فهرس خطب الجمعة عام 2003

خطبة الجمعة بتاريخ 17-01-2003

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 17 يناير 2003 م

الخطبة الدينية : عاقبة التوكل والثبات على الحق والمبادئ – رؤية قرآنية
الخطبة السياسية : التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

الحمد لله رب العالمين, اللهم صلي على محمد وأهل بيته الطيبين, وأصحابه المنتجبين, ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين. السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أمير المؤمنين, السلام عليك يا فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين, السلام على خديجة الكبرى, السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين, السلام على جميع الأوصياء مصابيح الدجى, وأعلام الهدى, ومنار التقى, والعروة الوثقى, والحبل المتين, والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء, السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء, السلام على شهداء الانتفاضة, السلام عليكم أيها الأحبة, أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) آل عمران- الجزء الرابع

الآيتان الشريفتان المباركتان من سورة آل عمران ، تبينان لنا مسألتين هامتين ، ينبغي أن تتعرف عليهما الشعوب المكافحة ، وهي تطالب بحقوقها المشروعة في الحياة ، والمسألتان هما :

المسألة الأولى : التوكل على الله جل جلاله والثبات على الحق والمبادئ .

المسألة الثانية : عاقبة التوكل على الله والثبات على الحق والمبادئ .

الأجواء التي نزلت فيها الآيتان :

قبل أن أدخل في بحث مضامين هاتين الآيتين الشريفتين المباركتين ، أبدأ بتوضيح الأجواء التي نزلت فيها الآيتين الشريفتين المباركتين ، والتي تتصل بأسباب نزولهما :

كبح العدوان :

بعد أن انتهت معركة أحد ، في يوم السبت ، الموافق : 5 / شوال / 3 هـ ، انصرفت قريش بقيادة أبي سفيان راجعة إلى مكة المكرمة ، فلما وصلوا إلى منطقة ” الروحاء ” ، تباحثوا في شأن معركة أحد ، وشعروا بالندم لأنهم لم يتموا مهمتهم ، وضيعوا فرصتهم الكبيرة للقضاء على المسلمين ، فقد كانت الفرصة متاحة لهم لتحقيق ذلك حسب تقديرهم ، ولكنهم ضيعوا الفرصة . ورأوا بأنهم إذا لم يتداركوا الأمر ، ويعودوا إلى المدينة للقضاء على المسلمين في ذلك الوقت ، الذي يعيش فيه المسلمون آثار الهزيمة العظيمة ، فإن المسلمين سوف يعودون إلى تجميع قواهم ، وإعادة ترتيب صفوفهم ، ويعيدون الكرة على المشركين ، فقرروا الرجوع لاستكمال المهمة ، وهي القضاء النهائي على المسلمين ، ووصل الخبر للرسول الأعظم (ص) ، فقرر بدوره أن يُريَ المشركين من نفسه وأصحابه قوة ترهبهم ، وتردعهم عن مهاجمة المسلمين ، فدعا أصحابه للخروج في طلب المشركين ، وقال : لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس ( يعني أحد ) وخص الجرحى والمصابين ، حيث أمرهم أن ينضموا إلى الجيش . وأعاد تنظيم جيشه على عجل ، وخرج بهم في يوم الأحد الموافق : 16 / شوال / 3 هـ ، وساروا حتى وصلوا منطقة ( حمراء الأسد ) على بعد ثمانية أميال من المدينة المنورة ، وعسكروا هناك ينتظرون رجوع جيش المشركين . وكان أصحاب الرسول الأعظم (ص) مثخنون بالجراح ، حتى كان بعضهم يحمل بعضا لشدة الجراح بهم ، ولكنهم استجابوا لله جل لجلاله ورسوله (ص) ، ابتغاء مرضاة الله جل جلاله ، وطمعا في ثوابه ، وليظهروا ثباتهم في الدفاع عن دينهم وحقوقهم في الحياة ، والتضحية من أجل ذلك بكل ثمن ، حتى لو كان الثمن حياتهم جميعا .

ونجحت خطة الرسول الأعظم (ص) المحكمة ، حيث سمعت قريش بتجمع المسلمين من جديد ، فدب الخوف في قلوبهم ، وأصابهم الرعب ، وتذكروا أيام الله عليهم مثل يوم بدر ، فأقفلوا راجعين بسرعة إلى مكة للنجاة بأنفسهم الذليلة ، وبقي الرسول الأعظم (ص) وأصحابه لمدة ثلاثة أيام في ( حمراء الأسد ) ، ينتظرون عودة المشركين ، فلما لم يرجعوا ، علموا بأنهم ذهبوا إلى مكة المكرمة ، فأقفل المسلمون راجعين إلى المدينة ، وهم يشعرون بالعزة والقوة والمنعة ، ووصلوا المدينة في يوم الجمعة ، الموافق : 21 / شوال / 3 هـ بعد أن غابوا عنها لمدة خمسة أيام ، في هذه الغزوة المباركة ، وكانت هذه الأيام الخمسة ، رغما قلتها ، أياما حاسمة أو فاصلة في تاريخ وضع المسلمين ومصيرهم .

