محاضرات وندوات عام 2006

كلمة الخميس (8 ) بعنوان : الإمام الخميني منهج ومواقف

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
العنوان : الإمام الخميني منهج ومواقف .
المناسبة : الذكرى السابعة عشر لرحيل الإمام .
المكان : مسجد الشيخ خلف ـ قرية النويدرات .
اليوم : الخميس .
الوقت : بعد صلاة الظهرين .
التاريخ : 10 / جمادى الآخرة / 1427هـ .
الموافق : 8 / يونيو ـ حزيران / 2006م .
ملاحظة : ألقيت خلاصة الكلمة ( فقط ) فوق المنبر .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل علي محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ، ورحمة الله تعالى وبركاته .

الحديث في هذا اليوم سيكون عن الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) وذلك بمناسبة الذكرى السابعة عشر لرحيله .

أيها الأحبة الأعزاء : يعتبر الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) فقيه ومحدث ومفسر من الطراز الأول ، وفيلسوف ومتكلم وعارف من الطراز الأول ، وسياسي وقائد وثائر ورجل دولة من الطراز الأول ، وقد اصطبغت حياته المباركة كلها بالصبغة العرفانية الصافية المعين والصادقة في القول والفعل .. وإني أرى : بـأن ليس فيما قـال الإمام الخميني وكتـب أي إدعـاء ، وإنما منزلـة في العلاقـة الصادقـة والمخلصة مع الله ( ذي الجلال والإكرام ) وعلـم ويقيـن عـن دليل صحيح ومشاهـدة ، وتعبير صادق بالقلـم واللسان ، وسلوك ومواقف أصدق .. وهذه هي حقيقة العرفان وقيمته . ونجد خاصيـة عدم الإدعاء في الحالة العرفانيـة الصافية المعين والصادقة ، في قـول علي الأكبر ابن الإمام الحسين ( عليهما السلام ) إذ يقول : أبتاه ألسنا على الحق .
قال : بلى والذي إليه مرجع العباد .
فقال : إذن لا نبالي أن نموت محقين .
وفي رواية : إذن لا نبالي وقعنا على الموت أم وقع الموت علينا .

فتعبير علي الأكبر ( عليه السلام ) كان تعبيرا صادقا عن يقين لمنزلة في العلاقة المخلصة مع الله ( جل جلاله ) مدعوم بمواقف أصدق منه .

ونجد هذه الخاصية في قول زينب ( عليها السلام ) حينما رفعت جسد أخيها وروحها الذي عشقته الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ” الهي تقبل منا هذا القربان ” .

وفي جوابهـا ( عليها السلام ) لعبيد الله بن زياد حينما سألها : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟

فقالت ( عليها السلام ) : ” ما رأيت إلا جميلا . هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج ( الظفر والفوز ) يومئذ .. ثكلتك أمك يا بن مرجانة ” .

وفي قولهـا ( عليها السلام ) ليزيد بن معاويـة : ” فكـد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحـو ذكرنا ، ولا تميـت وحينـا ، ولا يرحض ( يغسل ) عنك عارها ، وهل رأيك إلا فنـد ، وأيامك إلا عـدد ، وجمعك إلا بدد .. يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين “

فهذه تعبيرات صادقة عن يقين لمنزلة في علاقة مخلصة مع الله ( جل جلاله ) ومن ورائها مواقف أصدق ، وليس فيها إدعاء ـ كما نجده في كلام الكثير من الذين يتكلمون عن العرفان وليس كلامهم إلا مجرد كلام لا صلة له بحقيقة العرفان ونوره ، لافتقاره إلى اليقين والمواقف الصادقة .

كما نجد هذه الخاصية العرفانية في أجلى وأعظم صورها في قول الإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده ( عليه السلام ) :
تركت الخلق طرا في هواك وأيتمـت العيال لكي أراك
فلو قطعتني في الحب إربـا لما مال الفـؤاد إلى سواكا
يرى أهل العرفان تعليقا على هذا القول : بأن الإمام الحسين ( عليه السلام ) قـد هاجـر إلى الله ( ذي الجلال والإكرام ) هجرة الحب التي تتجاوز كل شيء في الوجود . وقـد أجاب اللـه ( تبارك وتعالى ) عبده وحبيبه الإمام الحسين ( عليه السلام ) على صفحة الوجود : بأنـك قد أفنيت نفسك في سبيلي ، وأبيت إلا أن يرتبط ذكرك بذكري ، فقد أردت لك الخلود والبقاء ، وجعلت حركتك سببا لبقاء الدين الذي جاء به جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

وعلى كل أيها الأحبة الأعزاء : فإن بعض العلماء يرى : أن الخصائص الذي اجتمعت في شخصية الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) لـم تجتمع في إنسان غيره في عصر الغيبة الكبرى ، لـهذا عـدوه ( بحق ) أعظم إنسان في عصر الغيبة الكبرى .

وقد أثرت تلك الخصائص التي امتلكها الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) في منهجه الفكري والعملي ، فاتصف بالدقة العلمية والدينية والعمق والسعة والقوة والإحكام ، وأورثت الاطمئنان لدى الواردين لحياضه الصافية في الفكر والعمل . لقد وجدنا بعض المؤمنين الأعزاء يتحفظون على أطروحات بعض العارفين ، ولكن هذا التحفظ ارتفع لدى الكثير منهم في الأخـذ مـن معين الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) وذلك لعلمهم بأن العرفان لديه من مشارب القرآن الكريم والسنة الشريفة للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهـل بيتـه الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) وأنه محكوم بقواعد الفقه الإسلامي . كما نجد الاطمئنان لدى المؤمنين في الأخذ بمنهجه في الثورة والإصلاح والمقاومة والدولة ، وقد أثبتت التجارب قوته وفاعليته على الأرض ونجاحه في تحقيق الأهداف .. وأقول : لن يخسر المؤمنون إذا أخذوا بمنهج الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) في الفكر والعمل ، وأن الظفر والنجاح حليفهم ( إن شاء الله تعالى ) في الدنيا والآخرة .

وسوف أتكلم في هذا اليوم المبارك : عن بعض الأسس التي يقوم عليها منهج الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) ثم أتناول أطروحاته ومواقفه من بعض القضايا الإسلامية المهمة وأهم خصائص خطابه .. وذلك كله باختصار شديد .

أولا ـ الأسس التي يقوم عليها المنهج : يقوم منهج الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) على أسس عديدة .. منها :

الأساس الأول ـ الانطلاق من عقيدة التوحيد : فهو ينطلق من عقيد التوحيد التي تحكم فكره ومشاعره وسلوكه ومواقفه ، ويرى الواقع وجميع شؤون الحياة على أساسها ، ويسعى لصياغة الواقع كله على أضوائها القدسية النيرة ، وذلك وفق أحكام الشريعة الإسلامية المقدسة ونظامها القيمي العظيم ، مع دقة وعمق وشمول في الفهم ، ومرونة في التطبيق تأخذ بعين الاعتبار خصائص الزمان والمكان والموضوع والأبعاد الشمولية للدين على كافة الأصعدة والمستويات : المحلية والإقليمية والدولية .

يقول الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) : ” إن اعتقادي واعتقاد المسلمين قاطبة يتلخص في المسائل التي أوردها القـرآن الكـريم ، والتي أوضحهـا نبي الإسلام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأئمة الحـق من بعده ( عليه السلام ) وأن أساس وأصل جميع تلك المعتقدات ـ والذي يعتبر أهم وأسمى اعتقاداتنا ـ هو مبدأ التوحيد . واستناداً لهذا الأصل : فإننا نعتقد بأنّ خالق العالم وجميع عوالم الوجود والإنسان هو الله ( تبارك وتعالى ) والمطّلع على جميع الحقائق ، والقادر على كل شيء ، ومالك كل شيء .. وهذا الأصل يعلمنا : بأنّ على الإنسان أن يسلّم فقط أمام ذات الله المقدسة ، وأن لا يبدي الطاعة لأي إنسان آخر إلا إذا كانت طاعته استمراراً لطاعة الله .. على هذا الأساس : فلا يحق لأيّ إنسان أن يفرض على الآخرين الانصياع له . ومن هذا الأصل ألاعتقادي نتعلم مبدأ حرية الإنسان ، وانه لا حق لأي إنسان أن يسلب إنسانا آخر أو مجتمعاً أو شعباً حقهم في الحرية ، أو أن يضع لهم قانوناً ينظم سلوكهم وعلاقاتهم استناداً إلى مقدار وعيه ومعرفته القاصرين ، أو استناداً إلى رغباته وميوله .. وبالاستناد إلى هذا الأصل : فإننا نعتقد ابيضا : بأنّ وضع القوانين لتطوير الحياة هـو من اختصاص الباري جـل وعلا ، كما أن قوانين الوجود والخلق من اختصاصه هو تعالى ، وأن سعادة الإنسان والمجتمعات وكمالها ، تكمن فقط في طاعة القوانين الإلهية التي تمّ إيصالها إلى البشر عن طريق الأنبياء ، وأن الانحطاط والسقوط اللذين تعاني منهما البشرية إنما هما بسبب مصادرة الحريات والاستسلام أمام بعض الأفراد .. ومن هنا : فانه يتوجب على الإنسان أن يثور على هذه القيود ويقارع الذين يدعونه للاستسلام والأسر ؛ وأن يسعى لتحرير نفسه ومجتمعه ليكون الجميع عبيداً لله . ومن هذه الناحية تنطلق قوانيننا الاجتماعية ضد قوى الاستبداد والاستعمار . ومن هذا الأصل ألاعتقادي ( التوحيد ) نستلهم المساواة بين جميع بني البشر أمام الله ، فهو خالق الجميع ، والجميع عباده . فالأصل هو تساوي البشر ، وما يميز الفرد عن الآخر ـ كقاعدة ومعيار ـ إنما هي التقوى والابتعاد عن الانحراف والخطأ ، ولذا ينبغي الوقوف بوجه كل ما يُراد به تخريب المساواة الاجتماعية وتحكيم الامتيازات المزيفة والفارغة على المجتمع ” .

