فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 04-02-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 04 فبراير 2002 م

الخطبة الدينية : دور الابتلاء في صناعة الجماعة المسلمة
الخطبة السياسية : الصلح مع الشيخ سليمان المدني

( نحن نريد صلحا واقعيا تعالج فيه الأمور بنظرة موضوعية وواقعية بحيث يكون هذا الصلح مستقرا ودائما ويخدم المصلحة الإسلامية والوطنية )
( إذا أعطينا إنسانا مسئوليات أكثر من خبرته وتجربته ستكون النتيجة هي فشل هذا الشخص في تحمل مسئوليته ، وإذا كانت المسئولية عامة فالنتيجة هي الكارثة على الأفراد والمجتمع ، وإذا ثبت بالتجربة أن إنسانا ما يحمل مسئولية وهو ليس مؤهلا لها وغير قادر على تحملها فينبغي أن تسحب منه المسئولية التي أنيطت به )
( قد تمارس الحرب الاقتصادية بإيجاد منافسة بين الأيدي العاملة الأجنبية والأيدي العاملة الوطنية ، فيكون وجود الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة والزائدة عن الحاجة سببا من أسباب ضيق المعيشة وحرب الأرزاق )

( تسعى الحكومات لتوفير بعض الخدمات الأساسية التي لا تعطي للطبقة الفقيرة وقتا للتفكير ؛ بأن يكون عندها طموح وأمل في التغيير ، كما لا يصل بها مستوى الضيق والحرمان إلى درجة الثورة ، وهي بذلك تسعى لخلق توازن بين الأمرين ، إلا أن هذه الموازنة لا يمكن المحافظة عليها ، فإذا كانت هناك سياسة من هذا النوع فلابد أن تنتهي للثورة )
( توجد حاجة بأن يخطو سماحة الشيخ سليمان المدني خطوات للأمام ليقنع الناس بأنه معهم وليس ضدهم كي يقبل الناس هذا الصلح ويكون صلحا واقعيا ، فليس من الصحيح أن نقبل على الصلح وتطبيع العلاقة والناس ترفض مثل هذا الصلح ، لأننا بذلك سوف نخسر الناس ، وخسارتنا للناس الذين وثقنا بهم واعتمدنا عليهم ولمسنا الوفاء منهم لا يخدم المصلحة الإسلامية والوطنية )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ؛ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) صدق الله العلي العظيم .

الابتلاء وساحة الصراع

الآية الشريفة المباركة تشير إلى الصراع بين الجماعة المسلمة وغيرها من الجماعات ، وما يصيب الجماعة المسلمة من الأذى الكثير في ساحة الصراع ، وتوصيهم بالصبر والتقوى ليعصمهم الله – جل جلاله – من الفشل والزلل .
( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ) البلاء بمعنى الاختبار ، ويكون الهدف من الاختبار هو التعرف على حال من نعرضه للاختبار أو لنزداد معرفة به ، إلا أن هذا المعنى لا يليق بالله – جل جلاله – اللطيف الخبير العليم ؛ الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ومن يملك مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو ، وبالتالي فإن الابتلاء الإلهي له أبعاد مختلفة عن معرفة أو انكشاف حال الشخص الذي يتعرض للامتحان والاختبار الإلهي ، وهنا أشير إلى مقصدين أساسيين من أغراض الابتلاء الإلهي :-

حقيقة المخلوق

المقصد الأول : هو إقامة الحجة ، فقد يكون العبد ( الإنسان وغير الإنسان ) الذي يدخل في دائرة التكليف في ظاهره سعيدا ؛ لكنه في الحقيقة شقي كما كان حال إبليس ، فإبليس قبل أن يأمره الله بالسجود لآدم كان في صف العباد الزاهدين ؛ وقد وصل إلى رتبة بحيث كان مع الملائكة ، إلا أن حقيقة هذا المخلوق هو الشقاء بالرغم من أن ظاهره السعادة ، فهو في الظاهر يعبد الله – عز وجل – وحقيقته أن لديه شعورا متضخما بالذات ، وكان يعبد ذاته ، فلما أمره الله – جل جلاله – بالسجود لآدم ظهرت وانكشفت حالات الشقاء والتمرد والشعور المتضخم بالذات من خلال دوارنه وطوافه حول ذاته ، فأبى أن يسجد لآدم وعصى الله – عز وجل – ، وهذا الامتحان قد أظهر الحالة الحقيقية لإبليس واستحقاقه للعقاب بدلا من الثواب . الله – عز وجل – عالم بحال إبليس ، ولكن لولا هذا الامتحان لم يقم الله – عز وجل – الحجة البالغة عليه . هذه الحالة الموجودة عند إبليس موجودة عند الكثير من البشر حيث تجد أن ظاهر الكثير منهم السعادة ؛ لكن حقيقتهم الشقاء والشعور المتضخم بالذات .

