فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 04-05-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 04 مايو 2001 م

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين، السلام على جميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم، السلام على الخلف الصالح الحجة ابن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على العلماء والشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة وبركاته.

قال تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعدا أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجهوكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصير). سورة الإسراء 4-8 آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

قوله تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل ) قضينا : بمعنى أوحينا، أو أخبرنا خبرا قاطعا جازما. ( في الكتاب) أي في التوراة، بمعنى أن الله – عز وجل – أوحى إلى بني إسرائيل بواسطة نبيه العظيم موسى ابن عمران (ع) في التوراة ( لتفسدن في الأرض مرتين ( والخطاب موجه لبني إسرائيل المعاصرين لموسى (ع) على أن المفسدين في الأرض مرتين هم أحفادهم وخلفهم. ( في الأرض ) أي في أرض فلسطين، ويقول بعض المفسرين في بيت المقدس. ( ولتعلن علوا كبيرا ) أي سوف تستكبرون عن طاعة الله، وتستعلون على الناس بالظلم والطغيان والتعدي على حقوقهم وأنكم سوف تتجاوزون بذلك حد العقل والشرع، ويرى الشيخ محمد جواد مغنية بأن قوله تعالى : ( ولتعلن علوا كبيرا) دليا على أن إفساد بني إسرائيل في الأرض ليس هو الفساد العام كالقتل أو الحروب والربا والفتن وإنما هو إفساد خاص عن طريق الحكم والسلطة مستفيد في ذلك من الآيات التي تكلمت عن العلو كقوله تعالى : ( إن فرعون علا في الأرض ) ففرعون استخدم السلطة والحكم في الإفساد، فقوله تعالى : ( لتفسدن في الأرض مرتين) بمعنى أنكم سوف تتسلطون على أرض فلسطين وتحكمونها مرتين وإنكم سوف تستخدمون الحكم والسلطة وسيلة للفساد في الأرض والتعدي على حقوق الآخرين، ومعظم المفسرين يقولون بأن الإفسادين حدثا قبل الإسلام والقليل من المفسرين يقول بعد الإسلام وبعد نزول القرآن، ( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) فإذا جاء الإفساد الأول وحان وقت الوعد الإلهي بإنزال العقوبة عليكم لأنكم أفسدتم في الأرض وَعَدَ.. ( بعثنا عليكم عبادا لنا ) أي أرسلنا أو أنهضنا إليكم عبادا محاربين شجعانا ذوي بطش شديد وقوة ( فجاسوا خلال الديار) جاسوا : أي ترددوا وفتشوا في وسط البلاد بحثا عنكم ليقتلوكم ويذلوكم. ( وكان وعدا مفعولا ) وأن هذا وعد قاطع من الله – عز وجل – لازم لا خلف له ولا تبديل ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا). ثم رددنا لكم الكرة عليهم : تفيد أمرين، الأمر الأول : بأن بني إسرائيل سوف يستفيدون من التجربة الأولى حيث أنهم أفسدوا فعاقبهم الله – عز وجل – ويتوبون إلى الله عن معصيته وعن ظلم الناس والإفساد في الأرض.
الأمر الثاني : أن الذين فتحوا فلسطين في المرة الأولى وقتلوا بني إسرائيل وأذلوهم أفسدوا هم في الأرض وطغوا على الناس وظلموهم فكانت النتيجة أن رد الله جل جلاله لبني إسرائيل الغلبة والسلطة على أولئك. ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم) أي وأرجعنا لكم السلطة والغلبة على الفاتحين لأنكم تبتم وهم أفسدوا. ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) وقول الله في آية أخرى : ( استغفروا ربكم إنه غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ). أي لأنهم تابوا واستغفروا الله – عز وجل – أمدهم الله عز وجل بالأموال والبنين وجعلهم أكثر عددا من عدوهم،،، ومن هذه الآيات الشريفة نستفيد الدرسين التاليين وهما :
الدرس الأول : أن كل من يظلم الناس ويفسد في الأرض لابد أن يرسل الله عليه من ينتقم منه، سواء كان هذا المنتقم مؤمنا أم كافرا.
