محاضرات وندوات عام 2004

كلمة الأستاذ في مولد الإمام القائم عجل الله فرجه الشريف

كلمة الأستاذ في مولد الإمام القائم عجل الله فرجه الشريف

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
العنوان : قبسات من الانتظار .
المناسبة : مولد الإمام القائم ( عجل ) .
المكان ( 1 ) : قرية سند – مسجد الغدير .
اليوم : مساء الأحد – ليلة الأنين .
التاريخ : 12 / شعبان / 1425 هـ .
الموافق : 26 / سبتمبر – أيلول / 2004 م .
المكان ( 2 ) : سترة ( القرية ) – مأتم الإصلاح .
اليوم : مساء الخميس – ليلة الجمعة .
التاريخ : 16 / شعبان / 1425 هـ .
الموافق : 30 / سبتمبر – أيلول / 2004 م .
ملاحظة : ألقيت خلاصة الكلمة في المكانيين المذكورين .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صلى على النبي المصطفى محمد وهل بيته الطيبين الطاهرين .
اللهم أرحمنا بحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة .. يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة …
أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته ..

في البداية : أرفع أسمى التهاني إلى المقام المعظم للرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلى مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإلى مقام سيدة نساء العالمين .. أم الأئمة : فاطمة الزهراء عليها السلام ، وإلى مقامات الأئمة من أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .. وإليكم ، بمناسبة الذكرى السنوية للمولد السعيد لإمامنا ومولانا وسيدنا وشفيعنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) ، جعلنا الله الكريم برحمته من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته .. والمستشهدين بين يديه وتحت لوائه .

أيها الأحبة الأعزاء : يدور حديثنا في هذه الليلة الشريفة المباركة حول الانتظار ، والانتظار موضوع متعدد الأبعاد .. عميق الأغوار ، لا يقف على أبعاده ويسبر أغواره .. إلا القليل من الأوحدين ، وقد اخترت للحديث في هذه الليلة – حسب بضاعتي المتواضعة جدا – ثلاثة محاور رئيسية من بين محاور عديدة يمكن أن يشملها الحديث ، لنأخذ منها قبسات من نار وقبسات من نور الانتظار.

والهدف أن ننزل الحديث عن الانتظار بمنزلة الحديث عن التكليف والواقع .

المحور الأول : يدور الحديث فيه حول الحتمية التاريخية والدور الرباني في الانتظار .
المحور الثاني : يدور الحديث فيه حول القائد المنتظر ( عجل ) .
المحور الثالث : يدور الحديث فيه حول الأمة ودورها في الانتظار .

المحور الأول – الحتمية التاريخية والدور الرباني في الانتظار ..

من ثوابت الانتظار البارزة : الحتمية التاريخية السعيدة التي تنتهي إليها المسيرة البشرية .

قول الله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } ( التوبة : 33 – الصف : 9 ) .

وقول الله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا } ( الفتح : 28 ) .

في هاتين الآيتين : إرشاد قرآني إلى وجود حتمية تاريخية سعيدة تنتهي إليها المسيرة البشرية ، ينتصر فيها الهدى على الضلال ، والخير على الشر ، والحق على الباطل ، والعدل على الظلم ، ويعم الهدى والحق والخير والعدل العالم أجمع ، ويطهر من جراثيم الظلم والطغيان والشرك .. وغيرها من الجراثيم الخبيثة .

هذه الحتمية التاريخية في الرؤية القرآنية : تختلف جوهريا عن الحتمية التاريخية في الرؤية الماركسية ، التي تقوم على البعد الاقتصادي ( وسائل الإنتاج .. والعلاقات الإنتاجية ) وصراع الطبقات ( منطق الديالكتيك ) وتنتهي إلى الشيوعية العالمية .

عناصر الحتمية التاريخية في الرؤية القرآنية : تؤكد الرؤية القرآنية للحتمية التاريخية على أربعة عناصر سوف نتبينها من خلال الآيتين الشريفتين المذكورتين ..

العنصر الأول – الإرادة الربانية الحكيمة : ويدل عليها الضمير { هو } في صدر الآيتين ، وجملة { أرسل رسوله } ، وجملة { ليظهره } فيهما ، وأكدت عليه أكثر .. جملة : { وكفى بالله شهيدا } من سور الفتح .

وفي سبيل إدراك ما تقوم به الإرادة الربانية من دور في التحولات التاريخية نأخذ هذا المثال ..

ظهور الإسلام في جزيرة العرب كان حتمية تاريخية أرادتها السماء وخططت لحدوثها في المكان المعين والزمن المعين ووفرت لها شروط الانطلاق والنجاح ، ولم تكن وليدة تطورات طبيعية .. كما هو واضح بالتحليل المنطقي لمعطيات الأوضاع آنذاك ..

وهكذا سوف يكون ظهور القائم من آل الرسول ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) وأعتذر عن الدخول في التفاصيل لعدم اتساع الوقت .