إعداد وتربية

المقصد الثاني : الإعداد والتربية ؛ كما حدث لإبراهيم (ع) ، كما في قوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال إني جاعلك للناس إماما ) ، وقد أراد بذلك أن ينصبه إماما ، لأنه كان يملك قدرات وطاقات ومواهب كامنة ، فأراد أن يظهر هذه القدرات والطاقات والمواهب ويفعِّـلها وذلك من خلال الابتلاء ، ومن خلال الابتلاء تأهل إبراهيم عمليا أن يتولى مهمة الإمامة ويتحمل مسئوليتها ، والابتلاء في هذه الحالة له دور في تصفية النفس وتعميق الوعي والشعور بالمسئولية ، ليكون هذا الإنسان المبتلى أمينا على رسالته ومسئوليته التي أنيطت به .

مسئولية بقدر الخبرة والتجربة

ويمكننا التوصل إلى نتيجة مهمة جدا ، وهي أن الإنسان في الحياة ينبغي ألا يعطى ولا يحمل من المسئوليات أكثر من الخبرة التي يحملها والتجارب التي مر بها ، فإذا أعطينا وحملنا إنسانا مسئوليات أكثر من خبرته وتجربته ستكون النتيجة هي فشل هذا الشخص في تحمل مسئوليته ، وإذا كانت المسئولية عامة فالنتيجة هي الكارثة على الأفراد والمجتمع . ومن جانب آخر ، إذا ثبت بالتجربة أن إنسانا ما يحمل مسئولية وهو ليس مؤهلا لها وغير قادر على تحملها فينبغي أن تسحب منه المسئولية التي أنيطت به .
الآية الشريفة المباركة تشير إلى جانب آخر من الابتلاء ، وهو ابتلاء الإنسان المؤمن في ساحة الصراع مع الغير .

أساليب حرب الأرزاق

( لتبلون في أموالكم ) أول ما يمتحن ويبتلى به الإنسان في ساحة الصراع مع الغير في المال ، وفي ذلك إشارة إلى الحرب الاقتصادية في الداخل وفي الخارج على مستوى علاقاتنا مع الدول كما قال الله على لسان المنافقين : ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) بما يعنيه من تضييق اقتصادي وحرب في الأرزاق على الجماعة المؤمنة في سبيل أن تنفض وتتخلى عن مواقفها ، ويدخل في هذا المفهوم البطالة ، وتدني مستوى الأجور ، والتقليل من فرص الاستثمار ، وعدم العدالة في المناقصات .. إلخ . وقد تمارس الحرب الاقتصادية بإيجاد منافسة بين الأيدي العاملة الأجنبية والأيدي العاملة الوطنية ، فيكون وجود الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة والزائدة عن الحاجة سببا من أسباب ضيق المعيشة وحرب الأرزاق ، وقد نجد الحرب الاقتصادية في العلاقات بين الدول ، فحينما تكون هناك دولة مسلمة نجد أن الدول المستكبرة تقوم بتجميد أموالها ، وحصارها اقتصاديا ، وحرمانها من المعلومات والتكنولوجيا ، وسرق ثرواتها بصورة أو بأخرى ، فأفريقيا مثلا أغنى قارات العالم في ثرواتها ولكنها من الناحية الاقتصادية أفقر القارات لأنها ثرواتها مسروقة ، وهي قارة أغلب سكانها مسلمون ، وهناك أسلوب آخر للحرب الاقتصادية ، وهذه المرة الأمر يتعلق بالنفط ، وذلك من خلال القيام بعمليات لعب خبيثة تؤدي إلى تدني أسعار النفط ، وعليه فالنفط الذي يمثل عصب الحياة في أوربا كلها يصل سعره إلى 15دولارا دون أن يكون هذا السعر هو القيمة الحقيقة للنفط ، وأكثر من هذا أن الثروات العائدة من النفط بدل أن تصب في مصلحة الشعوب وإنمائها تصب في جيوب المستعمرين ، ونحن ننظر كيف أن دول الخليج وهي دول غنية تذهب كل ثرواتها إلى أمريكا ، ومن أجل دعم أساطيلها الموجودة في الخليج ، ومن أجل الحروب وشراء السلاح .

