محاضرات وندوات عام 2002

خطبة عيد الفطر المبارك

خطبة عيد الفطر المبارك

( محاولة ترسيخ المجلس الأعلى الإسلامي ومن خلاله محاولة المساس بالشعائر يعد خطرا مزدوجا ومركبا ، ونرجو من القيادة السياسية أن تتفهم ذلك لأننا قلقون من هذا المساس بالشعائر )
( القيادة الحقيقية هي التي تكون أعيادها أعياد الأمة وأحزانها أحزان الأمة ، وهكذا ينبغي أن تكون القيادة )
( قضية تعديل بعض مواد الدستور مسألة مثيرة للقلق بنسبة أكبر من غيرها ، ونتمنى من القيادة السياسية أن تنفتح على المؤسسات الأهلية ، وتؤخذ بوجهات نظرها في هذا الموضوع لأهميته وخطورته )
(نحن لا نخفي قلقنا من تكرار أحداث جدحفص مرة ثانية وتأثيرها على الوضع الأمني في البلاد)
( أن هم المواطن والقوى السياسية ليس بتوفير الوظيفة فقط وإنما بتحسين مستوى المعيشة ، فالأجور التي تعطى ليست كافية فهي متدنية ونحن نعاني في مجتمعنا بسبب تدني الأجور ، وكثير من الذين يعملون كأنهم غير موظفين ، لذا فنحن نطالب برفع مستوى الأجور بالنظر إلى تكلفة المعيشة في البحرين )

( ليس من الصحيح أن تبقى أبواب بعض الوزارات والمؤسسات مغلقة أمام بعض المواطنين ، واستمرارية غلقها أمام بعض المواطنين أمر مثير للقلق )
( الخدمات حق للمواطنين ، وينبغي أن تصل للمواطنين كحق ، وأن لا تكون أداة لتقريب وترسيخ بعض الأشخاص في الساحة لما لذلك من نتائج سلبية على الإصلاحات بصورة خاصة )

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

الخطبة الأولى :

قال تعالى : ( قال عيسى بن مريم : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك ، وارزقنا وأنت خير الرازقين * ) صدق الله العلي العظيم .

لنعرف ما هو العيد

هذا الدعاء الذي جاء به عيسى بن مريم (ع) .. جاء به بعد حوار عميق وحميم بينه وبين أصحابه ، وهو الحوار الذي سجلته الآيات السابقة على هذه الآية ( إذ قال الحواريون : هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ، قال : اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا : نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ، ونعلم أن قد صدقتنا ، ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى بن مريم : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك ، وارزقنا وأنت خير الرازقين * ) .
الطلب الذي تقدم به عيسى (ع) إلى الله هو المائدة ، والقصد والغاية من هذا الطلب هو أن ( تكون لنا عيدا ) ،،، إذن .. فلنعرف ما هو العيد ؟ . إذا تكلمنا عن العيد بصفته يوما أو موسما : فهو اليوم أو الموسم الذي تحتفل به الأمة بذكريات سعيدة ، وسمي عيدا من العود ، وللعود معنيان :

العودة للأصل هو العيد

المعنى الأول : أنه يعود عاما بعد عام .
المعنى الثاني : أن العود هو الرجوع إلى الأصل . فمثلا ، إذا تعرضت أمة إلى نكبة وعانت من مشاكل في زمن معين ، ثم خرجت من هذه النكبة وتغلبت على هذه المشاكل وعادت إلى حالة الاستقرار والأمن ، فتكون هذه المناسبة بالنسبة لها عيدا لأنها عادت للأصل وهو الأمن والاستقرار والرخاء ، وفيما يتعلق بالأعياد الإسلامية فهي مناسبة لعودة النفس الإسلامية إلى فطرتها السليمة ، لأن نفس الإنسان قد تتلوث بالذنوب والخطايا فيأتي الصوم أو الحج فيغسل هذه النفس ويطهرها من الذنوب فتعود إلى أصلها وفطرتها السليمة وطهارتها الأولى ، وهنا عودة النفس إلى طهارتها ونقائها هي ذاتها مناسبة العيد .

