محاضرات وندوات عام 2006

كلمة الأستاذ في الذكرى السنوية لتأبين الشهيد عبد الزهراء عبد الله

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
العنوان : مكانة الشهداء في ظل سنة التدافع .
المناسبة : الذكرى السنوية لتأبين الشهيد عبد الزهراء عبد الله .
المكان : مدينة حمد ـ مسجد فاطمة الزهراء ( ع ) .
اليوم : مساء الأحد ـ ليلة الاثنين .
التاريخ : 6 / جمادى الأولى / 1427هـ .
الموافق : 4 / يونيو ـ حزيران / 2006م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل علي محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ، ورحمة الله تعالى وبركاته .

قال الله تعالى : { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } ( البقرة : 251 ) .

وقال الله تعالى : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( الحج : 40 ) .

أيها الأحبة الأعزاء : جميع الأنبياء يحملون رسالة رئيسية من الله ( جل جلاله ) إلى الناس جميعا .. مفادها : أن لا إله إلا الله ، فاعبدوه وحده لا شريك له ، واجتنبوا الطاغوت .

قول الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
( الأنبياء : 25 ) .

وقول الله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } ( النحل : 36 ) .

أما الغاية في الدنيا .. فهي : إقامة العدل وصيانة كرامة الإنسان .
وأما الغاية في الآخرة .. فهي : الفوز بالجنة والرضوان .

قول الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( الحديد : 25 ) .

وقول الله تعالى : { وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
( التوبة : 72 ) .

غير أن الأنبياء ( عليهم السلام ) لا ينفردون بقيادة الناس ، والساحة ليست حصرا على المؤمنين والصالحين ، فهناك الطواغيت وقوى الاستكبار العالمي والحكـام المستبدين الظلمة ، الذين يسعون في الأرض بالظلم والاستبداد ونشر الرذيلة ، ولهم أتباع وأنصار لا حصر لهم ، ويمتلكون إمكانيات مادية وقتالية لا حصر لها ، وهـم لا يـرقبون في مـؤمـن إلا ( قرابة أو رحم ) ولا ذمة ( عهد أو تحالف ) .

وهذا يضع الأنبياء ( عليهم السلام ) والقيادات الرسالية وأتباعهم من المؤمنين المخلصين أمام خيارين لا ثالث لهما .. وهما :

الخيار الأول : الممانعة والمواجهة ضد أعداء الدين والإنسانية .
الخيار الثاني : التسليم لأعداء الدين والإنسانية والقبول بالأمر الواقع .

القرآن الكريم يقول لنا : بأن التسليم لأعداء الدين والإنسانية والقبول بالأمر الواقع ، يؤدي حتما إلى ظهور الفساد في المجتمع والدولة .. بما يشمله الفساد من : ظلم واستبداد وإذلال ورذيلة وهدر لكرامة الإنسان وسلب لحقوقه الأساسية التي لا تقوم حياته الكريمة إلا بها ، فيعيش في ظل دولتهم مظلوما ذليلا مهانا لا عزة له ولا كرامة له فيها .

قول الله تعالى : { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } ( البقرة : 251 ) .

وقال الله تعالى : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( الحج : 40 ) .

أيها الأحبة الأعزاء : تتضمن هاتان الآيتان الكثير من الحقائق المهمة والخطيرة في حياة الناس .. مما ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يقف عندها بكثير من التأمل والدراسة والاهتمام .

الحقيقة الأولى : التـزام الأنبياء والـرسل العظام ( عليهم السلام ) وأتباعهم المخلصين بتفعيل سنة التدافع ضد أعداء الدين والإنسانية في سبيل تحقيق أهداف الرسالة السماوية السمحة .. مما يجعلهم بحق : أنصار الله الذين ينصرونه وينصرهم ، وتدور معهم قيم الحق والعدل والعزة والفضيلة والكرامة في المجتمع والدولة .

الحقيقة الثانية : أن الالتزام بسنة التدافع ضد أعداء الدين والإنسانية : في الوقت الذي يؤدي إلى تحقيق أهداف الرسالة في المجتمع والدولة ، فإنه يورث الملتزمين بسنة التدافع ( في أنفسهم ) صفات حميدة .. مثل : العلم والحكمة والقوة والثبات .

قول الله تعالى : { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } .

وهذا يعني بالوجه الآخر : أن تعطيل هذه السنة يؤدي إلى اكتساب القيادات والأتباع صفات عكسية قبيحة ، وربما يحملهم ذلك على تغيير المفاهيم الإسلامية والأحكام الشرعية ، من أجل تبرير مواقفهم الضعيفة ، وأوضاعهم المنحرفة ( كما هو حاصل في الكثير من التجارب التاريخية والمعاصرة ) فيصيبهم بذلك غضب من الله ( جل جلاله ) وخزي في الدنيا وعذاب في الآخرة .. نعوذ بالله العزيز من ذلك المصير الأسود .

الحقيقة الثالثة : أن تعطيل سنة التدافع من قبل المؤمنين والقيادات الإسلامية ، سوف يؤدي إلى توجه أعداء الدين والإنسانية للقضاء على الدين والمؤمنين ومؤسساتهم ، ولن يتركوهم لحال سبيلهم ، يوأدوا شعائرهم ، ويقيمون الدين بينهم .

قول الله تعالى : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } .

والنتيجة : أن تجنب الخوض في السياسة ، وتعطيل سنة التدافع ، وتقديم الملفات الدينية على الملفـات السياسية ، لن يكون سبيلا للمحافظة على الدين والقيم والأخلاق بأي حال من الأحوال .. مع التسليم : بأن الغايـة هي الديـن والقيم والأخلاق ، وأن لها القيمة العليا لدى المؤمنين ، وأن السياسية مجرد وسيلة لحمايتها ، وأن لها القيمة الدنيا . والغاية أشرف من الوسيلة . ولا يجوز تهميش الغاية ، ولا تحويل الوسيلة إلى غاية ، ولا الاهتمام بالوسيلة على حساب الغاية .. فالقول : بأن الملفات الدينية والأخلاقية ذات قيمة أكبر من الملفات السياسية صحيح تماما ، ولكـن من الناحية العملية ( وبحسب منطق الأشياء وإدارتها على الأرض ) لن يكون تقديم الملفات الدينية والأخلاقية على الملفات السياسية وتعطيل سنة التدافع .. سبيلا للمحافظة على الدين والقيم والأخلاق بأي حال من الأحوال . وأنه لا يوجد لدى المؤمنين ملف سياسي لا علاقة له بالدين . فكل قضايا الناس وأوضاعهم العامة والخاصة من الدين ، والسياسية وسيلة إلى خدمتها . الحرية والعزة والكرامة والاستقلال والتنمية والازدهار وحقوق الناس وتحسين أوضاعهم .. كلها من الدين ، والسياسية وسيلة لخدمتها .. وإلا وقعنا في سقطة العلمانية . وقد أوضحت بعض التفاصيل المتعلقة بإدارة الملفات في البيان الثاني حول قانون الأحوال الشخصية .

الحقيقة الرابعة : تتضمن الآيـة الشريفـة المباركـة من ( سورة الحج ) تحذيرا من ظاهرة ضرار ( نسبة إلى مسجد ضرار ) حيث يلجـأ بعض أعداء الديـن والإنسانيـة إلى بناء المساجد والمؤسسات الدينية ، وتعيين الأئمة والمؤذنين وتقديم الخدمات فيها ، ليس إيمانا أو اعترافا منهم برسالتها ودورها المقدس العظيم في الحياة ، وإنما من أجل تفريغها من مضمونها الرسالي الفاعل ، وتحويلها إلى أوكار معادية للدين ورسالته في الحياة . وهذا ما تفعلـه أمريكـا والعديد من الحكومات في الدول العربية والإسلامية في الوقـت الحاضر ، من أجل القضاء على الدين ورسالته في الحياة . وهذا يستدعي من المؤمنين الوعي لمخططاتهم ، وتوخي الحـذر واتخـاذ الحيطـة ، وتفعيل سنة التدافع في التعامل معهم ، والتركيز في المشاريع على المضمون والكيف .. وليس الشكل والكـم .

قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .
( التوبة : 107 ) .

مع التأكيد هنا : أن سنة التدافع لا تعني اللجوء إلى القوة دائما ، حيث يمكن أن يحصل التدافع باللجوء إلى الأساليب والأدوات السلمية .

يقول العلامة الطباطبائي : ” المراد بدفع الله الناس بعضهم ببعض أعم من القتال ، فإن دفع بعض الناس بعضا ذبا عن منافع الحياة وحفظا لاستقامة حال العيش ، سنة فطرية جارية بين الناس ، والسنن الفطرية منتهية إليه تعالى ، ويشهد به تجهيز الإنسان كسائر الموجودات بأدوات وقوى تسهل له البطش ، ثم بالفكر الذي يهدي إلى اتخاذ وسائل الدفع والدفاع عن نفسه ، أو أي شأن من شؤون نفسه ، مما تتم به حياته ، وتتوقف عليه سعادته ” .
( الميزان . ج16 . ص 385 ) .