العنصر الثاني – القائد المؤهل بصورة كاملة : كل نهضة تاريخية تحتاج إلى قائد مقتدر ومؤهل ، وأن الحتمية التاريخية السعيدة في نهاية المسيرة البشرية تحتاج إلى مثل هذا القائد العظيم ، شأنها في ذلك شأن كل نهضة عالمية وتحول في التاريخ . وتدل علي هذا المطلب جملة { أرسل رسوله } في الآيتين الشريفتين ، وسوف نبحث صفات هذا القائد في المحور الثاني من هذا الحديث .. إن شاء الله تعالى .

العنصر الثالث – وجود الأطروحة والكتاب : التحولات الاجتماعية والتاريخية الكبيرة في المسيرة البشرية يجب أن تكون لها مرجعيتها الفكرية والثقافية .. ولا يمكن أن تحدث بدونها . وتدل علي هذا المطلب .. جملة : { بالهدى ودين الحق } في الآيتين الشريفتين المباركتين .

العنصر الرابع – الصراع والتدافع بين القوى : في كل تحول تاريخي يجب أن تتهيأ الظروف المناسبة على الأرض لقبوله ، وفي هذا يبرز الصراع بين القوى المتضادة على الأرض المعبرة عن إرادة الإنسان كشرط موضوعي لتقرير منحنى التحول في التاريخ .. ونفاذ الإرادة الربانية .

فالرب جل جلاله .. هو الخالق للأحداث التاريخية ، شأنها في ذلك شأن الأحداث الكونية ، إلا أنه تنبغي الإشارة هنا إلى نقطتين رئيسيتين .. وهما :

النقطة الأولى : أن المسيرة التاريخية للإنسان محكومة بسنن ثابتة وضعتها الإرادة الربانية ، وأن فعل وتقدير الإرادة الربانية للمسيرة التاريخية يجري في الحالات الاعتيادية من خلالها .

النقطة الثانية : أن الإرادة الربانية لا تلغي الإرادة الإنسانية – كما سيوضح بعد قليل – وأن التدخل الرباني لصالح الإنسان في المسيرة التاريخية له شروط وضوابط وضعتها الإرادة الربانية نفسها ، وأن الإنسان قادر على توفيرها ليحصل على العون والمدد الإلهي لصالحه . كما أن التدخل الرباني قد يكون عكسيا كما أهلك قوم عاد وثمود .

وفي سبيل إيضاح فكرة الصراع بين القوى أكثر .. إليكم هذا المثال ..

الرسالة السماوية المحمدية العظيمة ، جاءت بإرادة ربانية قد هيأت الظروف لانطلاقتها ونجاحها ، إلا أنها لم تقضي على جذور الشر والنفاق في الأمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – حسب القواعد التي سبق بيانها وتوضيحها – فتفاعلت تلك القوى ونمت في الأمة حتى سيطرت ، ولا يزال الصراع قائما بينها وبين قوى الحق والخير والعدل ، حتى تتهيأ الظروف لتحول تاريخي جديد ، وأن التحول التاريخي الأخير ، سوف يقضي على القوى الشريرة بحيث لا تتمكن من الظهور مرة أخرى .

وتدل علي هذا المطلب جملة { ليظهره على الدين كله } في الآيتين ، وجملة { ولو كره المشركون } من سورة الفتح .

والخلاصة : أن التحولات التاريخية ليست تحولات صماء ، وإنما تلعب فيها الإرادة الإنسانية والتدخلات الربانية دورا جوهريا .

المقارنة بين الأطروحة القرآنية والأطروحة الماركسية ..

في البداية ينبغي أن نعترف بفضل الأطروحة الماركسية في قولها الجريء بالحتمية التاريخية وتأكيدها على وجود سنن ثابتة تحكم التحولات التاريخية والاجتماعية في المسيرة البشرية ، ونأخذ عليها الكفر بالله تعالى وتجاهل دوره في الكون والمسيرة التاريخية للإنسان ، واعتمادها على عامل واحد في تفسير التاريخ .. وهو العامل الاقتصادي ، وإلغائها لإرادة الإنسان ودوره في التحولات التاريخية والاجتماعية – كما سيوضح أكثر بعد قليل .

وهذه مقارنة مختصرة بين الأطروحتين في نقاط ..

النقطة الأولى : الأطروحة القرآنية تعطي دورا محوريا للإرادة الربانية الحكيمة .. دون أن تلغي دور السنن التاريخية وإرادة الإنسان – كما سبق توضيحه – بينما تكفر الماركسية بالله تعالى ولا تعطيه أي دور في التحولات الاجتماعية والتطورات التاريخية .

النقطة الثانية : تعتمد الأطروحة الماركسية على عامل واحد في تفسير التاريخ .. وهو العامل الاقتصادي ، بينما تعتمد الأطروحة القرآنية على عوامل عديدة .. كما هو واضح من الحديث عن العناصر الأربعة .