الدروس المستفادة :

قبل أن انتقل إلى البحث في مضامين ومطالب الآيتين الشريفتين المباركتين ، أذكِّر بالدروس الأربعة التالية التي نستفيدها ، من ذكر هذه الأجواء المباركة الغنية بالعبر والدروس .

الدرس الأول : أن الرسول الأعظم (ص) أراد ألا يجعل الشعور بالهزيمة ، هو آخر ما تنضوي عليه جوانح المسلمين ومشاعرهم ، لأن ذلك هو الخطوة الأولى في طريق الانهيار ، فحرَّك فيهم الشعور بالقوة الإيمانية لمواجهة الأعداء ، ونجح في ذلك ، وشعر المسلمون بقوتهم في ظل الرسالة المحمدية العظيمة ، وقربهم من الله جل جلاله ، وقيادة الرسول الأعظم (ص) إليهم .. القيادة الحكيمة . وهذا ما يبرز لنا أهمية الإيمان بالقضية والمنهج والقيادة في الشعور بالقوة ، وبالتالي النجاح في تحقيق الأهداف .

الدرس الثاني : أراد الرسول الأعظم (ص) أن يحرم المشركين من شعورهم بلذة وطعم النصر ، ويشعرهم بالضعف أمام إصرار وتفاني المسلمين ، في الدفاع عن دينهم وحقوقهم في الحياة ، لأن الأعداء متى ما شعروا بقوتهم ، وضعف المسلمين وأصحاب الحق في الدفاع عن حقوقهم ، فإنهم لن يترددوا في مهاجمتهم والتضييق عليهم ، وانتقاص حقوقهم في الحياة . وهذا ما تشهد به التجارب المعاصرة ، والتجارب التاريخية .

انظروا كيف تتعامل أمريكا ، ويتعامل الصهاينة مع العرب والمسلمين !! انظروا كيف تتعامل أمريكا مع العرب والعراق بشأن سلاح التدمير الشامل !! وكيف تتعامل مع كوريا الشمالية بشأن نفس الموضوع !! لتعلموا حقيقة ما ذكرت لكم قبل قليل ، ولتعلموا بأن الذي يردع الأعداء عن غيهم وظلمهم الناس بغير الحق ، إنما هو التصميم على استرجاع الحقوق وتثبيتها بالمواقف المبدئية الصلبة ، وليس بالتنازل عنها والتسامح بشأنها ، فإن ذلك يدفع الأعداء إلى المزيد من الظلم والطغيان ، وليس التراجع عنه .

الدرس الثالث : أن الصراع مع الأعداء ليس مجرد معركة ، تنتهي وينتهي الأمر ، وإنما هي حرب مستمرة ، يجب أن نكون مستعدين لخوض غمارها على الدوام ، وأن نأخذ زمام المبادرة فيها ، وألا نترك للعدو فرصة التفكير في مهاجمتنا ، لشعوره بضعفنا وقوته علينا ، فإن ذلك من شأنه أن يضعفنا حقيقة ويقضي علينا ، وليس فقط يقضي على حقوقنا ومكتسباتنا الشرعية .

الدرس الرابع : أن ضعفاء الإيمان ، وأصحاب النفوس المهزومة المرعوبة ، لا يستطيعون أن يحققوا نصرا أو يشاركوا فيه ، وإنما يظهر هؤلاء في وقت الرخاء ، ليسلقوا المؤمنين بألسنة حداد ، ويشغلوا أنفسهم بجمع الغنائم والتسابق عليها ، فإذا ظهر الجد ولوُّا مدبرين إلى جحورهم . وهؤلاء هم الذين يسببون الهزائم والتراجع للمؤمنين والشرفاء في قضاياهم الحيوية والمصيرية ، ويُطمِّعُونَ الأعداء فيهم ، فيجب أن نكون منهم على حذر ، ولا نعول على آرائهم ومواقفهم في الساعات والأوضاع الصعبة التي تمر بها الساحة .

المسألة الأولى : التوكل على الله جل جلاله ، والثبات على المبادئ . وفيها منطقان ، وهما :

المنطق الأول : منطق المثبطين من المنافقين ، وضعفاء الإيمان والنفوس .

قوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ )

الذين : اسم موصول للجمع المذكر العاقل ، والمراد بهم هنا في الآية الشريفة المباركة ، هم : الرسول الأعظم (ص) وأصحابه المنتجبون الذين خرجوا معه لملاقاة المشركين في ( حمراء الأسد ) .

قال لهم الناس : المراد بالناس هنا في الآية الشريفة المباركة ، هم : المثبطون من المنافقين ، وضعفاء الإيمان والنفوس ، المهزومين نفسيا والموجودين في صفوف المسلمين .