وقد قال بعض الباحثين : أن الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) يتبع إستراتيجية التكليف والمسؤولية الشرعية ، مما حمل بعض المؤمنين الأعزاء على التساؤل : أليس كل الفقهاء وكل المؤمنين يتبعون التكليف الشرعي ويؤدون المسؤولية الشرعية الملقاة على عواتقهم ؟ فأي شيء يميز منهج الإمام الخميني عن مناهج غيـره من الفقهاء والمؤمنين في هذا المجال ؟

الجواب : ينبغي أن نميز بين منهجين يتحركان على الساحة الإسلامية في وسط المؤمنين على الأرض .. وهما :

المنهج الأول : ينطلق من العقيدة وأحكام الشريعة وقيمها ومبادئها وثوابتها ، ويسعى لصياغة الواقع وتطويعه على أضوائها القدسية النيرة ، ويواجه كافة العقبات التي تقف في وجهه بقوة وثبات وبحسن التدبير للتغلب عليها حتى يهزمها ، ويقدم التضحيات اللازمة في سبيل تحقيق أهدافه الإسلامية المقدسة بنفس راضية مطمئنة إلى ثواب ربها ونصره . وهذا هو منهج الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين ( عليهم السلام ) الذي يؤسس للممانعة والمقاومة والثورة بقوة وثبات على الأوضاع الفاسدة والمنحرفة ، ولا يستسلم أو يخنع أو يخضع إليها بأي حال من الأحوال . وهـو المنهج الذي سار عليه الإمام روح الله الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) قبـل وبعـد قيـام الجمهوريـة الإسلامية في إيـران . فالإمام لا يفكر إلا بأداء التكليف الشرعي .. وكـان شعاره في الحياة : “” العمل بالتكليف ولو بلغ ما بلغ ” وهو المنهج الذي لازالت تسير عليه الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة ولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي ( أمد الله تعالى في ظله الشريف ) وهـو المنهج الذي يسير عليه حزب الله المنصور في لبنان في التحرير والمقاومة .

جاء في رد الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) على برقية آية العظمى السيد محسن الحكيم ( قدس سره الشريف ) إلى العلماء والمراجع في إيران يطالبهم فيها بالهجرة إلى النجف الأشرف من أجل الحفاظ على حياتهم وكيان الحوزات العلمية .. وذلك في نيسان عام ( 1993 ) قوله : ” سوف نؤدي تكليفنا الإلهي ( إن شاء الله ) وسوف نوفق لأحد الحسنيين : إما قطع أيدي الخونـة عـن الإسلام والقـرآن الكريم ، أو مجاورة رحمة الحق ( جل وعلا ) وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ” .

لقـد شخص الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) الواقع في إيـران على عهد الشاه ، ورأى بأن تكليفه الشرعي هو السعي لإصلاح النظام ، فلما يئس من إصلاحه ، رأى بأن تكليفه الشرعي هو الإطاحة به ، فنهض بهذا التكليف ، ولم يرهبه جبروت الشاه ، ولا بشاعة جرائم السافاك ، ولا غطرسة أمريكا والكيان الصهيوني الداعمين للشاه .. ولا غير ذلك .

قال الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) ردا على أحد جلاوزة الشاه الذي ذهب إليه يحمل تهديدا له من قبل النظام : ” اعلموا أنه ما دمت حيا فلن أتخلى عن هذا النهج حتى لو أغلقتم باب داري ووضعتم الأقفال عليها ، وسأستمر بالكتابة ضدكم بقلمي هذا ، وإن لم استطع إيصال ندائي إلى الناس ، فسأخاطبهم عبر شقوق الباب ” ( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص 78 ) وقد جاء في بيان صادر عنه في آذار من عام ( 1963م ) اعتراضا على ممارسات النظام : ” لقـد أديت واجبي ـ اللهم قد بلغت ـ وإذا مد في عمري ، فإني سأواصل أداء تكليفي بإذن الله ” .

وجاء في صحيفة مسلم : ” كان الإمام الخميني زعيما صارما ، وقف طوال حياته أمام الأعداء ، ولم يبال بأي شيء سوى الإسلام الأصيل ، وكان يدافع بقوة عن الإسلام والمسلمين ” ( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص 49 ) .

المنهج الثاني : ينطلق من الواقع والنفس الضعيفة أو المتهورة ، حيث يقع أصحاب المنهج أسرى إليهما ، ثم يحاولوا أن يوجدوا المبررات الشرعية لمواقفهم ليقنعوا أنفسهم والآخرين بها ، وليخلقوا التوافق بين إيمانهم وبينها . فهم يقبلوا بالمتاح والمتيسر على قاعدة ” ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ” وتحت عنوان الواقعية وماذا نفعل ، أو يفعلوا ما يشاءون ويحلوا لهم تحت عنوان الضرورة وغيرها من العناوين الخادعة ، ثم يوجدوا المبررات الشرعية لمواقفهم ليقنعوا أنفسهم والآخرين بها ، وليخلقوا التوافق بين إيمانهم وبينها .

فأصحاب هذا المنهج بدلا من الانطلاق من التكليف الشرعي والسعي لتطويع الواقع وإدارته على أضواء العقيدة وأحكام الشريعة وقيمها ومبادئها وثوابتها من خلال الصبر وحسن التدبير وتقديم التضحيات اللازمة ( كما هو الحال في المنهج الأول ) يسعـون لتطويع أحكام الشريعة وقيمها ومبادئها وثوابتها بحسب مواقفهم الضعيفة أو المتهورة في الحياة . وهذا المنهج التبريري هـو منهج الضعفاء من المؤمنين ، وهو المنهج المسؤول عن تراكم الانحرافات والظلم والاستبداد والتخلف وبروز ظاهرة التكفير والإرهاب والتطرف في المجتمعات والدول الإسلامية طوال التاريخ ، ولن تتغير أوضاعها ما دام العمل بهذا المنهج هو السائد لدى القيادات والزعامات الإسلامية الشعبية ، وما لم تنتقل هذه القيادات والزعامات إلى العمل بالمنهج الإسلامي الأصيل ( منهج التكليف والمسؤولية الشرعية ) وهو المنهج الأول ، الذي يتطلب الأخذ بـه ( فيما يتطلب ) الرجوع إلى فقيه جامع لكافة الشروط ، وليس مجرد الرجوع إلى أي مؤمن أو أي فقيه كان .

ومن الواضح : أن المنهج الأول ينسجم مع تصنيف الفقهاء ( رضوان الله تعالى عليهم ) لشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن دائرة شروط الواجب كشرط الطهارة للصلاة . فالصلاة واجبة ولا تصح إلا بالطهارة ، ويجب على المكلف أن يوفر شرط الطهارة لتأدية فريضة الصلاة . وذلـك في مقابـل شـروط الوجوب كشرط الاستطاعة للحج . فالحج يجب على المستطيع ، ويسقط عن غير المستطيع ، ولا يجب على المكلف غير المستطيع السعي لتوفير الاستطاعة لكي يحج . وهذا ما ينبغي أن يعمل به المؤمنون في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو واجب بشروط ، وعلى المكلفين السعي لتوفير الشروط للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولو عمل المكلفون بهذا الشكل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. لتغير وجه الأرض قطعا . أما وقد أخلوا بهذا التكليف وبحثوا عن المبررات لمواقفهم الضعيفة ومسايرة الظالمين ، فقد ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

الأساس الثاني ـ الأخلاق والقيم : كان الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) يحذر من المناهج السياسية والإدارية المادية ، ويعتمد بدرجة كبيرة على المدد الغيبي ، ويسعي من أجل ذلك إلى تفعيل النظام القيمي في الثورة والنظام الإداري للدولة ، وتشريب قلوب العاملين بالعشق الإلهي ، وخلق التوجه الحقيقي لديهم نحو الله رب العالمين ، على ضوء منهجه العرفاني القويم . وقـد نجح بالفعل في تفعيل القيم الإلهية وإرجاعها إلى ميادين الحياة ، ووضع أركان نظام اجتماعي وإداري يستند إليها ، مما خلق منهجا جديدا في الثورة والإدارة السياسية للدولة ، وجيلا متميزا من العاملين الذين تربوا على ذلك المنهج العظيم وعملوا به .. وهذا عمل خارق لا نظير له في عالمنا المعاصر .

