محاضرات وندوات عام 2006

كلمة الأستاذ في أربعينية الشهيد علي يوسف الحبيب

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : أربعينية الشهيد على يوسف الحبيب .
المكان : قرية سماهيج ـ الجامع الكبير .
اليوم : مساء الخميس ـ ليلة الجمعة .
التاريخ : 20 / شعبان / 1427هـ .
الموافق : 14 / سبتمبر ـ أيلول / 2006م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

قبل البدء : رحم الله من قرأ السورة المباركة الفاتحة ، وأهدى ثوابها إلى روح الشهيد السعيد الشاب : علي يوسف الحبيب ، وإلى أرواح شهداء انتفاضة الكرامة المباركة في البحرين ، وإلى أرواح شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين ، وإلى أرواح كافة شهداء الإسلام العظام .. عليهم جميعا الرحمة والسلام .

أيها الأحبة الأعزاء : لقد آثر آل خليفة العافية ، حين قبلوا بالاستفتاء على مستقبل البحرين تحت إشراف الأمم المتحدة ، بعد أن أعلن شاه إيران في مؤتمر صحفي عقده في دلهي بتاريخ : ( 4 / يناير – كانون الثاني / 1969م ) بأنه يقبل بمبدأ حق تقرير المصير للبحرين ، بعد أن كان يطالب بتبعيتها لإيران ، وبهذا كان من الممكن أن يفقد آل خليفة طائعين سلطتهم على البحرين إلى الأبد . غير أن شعب البحرين الذي كان الشيعة يمثلون فيه الأغلبية بنسبة تزيد على ( 80 % ) في ذلك الوقت ، صوت لعروبة البحرين واستقلالها عن إيران ، على أن ينشأ نظام ديمقراطي في ظل حكم آل خليفة بعد الاستقلال عن بريطانيا . وقد أعلن الاستقلال بتاريخ : ( 14 / أغسطس – آب / 1971م ) ثم شكلت هيئة تأسيسية بتاريخ : ( 1 / ديسمبر ـ كانون الأول / 1972 م ) لوضع الدستور ، مؤلفـة من ( 42 : عضوا ) منهم ( 22 : عضوا منتخبا ) فكان ( دستور : 1973 ) العقدي ، وجرت على ضوئه الانتخابات البرلمانية بتاريخ : ( 7 / ديسمبر – كانون الأول / 1973 م ) .

إلا أن حكومة آل خليفة لم تحترم التزاماتها ، ولم تقدر موقف الشعب إلى صفها ، واستولت عليها شهوة السلطة المطلقة ، التي تجعل القائمين عليها فوق القانون والإنسان ، فانقلبت على الدستور والشعب بتاريخ : ( 26 / أغسطس – آب / 1975م ) فأطاحت بالمجلس الوطني وكان عمره ( سنة وثمانية أشهر ) وعطلت العمل بالدستور .