إن الناس قد جمعوا لكم : المراد بالناس هنا في الآية الشريفة المباركة ، هم : الأعداء من قريش ، الذين تجمعوا في منطقة ( الروحاء ) بقيادة أبي سفيان .

قد جمعوا لكم : الجمع يعني : لمُّ الأشياء المتفرقة ، وضم بعضها إلى بعض . والعبارة في الآية الشريفة المباركة ، لها معنيان ، هما :

المعنى الأول : أن قريش قد جمعت رأيها ، وصممت على قتال المسلمين .

المعنى الثاني : أن قريش قد جمعت الرجال والعتاد ، وحشدت لقتال المسلمين .

فاخشوهم : الخشية تعني الخوف الذي يشوبه التعظيم ، أي الرهبة من الشيء لعظمته ، وليس مجرد الخوف العادي .

واللفظ في الآية الشريفة المباركة ، يدل على عدة أمور ، وهي :

الأمر الأول : جمع المشركين رأيهم وتصميمهم على قتال المسلمين .

الأمر الثاني : جمع المشركين العدد الكبير من الرجال والعتاد الضخم لقتال المسلمين .

الأمر الثالث : قلة عدد المسلمين ، وقلة عتادهم .

الأمر الرابع – وهو النتيجة : حسب منطق هؤلاء المثبطين ، وحساباتهم المادية للموازين ، أن يخاف المسلمون ويتراجعوا عن خوض المعركة ضد المشركين ، لأنهم غير قادرين على مواجهتهم ، ولا ينبغي أو لا يجوز لهم أن يواجهوا المشركين في هذه الحالة ، لأنهم مغلوبين ومنهزمين لا محالة ، وأن المطلوب منهم ، أو عليهم أن يستسلموا ويقبلوا بالتسويات التي يفرضها العدو حسب شروطه ، وإن أدى ذلك إلى العيش الذليل تحت قهر الأعداء ، وسلب حقوقهم الأساسية في الحياة ، أو الانتقاص المضر منها .

منطق المثبطين :

هذه الآية الشريفة المباركة ، تكشف لنا عن منطق المثبطين من المنافقين وضعفاء الإيمان والمنهزمين نفسيا ، الموجودين في صفوف المؤمنين . هؤلاء المثبطون قالوا للرسول الأعظم (ص) وأصحابه الذين خرجوا معه : كيف تخرجون لملاقاة الأعداء ، وأنتم قلة مثخنون بالجراح ، ولا تملكون ما يكفيكم من العتاد والسلاح ، وهم ( يعني الأعداء ) : كثيرو العدد والعتاد ؟! فمنطق هؤلاء المثبطين : أن جمع الأعداء يلزم عنه الخوف والتراجع من قبل المسلمين ، حفاظا على أنفسهم من القتل أو الأسر أو التعذيب والتنكيل بهم !! .

ولو كانوا في زماننا هذا ، لسمعناهم يقولون : انظروا إلى هؤلاء المتطرفين ، بدلا من الاعتراف بهزيمتهم والقبول بالأمر الواقع ، يوغلون في الخطأ ، ويخرجون بجراحاتهم لمواجهة عدوهم !! ماذا سيفعل هؤلاء الجرحى المهزومين بالأمس .. وهم أصحاء في مواجهة العدو الصلب العنيد ، قريش .. وما أدراك ما قريش ؟!! ولسمعنا المصطلحات المثيرة تصك أسماعنا ، من قبيل : متطرفون ، طوباويون ، مثاليون ، لا يؤمنون بالسياسة والأمر الواقع ، … إلخ فهذا هو منطق المثبطين والمهزومين في كل زمان ومكان ، لا فرق بينهم إلا في الألفاظ والعبارات !! أما جوهر الموقف والدور فواحد بينهم في كل زمان ومكان !!

ونستفيد من الآية الشريفة المباركة الدروس التالية :

الدرس الأول : أن للأعداء عيون وأعوان في صفوف المؤمنين والشرفاء ، يقومون بدور التثبيط وإضعاف عزام المؤمنين والشرفاء في مواجهة الأعداء .

الدرس الثاني : أن ضعفاء الإيمان وأصحاب النفوس المهزومة ، وفاقدي الوعي والبصيرة ، الموجودين في صفوف المؤمنين ، يكونون عونا للأعداء على المؤمنين بإرادتهم أو بدون إرادتهم بمواقفهم تلك ، وأن المطلوب منهم أن يعرفوا هذه الحقيقة ، وأن يعالجوا أنفسهم ، لكي لا يكونوا سببا لضعف المؤمنين ، وفشلهم في تحقيق أهدافهم المشروعة في الحياة .

الدرس الثالث : أن المثبطين من المنافقين وضعفاء الإيمان والنفوس ، لا يمنعهم قوة الموقف وحذاقة القائد ، من ممارسة دورهم التخريبي في التثبيط ، فهم يمارسون دورهم ذاك ، حتى لو كان على رأس الموقف والجماعة ، رجل عظيم مثل الرسول الأعظم (ص) ، لأنهم لا يمارسون دورهم على أساس واقعي عقلائي ، وإنما على أساس نفسي ومصلحي ذاتي .

