فهرس خطب الجمعة عام 2003

خطبة الجمعة بتاريخ 07-02-2003

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 07 فبراير 2003 م

الخطبة الدينية : الدعوة إلى الله عز وجل
الخطبة السياسية : الدستور الحالي يجب أن يسقط

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

الحمد لله رب العالمين, اللهم صلي على محمد وأهل بيته الطيبين, وأصحابه المنتجبين, ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين. السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أمير المؤمنين, السلام عليك يا فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين, السلام على خديجة الكبرى, السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين, السلام على جميع الأوصياء مصابيح الدجى, وأعلام الهدى, ومنار التقى, والعروة الوثقى, والحبل المتين, والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء, السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء, السلام على شهداء الانتفاضة, السلام عليكم أيها الأحبة, أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ) آمنا بالله صدق الله العلي العظيم. النحل- الجزء الرابع عشر.

الآية الأولى تحتوي على مسألتين:

المسألة الأولى: هي مسألة الدعوة إلى الله عز وجل.

المسألة الثانية: هي توضيح قواعد الدعوة إلى الله عز وجل في حالة السلم, وفي حالة التفاهم والحوار.

الآية الثانية توضح قواعد الدعوة إلى الله في حالة الاعتداء والمواجهة, وفي هذا الأسبوع سأتحدث فقط عن الآية الأولى, وسأذكر في نهاية الحديث المستويات الثلاث للردع في حالة المواجهة, على أن أواصل الحديث في الأسبوع القادم في الآية الثانية والآيات التي تليها.

المسألة الأولى: الدعوة إلى الله عز وجل.

قوله تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ )

ادعُ: فعل أمر يدل على الوجوب, وقد استدل منه الفقهاء على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل, أي الدعوة إلى إقامة الكيان الإسلامي, والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة.

وهنا أنبه إلى نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى: في بعض الظروف قد تصعب الدعوة إلى قيام الكيان الإسلامي, وتطبيق الشريعة الإسلامية المقدسة في جميع جوانب الحياة, في هذه الحالة, إذا انصرف العمل الإسلامي لأي غرض آخر, وذلك من مثل الدعوة إلى تبني المنهج الديمقراطي, أو الدعوة إلى إقامة المجتمع الإنساني كما يسميه البعض إلى أخره من هذه الإطروحات, في هذه الحالة يجب التنبيه إلى عدم سقوط هذا التكليف, وهو وجوب الدعوة أو وجوب إقامة الكيان الإسلامي, وتطبيق الشريعة المقدسة.

النقطة الثاني: ألا يكبر الواقع المنحرف في نفوس المؤمنين , بحيث يتصورا بأن هذه الدعوة غير ممكنة , فهذا تكليف شرعي , وأن الله وعد بأن العاقبة للتقوى وللمتقين , ويجب أن نضع في أذهاننا سنة التداول ( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ … ) ، آل عمران- الجزء الرابع .

فالقوي يتحول إلى ضعيف , والضعيف يتحول إلى قوي , المنتصر ينهزم والمهزوم ينتصر , فمسألة انتصار الإسلام مسألة ممكنة , وممها عظم الواقع المنحرف فأنه يمكن أن يسقط تحت أيدي المؤمنين , إذا وفروا لأنفسهم شروط الانتصار والتي تحدثنا عنها في أحاديث سابقة .

( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ )

سبيل ربك: فهو سبيل الله جل جلاله, وهو الإسلام الذي يمثل المنهج أو الطريق الذي وضعه الله عز وجل , لكي يسلكه الإنسان في هذه الحياة , وحينما نتكلم عن سبيل الله , نقصد به الدعوة إلى كل ما يشتمل عليه الإسلام من عقائد من أحكام ومن قيم , ويجب ان نلتفت بان الدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى الحق , ودعوة إلى الخير , ودعوة إلى العدل , ودعوة إلى البناء ودعوة إلى التطوير .. الخ .

( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ )

لفظ ربك : هنا نجد بأن لفظ الرب أضيف إلى الرسول (ص) ربك يعني خطاب إلى الرسول (ص) وفي ذلك عناية خاصة , ولطف خاص من الله جل جلاله بعده ورسوله محمد (ص) .