مكانة الشهداء في ظل سنة التدافع :

أيها الأحبة الأعزاء : إن وقوفنا على قيمة سنة التدافع ضد أعداء الدين والإنسانية من الناحية الدينية والإنسانية من خلال القوة أو بالأساليب والوسائل السلمية ، يوقفنا باعتزاز شديد على الشهداء العظام ( عليهم الرحمة ) وتبجيلهم ، وإحناء الرؤوس تقديرا لهم . فهم الأكثر إيمانا بحقيقة سنة التدافع وقيمتها في الدين والحياة .. ولفـرط إيمانهم بها : فقد وصلوا معها إلى أقوى أشكالها ، وهـو التضحية بالنفس في سبيل اللـه ( عز وجل ) والإنسانية .. وذلك حينما تكون التضحية مطلوبة من أجل المحافظة على الدين أو إقامة الحياة الإنسانية الكريمة على الأرض .

إن الشهداء يحملون إلينا رسالة مفادها أمران أساسيان .. وهما :

الأمر الأول : أن الـدين والحياة الكريمة في ظـل الحريـة والعدل والفضيلة .. أهم من النفـس ، وعلى الإنسان الواعي بحقيقـة الديـن وبحقيقـة الحياة أن يضحي بنفسه في سبيلهما .. فإن التضحية هي السبيل الوحيد للمحافظة عليهما .

الأمر الثاني : أنه لا قيمة معنوية للحياة بدون الدين والقيـم المعنويـة ، فإذا خلـت الحياة من الدين ومن القيم المعنوية ، فإن بطن الأرض خير للإنسان من ظهرها .

قال مولانا الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ” إني لا أرى الموت إلا سعادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما ” ( تحف العقول . ص174 ) .

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” ساعة ذل لا تفي بعز الدهر “
( غرر الحكم ) .

وقد أكد لنا القرآن الكريم : بأن قيمة الحياة إنما تكون في ظل الدين والقيم ، وبدونهما تكون الحياة خالية من القيمة المعنوية ، ويكون أهلها من أصحاب النار .

قول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } .
( محمد : 12 ) .

ولهذا فقد رفع الله ( جل جلاله ) مقام الشهداء .

قال الله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }.
( آل عمران : 169 ) .

وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله ( عز وجل ) فليس فوقه بر ” .
( البحار . ج100 . ص10 ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من لقي العدو فصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره ” ( كنز العمال . ج4 . ص313 . الحديث 10662 ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ثلاثة يشفعون إلى الله يوم القيامة فيشفعهم : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ” ( نفس المصدر ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته “
( ميزان الحكمة . ج5 . ص 192 ) .

أيها الأحبة الأعزاء : إننا إذ نحي ذكرى الشهداء ونحتفي بهم ، فإننا نقوم بواجب أخلاقي واجتماعي .

أما الأخلاقي : فذلك عرفانا بالجميل للشهداء ، لأنهم ضحوا بأنفسهم في سبيل هداية الآخرين وتوفير الحياة الكريمة لهم .

وأما الاجتماعي : فذلك من أجل تعزيز خط الشهادة في الحياة ، وهو خط التقوى والحياة الكريمة للإنسان على وجه الأرض .

ولكي يتعزز خط الشهادة وتكون لهذه الاحتفالات قيمة عملية في حياتنا ، فإنه ينبغي علينا أن نقتدي بالشهداء في ثلاثة أشياء .. وهي :

أولا : أن نقتدي بهم في يقينهم وثقتهم بالله ( عز وجل ) فيما وعد من النصر والثواب .
ثانيا : أن نقتدي بهم في مواقفهم الصادقة وتضحياتهم في سبيل الدين والإنسانية .
ثالثا : أن نقتدي بهم في تفضيل الدين والقيم والحياة الكريمة على العيش في ضلال وذل ومهانة .

وقفة مع قضايا الساحة الوطنية :

أيها الأحبة الأعزاء : بعد هذه الوقفة مع سنة التدافع ومكانة الشهداء ( عليهم الرحمة ) سوف أنتقل بكثير من الحنية والشفقة فيما تبقى من الوقت إلى ساحتنا الوطنية .