الدرس الثاني : مشروعية استخدام القوة ضد من يفسد في الأرض ويمارس الظلم والطغيان ضد الناس، لاسيما إذا كانت القوة هي السبيل الوحيد للقضاء على الفساد.
وقوله تعالى : ( إن أحسنتم أحسنتـم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) إن أحسنتم : أي إذا جعلتم عملكم حسنا صالحا في نفسه، أو أحسنتم معاملتكم للناس (أحسنتم لأنفسكم)
ثمرة عملكم الحسن وثمرة إحسانكم للآخرين تعود عليكم حيث تجنون ثمرة هذا الإحسان. ( وإن أسأتم فلها ) : وكذلك إذا كان عملكم عملا سيئا أو معاملتكم للآخرين معاملة سيئة فمردود هذا العمل السيئ يعود عليكم،،، وهنا القرآن الكريم يؤكد على قاعدة ذهبية ألا وهي : بأن كل إنسان يجني ثمرة عمله، فإذا كان العمل حسنا فالنتيجة حسنة، وإذا كان العمل سيئا فالنتيجة سيئة،،، وهنا قد يظهر سؤال من خلال التأمل والتوسع في هذا البحث وهو : إن البعض قد يضحي ويأتي الآخرون ويسرقون ثمرة عمله، فمثلا : بعض الشعوب تضحي ويأتي الآخرون ويسرقون ثمرة تضحياتهم. وأقول هنا في بعض الجواب : إن الإدارة جزء من العمل وإنما يجب عليك أن تحسن إدارة الصراع وإدارة المكاسب، كالتاجر حينما يضع رأس مال كبير ويعمل ليل نهار بإخلاص من أجل نجاح تجارته ثم يخسر، فهذا التاجر خسر لا لأنه لم يعمل بل لأنه لم يحسن إدارة تجارته،،، وكذلك الإنسان في المجال السياسي يحتاج إلى جانب العمل حسن الإدارة. (وإذا جاء وعد الآخرة) القرآن الكريم ينبه بني إسرائيل بأنكم سوف تنسون نتائج التجربة وتعودون للفساد مرة ثانية ويعود الله جل جلاله عليهم بالعقاب فأنتم حينما نسيتم نتائج التجربة الأولى وأغفلتم عنها، فما هي عواقب نسيان نتائج التجارب والاستفادة منها، عودة العقاب، فالإنسان يجب أن لا يغفل عن نتائج التجارب السابقة التي يمر بها في حياته وعليه أن يجعلها نصب عينيه دائما، وأن لا يغفل عنها أو ينساها، وإنما يتذكرها ويستفيد منها. فبني إسرائيل حينما غفلوا عن نتائج التجربة الأولى وعادوا إلى الفساد مرة أخرى كانت النتيجة أن سلط الله عليهم أعداء ( ليسوؤا وجوههم ) بعث الله عليكم أعداء لينتقموا منكم لأنكم عدتم إلى الفساد مرة أخرى، فكانت المرة الثانية أشد من المرة الأولى ففي المرة الأولى ( جاسوا خلال الديار ) أي أخذوا بالبحث والتفتيش عنكم في البلاد من أجل أن يقتلوكم ويذلوكم، أما في المرة الثانية فقال الله تعالى : ( ليسوؤا وجوهكم ) أي أن الذل والحزن الذي حل بكم من قبل عدوكم ظهرت آثاره على وجوهكم، فالانتقام في المرة الثانية أشد من المرة الأولى حيث قال تعالى : ( وليتبروا ما علوا تتبيرا) أي أنهم أهلكوا أو قضوا على كل ما عملتموه وأهلكوا الحرث والنسل. ( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة )، أي يدخلوا المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة، وكما ذكرت هنا بان كل إنسان يظلم ويفسد في الأرض لابد أن يسلط الله عليه من ينتقم منه ويعاقبه، فإن استفاد من التجربة فالله – عز وجل – يفسح له مجال