وبهذا الانقلاب الأسود : هدمت حكومة آل خليفة الأساس القانوني للشرعية في الدولة ، وفرضت الأمر الواقع على الشعب كما بدأته أول مرة ، وأدخلت البحرين في حقبة أمنية سوداء قاتمة ، عرفت بحقبة قانون أمن الدولة السيئ الصيت ، عصفت خلالها الآلام والأحزان والأحداث السوداء بالشعب المستضعف المظلوم ، وتراجعت البحرين للوراء خطوات عديدة على صعيد دولة المؤسسات والقانون ، والفصل بين السلطات ، والمشاركة الشعبية في صناعة القرار ، والحقوق والحريات العامة ، حيث فرضت حكومة آل خليفة العمل بقانون أمن الدولة ، الذي صبغ الحياة في الوطن بكافة جوانبها : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها بصبغته السوداء الحزينة القاتمة . فلم تمضي سوى أربعة أشهر على حل البرلمان وتعطيل الدستور ، حتى تعرضت المعارضة لحملات القمع والاعتقال المبرمج ، وكان من بين المعتقلين أعضاء كانوا في البرلمان ، وتعرض المعتقلون للتعذيب ، واستشهد بعضهم تحت التعذيب . واستمر القمع وإرهاب الدولة بكافة أشكاله ضد المعارضة ، حتى نجحت السلطة من خلال إرهاب الدولة في تشتيت صفوف المعارضة وأضعافها وأدخلت اليأس إلى قلوب القائمين عليها من القدرة على التغيير والإصلاح ، ودخلت المعارضة في حالة موت سريري تقريبا . ثم برقت سحائب انتفاضة الكرامة المباركة في نهاية عام ( 1994م ) ونزل عيثها بمنهج جديد على الوطن ، وسالت أوديتها ، وفاضت جداولها ، وتحركت المياه الراكدة في الساحة الوطنية ، فأنبتت وأزهرت وأثمرت وبعثت الأمل والحياة في قوى المعارضة من جديد . وقد سقط في انتفاضة الكرامة الشعبية عشرات الشهداء ، وامتلأت السجون بآلاف المعتقلين من الرجال والنساء : الشيوخ والشباب والأطفال ، وقد تعرضوا لصنوف التعذيب المادي والمعنوي ، وأصابتهم أضرار جسدية ونفسية بليغة ، ولا زالوا يعانون من آثارها إلى يومنا هذا ، وها نحن اليوم في تأبين أحد الشهداء العظام ، الذين قضوا بسبب آثار التعذيب عليهم . وقد انتقل أثناء الانتفاضة المباركة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة إلى ربه ، وتولى ابنه وولي عهده الشيخ حمد بن عيسى الحكم من بعده ، فجاء بميثاق العمل الوطني من أجل الخروج السياسي السلمي من الأزمة ، وقد ضمن الميثاق للشعب تحقيق مطالب الانتفاضة المباركة ، فصوت غالبيـة أبنـاء الشعب عليه بـ( نعم ) وعلقوا عليه آمال الانفراج الأمني والسياسي والدستوري وعودة الحقوق لأصحابها ، وعاشوا عاماً واحداً فقط من الفرح الوطني ، ثم صعقوا جميعاً – ويا لهول ما صعقوا له – بتاريخ ( 14 / فبراير – شباط / 2002م ) بالانقلاب الثاني من حكومة آل خليفة ، الذي أطاح بميثاق العمل الوطني وبـ( دستور : 1973 ) وجاء بدستور المنحة الذي جعل إرادة الشعب وإرادة ممثليه رهينة بالكامل في يد السلطة التنفيذية التي منحها سلطات مطلقة ، وأفرغ الحركة الإصلاحية من مضمونها وعكس وجهتها ( 180 : درجة ) وكان أبوه غير الشرعي القانوني المصري : رمزي الشاعر .. الذي لن ينسى الشعب البحريني فعلته القبيحة هذه .

ويعتبر هذا الانقلاب المشؤوم أخطر من الانقلاب الأول .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : لأن الانقلاب الأول عطل الدستور العقدي ولم يلغه بالكامل ، بينما ألغى الانقلاب الثاني الدستور العقدي بالكامل ، وجاء بدستور جديد بإرادة منفردة من الملك ، سلب الحقوق الأساسية والمكتسبات التاريخية من أبناء الشعب ، وأسس للجدل القانوني والسياسي الذي لا ينتهي حول الشرعية القانونية والسياسية للنظام ولكارثة وطنية ومأساة شعب طويلة الأمد ، على خلفية غياب الوثيقة الدستورية المتوافق عليها لتنظيم الشرعية في الدولة .

السبب الثاني : أن الانقلاب الثاني جاء بعد محاولة السلطة الحاكمة المصالحة مع الشعب للخروج السلمي من مأزق الانتفاضة السياسي والأمني وما رافقها من خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة جعلت البحرين خاضعة للرقابة الدولية . وأنه نال بصورة غير شرعية من وثيقة المصالحة الوطنية نفسها .. أعني : ميثاق العمل الوطني ومن الدستور ، وهما يمثلان أهم وثيقة قانونية وسياسية لتنظيم العلاقة بين السلطة والشعب ، مما رسخ لدى أبناء الشعب حالة من عدم الثقة بالسلطة الحاكمة القائمة .