والخلاصة من الدروس الثلاثة : أن على المؤمنين أن يحذروا من المثبطين ، أعوان الأعداء المندسين في صفوفهم ، ومن المثبطين ضعفاء الإيمان والنفوس الموجودين بينهم ، وأن يتعرفوا على حقيقة آراء ومواقف الصنفين منهم ، ولا ينخدعوا بهم . وعلى ضعفاء الإيمان والنفوس الموجودين بين المؤمنين أن يعالجوا أنفسهم ، وأن يتوقفوا عن الدور التخريبي الذي يمارسونه بوعي أو بدون وعي ، على أن نميز بين هؤلاء ، وبين المؤمنين الواعين الصادقين في إيمانهم ، والذين يحملون أو لديهم رأي آخر ، يجب علينا أن نحترمه ونناقشه في ضوء المعايير العلمية الموضوعية .

المنطق الثاني : منطق المؤمنين المتوكلين على الله جل جلاله .

قوله تعالى : (فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ) .

لفظ ” فَزَادَهُمْ ” له معنيان محتملان ، وهما :

المعنى الأول : أن قول المثبطين من المنافقين وضعفاء الإيمان والنفوس ، زاد المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم .

المعنى الثاني : أن تصميم المشركين على حرب المسلمين ، وحشدهم الرجال والعتاد لقتالهم ، زاد المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم .

ولفظ ” ( إِيمَاناً ) ” له عدة معاني ، أذكر منها :

المعنى الأول : زادهم إيمانا بالله وثقة بوعده لهم بالنصر والثواب بالجنة .

المعنى الثاني : زادهم إيمانا بصحة وسلامة منهجهم ، وعدالة قضيتهم في الحياة .

المعنى الثالث : زادهم إيمانا بأن الأعداء لن يتركوهم .. وأن النصر الموعود لن يتحقق إلا بالمواجهة مع الأعداء .

وخلصوا إلى النتيجة التالية : ضرورة مواصلة الطريق ، وعدم الخوف أو التراجع ، حتى يرتدع العدو وييأس منهم ، وتتحقق أهدافهم السامية المشروعة في الحياة ، وفق منهجهم الشرعي الصحيح ، الذي اختاروا السير على هديه لتحقيق أهدافهم ، وإلا ما كان ينبغي لهم أن يبدءوا السير على هذا الطريق أصلا .

قال تعالى : ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ … ) الأنفال- الجزء التاسع

قوله تعالى : ( وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .

حسبنا الله : بمعنى كافينا الله تعالى بحوله وقوته ، وحامينا من عدونا ، ومن كل سوء .

ونعم الوكيل : نعم : فعل غير متصرف لإنشاء المدح والثناء .

الوكيل : له عدة معاني :

المعنى الأول : الكفيل الذي يدبر الأمر .

المعنى الثاني : الناصر والمعين .

المعنى الثالث : من أسماء الله الحسنى ، بمعنى القائم بتدبير خلقه .

هذا هو منطق المؤمنين الصادقين في إيمانهم ، ومواقفهم التي تنسجم مع إيمانهم الصادق .

قال رسول الله (ص) : والذي نفسي بيده ، لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد .. وقال رجل من بني عبدالأشهل : شهدت وأخي أحدا مع رسول الله (ص) وجرحنا ، ولما أذن مؤذن الرسول (ص) بالخروج في طلب العدو ، خرجنا مع الرسول (ص) ، وكنت أيسر جرحا من أخي ، فكان إذا تأخر حملته !!

هذا هو منطق المؤمنين الصادقين في إيمانهم ، الذين لا يخافون في سبيل دينهم ، والحصول على حقوقهم الأساسية ، لا يخافون القتل أو الأسر أو التعذيب والتنكيل بهم ، وإنما يبذلون النفس والنفيس ، ويوطئون النفس على تحمل المشاق في سبيل ذلك ، في مقابل منطق المثبطين من المنافقين ، وضعفاء الإيمان والنفوس ، المنهزمين أمام التحديات التي تواجههم في قضاياهم الحيوية والمصيرية !!

وقد خرج مع الرسول الأعظم (ص) وأصحابه المنتجبين في جيش مهيب ، وكلهم يقول : حسبنا الله ونعم الوكيل !! وقيل : كانت هي الكلمة التي قالها نبي الله إبراهيم (ع) ، حين ألقي في النار !!

لم يلتفت أولئك المؤمنون الصادقون في إيمانهم ودينهم إلى أقوال المثبطين ، من المنافقين وضعفاء الإيمان والنفوس ، وثبتوا على مواقفهم المبدئية الصادقة في الدفاع عن دينهم وحقوقهم الأساسية في الحياة ، وأظهروا حميَّة الحق والإيمان والكرامة الإنسانية ، وأخلصوا نياتهم لله رب العالمين .