التوبة ( عسى ربكم أن يرحمكم ) هنا رجاء بأن الله يرحمكم إذا تبتم وعدتم للطاعة وأقلعتم عن الفساد في الأرض وعن ظلم الآخرين فالقاعدة ما زالت حاكمة ( وإن عدتم عدنا ) وإن عدتم إلى الفساد والظلم عدنا إليكم بالانتقام… فمن خلال التجربة الأولى واستفادتكم منها وتوبتكم أمدكم الله بالأموال والبنين وجعلكم أكثر عددا، وبعد أن نسيتم التجربة وعدتم إلى الفساد أعاد الله الانتقام منكم وكان أشد من المرة الأولى، ومازال باب التوبة مفتوحا، فإذا تبتم إلى الله وأقلعتم عن الظلم والفساد ورجعتم إلى فإن الله سوف يرحمكم، وإن عدتم إلى الفساد مرة ثالثة عدنا إليكم بالانتقام، وإن الانتقام في المرة الثالثة سوف يكون أشد من المرة الثانية، كما كان الانتقام في المرة الثانية أشد من المرة الأولى،،، وهذا في الدنيا، أما في الآخرة ( جعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) ففي الآخرة سوف تلفكم جهنم ولن يفلت منكم أحد…

هذا وقد الإسرائيليون للإفساد مرة ثالثة وهذا ما نجده حاليا في فلسطين ولم يستفيدوا من التجربتين السابقتين وهذا وعد من الله بالنصر للمسلمين في نهاية المطاف، وحسب الوعد الإلهي فإن الله جل جلاله سوف ينتقم منهم أشد الانتقام… وهذا الحديث المضغوط حول الآيات الأربع من سورة الإسراء، أقدمه إشادة بالمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الإسلامية في فلسطين الذي أقيم في طهران والذي دعا إليه مجلس الشورى الإسلامي في إيران، وهذا الحديث كان من المقرر أن يكون في الأسبوع الماضي بالمناسبة المذكورة، إلا أنني أجلت الحديث هذا الأسبوع ليكون الحديث متزامنا مع أسبوع دعم انتفاضة الأقصى الذي دعت إليه جمعية الإصلاح والذي سوف يبدأ غدا السبت وحتى يوم الخميس من الأسبوع ذاته، وليكن هذا الحديث بمثابة المشاركة في هذا المشروع الخير المبارك أو جاء الحديث أو المشاركة من الخارج ( خارج الموسم ).
أعود إلى المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة حيث يتميز هذا المؤتمر بأربع نقاط وهي :
– النقطة الأولى : أن المؤتمر ثبت البعد الإسلامي إلى جانب البعد القومي في القضية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية قضية إسلامية منذ البداية، وسوف تبقى قضية إسلامية حتى النهاية،،، ونتيجة للألاعيب الاستعمارية انحصرت القضية على البعد القومي وأبعدت عن البعد الإسلامي حيث كانت هذه من أكبر الخسائر في دعم القضية الفلسطينية، وأخيرا جاء المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة ليعيد البعد الإسلامي لهذه القضية كما هو الأساس والأصل.
– النقطة الثانية : أن هذا المؤتمر جاء دعما لخط الانتفاضة في مقابل خط المفاوضات مع إسرائيل، وسوف نتعرف على الخطين فيما بعد.
– النقطة الثالثة : أنه جمع بين البعد الرسمي والحكومي وبين البعد الشعبي، وأن القضية في أمس الحاجة للتلاحم بين الحكومات والشعوب، لكي تلعب الشعوب دورا كبيرا في القضايا المصيرية بما فيها القضية الفلسطينية.