النقطة الثالثة : أن الأطروحة الماركسية تلغي الإرادة الإنسانية في التحولات الاجتماعية والتطورات التاريخية في المسيرة البشرية ، فالقوانين التي تحكم المسيرة التاريخية .. لا تتأثر بإرادة الإنسان أبدا ، وأن حركة التطور التاريخية ماضية في طي مراحلها من الإقطاع إلى الرأسمالية إلى الاشتراكية إلى الشيوعية العالمية .. غير عابئة بإرادة الإنسان ، بل إن إرادة الإنسان نفسها وليدة عوامل اقتصادية في المشهور من الرؤية الماركسية .

بينما تؤكد الأطروحة الإسلامية على أن إرادة الإنسان هي صاحبة القرار في التحول الاجتماعي والتاريخي ، فالإنسان يتحرك بإرادة حرة واعية ، تؤثر فيها الثقافة والجغرافيا والتاريخ والدين والسياسة .. الخ ، وهو بعد أن يحدد أهدافه وغاياته في الحياة على ضوء ذلك كله ، يتحرك من أجلها تحركا فرديا وجماعيا ، ويكون للقيادة والالتزام بقواعد الانتصار دور رئيسي في النجاح أو الفشل .. وبهذا كله يصنع الإنسان التاريخ .

والخلاصة : إن إرادة الإنسان هي الشرط الموضوعي في السنن التاريخية ، وأن الإنسان قادر على تغيير أوضاعه الاجتماعية بالشكل الذي يصمم عليه ويتحرك من أجله بصورة فردية وجماعية ، مع التأكيد – حسب الرؤية القرآنية – على أن التحولات التاريخية والاجتماعية الكبيرة لا يمكن أن تحصل إلا من خلال العمل الجماعي المنظم ، كما يدل عليه لفظ ( قوم ) في الآية التالية ..

قال الله تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
( الرعد : 11 )

أهم نتائج البحث في المحور الأول ..

النتيجة الأولى : أن مسيرة الإنسان في الأرض محكومة بقوانين ثابتة ، وأن التقدم والتأخر والنصر والهزيمة .. كلها تخضع للعمل بهذه القوانين .

النتيجة الثانية : أن الإرادة الإلهية الحكيمة لها دور محوري في المسيرة التاريخية للإنسان ، إلا أنها لا تلغي دور القوانين .. وفي نفس الوقت : القوانين لا ترفع اليد الإلهية ولا تقيدها . فالإرادة الإلهية هي التي وضعت القوانين وأعطتها دورها في تنظيم وضبط المسيرة التاريخية للإنسان .. وفي نفس الوقت : فإن الإرادة الإلهية قادرة متى شاءت أن توقف عمل هذه القوانين وتصنع ما تريد في حياة الإنسان .

قال الله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . وأرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول } ( سورة الفيل ) .

وقال الله تعالى : { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } .
( الأنبياء : 69 ) .

النتيجة الثالثة : أن القوانين والإرادة الإلهية لا تلغيان الإرادة الإنسانية ، فالإنسان قادر على اكتشاف القوانين والعمل من خلالها لتحقيق أهدافه وغاياته الحرة الواعية في الحياة .

وفي نفس الوقت : فإن التدخل الإلهي خاضع لشروط وضوابط وضعتها الإرادة الإلهية نفسها ، وان الإنسان قادر على توفير الشروط والضوابط التي تجعل التدخل الإلهي لصالحه .. أو العكس .

قال الله تعالى : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } ( الأنفال : 9 ) .

ومن الشروط الموضوعية التي تجعل التدخل الإلهي لصالح الإنسان : الاستقامة على الحق والجهاد في سبيل الله تعالى .

قال الله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } .
( الجن : 16 ) .

وقال الله تعالى : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون }
( هود : 117 ) .

وقال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } ( محمد : 7 ) .

وأما عن الشروط الموضوعية التي تجعل التدخل الإلهي لغير صالح الإنسان فهي كثيرة .. منها : الانحراف عن الحق والظلم للناس .

قال الله تعالى : { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكم موعدا } .
( الكهف : 59 ) .

والخلاصة : أن سير الإنسان نحو المجتمع الأمثل ودولة العدل ألإلهيي ، يكون برعاية الله تعالى ومقتضى الحكمة الربانية وما أعد الله ذو الجلال والإكرام لها من الكتاب والقيادات المؤهلة المقتدرة ، بدون أن يلغي ذلك دور إرادة الإنسان واختياره .. والصراع بين القوى ، ويكون السعي من أجل المجتمع الأمثل ودولة العدل الإلهي من خلال العمل وفق القوانين والسنن الثابتة الحاكمة للمسيرة البشرية المباركة .

