فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 26-10-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 26 أكتوبر 2001 م

الخطبة الدينية : دراسة في مفهوم العلاقات الإنسانية والدولية
الخطبة السياسية : تفاعلات الضربة العسكرية الأمريكية على أفغانستان

( نقدر ونحترم الانتماء الوطني والقومي لما يترتب عليهما من حقوق وواجبات ، ولكن ليس على حساب انتمائنا الديني لأنه أسمى وأرقى من كل انتماء لأنه معيار إلهي )
( يوجد ظلمين لله – عز وجل – من قبل البشر ، والظلم الأول من البشر لله أن يقولوا أن الله غير موجود ، الله – عز وجل – الذي خلق الإنسان والذي لا تجد شيئا إلا وتجد الله فيه هناك من الحمقى من يقول : بأن الله غير موجود ، وظلم آخر لله ينبع من الفكر العلماني ، والذي يقول لله : استرح أنت في زاوية ولا علاقة لك في شؤوني دعني أتصرف فيها وأدير حياتي بنفسي )

( أمريكا تدمر الشعب الأفغاني للسيطرة على النفط والغاز الموجود في أفغانستان ، و لتوجد حاجزا بين روسيا والنفط في الخليج ، وتسيطر من خلاله على عصب وشريان الحياة في أوروبا واليابان وشرق آسيا لأنهم يعدون المنافسين الأقوياء لأمريكا اقتصاديا )
( الممارسات التي تمارسها أمريكا ضد أفغانستان وتهديداتها لها تدل بكل وضوح لكل عاقل بأن أمريكا شخصية اعتبارية مضطربة وغير مؤهلة لقيادة العالم )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .
قال تعالى : ” يا أيها الناس ، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير ” صدق الله العلي العظيم .

في البداية رحم الله من قرأ سورة الفاتحة ، وأهدى ثوابها إلى أرواح شهداء فلسطين وشهداء أفغانستان ، وشهداء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها .

الآية الشريفة المباركة تشير إلى الأفراد ( الذكر والأنثى ) ، وتشير إلى الكيانات السياسية والاجتماعية ( الأسرة ، المجتمع ، القبيلة ، الدولة ) ، وتقرر بأن هذه الكيانات كيانات واقعية يترتب على الانتماء إليها حقوق وواجبات ، وتوضح أيضا الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين هذه الفئات .
قوله تعالى : ( يا أيها الناس ) خطاب من الله العلي القدير إلى الناس كافة ، فهو ليس خطاب خاص بالمؤمنين وإنما للناس كافة ، يخاطب فيهم إنسانيتهم ، ولهذا نجد في الخطاب تجلي المرتكزات العقلائية مما يدل على رقي الخطاب القرآني وواقعيته ، ويدل على أن مرتكزات الخطاب الإسلامي يمكن أن تختلف باختلاف الجهات المخاطبة ، والقرآن يمثل الخطاب الأول في الإسلام ، يتلوه خطاب الرسول الأعظم (ص) ، وخطابات أهل البيت (ع) وهم قدوة الخطاب الإسلامي .
( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) يوجد قولان لعلماء التفسير في هذه الآية :-
القول الأول : (من ذكر وأنثى) بمعنى آدم وحواء (ع) والمعنى أن الله – عز وجل – يخاطب الناس ويقول لهم بأنكم من أصل واحد من آدم وحواء ، وبالتالي فلا فرق بين جنس وآخر .. ولا فرق بين أسود وأبيض ، ولا فرق بين عربي وأعجمي ، لأن العرب والعجم والقوميات الأخرى كلهم يعودون لأصل واحد ولهذا لا فرق بينهم .
