محاضرات وندوات عام 2001

خطبة عيد الأضحى المبارك

خطبة عيد الأضحى المبارك

( الخطبة الأولى )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و على أهل بيته و أصحابه المنتجبين. السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي و سيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن و الحسين، السلام على أولاد الحسين، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي و أرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفدا.السلام على العلماء و الشهداء، السلام عليكم أيها الأحبة – أيها الأخوة في الله و رحمة الله و بركاته.

في البداية – رحم الله من قرأ سورة الفاتحة و أهدى ثوابها إلى أرواح الشهداء و لاسيما شهداء الانتفاضة.

بهذه المناسبة أرفع أسمى و أصدق التهاني إلى صاحب الزمان روحي و أرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفدا، و إلى الفقهاء و العلماء و إلى كافة المؤمنين و لاسيما حجاج بيت الله الحرام و زوار الرسول الأعظم (ص) و أهل بيته.. و إليكم.

قال تعالى ” قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا و آخرنا و رحمة منك و أنت خير الرازقين “.

العيد هو الفرح و السرور العائد، و معلوم أن الفرح و السرور لا يكون إلا لسبب مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل ” اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا و آخرنا و رحمة منك و أنت خير الرازقين “. فجعل العيد بسبب المائدة. و أيضا عيد الفطر بمناسبة الثواب و الرضوان الذي يحصل عليه الإنسان المؤمن من الله عز و جل بسبب صيام شهر رمضان. و كذلك عيد الأضحى بمناسبة الثواب والرضوان الذي يحصل عليه المؤمنون من أداء مناسك الحج. هذا الفرح و السرور على مستوى الأمة فهو عيد الأمة. و كما يمكن أن تكون هناك أعياد دينية فيمكن أن تكون هناك أعياد وطنية أو قومية أو ما شابه ذلك… حينما تكون هناك نعمة أو سبب يؤدي إلى الفرح و السرور على مستوى الأمة.

و مسمى العيد من العودة.. أنه يعود عاما بعد عام. و لهذا نستطيع أو يجوز أن نقول.. بأن العيد هو الموسم الذي يجتمع فيه الناس عاما بعد عام لأحياء ذكرى سعيدة سواء كانت هذه الذكرى دينية كعيد الفطر أو عيد الأضحى أو عيد الغدير أو يكون هناك عيدا وطنيا أو قوميا.

و نحن في البحرين في هذه الأيام نعيش إلى جانب أعيادنا الدينية عيدا وطنيا يتمثل في خروج كافة المعتقلين السياسيين من السجن و عودة المبعدين إلى البلاد، إلغاء أمن الدولة، و حلّ محكمة أمن الدولة،و التأكيد على حرية الرأي و التعبير أو ممارسة هذا الحق أو المساواة، وتكافؤ الفرص. كل هذه الحقوق كل هذه المبادئ، كل هذه المكاسب تعني لنا عيدا وطنيا بمناسبة تحققها في هذا الوطن. الأعياد يجب أن تحقق بطبيعتها عدة أهداف أو لها عدة وظائف:.
1. أول هذه الوظائف : إحياء و تجديد الدين و الملة – فمثلا – عيد الغدير فيه إحياء و تجديد المبادئ و الأهداف الإسلامية، الأعياد الوطنية أو الأعياد القومية – أيضا – إحياء و تجديد للأهداف و المبادئ التي قامت عليها. فالوظيفة الأولى لأي عيد هو إحياء و تجديد الملة و الأهداف و المبادئ التي تقوم عليها الأعياد.
2. الوظيفة الثانية : اجتماع الكلمة – قلنا – بأن العيد هو الموسم الذي يجتمع فيه الناس لإحياء ذكرى سعيدة – الناس يجتمعون و يحتفلون بهذه المناسبة، أهداف هذه المناسبة و مبادئ هذه المناسبة أن تجتمع الكلمة، تجتمع كلمة الأمة على هذه الأهداف و هذه المبادئ.
3. الوظيفة الثالثة : أيضا شحذ الهمم، شحذ النفوس باتجاه المبادئ و الأهداف التي تقوم عليها الأعياد.

هناك معنى أخر للعيد و هو أن العيد من العَوْد بمعنى الرجوع، الرجوع للشيء أو الرجوع إلى شيء قبل أو بعد الانصراف. فمثلا عيد الفطر و عيد الأضحى سمي عيدا لأن بهذه المناسبة تعود النفس البشرية إلى صفائها الفطري بعد أن تزول أدران و أوساخ النفس بسبب الصيام أو الحج. فالإنسان حينما يصوم و حينما يحج و حينما يعيش هذه الأيام، يعيش أيام رمضان أو أيام الحج و هذه المعايشة من شأنها أن تطهر نفس الإنسان فتعود النفس إلى صفائها السابق. فنفس الإنسان في الأساس نفس صافية و نقية تأتي الذنوب فتوسخ هذه النفس ثم يأتي الصيام أو تأتي أيام الحج تقوم بتطهير هذه النفس ومن ثم تعود إلى صفائها السابق.

