محاضرات وندوات عام 2005

كلمة الأستاذ في مولد الإمام الحجه عجل الله فرجه

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : افتتاح مسجد الشيخ مؤمن ، ومولد الأمام المهدي ( عجل ) .
المكان : قرية النويدرات ( منطقة بربورة ) .
التاريخ : 17 / شعبان / 1246هـ .
الموافق : 22 / سبتمبر ـ أيلول / 2005م .
ملاحظة: ألقى الأستاذ هذه الكلمة رغم ضيق الوقت عن الإعداد ، وانحراف الصحة ، وقد ألقيت تحت تأثير الألم ، وكان قد اعتذر عن جميع دعوات المشاركة التي وجهت إليه في هذه المناسبة .. إلا أنه لم يستطع الاعتذار عن هذه المشاركة: نظرا لقبوله الدعوة من زمن بعيد، واعتماد المنظمين على مشاركته ، وهو يعتذر للقراء عن كل جوانب الخلل التي قد يجدونها في هذه الكلمة .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد : طرفة عين أبد في الدنيا والآخرة يا كريم .. اللهم معهم معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ..
أيها الأخوة في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون . كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون } ( الصف : 2ـ3 ) .

في البداية : أرفع أسمى التهاني إلى مقام إمامنا وسيدنا ومولانا الإمام القائم المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم .. بمناسبة الذكرى السنوية العطرة لمولد إمامنا المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .

أيها الأحبة الأعزاء : سوف أجعل الحديث في هذه الليلة العظيمة المباركة في نقاط تسهيلا للفهم والمتابعة .. والنقاط هي :

النقطة الأولى : في هذه الليلة العظيمة والذكرى المباركة ، أوصي إخواني المؤمنين بضرورة التمسك بالحق والإخلاص إليه ، لأن التمسك بالحق والإخلاص إليه .. هما البداية للسير الصحيح في الحياة .

أيها الأخوة المؤمنون : هناك فريق من الناس يرون أنه لا يوجد شيء أسمه حقيقة في الخارج ، وهؤلاء يصعب عليهم .. بل يستحيل عليهم : أن يثبتوا قيمة وهدفية الحياة وكرامة الإنسان ، ولا أريد أن أكثر من الحديث والنقاش حول هذا الموضوع في هذا الوقت ، ولكن أريد أن أذكر إخواني المؤمنين ( حفظهم الله تعالى وأيدهم بتأييده المبين ) بأن الله تعالى هو الحق المطلق ، ولا يمكن أن يعبد إلا بالحق ، وعلينا أن نحذر من التعصب ومن جعل الأشخاص فوق الحق والقضايا والأهداف ، فيكون التعصب وتكون الأشخاص حجابا وعقبات بيننا وبين الحق ، ونكون في الحقيقة كمن ينكر وجود الحقيقة في الخارج ولا يعترف بها .. وهذا هو الجهل والخسران بعينه .

إن التمسك بالحق والإخلاص له : هو أول درس نتعلمه من التمسك والولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) فنحن قد فارقنا التوجه السائد في الأمة ، واتبعنا أهل البيت ( عليهم السلام ) وتحملنا الكثير من الأذى ، وقدمنا الكثير من التضحيات الجسيمة .. ولا زلنا نتحمل المزيد من الأذى ونقدم المزيد من التضحيات ، لأننا وجدنا في أهل البيت ( عليهم السلام ) السبيل إلى الله تعالى .

أيها الأخوة المؤمنون : ينبغي أن نميز بين منهجين أساسيين في البحث عن الحقيقة .. وهما :

المنهج الأول : ونتعرف عليه من قول الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” علي مع الحق والحق مع علي ” .

هذا الحديث الشريف : يدل على أن المعصوم معيارا للحق ودال عليه ، فمن يختلف مع المعصوم في شيء فعليه أن يراجع نفسه ، ويبحث عن خطئه في سبيل معرفة الحق .. لأن الحق دائما وأبدا مع المعصوم .

المنهج الثاني : ونتعرف عليه من قول أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” اعرف الحق تعرف أهله ” .

هذا الحديث الشريف : يدل على أن المطلوب من الإنسان في سبيل معرفة الحق : أن يبحث عن الحق مع توفر شروط المعرفة ، ثم يحكم على الأشخاص بأنهم مع الحق أو ضده ، ولا يصح جعل غير المعصوم معيارا للحق ، فيضيع الحق وتستحيل معرفته ، ولا تكون لله تعالى الحجة على الناس .. وقد وقع الكثير من الناس في هذا الخطأ الفظيع .

