هل يصفر عشب العطاء

في الواحة الخضراء ، حيث العشب يزداد خضرة وبريقاً ونشوة تشتاف بشائر النسيم للاستعراض وتفوح الروائح زاكية منعشة وتكون الجداول جذلانه سعيدة ومياهها تتراقص بين جنبيها في عفوية ونشوة وسعادة.

وعليل الهواء هو الآخر نشوان يزداد فرحة وأنسا وهو يرى نفسه ضمن منظومة البهجة والأنس في رحاب الفضاء الناعم والأفق المخضل .

وتسبح الترانيم وتزغرد التراتيل وتتبارى النسمات والنغمات وآيات العرفان وهي تتجاذب نحو الوصول إلى كمال النشوة ومنتهى السعادة .

بين كل هذا يركز عشب صغير لا يزال يطمح أن يكون ضمن منظومة العطاء .. ويسابق الزمن ويصر على التضحية والبذل .

هذا العشب رمقه القدر الجارف ونال من خصوبته وحيويته عندما دهسته أقدامه وخططت بنشوتها على جذوره و وريقاته الناعمة الساكنة المسالمة !!

وبدأ يجابه في رفض الواثق الاستلام ويتحدى الصفوة وهو يطاول في تحدى بعنف وريقات جدول الماء ويقف متحدي أن يزين أطرافه بالخضرة و وريقاته بين الفترة والأخرى تذبل وتصفر وتعاود احياؤها .. هل أرهقه الصفوة وألمسه أقدام القدر الجارفة الضاغطة .!!

وبدأت الصفوة بين الفينة والأخرى تبحث عن موقع في جسده والعشب يقاوم و يحاول أن يغرس جذوره في الأرض فتفتح جراحات الضعف فتؤلمه مياه الجدوال ويسعى جاهداً في شموخ أن تتطاول وريقاته النسيم فتثقب جسده !! وتزيد من اضواءه وتضوره جوعا وعطشا ..

وكم عانى العشب ولا يزال يخفي آلامه وجرحاته والصفوة التي أقلقته وازعجته وجعلته في احايين كثيرة فاتراً وربما متهالكاً . ازدادت مساحة الاصفرار وأحاطت جسارة الثقوب فبدى واهناً واحيانا عاجزاً عن العطاء والبذل والمشاركة في منظومة الخضرة .

كان العطاء هو هم العشب وكان الاصفرار هو قلقه وعاش آلام الاصفرار وجراحاته وتداعياته وأبعاده .. عاشها جميعا وتمثلت له غولا وبدا الاصفرار يكبر داخله فينكث جراحاته ويزيد من معاناته ويكبر وتكبر مساحة هواجه !!

كان العطاء هو الهاجس الأهم لان الاصفرار يعنى التوقف والموت وهو بذلك يعنى الاستسلام والتواري والاقصاء والاختباء ومن ثم النسيان والبعد عن الواقع. سيتطلع هذا العشب لأن يتفوق على الواقع الصفوة لم يتألم العشب وهو ويرى نفسه ممنوعاً من العطاء والخضرة !!

مر الحاج محمد بالعشب نظر إليه وكانت نظراته مودعة وعبارات حزينة ورغبته في الاقتلاع برغم حزنه ضرورة والعشب الحزين يرمق الحاج ويتوسل إليه ضارعاً يناجية في صدق ويدعوه بمحبة يتطلع إلى المنقذ ربما تكون رعايته الأخيرة منقذة له قد يكون النقل ورعايته التربة والسعي أو غيرذلك فالخلاص عن الحاج محمد فوقف متأملا ثم نمى واختار بعدها الهوس ولامس وريقات العشب يقلبها ويتمضى فيها بنظرات الموادع الحزين قد أبدى تضجراً وتأسياً ولوعة ثم قام من عند العشب لم يسمع العشب وعداً ولم يقف عند أمل ولكن اللمسات الرقيقة الودودة المخلصة أحزنت دواخل العشب فأبتسم فأدرك الحاج محمد ابتسامة عشبه فبادله الود والرغبة في الاستمرار والمحاولة من أجل الاستنقاذ !!

وبدأت الهواجس تتكالب مخيلة العشب هل سيتوقف عن العطاء؟ هل سأرحل ؟ .. هل سيكون معبري الفناء المبكر؟ فإنا لا زلت عشبا نعم لا زلت صغيراً ولكن الغدر عبث بقدميه فأضغطني ..

هل سيدرك الحاج محمد عظم مصابي ويتفاعل مع مشكلتي هل سنلغي من الصفوة وينعش يرثى أم أن الرحيل قدري .. آه كم أتوق إلى الحياة الخضراء .. وكم آنس بسعادة الاطفال وهم يعيشون بي كانو أبرياء لطفاء حتى تهش وريقاتي وسرعان ما أتفاني فما بالي اليوم واقدام القدر الجارفة تؤلمني لا يزال الضغظ ثقيلا ومؤلماً .

رباه أتوق إلى حياة جميلة رائعة في ظلالك ونسيم فضاءك رباه عافني وترحم علي او حل شفائي وصحتي على يد الحاج محمد صاحب القلب الكبير والنفس المحادثة والمشاعر الحنونة.

رباه قد عهدت الحاج صديقا ورفيقا وها أنت شاهدته قد وقف عندي عندما رأى الصفوة جاثمة علي وتلمس وريقاتي وجسدي .

رباه .. دعائي الراحة الخالدة والأنس الأبدي ومغفرة خطاياي رباه أنت خلقتني في واحة خضراء فأدركت قيمة العطاء والبذل فتطلعت إليه وأريدك ان تخرجني من وقع آثار أقدام القدر الجاني !!

رباه أني أتطلع إليك غفرانا وسلاما وايمانا وأسافر إلى قدسك محتاجا والهاً وعطشانا .

إلهي أمنن على الخضرة من أجل العطاء وأرحمني فإنا مرتحل إليك فإننا زادني وغفراني ولا زاد عندي غير رجاء رحمتك في الشقاء من الصفوة ولا من السلام عند الرحيل ،، فأنا ضيفك هنا وهناك وكم تكرم الضيف وتذهب البلاد ..

ابراهيم حسين

كتبت في : يوم الأحد – الموافق : 2006/9/24م – الساعة : 2.15 صباحا

___________
قبل وفاته بأربعة أيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إغلاق