وللآية الشريفة المباركة دلالتان أساسيتان ، وهما :

الدلالة الأولى : أن المؤمنين الصادقين في إيمانهم ، يفوضون تصريف أمورهم وأقدارهم إلى الله جل جلاله رب العالمين ، بعد أن يوفروا الأسباب الطبيعية الواجب عليهم توفيرها . فهم يوفرون الأسباب الطبيعية أولا ، ثم يتركون الباقي إلى الله جل جلاله ، ويقبلون بقضائه وقدره عليهم كان أو إليهم ، ويسلموا إليه تسليما .

الدلالة الثانية : أن المؤمنين الصادقين ، يثقون في إنجاز الله جل جلاله ، وتحقيق وعده للمؤمنين ، والوعيد للكافرين .

قال الله تعالى : ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً … ) الطلاق- الجزء الثامن والعشرون

فالتوكل على الله جل جلاله ، لابد أن يؤتي ثماره الحسنة في الدنيا والآخرة .. إن شاء الله تعالى .

قوله تعالى : (فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .

لهذه الآية الشريفة المباركة عدة دلالات ، أذكر منها :

الدلالة الأولى : أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن التعامل مع التجارب الصعبة في الحياة على طريق الإيمان ، تزيد الإيمان وتقويه .

الدلالة الثانية : أن الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة به ، تؤدي إلى الشعور بالقوة والأمان والثبات في المواقف كلها ، وتقوي الإرادة عند الإنسان المؤمن وتؤدي إلى التغلب على عوامل الضعف عنده ، مثل الخوف والحزن والطيش .. إلخ ، من خلال الشعور بالانتماء أو الارتباط بالله القوي العزيز القادر على كل شيء ، والثقة أو الاطمئنان إلى وعده بالنصر والثواب الأخروي .

الدلالة الثالثة : أن التعامل مع التجارب الصعبة من خلال الإيمان ، وما يترتب عليه من الثبات ، يؤدي إلى تطوير الواقع ، وتعزيز المكتسبات وزيادتها ، والربط بين صورة الواقع وحقيقته ، وبين المبادئ الحقة أو الصحيحة في الحياة مما يجعل الواقع متطورا وسليما ونافعا للإنسان في دنياه وآخرته .

الدلالة الرابعة : كلما كبرت تحديات الأعداء ، للمؤمنين والشرفاء في جهة من الجهات ، كلما كان ذلك دليلا على قوة وخطورة تلك الجهة على الأعداء ، مما يشعر المؤمنين بضرورة مواصلة الفعل في تلك المنطقة ، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة وعي المؤمنين وبصيرتهم بواقعهم ، وزيادة الوتيرة في الفعل والحركة ، حتى تتحقق الأهداف المشروعة .

الدلالة الخامسة : أن ردات الفعل العنيفة من الأعداء ، بأساليب عدوانية ضد الممارسات الصحيحة في أي جهة من الجهات ، في الوقت الذي تدل على خطورة تلك الجهة على الأعداء ، فإنها تكشف أيضا عن ضعف الأعداء وخوفهم ، وفقدانهم للتوازن ، وحيرتهم في التصرف أو التعامل في تلك الجهة مما يشعر المؤمنين بضرورة مواصلة الفعل في تلك المنطقة أيضا .

الدلالة السادسة : في الحالات التي تعكس التحدي في المواطن الحيوية والمصيرية ، فإن المطلوب هو المزيد من التصعيد ، وليس الخوف أو التراجع ، فإن من شأن التراجع ، أن يؤدي إلى السقوط الذريع في الموقف والحالة العامة ، بينما الثبات يؤدي إلى تعزيز الواقع الصحيح ، ويتقدم به إلى الأمام ، وهذا ما ينسجم مع إيمان المؤمنين الصادقين في إيمانهم . وينبغي التنبيه هنا : إلى أن اتخاذ المواقف في المواطن أو القضايا الحيوية أو المصيرية تحت تأثير الخوف ، سوف يؤدي إلى التساهل في كل القضايا الحيوية والمصيرية ، وبالتالي سقوط الواقع كله ، في الحالات الإيمانية والحقوقية والسياسية ، وهذا ما نبهت إلى خطورته في أكثر من مناسبة .

والدروس التي نستفيدها من الآية الشريفة المباركة ، هي :

الدرس الأول : أن الإنسان كلما كان أكثر إيمانا بقضاياه ، كلما كان أكثر وعيا وبصيرة وثباتا من أجلها .

الدرس الثاني : أنه كلما تزاحم الأعداء على المؤمنين في قضاياهم العادلة ، كلما زادهم ذلك وعيا وإيمانا وثباتا من أجلها ، وأن المصائب والمحن لا تضعف من عزيمتهم ، وإنما تزيدهم قوة إلى قوتهم .

المسألة الثانية : عاقبة الثبات على الحق والمبادئ .

قوله تعالى : ( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ )

النعمة : ما أعطي الإنسان من رزق وسلامة .. وغيرهما من الخير .

الفضل : له معنيان ، وهما :

المعنى الأول : الإحسان بلا علة .