حرب الأرزاق وعلاقتها بالتغيير

على الصعيد الداخلي ، هناك علاقة كبيرة جدا بين الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والتغيير ، فكلما زادت الطبقة المتوسطة في أي مجتمع من المجتمعات زادت فرصة التغيير في أوضاع المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لأن الطبقة المتوسطة لديها الفرصة في التعليم ، ولديها القدرة على التفكير والتأمل في الواقع ، ولديها بعض الإمكانيات التي يمكن أن تسخرها في عملية التغيير ، ولديها الطموح في المستقبل أيضا ، وكلما كبرت الطبقة الفقيرة أصبحت فرصة المجتمع في تغيير أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية أقل ؛ لأن هذه الطبقة المحرومة تكون عرضة للأمراض ، وفرصتها في التعليم قليلة ، وكل أوقاتها تشغلها في البحث عن لقمة العيش بحيث لا يوجد لديها وقت للتفكير والتأمل ، وطموحها في المستقبل قليل ، ولهذا توجد محاولات في بعض المجتمعات الإسلامية لتوسيع رقعة الطبقة الفقيرة وتضييق مساحة الطبقة المتوسطة ، في حين تكون الطبقة الغنية مرتبطة بالأنظمة ، وتعمل من أجل مصالحها بعيدا على آمال وطموحات والآم الطبقة الفقيرة .

حرب الأرزاق والحسابات الأمنية

غير أن محاولة توسيع رقعة الطبقة الفقيرة تدخل في حسابات أمنية ، لأنه إذا ازدادت معاناة الطبقة الفقيرة ، فاشتد بها الفقر والمرض ، عندها تتكون لدى هذه الطبقة ردة فعل ، فتحاول أن تنتقم وتثور ، ولهذا تسعى الحكومات لتوفير بعض الخدمات الأساسية التي لا تعطي لهذه الطبقة وقتا للتفكير ؛ بأن يكون عندها طموح وأمل في التغيير ، كما لا يصل بها مستوى الضيق والحرمان إلى درجة الثورة ، وهي بذلك تسعى لخلق توازن بين الأمرين ، إلا أن هذه الموازنة لا يمكن المحافظة عليها ، فإذا كانت هناك سياسة من هذا النوع فلابد أن تنتهي للثورة ، وفي البحرين ؛ أحد العوامل التي خلقت الانتفاضة هو هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة التي كانت في البلد ، وبالتالي فقد وجدت عندنا في البحرين مطالب تتعلق بهذه الحالة في مرحلة الإصلاحات ، وهي مطالب ثلاثة :

مطالب ثلاثة

المطلب الأول : التخلص من الأيدي العاملة الوافدة الزائدة عن الحاجة ، ويكمل هذا المطلب إيجاد سياسة واضحة للتدريب والإحلال .
المطلب الثاني : رفع مستوى الأجور وتحسين مستوى المعيشة .
المطلب الثالث : إلغاء التمييز بين المواطنين ، وتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في التوظيف لاسيما الوظائف العليا والوظائف المتوسطة ، ويكمل هذا الجانب فتح أبواب التوظيف في كل الوزارات والمؤسسات في الدولة أمام كافة المواطنين بدون تمييز .
وأنا أعتبر أن هذه مطالب أساسية ، وسوف نواصل الاهتمام بهذه المطالب حتى تتحقق ، وأنا على يقين أنها سوف تتحقق على يد سمو الأمير – حفظه الله تعالى – وهو من يقود هذه الحركة الإصلاحية .

البلاء في النفس

( لتبلون في أموالكم وفي أنفسكم ) البلاء في النفس كما يقول علماء التفسير : يتمثل في القتل ، والجرح ، والأسر ، والاعتقال ، والتشريد ، والتخويف ، وممارسة كل أصناف الضغوط ، وبالتالي تدخل في هذا الجانب من الابتلاء الحروب السياسية والعسكرية والأمنية ، والإنسان المؤمن في ساحة الصراع عرضة لكل هذه الابتلاءات .

الحرب الإعلامية

( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ؛ ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) وهذه الآية تشير إلى الحرب الإعلامية ، وفيها تعطي الآية القرآنية أهمية خاصة لهذه الحرب ، وقبل أن أدخل في تفاصيل هذه الحرب الإعلامية كما يشير لها القرآن الكريم ؛ أريد أن أنبه إلى خصائص الجماعة المسلمة والتيار الإسلامي في الصراع .