القول الثاني : أي أن كل إنسان متولد من إنسانين ( أب وأم ) ، وبالتالي فلا يوجد فرق في القيمة الإنسانية بين إنسان وآخر سواء كان الإنسان ذكر وأنثى ، غني أم فقير ، عبد أم سيد ، حاكم أم محكوم ، كلهم يتساوون في القيمة الإنسانية ، فهذا التفاوت الطبقي لا يغير في هذه القيمة الإنسانية ، والخلاصة أن كل البشر بعيدا عن الجنس والانتماء والتفاوت الطبقي ( فقير ، غني ، حاكم ، محكوم ) أو الانتماء العرقي ( عربي ، أعجمي ) كلهم يتساوون في القيمة الإنسانية وبالتالي فهم يتساوون في الحقوق والواجبات ، وهذه الآية تؤسس إلى ذيلها ” لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وهي غنية بالبحوث والمضامين ومن جملة هذه المضامين أختار واحدة ( فلسفة الحكم في الإسلام ) . بما أن الناس يتساوون في القيمة الإنسانية ويتساوون في الحقوق والواجبات فما هو الفرق بين الحاكم والمحكوم ؟ لا فرق . ونحن نعلم بأن الحاكم متسلط على إرادة المحكوم ، والسؤال : بأي حق يتسلط الحاكم على إرادة المحكوم إذا كان الحاكم والمحكوم متساويان في القيمة الإنسانية وفي الحقوق والواجبات ؟ مما يدل على أن أي حكومة في وجودها وممارستها لا تكون شرعية إلا من خلال إرادة الشعب ؟ فحينما يكون هناك نظام وراثي أو نظام يستمد وجوده من خلال انقلاب عسكري فإن ذلك لا يكسبه الشرعية ما لم يكن مدعوما بإرادة الشعب ، وهناك تفاصيل ، وقد أردت تبيان الفلسفة في إجمالها .
( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) لعلماء التفسير أقوال في تفسير هذه الآية ، ولا أرى بأن هناك حاجة لذكر هذه الأقوال وإنما أشير إلى القول الأقرب إلى مفهومنا المعاصر للدولة . فالشعوب : هي الجماعات البشرية التي تنتمي إلى وطن واحد ويترتب على انتمائها حقوق وواجبات ، والقبائل : هي التي تنتمي إلى نسب واحد ، والوطن قد يجمع أكثر من قبيلة وأكثر من قومية ، فالعراق مثلا فيها عرب وأكراد ، وإيران فيها عرب وأكراد وفرس ، والقبيلة الواحدة قد تتفرق بين أكثر من وطن مثل الأكراد حيث يتفرقون بين العراق ، وإيران ، وسوريا ، وتركيا ، ونستفيد من هذه الآية بأن الانتماء للوطن أو الانتماء القبلي كلاهما يترتب عليهما حقوق وواجبات تجب مراعاتها .
( لتعارفوا ) هذه الآية بعد الآية السابقة مليئة جدا بالمضامين ، فقوله ( لتعارفوا ) فيه إقرار من القرآن الكريم بأن لكل شعب أو قبيلة خصوصياتها وإشارة أخرى إلى ضرورة احترام هذه الخصوصيات ، لكنه يؤكد على أن هذه الخصوصيات للشعوب يجب أن لا تكون سببا للتنازع والتفاخر ، فقد أوجد الله هذه الخصوصيات والاختلافات بين الشعوب للتعارف ، ويمكننا إعطاء ثلاثة معاني لكلمة التعارف :
المعنى الأول : معرفة النسب ، فلان ابن فلان ابن فلان آل فلان ، والتعارف بالنسب له دور كبير جدا في المعاملات ، ولولا النسب لما استطعنا تنظيم المعاملات فيما بيننا ، فكل معاملاتنا الاجتماعية قائمة على هذا النسب ، وربما .. أقول ربما : يعطي النسب خصوصيات للأرض والتي نعبر عنها بالجنسية ، وهناك قول من رواده السيد قطب (رحمه الله) أن جنسية المسلم عقيدته وهو قول صحيح ، ولكن الأنظمة الدولية تعطي الجنسية لأن مواطن يسكن دولة معينة مما يساعد على تنظيم المعاملات في السفر وغيرها ، وتنظم العلاقات والحقوق على مستوى الدولة .
المعنى الثاني للتعارف : بمعنى تبادل الثقافات والخبرات والتجارب ، وقد ذكرت في بداية الحديث على أن القرآن الكريم يقر بخصوصيات الشعوب ، فكل شعب له خصوصياته الثقافية وتجاربه وخبراته وتاريخه ، وله عاداته وتقاليده ، كل هذه ما لم تتعارض مع الأحكام الشرعية يجب أن تحترم وتقدر ، والشعوب تتبادل الثقافات والعادات والتقاليد والخبرات والتجارب وهو سبب من أسباب الرقي والتنوع ، بحيث تصبح الحضارة والثقافة البشرية لها طعم وذوق خاص من خلال هذا التنوع ، وهذه الآية ترفض رفضا قاطعا الهيمنة الثقافية لأي أمة على أمة أخرى ، فلا يجوز لأمة أن تهيمن وتفرض ثقافاتها على الثقافات الأخرى فتسحقها .