المعنى الثاني : الزيادة في النعمة .

وقيل في الفرق بين النعمة والفضل : أن النعمة يكون الأجر فيها أو النفع بقدر الاستحقاق ، أما الفضل فيكون الأجر فيه أو النفع زائد على قدر الاستحقاق .

السوء : الضرر والآفات والشر والقبح .. إلخ .

معنى الآية : خرج الرسول الأعظم (ص) وأصحابه المنتجبين ، رضوان الله تعالى عليهم ، في تلك الصورة الإيمانية الجهادية المهيبة ، متوكلين على الله جل جلاله ، إلى ” حمراء الأسد ” ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، فكان جزاؤهم من الله الرحيم بعباده المؤمنين .. والناصر لهم ، وهو القائل : ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) أن قذف الرعب في قلوب أعدائهم ، فعادوا إلى مكة : مسرعين .. خائفين .. مرعوبين .. خاسرين ، ورجع الرسول الأعظم (ص) وأصحابه الميامين ، إلى المدينة : أقوياء .. أعزاء .. آمنين .. منتصرين ، محملَّين بنعم عظيمة .. وكثيرة ، من الله ذو الفضل العظيم .

وكانت تلك النعم .. كالتالي :

النعمة الأولى : التوفيق إلى طاعة الله جل جلاله ورسوله (ص) .

النعمة الثانية : الثبات على الإيمان ، والزيادة فيه .

النعمة الثالثة : السلامة والعافية في الجسم والمال والدنيا .

النعمة الرابعة : إرهاب العدو وكبح عدوانيته ، وعدوانه عن المسلمين .

النعمة الخامسة : الذكر الطيب والثناء الجميل عند الله وعند الناس .

النعمة السادسة : تسجيل هذه النعمة في اللوح المحفوظ والذكر الحكيم الخالد وهو القرآن الكريم .

النعمة السابعة : قيل كانت معهم تجارات ، فباعوها وأصابوا ربحا كثيرا .

قوله تعالى : ( بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ ) فيه دلالة على تفخيم وتعظيم النعمة والفضل ، فالتنوين في لفظ النعمة يدل على تفخيم النعمة ، وقوله تعالى ( مِّنَ اللّهِ ) دليل آخر على تفخيم النعمة وتعظيمها ، لكونها من الله جل جلاله ، والتنكير في لفظ الفضل يدل على التفخيم والتعظيم للفضل أيضا .

الخلاصة : أن المؤمنين الصادقين في إيمانهم ، الثابتين على دينهم ومبادئهم ، الذين خرجوا مع نبيهم ، من أجل نصرة دينهم ، قد عادوا إلى ديارهم محملين : بنعم عظيمة على قدر نيتهم وعملهم ، وبفضل عظيم زائد على ما يستحقونه ، تفضلا من عند الله جل جلاله وكرما !!

ونستفيد من الآية الشريفة المباركة الدرس التالي ، وهو :

أن المواقف المبدئية للإنسان تؤدي الوظائف التالية :

الوظيفة الأولى : أنها أشد وطأة على الأعداء .

الوظيفة الثانية : أنها أنجح في معالجة الوضع الفاسد ، وتحقيق الأهداف المشروعة .

الوظيفة الثالثة : أنها أقرب إلى طريق السلامة في الدين والدنيا معا .

قوله تعالى : (وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) .

وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ: فيما يأمرهم به وينهاهم عنه من المواقف في كل الحالات والمواطن .

وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ: فيما أعطاهم من قوة الموقف ، من خلال قوة الإيمان ، حيث أفاض عليهم القوة الروحانية ، التي أدت إلى قوة الموقف ، الذي هو سبب وعلة كل النعم التي ذكرناها وعددناها فيما سبق من الحديث .

وفي هذه الآية ، تحسير لمن تخلف أو يتخلف عن المواقف المبدئية الحقة والصائبة اتجاه الحق والحقوق والمصالح العامة للمسلمين ، وتغليبهم لمصالحهم الخاصة على حساب الحقوق والمصالح العامة ، مما يؤدي إلى حرمانهم مما فاز به المؤمنون في الدنيا والآخرة !!

وفي الآية الشريفة المباركة دلالتان أساسيتان ومهمتان ، وهما :

الدلالة الأولى : أن الفضل العظيم ناتج أو تابع لرضوان الله تعالى .

الدلالة الثانية : أن كل من يتبع رضوان الله تعالى في المواقف العامة ، والقضايا الحيوية والمصيرية للمسلمين ، فإنه يحصل على ذلك الفضل العظيم ، من عند الله الكريم جل جلاله ، لأن ذلك يمثل سنة جارية باقية ما بقي الزمن ، وليس خاصا بأصحاب رسول الله (ص) .

كانت هذه وقفة فيها الكثير من التفاصيل ، حول مضامين ومطالب الآية الشريفة المباركة ، وما بقي .. وما خفي فيها أكثر !!