يقول مير حسين الموسوي : ” إن ما حدث في نظام الجمهورية الإسلامية تحت ظل قيادة سماحة الإمام ( قدس سره ) وبفضل إدارته الحكيمة هو : أن القيم النابعة من الدين ، عجنت مع النظام الإداري بشكل بناء ومثمر ، ولم تشكل عقبة أمام نضج وإنتاجية المؤسسات الإدارية فحسب .. بل إنها بالعكس : كانت العامل المحرك والدافع لهذه المؤسسات للعمل أكثر بإنتاجية أكبر ” ( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص 10 ) .

وقال : ” إننا لأول مرة نرى أن الموظفين العاملين في الجهاز الإداري يؤدون أعمالهم الإدارية بشكل منظم ومتقن ، وينظرون إلى العمل الإداري على أنه عبادة . وقد ظهرت هذه الحالة المثالية بشكل أكثر في المؤسسات الثورية التي تأسست بعد انتصار الثورة الإسلامية ، وهي من منظورنا تعتبر ذات أهمية كبرى ، لأنها مؤسسات جديدة ، عجنت فيها المهام العامة والأعمال التنفيذية مع القيم الإلهية السامية ” ( نفس المصدر ) .

الأساس الثالث ـ المرحلية والتخطيط : كان الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) يعمل على بصيرة في الدين والدنيا ويمتلك إستراتيجية واضحة ، وكان فكـره وعملـه مبرمجين وفـق معايير دقيقـة ، وكانت الأمور مصنفة في ذهنه بشكل منظم ودقيق ، ويتابعها بحسب أهميتها الإستراتيجية لديـه ، وحساسيتها وقيمتها على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية ، ويتخـذ القرارات المناسبة بشأنهـا ضمن تخطيط وإستراتيجية محكمين . ولهذا يجد المتتبع للقرارات التي اتخذها الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) في حياته السياسية الطويلة ، رغم كل المنحنيات والمنعطفات السياسية : الداخلية والخارجية ، أنها تتمتع بالخاصية التالية : أنها تحمل نفس السمات والبصمة ، وتسير على نفس المنهج ، ولكنها تأخذ بعين الاعتبار الظروف والمرحلة التي صدرت فيها . وقد أعطى هذا قـوة ضخمة لخط الإمام ومنهجه وقراراته ، وأكسب أتباعه وحوارييه الثقة به ، وأدى إلى تحقيق الانتصارات والنجاحات تلو الانتصارات والنجاحات على مستوى الثورة وإدارة الدولة .

تقول صحيفة التايمز اليابانية : ” إن المؤرخين في العصور القادمة سيعرفون بلا شك آية الله الخميني بأنه أعظم وأقوى زعيم في العصر الحاضر دون منافس … إن آية الله الخميني حول إيران إلى قوة يحسب لها الحساب في الشرق الأوسط ، وبما أن القوة العسكرية الإيرانية قد ازدادت بشكل ملحوظ في زمن الشاه ، إلا أنه ونتيجة للأسلوب الذي اتبعه آية الله الخميني بإيقاظ المشاعر الدينية للشعب ، فقد تحولت إيران إلى قوة عظمى ” .
( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص 52 ) .

وقالت التايمز اللندنية : ” كان الخميني رجلا سحر الجماهير بكلامه ، وكان يتكلم بلسان الشعب ويمنح الطمأنينة لمؤيديه الفقـراء والمحرومين الذين وقفوا بقبضاتهم أمام كل الجبابرة ، وعلم شعبه بأنه يمكن الوقوف أمام القوى العالمية كأمريكا بدون خوف ” .
( نفس المصدر ) .

الأساس الرابع ـ الاعتماد على الجماهير : يرى الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) أن الإصلاح والثورة والتطوير والتحديث في أي مجتمع أو دولة لا يمكن أن يحدث بعيدا عن الجماهير .

يقول الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” إذا أردتم وأرادوا وأراد العلماء في البلاد الإسلامية والجامعات الموجودة في الدول الإسلامية كافة حل مشكلة الإسلام والبلدان الإسلامية ، فلابد من الصحوة الجماهيرية أولا … وإزالة قول ( لا يمكن ) من أدمغة الشعوب واستبدالها ( بالممكن ) ” .
( قضية فلسطين والصهيونية في رؤية الإمام الخميني . محمد تقي . ص 14 ) .

ويرى أيضا : أن القرب من الجماهير هو معيار النزاهة لدى أي قائد ، وأن عظمة العلماء والقادة تكمن في الخصال التي يتحلون بها .. منها : القناعة والزهد ، والصبر والشجاعة ، وطلب العلم والمعرفة ، وعدم الارتباط بالسلطة ، والشعور بالمسؤولية تجاه الجماهير . لهذا كانت ثقته في الجماهير كبيرة جدا ، ويثمن عاليا دورها وجهودها في دعم الثورة ونصرة الجمهورية الإسلامية .. وكان يتواضع لها كثيرا ويشكرها .

يقول الإمام الخميني : ” وإنني خجل … وأرى نفسي أصغر من أن أعمد بالبيان إلى ترسيم حالة هذه الجماهير وشكرها ، الله ( تبارك وتعالى ) هو الذي سيثيبها على كل هذا الإخلاص والوعي وصدق العبودية ” .
( ريادة الفقه الإسلامي ومتطلبات العصر . ص 42 ) .

وقال : ” إننا إذا لم نقم بخدمة النظام الإسلامي ، وإذا تجاهلنا التجاوب الجماهيري مع علماء الدين ، وهو تجاوب لم يشهد التاريخ له نظير ، فلن تكون لنا فرصة عمل أفضل من هذه “
( نفس المصدر . ص57 )

وكان الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) في غاية الشفافية والصدق مع الجماهير التي وقفت إلى صف الثورة وناصرتهـا .. ويرى فيها : أنها تمثل أهم شريحة محترمة لمعرفة الحقائق . فكان ( قدس سره الشريف ) رغم ازدحام جدول أعماله اليومي في مهامه وعقد الاجتماعات مع مسئولي النظام الإسلامي وغيرهم ، لم يترك أبدا ارتباطه بالجماهير البسطاء .. معين الثورة الإسلامية المباركة . وقد أحصي ما يزيد على ( 3700 ) لقاء له مع الجماهير في كتاب سمي “محضر النور” وذلك في السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلامية فحسب .. الأمر الذي يوضح مدى عمق علاقة الإمام بجماهيره . وكان لديه كامل الحرص على مشاركتهم في الإدارة وصناعـة القـرار ، فـلم يتخـذ أي قرار يتعلـق بمصير الشعـب والدولـة بـدون أن يرجـع بصـدق إلى أبناء الشعـب الأوفياء . فقد رجع إليهم في اختيار النظام الإسلامي الجمهوري ، ورجع إليهم في التصويت على الدستور ، وقد نص الدستور على انتخاب أبناء الشعب لأعضاء مجِلس الخبراء الذي يمتلك صلاحية اختيار مرشد الثورة وعزلة ، ونص على الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ، والانتخاب المباشر لأعضاء مجلس الشورى والمجالس المحلية .. الخ .

ولم يستوعب البعض رجوع الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) إلى أبناء الشعب لاختيار النظام الإسلامي .. وبـرر ذلك : بأن الإمام كان يعلم مسبقا باختيار أبناء الشعب للنظام الإسلامي ، ولو لم يكن يعلم ذلك منهم ، لما رجع إليهم في مسألة اختيار النظام الإسلامي .

وأرى : بأن هذا الطرح لم يكن موفقـا أبـدا في فهـم وتفسير موقف الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) في الرجوع إلى الناس في اختيار النظام الإسلامي .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : أنه يطعن في مصداقية الإمام وأخلاقه .
السبب الثاني : أن التوقع المسبق لنتائج الانتخابات لا يقلل من قيمتها المبدئية والعملية ، ولا يغير شيئا من الحكم الشرعي فيها .