ومن الناحية الشرعية يجب أن نميز بين شيئين ، بين الخاص والعام ، فالعام هو المشترك من خلال ما أولده الشارع المقدس من أحكام بعضها حرام وبعضها حلال ، الحلال والحرام يجب أن يحترما في كل زمان ومكان ، فالحلال في البحرين أو في الهند أو في فرنسا أو في روسيا يجب أن يحترم لأن له علاقة بنظام الحياة الإنسانية وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ، وهناك الخاص ، حيث لكل شعب ثقافته الخاصة وعاداته وتقاليده وتجاربه ، وكل هذه الخصوصيات يجب أن تحترم وتقدر سواء كانت في المأكل أو الملبس أو الزواج أو داخل الأسرة ما لم تتعارض مع حكم شرعي ، كما يمكننا تبادلها أيضا لأن هذا المزيج يعطي مذاقا خاصا للثقافة البشرية.
المعنى الثالث للتعارف : أن الشعوب تنتسب للأرض ، وكل شعب في أرضه له ظروفه المناخية والطبيعية والجغرافية ، وله إنتاجه على مستوى الزراعة والصناعة والرعي ، وعليه يكون التعارف من خلال تبادل المنافع ، وذلك لأن بعض الإنتاج الزراعي أو الصناعي أو الرعوي غير موجود في بعض البلدان فيتم على أساسها التبادل ، ففي الخليج مثلا يوجد نفط ، وهو ملك لأهل الخليج ، كما أن غاباتهم وصناعتهم ملك لهم ، وبالتالي لا يحق لأي دولة أن تسيطر على هذا النفط وهذا الإنتاج ، ومهما كان هذا النفط مهما لها فلا يجوز لها أن تسيطر عليه لهذا الاعتبار لأنه ملك لغيرها ، ويجب احترام ملكية الدول لثرواتها ليكون التبادل على هذا الأساس ويتحقق التعارف بهذه الصيغة ، وإذا فعلت دولة ذلك فيجب أن ترفض وتقاوم .
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الآيات السابقة بينت لنا أن المجتمع البشري يتكون من أفراد لهم حقوق وواجبات ، لتتكون بعد ذلك الكيانات الاجتماعية والسياسية إما لدولة أو لقبائل ، كما بينت لنا نمط العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين الشعوب والقبائل ، وهذه الآية تبين لنا جزءا آخرا من الأسس التي تقوم عليها هذه العلاقة ، فعلى مستوى الأفراد فإن الأفراد خلقوا من نفس واحدة ، ويتساوون في القيمة الإنسانية ولا فرق بين أبيض وأسود وعربي وأعجمي إلا بالتقوى ، وهذا التساوي معناه أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ، والأمر نفسه ينطبق على الشعوب والقبائل حيث لا يوجد شعب أفضل من شعب ، ولا قوم أفضل من قوم ، ولا عرق أو جنس أفضل من عرق أو جنس آخر .. لا العرق السامي أفضل العرق الآري ولا العرق الآري أفضل من العرق السامي ، والآية تقول لنا : بأن الجاه والمال والرئاسة والرمزية كلها زخارف لا قيمة لها في الفضل ، فالآية تنفي أن يكون لها أساس في التفاضل بين البشر ، وعند الله قد يكون العبد أفضل من السيد لأنه أتقى منه ، وقد يكون المحكوم أفضل من الحاكم لأنه أتقى منه ، وقد يكون الفقير أفضل من الغني لأنه أتقى منه ، وقد تكون المرأة أفضل من الرجل لأنها أتقى منه ، فالآية إذن تنفي أي تفضيل أو كرامة لأي إنسان على آخر على أساس غير التقوى ، لأن التفاضل الحقيقي يأتي عن طريق التقوى ، ونحن نسأل لماذا التقوى ؟ لماذا لا يكون العلم أساسا للتفاضل بين البشر ؟ العلم قيمة حقيقية كما في قوله تعالى ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، والعالم أفضل من الجاهل ، والفلاسفة حينما يعرفون الإنسان بأنه حيوان ناطق فهم يقصدون العاقل ، فالشخص الذي ينمي عقله أفضل من الإنسان الذي لا ينمي عقله لأن العلم هو أحد مصادر الغناء والثروة في إنسانية الإنسانية وقيمته الإنسانية ، ولكن العلم بحد ذاته كقيمة ينبغي أن يكون محل نظر لأن العالم قد يخالف علمه بينما التقي لا يفعل ذلك لأن التقوى علم وعمل ، والتقوى تعني الإحساس العميق بالمسئولية ، وتعني عدم مخالفة العلم للعمل لأن هناك تطابق بين العلم والعمل في نفس التقي ، وتعني بان هناك مقاومة للشهوات والرغبات الداخلية ومقاومة للعوامل الخارجية كالإغراء والتهديد ، وهذا لا يتحصل عليه العالم كعالم وإنما يحصل عليه التقي ولهذا قال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