التيار الإسلامي يمتاز ..

التيار الإسلامي يمتاز عن غيره من التيارات بارتباطه بالله بما يعنيه ذلك الارتباط من روحية وصدق وقدسية ، وفيه ارتباط ببداية الإنسان المخلوق المملوك لله – عز وجل – في درجة العبودية له ، فحينما يشعر الإنسان أنه مخلوق لله يشعر بجميل الله عليه ، وأن عليه أن يحسن ويشكر لله ، وأن يكون عبدا له بما تمثله العبودية من الخضوع والتسليم لله ، وعليه فهذا الإنسان لديه عرفان بالجميل ، لأنه يعتقد أن خلق الله له هو إحسان وتفضل من الله عليه ، والتيار الإسلامي من خلال ارتباطه بالله يرتبط ببدايته التي هي من الله بما يمثله هذا الشعور من شكر وخضوع لله – عز وجل – ، وهو يرتبط أيضا بمنهج الله الشامل في الحياة بما فيه من تصور شامل للكون والإنسان والحياة ، وبما فيه من شريعة حاكمة ومحركة لها ، كما أن التيار الإسلامي يرتبط بالنهاية والمصير وذلك بالعودة إلى الله – عز وجل – بما يمثله من ثواب وعقاب من عند الله . هذا الارتباط بالله – عز وجل – يضفي على التيار الإسلامي والجماعة المسلمة خصوصية تتميز عن كل التيارات والجماعات الأخرى بما يمثله من قوة وصدق وفاعلية محركة للحياة ، وقوة في التأثير وإرادة واسعة للتغيير ، كما تمتاز هذه التيارات بوصفها تنتمي للإسلام بالخاتمية التي تتجسد في الإسلام بما يمثل ذلك من شرف الانتماء للإسلام والإحساس بعظيم المسئولية تجاه الغير ، ولهذا نجد بان التيارات والجماعات الإسلامية هي أكثر التيارات صمودا وصدقا وقدرة على التغيير .

مواجهة غير شريفة

التيارات والجماعات المضادة تعرف هذه الحقيقة والخاصية في التيار الإسلامي ، لهذا فهي لا تواجهه مواجهة علمية ، ولا تواجهه مواجهة شريفة ، ولا تواجهه مواجهة سلمية ، لأنها لو واجهته مواجهة علمية فسوف تكون مهزومة ، ولو واجهته مواجهة سلمية شريفة لهزمت أمامها ، لهذا فهي ترجع للكيد والمكر والخديعة ، ووضع العقبات أمام الجماعة المسلمة والتيار الإسلامي ، ولهذا فإشارة القرآن إلى الابتلاء بصورة خاصة للجماعة المسلمة فيه إشارة إلى أن المواجهة غير شريفة وغير علمية وغير سلمية من قبل هذه التيارات ، وإنما تستخدم الأساليب التي ذكرناها قبل قليل . ومن هذا الباب تأتي الحرب الإعلامية الظالمة التي تهدف للتشكيك في الدين والعقيدة ، وتسعى إلى إثارة الشائعات والاتهامات ضد الجماعة المؤمنة والقيادة في سبيل زعزعة الجماعة ، وربك أوضاعها الداخلية ، وإخراج الناس من هذه الجماعة ، ومنع الآخرين من الانتماء إليها والتفاعل الإيجابي معها .

مرجعيات ظالمة

( لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) وهنا ذكر أهل الكتاب والمشركين ليس على نحو الحصر وإنما لأنهم هم التيارات والجماعات البارزة وقت نزول النص القرآني ، وإلا فالآية تتكلم عن سنة عامة في كل زمان ومكان ، لكن ذكر أهل الكتاب والمشركين له دلالات مهمة ، فذكر أهل الكتاب في ممارستهم للأذى الكثير البعيد عن العلمية والموضوعية فيه إشارة إلى مرجعية فكرية يحتجون بها وهي ( التوراة والإنجيل ) كما في قوله تعالى على لسانهم : ( لقد عهد الله إلينا ) وهم يقولون أن كتابنا نزل قبل كتابكم ومن فهو مفضل على كتابكم ليشيرون بذلك إلى أسبقيتهم وتقدمهم على الجماعة المسلمة ، أما الذين أشركوا فلا يملكون هذه المرجعية ، وهم ينطلقون من مصالحهم الخاصة مباشرة ، كما ينطلقون من عنوان عامة في حربهم ضد الجماعة المسلمة .

