعين

وفي الختام : ونحن في الذكرى السنوية لمولد سيد الموحدين بعد رسول الله (ص) ، علي بن أبي طالب (ع) ، فإننا إذا تأملنا سيرته الشريفة المباركة ، فسوف نجد بأنه يحمل مشروعين : مشروع ثقافي حضاري ، ومشروع سياسي ، وأن كلا المشروعين مستمد من المشروع الإلهي العبادي ، ومحكوم به ، وأن المشروع الثقافي هو الذي يتقدم على المشروع السياسي ، وأن المشروع السياسي في خدمة المشروع الثقافي ، ومسخر لخدمة أهدافه ، ولم يتقدم عليه أبدا ، وهذا هو الدرس .

أكتفي بهذا المقدار ، واستغفر الله الكريم لي ولكم ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.