محاضرات وندوات عام 2003

كلمة الأستاذ في مولد الإمام الحسن عليه السلام

كلمة الأستاذ في مولد الإمام الحسن عليه السلام

الموضوع: كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة: مولد الإمام الحسن السبط عليه السلام .
المكان: المنامة – مأتم البدع .
اليوم: مساء الاثنين – ليلة الثلاثاء .
التاريخ: 15 / رمضان / 1424 هـ .
الموافق: 10 / نوفمبر / 2003 م .

أعوذ بالله السميع العليم
من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبداً .

اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة .. أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفع أسمى التهاني وأزكاها إلى مقام إمامي وسيدي ومولاي وشفيعي يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .. وإليكم ، بمناسبة الذكرى السنوية للمولد المبارك للسبط الحسن الزكي عليه السلام .

أيها الأحبة الأعزاء : كلما ذكر الإمام الحسن عليه السلام ذكر معه الصلح مع معاوية بن أبي سفيان ، وكلما ذكر الإمام الحسين عليه السلام ذكرت معه الثورة على يزيد بن معاوية ، وقد ربط بعض الكتاب والمفكرين من خارج منهج الإمامة بين مزاج الإمامين وأخلاقهما وبين الموقفين ، وفسروا الموقفين على هذا الأساس ، فصلح الإمام الحسن عليه السلام في رأيهم يعكس مزاجه المسالم وأخلاقه ، وثورة الإمام الحسين عليه السلام في رأيهم تعكس مزاجه الثوري وأخلاقه ، وقد تمادى البعض في هذا الطرح ، حتى قال بعضهم : بأن الإمام الحسن عليه السلام كان عثماني الهوى ، وأنه كان على خلاف مع أبيه ، وكاره لحروبه ، وأنه حضرها ولم يشارك فيها ، وهذا ما ذهب إليه عميد الأدب العربي السيد طه حسين . وقد وجد لهذا الطرح بعض الصدى في كتابات وأطروحات بعض الكتاب والمفكرين المرتبطين بمنهج الإمامة النير، بسبب الغفلة عن منهج الإمامة النوراني في التفكير .

وأعتقد : بأن هذا الري بعيد كل البعد عن الحقيقة والواقع ومجانب لهما ، ولا ينسجم مع حقيقة الإمامة ونورانيتها وواقعيتها ، وحتى لو تخلينا فرضاً عن القول بإمامة الحسن والحسين عليهما السلام ، فإن هذا الرأي لا ينسجم مع التحليل العلمي المنهجي والموضوعي لمقومات وواقع شخصية الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، ولا يدل على تشخيص علمي موضوعي دقيق للواقع أو الساحة الذين جرى فيهما الحدثين : الصلح والثورة .

وأنا أعتقد : بأن القيادة الإسلامية بما هي إسلامية ، وبقدر ما تكون واعية بحقيقة الإسلام ومقومات العمل الإسلامي ، وبقدر ما تتوفر عليه من الخبرة في التفكير والعمل ، وبقدر ما تتوفر عيه من العدالة والأمانة والتقوى والإخلاص لله تعالى في التفكير والعمل والجهاد والقيادة ، وبقدر ما تمتلك من أدوات التفكير العلمي المنهجي ، ومنهجية العمل والحركة ، بقدر ما تبتعد عن المزاجية والذاتية ، وتقترب من العلمية الموضوعية ومن الواقعية في التفكير والحركة ، وأن من يخل بالموضوعية والواقعية في الاطروحات والمواقف ، ويتأثر بالذاتية والمزاج ، فإن عليه أن يتجنب القيادة في المواقع المتقدمة على الصعيد الإسلامي والقومي والوطني ، لأن القائد مؤتمن من قبل الله سبحانه وتعالى ، ومن قبل الناس على العقيدة والمصالح المشروعة للناس ، وأن الذاتية والمزاجية في الاطروحات والمواقف ، تؤدي إلى ضياع الحق والحقوق وضياع المصالح العليا العامة للإسلام والمسلمين والوطن والموطنين ، وهو خلاف العدالة والأمانة وشرف القيادة لكل قائد والقائد الإسلامي بصورة خاصة ، الذي ينبغي أن يكون طاهراً من نزق القيادة وشهوتها ، وسوف يتضح الموضوع بصورة أفضل بعد قليل .

قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ” الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ” .

هذا الحديث الشريف : يجمع محدثي مدرسة الخلفاء ومحدثي مدرسة أهل البيت عليهم السلام على صحته ، ولهذا الحديث الشريف فيما يخص موضوع بحثنا دلالتين رئيسيتين.. هما:

الدلالة الأولى : شرعية كل اطروحات ومواقف الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، ولا يمكن لمسلم سمع هذا القول وفهمه ، أن يطعن في شرعية أي أطروحة أو أي موقف لأحد الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، بل العدل والإنصاف وطلب الحقيقة ، يلزم كل مسلم غيور على دينه وأمته ، يلزمه بالرجوع إلى أطروحاتهما ومواقفهما وتقديمها على كل أطروحة وموقف لأي أحد ، وجعل اطروحاتهما ومواقفهما معيارا لمعرفة الحق والصدق والصواب في اطروحات ومواقف الآخرين مهما كان الآخرون ، فالإمامان الحسن والحسين عليهما السلام مقدمان على الجميع بمن فيهم جميع الصحابة ، وهذا ما يدل عليه بصورة واضحة صريحة حديث الثقلين الذي يقول بتواتره محدثي مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت عليهم السلام .

يقول المحدث والفقيه ابن حجر في الصواعق ص 90 : ” سمى رسول الله صلى الله عليه ” وآله ” وسلم القرآن وعترته – وهي بالمثناة الفوقية : الأهل والنسل والرهط الأدنون – ثقلين ، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية ، والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية ، ولذا حث صلى الله عليه ” وآله ” وسلم على الإقتداء والتمسك بهم ، والتعلم منهم ، وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت . ( وقيل ) ( ولازال القول له ) : سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما . ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ، ويؤيده الخبر السابق ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) وتميزوا بذلك عن بقية العلماء ، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مر بعضها ، وسيأتي الخبر إلي في قريش ( وتعلموا منهم فإنهم أعلم منكم ) فإذا ثبت هذا لعموم قريش ، فأهل البيت أولى منهم بذلك ، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش ، وفي أحاديث ألحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك ) ( نقلا عن فضائل الخمسة . ج2 . ص 55 – 56 ) .

ومن خلال هذا التوضيح الواضح لكل ذي لب ألقى السمع وهو شهيد ، نعرف مدى الشطط ومجانبة الحقيقة والصواب والابتعاد عنهما بعد المشرق عن المغرب .. في قول من قال : ” بأن الحسين خرج عن حده فقتل بسيف جده ” ، وسوف يقفون بين يدي الله الجبار ويسألون عن شهادتهم يوم القيامة .

الدلالة الثانية : أن كل أطروحات ومواقف الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام محسوبة بدقة وفي غاية الواقعية والموضوعية والبعد كل البعد عن الذاتية والمزاجية والمصالح الخاصة الحزبية أو الفئوية المعزولة عن المصالح العليا العامة للإسلام والمسلمين ، فهي تعبر عن روح الإسلام وحقيقته ، وتصب في المصالح العليا للإسلام والمسلمين على المدى القريب والبعيد ، بحيث لو كان الإمام الحسن عليه السلام مكان الإمام الحسين عليه السلام لثار على يزيد بن معاوية ، ولو كان الإمام الحسين عليه السلام مكان الإمام الحسن عليه السلام لصالح معاوية بن أبي سفيان ، فكلا الموقفين يعبران عن حقيقة الإسلام وروحه وجوهره ، وعن تشخيص علمي موضوعي دقيق للواقع وما يجب أن يقدم من الأطروحات والمواقف ، وأنه لا يختلف مزاج الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام وأخلاقهما في ذلك ، وهذا ما يفرضه منهج الإمامة في التفكير ، الذي يفرض حجية أقوال الأئمة عليهم السلام وأقوالهم وتقريراتهم ، فكما يفرض هذا المنهج وحدة الأقوال ، فإنه يفرض وحدة الأفعال من جهة دلالتها على الحكم الشرعي وتعبيرها عن المصالح العليا للإسلام والمسلمين ، ولا يمكن لمزاج أي إمام أو لأخلاقه أن يغير شيئاً في هذه الحقيقة المتينة النورانية التي يراها كل صاحب بصيرة ودين . أي أن مساحة الاختلاف في المزاج والأخلاق التي يمكن قبولها بين الأئمة عليهم السلام لا تأتي على حساب الحقيقة أو تغير فيها ، ولا تأتي على حساب المصالح العليا للإسلام والمسلمين أو تفرط فيها .