والرب حسب مفهومه : هو المدبر لشؤون الناس , وهو المتكفل بأن يوصل الإنسان ويوصل الأشياء إلى كمالها ألائق , وهذا يدل أن الإنسان إذا سلك طريق الإسلام وخضع للقيادة الربانية , قيادة الأنبياء والأئمة والفقهاء فإن هذا السلوك وهذا الالتزام يوصله إلى كماله ألائق به ويوصله سعادته في الدنيا ولآخرة .

المسألة الثانية: قواعد الدعوة إلى الله في حالة السلم, وفي حالة التفاهم والحوار.

الآية الشريفة المباركة تبين لنا ثلاث قواعد للدعوة إلى الله في حالة السلم وفي حالة التفاهم والحوار، وهما :

القاعدة الأولى : هي قاعدة الحق , قوله تعالى : ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ) والحكمة تقوم على أساس العلم والمنطق والبرهان , وهذا يتطلب من الدعة ثلاثة أمور :

الأمر الأول: أن يعتمد الدعاة في الدعوة على العلم. أن تكون مقولاتهم مقولات علمية صحيحة, وأن تكون إطروحاتهم إطروحات علمية صحيحة, بعيدة عن الطرح الفج, الذي لا يقوم أساس صحيح, ويفتقر إلى الوضوح, أي أنها إطروحات مهزوزة , فالداعية إلى الله عز وجل , يجب أن تكون إطروحاته ومقولاته وخطاباته , يجب أن يعتمد على العلم الصحيح وان يعتمد على المنطق السليم , وأن تكون المقولات واضحة , وغير مهزوزة , وغير غامضة , وهذا الطرح ليس في مجال واحد بل في كل المجالات , الدعاية إذا تكلم العقيدة تكون إطروحاته إطروحات علمية صحيحة دقيقة , وإذا تكلم في الشريعة تكون إطروحات دقيقة , وإذا تكلم في السياسة أو في الاقتصاد أو في الاجتماع , وإذا تكلم في أي شان من الشؤون فيجب أن تكون مقولاته وإطروحاته علمية وواضحة ودقيقة , ولهذا ينبغي التحذير والتنبيه من الحالة التي يكون عليها بعض الخطباء حينما يدخلوا أنفسهم في كل شأن , وبدون أن يكونوا أهل اختصاص , بدون أن يكونوا ملمين بهذا الفن , فنراهم يتحدثون في كل الجوانب وفي كل شؤون الحياة سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع …الخ بدون أن يمتلكوا الثقافة العلمية في هذا المجال وهذا يسيء وغير صحيح , يجب على الداعية أن تكون إطروحاته ومقولاته علمية وواضحة ودقيقة , ليس عيبا بأن يدخل الداعية في أكثر من حقل , عامة ينبغي أن تكون للداعية , موسوعة كبيرة من الثقافة الإسلامية , ولكن حينما يدخل في أي مجال من المجالات فإنه ينبغي مراعاة ما ذكرناه سالفا .

الأمر الثاني : أن يلتزم الداعية بالمنطق والمنهج الصحيح , حينما يتحدث أيضا في أي مسألة , يتحدث مثلا في العقيدة , أو في الفلسفة , أو علم العرفان أو في علم الكلام , كل هذه الفنون لها أسلوبها الخاص لها منهجها الخاص .

كذلك ينبغي للداعية أن يعالج الشبهات الموجودة عند المحاور, ويهيئه فكريا لتلقي الحق, إذن على كل حال, تكون الدعوة على أساس الحكمة, والحكمة تقوم على أساس العلم وعلى المنطق الصحيح, وتقوم على أساس البرهان.

القاعدة الثانية: هي قاعدة الخير, قوله تعالى: (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) والمقصود من الموعظة الحسنة هو الخطاب الموجه إلى شعور الإنسان, الموجه إلى وجدان الإنسان, الموجه إلى ضمير الإنسان, والهدف هو تحريك عوامل الخير الكامنة في نفسه, هذا الأساس يقوم في الحالة الاعتيادية, والإنسان فيه بقية من الخير وهو ينطوي على الخير, والداعية يسعى إلى تحيك هذه الحالة تحريك الخير الكامن في الإنسان بحيث يوظفها في الدعوة إلى الله عز وجل, ووضع قدم هذا الإنسان على طريق الله, وذلك عن طريق الموعظة الحسنة وعن طريق العبرة, وعن طريق الترهيب والترغيب, وعن طريق الثناء الجميل, التنبيه إلى الذكر الحسن, التنبيه إلى حسن العاقبة وإلى أخره من هذه الأمور.