وأرى بأن الإمام الخميني ( قدس سـره الشريف ) : كـان يميـز ببصيرته النافذة في الديـن ، وخبرته القوية والعميقة في الحياة ، بين مصدر الشرعية ومصدر القوة في القيادة والنظام الإسلاميين . فمصدر الشرعية للقيادة والنظام هو الله ( جل جلاله ) وحده لا شريك له . أما مصدر القوة فهم الناس . فالقيادة الشرعية التي لا تجد لها أنصارا من الناس لا تستطيع أن تفعل شيئا على الأرض .. وبحسب تعبير الإمام الخميني : ” أن أيّة قوة مهما عظمت معرضة للسقوط إذا ما حرمت الدعم الشعبي ”
والنظام الذي لا يجد له أنصارا من الناس ، يكون نظاما دكتاتوريا بالتأكيد ، ولا يستطيع البقاء طويلا . فقد سقطت الدولة الإسلامية العظيمة التي أقامهـا الرسول الأعظـم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينـة المنورة ، ولـم يستطع الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أن يفعل شيئا إزاء ذلك ، لما قـل أو انعدم الأنصار من الناس . ولهذا رجع الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) إلى الناس في اختيار النظام الإسلامي ، لا لكي يستفتيهم في شرعية النظام الإسلامي .. فمصدر الشرعية : هو الله ( جل جلاله ) وحـده لا شريك له ، وإنما لكي يعتمد عليهم في إقامة النظام الإسلامي وحمايته والدفاع عنه أمام الأعداء . وبدون هذا الرجوع يكون مضطرا لممارسة الدكتاتورية والإرهاب ضد الناس لكي يقيـم النظام الإسلامي ويحافظ عليه .. ولـن ينجح في ذلك أبدا . وكان الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) يحذر كثير من الدكتاتورية والاستبداد .. ويرى : أن الفقيه إذا مارس نوعاً من الاستبداد في أمر ما ، فـإن مقام الولاية يسقط عنه . أما وقـد رجع الإمام الخميني إلى الناس في اختيار النظام الإسلامي ، فقد استنفـذ الناس طاقاتهـم في إقامتـه ، وهبـوا بكل ما أوتوا من قوة ووعي للـدفاع عنـه أمـام الأعداء الشرسين في الداخل والخارج ، وقدموا أنفسهم قرابين في سبيله . وهذا ما لا يدركه من لا خبرة لهم في الحياة ، حينما يقللون من قيمة الاعتماد على الناس ودورهم في اتخاذ القرارات في الشأن العام .

إن منهج الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) مستمد ( بدون شك ) من منهج الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) وهو المنهج الذي استطاع أن يجعل من بعض العبيد المغمورين والمظلومين والمستضعفين شخصيات عظيمة .. مثل : عمار بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي .. وغيرهم . وأن يجعل من المجتمع الجاهلي قائدا للمدنية والحضارة الإسلامية . إن أبرز نجاحات الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) تجسد في قدرته على تنمية الوعي العام لدى الجماهير وإيجاد القدرة لديها على التحليل السياسي إزاء الوقائع والأحداث التي تدور حولها والتي تستهدفها ، وإيجاد الإحساس المرهف لديها بالمسؤولية تجاه دينها وقضاياها الوطنية ، وتحريكها بقوة وثبات في الثورة وإقامة الدولة الإسلامية وإدارتها وحمايتها من الأعداء في الداخل والخارج .. فلله دره من إنسان وقائد عظيم .

الأساس الخامس ـ تدعيم العمل المؤسسي والاعتماد عليه : من الملفت للنظر ، وبخلاف العادة لسائر الثورات في التاريخ ، أن الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) قد سارع في ظل الظروف الصعبة إلى وضع الدستور بعد شهرين من نجاح الثورة ، وإجراء الانتخابات على أساسه في غضون شهور قليلة ، ولم يتحجج بالظروف الصعبة التي كانت تواجه البلاد والثورة الإسلامية آنذاك . وهذا التصرف من الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) في الوقت الذي يثبت إخلاص الإمام ومصداقيته وثقته في أبناء الشعب الذين ضحوا من أجل الإسلام والثورة ، فإنه يكشف عن بصيرة الإمام وبعد نظره في الإدارة السياسية . لقد لمس الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) حجم التحديات والأخطار الداخلية والخارجية التي تتربص بالثورة المباركة والدولة الوليدة ، وأدرك بأن السبيل إلى مواجهة تلك الأخطار والتحديات والتغلب عليها وحماية الثورة والدولة منها وتحقيق أهدافهما العظيمة ، هو الاعتماد على أبناء الشعب ، وتوسيع دورهم وتنظيم مشاركتهم في بناء الدولة وإدارتها ، وذلك من خلال إقامة دولة المؤسسات والقانون . ولهذا سارع إلى وضع الدستور ، وإجراء الانتخابات على أساسه بعد شهور قليلة من انتصار الثورة الإسلامية المباركة .. وكانت من سماتـه ( قدس سره الشريف ) في الإدارة السياسية : توسيع دائرة صناعة القرار إلى أقصى درجـة ممكنـة ، وعدم التدخل في اختيار المسؤولين وصلاحياتهم ، والحرص على تطبيق القانون بدقة متناهية على الجميع .

يقول مير حسين الموسوي الذي تسلم رئاسة الوزراء في الجمهورية الإسلامية لأكثر من ثمانية أعوام متتالية : ” فيما يتعلق بالحكومة التي كنت أرأسها : فإني لا أملك حتى نموذجا واحدا يثبت أن الإمام تدخل في تعيين اسم محدد ليكون وزيرا أو مسؤولا . وأقول هذه الحقيقة كشهادة تاريخية للأجيال الإسلامية وللعالم أجمع .. أجل : كانت هناك حالة استثنائية تختص بمنصب وزير الأمن ، الذي ينبغي أن يكون شخصية ذات رأي في القضايا الإسلامية ، فأتذكر أنه في الاجتماع الذي عقدته مع سماحته .. قال : أرجو أن تطلعني على القرار الذي تتخذه بهذا الشأن ، لأنها من الحالات التي يجب أن أكون مطلعا عليها . كنت أتوقع أن يحدد سماحته اسم الشخصية التي يقصدها ، وقد زرته عدة مرات ، وتحدثت أمامه ملوحا بنيتي وعارضا أمامه بعض الأسماء التي خطرت ببالي ، إلا أنه لم يصرح أبدا حول ما إذا كان الشخص الفلاني جيد لهذا المنصب أو سيء ، ولم يفرض أبدا علي أن اختار أي شخص للمنصب المحدد .. بل أقصى حد كان يقول : إن الشخص الفلاني مناسب لهذا المنصب ” ( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص 11 ـ 12 ) .

الأساس السادس ـ دقة المعلومات والتوازن في اتخاذ القرارات : لقد عرف عن الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) اعتماده على المعلومات الدقيقـة والواضحة في اتخاذ القرارات ، ويـراعي فيها التوازن والمصالح الإسلاميـة العليا ، دون أن تأخـذه في اللـه ( جل جلاله ) لومة لائم . فهو يتابع بدقة التقارير الإخبارية من الإذاعات والصحف في الشؤون الخارجية وما يقال عن الجمهورية الإسلامية ، ويحرص على معرفة مختلف وجهات النظر للتيارات السياسية في الشؤون الداخلية ، وهو لا يسمح لنفسه حين يتخذ القرارات ، بأن يقع تحت تأثير أي تيار من التيارات العاملة في الساحة ، ولم تكن لديه أية حساسية من الاختلاف في الرأي بين التيارات الإسلامية ، وإنما كان ينظر إليها على أنها ظاهرة طبيعية وإيجابية لخدمة الإسلام والجمهورية الإسلامية وأبناء الشعب مع توفر الإخلاص والحكمة في إدارتهـا . وقـد جعل الموازين الشرعية ، والمصلحة الإسلامية العليا ، وتطبيق القوانين ، ميزانا في الموقف من كافة التيارات السياسية ، وتحديد حجم الدعم والمساندة لها ، وضمان حقها في العمل والتعبير عن رأيها .. وعلى هـذا الأساس المتين : نجـح في إدارة الاختـلاف في الرأي بين التيارات السياسية ، وضمان حقها في التعبير ، وصيانة الثورة والدولة ، والمحافظة على وحدة الصف الإسلامي والوطني .. في إطار شرعي متماسك .

