فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 13-12-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 13 ديسمبر 2002 م

الخطبة الدينية : الموقف من الظلم والظالمين – رؤية قرآنية
الخطبة السياسية : المحاسبة القانونية للمسؤلين عن التعذيب

( فإذا علم الجلادون والمسؤلون السياسيون والأمنيون أن هناك مراقبة ومحاسبة وثم عقاب، فسوف يحاسبون في قراراتهم وممارساتهم وتصرفاتهم، وبذلك تنغلق أبواب العودة إلى الماض )
( فالإصلاح لا يمكن أن يبطل حقوق الناس أو يمنع أصحاب الحق من الحصول على حقوقهم )
( حينما يطالب الضحايا بالمحاسبة القانونية للجلادين، فإن الدافع لذلك هو المصلحة الوطنية وليس للانتقام أو التشفي )
( فدستور 73 (المادة 40) تعطي لعظمة الملك الحق في العفو العام أو الخاص عن العقوبات، ولكنها لا تعطيه الحق في العفو عن الجلادين )
( فمن حق الضحايا أن يقتصوا من الجلادين وأن يستوفوا حقوقهم منهم )

( أن كل تشريع أو قانون، يسعى أو يعمل على الإحالة بين المظلوم والاقتصاص من الظالم، فهو تشريع أو قانون باطل )
( فالمرسوم بقانون ( 56 لعام 2002) قانون باطل )
( المظلوم حينما يقص من الظلم فليس عليه ذنب أو لوم أو عقوبة، وإنما ذلك كله على الظالم بما كسبت يمينه )
( بغي البغاة في الأرض بغير الحق مرة يكون عن طريق التشريعات المخالفة للتشريع الإلهي، ومرة يكون عن طريق السيطرة والهيمنة على الناس بغير الحق، وسلب الناس حقوقهم أو انتقاصها منهم، ومرة يكون عن طريق خلق الأوضاع الفاسدة والآثمة والظالمة، وغير ذلك من الطرق، فهناك أكثر من سبيل للبغي في الأرض )
( أن الذي يغري الظالمين ويشجعهم على الظلم هو سكوت المظلومين وظهورهم بمظهر المسكنة والضعف أمام الظالم، ولو علم كل ظالم بأن المظلوم لن يسكت عنه، وانه سوف يجابهه حتى ينتصر عليه، ويأخذ حقه منه، لما تجرأ ظالم على ظلم )
( الله جل جلاله وصف نفسه في كتابه المجيد” بالقوي المتين، والعزيز الجبار المتكبر “، والإنسان المؤمن يجب أن تتجلى فيه هذه الصفات، والمجتمع المؤمن يجب أن تتجلى فيه هذه الصفات )
( فعلى المظلوم أن يأخذ بحقه، وإذا لم يكن قادرا على أن يأخذ حقه بنفسه، فعليه أن يطلب العون والنصرة من إخوانه، وعليهم أن يستجيبوا له، والاستجابة لدعوة المظلوم أو نصرة المظلوم واجبة على كل إنسان مؤمن، وعلى كل إنسان ذو ضمير حي يبغي أو يريد الإصلاح )
( العفو في الحقوق العامة يؤدي للفساد، بل لا أحد يمتلك الحق أن يعفو عفوا عاما نيابة عن الناس، فالناس لهم حقوق وصاحب الحق هو الذي يجب أن يعفو لا أن يعفو غيره نيابة عنه وبغير رضاه )
( فإذا كان العفو يؤدي لتشجيع الظالم على ظلمه فهو مرفوض، لأن العفو المطلوب هو العفو الذي يؤدي إلى إصلاح الظالم وتوبته إلى الله عز وجل، وعدم الرجوع إلى ظلم الناس مرة أخرى )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين. السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام فاطمة الزهراء، سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على جميع الأوصياء مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء، والسلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

مسألة بارزة وخطيرة جدا في المجتمعات الإنسانية:

قال الله تعالى: ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ 41 إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ 42 وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

الآيات الثلاث الشريفة المباركة من سورة الشورى، تعالج مسألة بارزة وخطيرة جدا في المجتمعات الإنسانية، وهي مسألة الظلم، والآيات توضح كيف ينبغي التعامل معها.