النقطة الثانية : يرتبط اسم الإمام القائم المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه ) : بقضية الانتظار ، وبالتكليف الرباني لهذا الإمام العظيم ( عليه السلام ) بإقامة دولة العدل الإلهي العالمية على الأرض .

وإذا حاولنا أن نحلل هذه القضية ( قضية الانتظار ) نجد أنها تتضمن عناصر عديدة مهمة .. منها العناصر التالية :

العنصر الأول : أن العالم يسير نحو الحق والخير والعدل والحرية والصلاح ، وأن قوى الحق والخير والعدل والحرية والصلاح سوف تنتصر على قوى الباطل والشر والظلم والاستبداد والفساد وتهزمها شر هزيمة في نهاية المطاف .. لتضع حدا نهائيا للصراع بين القوتين .

العنصر الثاني : أن الإسلام يستقبح الظلم والاستبداد والفساد والإذلال وينهى أتباعه عنها وعن القبول بها ، ويأمرهم برفضها ومقاومتها حتى القضاء عليها ، ولا يرضى لهم السلبية وعدم الاكتراث بما يدور حولهم من أحداث .

قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. وتؤمنون بالله } ( آل عمران : 110 ) .

وقال الله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } ( التوبة : 71 ) .

والخلاصة في هذا العنصر : أن السلبية تجاه الأحداث وقضايا الأمة ليس من الإسلام في شيء .

قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ” .

العنصر الثالث : أن هذه النهاية السعيدة للعالم ، لن تتحقق إلا بالسير على نهج الإسلام القويم ، وأتباع أئمة الهدى ( عليهم السلام ) .

النقطة الثالثة : هناك بعض جوانب الخلل في حالتنا الإسلامية .. منها : عدم التوافق بين المبادئ والأفكار الإسلامية العامة التي نؤمن بها ، والمواقف التي نتخذها وسلوكنا في الحياة ، فالأفكار والمبادئ في جانب ، والسلوك والمواقف في جانب آخر .

فالتوحيد الذي نؤمن به ، والعبادات التي نؤديها : كالصلاة والصيام والحج والزكاة .. كلها ( كما تعلمنا في الكتب ) : تقودنا إلى طلب العلم والمعرفة ، والعمل من أجل النمو والتطور ، ومقاومة الظلم والانحراف والاستبداد والإذلال والفساد .. ولكننا في حياتنا العملية : نعيش الجهل والتخلف ، ونتعايش مع الظلم والانحراف والإذلال والاستبداد والفساد .. وذلك كله : مخالف لإيماننا بالتوحيد ، ومعاكس لانتمائنا لله تعالى وعبادته ( إنه الواقع المر الذي نعيشه في حياتنا كمسلمين ) وقد فرض نفسه علينا للأسباب التالية :

السبب الأول : الجهل بالدين .. وهذا في نفسه مخالف لمتطلبات الدين والتدين .

السبب الثاني : الانحراف عن الدين ، وأتباع الهوى ، والميل إلى الدنيا والشهوات .. وهذا أيضا : مخالف لمتطلبات الدين والتدين .

السبب الثالث : الضعف وعدم توفر الإرادة لمسايرة الدين في متطلباته التربوية للسير بالإنسان نحو كماله المنشود .. وهذا مخالف لغاية الدين والتدين .

وتزداد خطورة هذا العامل : إذا حاول هؤلاء الضعفاء تفصيل المواقف باسم الدين على مقاساتهم الخاصة .. بدلا من الاعتراف بضعفهم ، كما وجدناه كثير لدى البعض في غابر الزمان وهذه الأيام .

السبب الرابع : أن تأتي التفاصيل التنظيرية والفقهية على خلاف المبادئ والمقاصد العامة للدين .. باسم الحكمة والواقعية والدبلوماسية ، فتقف الشعوب عاجزة مستسلمة أمام الظلم والاستبداد والإذلال والتخلف والفساد ، لأن الدين يمنعها ولا يجيز لها مواجهتها !!

والنتيجة : تكرس الظلم والتخلف والفساد والاستبداد في مجتمعاتنا الإسلامية لقرون ممتدة ، والإساءة إلى الدين العظيم ، لأن البعض يحمل ( بغير حق ) الإسلام مسؤولية هذا الواقع المخزي ، والعار التاريخي الذي يعيشه المسلمون في بلدانهم لقرون ممتدة ، بحجة أن الإسلام هو الدين الذي تدين به هذه الشعوب ، فلو كان الدين لا يقبل بمثل هذا الأوضاع ويشجع عليها لقضى عليها .. ولم يسمح لها بالبقاء !!