طرق الإساءة

في البحرين مثلا ، حينما يحاول البعض الإساءة للتيار الإسلامي والجماعة المسلمة فيلجأ إلى ذلك باستناده إلى الدستور أو الميثاق ، وإذا لم يحصل مدخلا من الدستور أو الميثاق للإساءة لهم يرجع إلى عناوين عامة ، كما يفعل الماركسيون حينما يصفون الإسلام بأنه رجعي ويضر بحقوق الإنسان ، وحقوق المرأة ، إلى غيرها من العناوين ، فنحن نجد هؤلاء يمارسون الإساءة للجماعة المسلمة تحت عنوان الحرص على الأمن كما كان في المرحلة السابقة ، أو الحرص على الإصلاحات كما هو في المرحلة الحالية ، دون توجد حالة موضوعية أو علمية في ممارستهم هذه .

صبر واع مشبع بالتغيير

( وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) الصبر بمعنى التجلد في تحمل البلوى دون شكوى أو ضجر ، والتقوى هي : مخافة الله – جل جلاله – وطاعته في يأمر به وينهى عنه . ذكر الصبر والتقوى له دلالة كبيرة ، فالآية هنا تنفي الحالة السلبية للصبر كما في قوله تعالى : ( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، قالوا في كنتم ، قالوا كنا مستضعفين في الأرض ) فهي تنفي حالة الصبر نتيجة الخوف والضعف وعدم الإحساس بالمسئولية ، وتؤكد الحالة الإيجابية وهي : الصبر الواعي المشبع بإرادة التغيير ، وهو صبر العقلاء ، وصبر المسئولين عن تغيير أوضاعهم وليس صبر الضعفاء ، كما أن الآية تعطينا جانبا آخرا يتمثل في الاستقامة ، فهؤلاء الذين صبروا الصبر الواعي ويملكون إرادة التغيير لا يظلمون ، وليس لديهم شطط في الانتقام ، ولا يمارسون الظلم في الرد الظالمين والمعتدين لأنهم يخافون الله – عز وجل – كما في قوله تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .

الصبر والتقوى فيهما رشد

( فإن ذلك ) فيه إشارة للصبر والتقوى ، وذلك تدل على الشيء البعيد مما يدل على أن منزلة الصبر والتقوى منزلة عالية رفيعة لا ينالها كل أحد .
( فإن ذلك من عزم الأمور ) العزم : بمعنى عقد القلب على إمضاء الأمر بما في ذلك من الجد والتصميم والإحكام ، وهذه الآية تحمل معنيين :-
المعنى الأول : أن الصبر والتقوى في نفسها فيهما رشد بين واضح ، وأن العقلاء لديهم والتصميم على التمسك بالصبر والتقوى .
المعنى الثاني : أن الصبر والتقوى عزمة من عزمات الله – عز وجل – ، أي أن الله أمر بها فافعلوهما وتمسكوا بهما ، وإذا فعلتم ذلك فقد أصبتم الخير والحق والرشد ، وعصمتم من الفشل والزلل ، ووصلتم إلى طريق النجاح والفوز .

لقاء المشايخ

بعد الوقفة القصيرة مع الآية الشريفة ، أقف عند قضية مثارة في الوقت الحاضر ، وتدور حولها أسئلة كثيرة جدا ، وهي مسألة اللقاء بين سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري وسماحة الشيخ سليمان المدني بحضور آخرين ، ومما أثير في هذه القضية أن البعض يقول : أن هذا اللقاء هو محاولة لإقصاء عبدالوهاب ، وخلق خلافات بينه وبين سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري .

متمسكون بالاتحاد ووحدة الصف

أولا : الرأي حول اللقاء . في أكثر من مناسبة تحدثت بما أمرنا الله به من الاتحاد وعدم التفرق كما في قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) وحذرت مما حذر الله منه ( ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ، وبالتالي فنحن متمسكون بالاتحاد ووحدة الصف ، ونحذر كل الحذر من التفرق .