وهذه القاعدة تتطلب من الداعية عدة أمور:

الأمر الأول: هو حسن الخلق, أي أن يكون الداعية على درجة عالية من الأخلاق, وكلما كان الداعية أكثر خلقا, كلما كان تأثيره في وجدان الآخر أكثر وأعمق, فالكلمة التي تصدر من القلب تصل إلى القلب, والكلمة التي تصدر من اللسان لا تتجاوز الأذان.

الأمر الثاني: اللين والرفق- قوله تعالى: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ … ) فصلت- الجزء الرابع والعشرون

فحينما يلجأ الإنسان إلى اللين وإلى الرفق, وتبرز لنا المحبة والإخلاص هذا بطبيعة الحال يؤثر في الطرف الآخر, ويفتح ضمير الإنسان, ويفتح قلبه, ويفتح شعوره لتلقي الدعوة.

الأمر الثالث: أن يتجنب الداعية تحقير المحاور, وتهزءته وتعنيفه من غير سبب, بتعبير آخر. أن لا يكون هدف المحاور يكسر كبرياء الطرف الآخر, إنما احترامه وتقديره, لأن الطرف الآخر إذا شعر بأن المحاور يحاول أن يكسر كبرياءه , تتحرك الدوافع النفسية عند الطرف الآخر, وتنخلق حواجز وسدود بين الداعية وبين إيصال هذا الإنسان إلى طريق الخير.

القاعدة الثالثة: وهي قاعدة المنفعة, ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )بحيث يكون الجدال على أساس المنافع الحقيقة, وعلى أساس المصالح والمكاسب الحقيقية, وهنا نضرب مثال: إذا أردنا أن ندعو امرأة إلى الحجاب, فمرة نوضح لها وجوب طاعة الله عز وجل, نقيم الدليل على وجوب طاعة الله عز وجل, هذا هو طريق الحكمة, ومرة نعظها ونبين لها قيمة العفاف, ونخوفها من النار ونرغبها في الجنة هذا طريق الموعظة الحسنة, ومرة نسلك طريق آخر هو طريق المصالح طريق المنفعة والمفاسد, ونبين لها أيها أفضل لها , أيهما أنفع لها الحجاب أم السفور, ونقول لها أن الحجاب أنفع لها وأصلح لها وأصلح للمجتمع فالذي فيه فساد لها وللمجتمع هو السفور, أذن نحن تحاورنا على أساس المصالح والمكاسب, على أساس المنفعة أو الخسائر وهذا أيضا يتضح من خلال بحث الأبعاد الصحية, والأبعاد النفسية, والأبعاد الاجتماعية إلى العبادات, هنا أنبه إلى أن هذه القاعدة لم يشير إليها العلماء, وإنما أختها من التجربة, فعندما ندخل في الحوار مع الآخرين فنحن نسلك هذه القواعد الثلاث, مرة نسلك قاعدة الحكمة, ومرة نسلك قاعدة الموعظة الحسنة, ومرة نسلك قاعدة المنفعة, وهناك أيضا شوارد أقوال العلماء فيها هذه الالتفاته.

المفسرون يطرحون المستوى الثالث , وله أكثر من معنى, أحيانا مسألة إقامة الحجة, إفحام الطرف الآخر عن طريق إلزامه بما يقول, في أطروحة أخرى معالجة ردة الفعل للطرف الآخر, فالإنسان المؤمن حينما يطرح مسألة التوحيد, فهو بالتالي يفند عقائد الشرك, قد تتحرك عندما يرى الطرف الآخر هناك تسخيف إلى عقيدته تتحرك دفاعاته, والقرآن الكريم ينبه إلى ضرورة الإلتفات, إذن هناك إطروحات موجودة في هذا الجانب.

قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )

هذا القول له أكثر من دلالة:

الدلالة الأولى: واجب الداعية هو التبليغ, وأن يلتزم بالوسائل الصحيحة في التبليغ, وليس من مسؤوليته النتائج, أن النتائج هي من لله عز وجل, الآية تنبهنا إلى عدم الحاجة إلى الفجاجة في الحوار, ويكتفي المحاور بالبيان وكشف الحقائق, دون اللجؤ إلى الفجاجة عند الحوار, وأيضا تدل عدم مطلوبية التدقيق في النوايا,

والتكليف هو أن يتعامل الإنسان على حسب ظاهره, وأن لا ندقق في نواياه, والذي يعلم ما في القلوب والنفوس هو الله عز وجل.