( إن الله عليم خبير ) عليم بظاهركم وصورتكم الخارجية ، وعليم بباطنكم ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) ، وإذا ربطت هذه الآية بالآية السابقة نجد لها أكثر من دلالة ، فهناك من يدعي التقوى ويتظاهر بها ولكنه ليس في داخله كذلك ، وهذه الآية تقول لنا بان الله يعلم التقي من الفاسق وأنه سوف يثيبه ليس على ظاهره وإنما على حقيقته ، وإذا ما خدع هذا الشخص البشر فلن يستطيع أن يخدع الله ، هذه دلالة . أما الدلالة الثانية : أن كرامة التقوى أعطيت للأتقياء دون غيرهم لأن التفاضل بين البشر يجب أن يكون على أساس التقوى ، وقوله تعالى : ” إن الله عليم خبير ” معناه أن الله وضع التفاضل حول مسألة التقوى عن علم وخبرة وليس عن جهل ، وبالتالي فهي كرامة حقيقية ، في حين أن ما يضعه الناس لأنفسهم من كرامات على أساس الجاه أو المال أو الرئاسة أو الرمزية وما شابه ذلك هي كرامات وهمية لا قيمة لها عند الله ولا قيمة لها في الواقع ، بل قد ينتج عنها مفاسد ، فالإنسان التقي لا يمكن إلا أن يكون خيرا ونافعا للناس في حين قد يفسد غير التقي ، كما أن كرامة التقوى إضافة إلى كونها شيء إيجابي فهي ليست محل تنازع بين الأتقياء ، وإنما هي محل غبطة وتنافس على الخير ، فحينما يتنافس البشر على التقوى فهذا معناه أن كل شخص يريد أن يكون أفضل من الآخر وأنفع من الآخر إلى الناس وأخير لهم بما ينتج صلاحا للمجتمعات ، في حين أن الكرامات الوهمية كالمال والجاه والرئاسة والرمزية ينتج عنها التناحر والفساد لأن همَّ هؤلاء أن يكونوا رموز أو زعماء أو أغنياء فحسب ولا غير .
والدلالة الثالثة لهذه الآية : أن الإنسان العاقل يجب أن يحترم الغايات التي يضعها الله لها ، فإذا وضع الله لك غاية التقوى فيجب أن تحترم هذه الغاية وتقدسها لأن الله وضعها عن علم وخبرة ، ولا تفضل غايات أخرى عليها ، فنحن نحترم مثلا الانتماء الوطني ونقدره ونحترم الانتماء القومي ونقدره لأنها انتماءات حقيقية تترتب عليها حقوق وواجبات ، ولكنها ليست معيار الأفضلية ، فالبحريني ليس أفضل من الكويتي أو العراقي ، ولا العربي أفضل من الأعجمي ، ولكن لا ينبغي أن تكون الوطنية أو القومية على حساب الانتماء الديني لأن في الانتماء الديني دلالة على أهمية الهوية الدينية ، وللأسف اليوم هناك من يعير الأفراد بانتماءاتهم وهويتهم الدينية في حين أنه يجب أن يكون هذا الانتماء هو الانتماء الأقوى لأنه ينبع من فكر وضمير الإنسان ، فنحن حينما نحترم الانتماء الوطني والقومي فليس معنى ذلك أنها القيمة الأرقى لأن القيمة الأرقى هو ما حدده الله عز وجل في معيار التقوى ، وعليه فينبغي احترام الهوية الدينية للإفراد والمنظمات ، وهذا خلاف ما يطرحه العلمانيون ، وللتنبيه فقط فهذا خطاب لضمير الإنسان فيما يتعلق بالهوية الانتماء .
يوجد ظلمين لله – عز وجل – من قبل البشر ، والظلم الأول من البشر لله أن يقولوا أن الله غير موجود ، الله – عز وجل – الذي خلق الإنسان والذي لا تجد شيئا إلا وتجد الله فيه هناك من الحمقى من يقول : بأن الله غير موجود ، وظلم آخر لله ينبع من الفكر العلماني ، والذي يقول لله : استرح أنت في زاوية ولا علاقة لك في شؤوني دعني أتصرف فيها وأدير حياتي بنفسي .