يقول السيد مير حسين الموسوي : ” وهكذا فإن الإمام كان يحترم الكوادر الخدومة في الدولة ويرعاها ويثمن جهودها . فلو أننا لم نواجه إلى الآن اختلافات كبيرة ، أو مشادات خطيرة بين المسؤولين في الجمهورية الإسلامية ، فإن ذلك كان بفضل النهج السليم والأسلوب الحكيم والصبور الذي كان الإمام ينتهجه في التعامل مع المسؤولين لإدارة دفة الدولة الإسلامية .. والحمد لله رب العالمين ” .
( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص12 ) .

وبهذه المناسبة أنقل إليكم القسم الأخير من الرسالة الجوابية للإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) على رسالة الشيخ الأنصاري ( أحد أعضاء مكتبه ) بشأن الاختلاف بين التيارين المناصرين للثورة والنقد .. وذلك للاستفادة منها في فهم وتقييم الاختلافات بين المؤمنين في ساحتنا الوطنية وغيرها .

قال الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” وواضح أنه لو كان ثمة اختلاف بين الأفراد والأجنحة المرتبطين بالثورة ، فهو سياسي حتى لو أضفي عليه ظاهر عقائدي ، فهم مشتركون في الأصول والمبادئ ، وهذا هو سبب تأييدي لهم .

إنهم أوفياء للإسلام والقرآن والثورة ، وقلوبهم تتحرق إخلاصا للبلد والشعب ، ولكل منهم ـ فيما يتعلق بتقدم الإسلام وخدمة المسلمين ـ مشروع وآراء يعتقد أن بها يكون النجاح .

وكلا التيارين في أكثريتهما الغالبة يريدان بلدهما مستقلا .

وكلاهما يريدان قطع دابر سيطرة الطفيليين المرتبطين سواء بالحكومة أو السوق ( البازار ) والشارع وإزالة شرهم عن الناس .

وكلاهما يريدان أن يعيش ـ الموظفون الشرفاء والعمال والفلاحون المتدينون والكسبة المخلصون ـ حياة نظيفة سليمة .

وكلاهما يريدان أن لا تكـون هناك سرقات أو رشاوى في المؤسسات الحكومية والخصوصية .

وكلاهما يريدان أن تتطور إيران الإسلامية في المجال الاقتصادي بحيث تكسب أسواق العالم لصالحها .

وكلاهما يريدان أن تصبح الأوضاع الثقافية والعلمية في إيران على حالة بحيث تتوافد معها حشود الجامعيين والمحققين ( الباحثين ) من كافة أرجاء المعمورة على المراكز التربوية والعلمية والفنية والأدبية في إيران .

وكلاهما يريدان جعل الإسلام قوة العالم الكبرى .

إذن فعلام يختلفون ؟

الاختلاف ناشئ من أن كلا منهما يعتقد أن منهجه هو الذي يؤدي إلى تحقيق كل هذه الأهداف.

ولكن عليهم الانتباه ـ بصورة كاملة ـ إلى أن المواقف يجب أن تكون جامعة بين حفظ أصول الإسلام ومبادئه على مدى التاريخ ، وبين حفظ سخط كلا التيارين وسخط الجماهير وحقدهما الثوري ضد رأسمالية الغرب وعلى رأسها أمريكا ناهبة العالم ، وضد الشيوعية والاشتراكية الدولية وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي المعتدي .

على كلا التيارين أن يسعيا بأقصى ما يمكن من اجل عدم السماح بوقوع انحراف ـ ولو بمقدار ذرة ـ عن سياسة ” اللاشرقية واللاغربية ” ولو وقع انحراف ـ ولو بمقدار ذرة ـ فعليهما أن يقوماه بسيف العدالة الإسلامية .

على كلا التيارين أن يعلما بأن لهما ـ معا ـ أعداء مشتركين كبار لا يرحمون أيا منهما .

على كلا التيارين أن يراقبا ( يرصدا ) ـ بإخلاص وصدق ( وبجدية ) ـ أمريكا ناهبة العالم والاتحاد السوفيتي الخائن للأمة الإسلامية .

على كلا التيارين أن يقوما بتوعية الجماهير بحقيقة أنه ـ وإن كان صحيحا أن أمريكا الماكرة هي عدوهم الأول ـ إلا أن أبناءهم الأعزاء قد استشهدوا بالقنابل والصواريخ السوفيتية .

على كلا التيارين أن لا يغفلا عن مكائد وأحابيل هذين ” العفريتين ” الاستعماريين ، وليعلما أن أمريكا والاتحاد السوفيتي متعطشان لدم إسلامهما واستقلالهما .

اللهم .. فاشهد أنت أنني قد قلت ما كان يجب أن أقوله لكلا التيارين ، والآن كلاهما يعرفان ما يجب !

وهناك شيء مهم آخر يمكن أن يكون باعثا للاختلاف ـ وعلينا جميعا أن نستعيذ بالله من شره ـ وهو ” حب النفس ” وهو لا يعرف هذا التيار أو ذاك .

ولا يعرف رئيس الجمهورية ولا رئيس مجلس الشورى ولا رئيس الوزراء .
ولا يعرف النائب ( في المجلس ) ولا الوزير .
ولا مجلس القضاء الأعلى ولا مجلس حماة الدستور .
ولا منظمة الإعلام ولا مكتب التبليغ .
ولا العسكري وغير العسكري .
ولا الحوزوي وغير الحوزوي .
ولا الجامعي وغير الجامعي .
ولا المرأة ولا الرجل .

لا يعرف شيئا من هذه العناوين .
وهناك طريق واحد ـ لا غير ـ لمكافحته : وهو الرياضات والمجاهدات .

وعلى أية حال : فإذا نظر السادة إلى القضايا من زاوية أن الجميع يريدون دعم النظام والإسلام ، تحل عندهم الكثير من المعضلات وأشكال الحيرة ، ولكن هذا لا يعني أن يكون الجميع أتباعا لتيار واحد ـ بصورة مطلقة .

وبهذه الرؤية قلت أن النقد البناء لا يعني المعارضة ، والتنظيم ( التجمع ) الجديد لا يحمل مفهوم الاختلاف ( المعارضة ) .

إن النقد البناء في موارده المناسبة هو عامل لتطور المجتمع ونضوجه ، وإذا كان النقد محقا يصبح سببا لهداية كلا التيارين .

ولا ينبغي لأحد أن يعتبر نفسه ” مطلقا ” ومنزها عن الانتقاد ، ومفهوم أن النقد شيء والتعامل على أساس الانتماء للخط والتيار الفلاني شيء آخر .

وإذا عمد شخص أو مجموعة في هذا النظام إلى إسقاط أو تدمير الآخرين ـ لا سمح الله ـ وقدمت مصلحة جناحها أو خطها على مصلحة الثورة ، فإنها وقبل أن توجه ضربة لمنافسها أو منافسيها ستكون قد وجهت ضربة للإسلام والثورة .

وفي كـل حال فإن أحد الأعمال التي يحصل بها رضا الله تعالى ـ بصورة يقينية ـ هو تأليـف القلوب والسعي من أجل إزالة الأضغان والتقريب بين المواقف خدمة لبعضهم البعض .

يجب اجتناب أولئك الوسطاء الذين يحضر عملهم في إشاعة سوء الظن لدى أفراد كل جناح تجاه الجناح الآخر .

إن لديكم أعداء مشتركين من الكثرة بحيث يجب التصدي لهم بتعبئة كل طاقات الجميع ، ولكن إذا شاهدتم أن أحدا ما أخذ يتجاوز المبادئ والأصول فتصدوا له بحزم .

وبديهي أنكم تعلمون أن الحكومة والمجلس وكبار مسؤولي النظام لم ينحرفوا عن الأصول ولم يتجاوزا الخطوط الحمراء أبدا .

وواضح لدي أن في وجدان كلا التيارين يكمن الإيمان والعشق لله ـ تعالى ـ ولخدمة الخلق .

يجب تطهير مسيرة التنافس من أشكال التلوث والانحراف والإفراط والتفريط . وذلك من خلال تبادل الأفكار والآراء البناءة .

ومرة أخرى أجدد الوصية بأن بلدنـا وهو في مرحلة الأعمار والبناء يحتـاج إلى التفكيـر ( الجاد ) والوحدة والأخوة .

أسأل الله أن يتلطف بالتوفيق لجميع الذين تخفق قلوبهم من أجل إحياء الإسلام الأصيل ، إسلام محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتحطيم الإسلام الأمريكي ، وأن يحفظكم والجميع في كنف ألطافه وتأييده . وإن شاء الله تكونوا من أنصار الإسلام والمحرومين .
( ريادة الفقه الإسلامي ومتطلبات العصر . ص 87 ـ 93 ) .