هذه الآية فيها أكثر من درس:

الدرس الأول: يجب أن نأخذ الظروف بعين الاعتبار, فالطرح ليس واحد في كل زمان, وفي كل مكان, فيختلف الطرف وأساليب الدعوة من ظرف إلى آخر, أيضا تنبهنا إلى ضرورة تنويع أساليب الدعوة, ونحن أيضا عندما نقوم بالعمل الإسلامي ننوع, المحاضرات نهتم بالفن ونهتم بالمسرح, التنويع يخدم اختلاف الظروف من جهة, ويخدم اختلاف الأمزجة والأذواق.

الدرس الثاني: وهو الدرس الأكثر أهمية, هو وجوب تأهيل وتدريب الدعاة يعني عندما نتكلم بأخذ تنوع الأساليب , وأخذ الظروف يعين الاعتبار , كل هذا يدل على أنه على الداعي يجب تأهيله , ويجب إعداده , بحيث يكون قادر على الدعوة , أو يمارس الدعوة على أسس وأصول صحيحة , كما ذكرنا في بداية الحديث على أن هذه القواعد هي قواعد الدعوة في حالة السلم في حالة التفاهم وفي حالة الحوار, أما في حالة الاعتداء , وفي حالة المواجهة هناك قواعد أخرى، واليوم أشير وأحدة فقط وهي:

( قاعدة الردع ) :

والردع له أكثر من مستوى , وقد يكون الردع على المستوى الفكري , وقد يكون على السياسي .

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ … ) التوبة- الجزء العاشر و التحريم- الجزء الثامن والعشرون.

وقوله تعالى: ( أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً … ) النساء- الجزء الخامس.

وقد يكون الردع عسكري، قوله تعالى: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ… ) البقرة- الجزء الثاني.

الخلاصة: هذه الآيات تدلنا على أن الإسلام دين محبة, دين حوار, ولكنه في نفس الوقت يدعو إلى العدالة, ويدعو إلى البناء والتطوير, وأنه لايتح الفرصة, ولا يسمح للظالمين والمستكبرين بأن يفرضوا أنفسهم على الساحة, فهو يدعو إلى مقاومة الظالمين ومقاومة المستكبرين وبالأساليب المناسبة.

الخطبة السياسية

( الدستور الحالي يجب أن يسقط )

في ليلة الثلاثاء الماضي في اللقاء المفتوح طرح سؤال, وهو كالتالي:

السؤال: ما هي تأثيرات الظروف الراهنة في المنطقة في ظل الضربة العسكرية الأمريكية على العراق, و ما تأثير هذه الظروف على الوضع المحلي, وبصورة خاصة على الحركة الإصلاحية و الحركة المطلبية في الوقت الحاضر ؟

وأنا شخصيا كتبت إجابة هذا السؤال, وسينـزل على الموقع, ولأهميته فأنا أجيب على السؤال الآن.

الجواب: أجيب على هذا السؤال في عدة نقاط:

النقطة الأولى: بأني ذكرت في أكثر من مناسبة بأننا من منطلق إنساني, ومنطلق ديني, ومنطلق أخلاقي, ومنطلق قومي ووطني, نرفض الوجود الأمريكي في المنطقة, ونرفض الضربة العسكرية للعراق, ونرفض احتلال العراق, كما بينت على أن الوجود الأمريكي في المنطقة, والضربة المترقبة على العراق, واحتلال أمريكا للعراق, فيه تهديد إلى أمن واستقرار المنطقة, فيه تهديد إلى سيادة واستقلال المنطقة, وتهديد إلى ثروات المنطقة, فيه تهديد إلى إنسان المنطقة, فيه تهديد إلى هوية المنطقة, سواء أكانت الهوية الدينية أو الهوية الثقافية, أو الهوية الاجتماعية إلى أخرهم…

وهنا يجب أن نميز بين أمرين:

التمييز الأول: الموقف من النظام العراقي.

التمييز الثاني: الموقف من الحرب, أو الوجود الأمريكي.

كلنا يتمنى زوال النظام العراقي, ولا يختلف اثنان على أن النظام ضد شعبه, وأخطاء هذا النظام أكبر من أن تغتفر, ولكن هناك مسألتينوهما:

المسألة الأول: أنه في الوقت الذي نرغب في زوال هذا النظام عن العراق, لا نقبل أن تأتي أمريكا أو أي دولة أجنبية وتزيل هذا النظام, فهذه بادرة خطيرة جدا, إذا قبلناها فإن مر دوداتها وانعكاساتها خطيرة جدا على كل المنطقة.