وحتى على فرض التنازل العلمي الجدلي عن القول بإمامة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، فإن شخصية الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام الذين يحملان حكمة الرسول الأعظم صلى الله عيه وآله وسلم وسؤدده وهيبته وشجاعته ، هذه الحكمة والسؤدد والمتانة والقوة والتماسك والهيبة والشجاعة في شخصيتي الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، تمنع من القول بذاتية الاطروحات والمواقف للإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ومزاجيتها ، وقد سبق القول بأن القيادة الإسلامية بما هي أسلامية ، وبمقدار ما تتحلى به من الوعي والخبرة والتقوى والإخلاص في العمل والجهاد والقيادة ، بمقدار ما تبتعد عن الذاتية والمزاجية في الاطروحات والمواقف ، وتقترب من الموضوعية العلمية والواقعية ، فكيف يكون الحال لدى الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ؟ .

أيها الأحبة الأعزاء : وبخصوص صلح الإمام الحسن عليه السلام ، فإن الإمام الحسن عليه السلام قد أوضح دوافع وأسباب الصلح لأصحابه وشيعته ، بما لا يدع مجالا للشك في حكمته وشجاعته وقوة شخصيته وكفاءته القيادية وأهليته للقيادة ، ومن جملة الأسباب التي ذكرها لأصحابه وشيعته الأسباب التالية :

السبب الأول : أن جيش الإمام الحسن عليه السلام يعاني من ضعف وخلل في تركيبته ، وأنه لا يصلح لخوض المعركة ، وأنه لو خاض المعركة بهذا الجيش ، فإنه سيخسر العركة ، وأن نتائجها السلبية سوف تكون وخيمة جداً على صفوف معسكر الإيمان ، وهو معسكر الإمام الحسن عليه السلام على المدى القريب والبعيد ، وأن من نتائج المواجهة القتل الفظيع في معسكره عليه السلام ، وأن القتل سوف يشمل خيرة أصحابه عليه السلام .

ومن جهة ثانية : فإن المواجهة العسكرية مع معاوية ، سوف تنتج عنها مكاسب ضخمة شاملة لمعسكر معاوية على المدى القريب والبعيد ، وبناءً على ذلك فالمواجهة غير مطلوبة ، والصلح هو الأفضل لحفظ المصالح العليا للإسلام والمسلمين .

يقول الإمام الحسن عليه السلام في جوابه لعدي بن حاتم : ” يا عدي : إني رأيت هوى معظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحب أن أحملهم على ما يكرهون ، فرأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما ، فإن الله كل يوم هو في شأن ” .

وفي جواب آخر له عليه السلام .. قال : ” إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض ، فأردت أن يكون للدين ناع ” .

السبب الثاني : أنه لا يعمل من أجل الدنيا والمصالح أو المكاسب الدنيوية ، وإنما يعمل من أجل الله سبحانه وتعالى وفي سبيله ، وأن الحكم الشرعي لا يسمح له أن يزج الجيش الإسلامي في معركة معروفة نتائجها الفظيعة الخاسرة على المدى القريب والبعيد منذ البداية وقبل أن تبدأ ، فهو مسئول مسئولية شرعية عن الدماء والمحافظة على المصالح العليا للإسلام والمسلمين وصيانتها ، ولا يجوز له أن يفرط فيها من أجل مصالح خاصة سياسية أو غير سياسية ، ومن أجل المزاج والعصبية وغير ذلك من الأسباب والدوافع والدواعي الجاهلية .

يقول عليه السلام لبعض شيعته رضوان الله تعالى عليهم : ” أنتم شيعتنا وأهل مودتنا ، فلو كنت بالحرام في أمر الدنيا أعمل ولسلطانه أركض وأنصب ، ما كان معاوية بأبأس مني بأساً ، ولا أشد مني شكيمة ، ولا أمضى عزيمة ، ولكني أرى غير ما رأيتم ، وما أردت إلا حقن الدماء ، فأرضوا بقضاء الله ، وسلموا الأمر له ، والزموا بيوتكم وأمسكوا ” .