وأنا إذا أحمل السلطة الحاكمة مسؤولية الانقلاب ، وأنه لم يكن بالجديد في سجلها السياسي والتاريخي ، فإنني لا أنسى دور المعارضة التي أغرت بقراءاتها الخاطئة ومنهجها غير الصائب السلطة الحاكمة على عمل الخطأ .. فإني أرى : بأن شهوة الحكم الاستبدادي المطلق لدى السلطة ، وسوء الأداء وخطأ المنهج لدى المعارضة ، قد شكلا ثنائيا أسس لتراجعات كارثية في الساحة الوطنية فاقت كل التوقعات . فلو سؤل أي رمز من رموز السلطة ، أو أي رمز من رموز الموالاة ، أو أي رمز من رموز المعارضة بعيد صدور الدستور الجديد ، بأن قانون الصحافة أو قانون الجمعيات السياسية أو قانون التجمعات أو قانون الإرهاب ، سوف يصدر في يوم من الأيام في البحرين ، وأن التجنيس الممنهج والتمييز الطائفي سوف يبلغا مستوياتهما الخطيرة الحالية ، لاعتبر ذلك قمة في سوء الظن وسوء التفكير ، وأنه من المستحيل أن يحدث ذلك في البحرين الجديدة !! وهذا ما حدث فعلا بعد ندوة كرباباد التي عبرت فيها عن هواجسي تجاه هذه المسائل .. فلامني الجميع !! ولكن الثنائي الأسود جعل ذلك المستحيل واقعا فعليا على أرض البحرين العزيزة .. أم الشهداء والبطولات !!

أيها الأحبة الأعزاء : لقد أدى خطأ المنهج وسوء الأداء لدى المعارضة إلى فقدانها الوزن على الساحة الوطنية ، وأصبحت السلطة الحاكمة لا تعطي المعارضة أي اعتبار على الأرض ، وتتصرف بدون أي اكتراث بوجودها . وقد سخرت السلطة الحاكمة البرلمان الصوري لإصدار تلك القوانين الإرهابية وإضفاء الشرعية على ممارساتها الجائرة وغير الشرعية كالتجنيس .. وأرى : بأن السلطة الحاكمة لم تكن لتجرأ على إصدار تلك القوانين الإرهابية ، والإسراف في تلك الممارسات الجائرة حتى بلغت مستوياتها الخطيرة الحالية ، لولا وجود هذا البرلمان المسخ الذي حملت على ظهور أعضائه وضمائرهم مسؤولية صدور تلك القوانين الإرهابية وإضفاء الشرعية على تلك الممارسات الجائرة المضرة بالمصلحة الوطنية قطعا .. وباسم الشعب طبعا !! وكل ذلك جعل الوضع في غاية الخطورة والتعقيد ، ورفع التذمر والغضب الشعبي إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث للبحرين .. فهنيئا لأعضاء البرلمان بذلك الشرف الإنساني والوطني العظيم الذي فازوا به ، وسوف يسجل في تاريخهم وفي كتاب أعمالهم بقلم القدرة والشهداء على التاريخ ويحفظ لهم ، ثم يجدونه ثقيلا في ميزان أعمالهم على رؤوس الأشهاد في يوم القيامة ، يوم يتبرأ الذين اتبعوا من الذين أتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا أسياد ولا معبودون من دون الله ولا جدال ، إلا من أتى الله بقلب سليم !!

أيها الأحبة الأعزاء : إني أرى بأن هذا الدور الأسود المشين الذي وظف إليه البرلمان المسخ في الدورة الحالية ، سوف يستمر لهذا البرلمان في الدورات القادمة ، مما يتطلب من الرموز والقيادات الوطنية الشريفة : الدينية والسياسية ، وقفة تأمل وحساب حول هذا الادعاء الخطير وغيره من الادعاءات الخطيرة التي تدور حول المسألة الدستورية والحياة البرلمانية المسخ قبل فوات الأوان ، وقبل أن يقع الفأس في الرأس .. فلا ينفع حينئذ الندم .