– النقطة الرابعة والأخيرة : أن هذا المؤتمر اتخذ خطوات إجرائية لدعم القضية الفلسطينية ولم يكتف بمجرد البيانات والإدانات، ومن هذه الخطوات تشكيل المؤتمر الدولي للبرلمانيين المدافعين عن القضية الفلسطينية، وهو مؤتمر غير حكومي يجتمع فيه البرلمانيون السابقون والبرلمانيون الحاليون، ومن الأشياء المفرحة التي أفرحتني شخصيا مستوى الحضور القوي للملكة العربية السعودية في هذا المؤتمر، لما له من دلالة سياسية إيجابية قوية لخدمة القضية الفلسطينية والقضايا الأخرى إقليميا وعربيا إسلاميا، أما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.. نحن أمام خيارين ومسلكين أو طريقتين،،، مسلك المفاوضات ومسلك الانتفاضة،،، مسلك المفاوضات له خصائص ومن هذه الخصائص :
1) أنه يثبِّت الوجود الصهيوني ويعترف بشرعيته في أرض فلسطين.
2) أن خط المفاوضات يسعى لفتح الأبواب والطرق أمام الكيان الصهيوني ليقيم علاقات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية مع الدول العربية والإسلامية المحيطة بالكيان الصهيوني.
3) أن هذا الخط خط حكومي رسمي بعيد عن إرادة الشعوب العربية والإسلامية لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الخط مبني على علاقات خارجية بين الحكومات والدول الاستعمارية، ولهذا الخط نتائج ومن أهمها :
– النتيجة الأولى : بأنه فتت وضرب وحدة الصف الإسلامي والقومي، حيث جعل الدول العربية مختلفة ومتفرقة وكذلك الدول الإسلامية.
– النتيجة الثانية : أنه فتت وضرب وحدة الصف الفلسطيني حيث نرى اختلاف الفصائل الفلسطينية وتناحرها.
– النتيجة الثالثة : أن هذا الخط انتهى إلى الفشل الذريع حيث اعترفت كل الأطراف بفشل هذا الخط في تحقيق أهدافه، وأنه أدى بالقضية إلى طريق مسدود وليس أدل على ذلك من اعتراف السيد سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني المقرب من ياسر عرفات بذلك.. هذا الخط في الواقع استمرار إلى السياسات العربية والحكومية الخارجية الفاشلة في معالجة القضية الفلسطينية والقضايا المصيرية العربية الأخرى، فمنذ أكثر من خمسين سنة نرى السياسات الحكومية العربية الخارجية فاشلة في معالجة القضية الفلسطينية، وبدلا من أن تصل بالقضية الفلسطينية نحو الحل أدخلتها في متاهات وإلى طرق مسدودة، قال السيد الرئيس بشار الأسد بأن فشل المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود هو العامل الذي فجر الانتفاضة الفلسطينية.
وفي مقابل هذا الخط.. خط الانتفاضة وله عدة خصائص :
– الخاصية الأولى : أن هذا الخط يقوم على رفض شريعة الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية ويقوم على مواجهة هذا الكيان في الداخل والخارج.
– الخاصية الثانية : إن هذا الخط يدعو إلى محاصرة الكيان الصهيوني وغلق كل المنافذ أمام هذا الكيان لكي لا يقيم علاقات مع الدول المحيطة، وأن المحللين السياسيين يقولون : بأن نجاح الانتفاضة في الداخل يحتاج إلى محاصرة الكيان الصهيوني في الخارج، فمحاصرة هذا الكيان سياسيا واقتصاديا في الخارج وضربه من الداخل هو السبيل للقضاء عليه.
– الخاصية الثالثة : إن خط الانتفاضة هو خط الشعوب العربية والإسلامية، فالخط الأول يعبر عن خط الحكومات التي تنطلق من خلال علاقاتها مع دول الاستعمار، أما هذا الخط فهو ينطلق من إرادة الشعوب وعزتها وكرامتها والدفاع عن حقها في أراضيها وثرواتها. ولهذا الخط نتائج كما للخط الأول نتائجه، ومن نتائج هذا الخط :
– النتيجة الأولى : فالخط الأول أثبت فشله الذريع والخط الثاني أثبت نجاحه، فخروج الكيان الصهيوني من جنوب لبنان بذل دليل على نجاح هذا الخط، وبينما يعربد الكيان الصهيوني في المفاوضات ويتصرف بكل غرور وغطرسة أما المفاوض العربي بينما يقفون أذلاء متحيرين أمام زعماء الانتفاضة وطفل الانتفاضة الذي يواجه الغطرسة العسكرية الصهيونية بالحجارة.
