كلمة الأستاذ في ذكرى الوفاء للشهداء 17 ديسمبر
الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : ذكرى الوفاء للشهداء : ( 17 / ديسمبر ) .
العنوان : قراءة في ملف الشهداء وضحايا التعذيب .
المكان : مسجد الإمام الصادق ( ع ) بالقفول .
اليوم : مساء الخميس – ليلة الجمعة .
التاريخ : 4 / ذي القعدة / 1425هـ .
الموافق : 16 / ديسمبر – كانون الأول / 2004م .
الجهة المنظمة : اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب .
ملاحظة : لقد اعتذر الأستاذ عبد الوهاب حسين عن إلقاء كلمته في الندوة لسبب طاريء ، وحرص على كتابتها ونشرها ، نظرا لأهمية المناسبة في تاريخ مسيرتنا الوطنية .. وقدسيتها في شعور وفكر مواطنينا ، وتقديره الشخصي لهذه المناسبة وتعظيمها .
أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على النبي المصطفى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين .
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات الأعزاء ورحمة الله تعالى وبركاته .
حديثي لهذه الليلة تحت عنوان : ( قراءة في ملف الشهداء وضحايا التعذيب ) وسوف يكون على ثلاثة محاور ..
المحور الأول : أضواء على ظاهرة التعذيب والموقف منها ..
أصل : تعتبر ممارسة التعذيب من أكثر الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية بشاعة في نفسها ، وأكثرها تهديدا للقيم الإنسانية العظيمة ، وأكثرها انتهاكا لكرامة الإنسان وحقوقه وحرياته الأساسية ، ولهذا لا يمكن القبول أو السماح بالتعذيب في أي مجتمع يحترم الإنسان .. بما هو إنسان .
وقد نصت المواثيق الدولية على منعه بكافة أشكاله ، ومن أهم المواثيق الدولية التي نصت على ذلك المواثيق التالية ..
أولا : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام : ( 1948م ) : ( المادة : 5 ) .
ثانيا : العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام : ( 1966م ) : ( المادة : 7 ) .
ثالثا : اتفاقية مناهضة التعذيب لعام : ( 1984م ) .
النتيجة : أن التعذيب جريمة بشعة ضد الإنسانية ، يجب أن يعاقب عليها القانون ، ويحاسب كافة القائمين عليها ، في كل مجتمع أو دولة يحترم فيهما الإنسان .
واجبات الشعوب لمناهضة التعذيب : ويجب على كافة الشعوب في الأرض مناهضة التعذيب وكل أصناف المعاملة غير الإنسانية التي يعامل بها الإنسان في أوطانهم ، وأن لا يألوا جهدا في ذلك ، لأن البديل هو فقدان الإنسان لحقوقه وكرامته في كل مجتمع أو دولة يقصر أبناؤهما في مناهضة التعذيب ، ويجب أن تمارس الشعوب دورها في مناهضة التعذيب وكافة أصناف المعاملة غير الإنسانية من خلال العمل المؤسسي .. لأنه الأقدر على تحقيق الأهداف .
وأهم الواجبات التي يجب على الشعوب النهوض بها لمناهضة التعذيب الواجبات التالية ..
الواجب الأول : تكوين ثقافة إنسانية ترفض بشكل قاطع كل أشكال التعذيب وأصناف المعاملة غير الإنسانية ، وإيجاد حساسية شديدة ضد التعذيب تغذيها وتنميها منظومة فكرية وسياسية تتجلى فيها إنسانية الإنسان وقيمته الذاتية ، وتضمن له حرمة النفس والجسد ، وحق الحياة والحرية والمساواة وسائر حقوقه كإنسان .
الواجب الثاني : العمل الجاد بكافة الأساليب الممكنة المشروعة على منع حدوث التعذيب وصنوف المعاملة اللاإنسانية ، والجهاد السلمي المقاوم المقدس ضدها – إن وجدت ، والسعي بكل الأساليب الممكنة لمنع عودتها من جديد بعد القضاء عليها .
الواجب الثالث : التنديد بالمعذبين والذين يقفون وراءهم والمطالبة الفاعلة بمحاسبتهم ومقاضاتهم جنائيا .