السبب الثالث : أن الصلح سوف تنتج عنه مكاسب شاملة لمعسكر الإيمان ، وخسائر مماثلة لمعسكر معاوية ، وأن معاوية لم يكن يبصر بذلك في ساعة عقد الصلح .

يقول الإمام الحسن عليه السلام في جواب بعض شيعته رضوان الله تعالى عليهم : ” ويحكم ما تدرون ما عملت ، والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أني إمامكم ومفترض الطاعة عليكم ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالوا : بلى . قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام ، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران عليه السلام ، إذ خفي عليه وجه الحكم في ذلك ، وكان ذلك عند الله حكمة وصواباً ؟ أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم عليه السلام ، فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة ، إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين بن سيدة النساء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون الأربعين سنة ، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير ” .

أيها الأحبة الأعزاء : كان من بنود الصلح أن يأمن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام على أنفسهم وأمواله وأولادهم وأعراضهم ، وأن يحفظ لهم حقهم في السفر في بقاع الأرض ، ويحفظ لهم حقهم في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بدون أن يصيبهم أذى من معاوية وأصحابه ، وكان أن وظف أصحاب علي بن أبي طالب هذا الحق وانتشروا في بقاع الأرض ينشرون فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في كل مكان ، ودخلوا إلى الشام حصن بني أمية ، وكانت منطقة مغلقة في وجه أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام قبل ذلك ، وكانت خاضعة لطوق إعلامي شديد ، إلى درجة أنهم لم يكونوا يعرفون بأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل غير بني أمية ، فلما عرف بعضهم الحقيقة تشيعوا لأهل البيت عليهم السلام ، وبهذا بدأ الميزان يختل لغير صالح معاوية بن أبي سفيان ، فنصحه مستشاروه والمقربون منه ، بنقض بنود الصلح ، لأنه إذا استمر في الالتزام ببنود الصلح ، فإن الأمر سوف يخرج عن سيطرته ، فقرر نقض بنود الصلح ، وفي تقديري فإن ما يذكر فوق المنابر من أن معاوية بن أبي سفيان ، قد نقض بنود الصلح بعد التوقيع عليه مباشرة وقبل أن يجف الحبر على حسب تعبيرهم ، هو غير دقيق ، وهو تصوير سريالي للحدث اقرب إلى الخيال منه إلى الواقع ، والصحيح في تقديري : أن معاوية ألتزم في بادىء الأمر ببنود الصلح ، وعمل بها فترة من الزمن ، ثم نقضها بعد زمن من العمل بها ، بعد أن اكتشف أن ميزان القوى يميل لغير صالحه ، ثم واصل المشوار بالتخطيط لاغتيال الإمام الحسن عليه السلام ، وتنصيب أبنه يزيد لولاية العهد .

أيها الأحبة الأعزاء : بعد هذه الوقفة القصيرة الميسرة مع الصلح المبارك العظيم ، ننتقل لنقتطف من بستان الإمام الحسن عليه السلام العلمي والسياسي بعض الدروس المفيدة والعبر العالية والبصائر في الحياة.. وهي كالتالي :