الدروس التي ن ستفيدها من هذا المحور …

الدرس الأول : يجب على الإنسان أن يتحمل مسؤوليته الشرعية والإنسانية في حركة التطوير والإصلاح في المجتمع .. على المستويين : الجماهيري والنخبوي ، وأن لا يركن ولا يستسلم للظلم والاستبداد ولا يقبل بالاستضعاف وأن يفرض عليه الأمر الواقع ، وإنما يسعى لتغييره حسب إرادته الحرة الواعية ، مع التأكيد على الحقائق التالية ..

الحقيقة الأولى : أن التحولات التاريخية والاجتماعية والأهداف الكبيرة لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة العمل الجماعي المنظم ، كم يدل على ذلك استخدام القرآن للفظ ( قوم ) كلما تناول هذا الموضوع .. مثال :

قال الله تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
( الرعد : 11 ) .

وقال الله تعالى : { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بكافرين } ( الأنعام : 89 ) .

الحقيقة الثانية : أن قبول الإنسان بالاستضعاف ، وأن يفرض عليه الأمر الواقع ، يعني سقوط إرادته وحريته ووعيه أمام المستكبرين والطواغيت والظالمين ، وهذا يتنافى مع كرامة الإنسان الذي فضله الله تعالى على كثير من خلقه تفضيلا .

قال الله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } ( الإسراء : 70 ) .

الحقيقة الثالثة : أن الانتصار في أي موقع من المواقع المهمة في ساحات الصراع في الحياة ، يحتاج إلى ثمن يتناسب مع حجمه وأهميته يدفعه العاملون من أنفسهم وطاقاتهم وثرواتهم ، وهذه من سنن الله التي جعلها في الأرض ، ولن تجد لسنة الله تبديلا .

قال الله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا أن نصر الله قريب } ( البقرة : 214 ) .

الدرس الثاني : يجب على العاملين وقادة الإصلاح أن يتحلوا بالصبر والأناة والنفس الطويل ، ولا ينسوا صبر الله تعالى على الإنسان وأناته رغم ظلمه لنفسه ولربه ومجتمعه ، فلم يعاجله بالعقوبة ، ولم يفرض عليه إرادته في زمن قصير ، وإنما صبر عليه زمنا طويلا ما بين نزول ( آدم عليه السلام ) إلى الأرض .. وظهور ( القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ولم يتخلى عن إرشاده وتوجيهه وإعطائه مهلة للتفكير وفرصة للاختيار .

إن علي العاملين وقادة الإصلاح أن يتذكروا دائما بأن من أسماء الله الحسنى .. اسم : ( الصبور ) .. وهو القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، ليأخذوا من ذلك الدرس البليغ جدا في الصبر على النتائج والنفس الطويل لتحقيق الأهداف الكبيرة ، وأن لا يكلوا ولا ييأسوا من رحمة الله تعالى مهما تأزمت الأوضاع .. وطال الانتظار ، فإن رحمة الله تعالى واسعة ومبسوطة لعباده .. والانتصار قادم لا محالة .

الدرس الثالث : أن يتعرف العاملون والمصلحون على السنن التاريخية ، وأن يعملوا من خلالها لتحصيل التقدم والنصر ، فإنه لا سبيل للحصول على التقدم والنصر إلا من خلال العمل وفق تلك القوانين .

الدرس الرابع : على العاملين والمصلحين أن يسعوا لتوفير الشروط التي تجعل التدخل الرباني لصالحهم .. ومن ذلك : الإخلاص لله تعالى ، والتعاون على البر والتقوى .. وعدم التفرق ، والجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى .

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم . والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم } ( محمد : 7 – 8 ) .

المحور الثاني – حول الإمام المهدي عليه السلام …

المسألة الأكثر بروزا في موضوع الانتظار ، وجود القائد المؤهل بصورة كاملة للقيام بدوره في قيادة المسيرة البشرية وتحقيق النهاية السعيدة في تاريخ البشرية .

وبطبيعة الحال : هناك عدة صفات وشروط لهذا القائدة العظيم – وهو خاتم الأولياء والأوصياء عليهم السلام .. أهمها :

أولا – رجوع هذا القائد للأطروحة الإسلامية المباركة .
ثانيا – إلمامه الكامل بالأطروحة الإسلامية ويقينه الراسخ فيها والتزامه المطلق بها .
ثالثا – استعداده التام للتضحية من أجل المهمة المنوط به القيام بها .
رابعا – إلمامه الكامل بالواقع الذي يتحرك فيه .
خامسا – الكفاءة اللازمة للتطبيق الصحيح للأطروحة على أرض الواقع .
سادسا – العدالة الكاملة والاستقامة التامة .

أضواء على شخصية الإمام القائم ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ..