الخطاب السياسي

يدور هذا الأسبوع حول الوجود العسكري الضخم في المنطقة ، والتهديد بالضربة العسكرية للعراق الشقيق .

بعد ظهر هذا اليوم ، وفي الساعة الواحدة والنصف ، سوف تخرج مسيرة لمناصرة الشعب العراقي ، تنظمها اللجنة الشعبية لمناصرة الشعب العراقي ، وتشارك فيها مؤسسات المجتمعي الأهلي ، ورموز وطنية وإسلامية . وفي نفس هذا اليوم ، سوف تخرج مسيرات في أنحاء كثيرة من دول العالم ، وسوف تخرج غدا مسيرات في أكثر من ستين دولة ، بما فيهم أمريكا ودول أوروبا للغرض نفسه !! ولكن الذي عندنا هنا في المنطقة هو أكبر من مجرد رفض الضربة العسكرية للعراق .. إنه أكبر وأهم من مجرد رفض الضربة العسكرية للعراق !! وسوف أوضح الموضوع أو المسألة في نقطتين :

النقطة الأولى : إن الوجود العسكري الأمريكي الضخم جدا ، وهو حشد للقوات لم يسبق لم مثيل ، ليس الهدف منه هو الضغط على النظام العراقي ، للكشف عن أسلحة الدمار الشامل ، وتجريده منها .. إنه أكبر من ذلك وأهم !!

لو افترضنا أن النظام في العراق كشف عن أسلحته للدمار الشامل ، ووافق على تدميرها أو تجريده منها !! هل ستنسحب القوات الأمريكية من المنطقة ؟! الجواب : طبعا .. لا .

هنا ينبغي أن نلتفت أولا : إلى أن المرجعية للحكم على خلُوِّ العراق من أسلحة الدمار الشامل ، ليست هي تقارير فرق التفتيش ، وإنما المعلومات الاستخباراتية السرية ، وهنا المشكلة !! إذ كيف يستطيع العراق أن يتحقق من أنه قد لبي ما هو موجود في التقارير السرية ؟!

مثل : لو شهر عليك رجل شرير السلاح ، وقال لك : في رأسي فكرة ، أو في رأسي كلمة !! إما أن تخبرني بها وإلا قتلتك !! في هذه الحالة أمامك ثلاث مشكلات :

المشكلة الأولى : صعوبة معرفة الكلمة أو الفكرة التي في رأس الرجل الشرير الذي يشهر السلاح عليك ، ويهدد حياتك .

المشكلة الثانية : لو افترضنا أنك حزرت الكلمة أو الفكرة ، كيف تستطيع أن تتحقق من أنها الكلمة أو الفكرة التي هي في رأسه ؟!!

المشكلة الثالثة : حالة القلق والارتباك التي تعتريك ، وتضعف قدرتك على التفكير والعمل ..

ومن هذا نستنتج أن هناك نية مبيتة وقرار متخذ سلفا ، وأن مسألة أسلحة الدمار الشامل ، ومسالة حقوق الإنسان ، والنظام الديكتاتوري في العراق ، ما هي إلا حصان طروادة !!

ولكن نفترض جدلا : بأن العراق كشف عن أسلحته للدمار الشامل ، ووافق على تدميرها أو تجريده منها ، وأنه استطاع أن يخترق قلب المخابرات الأمريكية ، ويلبي كل ما في صدرها !! هل ستنسحب القوات الأمريكية من المنطقة ؟!! طبعا : لا ، وإنما ستدخل العراق وتحتله بالكامل ..

وبالتالي : فإن الذي نفهمه من الوجود العسكري الأمريكي الضخم في المنطقة على صعيد المسألة العراقية أو القضية العراقية ، ليس هو نزع سلاح الدمار الشامل من العراق ، وإنما الدخول إلى العراق واحتلاله .. ومع الإبقاء على هذا الهدف الاستراتيجي للإدارة الأمريكية ، فإنها تضع أمام النظام العراقي ، والحكومات العربية ودول المنطقة ، تضع أمامهم خيارين:

الخيار الأول : استسلام النظام العراقي ، ودخول أمريكا إلى العراق بدون حرب .

الخيار الثاني : أن يقرر النظام العراقي المواجهة ، فتدمر أمريكا العراق ، وتدخله وتحتله لسنوات لا يعلم نهايتها إلا الله جل جلاله .

والخلاصة : أن الذي تسمعونه من الخيارات السلمية لحل الأزمة ، إنما هو القبول بالخيار الأول ، أي أن يستسلم العراق ، وتدخله أمريكا بدون قتال !! فالاحتلال قادم لا محالة ، ولكن .. هل الاحتلال مع تدمير العراق أو بدونه !!

وبالتالي فالذي نطالب به : ليس فقط عدم ضرب العراق عسكريا ، وإنما عدم احتلاله .. نحن نطالب بعدم احتلال العراق ، وليس فقط عدم توجيه ضربة عسكرية إلى العراق .. نحن نرفض توجيه ضربة للعراق ، ونرفض احتلال العراق .