أيضا في البحرين نحن نستطيع أن نقول بأننا نعيش عيدا وطنيا بهذا المعنى. فاليوم نحن نعيش حالة الانفتاح و الإصلاحات التي أعادت البلد إلى الوضع الطبيعي إلى المجتمع الصحيح.. المجتمع السليم، بعد حالة الاختناق و التأزم السابقة. فالوضع الطبيعي لأي مجتمع أن يكون في حالة رخاء و يكون في حالة أمن و استقرار و يعمل أبناؤه من أجل ازدهاره وحدة كلمته و وحدة صفه و يكون التلاحم بين الحكومة و الشعب…الخ.

هذه الحالة الطبيعية للبحرين.. الإصلاحات الحالية أعادت البلاد إلى حالتها الطبيعية، فنحن أيضا نعيش اليوم عيدا وطنيا بهذا المعنى، فنحن في البحرين – والحمد لله – حققنا مكاسب و هذه المكاسب تستحق منا أن نحتفل بها كعيد، لأنها توجد الفرح و السرور في أنفسنا. و إن هذه المكاسب أعادت البحرين إلى حالتها الطبيعية مما جعلنا في البحرين نعيش عيدا إلى جانب عيد الأضحى المبارك أيضا.. نعيش عيدا وطنيا بكل معنى الكلمة.

إلا أن هذا العيد – فرحة هذا العيد – تفسده الأحداث المؤلمة في فلسطين، أو ما يتعرض له اخوتنا و أحبتنا في فلسطين على أيدي الصهيونية المجرمة، ففي كل يوم يسقط الشهداء و عشرات الجرحى في فلسطين. لفلسطين مكانة خاصة في نفوسنا و في نفس كل إنسان مسلم. نحن نعتقد بأنه سوف يأتي اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين – هكذا وعدنا الله – فلقد وعدنا الله بأن فلسطين سوف تتحرر و تعود إلى المسلمين. تأملوا جيدا سورة الإسراء، هذه واقعا سورة معجزة، الذي يتأمل هذه السورة يجدها تجسد الوضع الذي نراه الآن في فلسطين مع أن الآية ” السورة ” نزلت قبل أن تفتح فلسطين. في حين تتكلم عن عودة اليهود إلى فلسطين، و أنهم سوف يخرجون من فلسطين وأنه سوف يتحرر بيت المقدس من أيدي اليهود. لكني أعتقد بأن فلسطين لن تتحرر إلا إذا تحررت الشعوب من الكبت و الاستبداد الذي يقرأ الوضع العربي – وضع الدول العربية – يجد بأن الذي يحمي الصهاينة ليس مجلس الأمن و ليس أمريكا فقط، بل إن الذي يحمي الصهاينة و دولة بني صهيون هي الحكومات العربية. الشعوب العربية أثبتت كفاءتها و قدرتها على إثبات وجودها و الدفاع عن نفسها – كذلك ما وجدناه في جنوب لبنان حينما فتح أمام الشعب العربي المسلم للبناني الباب – و استطاع أن يمارس دوره استطاع أن يكسر شوكة الصهاينة و أن يحرر لبنان و تخرج إسرائيل بكل ذل من الأرض اللبنانية. هذه لإسرائيل تتعرض إلى الذل على أيدي الأطفال… أطفال الحجارة، فلو أن الحكومات العربية أعطت إلى الشعوب حقوقها و حررتها من هذا الكبت و الاستبداد و أعطت حرية الرأي و التعبير، و فتحت لها المجال لأن تمارس دورها و التحمت إرادة الحكومات مع إرادة الشعوب، لو تحقق ذلك لتحررت فلسطين.

فتحرير فلسطين يتطلب منا تحرر الشعوب العربية و أن تعيش الحالة الطبيعية للمجتمع بما فيه من الأمن و الاستقرار و حرية الرأي و التعبير و أن تمارس دورها في الحياة في التحرير، و أن تلتحم إرادة الحكومات مع إرادة الشعوب. الآن نجد أن إرادة الحكومات بعيدة تماما عن إرادة الشعوب، و أن تحرير فلسطين يتوقف على أن تكون إرادة الحكومات مع إرادة الشعوب إرادة واحدة.
و الحمد لله رب العالمين.

بتاريخ 10 ذو الحجة 1421 هـ الموافق 6 / 3 / 2001 م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.