يتمتع الإمام القائم ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) بمكانة عالية جدا من الكمال الإنساني والقرب من الله تعالى ، تتناسب مع علمه بالكتاب الجامع ( القرآن ) وحمله للرسالة الخاتمة ( الإسلام ) ، ومسؤوليته عن التطبيق الكامل الشامل لها على أرض الواقع ، وصناعة المجتمع الإنساني في أقصى درجات نمه وكماله ، وتحقيق الغرض الإلهي من خلق الإنسان على وجه الأرض .. والتمهيد ليوم القيامة العظيم ، مما يجعل الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) في نفس المكانة التي عليها الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. عدا النبوة ، كما بينته في محاضرة ( الإسراء والمعراج دروس وعبر ) .

وبهذه المناسبة سوف أقف باختصار شديد على مسألتين في غاية الأهمية تتعلق بهذا القائد العظيم ..

المسألة الأولى – ليلة القدر ..

قول الله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر . تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } ( سورة القدر ) .

في هذه السورة المباركة إشارة إلى ثلاث قضايا مهمة ..

القضية الأولى : أن ليلة القدر ليلة عظيمة .. وأنها خير من ألف شهر .

القضية الثانية : أن الملائكة ( والروح فيها ) تتنزل في هذه الليلة العظيمة من كل عام – من زمن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة – على ولي العصر ، بما هو مقدر من الله تعالى في الأرض لعام كامل .. أي لغاية ليلة القدر في العام القادم .

قال الله تعالى : { فيها يفرق كل أمر حكيم . أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين }
( الدخان : 4- 5 ) .

وقيل أن المقصود بالروح هو جبرئيل عليه السلام ، وقيل هو خلق أعظم من جبرئيل وسائر الملائكة .

القضية الثالث : أنها سلام حتى مطلع الفجر .

وتشير سورة القدر إلى الحقائق الكونية التالية ..

الحقيقة الأولى : وجود نظام وتقدير إلهي مفصل لكل شيء في العالم .

الحقيقة الثانية : وجود قوة منفذة لما هو مقدر .. يمثل الملائكة جانبا منها ، والأنبياء والأوصياء جانبا آخر .

والمهم أن نعلم وباختصار شديد : أن صاحب هذه الليلة العظيمة المباركة هو صاحب العصر والزمان : ( الحجة بن الحسن العسكري – أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) .. وهذا يكفينا لمعرفة مكانته ومنزلته عليه السلام .

المسألة الثانية – طول عمر الإمام عليه السلام : مما يتميز به هذا القائد العظيم .. العمر الطويل ، ولهذا الأمر مدخلية بالدور المنوط به ، حيث أن العمر الطويل يمكنه من مشاهدة ولادة الدول والحضارات ونموها وسقوطها ، مما يجعله شاهدا عليها ، بصيرا بعوامل نشأتها ونموها وسقوطها ، وبصيرا بالوهن والخبث في الدول الظالمة والحضارات الضالة وما يؤل إليه أمرها ومصيرها في الدنيا والآخرة .. وبالتالي : تصغر في نفسه ، ويهون عليه من الناحية الفكرية والنفسية والعملية مواجهتها والقضاء عليها ، وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية على أنقاضها.

الدروس التي نستفيدها من هذا المحور …

الدرس الأول : لا انتصار ولا تقدم ولا إنجاز تاريخي كبير بدون قيادة مؤهلة .

الدرس الثاني : يجب إعداد القيادات وتأهيلهم التأهيل اللازم فكريا ونفسيا وسياسيا وإداريا وإكسابهم الخبرات الضرورية للقيام بالمهام الموكلة إليهم .. كشرط أساسي من شروط النجاح في تحقيق التقدم والنجاح في المهام القيادية .

الدرس الثالث : يجب أن تكون للقائد أطروحة معدة يرجع إليها في عمله ، لتكون له بمثابة النور الذي يضيء له الطريق ، ويسهل عليه العبور لأهدافه ، ويجب أن يكون ملما بها بصورة كاملة ، وأن يكون له يقين بصوابيتها وعدالتها .

الدرس الرابع : يجب أن تكون أهداف القائد واضحة لديه تمام الوضوح ، وأن تكون لديه برامج عملية دقيقة واستراتيجية واضحة كفيلة بتحقيقها .

الدرس الخامس : يجب أن يكون القائد قويا بما يتناسب مع حجم المهمة المكل إليه القيام بها ، وأن يمتلك الاستعداد التام للتضحية من أجلها .

الدرس السادس : أن يلتفت العاملون والمصلحون إلى هوية الزمن المتحولة ، وأن يراعوا خصوصيات الزمن الذي يعيشون فيه ، وأن لا يجمدوا على الماضي وعاداته وتقاليده .. وقواعد العمل والتفكير فيه ، بما لا يتنافى مع ثوابت الدين والمنطق الصحيح في التفكير ، وليأخذوا القدوة الحسنة في ذلك من سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، والتي تمثل حركة تتابع الرسالة جزء منها .