الواجب الرابع : المطالبة بتعويض الضحايا وإنصافهم من قبل الحكومة التي تعتبر ( مدنيا ) مسئولة مسؤولية مباشرة عن ذلك ، مع التنبيه إلى أن التعويض لا يعد بديلا عن المقاضاة الجنائية .
واجبات الحكومات في مناهضة التعذيب : كما يجب على كافة الحكومات في العالم : أن تقف وقفة إنسانية صادقة لمنع التعذيب على أراضيها وفي كافة دول العالم ، مع التأكيد على أن مصداقية كل حكومة ووطنيتها : تتحدد بدقة من خلال موقفها من التعذيب وصنوف المعاملة غير الإنسانية .. على أراضيها وفي كافة دول العالم .
وأهم الواجبات التي يجب أن تنهض بها الحكومات لمناهضة التعذيب الواجبات التالية ..
الواجب الأول : الاستماع لصوت العقل والشرع والقانون والضمير الإنساني العالمي .. بأن لا تسمح بالتعذيب على أراضيها ، وأن تبذل جهودا كافية للحيلولة دون وقوعه ، وأن تقف في وجه كافة الحكومات التي تمارسه في العالم ، بغض النظر عن نوع العلاقة التي تربطها بها ، وأن لا تكون كأمريكا التي تنادي بحقوق الإنسان وتزعم بأنها وجه الديمقراطية في العالم المعاصر ، وهي تغض النظر عن كافة الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ، وتدافع عنه ، وتوفر له الحماية من العقاب في المؤسسات الدولية .. وهي جريمة في حد ذاتها .
وقد نصت المواثيق الدولية : على عدم جواز التذرع بالظروف الاستثنائية لوقوع التعذيب وتبريره .
الواجب الثاني : أن تقوم بمحاسبة كل المسؤولين عن التعذيب وكافة صنوف المعاملة غير الإنسانية .. ومن يقفون وراءهم ، وان لا تتسامح معهم ، وأن تحرص كل الحرص على تقديمهم للعدالة المحلية أو الدولية ، وأن تكافح بكل ما أوتيت من قوة محاولات إفلات مرتكبي التعذيب من العقاب ، من أجل القضاء على هذه الجريمة الخطيرة البشعة ، وقفل الباب أمامها ، وعدم إتاحة الفرصة لعودتها من جديد إلى المجتمع أو الدولة بعد القضاء عليها .
الواجب الثالث : تطهير أراضيها من الآثار السيئة للتعذيب ، وتعويض ضحيا التعذيب تعويضا عادلا فاعلا شاملا مناسبا .. بما فيه إعادة التأهيل ، وقد نصت ( المادة : 14 ) من اتفاقية مناهضة التعذيب على : أن تضمن كل دولة طرف إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب .. كما يعتبر ذلك : أحد المباديء الأساسية للقانون الدولي الراهن .
وهنا أرغب في ذكر الملاحظات المهمة التالية ..
الملاحظة الأولى : أن حماية مرتكبي التعذيب من العقاب تعد جريمة في حد ذاتها .. وأنها مخالفة للمواثيق الدولية والضمير الإنساني العالمي .
الملاحظة الثانية : أن عدم المحاسبة – فضلا عن الحماية والترقية وإعطاء الأوسمة – يدل على عدم الصدق في مكافحة التعذيب ، والإبقاء في الأذهان وفي الواقع : على فرصة عودته من جديد ، مما يعني ممارسة الإرهاب للمواطنين بهذا الإبقاء !!
الملاحظة الثالثة : نظرا لخطورة التعذيب وآثاره السيئة على الجماعات والمجتمعات ، وإيمانا من المجتمع الدولي بضرورة مواجهته عالميا ، فقد أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ : ( 12 / ديسمبر – كانون الأول / 1997م ) عن قرارها الذي يحمل رقم : ( 52 / 146 ) باعتبار ( 26 / حزيران – يونيو / من كل عام ) : يوما عالميا لمناصرة ضحايا التعذيب .
المحور الثاني – أبعاد التعذيب وأهدافه ..
أيها الأحبة الأعزاء : يجب التنبيه إلى أن المصدر الأساسي للتعذيب على وجه الأرض في كافة العصور وفي كافة دول العالم .. هي السلطات ، وأن التعذيب يمارس بالضرورة في ظل الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة ، من أجل كسر كل تمرد ضدها من قبل قوى الإصلاح والثورة ، فقد تفنن جلادوها في ممارسة التعذيب ضد الشرفاء الغيورين من أبناء الشعوب المستضعفة طوال التاريخ .. في كل مكان وجد فيه نظام دكتاتوري مستبد ظالم .
وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظات المهمة التالية ..
الملاحظة الأولى : يعتبر التعذيب الأداة البشعة الفاعلة التي تلجأ إليها السلطات الدكتاتورية المستبدة الظالمة كلما شعرت بالخطر من أجل المحافظة على موازين القوى لصالحها ضد قوى الإصلاح والثورة .
الملاحظة الثانية : لقد أثبتت التجارب عدم براءة الأنظمة الديمقراطية من ممارسة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان .. إلا أن التجارب أثبتت أيضا : بأن الأنظمة بقدر ما تمارس الظلم والاستبداد ، بقدر ما يكون التعذيب سلاحا شائعا لديها لممارسة القمع ضد شعوبها .
والخلاصة : أن التعذيب يتناسبا طرديا مع الدكتاتورية والظلم والاستبداد ، وعكسيا مع العدل والحرية والديمقراطية في كافة دول العالم في كل العصور .
الملاحظة الثالثة : إن النجاح في تطويق ظاهرة التعذيب في أية دولة من دول العالم يحتاج إلى التالي ..
أولا – يقظة الشعوب وعدم غفلتها : وأن للصحافة الحرة ، والقضاء المستقل ، والمنظمات الأهلية الفاعلة .. دور رئيسي في ذلك ، وأن أي خلل في هذه المؤسسات يؤثر سلبا لصالح ممارسة التعذيب في الدولة التي يحدث فيها الخلل .
ثانيا – المقاومة الفاعلة من الشعوب : يجب علينا أن نعرف بأن صراع الشعوب مع التعذيب صراع متواصل لا ينتهي أبدا ، وأن الجهاد السلمي المقدس لمناهضة التعذيب يتخذ ثلاثة أشكال .. وهي :
الشكل الأول : الجهاد السلمي المقدس لمنع حدوث التعذيب .
الشكل الثاني : الجهاد السلمي المقدس لمقاومته والقضاء عليه – إذا وجد .
الشكل الثالث : الجهاد السلمي المقدس لمنع عودته من جديد بعد القضاء عليه .
وعلى الشعوب أن لا تنثني في مقاومة التعذيب من أجل حريتها وحياتها الكريمة ، وأن لا تترك للسلطات فرصة احتكار رسم معالم الحياة وتحديد خيارات الشعوب للمستقبل وتحديد المصير .
الملاحظة الرابعة : إن ظاهرة التعذيب لا يمكن أن تأتي بمفردها في ظل الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة ، وإنما تأتي في سياق منظومة من الممارسات غير الإنسانية وغير الديمقراطية .. مثل : التمييز الطائفي أو العرقي ، والفساد الإداري والمالي ، وعدم الفصل بين السلطات ، وتقييد حرية الكلمة والصحافة ، ومنع حق تنظيم التجمعات وتكوين المؤسسات والأحزاب ، فكلها تأتي في سياق فكري وسياسي وأخلاقي وسلوكي واحد ، ويجب علينا أن ننظر إليها كذلك ، وأن نأخذه بعين الاعتبار في مناهضة التعذيب .
وتسعى الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة من وراء التعذيب لتحقيق الأهداف البشعة التالية .. وهي تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول – يتعلق بالضحايا : وفيه هدفان رئيسيان ..
الهدف الأول : قتل الروح المعنوية للضحية وتحطيم شخصيته والقضاء على قدراته ومواهبه وتعطيل دوره الفاعل في المجتمع ، لكي لا تتطور براعم التمرد الفردي وتتحول إلى ثورة عارمة ضد الظلم والطغيان والدكتاتورية والاستبداد .
الهدف الثاني : السعي لتغيير سلوك الضحية وتفكيره ونمط شخصيته بالإكراه .
ونخلص من الهدفين السابقين إلى النتائج التالية ..
النتيجة الأولى : أن التعذيب جريمة بشعة ترتكبها الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالم .. ضد أبناء شعوبها والإنسانية جمعاء .