طلب المائدة .. لماذا ؟

وبالعودة إلى الآية ، فقد طلب عيسى (ع) من الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء تكون لهم عيدا ، فما هي العلاقة بين المائدة والعيد ؟ . من الواضح جدا بان الحاجة إلى المائدة ليست حاجة مادية ، وليس لأنهم يعيشون الجوع أو أن لديهم نقصا في الطعام ويطلبون هذه المائدة لكي يشبعون هذه الحاجة لأن بإمكانهم أن يحصلوا على غذائهم وطعامهم من الأرض ، ولكنهم طلبوا مائدة من السماء ، وحصول المائدة من السماء لا يكون إلا بمعجزة ، ولهذه أصبحت هذه المائدة مناسبة لعدة نقاط :

فرح روحي ومكسب عظيم

النقطة الأولى : وفي المقام الأول ، استجابة لدعائهم ، لكي يعلموا بالدليل الحسي أن الله – عز وجل – قد استجاب لهم دعاءهم .
النقطة الثانية : أن إنزال المائدة تعني أن هؤلاء لهم منزلة ومكانة عند الله – عز وجل – ، وإلا لما أنزل عليهم هذه المائدة بعد طلبهم إياها ، وعليه فالفرح الذي حصل عليه هؤلاء ليس فرحا من أجل شيء مادي ولا من أجل غرض مؤقت ، وإنما فرح روحي من أجل مكسب عظيم حصل عليه هؤلاء ، ولهذا اعتبر نزول المائدة عليهم عيدا نتيجة الفرح الروحي والمكسب العظيم الذي حصلوا عليه .

ليس حالة شخصية

النتيجة الثالثة : ( لأولنا وآخرنا ) هنا .. كلمة أولنا تعني الذين حصلوا على المائدة وهم الحواريون ، في حين أن العيد سيكون للأمة كلها ، فما معنى ذلك ؟ .. معنى ذلك أن هذا الطلب ليس حالة شخصية ، وأن نتائجه لا تعود على شخص النبي عيسى (ع) أو الحواريين فقط ، وإنما نتائجه العظيمة تعود على الأمة كلها مما يعني اندماجا كبيرا بين القيادة والقاعدة ، فالقيادة لا تعبر عن حاجات في نفسها وإنما تعبر عن حاجات الأمة ، ويكون إشباعها لحاجات الأمة كلها ، مما يدل على عمق التلاحم بين القيادة القاعدة ، لأن القيادة الحقيقية هي التي تكون أعيادها أعياد الأمة وأحزانها أحزان الأمة ، وهكذا ينبغي أن تكون القيادة .

ارفضوا كل محاولة لشق الصف

كما تدل هذه العبارة على وحدة الصف ، لأن الأمة كلها تحتفل بالعيد ، وفي ذلك مناسبة كبيرة لوحدة الصف ووحدة الكلمة ، وبالتالي ينبغي أن نرفض كل محاولة لاستثمار العيد من أجل شق الصف ، وإذا وجدت محاولات لهذا الغرض فينبغي أن نرفضها لأنه لا يجوز أن نعيش العيد ونحن أمة واحدة في أجواء الفرقة والاختلاف ، لأننا كالجسد الواحد أو كالبنيان يشد بعضه بعضا ، فيجب أن نعيش المحبة والأخوة ، وإلا إذا كنا نعيش الفرقة والعداوة والبغضاء فنحن لا نعيش العيد الذي تحتفل به الأمة كلها ، وعلينا بالمحافظة على وحدة الصف الإسلامي لأن الآية لا تشير إلى وحدة الصف الإسلامي في الزمن الواحد وإنما في كل الأزمان ، لأن الأمة يجب أن تشعر بوحدة كيانها منذ آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها أي بامتداد الزمن كله .

الخطبة الثانية :

العيد عيدان

في هذا اليوم ، نحن في البحرين لا نعيش عيدا واحدا فقط ، فنحن نعيش مناسبة عيد الفطر ، ونعيش أيضا مناسبة العيد الوطني في ظل الإصلاحات السياسية التي يقودها سمو الأمير – حفظه الله تعالى – ، وفي ظل هذين العيدين نؤكد على إيماننا وتمسكنا بالإصلاحات لأن الإصلاحات تعني لنا الشيء الكثير ، فقد ضحينا بحق من أجل هذه الإصلاحات ، وبالتالي فنحن متمسكون بها ، وعلى الرغم من محاولة البعض تهميش دور الإسلاميين في الإصلاحات إلا أن كل منصف يعلم الدور الحاسم في دفع هذه الإصلاحات ، وعليه فنحن نقدم كل الدعم لسمو الأمير – حفظه – في قيادته لهذه الإصلاحات ، ومع إيماننا وتمسكنا بهذه الإصلاحات ، وتقديمنا كل الدعم لسمو الأمير في قيادته لهذه الإصلاحات ، إلا أننا لا نخفي قلقنا لبعض الأمور :-

المساس بالهوية مساس بالإصلاحات

الأمر الأول : المحاولات المستميتة للمساس بهويتنا ، وهذا القلق ليس قلقا على ذات الهوية ، فهوية مدرسة أهل البيت (ع) من الأصالة والشموخ بحيث تقف كل هذه المحاولات قزما وأكثر من قزم أمامها ، ولكننا نقول بأن هذه المحاولات المستميتة للمساس بهويتنا ، لا تخدم الوحدة الوطنية ، ولا تخدم الحركة الإصلاحية ، وتشغل التيار بقضايا ثانوية وهامشية بدل أن يتوجه لوضع برامجه وتطبيقها على الأرض .