الدرس السابع : يجب أن يكون الإنسان واعيا بغاية وجوده ، وبصيرا بالطريق الذي يوصله إليها ، وبالزعيم الحقيقي والقائد المنجي له من الضلال والانزلاق عنها .

قال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ” من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ”

المحور الثالث – دور الأمة في الانتظار : من المسائل المهمة التي يلتفت إليها العقل المتأمل في موضوع الانتظار .. وأشارت إليه الأحاديث الشريفة ، دور الأمة المحوري في عملية الانتظار وتحقق اليوم الموعود ، مما يجعل عقيدة الانتظار تبعث فينا : أفرادا وجماعات طاقات ودوافع لتربية أنفسنا وإعدادها إعدادا إسلاميا عاليا .. وبصورة شاملة ، لنكون مؤهلين : أفرادا وجماعات وشعوب وأمة ، للانخراط في سلك المجاهدين الفاعلين بين يدي الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) .

وهذا يفرض علينا الحديث عن الواجبات والمسؤوليات التي يفترض علينا القيام بها في عصر الغيبة ونتهيأ من خلالها لليوم الموعود .. منها على سبيل المثال لا الحصر …

المسؤولية الأولى : التمسك بالخط الإلهي المتمثل بالكتاب والقيادة الربانية ، والتحرك على أساس الارتباط بهما : فكريا وعمليا على كافة الأصعدة وفي مختلف مجالات الحياة .. لنبني أنفسنا وواقعنا من خلال هذا الارتباط .

وهذا يتطلب منا التعامل بجدية مع الأطروحات والقيادات المخالفة …

قال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ” إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما ” ( البحار . ج 23 . الباب 7 . الحديث 12 . ص 108 ) .

المسؤولية الثانية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه الحنيف ، بهدف تحصين الأمة الإسلامية من الضلال والانحراف ، وليدخل غير المسلمين في الإسلام وتوسيع دائرة الإيمان به .

فالإسلام هو دين الحياة وخاتم الرسالات السماوية ، وغاية الانتظار إظهار الدين الإسلامي الحق على الدين كله ولو كره المشركون .. وكفى بالله شهيدا .

قال الله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } ( آل عمران : 104 ) .

وهذا يتطلب من الأمة الإسلامية عدة استحقاقات ..

الاستحقاق الأول : أن ترتفع الأمة الإسلامية إلى مستوى الأمم الأخرى .. وزيادة ، ولا يجوز لها أن تكون في مستوى متخلف عنها ، لأنها بذلك تكون صغيرة في عيون أهلها .. وتفقد القدرة على التأثير فيهم . وهذا مما يفرض علي الأمة الإسلامية تنمية قدراتها العلمية والعملية ، ويوجب عليها رفض الاستكبار العالمي ومقاومته بشدة ، والسعي الجاد الحثيث لإصلاح أوضاعها الداخلية على كافة الأصعدة : الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، وإنها ما لم تفعل ذلك .. فسوف تبقى غير مهيأة للظهور العظيم ، فتظلم بذلك نفسها وتتخلى عن دورها الرسالي والتاريخي في الحياة .

إنني أؤكد لكم : بأننا إذا بقينا خاضعين لقوى الاستكبار العالمي .. ولم نتخلص منها ، وما لم نسعى لإصلاح أوضاعنا الداخلية كافة ونتخلص من الظلم والاستضعاف الفكري والسياسي والأمني الذي تفرضه علينا الحكومات الظالمة المستبدة في البلاد الإسلامية .. فإننا لن نكون مهيئين للظهور .

إننا يجب أن نتخلص من الظلم والاستضعاف في بلادنا لكي نكون مهيئين فعلا للظهور وفاعلين فيه .

قال الله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ( البقرة : 143 ) .

الاستحقاق الثاني : إن الانتظار يفرض علينا الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى .. ومعرفة ما لديهم ، حتى نتمكن من محاورتهم والتأثير فيهم تمهيدا للظهور العظيم .

المسؤولية الثالثة : الاستعداد الكامل للنضال ضد الظالمين والمستكبرين والطواغيت .. والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل الله تعالى والحق والعدل والكرامة الإنسانية ، وعدم القبول بالاستضعاف والاستسلام للأمر الواقع المنحرف والظالم والخنوع أمامه . وهذا هو الانتظار الرسالي الحقيقي الذي يفرض على الإنسان المؤمن رفض الظلم ومقاومة الطواغيت والظالمين وقوى الاستكبار العالمي ، لأن القبول بالظلم وحكم الظالمين وسطوة المستكبرين ، هو نقيض التوحيد العملي والانتظار الحقيقي لدولة العدل الإلهي العالمية .. وهو نقيض لكرامة الإنسان . فالإنسان الذي يشعر بكرامته يرفض أن تسقط إنسانيته أمام شخص آخر .