والأخطر من ذلك كله : أن السلطة الحاكمة ، لجأت بصلافة غير معهودة ، في ظل فقدان الوزن للمعارضة ، إلى الاصطفاف والتوتير الطائفي بين أبناء الشعب ، لمواجهة المعارضة الجادة في الملفات الساخنة والحيوية .. مثل : الملف الدستوري وملف التجنيس ، ومن ورائها جيش من الإعلاميين والسياسيين والمنتفعين الذين لا نصيب لهم من الوعي والدين والوطنية والأخلاق ، لتعبر إلى مراميها على جسد المعارضة الضعيفة ، من وراء الارتباك الشعبي في ظل الخلل القيادي .. وآخر مثال على ذلك : أسطورة المخطط الإيراني للسيطرة على المحرق ، مستخفة بعقول المواطنين ، وكأنها تتكلم في عصور الظلام ، لتمارس عملية شحن وتوتير طائفي لمواجهة الجهود الوطنية المخلصة للمعارضة التي تسعى للكشف عن أخطار جريمة التجنيس غير المشروع في البلاد . ولا أرغب في الوقوف طويلا عند هذه السخافة الإعلامية والسياسية والأخلاقية .. وأكتفي بالقول : أن السلطة مطالبة بعد الإعلان عن المخطط الإيراني التآمري للسيطرة على أرض البحرين ، بأن تكشف لشعبها عن حجم الشراء للأراضي وأطرافه وإن كان بطريق قانوني أو بطريق غير قانوني . فإذا كان لأجانب وبمساحات واسعة تسمح بتصنيفه في دائرة المؤامرة ، فإنه سواء كان بطريق قانوني أو بطريق غير قانوني يدل على تقصير السلطة الحاكمة ويجب أن تحاسب عليه .. وإذا كان لمواطنين : فإما أن يكون بطريق قانوني أو بطريق غير قانوني ، فإذا كان بطريق قانوني ، فإن الحديث عنه مهما كانت مساحته يدل على التمييز بين المواطنين وهذا مخالف للدستور ، وتستحق السلطة الحاكمة عليه المحاسبة . وإذا كان بطريق غير قانوني ، يجب تقديم المخالفين للقانون إلى المحاكمة ، والحديث عنهم بهذه الطريقة فيه تشهير بهم وهو مخالف لحقوق الإنسان ، ويدخل في دائرة إشعال الفتنة الطائفية بين المواطنين ، الأمر الذي دأبت عليه الأطراف التكفيرية باستمرار ، وتتهم السلطة بتقديم الدعم والمساندة لها في ذلك .. وهذا أيضا مما تستحق عليه السلطة الحاكمة المحاسبة !!

والخلاصة : أن ما طرحته السلطة الحاكمة وأبواقها الإعلامية والسياسية عن المخطط الإيراني للسيطرة على الأراضي في البحرين ، تستحق عليه المحاسبة لو كنا في دولة المؤسسات والقانون ، إلا أننا في الحقيقة لا نعيش في دولة المؤسسات والقانون ، وإنما نعيش في ظل حكم مطلق لا يخضع للقانون ، ولا تحده حدود ، ولا يخضع للمراقبة والمحاسبة ، فالقائمون على السلطة يتصرفون كما يشاؤون وكما يحلو لهم ويشتهون !!

أيها المواطنون الشرفاء : إن الاصطفاف الطائفي والتمييز بين المواطنين ، مضر بسمعة الوطن وتاريخه وبالمصالح الحيوية للمواطنين الشرفاء .. فعليكم أيها الأحبة الأعزاء : أن تقفوا صفا واحدا على أساس المواطنة للمطالبة بحقوقكم العادلة ، من أجل مصلحتكم وإنسانيتكم وعزتكم وكرامتكم . فإن الاصطفاف الطائفي والتمييز بين المواطنين ، لا يخدم الأمن والاستقرار والبناء والتعمير والتطوير في البلاد ، وهو مخالف للعدالة والقيم الأخلاقية الرفيعة التي يدعو إليها الدين الإسلامي الحنيف .. قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وأنه يحمل أخلاق اليهود التي انتقدها القرآن الكريم بشدة بالغـة وردها عليهم وهددهم عليها بالعذاب الأليم في يوم القيامة العظيم .. قال الله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ . إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ولا ينتج أيها الأحبة الأعزاء عن الاصطفاف الطائفي والتمييز بين المواطنين إلا السوء والانقسام والتشرذم والضعف والتخلف وفرض الاستبداد والدكتاتورية والإضرار بالوطن وضياع حقوق كافة المواطنين الشرفاء ، فالكل منهم سوف يخسر كرامته وعزته ومصالحه الحيوية المشروعة ولن يربح منهم أحد !!