خطر مزدوج

الأمر الثاني : محاولات المساس بالشعائر من خلال تلك التجربة التي حصلت في ليلة الواحد عشرين من رمضان ، وهي محاولات من أجل ترسيخ دور المجلس الإسلامي الأعلى ، وقد قلت في خطبة الجمعة قبل الأخيرة بأن هذه المجلس هو ثمرة من ثمار قانون أمن الدولة ، وأنه وليد عقلية وأفكار وحسابات ومخططات تلك المرحلة ، وهي مرحلة قد انتهت وولت ، فمحاولة ترسيخ هذا المجلس ومن خلاله محاولة المساس بالشعائر يعد خطرا مزدوجا ومركبا ، ونرجو من القيادة السياسية أن تتفهم ذلك لأننا قلقون من هذا المساس بالشعائر .

لا نخفي قلقنا من تكرارها

الأمر الثالث : ممارسات رجال الأمن ، حيث حدثت اعتقالات لبعض الشباب وتحرشات من بعض الأطراف ، وعليه فنحن لا نخفي قلقنا من تكرار أحداث جدحفص مرة ثانية وتأثيرها على الوضع الأمني في البلاد .

عدم تجنيس المستحقين

الأمر الرابع : طبيعة المعالجات لبعض القضايا ، ومثال على ذلك قضية التجنيس وقضية البطالة ، وتأخير تجنيس بعض الأخوة المستحقين ، فقد علمت أن أربعة أشخاص لم يمنحوا الجنسية رغم منح إخوانهم وآبائهم الجنسية وذلك بسبب القضايا الأمنية ، فقد اعتقلوا في المرحلة السابقة وصدرت بحقهم أحكاما قاسية ولذلك لم يعطوا الجنسية رغم حصول عائلاتهم على الجنسية ، وهذا وضع مقلق في ظل الإصلاحات والعفو العام الذي أصدره سمو الأمير ، كما أن هناك أشخاصا منقطعين عن البحرين وهم في الجمهورية الإسلامية حيث تم تسفيرهم وحتى الآن لم يمنحوا الجنسية وهو أمر مقلق لنا أيضا .

كأنهم غير موظفين

أما مسألة البطالة ، فهي مسألة مثيرة للقلق ، وقد تكلمت كثيرا في هذا الموضوع ، وأقول : بأن القلق ليس لأن القضية لم تحل بعد ، وفي اعتقادي أنه بإمكان الدولة حل هذه المشكلة بصورة أسرع إذا توفرت الإرادة السياسية لديها ، ولكن القلق يتمثل في : أن هم المواطن والقوى السياسية ليس بتوفير الوظيفة فقط وإنما بتحسين مستوى المعيشة ، فالأجور التي تعطى ليست كافية فهي متدنية ونحن نعاني في مجتمعنا بسبب تدني الأجور ، وكثير من الذين يعملون كأنهم غير موظفين ، لذا فنحن نطالب برفع مستوى الأجور بالنظر إلى تكلفة المعيشة في البحرين ،،، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فنحن نتطلع بكل جدية للمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين ، وليس من الصحيح أن تبقى أبواب بعض الوزارات والمؤسسات مغلقة أمام بعض المواطنين ، واستمرارية غلقها أمام بعض المواطنين أمر مثير للقلق .

عدم توفر الشفافية

الأمر الخامس : عدم توفر الشفافية في معالجة بعض القضايا ، ومنها قضية تعديل بعض مواد الدستور ، وهي مسألة مثيرة للقلق بنسبة أكبر من غيرها ، ونتمنى من القيادة السياسية أن تنفتح على المؤسسات الأهلية ، وتؤخذ بوجهات نظرها في هذا الموضوع لأهميته وخطورته .

الخدمات حق لا أداة تقريب

الأمر السادس : أننا نظر بقلق إلى بعض الأطراف في الدولة ، والتي تحاول أن توصل بعض الخدمات للمواطنين من خلال أشخاص بعينهم ، وهو موضوع قد يمثل عملية اختراق لضمير ووعي الأمة ، ونقول : بأن الخدمات حق للمواطنين ، وينبغي أن تصل للمواطنين كحق ، وأن لا تكون أداة لتقريب وترسيخ بعض الأشخاص في الساحة لما لذلك من نتائج سلبية على الإصلاحات بصورة خاصة .

أكتفي بهذا المقدار ، واستغفر الله الكريم لي ولكم ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.