الدرس الأول : كما ذكرت في البحث قبل قليل ، بأن معظم جيش الإمام الحسن عليه السلام ، لم يكونوا راغبين في القتال ، وأنهم كانوا راغبين في الصلح ، وكانت هناك ثلة من المؤمنين الصادقين على مستوى النخبة والقاعدة قد تألموا للصلح ، حيث كان طموحهم المواجهة مع معاوية دفاعاً عن الحق والعدل ولرد الباطل والظلم ، وقد عبروا بكل صدق وشفافية عن رأيهم وشعورهم لإمامهم عليه السلام ، وقد تضمنت شكوا بعضهم الكلمات القاسية التي تعبر عن عميق شعورهم بالألم وخيبة الأمل ، وقد وجدنا من الإمام الحسن عليه السلام الكثير من العانية بهم ، والحرص على تبصيرهم وإقناعهم بالموقف في صور جماعية وبعضها فردية ، ولم يهملهم أو يطالبهم بالتسليم دون حوار ، وقد مدحهم وأثنى عليهم وعاملهم بحنان ومحبة ولطف ، ولم يقسوا عليهم بقول أو فعل ، وقد كشف لبعضهم الأسباب الحقيقية للموقف وأبعاده ، وكشف لبعضهم منهجه في التفكير والحركة ، كما أتضح من بعض إجاباته عليه السلام التي نقل بعضها قبل قليل ، مراعياً في ذلك مستوى السائل وقربه من دائرة صناعة القرار ، وقد ركز الإمام الحسن عليه السلام على توضيح موقع الإمامة ومكانتها في الدين والسياسة ، وكيفية التعامل مع الإمام عليه السلام في المواطن التي لا تتضح فيها مواطن الحكمة ، وهي الاستثناء وليست القاعدة ، ووفر لهم أرضية القبول والاقتناع بذلك من القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسير الأنبياء العظام عليهم السلام ، ومن التجربة الشخصية التي لمسوا من خلالها كفاءته وصدقه وإخلاصه عليه السلام ، وأوضح الدوافع والأسباب والمنهج الذي اتبعه في عقد الصلح مع معاوية لسائليه ومحاوريه ، حسب مستوى السائل أو المحاور وقربه من مركز صناعة القرار ، ولم يبخل على أحد من النخبة من أصحابه بما يستحقه من التوضيح لتفصيل الرؤيا والموقف ، لهذا استطاع عليه السلام بصدقه وحكمته وانفتاح ، أن يقنع أصحابه برأيه وموقفه عليه السلام ، وأن يمسك بزمام الأمر ويقود الساحة إلى الأمام كما أتضح جانب من ذلك في البحث قبل قليل .

الدروس التي نستفيدها من الموضوع

الدرس الأول : ضرورة وضوح الرؤيا الاستراتيجية والمنهج والأهداف والأدوات وأساليب العمل والتكتيك لدى القيادة ، وضرورة انفتاح القيادة على جماهيرها والتواصل معهم ، وممارسة الشفافية والتبصير بالاطروحات والمواقف ، وعدم البخل على النخبة من الأصحاب بما يستحقونه من التوضيح والتواصل والتنسيق ، وهذا من شروط النجاح وألامساك بزمام الأمور والمحافظة على تماسك الجماعة ووحدتها وقوتها ونجاحها في تحقيق أهدافها على المدى القريب والبعيد والمتوسط .

الدرس الثاني : أن الاطروحات والمواقف الإسلامية والوطنية العامة يجب أن لا تخضع للأهواء والرغبات والمزاج الشخصي والتقديرات غير العلمية ، وإنما يجب أن تخضع للدراسات والتقديرات العلمية ، وأن يكون لأهل الاختصاص دور مفصلي فيها .

ومن جهة ثانية : يجب على صناع القرار عدم الجمود على شكل واحد وعلى أدوات بعينها ، وأن لا ينعتوا أنفسهم بنعوت كالثورية والوسطية ، ويتشرنقوا فيها ، وإنما يجب عليهم أن يتسموا بالمرونة والدواران مدار المصالح العليا للدين والوطن ، استناداً إلى التشخيص العلمي الموضوعي الدقيق ، وأن يتسموا بالشجاعة الكافية لاتخاذ المواقف المطلوبة فعلاً لخدمة المصالح العليا للإسلام والمسلمين ، والوطن والمواطنين ، وتوظيف الأدوات الفاعلة والقادرة على الإنجاز ، وعدم الإفراط بالمبالغة أو التفريط بالقصور ، ومن يجد في نفسه الضعف وعدم الشجاعة الكافية لاتخاذ المواقف المطلوبة فعلا لتحقيق الأهداف الشرعية المقررة بموضوعية وواقعية لخدمة المصالح العليا للإسلام والمسلمين والوطن والمواطنين وصيانتها والمحافظة عليها ، أو يجد في نفسه الاستهواء والانقياد لرغبات النفس ومشتهياتها في المدح والثناء أو الحصول على مكتسبات شخصية على حساب المصالح العليا للإسلام والمسلمين والوطن والمواطنين وعدم ألامساك بزمام النفس ، فإن عليه أن يتجنب القيادة لأنه مؤتمن من قبل الله جل جلاله ومن قبل الناس على مصالح الناس ودينهم ومسئول عن ذلك يوم القيامة ومحاسب عليه ، وأن أداءه الضعيف في القيادة الذي لا يصل إلى حد إنجاز ما هو مطلوب فعلاً بواقعية موضوعية ، يترتب عليه ضياع الحق والحقوق والتخلف في الأوضاع وعدم الاستقرار في الساحة الإسلامية أو الوطنية ، وهو خلاف العدالة والأمانة وشرف القيادة ، ولا يليق بمؤمن ووطني شريف أن يفعل ذلك .