أيها الأحبة الأعزاء : إن الله جل جلاله يريد لنا أن نكون أقوياء في ساحات الصراع بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والعدل والظلم ، وأن ننفتح بإنسانيتنا على التحديات التي تواجهنا ، وأن لا نسمح بأن تسقط إنسانيتنا أمام جبروت الظالمين والمستكبرين وطغيانهم ، وأن لا نرضى بالظلم والاستضعاف مهما كان الثمن الذي ندفعه من أنفسنا وطاقاتنا وأموالنا ، لأن ذلك نقيض التوحيد ونقيض كرامة الإنسان التي فضل الله بها الإنسان على الخلق أجمعين .. ونقيض ما نعرفه عن الانتظار.

إن الله تعالى يطالبنا ويفرض علينا : أن نتخلص من مظاهر الخنوع والانهزامية واللامبالاة التي يعاني منها الكثيرون أمام قضايا الشأن العام ، مما يهدد حاضر الأمة ومستقبلها ويجعلها فريسة لقوى الاستكبار العالمي والأنظمة الظالمة المستبدة .. ويهدد كرامة الإنسان ويسحق إنسانيته.

إن الله تعالى يطالبنا ويفرض علينا : أن نسعى بدوافع شرعية وإنسانية بكل قوة ووسيلة مشروعة لإسقاط الاستكبار والظلم والطغيان ، والبحث عن كل فرصة للخروج من الاستضعاف .. إلى القوة ، وهذه هي رسالة الانتظار العظيم .

وعلينا أن نعلم بأنه لا عذر عند الله تعالى لمن يمتلك الفرصة للتغيير .. ولم يفعل ، فإن ذلك من الكبائر وفاعله مستحق للعذاب الأليم يوم القيامة ، لأنه قبل بالدنيئة في دينه ودنياه ، وسمح بأن تهدر كرامته وتستباح إنسانيته .. بغير حق ، وهو قادر على دفع ذلك ولم يفعل .

قال الله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفوا غفورا } ( النساء : 97 – 99 ) .

فالمطلوب منا أيها الأحبة الأعزاء .. هو : التحرك لإثبات وجودنا والدفاع عن كرامتنا وإنسانيتنا وديننا وعن الحق والعدل في مواجهة قوى الظلم والاستكبار والطغيان والانحراف ، والسعي بجدية لإسقاطها بحيث لا تكون لها سلطة على الشعوب والمستضعفين في الأرض .

فالانتظار والتوحيد والكرامة الإنسانية تفرض علينا ذلك ، ولا تسمح بأن نقف متفرجين أمام الأحداث والأوضاع السلبية ، وهذا رسالة الانتظار وقضية المنتظرين في الحياة .

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } ( آل عمران : 200 ) .

وقال الله تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } . ( هود : 113 ) .

فالركون إلى الظالمين والمستكبرين من الذنوب الكبيرة التي يعاقب الله تعالى عليها بالنار .

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وصيته لولده الحسن عليهما السلام : ” كن للظالم خصما وللمظلوم عونا ” .

المسؤولية الرابعة : السعي لتشكيل تحالف متماسك قائم على أسس عملية صحيحة ، بين قوى الهدى ( يا أيها السلمون .. اتحدوا .. اتحدوا ) والمستضعفين في الأرض ( يا مستضعفي العالم اتحدوا ) حول قضاياهم المصيرية المشتركة في مواجهة الطواغيت والظالمين وقوى الاستكبار العالمي .

ولنعلم بهذه الحقيقة .. وهي : أن الانتظار يفرض وحدة المعركة والمصير لقوى المستضعفين والمستكبرين ، فقضية المستضعفين في الأرض ومصيرهم واحد ، وقضية المستكبرين في الأرض ومصيرهم واحد ، وأن أي قوة للمستكبرين أو للمستضعفين في أي موقع من الأرض تعطيهم قوة في المواقع الأخرى ، وأن أي ضعف للمستكبرين أو المستضعفين في أي موقع من الأرض يعطيهم ضعفا في مواقع أخرى ، فينبغي توحيد المعركة والمصير بين كافة المستضعفين في الأرض ، ولنكون على حذر شديد من التفرق وتجزئة المعركة والمصير .

قال الله تعالى : { وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين } .
( الجاثية : 19 )

وقال الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } ( الأنفال : 73 ) .

وهذا لا يعني أن لا تكون هناك تحالفات خاصة لتحقيق أهداف مشتركة لبعض القوى العاملة في الساحة الوطنية والإسلامية والدولية ، إلا أنها لا تؤدي إلى تجزئة المعركة والمصير المشترك الأعم لكافة الشرفاء والمستضعفين في العالم .

الدروس التي نستفيدها من هذا المحور ..