ولكن من يقف على الأسباب السابقة يدرك حقيقة الأمر وينتفي العجب .

وفي هذه الذكرى العظيمة ( وقد ذكرت في أول الحديث بعض عناصر الانتظار ) ألفت انتباه الرموز والقيادات الدينية وكافة إخواني المؤمنين .. إلى خطورة هذه الإساءة وفظاعتها ، وأسألهم إن كانت ضمائرهم ترضى بالسكوت عن هذه الإساءة الشنيعة إلى هذا الدين الإلهي العظيم ؟ وأحمل أنفسنا ( جميعا ) مسؤولية رفع الظلم والحيف الذي وقع على ديننا الإسلامي العظيم : بسبب سوء تفكيرنا ، ومواقفنا الضعيفة ، وسلوكنا الخاطئ في التعاطي مع الأوضاع المنحرفة في بلداننا الإسلامية .. تحت حجج وأعذار واهية ، خلافا لما يفرضه الدين علينا من مواقف عظيمة وقوية وسلوك مشرف ونبيل .

لقد ابتلينا ( أيها الأحبة الأعزاء ) بسياسة عجيبة غريبة لدى بعض المتصدين الإسلاميين للشأن السياسي : إنهم يحددون المواقف السياسية على أساس برجماتي ( بحت ) تحت تأثير الإغراء أو الضعف ، ثم يلبسونها لباس الإسلام بالفقه والتنظير التفصيليين ، بعيدا عن المبادئ والمقاصد الإسلامية العامة ، باسم الحكمة والواقعية والدبلوماسية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون !!

إنني أقول في نهاية الحديث عن هذه النقطة : تبا للحكمة والواقعية والدبلوماسية التي تكرس التخلف والظلم والإذلال والانحراف والفساد في الأرض ، وتنتج عنها الإساءة إلى الدين الإسلامي العظيم .. وأقول بصريح العبارة وفصيح القول : إني لا أستطيع أن أجمع بين إيماني بالتوحيد وانتمائي لرب العالمين وصلاتي وصومي وحجي وزكاتي .. وبين قبولي بالظلم والتخلف والإذلال والاستبداد والفساد وتعايشي معها في البلاد .

النقطة الرابعة : في نهاية هذا الحديث أريد تذكير الرموز والقيادات الإسلامية وكافة المؤمنين بمسألة في غاية الخطورة والأهمية وقد أشرت إليها في البيان الأخير ، وأكررها لأهميتها .. وهي :

لقد أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة : أن الشعوب تتجاوب مع القوى السياسية والجهادية التي تتبنى قضاياها وتطرحها بقوة وثبات .. بغض النظر عن توجهاتها الفكرية والسياسية ( وهذا لا يعني عدم تأثير الايدولوجيا – كما سيوضح بعد قليل – وإنما ثبات القاعدة ) ففي الأوقات التي كانت فيها القوى الإسلامية غائبة عن الساحة السياسية والجهادية في العالم الإسلامي ، هيمنت القوى العلمانية ( اليسارية واللبرالية والقومية ) على الساحة الإسلامية ، وتسربت أفكارها إلى أبناء المسلمين ، وأنها تتقهقر كلما برزت القوى الإسلامية على الساحة السياسية والجهادية بقوة وثبات ، كما هو الحال في لبنان وفلسطين وإيران ، كما نجد بروز القوى الإرهابية والتكفيرية إلى الواجهة السياسية والجهادية .. وكسبها تأييد الشارع الإسلامي ، كلما غابت أو ضعفت القوى المعتدلة في الساحة السياسية والجهادية ، كما هو الحال في العراق وأفغانستان ، وتقهقرها إلى الوراء كلما برزت القوى الإسلامية المعتدلة على الساحة السياسية والجهادية بقوة وثبات ، كما هو الحال في فلسطين .. حيث يختفي وجود القوى الإرهابية والتكفيرية هناك : بسبب وجود القوى الإسلامية المعتدلة المتصدية للساحة السياسية والجهادية بقوة وثبات .. مثل : حركتي حماس والجهاد .

والدرس المهم الذي نخلص إليه من هذه النقطة .. هو : أن على الرموز والقيادات الإسلامية المخلصة والشريفة أن تدرك خطورة هذا الأمر ، وأن تتصدى لقضايا الأمة بقوة وثبات .. وإلا فإن البديل هو : هيمنت القوى المنحرفة والمتطرفة على الساحة السياسية ، وتسرب أفكارها إلى أبناء المسلمين !!

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.