أيها الأحبة الأعزاء : لقـد استطاع الإمـام الخميني ( قدس سره الشريف ) بهذا المنهج العظيم الذي يقوم على أسس شرعيـة وعقلية متينـة وثابتـة ، أن ينجح في ثورتـه الإسلامية المباركة ، ويحقق أهدافها العظيمة ، وأن يقيـم الدولـة الإسلامية الحديثـة القوية ، ويحافـظ على النظام الإسلامي فيها ، ويجعل مـن النظام في الجمهورية الإسلامية المباركة مصنعا لتفريخ القيادات والكوادر الإسلامية التي تمتلك الإخلاص والكفاءة ، ويتغلب على نقص الخبـرة لـدى المسؤولين في بدايـة عهـد الجمهورية الإسلامية ، ويضبط الحالة الثورية لدى أبناء الشعب ، ويمنعها من الانفلات والخروج عن حدودها المرسومة لها ، وأن يواجه التحديات والأخطار الداخليـة والخارجيـة بكفاءة وجدارة ، حيث الحرب المفروضة لثمانية أعوام متتالية ، والحصار الشامل على الجمهورية الإسلامية وتجميد أموالها ، ووقوف حكومات العالم ( التي أقلقها نجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية ) إلى صف صدام حسين ومناصرتـه وتقديمها كافـة أشكـال الدعم إليـه . وحيث الانفلات الأمني على مستوى الداخـل ، وفقـدان الثـورة لسبعين في المائة ( تقريبا ) من قيادات الصف الأول بسب التصفية الجسدية لهم على يد أعداء الثورة المجرمين ، وحيث الأزمة الاقتصادية ونقص الخدمات وضعف البنية التحتية .. الخ . كما نجح منهـج الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) في فرض الرقابة الشعبية الواعية على المسؤولين ، والإطاحة بالعملاء الذين تسللوا إلى مراكز قيادية متقدمة في الدولة ، وإبعاد من ليست لهم أهليـة عـن المراكـز الحساسة فيهـا رغم تاريخهم الجهادي والديني الطويل .. فلله دره من قائد عظيم .

ثانيا ـ مواقف الإمام الخميني من بعض القضايا الإسلامية .

القضية الأولى ـ فلسطين : تعتبر قضية فلسطين من المحاور الرئيسية وذات أولوية في اهتمامات الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) وتحركاته ، وقد ظهرت بصورة مبكرة في حياته السياسية ، ويتكرر ظهورها كثيرا في خطابه التوعوي والنهضوي في مختلف المناسبات الدينية والوطنية .. ونستطيع اختصار رؤيـة الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) للقضية الفلسطينية في النقاط التالية :

النقطة الأولى : ركز الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) على النشأة غير الطبيعية للكيان الصهيوني .. فهو ( على خلاف نشأة كافة الدول ) كيان لقيط ، حيث تم تجميع اليهود فيه من كافة أنحاء العالم ، لينشأ هذا الكيان بصورة غير طبيعية ، في ظروف صعبة مر بها العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية ، لتحقيق أغراض استعمارية خبيثة في العالم الإسلامي الذي مزقت الحرب كيانه ، وذهبت بوحدته وهيبته وقوته . وقد مال الكيان الصهيوني إلى العدوانية والتوسع وفرض الهيمنة على المنطقة ، ومنعها مـن التقدم العلمي والصناعي والاقتصادي وبنـاء قوتهـا العسكرية والسياسية وإعادة توحيد صفوفها من جديد . وقد ربط الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) ربطا عضويا بين الكيان الصهيوني وحلفائه من قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسهم الشيطان الأكبر : أمريكا .

يقول الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” إن أمريكا تكشر عن أنيابها وتلوح بمخالبها في المنطقة ، داعمة بذلك عميلتها إسرائيل المنفذة لجرائمها في المنطقة .. علينا أن لا نغفل عن ألا عيبهم السياسية في المنطقة ” .
( قضية فلسطين والصهيونية في رؤية الإمام الخميني . محمد تقي . ص 32 ) .

وقال : ” إن أمريكا وللسيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية على العالم الخاضع للتسلط ، لا تترك جريمة إلا اقترفتها ، فهي تستغل الجماهير المظلومة في العالم عبر إعلامها الموسع والمنظم من قبل الصهيونية العالمية ” ( نفس المصدر . ص33 ) .

النقطة الثانية : ركز الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) على شمولية الأهداف الاستعمارية والعدوانية للكيان الصهيوني اللقيط ، وعموميتها لكافة الدول الإسلامية وليس حصرها في الدول العربية . فالإمام الخميني يرى بأن أهداف الكيان الصهيوني شاملة لكافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والأخلاقية والمعنوية ، ولكافة الشعوب الإسلامية وليست الشعوب العربية فحسب .. كما يحاول البعض ( خطـأ ) تصويره ، وقد ربط الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) بين تحرير فلسطين ، وفرصة المسلمين في التطور والتقدم المادي والمعنوي ، وجعل من القضية الفلسطينية المؤشر على عزتهم وكرامتهم ومكانتهم بين الشعوب والأمم على وجه الأرض .

يقول الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” إني وضمن واجبي الشرعي ، أعلن للشعب الإيراني ولكل مسلمي العالم عن خطورة الوضع القائم ، فالقرآن الكريم والإسلام في خطر محدق ، واستقلال الدولة واقتصادها في قبضة الصهاينة ” .
قضية فلسطين والصهيونية في رؤية الإمام الخميني . محمد تقي . ص 2 ـ 3 ) .

وقال : ” إن بؤرة الفساد هذه المزروعة في قلب الأمة الإسلامية من قبل الدول الكبرى ، وجذورها الفاسدة تهدد يوميا عالمنا الإسلامي ، فيجب اقتلاع جذورها بهمة البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة العظيمة ” ( نفس المصدر . ص3 ) .

النقطة الثالثة : ركز الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) على البعد الديني في المقاومة للكيان الصهيوني ومواجهته .

يقول الإمام الخميني في إحدى رسائله الجوابية إلى الطلبة المسلمين المقيمين في أمريكا وأوربا وكندا .. بتاريخ ( 9 / صفر / 1393هـ ) : ” لو كانت الأقطار الإسلامية والشعوب المسلمة قد اعتمدت على الإسلام بدلا من اعتمادها على المعسكرين الشرقي والغربي ، ووضعت تعاليم القرآن الكريم التحررية والمشعة بالنور نصب أعينها وطبقتها في حياتها اليومية ، لما أضحت اليوم أسيرة بيد الصهاينة المعتدين ، ولما أرعبتها طائرات الفانتوم الأمريكية ، ولما خضعت للأساليب التساومية وألاعيب المكر الشيطانية التي يتبعها الاتحاد السوفيتي ” ( الإمام الخميني . عادل رؤوف . ص416 ) .

ومن خلال الاعتماد والتركيز على البعد الديني : فقد حقق الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) مكاسب عديدة لصالح المواجهة مع الكيان الصهيوني .. منها :

المكسب الأول : أدخل كافة الشعوب الإسلامية في المواجهة مع الكيان الصهيوني ، وأخرج القضية من الدائرة القومية الضيقة .

المكسب الثاني : توظيف العنفوان والمعنويات الدينية واستعداد المؤمنين للشهادة في سبيل الله ( تبارك وتعالى ) لخدمة القضية ومقاومة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين والقدس الشريف .

النقطة الرابعة : رفض الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) الاعتراف بالكيان الصهيوني والتفاوض معه ، وحذر من ذلك أشد التحذير ، ودعا إلى المواجهة الشاملة : العسكرية والاقتصادية والإعلامية معه ، وبكافة الأساليب المشروعة .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول ( ديني ) : وهو أن فلسطين أرض إسلامية محتلة ، والتكليف الشرعي لكافة المسلمين هو تحرير كامل ترابها ، وعدم التفريط في شبر واحد منها ، وأن قضيتها لا تخص الفلسطينيين وحدهم ، وإنما هي قضية كافة المسلمين ، ولا يجوز للفلسطينيين التفرد بها ، على أنها قضيتهم وحدهم .

السبب الثاني ( حقوقي ) : وهو أن الحوار والتفاوض إنما يكون بين أطراف تتفق على ملكية كل واحد منها أو اختصاصه لبعض الحق ، وتختلف بينها حول ملكية أو اختصاص البعض الآخر منه .. والواقع أنه لا حق ولا اختصاص للكيان الصهيوني في فلسطين .

السبب الثالث ( سياسي ) : وهو الطابع العدواني الذي فرضته طبيعة النشأة والأهداف الاستعمارية للكيان الصهيوني اللقيط . ولهـذا فكل المساعي السلمية والتفاوض لن تجدي معه ، لأنها تخالف طبيعة نشأته وأهدافه الاستعمارية الخبيثة .