أم الرذائل:

الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وصف الظلم بأنه أم الرذائل، ووصفه أيضا بأنه أكبر المعاصي .

والله جل جلاله قال في كتابه المجيد: ( إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )، وأوضح بأن الظلم طريق الهلاك، وطريق البوار لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ) – سورة يونس 13. وقوله تعالى: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) – سورة النمل 52

وفي الحديث عن أمير المؤمنين (ع): (من ركب الظلم أدركه البوار)، وقال ( ع ): (من جار أهلكه جوره ). وفي الحديث عن رسول الله (ص) إنه قال: (ليس شيء أدعى لتغير نعمة الله، وتعجيل نقمته، من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد ).

الظلم والانتصار:

قوله تعالى: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ).

للانتصار في الآية معنيان، هما:

المعنى الأول: أن يأخذ المظلوم حقه من الظالم.

المعنى الثاني: أن يطلب المظلوم النصرة من الناس على الظالم.

والظلم في الآية (بعد ظلمه) له لثلاثة معان، وهي:

المعنى الأول: وضع الشيء في غير موضعه.

المعنى الثاني: الميل عن الحق والعدل.

المعنى الثالث: سلب أو اغتصاب الناس حقوقهم أو انتقاصها منهم.

ليس عليهم ذنب أو لوم ، أو عقوبة:

(فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ): السبيل بمعنى الطريق، وقوله تعالى: ( مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) بمعنى ليس عليهم ذنب أو لوم ، أو عقوبة .

هذه الآية الشريفة المباركة لها أربع دلالات رئيسية:

الدلالة الأولى: أنه من حق المظلوم أن يقتص من الظالم وأن يأخذ حقه منه.

الدلالة الثانية: أن المظلوم حينما يقتص من الظالم ويأخذ حقه منه، فليس عليه ذنب أو ذم أو عقوبة.

الدلالة الثالثة: أنه ليس لأحد الحق أن يمنع المظلوم من أن يقتص من الظالم ويأخذ حقه منه.

الدلالة الرابعة: أن كل تشريع أو قانون، يسعى أو يعمل على الإحالة بين المظلوم والاقتصاص من الظالم، فهو تشريع أو قانون باطل.

السبيل على الظالمين:

قوله تعالى: ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ).

قوله تعالى: ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ )، أي أن كل الذنب واللوم والعقاب على الذين يظلمون الناس بما عملوا، فالمظلوم حينما يقص من الظلم فليس عليه ذنب أو لوم أو عقوبة، وإنما ذلك كله على الظالم بما كسبت يمينه.

طرق الظالمين:

قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ)- الظلم قد يتحقق بأكثر من طريق.

الطريق الأول: إيجاد المشاريع وخلق الأوضاع الظالمة كالتميز والتخويف والقمع والإرهاب.

الطريق الثاني: وضع التشريعات والقوانين الظالمة التي تسلب أو تغتصب أو تنتقص من الناس حقوقهم الثابتة والعادلة.

الطريق الثالث: الأقوال والأفعال الظالمة، مثل الكذب أو التشويش عليهم، والاتهام بغير حق، أو السجن بغير ذنب.

البغــي..

قوله تعالى: (وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ).

معنى البغي في الأصل، هو الجد والمثابرة والتصميم، ثم أطلق على معاني أخرى، أهمها، ما يلي:

المعنى الأول: التكبر والتجبر والفساد.

المعنى الثاني: اغتصاب أو سلب من الناس حقوقهم، أو انتقاصها منهم.

المعنى الثالث: تجاوز حدود الخالق، وحقوقه الثابتة على الناس.