النتيجة الثانية : أن عملية التعذيب عملية غير أخلاقية .. تهدف لإفتضاض ضمير الإنسان ، لأنها تعمل على تغيير قناعات الإنسان وسلوكه ونمط شخصيته .. بواسطة الإكراه ، بدلا من الإقناع بواسطة العقل والبرهان والوسائل الشريفة .. وهي وسيلة دنيئة : غير مشروعة وتتنافي مع كرامة الإنسان بما هو إنسان .
وهنا يجب التنبيه إلى الملاحظات المهمة التالية ..
الملاحظة الأولى : أن التعذيب قد ينتهي بموت الضحية ، إلا أن الهدف من التعذيب ليس هو القتل المادي أو الحسي وإنما القتل المعنوي للضحية .. وهو الأخطر على الإنسان .
الملاحظة الثانية : أن كل مواطن في ظل الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة يكون عرضة للتعذيب أو بعيدا عنه بقدر امتثاله للسلطات وما يمثله من خطر عليها ، وأن الكثير من الأبرياء يقعون ضحايا للتعذيب وصنوف المعاملة غير الإنسانية .. بسبب الهواجس الأمنية غير الواقعية لدى الأنظمة المستبدة ، وذلك نظرا لعدم ثقة هذه الأنظمة بشعوبها ، لأنها لا تستمد شرعيتها من إرادة الشعوب .. وإنما بالقوة وفرض الأمر الواقع عليها .
الملاحظة الثالثة : أن خضوع المواطنين لسلطة الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة .. تكون للأسباب التالية ..
السبب الأول : الخوف من العقوبات الجائرة الخطيرة .
السبب الثاني : المطامع الشخصية والخوف على المصالح الخاصة .
السبب الثالث : اللامبالاة .. والنظرة غير المسؤولة في الحياة .
السبب الرابع : انعدام الثقة بالنفس بين المواطنين وضعف التكاتف بينهم .
والنتيجة : أن قوى الإصلاح والثورة مطالبة بمعالجة هذه الأسباب لكي تنجح في حركتها وتحقيق أهدافها المشروعة .
القسم الثاني – يتعلق بالمجتمع : وفيه هدفان رئيسيان..
الهدف الأول : بث الرعب في المجتمع بأكمله لكي يقبل بالأمر الواقع المنحرف والظالم ، ويتخلى عن محاولات التغيير وأهدافها المشروعة .. وعن المطالبة بالحقوق العادلة .
الهدف الثاني : تشتيت قوى المجتمع التي تسعى للإصلاح والثورة وتفتيتها من أجل إضعافها .. لتكون عاجزة عن تحقيق أهدافها .
وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظات المهمة التالية ..
الملاحظة الأولى : أن منطق القوة مقدم على منطق الحق والقانون لدي أرباب الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة .
الملاحظة الثانية : أن المصالح الخاصة للحاكم وحزبه وعائلته وحاشيته مقدمة على حقوق المواطنين وكرامة الإنسان .
ونخلص من ذلك إلى النتائج التالية ..
النتيجة الأولى : أن التعذيب من أخطر العوامل على سلامة الجماعات والمجتمعات .
النتيجة الثانية : أن التعذيب من أخطر أساليب الإرهاب السياسي غير المشروعة التي ترتكبها الحكومات الدكتاتورية المستبدة الظالمة ضد شعوبها .
النتيجة الثالثة : أن التعذيب من الأساليب المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان .
النتيجة الرابعة : أن التعذيب أحد أهم الأسباب التي تعيق تقدم المجتمعات والدول وتؤدي بالضرورة إلى تخلفهما .
المحور الثالث : تشكيل المؤسسات الأهلية لحمل ملف ضحايا التعذيب ..
يعتبر تشكيل المؤسسات الأهلية لحمل ملف ضحايا التعذيب : من أجل منع حدوثه ، ومقاومته إذا وجد ، ومنع عودته بعد القضاء عليه ، واجب وطني وإنساني عظيم ، وعمل متحضر راقي ، وهو وسيلة الشعوب للنهوض بواجباتها لمناهضة التعذيب وصنوف المعاملة غير الإنسانية في أوطانها .
وينبغي علي المؤسسات الأهلية التي تتصدى لحمل ملف ضحايا التعذيب أن تسعى لتحقيق الأهداف التالية ..
الهدف الأول : تكوين ثقافة إنسانية وفق منظومة فكرية وسياسية ترفض التعذيب بكافة أشكاله وصوره .