الجانب الآخر أننا نتمنى زوال هذا النظام, ولكن في نفس الوقت نلتفت إلى حجم الأخطار المترتبة على هذا الوجود الأمريكي, والخسائر البشرية التي سوف تنتج عن هذه الضربة, وكذلك عملية الاحتلال وتأثيراتها على المنطقة بصورة عامة, فلا يمكن أن نكون في سبيل أن يزول هذا النظام نقبل ونوافق على كل هذه الأخطار.

النقطة الثانية: وهي الإجابة على الشق الثاني من السؤال والذي نحن الآن بصدد جوابه.

السؤال: ما هو تأثير هذه الأحداث على الحركة الإصلاحية في البلد ؟

أقول: المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة في المنطقة, وأهم دولة في منطقة الخليج العربية, هذه الدولة هي الأهم اقتصاديا, والأهم سياسيا, والأهم أمنيا, وبالتالي حينما تتأثر هذه الدولة, فطبيعة الحال أنه سوف تتأثر بقية دول المنطقة, ونظام المملكة العربية السعودية هو من أكثر الدول ذات التعقيد في العالم, بحكم العلاقة بين السياسي والديني, طبعا هناك خطين, خط سياسي, وخط ديني, وبنهم تحالف تاريخي في قيام الدولة السعودية الحديثة, هذا أعطى تعقيدا للنظام ومع ذلك نجد اليوم وفي ظل الظروف الراهنة أن المملكة العربية السعودية تتقدم بورقة لجامعة الدول العربية من أجل إصلاح الأنظمة العربية, بمعنى آخر أن المملكة العربية السعودية تشعر بضرورة الإصلاح لكي تستمر, ولكي تبقى, وأنها في ظل الظروف الراهنة لا تستطيع أن تستمر ولا تستطيع أن تحافظ على وجودها وعلى قوتها وعلى كيانها ما لم تحدث الإصلاحات, فإذا كان هذا الحال في المملكة العربية السعودية, فبصورة أولى يكون في البحرين, نحن نتوقع في البحرين أن يكون هناك استفادة من هذا الدرس, وأن حكومة البحرين تقوم بإصلاحات حقيقية, لأن هنا في البحرين عندنا تجربة سابقة, وعندنا حركة مطلبية عريقة, والحكومة لا تستطيع أن تتجاوز المعارضة, والمطلوب من حكومة البحرين بناء على ذلك أن تخطو خطوات أكثر تقدما من تجربة( 73 ), المطلوب من البحرين ليس فقط أن تعيد تجربة (73) فنحن نرفض الوضع الحالي, نرفض الدستور الحالي, نرفض البرلمان الحالي, كل هذه الخطوات هي تراجع إلى الوراء ! المطلوب من حكومة البحرين وهي تقف على هذا الدرس, وما تقوم المملكة العربية السعودية من خطوات…. فعلى حكومة البحرين أن تتقدم خطوات على تجربة ( 73 ) لا أن تقف عند هذه الحدود أو تتأخر عنها, كما هو الحال في الوقت الحاضر.

النقطة الثالثة: هناك الآن سؤال يطرح على الساحة المحلية, حول الموقف من ( الميثاق العمل الوطني ) هناك أطروحات تقول: بأن حكومة البحرين تخلت عن الضمانات التي أعطتها إلى الشعب والمعارضة قبل التصويت على الميثاق, وبناء على ذلك فإن المعارضة والشعب في البحرين في حل من التزاماتها, ويمكن أن تتخلى عن الميثاق, ( أنا أقول بكل وضوح وبكل صراحة أنه في ظل تخلي حكومة البحرين عن التزاماتها وضماناتها التي سبقت التصويت على ميثاق العمل الوطني, فإنه يحق إلى شعب البحرين, ويحق إلى المعارضة, أن تتخلى عن الميثاق, وأن ترفع من سقف المطالب الإصلاحية المشروعة, ولكن مع ذلك, فإن هذه المسألة واضحة إلى المعارضة, ولكننا مع ذلك نجد أن الخطاب السياسي للمعارضة يوكد على المرجعية القانونية لدستور (73) والمرجعية السياسية لميثاق العمل الوطني, وهذا يدل على أن المعارضة لديها نوايا حسنه مع الحكومة, وأنها لا تريد أن تبتز وتستغل الظروف, وكل ما تريده أن ضع البحرين على طريق الإصلاحات الحقيقة. والمطلوب من حكومة البحرين أن تقدر هذا الموقف للشعب وللمعارضة وأن تعطي الشعب وتعطي المعارضة ما يستحق من مكتسبات, وأن تحقق لهم مطالبهم ).