وقيل في الفرق بين الظلم والبغي أن الظلم مفهوم خاص والبغي مفهوم شامل، فالبغي يشمل كل تجاوز غير مطلوب للحدود والحقوق، سواء كانت للخالق أو للمخلوقين.

قوله تعالى- (وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ):

طرق البغي..

بغي البغاة في الأرض بغير الحق مرة يكون عن طريق التشريعات المخالفة للتشريع الإلهي، ومرة يكون عن طريق السيطرة والهيمنة على الناس بغير الحق، وسلب الناس حقوقهم أو انتقاصها منهم، ومرة يكون عن طريق خلق الأوضاع الفاسدة الآثمة والظالمة، وغير ذلك من الطرق، فهناك أكثر من سبيل للبغي في الأرض.

تحريض .. وتهديد:

قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) هذه الآية الشريفة المباركة لها دلالتان أساسيتان، هما:

الدلالة الأولى: في الآية تحريض للمظلومين على مقاومة الظلم ومجابهة الظالمين.

الدلالة الثانية: أن الآية فيها تهديد للظالمين للانتقام الإلهي منهم في الدنيا والآخرة.

لماذا التحريض والتهديد ؟

والسؤال: لماذا التحريض على مقاومة الظلم ومجابهة الظالمين ، ولماذا التهديد للانتقام الإلهي من الظالمين ؟

الجـواب: ذلك التحريض والتهديد لعدة أسباب:

الظلم رذيلــة..

السبب الأول: أن الظلم رذيلة بل هو أم الرذائل كما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع): (الظلم أم الرذائل)، والظلم منشأ كل فساد ومنشأ التخلف، وهلاك الأمم والأفراد.

السكوت رذيلـة..

السبب الثاني: أن السكوت على الظلم رذيلة أيضا، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله ( ص ) بأن عامل الظلم، والمعين على الظلم، والراضي بالظلم شركاء ثلاثة.

لو علم كل ظالم..

السبب الثالث: أن الذي يغري الظالمين ويشجعهم على الظلم هو سكوت المظلومين وظهورهم بمظهر المسكنة والضعف أمام الظالم، ولو علم كل ظالم بأن المظلوم لن يسكت عنه، وانه سوف يجابهه حتى ينتصر عليه، ويأخذ حقه منه، لما تجرأ ظالم على ظلم. فالذي يجرأ الظالمين على الظلم هو سكوت المظلومين وظهورهم بمظهر المسكنة والضعف أمام الظالم.

التجلــي..

السبب الرابع والأخير: أن ظهور المؤمن بمظهر الضعف والمسكنة أمام الظالم مظهر يناقض أو يخالف ما ينبغي أن يكون عليه حال الإنسان المؤمن، فأحوال المؤمنين، صفاتهم، ومواقف المؤمنين، هي شكل من أشكال التجليات الإلهية للناس. فالمؤمن يتخلق بأخلاق الله، والمجتمع المسلم يسعى لتجسيد صفات الله على أرض الواقع، مما يبرز التجلي الإلهي للناس في أحوال المؤمنين وصفاتهم ومواقفهم.

الله جل جلاله وصف نفسه في كتابه المجيد” بالقوي المتين، والعزيز الجبار المتكبر “، والإنسان المؤمن يجب أن تتجلى فيه هذه الصفات، والمجتمع المؤمن يجب أن تتجلى فيه هذه الصفات…

قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) المنافقون- الجزء الثامن والعشرون الآية 8، وفي الحديث الشريف: (أن الله عز وجل فوض للمؤمن أموره كلها ولم يفوض له أن يذل نفسه)، وفي حديث آخر: (المؤمن أقوى من الجبال، فالجبال يستفل منها بالمعاول – وفي رواية يستقل منها بالمعاول- والمؤمن لا يستفل – أو يستقل – من دينه شيء ).

من عزم الأمـور:

قوله تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى- الجزء الخامس والعشرون الآية 43.