إجماع لتجميد الخلاف

في موضوع الخلاف الكائن بين سماحة الشيخ سليمان المدني وسماحة الشيخ عبدالأمير الجمري وأصحاب المبادرة وآخرين ؛ كان هناك إجماع لدى كل الرموز ومحاولة أكيدة من قبلهم لتجميد الصراع والخلاف وعدم السماح له بالتطور ، أو أن يؤثر في الحالة العامة في البلد ، أو أن ينتقل إلى مناطق أخرى ، وكان هناك جد ملموس في هذا الجانب ، إلا أن المسألة لا تقف عند حد تجميد الخلاف ؛ ولا حتى مسألة اللقاءات ، فالحديث ليس عن لقاءات ومجاملات اجتماعية ، فحينما يكون الحديث عن التطبيع والصلح فيجب أن ننظر إلى عدة نقاط ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار :

ركائز الصلح

النقطة الأولى : أن الناس يرون بأن سماحة الشيخ سليمان المدني كان يعمل ضدهم ، وأنه جرح شعورهم في عمق الأزمة ، ولهذا نجد بأن موقف الناس هو الرفض للتطبيع والصلح ، ولا نجد لهم مثل هذا الموقف مع سماحة الشيخ أحمد خلف ، فعندما التقينا مع سماحة الشيخ أحمد خلف لم نجد هناك احتجاجا أو اعتراضا على هذا اللقاء ، لأنهم يفهمون بأن سماحة الشيخ أحمد خلف يختلف معهم في الرأي ؛ ولكنهم يرون بأن سماحة الشيخ سليمان المدني ليس فقط يختلف معهم في الرأي ، وإنما كان يعمل ضدهم ، ولهذا توجد حاجة بأن يخطو سماحة الشيخ سليمان المدني خطوات للأمام ليقنع الناس بأنه معهم وليس ضدهم كي يقبل الناس هذا الصلح ويكون صلحا واقعيا ، فليس من الصحيح أن نقبل على الصلح وتطبيع العلاقة والناس ترفض مثل هذا الصلح ، لأننا بذلك سوف نخسر الناس ، وخسارتنا للناس الذين وثقنا بهم واعتمدنا عليهم ولمسنا الوفاء منهم لا يخدم المصلحة الإسلامية والوطنية .

له رأي مخالف

النقطة الثانية : أن التيار الإسلامي العام كان ينسق العمل مع القوى السياسية الإسلامية وغير الإسلامية في الساحة ، ولسماحة الشيخ سليمان المدني رأي مخالف يرفض التنسيق مع العلمانيين ويتشدد في هذا الرفض ، ونحن لمسنا حاجة ومصلحة في هذا التنسيق في السابق ، وما زلنا نلمسه في الوقت الحاضر وحتى بالنظر إلى المستقبل ، وبالتالي حينما يكون هناك صلح ويدخل سماحة الشيخ سليمان المدني إلى دائرة صناعة القرار بدون حل هذه الإشكالية فسوف يؤدي ذلك إلى إرباك الساحة ، أضف إلى ذلك أن الاختلاف سابقا كان له خلفياته الفكرية ، بحيث أن سماحة الشيخ سليمان المدني كان يتعاطى مع الأوضاع والأحداث بخلفية تختلف عن الخلفية التي يعتمدها أصحاب المبادرة في تشخيص الأزمة السابقة ، ودخول الشيخ إلى دائرة صناعة القرار مع وجود تباين في الخلفيات الفكرية لن يخدم المصلحة الإسلامية والوطنية . نحن نريد صلحا واقعيا تعالج فيه الأمور بنظرة موضوعية وواقعية بحيث يكون هذا الصلح مستقرا ودائما ويخدم المصلحة الإسلامية والوطنية .

قائمة على قناعات

ثانيا : قول البعض أن الهدف من هذا اللقاء هو إقصاء عبدالوهاب وخلق خلافات بينه وبين سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري فأقول : أن علاقاتي مع الرموز والقيادات السياسية قائمة على قناعات وليست على انفعالات ، وأن مثل هذه الأمور لا تؤثر في علاقاتي شيئا ، ولكم أن تتأملوا في الماضي في المحاولات التي بذلت للإساءة للعلاقة بين عبدالوهاب وآخرين من الرموز والقيادات ، كما أنكم تلمسون في أفكار وتوجهات ومواقف عبدالوهاب أن هذه المحاولات التي بذلت لم تغير في أفكار ولا مواقف عبدالوهاب شيئا من هذه الرموز والقيادات لأنها قائمة على قناعات وعلى إيمان بالمسئولية وليس على مجرد انفعالات كما ذكرت ، إلا أن هذا لا يعني بأنه لا يوجد مكر وكيد .. هناك مكر ، وهناك كيد ، وأنا أعرف هذا المكر ، وهذا الكيد بأبعاده ومصادره ، وأنا حذر منه ولن يؤثر علي قيد شعره .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 20 شوال 1422 هـ الموافق 4 / 2 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.