النقطة الرابعة: في حديث سابق من أحاديث يوم الجمعة, ذكرت بأن من الإشكاليات التي يعاني منها الشعب العراقي في مهنته الحالية, وأن هذه الإشكالية ليست خاصة بالشعب العراقي, وإنما هي تعم كل الشعوب العربية تقريبا, وهذه الإشكالية هي مشكلة النظام العراقي مع شعبه, الشعب العراقي شعب أبي, شعب كريم, يرفض الاستعمار, وهو أول شعب عربي طرد الاستعمار من على أرضه. ولكن مهنة هذا الشعب هو هذا النظام, الجاثم على صدره, النظام العراقي أذاق شعبه الويلات وأذاقهم الألم, والشعب العراقي ينتظر اليوم الذي يتخلص فيه من هذا النظام الظالم المستبد, ويرى بأنه وعلى الأقل, يسكت على الاستعمار الأمريكي الحديث القادم, وفقط يسقط النظام… لأنه يرى نفسه عاجزا… وأن هذا النظام شرس وهذا النظام متغلغل في وسط الشعب العراقي, وأن هذا الشعب تقريبا عاجز عن مواجهته, فينتظر سقوط هذا النظام بأي وسيلة وبأي طريقة وبعد سقوط هذا النظام الشعب يتدبر أمر الاستعمار القادم عليه من الأمريكان. بمعنى آخر أن بعض العراقيين يرون أنه ( تأتي أمريكا وتسقط هذا النظام, ثم نحن نتولى أمرنا مع هذا الاحتلال الأمريكي ). هذا درس لكل الشعوب ولكل الحكومات, فيجب على الحكومات أن تكون حذرة من أن تصل مع شعوبها إلى هذه الدرجة, بحيث تفكر الشعوب بأن تزول في الوقت أو اليوم الذي تزول فيه هذه الأنظمة.. يجب أن تكسب هذه الحكومات الشعوب عن طريق الإنصاف والعدل, وأن تعطيها حقوقها, فإذا الحكومات ابتزت الشعوب وإذا الحكومات سلبت الشعوب حقوقها وانتقصت حقوقها, ومارست مع شعوبها الإرهاب, فهل تعتقدون بأن هذه الشعوب سوف تقف بجانب حكوماتهم أثناء المحنة ؟ أبدا, فالحكومات يجب أن تستفيد من هذا الدرس,وهو أنها لا تصل مع شعوبها إلى هذا المستوى , الذي تنتظر فيه الشعوب اليوم الذي تتخلص فيه من حكوماتها , والمطلوب من الحكومات أن تقف في خندق واحد مع شعوبها , بمعنى أن تعطي الشعوب حقوقها المشروعة , ولا تنتقص شيء من حقوقها بل تعطيها حقوقها كاملة .

النقطة الخامسة: هذه النقطة موجهة إلى المعارضة, نحن لا نريد للمعارضة في البحرين أن تكون مبتزة, الظرف الحالي لا يخدم حكومة البحرين, بل لا يخدم حكومات كلها, وأنا أقدر بأن الظروف الراهنة لا تخدم إي نظام من أنظمة المنطقة, وحكومات المنطقة في وضع لا تحسد عليه, ونحن لا نطالب المعارضة بأن تكون مبتزة, وأن تكون غير أخلاقية, حتى وإن انقلب النظام على الدستور, حتى وإن انقلب النظام على الميثاق, لكن على المعارضة أن تكون واقعية, وفي هذا الوقت التي تشعر فيه الحكومة بحاجتها إلى شعبها, ووقوف شعبها إلى صفها, نقول بصريح العبارة ( يا حكومة أعطي الشعب حقوقه كاملة )… ( الدستور الحالي يجب أن يسقط, والبرلمان الحالي يجب أن يسقط, وأن نعود لدستور 73 الدستور الشرعي, ونعطي الشعب المؤسسة البرلمانية التي تعبر عن إرادته ).

أكتفي بهذا المقدار, واستغفر الله لي ولكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 6/ ذو الحجة /1423هـ – الموافق 7 / 2 / 2003 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.