الصبر على الأذى، وضبط النفس، وعدم السماح للقوة الغضبية في النفس أو الهوى، بالانفلات والتحكم، وأيضا العفو عن الظالم حينما يكون العفو مستحسنا ومطلوبا، فإن الصبر والعفو عن الظالم من عزم الأمور.

والعزم يأتي بعدة معاني، منها:

المعنى الأول: بمعنى الجد والمثابرة والتصميم.

المعنى الثاني: بمعنى الإرادة القوية الفلاذية الواعية.

وحينما نقول عن أمر ما أنه من عزم الأمور فهذا يعني عدة أمور:

الأمر الأول: أن هذا الأمر ( والذي هو من عزم الأمور ) هو أمر مستحسن في نفسه.

الأمر الثاني: أن هذا الأمر يرضاه الله لعباده وأنه ثابت في شرع الله وغير قابل للنسخ.

الأمر الثالث: ويعني أيضا أن هذا الأمر ينبغي للناس أن يصمموا ويجدوا ويثابروا من أجل تحصيله.

الأمر الرابع: ويعني أيضا أن هذا الأمر من الأمور الصعبة التي تحتاج للصبر والثبات.

خمس دلالات..

قوله تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) هذه الآية لهل عدة دلالات:

الدلالة الأولى: أن الآية تمنع المظلوم في حالة الاقتصاص من أن يتجاوز حقه فيظلم فقط يقف عند حقه فيأخذه ،ولا يتعداه في الاقتصاص .

الدلالة الثانية: الآية تمنع الإنسان المؤمن من أن يكون دافعه للاقتصاص هو الحقد والتشفي.

الدلالة الثالثة: أن الآية تدعو الإنسان المؤمن للسمو الفكري والروحي والأخلاقي وتأمره بضبط النفس.

الدلالة الرابعة: أن يكون الهدف من الاقتصاص وأيضا الهدف من العفو هو الإصلاح والمحافظة على المصالح العامة والخاصة.

بين خيارين..

الدلالة الخامسة والأخيرة: أن الآية تضع المظلوم بين خيارين ، خيار الانتصار ، أو الاقتصاص من الظالم وأخذ الحق منه، وبين خيار العفو، على أن العفو هنا ليس ملزم وإنما هو راجح ومن الفضائل، ولكن أيضا بشروط:

من موقع القوة..

الشرط الأول: ألا يكون العفو من موقع الضعف، وإنما ينبغي أن يكون من موقع القوة، فعلى المظلوم أن يأخذ بحقه، وإذا لم يكن قادرا على أن يأخذ حقه بنفسه، فعليه أن يطلب العون والنصرة من إخوانه، وعليهم أن يستجيبوا له، والاستجابة لدعوة المظلوم أو نصرة المظلوم واجبة على كل إنسان مؤمن، وعلى كل إنسان ذو ضمير حي يبغي أو يريد الإصلاح، فينبغي أن يكون المظلوم أولا في موقع قوة، وعلى المؤمنين المطالبين أن يكونوا في موقع قوة وأن لا يعفو من موقع الضعف، لأن العفو من موقع الضعف يؤدي للفساد و ويشجع الظالم على ظلمه.

يؤدي للفســاد..

الشرط الثاني: أن يكون العفو في الحالات الفردية ولا يكون في الحقوق العامة، لأن العفو في الحقوق العامة يؤدي للفساد، بل لا أحد يمتلك الحق أن يعفو عفوا عاما نيابة عن الناس، فالناس لهم حقوق وصاحب الحق هو الذي يجب أن يعفو لا أن يعفو غيره نيابة عنه وبغير رضاه. فلا يمتلك أحد أن يعفو نيابة عن كل الناس أو عن كل المظلومين وبغير أذنهم أو رضاهم، مع التأكيد على أن العفو في الظلم العام، يؤدي للمفسدة ويخل بتوازن المجتمع، ولهذا فهو مرفوض، لأن الهدف من العفو هو الإصلاح.

إصلاح الظالـم..