وفي هذه الآية دليل على إعجاز القرآن وأنه كتاب الله فعلا ، لأن هذه الآية التي نزلت على النبي (ص) حينما جعلت أساس التفضيل على أساس التقوى فهي قد جاءت في مجتمع يرى أساس التفاضل في الانتماء القبلي ، وعلى أساس الجاه والمال ، في هذا المجتمع الذي يئد المرأة والرق قائم فيه على قدم وساق ، فكيف يأتي النبي محمد فيقول : لا فضل لرجل على امرأة ولا لعربي على أعجمي ، وأن هذه الانتماءات القبيلة والطبقية لا قيمة لها ، وكيف لفكر بهذا النضج أن ينبع من المجتمع الجاهلي ، وكيف لخص النبي محمد (ص) كل هذه الأفكار والمبادئ التي تتعلق بحياة الأفراد وحياة المجتمعات وعلاقتهم بهذه الكلمات البسيطة الرائعة ، والخلاصة أن هذه الآية الشريفة توضح إرادة القرآن ومنهجه في بناء الإنسان والمجتمع الإنساني ، وتوضح العلاقات التي تقوم على أسس إنسانية قوامها العدل والمحبة بين الشعوب والدول ، وهذا النهج هو النهج الوحيد الذي يحفظ حقوق الإنسان في أي مجتمع ، ويحفظ التعايش السلمي والاستقرار بين الدول ، وأن التخلي عن هذا النهج يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان والتهديد للاستقرار العالمي ، وأن هذا النهج ينبغي أن تقوم به الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والدول العظمى ، ولكن بدلا أن تمارس الدول العظمى هذا الدور وتضطلع به الأمم المتحدة نجد بأن الدول العظمى هي أول من ينتهك حقوق الإنسان وأول من يهدد السلم العالمي ، وأن الأمم المتحدة ما هي إلا ألعوبة بيد هذه الدول .

ومن هذه الخلاصة أنتقل إلى القسم الثاني من الخطبة وهو القسم السياسي ، وأقف عند عدة نقاط :
النقطة الأولى : من أي منطلق تنطلق أمريكا في حربها على أفغانستان ؟ وعلى أي أساس تعقد التحالفات مع الدول ؟ هل لمصلحة العالم وحقوق الإنسان ؟ أم أنها تعمل لمصلحة خاصة لأمريكا !! . الآية الشريفة بينت لنا أن العلاقات بين الدول يجب أن تكون على أساس مراعاة المصلحة العامة ، وأن لا ننطلق من بقعة أرض لمصلحة وطن أو مصلحة قومية ، وإنما نفكر في المصلحة العالمية ومصلحة البشر كبشر ، وأمريكا لا تنطلق من المصلحة العالمية ، ولا تفكر في الاستقرار العالمي ، ولا تفكر في حقوق الإنسان ، وإنما تنطلق من مصلحتها الخاصة بناء على الفلسفة البرجماتية ، ومن هذه الفلسفة المادية تساند الإرهاب الصهيوني في فلسطين وتقدم له أقوى الدعم وهو الذي ينتهك حقوق الإنسان بأبشع الصور ، ومن هذا المنطلق تسيطر على منابع النفط في الخليج ، ومن منطلق المصلحة الأمريكية ضربت اليابان بالقنبلة الذرية ، ومن هذا المنطلق وبناء على هذه الفلسفة هي الآن تدمر الشعب الأفغاني سواء كان في سبيل السيطرة على النفط والغاز الموجود في أفغانستان ، أو في سبيل أن توجد حاجزا بين روسيا والنفط في الخليج ، لأنها تريد أن تسيطر على النفط الخليجي وتسيطر من خلاله على عصب وشريان الحياة في أوروبا واليابان وشرق آسيا لأنهم يعدون المنافسين الأقوياء لأمريكا اقتصاديا ، ولأن زعامة العالم في المستقبل لن تكون استنادا للقوة العسكرية وإنما استنادا للقوة الاقتصادية ، فإذا وضعت أمريكا يدها على النفط في الخليج فقد سيطرت على شرايين وأعصاب أوروبا واليابان وشرق آسيا ، وبالتالي تصبح قوتها العسكرية في سبيل هيمنتها الاقتصادية وإضعاف موقف منافسيها الاقتصاديين .