– النتيجة الثانية : خط الانتفاضة عمل على وحدة الصف العربي الإسلامي بعكس الخط الأول الذي عمل على تفتيت وحدة الصف العربي والإسلامي، فهناك إجماع عربي إسلامي شعبي على خط الانتفاضة والدفاع عنها، ومن مميزات وأهداف مؤتمر طهران لدعم الانتفاضة هو الدفاع باتجاه الإجماع العربي والإسلامي الرسمي والشعبي نحو تأييد ودعم الانتفاضة في فلسطين. وأقول : إذا أرادت الحكومات العربية النجاح في سياساتها الخارجية وحل القضية الفلسطينية والقضايا المصيرية الأخرى الداخلية والخارجية فعليها أن تعود إلى شعوبها مواقفها من إرادة شعوبها. والسؤال الذي نواجهه ونحن نقارن بين خط المفاوضات وخط الانتفاضة : أمطلوب من الشعوب العربية والإسلامية السير في خط الحكومات والمفاوضات الصهيونية ؟! إن على الحكومات أن تعود إلى شعوبها في تأييد ودعم الانتفاضة ؟ فالأصل العقلائي أن تعود الحكومات إلى الشعوب وأن تلتزم بإرادة الشعوب في ترك خط المفاوضات المذل ودعم الانتفاضة خط العزة والكرامة للشعوب العربية والإسلامية وهو الخط الوحيد والكفيل بحل القضية الفلسطينية. مؤكدا بأن الاستفادة من التجربة التي عرضها القرآن الكريم عن بني إسرائيل كما في الآيات التي استفتحنا بها حديث تتمثل في السير على خط الانتفاضة وليس خط المفاوضات، ولقد غفل اليهود عن تجارب وتحذيرات كتابهم فحل بهم من العذاب والعقاب ما قد رأينا، وإذا غفل العرب والمسلمون عن إرشادات تجارب قرآنهم فليحذروا من النتائج الخطيرة في حياتهم، ( ولعذاب الآخرة أشد بأسا وتنكيلا )…
ومن هذه النتيجة أنطلق للحديث عن الساحة الوطنية البحرينية وأشير هنا إلى نقطتين :
– النقطة الأولى : أعبر عن سعادتي لما يجري الآن في البحرين، وحالة التلاحم المنقطعة النظير بين القيادة والشعب، وتعبير القيادة والتزامها في سياستها الداخلية والخارجية عن إرادة شعبها،،، وكنت في غاية السعادة لما حدث في ندوة نادي العروبة ليلة الخميس الماضي الموافق لـ 2/5/2001م وما قيل فيها من أطروحات جريئة وشجاعة حيث يدلل ذلك على أن البحرين بخير وتسير في الطريق الصحيح وإذا استمرت البحرين في هذا الاتجاه فسوف يكون بالضرورة لهذه الدولة الصغيرة في جغرافيتها وعدد سكانها المحدود دور كبير ومتميز ليس على مستوى الساحة الإقليمية فحسب وإنما على مستوى الساحة الدولية، وكما أن حزب الله في جنوب لبنان بأعداده القليلة أذل الكيان الصهيوني حيث أنه عبر عن إرادة الشعوب فكذلك الدولة الصغيرة لأنها تعبر عن إرادة شعبها فسوف يكون لها دور كبير على الساحة الدولية.