الشرط الثالث: أن لا يشجع العفو الظالم على ظلمه، وإنما يكون العفو طريق إلى إصلاحه، فإذا كان العفو يؤدي لتشجيع الظالم على ظلمه فهو مرفوض، لأن العفو المطلوب هو العفو الذي يؤدي إلى إصلاح الظالم وتوبته إلى الله عز وجل، وعدم الرجوع إلى ظلم الناس مرة أخرى.

لا يضر بمصلحة..

الشرط الرابع والأخير: أن لا يضر العفو بمصلحة الدين والمجتمع أو مصلحة الدين ومصلحة الناس، فكل عفو يضر بمصالح الدين والناس فهو عفو مرفوض.

الخطاب السياسي

المحاسبة القانونية..

بعد هذه الوقفة القصيرة مع الآيات الشريفة المباركة، وفي ضوء اضاءات هذه الوقفة، نأتي لمعرفة الرأي والموقف من المطالبة الحالية بالمحاسبة القانونية للمسئولين عن التعذيب وانتهاكات حقوق الناس في البحرين في الحقبة السابقة، وأوجزها في نقاط:

حق للضحايا..

النقطة الأولى: أن هذه المطالبة حق للضحايا، فمن حق الضحايا أن يقتصوا من الجلادين وأن يستوفوا حقوقهم منهم.

ليس لأحد الحـق..

النقطة الثانية: بأنه ليس لأحد الحق أن يمنع الضحايا من الاقتصاص من الجلادين، وأخذ حقوقهم منهم، فدستور 73 (المادة 40) تعطي لعظمة الملك الحق في العفو العام أو الخاص عن العقوبات، ولكنها لا تعطيه الحق في العفو عن الجلادين.

قانون باطـل..

النقطة الثالثة: أن المرسوم ( بقانون 56 )لعام 2002 قانون باطل، وذلك للأسباب التالية:

السبب الأول: لأن المرسوم لا يخدم المصلحة الوطنية، كما أوضحت الآيات ذلك.

السبب الثاني: لأنه يخالف دستور البحرين.

السبب الثالث: لأنه يخالف المواثيق الدولية.

السبب الرابع: لأنه يخالف الشرائع السماوية.

المصلحة وليس الانتقام..

النقطة الرابعة والأخيرة: حينما يطالب الضحايا بالمحاسبة القانونية للجلادين، فإن الدافع لذلك هو المصلحة الوطنية وليس للانتقام أو التشفي، فطبيعة أهل البحرين الطيبة، والسمو الفكري والروحي والأخلاقي لأهل البحرين، لا يدفعهم إلى الانتقام والتشفي، وبالتالي فإن الدافع هو المصلحة الوطنية، ولهذه المطالبة هدفين أساسيين، هما:

إعطاء المصداقية..

الهدف الأول: إعطاء المصداقية للحركة الإصلاحية، فالإصلاح لا يمكن أن يبطل حقوق الناس أو يمنع أصحاب الحق من الحصول على حقوقهم، وثانيا: الإصلاح لا يمكن أن يساوي بين الجلاد والضحية.

غلق أبواب العودة..

الهدف الثاني: انه من خلال المحاسبة القانونية للجلادين نريد أن نغلق أبواب العودة إلى الماضي، فإذا علم الجلادون والمسئولون السياسيون والأمنيون أن هناك مراقبة ومحاسبة وثم عقاب، فسوف يحاسبون في قراراتهم وممارساتهم وتصرفاتهم، وبذلك تنغلق أبواب العودة إلى الماضي. أما مع الإهمال وعدم المحاسبة، فسوف لن ينوجد بينهم وبين العودة إلى الماضي أي جدار أو مانع، وسوف يتشجعون إلى العودة للماضي، متى رغبوا في ذلك وحفزتهم الأوضاع عليه، ولن يجدوا هناك مانع يمنعهم من العودة إلى الماضي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 9 شوال 1423 هـ الموافق 13 / 12 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.