النقطة الثانية : أمريكا تقول : بأن حربها هذه هي حرب ضد الإرهاب ، وأنا أسأل سؤال واحد فقط : أيهما أكثر قبحا عند العقلاء أن يمارس الإرهاب فرد أو منظمة أو أن تمارسه دولة ولا سيما إذا كانت الدولة هي الدولة العظمى ؟ الإرهاب قبيح ولا شك أن الإرهاب التي تمارسه الدول لا سيما إذا كانت دولا عظمى هو أكثر قبحا من الإرهاب الذي تمارسه المنظمات أو الأفراد ، وبالتالي فإن الإرهاب الذي تمارسه أمريكا ضد الشعب الفلسطيني والشعب الأفغاني هو أكثر قبحا من الإرهاب الذي يمارسه بن لادن وتنظيم القاعدة إذا كانوا مسئولين فعلا عن تفجيرات نيويورك وواشنطن .
النقطة الثالثة : الممارسات التي تمارسها أمريكا ضد أفغانستان وتهديداتها لها تدل بكل وضوح لكل عاقل بأن أمريكا شخصية اعتبارية مضطربة ، وأن العمل الذي تمارسه أمريكا عمل جنوني ، وبالتالي فهي غير مهيأة لقيادة العالم مثلها مثل الرجل ضخم الجثة كثير الاعتزاز بنفسه ويشكو من تهديدات رجل ضعيف وهزيل ويطلب من الآخرين أن يوقفوه عند حده ، فأمريكا هذه القوة العظمى اليوم تحشد كل قواها العسكرية وكل علاقاتها الدولية السياسية والاقتصادية في سبيل القبض على بن لادن والقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان ، وتدمر دولة أفغانستان الفقيرة التي تفتقر إلى أبسط البنى التحتية ، ويطلع علينا قائد عسكري أمريكي فيقول : أمريكا تسيطر على الأجواء الأفغانية !!!! هذا الكلام هل هو جدي !!! ومن الناحية النفسية كيف نفهمه ؟!!! هذا دليل على أن أمريكا شخصية مضطربة وأنها غير مهيأة لقيادة العالم ولا تستطيع تحمل مسئولية بسيطة في قيادة العالم ، وأن هذه القوة الموجودة الآن بيد أمريكا هي قوة خطرة على السلام والأمن العالمي ، وعلى الدول بدلا من التحالف معها أن تقف في وجهها وتضع لها حدا .
النقطة الرابعة : أن الحرب التي تشنها أمريكا قائمة على بعد عنصري . أمريكا تقول : بأن ضرب المراكز الحيوية في أمريكا راح ضحيته أبرياء ، هذا صحيح ونحن ندين تهديد الأبرياء في أي مكان ، ولكن .. ألم تقتل أمريكا الأبرياء في أفغانستان وفلسطين وغيرهما ؟!! وهل معنى ذلك أن دم الأبرياء الأمريكيين حرام والدم الصهيوني حرام والدم الأفغاني والإسلامي حلال !! ما معنى ذلك ؟!!! ، لو كانت أمريكا تحترم دماء الأبرياء لما قتلت الأبرياء ، ولم تقف إلى صف الكيان الصهيوني في قتل الأبرياء ، وهذا دليل نزعة عنصرية قام عليها الاستعمار قبل ذلك ، فالاستعمار في بداية مجيئه كان يقول : أنه يريد أن ينمي الشعوب المتخلفة ، ومن بعد آخر يمارس الكيان الصهيوني جرائمه على أساس أنه شعب الله المختار ويجوز له أن ينتهك حرمة هذا الدم ، ولو نظرت أمريكا إلى الدم الأفغاني والدم الفلسطيني بنفس حرمة الدم الصهيوني وحرمة دمائها لما مارست هذا القتل ودعمته في الكيان الصهيوني ، ولو لم تكن أمريكا تعترف بالأساس الذي يمارس عليه الكيان الصهيوني جرائمه لم تدعم أمريكا الكيان الصهيوني ، وإذا كانت أمريكا تحترم الدم الأفغاني في أفغانستان فلماذا تنتهك دماء الأبرياء هناك ، فالمسألة ليست مسألة تسلط أمريكي فحسب وإنما هناك بعد عنصري يجب على الحكومات والشعوب أن تكون على وعي به.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 9 شعبان 1422هـ الموافق 2001/10/26 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.