– النقطة الثانية : وهو موضوع الساحة المثار حاليا في البحرين ألا وهو مسألة البطالة والتجمعات.. فمسألة البطالة في غاية الأهمية والخطورة ومهما كانت الدوافع سياسية ورجحان هذه الدوافع في مرحلة الانتفاضة فإن للبطالة دورا كبيرا جدا في تفجير الأزمة المأساوية السابقة بالإضافة إلى ذلك يأس الشباب وتفشي الفقر،،، وأؤكد ونحن اليوم نسير في خط الإصلاحات المبارك بأننا لن نتقدم في خطى الإصلاحات ما لم يتوفر الأمن الاجتماعي والاقتصادي للناس،،، فإذا كان قطاع كبير من الشعب جائعا فسوف يصرخ ويعيق حركة الإصلاحات، وإذا أردنا أن نتقدم في خطى الإصلاحات فلابد من توفير الأمن الاقتصادي والاجتماعي إلى الناس، وبدون ذلك لا يمكن أن نتقدم، وهذه الإشكاليات لا بد من حلها بصورة عاجلة لخطورتها ولا يمكن تأخيرها.
وبمناسبة الحديث عن البطالة لا يقف مستوى الحديث عند توفير فرص العمل، وإنما هناك عدة ملاحظات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ومنها :-
1- تحسين مستوى المعيشة، أي رفع مستوى الأجور وإبعاد الناس عن خط الفقر.
2- التأكيد على بحرنة الوظائف، وكما أشار بعض الأخوة المهتمين بالشأن العام أن هناك قطاعات مهمة يجب أن لا يشغلها إلا البحريني، ومن هذه القطاعات قطاع الأمن الداخلي والخارجي (وزارة الداخلية والدفاع)، ففي دستور دولة البحرين أنه لا يوظف الأجنبي في قوة دفاع البحرين والداخلية إلا في حالة الضرورة، وأرى بأن المشرع كان ملتفتا إلى أن أمن أي بلاد سواء كان الداخلي أم الخارجي لا يمكن أن يتحقق على يد الأجنبي، فالأجنبي بأي حال من الأحوال لا يمكن أن يحمي أمن البلد الداخلي والخارجي وإنما المواطن هو الذي يحمي الحمى داخليا وخارجيا، وكما قال سمو الأمير : نحن نستمد القوة من الشعب فالمواطن هو الذي يحمي البلد ويحمي المصالح والإصلاحات، وهذا القول لن يفعَّل إلا إذا كان المواطن البحريني يشغل الوظائف المختلفة في وزارتي الداخلية والدفاع، لأن جسور الثقة بين الحكومة والشعب لن يتحقق إلا عن هذا الطريق وبمعنى آخر أن المواطن لا يمكن أن يشعر بالثقة من قبل الحكومة وهي تبعده عن هذه المؤسسات، حيث أن الشعب من جهة أخرى أظهر صدقه وولاءه للقيادة.
3- المساواة وتكافؤ الفرص حيث أني أثرت سؤالين على سمو الأمير في آخر مقابلة حضرها كان قد حضرها الشيخ علي سلمان والدكتور سعيد الشهابي، السؤال الأول : لماذا لا يوجد ضباط شيعة في قوة الدفاع ووزارة الداخلية ؟ فحينما نتحدث عن تكافؤ الفرص والمساواة لا يكفي توظيف شيعة في الدفاع والداخلية وإنما لابد من وجود تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ومن الممكن توظيف ضباط شيعة في الداخلية والدفاع. السؤال الثاني : منطقة سترة يوجد فيها أكثر من (خمسين ألف نسمة) وعلى المستوى الوظيفي يوجد شخص أو شخصين على مستوى مدير إدارة. أين تكافؤ الفرص ؟! وهذه المنطقة معروفة بالمستوى التعليمي وربما تفوق غيرها من المناطق في عدد المتعلمين والمتعلمات في الدراسات العليا ( الدكتوراه والماجستير ) إضافة إلى الأطباء والمهندسين وغير ذلك، فماذا يعني وجود شخص أو شخصين بمستوى مدير إدارة ؟! فأنا لا أطالب بالتوظيف فقط وإنما أطالب بوجود المساواة وتكافؤ الفرص لكي يؤخذ هؤلاء المواطنون حقوقهم،،، ويجب أن يكون التمييز بين المواطنين جريمة يعاقب عليها القانون كما أشار إلى ذلك الميثاق، وبما في ذلك التمييز في الوظائف.