النقطة الثانية : إن حجم الوجود العسكري الأمريكي الضخم جدا .. جدا ، والذي لم يسبق له مثيل ، والحديث اليوم عن (350 ألف جندي ) في هذه المرحلة ، وملايين الجنود في المراحل الاحقة ، هذا الحجم الضخم جدا من الجنود والمعدات ، أكبر من توجيه ضربة للعراق واحتلاله ، وأكبر من عمل محدود في وقت قصير ، فهذا الوجود العسكري الأمريكي الضخم جدا ، هو للسيطرة على المنطقة بالكامل ، ولزمن طويل جدا ، لا يعلم نهايته إلا الله جل جلاله !!

وبالتالي : فإن هذا الوجود العسكري الأمريكي الضخم جدا ، والذي لم يسبق له مثيل ، يمثل تهديدا جديا لأمن واستقرار المنطقة ، ويمثل تهديدا جديا لاستقلال المنطقة وسيادتها ، ويمثل تهديدا جديا لإنسان المنطقة ودينه وهويته وثقافته ، أي أنه يمثل تهديدا جديا لدين المنطقة وهويتها الدينية والثقافية والاجتماعية ، ويمثل تهديدا جديا لثروات وخيرات المنطقة .

إن أمريكا لن تقف عند حدود العراق الشقيق ، وإنما سوف تهدد دول المنطقة قاطبة ، للسيطرة الكاملة على المنطقة ، وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف أمريكية شيطانية ، وهي :

الهدف الأول : توظيف الموقع الجغرافي الاستراتيجي لخدمة أهدافها الاستعمارية التوسعية في العالم ، وأمريكا لا تقيم أي وزن لإنسان المنطقة والعالم ، وإنما تهمها مصالحها فحسب ، في ظل فلسفتها البرجماتية .

الهدف الثاني : السيطرة على ثروات العراق , لاسيما الثروة النفطية .

الهدف الثالث : حماية الكيان الصهيوني في الوقت الذي بدأ يترنح ، تحت ضربات المجاهدين الفلسطينيين ، وأصبح مهددا بالغرق في بحر غضب الشعوب العربية والإسلامية .

إن أمريكا بعد أن تفرغ من العراق ، سوف تتوجه لضرب أنظمة عربية وإسلامية !! سوف تتوجه لضرب المملكة العربية السعودية الشقيقة ، ولضرب مصر وإيران وسوريا ولبنان .. والبقية تأتي !!

ولنفترض أن النظام العراقي ، استسلم للتهديدات الأمريكية ، فهل سوف تستلم باقي الأنظمة العربية والإسلامية ؟!

ولنفترض أن الأنظمة جميعها استسلمت للتهديدات الأمريكية !! فهل سوف تستلم الشعوب للتهديدات الأمريكية ؟! الجواب : بالطبع .. لا .

الخلاصة : أن التواجد العسكري الأمريكي الضخم في المنطقة ، يهدف إلى احتلال المنطقة قاطبة ، وتهديد دينها واستقلالها وثرواتها وهويتها الدينية والثقافية ، وتوظيفها لخدمة أهدافه وتطلعاته الاستعمارية في العالم ، وللسيطرة على ثروات المنطقة ، وحماية الكيان الصهيوني ، ونحن من منطلق إسلامي وقومي ووطني ، نطالب بانسحاب جميع هذه القوات من المنطقة ، وأن تترك لأبنائها تقرير مصيرها ، ونطالب الحكومات العربية والإسلامية : أن تتعامل جديا مع هذا التواجد العسكري الأمريكي الضخم ، الذي لم يسبق لم مثيل في المنطقة ، وأن تسمو في مواقفها فوق المصالح الخاصة ، وأن تتحمل مسئولياتها الدينية والتاريخية والقومية والوطنية في التعامل بواقعية مع هذه القضية . وأن لا تجامل أو تضعف في التعامل مع هذه القضية الخطرة جدا .. جدا ، على حاضر ومستقبل المنطقة وشعوبها ، ودينها وتاريخها ، وثقافتها وثرواتها .

إن تساهل حكومات المنطقة مع تواجد القوات الأمريكية بهذه الضخامة في المنطقة , يحملهم مسؤلية عملية تسهيل الإحتلال الأمريكي للمنطقة , وعملية تسهيل ضرب مناطق أخرى من العالم بهدف السيطرة عليها , ضمن السياسة الأمريكية لفرض نفوذها على العالم , تنطلق في كل ذلك من المنطقة !!

إن لأمريكا أهدافا استعمارية شيطانية ، يرفضها الضمير الإنساني العالمي ، وقد بدأ في التعبير عن رفضه لها ، فويل للعالم من أهداف وتطلعات أمريكا وبوش الاستعمارية الشيطانية ، وويل لأمريكا وبوش من محكمة التاريخ والضمير الإنساني العالمي .

أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 14/ ذو القعدة /1423هـ – الموافق 17 / 1 / 2003 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.