يقول معظم الرموز والقيادات السياسية ( الدينية والوطنية ) : أن الديـن يحاصر في البحرين ، والأخلاق تحاصر ، والحريات تحاصر ، والدكتاتورية تسود ، والحقوق والأرزاق تسلب في واضح النهار ، وكرامة المواطن تداس على الأرض ، ويقتل المواطن بدم بارد وبدون تأنيب ضمير ، ويسجن بغير وجه حق .. الخ .

والسؤال : هل هذه الأوضاع تستدعي تعطيل سنة التدافع أم تفعيلها .. وكيف ؟ وهل نحن في حاجة إلى الشهادة أم في غنى عنها ؟

أتـرك الجواب على السؤال إليكـم ، وانتقـل إلى ذكر نقطتين في موضوع المشاركة والمقاطعة ، وهو الموضوع الأكثر جدلا في الوقت الحاضر على الساحة الوطنية ، وذلك من أجل إرضاء الضمير .. والأمر في النهاية متروك لأصحاب الشأن .

النقطة الأولى : ينبغي أن نميز ونحن نناقش قرار المشاركة والمقاطعة بين حالتين .

الحالة الأولى : أن يتفق صناع القرار على منهج محدد ، ثم يختلفون في القرار المناسب داخل نفس المنهج ، وهذه مسألة عادية جدا ، وتحسم بالآليات المتفق عليها لاتخاذ القرار .

الحالة الثانية : أن يختلف صناع القرار على المنهج ، ويكون الاختلاف في القرار ناشئ من الاختلاف على المنهج .. وهنا : لا ينبغي التوقف عند الاختلاف على القرار ، وإنما ينبغي التوقف عند المنهج الذي ينشئ عنه الاختلاف في القرار ، والعمل على تمحيص المنهج قبل النظر في القرار .. وإلا فقد القرار قيمته الرسالية والعملية .

وفي تقديري الشخصي : فإن الاختلاف الحاصل في قرار المشاركة والمقاطعة على الساحة الوطنية ، يدخل في الحالة الثانية وليس في الحالة الأولى .. وعليه : ينبغي تمحيص المنهجين قبل مناقشة القرار .

النقطة الثانية : يقول بعض الداعين إلى المشاركة : أن المشاركة تعني القبول بالدخول في العملية السياسية وتحصيل المعلومات من مظانها وكسب الخبرة العملية ، والمقاطعون يرفضون ذلك .. وهذا في رأيي غير دقيق للأسباب التالية :

السبب الأول : أن المقاطعين لا يرفضون الدخول في العملية السياسية ، وكان تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية على رأس مطالب الانتفاضة المباركة ، التي كان لدعاة المقاطعة دور فاعل في صناعة القرار أثناءها .

السبب الثاني : أن المقاطعة تقوم على ركيزتين أساسيتين تلغيهما المشاركة ( بحسب رأي المقاطعين ) والركيزتان هما :

الركيزة الأولى : الإبقاء على جذوة المعارضة في سبيل مدافعة السلطة ، الأمر الذي تلغيه المشاركة . وهذا ما اعترف بـه السفير الأمريكي في مقابلة صحفية ( كقراءة علمية وسياسية ) رغم أنه من المحرضين للجمعيات المقاطعة على المشاركة والمغرين لها بذلك .

الركيزة الثانية : تمسك الداعين إلى المقاطعة بحـق الشعب ( مصدر السلطات ) مشاركة السلطة في صنـاعة القرار ، الأمر الذي تعني المشاركة التخلي عمليا عنـه بصورة قطعيـة ، والقبول بتمتع الملك بسلطات مطلقة ، وتعزيز الدكتاتورية والاستبداد ، وذلك مع إقرار الداعين إلى المشاركة بأنه لا توجد فرصة للأعضاء المنتخبين في التشريع ، وتعويلهم على محاسبة الوزراء لمقاومة الفساد والحد منه . ومع امتلاك السلطة للأدوات السياسية لتعطيل المراقبة والمحاسبة ، فإن التعويل على هذا الدور ليس في محله . وقد أثبتت التجربة أن السلطة تمتلك تلك الأدوات فعلا ، وليس أقرب ولا أوضح من صدور قرار عن المجلس المنتخب ، بإجراء المحاسبة للوزراء في اللجان . وأرى بأن السلطة تمتلك أدوات دستورية وسياسية أخطر من تلك التي استخدمتها لإصدار هذا القرار .

وفي الختام : أنصح الأخوة الذين اتخذوا قرار المشاركة بمراجعة قرارهم على ضوء دراسات ومشاورات أكثر عمقا ودقة وشمولية .. وذلك : من أجل الدين والأجيال والوطن .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.