الهدف الثاني : توثيق كل ما يتعلق بظاهرة التعذيب بالكلمة والصوت والصورة .. من خلال الوسائل القضائية وغير القضائية مثل : تشكيل اللجان الشعبية لاستجلاء الحقيقة وسماع شهادات الضحايا وغيرهم .
الهدف الثالث : إحياء الذاكرة الشعبية وتحريك الضمير بشأن ظاهرة التعذيب بكافة الوسائل الممكنة المشروعة .. مثل : الندوات والمؤتمرات والنشرات والمقالات في الصحف والكتب وغيرها.
الهدف الرابع : المراقبة الدقيقة لسلوك السلطات والمحاسبة لها .. لا سيما في أوقات الأزمات ، لكي لا تنزلق إلى مستنقع التعذيب وجحيمه .
الهدف الخامس : الجهاد السلمي المقدس ضد التعذيب – إن وجد – بكل الأساليب والوسائل المتاحة والممكنة المشروعة ، والسعي بكافة الوسائل لمنع عودته من جديد إلى المجتمع أو الدولة بعد القضاء عليه .
الهدف السادس : المساهمة في السعي لإرساء دعائم الديمقراطية الحقيقية ، لأنها الطريق الأسلم لحماية الإنسان من جريمة التعذيب والممارسات اللاإنسانية المشينة الأخرى .
وقد تشكلت في البحرين اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب ، ورفعت المطالب الرئيسية التالية ..
المطلب الأول : إلغاء المرسوم بقانون ( 56 ) لعام ( 2002 م ) .
المطلب الثاني : التحقيق في التجاوزات التي حدثت في الحقبة السابقة ، ومحاسبة المسؤولين ومن يقف وراءهم ومقاضاتهم جنائيا .
المطلب الثالث : تعويض كل المتضررين تعويضا عادلا وشاملا .
المطلب الرابع : إعادة الاعتبار للشهداء .
وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظات المهمة التالية ..
الملاحظة الأولى : تعتبر جميع المطالب السابقة مطالب مشروعة وعادلة وفق الدستور والمواثيق الدولية والمباديء الأساسية للقانون الدولي الراهن .
الملاحظة الثانية : أن عمل اللجنة يجب أن يتسم بالجدية والفاعلية ، لأن نجاحها يعتبر من أهم العوامل التي من شأنها أن تقفل الباب أمام عودة هذه الجريمة إلى الوطن من جديد .
الملاحظة الثالثة : يجب على اللجنة أن تتمسك بالحق الوطني والإنساني للضحايا .. وأن لا تتنازل عنه ، وأن تدرك بأن التعويض ليس بديلا عن المقاضاة الجنائية ، وأرى بأنه من المناسب أن تترك اللجنة باب المصالحة الوطنية مفتوحا بالرجوع إلى جمعيتها العمومية وسائر الضحايا وعوائل الشهداء .
الملاحظة الرابعة : أن طبيعة عمل اللجنة يفرض عليها السعي لتحقيق أهدافها وفق المنهج السلمي المقاوم .. لا غير .
الملاحظة الخامسة : وفقا لما سبق ذكره : بأن ظاهرة التعذيب لا تأتي بمفردها في ظل الأنظمة الدكتاتورية المستبدة الظالمة ، وإنما في سياق منظومة من الممارسات غير الديمقراطية .. مثل : التمييز الطائفي والعرقي ، والفساد الإداري والمالي ، وعدم الفصل بين السلطات ، وتقييد حرية الكلمة والصحافة ، ومنع حق تنظيم التجمعات وتكوين المؤسسات والأحزاب ، فإن المطلوب من اللجنة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار ، وأن لا تفصل جهادها السلمي المقدس في ملف الشهداء وضحايا التعذيب عن هذه الملفات التي يحمل بعضها أبعادا إنسانية.
وقد سبق القول قبل قليل في هذه الكلمة : أن الهدف السادس من الأهداف التي يجب أن تسعى إليها اللجان الأهلية التي تحمل ملف ضحايا التعذيب : المساهمة في السعي لإرساء دعائم الديمقراطية الحقيقية ، لأنها الطريق الأسلم لحماية الإنسان من جريمة التعذيب والممارسات اللاإنسانية المشينة الأخرى .
أيها الأحبة الأعزاء ..
أكتفي بهذا المقدار..
وأستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..