الدرس الأول : يجب على الإنسان أن يقاوم الظلم والاستبداد والاستكبار والطغيان ، وأن لا يقبل بأن يفرض عليه الاستضعاف في الفكر والسياسة والأمن والاقتصاد والمعيشة .. وغير ذلك من جوانب الحياة ، من أي طرف كان : حكومي أو شعبي ، فإذا حاول طرف حكومي أو شعبي .. مثلا : أن يسلبه حقه في حرية التفكير والتعبير عن الرأي ، فعليه أن يرفض ذلك ويقاومه ، لأن القبول بالاستضعاف في أي جانب من جوانب الحياة ومن أي طرف كان .. يخالف كرامة الإنسان ، ويؤدي إلى ضعف المجتمعات وتخلف الحياة ، وإذا قبل الإنسان بالاستضعاف وهو قادر على رفضه ومقاومته ، فإنه غير معذور عند الله تعالى .. ويكون مستحقا للعذاب يوم القيامة .

ويجب أن نعلم : بأن قاعدة الهجرة في القرآن الكريم التي تطالب الإنسان برفض الاستضعاف ومقاومته ، تشمل جميع جوانب الاستضعاف : السياسية والأمنية والاقتصادية والفكرية .. ومن كل الأطراف : الحكومية والشعبية .

فإذا حاول طرف شعبي .. مثلا : أن يفرض الاستضعاف على الإنسان في أي جانب من جوانب الحياة .. كأن يحرمه من حرية التفكير والتعبير عن الرأي ، فعليه أن يقاوم ذلك .. ويسعى للخروج من دائرة الاستضعاف إلى القوة ، ليحفظ بذلك كرامته وعزته الإنسانية ، وفي سبيل جعل المجتمع يسير في طريق التقدم والازدهار ، مع التنبيه إلى أن مقاومة الاستضعاف لا تعني عدم الانضباط الإداري والتنظيمي ، ولا يتسع الوقت الآن لكثير من التفصيل في هذه الجزئية.

الدرس الثاني : علي العاملين والمصلحين أن يتحلوا بالصبر والصمود والثبات في المواقف .. والتحلي بالنفس الطويل في المقاومة ، وأن لا يسقطوا أمام جبروت وقوة الأعداء في أي ساعة من ساعات السعة والضيق ، وأن يسعوا لتحقيق الإنجازات ومعالجة السلبيات التي تظهر في الساحة بحكم الالتزام أو الإخلال بقواعد الانتصار ، لتتضاءل السلبيات وتتراكم الانتصارات هنا وهناك ، حتى يحين الوعد الإلهي بالنصر العظيم على الأعداء .

قال الله تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين} .
( آل عمران : 173 – 174 ) .

الدرس الثالث : يجب على الإنسان أن ينظر بجدية تامة إلى الحياة ، وأن يتحمل المسؤولية كاملة فيها ، وأن لا يقبل بالاستضعاف ولا يستسلم إلى الأمر الواقع .. الظالم والمنحرف ، وأن لا يشتغل بسفاسف الأمور وصغائرها ، وإنما بعظائمها وأشرفها قدرا ، مما يتناسب مع توجيهات الدين الحنيف ومقتضى الكرامة الإنسانية.

الدرس الرابع : يركز الضعفاء والمهزومون فكريا وروحيا على الخلل في ميزان القوى لصالح الظالمين والمستكبرين لتبرير تقاعسهم عن المواجهة ، ومحاولة إدخال اليأس إلى قلوب المستضعفين من التغيير ، كما هو حالهم دائما في كل زمان ومكان .. متناسين الحقائق التالية:

الحقيقة الأولى : التجارب المتكررة لتدخل الرحمة الإلهية في قلب الموازين لصالح المستضعفين إذا هم أدوا ما عليهم من الواجبات والتكليف في المواجهة مع الأعداء والقوى المضادة .

الحقيقة الثانية : أن تغيير موازين القوى حقيقة تاريخية ثابتة بالتجربة التاريخية والمعاصرة .

قال الله تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين } .
( آل عمران : 139 – 140 )

إن الدرس الذي نتلقاه من الانتظار في هذا المجال ذو أربع شعب ..

أولا – وجوب المواجهة ضد الظالمين والمستكبرين وعدم الاستسلام والقبول بالاستضعاف والأمر الواقع .
ثانيا – توفير أسباب النصر والعمل من خلال القوانين الحاكمة للمسيرة التاريخية .
ثالثا – الثقة بالله تعالى والإيمان بالتدخل الإلهي وتغيير الموازين لصالح المؤمنين والمستضعفين إذا هم أدوا ما عليهم من الواجبات والمسؤوليات تجاه المواجهة مع الأعداء .
رابعا – أن تغيير موازين القوى حقيقة تاريخية ثابتة بالتجربة التاريخية والمعاصرة .. وهذا ما سيحدث فعلا وفق عقيدة الانتظار .

قال الله تعالى : { فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبة فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } ( البقرة : 249 ) .

والخلاصة : الانتظار مقاومة ..

أكتفي بهذا المقدار …
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم …
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.