أيها المواطنون الشرفاء !!
يا إخواننا الأعزاء من أهل السنة الكرام !!

أقول لكم فاسمعوني بعقول وقلوب مفتوحة : الشيعة إخوانكم في الإنسانية والدين والوطن ، ويكنون إليكم كل الاحترام والحب والتقدير والإخلاص ، ويتطلعون إلى التعاون والتضامن معكم من أجل العيش الكريم المشترك في الوطن ، وأنتم وهم في سفينة واحدة ، ويربطكم بهم مصير إسلامي ووطني واحد .. فلا تصدقوا أكذوبة من يقول لكم : إن الشيعة يريدون السيطرة على الحكم في البحرين ليضيقوا على أهل السنة ، وعودوا إلى التجربة فهي خير دليل على الحق وأقوم : عودوا إلى الاستفتاء الذي صوت فيه الشيعة وهم أكثرية لصالح استقلال البحرين عن إيران ، وعودوا إلى الاستقبال المتميز من أهالي سترة إلى الملك بعد الميثاق رغم ما أصابتهم من جراحات ومآسي لا تنسى أثناء الانتفاضة المباركة ، وقد عبر الملك عن تأثره البالغ بالمشهد الذي فاق كل توقع حتى انه لم يتمالك نفسه ـ بحسب تعبيره هو ـ وعودوا على المستوى الإقليمي إلى المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله المنصور ضد الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين وما تجلى فيها من الوطنية والصدق والإخلاص بصورة منقطعة النظير ، فالمدرسة واحدة والمشرب واحد . عودوا أيها الأحبة الأعزاء إلى التجربة ولا تستمعوا للأقوال المتجنية التي تخالف العقل والتجربة والوجدان والدين والأخلاق . إن الشيعة بشر ومسلمون ومواطنون مثلكم ، فانظروا إليهم وتعاملوا معهم بواقعية على هذا الأساس المتين ، فإن لهم ما لكم من الحقوق وعليهم ما عليكم من الواجبات ، وأن لهم ما لكم من الدين والعقل والإحساس والوجدان والضمير ، وأنتم وهم في سفينة واحدة ، ويربطكم وإياهم مصير إسلامي ووطني مشترك ، وهم يطالبون بحقوق وطنية عادلة ، يقرها العقل والشريعة الإسلامية المقدسة والمواثيق الدولية ، وتصب في المصلحة الوطنية المشتركة ، ولهذا تعاديهم السلطة الحاكمة وتضطهدهم بغير حق ولا ميزان ، لأنها تريد أن تفرض على أبناء الشعب سلطتها المطلقة التي لا تقيدها الحدود والقوانين ، ولا تخضع إلى المراقبة والمحاسبة . وقد قدم الشيعة من أجل مطالبهم العادلة أغلى التضحيات وأنفسها وهي التضحية بالروح ، أقول هذا وأنا أتحدث في تأبين أحد الشهداء العظام الذين قضوا بسبب معاناتهم من آثار التعذيب في السجن وهم يطالبون بحقوقهم العادلة المشروعة ، وهذا دليل من أدلة صدقهم وإخلاصهم ووطنيتهم ، لأن الإنسان لا يمكن أن يقدم روحه ثمنا للمصالح المادية وخدمة الأجندة الأجنبية !! فضعوا أيديكم في أيديهم من أجل العيش المشترك في الحياة الكريمة التي تقوم على أسس دستورية صحيحة تحدد الحقوق والواجبات للحاكم والمحكوم على ضوء الشريعة الإسلامية السمحة والمواثيق الدولية المعتبرة ، ومن أجل بناء الوطن العزيز وتعميره وتطويره ، والتزموا معهم بسلوك هذا الطريق الوطني الواقعي وألزموهم به ، وأقيموا عليهم الحجة بوقوفكم إلى صفهم في هذا الطريق الوطني اللاحب ، ولا تسمحوا بإخراجهم منه أو خروجهم عنه ، فهذا ما يريدونه منكم فأريدوه منهم ، وإنه لخير لكم ولهم ، وإنه السبيل الوحيد للخروج من الضياع في المتاهات المتعرجة المظلمة للاتهامات المتبادلة ، ومن الهرج والمرج والقيل والقال ، ومن سوء الظن المتبادل بين الأخوة في الإنسانية والدين والوطن ، الذي يروج له المبطلون والمفسدون في الأرض بغير وازع من دين أو ضمير . جربوهم وسوف تجدون بالتأكيد استقامتهم والتزامهم ووقوفهم معكم وإلى صفكم دائما ، ولن يفترقوا عنكم إلى أية أجندة خارجية أو داخلية لا تصب في المصلحة الوطنية المشتركة ، فإني أقول هذا عن معرفة بهم وإيمان ، والله على ما أقول وكيل وشهيد !!