يقول الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” لقد أشرت من قبل وسمعتم لمرات عديدة ، أن إسرائيل لا تكتفي بهذه ، وتعتقد بأن الحكومات العربية من النيل إلى الفرات غاصبة لأرضها ، وسيرتدون بدلة العمل آجلا أم عاجلا ، وبمساعدة أمريكا ، في محاولة للوصول إلى البغية المنشودة لا سمح الله ، إن لم يصح حكام العرب من نومهم العميق هذا ” .
( قضية فلسطين والصهيونية في رؤية الإمام الخميني . محمد تقي . ص6 ) .

النقطة الخامسة : ركز الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) على الشعوب والوحدة الإسلامية في تحرير فلسطين ، وذلك ليأسه من الحكومات التي ربطت مصيرها بالغرب ومناهجه السياسية والاقتصادية والثقافية على حساب شعوبها ومصالحها وقضاياها الإستراتيجية والحيوية . ودعا الشعوب الإسلامية للاهتمام بإصلاح أوضاعها الداخلية لا سيما الاستقلال الثقافي ، كمقدمة ضرورية للنجاح في تحرير فلسطين والمسجد الأقصى الشريف .

يقول الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” إذا تصورت الشعوب بأن الحكومات هي التي ستقضي على إسرائيل ، وتقف في وجه القوى الأخرى التي تريد إذلال هذه الشعوب وامتصاص خيراتها وذخائرها ، فإن هذا تصور واه . على المسلمين أن لا يجلسوا وينتظروا من حكوماتهم العمل لإنقاذ الإسلام من أيدي الصهيونية . ولا ينتظروا من المنظمات الدولية أن تعمل شيئا لهم . على الشعوب ذاتها أن تنهض وتجبر الحكومات كي تقـف في وجـه إسرائيل ، وأن لا تكتفي بالإدانـة ، فرفـاق إسرائيل يدينون إسرائيل أيضا ، ومهما بلغت الإدانة من حدة في الظاهر ، فإنها لا تخرج في الواقع عن حد المزاج . إذا تصور المسلمون أن تقوم أمريكا أو عملاء أمريكا بعمل ما لهم ، فإن ذلك ضرب من المستحيل ، وستبقى هذه القافلة معاقة إلى الأبد ” .
( قضية فلسطين والصهيونية في رؤية الإمام الخميني . محمد تقي . ص13 ) .

النقطة السادسة : برز اهتمام الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) بالقضية الفلسطينية في ممارسات عديدة .. منها : احتضان كافة الفصائل الفلسطينية ، والسماح بتقديم الحقوق الشرعية لها ، وإغلاق السفارة الصهيونية وتحويلها إلى سفارة فلسطين ، وهي أول سفارة للفلسطينيين في العالم ، ودعوة الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية إلى رفع شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ، وإعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك كيوم للقدس العالمي ، والدعوة إلى مسيرة البراءة في الحج المعظم .. الخ .

القضية الثانية ـ الوحدة الإسلامية : تعتبر قضية الوحدة الإسلامية من القضايا التي استحوذت على اهتمام الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) وقد أقام الدعوة إليها على أساسين .. وهما :

الأساس الأول ـ الأساس الديني : فقد نص القرآن الكريم على أن الأمة الإسلامية أمة واحدة .

قال الله تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ( الأنبياء : 92 ) .

وقال الله تعالى : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ( المؤمنون :52 ) .

ويجمع الأمة الإسلامية إطار مقدس شريف واحد .. وهو : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

وتقـوم الوحـدة بين المسلمين على أركان عديـدة .. وهي : وحـدة الكتاب ، ووحـدة القبلة ، ووحدة الفرائض ( الصلاة والصيام والحج والزكاة .. وغيرها ) .

الأساس الثاني ـ الأساس السياسي : وذلك أن التحديات والأخطار التي تواجه الأمة الإسلامية ، تواجهها كأمة واحدة وليس كل مذهب على حدة . وأنها لن تستطيع أن تواجه تلك التحديات والأخطار وتنتصر عليها ، إلا إذا واجهتها مجتمعة . ولن تستطيع أن تحافظ على استقلالها ، وتدافع عن مصالحها ، وتحمي مقدراتها وثرواتها ، وتصون كرامة أبنائها وعزتهم ، إلا إذا وحدت صفوفها ، واجتمعت في خندق دفاع واحد .. وهذا كله : يوحد بينها في المصير .

يقول الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) : ” بحكم الإسلام يجب أن يكون المسلمون يدا واحدة ليستطيعوا قطع يد الأجانب والمستعمرين عن التدخل في أوطانهم “
( مجلة الثقافة الإسلامية . العدد الحادي والخمسون . ص6 )

وقال : ” فإذا تحققت الوحدة بين المسلمين ، وستتحقق إن شاء الله ، فستقطع أيدي الدول الكبرى عن ثروات المسلمين وكافة المستضعفين في العالم ” .
( مجلة الثقافة الإسلامية . العدد 45 . ص11 ) .

وعلى ما تقدم : فقد اعتبر الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) أن كل دعوات التفريق بين المسلمين ، لا تنطلق من الدين ، ولا تنم عن وعي ، وأنها تصب في خدمة أعداء الدين والإنسانية .

يقول الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) : ” فالأنبياء من أولهم إلى آخرهم دعوا إلى الأخوة والتآلف ، ثم جاءت فئة تربت في أحضان الغرب أو الشرق وأخذت تنادي عن عمد أو غير عمد بالقومية وأخذت تدعو الشعب العربي إلى الوقوف في وجه الإسلام والشعب المسلم وأخذت تدعو إلى القومية عند الشعوب وتؤكد على اللون . هذه القضايا التي تدعو إلى الفرقة والخلاف هي من صنع الدول العظمى والشياطين الكبار . وهي تريد إثارة الفرقة بين الشعوب والأفراد ونحن نرى بأن الإسلام يؤكد على الأخوة { إنما المؤمنون إخوة } فكل قضايا المؤمنين المتمثلة في الأخوة والمساواة قد جاء بها القرآن الكريم “
( مجلة الثقافة الإسلامية . العدد 45 . ص10 ) .

ومن مصداقية الإمام الخميني في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية : أن أحد العلماء المجاهدين في إحدى المدن التي يقطنها الشيعة والسنة في إيران ، بعث برسالة إلى الإمام ذكر فيها أن أهل السنة عمدوا إلى بناء حوزة علمية فيها ، وطلب من الإمام الموافقة على بناء مدرسة علمية إلى الشيعة ، ولم تكن هناك حاجة ملحة لبناء المدرسة ، وإنما الدافع هو الضدية لأهـل السنة .. وعندما عرضت الرسالة على الإمام أجاب بلهجة صارمة : ” لا ينبغي العمل بالضدية مع الأخوة السنة ، كلا هـذا الدليل ليس كافيـا لأن يكون عندنا مدرسة علمية .. بسبب أنهم يملكون هم مدرسة ” ( في ظلال الشمس . ترجمة عز الدين . ص 99 ) .

وكان الإمام الخميني قد دعا إلى مسيرة الوحدة في المدينة المنورة في مواسم الحج ، وأفتى بالصلاة حلف أمامي الحرمين الشريفين .

ولشدة إيمان الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) وصدقـه في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ، فقد تضمن دستور الجمهورية الإسلامية النص عليها في المادتين : الحادية عشر والثانية عشر من الفصل الأول .. وهذا نصهما :

المادية الحادية عشر : بحكم الآية الكريمة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } يعتبر المسلمون أمة واحدة ، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها ، وان تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي .

المادة الثانية عشر : الديـن الرسمي لإيـران هـو الإسلام والمذهب الجعفري ألاثني عشري ، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير .

وأما المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل ، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم ، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية ( الزواج والطلاق والإرث والوصية ) وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم .

وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية ، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة ـ في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية ـ تكون وفق ذلك المذهب ، هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى .

الجدير بالذكر : أن الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) يدعو إلى وحدة الدين وليس وحدة المذهب . فهو لا يدعو إلا إلغاء المذاهب والذوبان في مذهب واحد لكي تتوحد الأمة الإسلامية .. فهذه الدعوة غير منطقية وغير ممكنة التحقق الآن في ظل الغيبة. وإنما يدعو إلى الالتزام بوحدة الأمة الإسلامية على ما تقدم من الأسس ، مع بقاء أصحاب كل مذهب على مذهبهم . ولهذا نجد الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) رغم دعوته إلى الوحدة الإسلامية ، فإنـه شديـد التمسك بمذهـب أهـل البيت ( عليهم السلام ) والدعوة إلى إتباعه ، باعتباره فرض من الله ( جل جلاله ) أنزله في الكتاب ، وبلغ بـه الرسول العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

القضية الثالثة ـ الصراع الثقافي مع الاستعمار : يضع الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) الثقافة على رأس كافة الأمور في الشأن العام .. ويرى : بأن الإصلاح إنما يمر عبر الثقافة .. وبه يبدأ . وأن ورقة عبور الاستعمار وأعداء الدين إلى الأمة الإسلامية هي الثقافة ، وبالثقافة يجب أن يبدأ الإصلاح ومكافحة الاستعمار وأعداء الدين . ويتعجب الإمام ( قدس سره الشريف ) من الحركات الثورية التي تهتم بالتحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي من الاستعمار .. وتتجاهل التبعية الفكرية . بل تسعى لحمل الثقافة الغربية والترويج إليها واستخدام مفاهيمها وأدواتها وأساليبها ومناهجها في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي وسائر شؤون الحياة في البلاد الإسلامية ، على حساب الثقافة الإسلامية ومفاهيمها وأدواتها وأساليبها ومناهجها ، ويعيش القائمون عليها الوعي من خـلال الوعي الأجنبي الغربي أو الشرقي ، ويفكرون من خلال فكره وأدواته ومناهجه الفكرية والسياسية ، فيعيشون بذلك حالة فصام الوعي ، ويفشلون في كسب الجماهير وتحريكهم بقوة في قضايا التحرير وبناء النهضة الوطنية والقومية .

إن الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) يرى ببصيرته الثاقبة : أن الشعوب الإسلامية ما لم تحصل على الاستقلال الفكري ، لن يمكنها الحصول على الاستقلال في الأبعاد الأخرى . ولهذا فهو يعتبر التحرر من التبعية الثقافية المهمة الأهم والأصعب للتيار الإسلامي في النهضة الإسلامية والاستقلال .

يقول الإمام الخميني : ” إن أكبر التبعيات هي تبعية الشعوب المستضعفة الفكرية للقوى الكبرى وللمستكبرين ، وإن جميع التبعيات تنبثق من هذه التبعية الفكرية ”
( الراصد . العدد العشرون حزيران 1992 . ص 84 ـ 85 ) .

وقال : ” اعتمدوا على الفكر الإسلامي ، وحاربوا الغرب والتغريب ، وقفوا على أقدامكم ، واحملوا على المثقفين الموالين للغرب والشرق ” ( نفس المصدر ) .

وعلى هذا الأساس الواضح المتين : طرح الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) فكرة لا شرقية ولا غربية ، باعتبار أن المسلمين أمة مستقلة ، لها عقيدتها ونظامها الرائد ومنهجها وسلوكها في الحياة . وكان ذلك من ركائز أصالة تفكير الإمام وقوته ، الأمر الذي خلق انجذابا وحبا منقطع النظير نحو الإمام من كافة المسلمين ، وخلق لدى أتباعه والسائرين على منهجه العظيم ، الشعور بالعزة والكرامة والثقة بالنفس ، والقدرة على التحدي والوقوف في وجه الأعداء مهما كانت كثرتهم وقوتهم .

ثالثا ـ السمات الأساسية لخطاب الإمام الخميني : يتمتع خطاب الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) بمجموعة خصائص جعلت منه خطابا متميزا .. منها :

الخاصية الأولى ـ التركيز والمتابعة : فخطاب الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) لا يخضع للظروف والصدفة ، وإنما هو خطاب مدروس في مضامينه وظروفه ، ومخطط له بدقة كبيرة . فلدى الإمام الخميني محاور أساسية ذات أولوية ، يركز عليها في الخطاب بصورة مستمرة ، ويتابع الحديث عنها في مختلف المناسبات .. مثل : أهمية الدين والقيم المعنوية ودورهما في الحياة على ضوء عقيدة التوحيد ، والحكومة الإسلامية ، والقضية الفلسطينية ، والوحدة الإسلامية ، والاستقلال ، ومناهضة الظلم والاستكبار لصالح المستضعفين في الأرض .. الخ .

الخاصية الثانية ـ الصدق والشفافية : يمتاز خطاب الإمام الخميني ( قدس سـره الشريف ) بالصدق في تبيان الحقائـق وإعلانها إلى النـاس ، ويلتـزم بالشفافية مع الجماهير والأتباع .. ويرى أن الجماهير : تمثل أهم شريحة محترمة لمعرفة الحقائق . فالإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) لا يعد بما لا يفعل ، ولا يعمي الحقائق على الناس ، ولا يلجأ إلى التدليس والمراوغة مع الجماهير .. كما يفعل أصحاب المصالح وأتباع المناهج المادية . لأن هدفه مرضاة الله ( تبارك وتعالى ) وخدمة مصالح العباد ، وهذا يتطلب الصدق والشفافية مع الناس ، وليس التدليس وتعمية الحقائق عليهم .

الخاصية الثالثة ـ الوضوح : يمتاز الخطاب الجماهيري للإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) باستخدام لغة واضحة المفردات ، يسيرة في الاستيعاب والفهم ، بعيدة عن تعقيدات الألفاظ ، ويأتي بصورة مباشرة لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل .. لأن الهدف منه : نشر الوعي ، وتحديد الموقف ، والتحشيد الجماهيري نحوه ، وذلـك لخدمة الأهداف والقضايا الإسلامية والوطنية . وقـد أثار الوضوح في الخطاب الجماهيري للإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) استغراب الكثير من المطلعين على كتبـه الفكريـة التي يستخدم فيها لغة علمية حرفية ، حيث لـم يكونوا يتوقعون أن صاحب ذلـك القلـم العلمي المحترف ، يستطيع أن يخاطب الجماهير بلغة واضحة يفهمونها على اختلاف مستوياتهم الفكرية والعلمية .. وبالأسلوب الذي يتأثرون به ويتجاوبون معه .

الخاصية الرابعة ـ الثبات : يمثل خطاب الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) كتلة واحدة في المضمون الفكري والتوجهات العملية ، حيث تتطابق فيه البدايات مع النهايات . فلا تضيع فيه الثوابت ، ولا يغيب عنه التوازن والتكامل بين كافة الملفات والقضايا الحيوية والساخنة في الساحة الوطنية والدولية ، ولا يقع في مطبات الصعود والهبوط والتأرجح على غير بصيرة ، ولا الاهتزاز بين القوة والضعف بدون مرجح ، ولا يقع في إشكالية التناقض ( بحسب اختلاف المواقع ومتطلبات المجاملة ) التي من شأنها أن تغير في المضمون أو تضعف من الموقف أو تخدم قضايا أو مزاعم باطلة ، لأنه خطاب إسلامي مبدئي مبني على رؤية واضحة ، وصلابة في المواقف ، ووظيفته تحطيم حواجز الخوف للسير قدما في خطى الثورة وبناء الدولة ومواجهة التحديات والصعوبات التي تواجههما . وقد عرف عن الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) أنه حينما يتخذ قرارا لا يتنازل عنه ما دام يعلم أنه الحق .. مع السلطة أو غيرها . والهدف هو : خدمة القضايا التي تتعلق بالمشروع الإسلامي بإخلاص ، وتجسيده تجسيدا حيا على أرض الواقع .

الخاصية الخامسة ـ المصداقية : يمتاز خطاب الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) بالمصداقية ، حيث ينظر إلى المشروع الإسلامي على أنه مشروع قيادي حي متحرك على الأرض ، والخطاب الإسلامي يعبر عنه في صورته الواقعية الحية ، ويسعى لتجسيده على أرض الواقع والحياة . فالخطاب الإسلامي لدى الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) ليس خطابا ترفيا وجد للاستهلاك الإعلامي أو اللعب بالسياسة ، وإنما هو خطاب موجود من أجل العمل وتشكيل الخطوات العملية لإنجاز المشروع الإسلامي وتجسيده في الحياة على أرض الواقع . فالخطاب لدى الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) يعبر عن المشروع الإسلامي الشامل ، ويرسم معالمه بوضوح ، ويحدد المواقف التي تصب في خدمة أهدافه العملية ، ويؤسس لها فكريا وسياسيا واجتماعيا وأخلاقيا ، ويحشد إليها المؤيدين والأتباع ، ويدافع عنها ويحميها من التشويه أو الانتقاص .. وهكذا كان .

الخاصية السادسة ـ حسن التوقيت :ٍ يمتاز خطاب الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) بحسن التوقيت في طرح الموضوعات والقضايا . فهو من المتابعين الممتازين للأحداث الوطنية والإقليمية والدولية ، ومتحسس لكل طارئ ، ومتربص لاقتناص الفرص ، من أجل خدمة أهدافه الإسلامية العظيمة . فيصدر البيانات التي توضح الرؤية والموقف ويخطب في الأوقات المناسبة بدون تردد ، حيث لا يدخل الخوف إلى قلبه ، ولا تأخذه في الله ( جل جلاله ) لومة لائم .
السلام على الخميني العظيم : يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيا .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.