4- إنني أشكر بكل صدق سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذت بشأن الإسكان، وبشأن وضع حد أدنى للأجور والضمان الاجتماعي للبطالة، (70 دينارا ) للأعزب و ( 100 دينار ) للمتزوج، ونحن نقبل ذلك بعد الشكر، ونؤكد بأن هذه خطوة أولى يجب أن تتلوها خطوات لأن ( 120 دينارا ) لا تخرج الإنسان البحريني من خط الفقر، فهذا الراتب لا زال تحت خط الفقر، وهناك بعض الدراسات تقول بأن أقل راتب يمكن أن يعيش به الإنسان البحريني عيشا كريما هو ( 400 دينارا )،،، فهذه الخطوات أوليه ويجب أن تشكر عليها القيادة والحكومة.
– النقطة الثالثة : التجمعات،،، كانت هناك تجمعات في وزارة العمل، وتوجد نية كما سمعت لإقامة تجمعات أخرى، ونحن لا نريد أن نحرم أبناء الشعب من حقهم في التجمع والمطالبة بحقوقهم، ولكن يجب علينا أن نوضح بأن هذه المرحلة من الإصلاحات هي مرحلة القانون، المطلوب من الناس الذين يريدون التجمع أن يحصلوا على رخصة من الجهات المختصة للسماح لهم بالتجمع، وهذا الجانب معمول به في الدول الأوربية وأمريكا وغيرها، حيث يجب على الجهات المسئولة أن تعطي الترخيص وليس من حقها أن تمنع ذلك، وحق التجمع مكفول في الدستور والميثاق، وطلب الرخصة للتجمع من أجل تنظيم الجهات المسئولة له، وليس من حقها أن تسأل عن الغاية من التجمع،،، ومنع السلطات إعطاء الترخيص سوف يضطر الناس لمخالفة القانون، وتكون السلطات هي الجهة المسئولة عن ذلك،،، وبهذه المناسبة أشير إلى أن بعض المسئولين طالب بتدخل شرطة مكافحة الشغب ضد المتجمعين في وزارة العمل وأن سمو الأمير قد رد عليه بقوله : لا يوجد الآن شرطة شغب يعملون ضد المواطنين. وبالتالي نحن نشكر القيادة السياسية والحكومة للتعامل المتحضر مع التجمعات، والاستجابة السريعة لمطالب المجتمعين.
– النقطة الرابعة : أن الحكومة والشعب مسئولون مسئولية مشتركة عن المحافظة على الأمن والاستقرار السياسي، وألا يتصرفوا أي تصرف من شأنه أن يخلق الاضطراب السياسي والأمني في البلاد، لأن حركة الإصلاح وتقدمها متوقفة على الأمن والاستقرار السياسي، فعلى الجميع أن يتصرف بعقلانية.. وكما قلت سابقا بأننا ضحينا من أجل الإصلاحات ولا يجوز أن نضحي بها، وفي هذا الإطار سمعت قبل مجيئي إلى المسجد عن طريق الهاتف أن هناك نية للتجمع في ديوان الخدمة المدنية، فرؤية أصحاب المبادرة حول ذلك أن تعطى الحكومة فرصة لتنفيذ ما تقدمت به من وعود، على أنه يجب اشتراك ديوان الخدمة المدنية مع وزارة العمل في المفاوضات، لأن القطاع الحكومي مسئول عن توفير الوظائف للمواطنين وليس القطاع الخاص بمفرده كما أشار إلى ذلك سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء، فلابد من مشاركة القطاع الحكومي في المفاوضات مع العاطلين عن العمل لتوفير فرص العمل المناسبة وفقا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. والحمد لله رب العالمين.

أكتفي بهذا المقدار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 10صفر 1422هـ الموافق 2001/5/4 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.