وفي الختام : أقول للقائمين على السلطة الحاكمة في البحرين : إن الجنوح الطائفي والتمييز بين المواطنين ، والسياسة الخاطئة التي تنتهجونها في الملفات الوطنية الحيوية .. مثل : الملف الدستوري وملف التجنيس وغيرهما من الملفات الوطنية الساخنة ، يصنف لدى كافة المواطنين الشرفاء الذين أعرفهم من الطائفتين الكريمتين ، في دائرة السياسة العدائية الشرسة التي لا تعرف الحق ولا العدل ولا الرحمة ضد شريحة واسعة من أبناء الشعب المستضعف المظلوم ، لا لجريرة أو لذنب ارتكبوه ، سوى أنهم ينتمون لمذهب إسلامي غير مذهبكم ، أو لعرق غير عرقكم ، وأنهم يطالبون بحقوق مشروعة سلبتموها منهم بالقوة ظلما وعدوانا .. وأقول لكم : أن ذلك السلوك ، وتلك السياسية ، تنبع من شهوة الحكم الاستبدادي المطلق ، وخارجة عن حدود القيم الإنسانية والحدود الشرعية والمواثيق الدولية ، ولن تنفعكم بشيء ، ولن تجنوا منها سوى المذاق المر والأشواك والمصاعب في السياسة والحياة العامة ، وأنها سوف تدخلكم إلى مآزق إنسانية وأخلاقية وسياسية وعملية صعبة ، وتورطكم في أوحال الإسفلت الأسود ، ولـن تستطيعوا الخروج منها بسلام في أمور الدنيا والدين والآخرة .

أما المواطنين الشرفاء من الطائفتين الكريمتين : فإن غريزة الدين والحياة الكريمة ، سوف تحملهم على مواجهة كافة العقبات والصعوبات التي تضعونها في طريق صعودهم الإنساني والوطني ، ولن يغلق الله الرب الرحيم في وجوههم أبواب الرحمة وسبل الوصول إلى الحقوق المشروعة العادلة التي حرضهم في كتابه المجيد على المطالبة الحثيثة بها ورفض الاستسلام والقبول بالأمر الواقع المفروض عليهم ، ووعدهم النصر والظفر والفوز ، فإن لهم في إيمانهم وتقواهم وحقهم قوة واستحقاقا ، ولن يخذلهم الرب الرحيم سبحانه ، حاشا لوجه الكريم . فسوف يجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا مهما كان الوضع الذي تفرضونه عليهم قاسيا وصعبا ومؤلما ، فإنه القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض والسماء ، وهو أحكم الحاكمين وإليه مرجع العباد .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.