الدرس الثالث : يجب العلم بكفاءة وإخلاص القيادة ، وأنه لا يصح اتخاذ القيادة قبل ذلك ، وأن القيادة المعلوم عصمتها يتحقق العلم بكفاءتها وإخلاصها من العلم بعصمتها ، أما القيادة غير المعصومة ، فإن العلم بكفاءتها وإخلاصها إنما يتحصل من خلال التجربة والامتحان ، ويجب إخضاعها لذلك قبل تقليدها منصب القيادة ، وبدون ذلك يحصل التفريط في المصالح الحيوية للإسلام والمسلمين والوطن والموطنين ، وضياع الحقوق وتخلف الأوضاع ، وهذا ما يحدث فعلا في بلاد العرب والمسلمين على الصعيد الرسمي والشعبي ، بسبب المجاملة ، وبسبب سيطرة الأسماء والعناوين على الحقائق والكفاءات في اختيار القيادات الرسمية والشعبية ، وما لم يتغير هذا الحال السيئ ، فإنه لن تتطور أوضاع المسلمين ولن تتحسن ، ولن يحصلوا على حقوقهم المسلوبة منهم ظلماً وعدواناً .

ومن جهة ثانية : فإن القيادة لا يمكن النظر إليها بعيداً عن القضية ، فبين القيادة والقضية توحد ولا يمكن الفصل بينهما ، فلا يمكن تصور تقييم أداء القيادة بعيداً عن دورها وقدرتها الفعلية في خدمة القضية وتطويرها ، فإن في ذلك إجحاف بحق القضية وتضييع لها ، وفيه تقليل من قيمة القيادة ، وتحويلها إلى قيادة صورية فاقدة للقيمة الحقيقية ، أي فيه تفريط في أهم مركز وظيفي في المجتمع والدولة وخدمة القضايا الإسلامية والوطنية ، فإذا كان هذا هو حالنا مع القيادة ، فكيف سيكون حالنا مع الوظائف الأقل أهمية ، سوف يكون بالطبع تفريطنا فيها أكبر . وهل يوجد أيها الأحبة الأعزاء : طريق إلى التخلف وتضييع الحق والحقوق أفضل من هذا الطريق ؟ الجواب : طبعاً .. لا .

الدرس الرابع : أن القيادة لا يمكن أن تتخذ مواقفها بعيداً عن القاعدة ، وذلك لأن القاعدة تمثل ساحة عمل القيادة وموضوع اهتمامها ، ومعتمدها وركيزة قوتها ، فإذا فقدت القيادة القاعدة أو ضيعتها ، فقد فقدت ساحة وموضوع عملها وقوتها ، وأصبحت فاقدة للقوة ولساحة وموضوع العمل ، وعليها أن تغلق دكاكينها وتغادر ساحة العمل ، لأنها عملها أصبح عبثياً وبدون موضوع ، فإذا فرضنا بأن القيادة مقتنعة بموقف معين ، والقاعدة غير مقتنعة بالموقف وغير مستوعبة له ، فإن الحكمة تقتضي بأن تؤجل القيادة اتخاذ الموقف ، حتى يتم إعداد القاعدة له ، وهذا لا يعني أن تقود القاعدة القيادة ، فتكون العربة أمام الحصان ، وإنما يعني أن تتواصل القيادة مع القاعدة ، وأن تسعى لخلق توجهاتها عن طريق التواصل والإقناع وتهيأتها للمواقف المطلوبة من القيادة ، ولا تتخذ الموقف قبل ذلك ، فهذا هو الطريق الوحيد للقيادة الناجحة ولتماسك الجماعة وقوتها ونجاحها في تحقيق أهدافها وحماية مصالحها ومكتسباتها ، وليس القيادة الناجحة هي التي تنعزل عن قواعدها وتترك أمر التوجيه وخلق التوجهات فيها لغيرها ، ثم تمارس القيادة الفوقية بإصدار الأوامر للقاعدة ، وتتوقع من القاعدة التنفيذ والانصياع لأوامرها ، فهذا هو طريق القيادة الفاشلة وتفكك الجماعة وضعفها وفشلها في تحقيق أهدافها وفي الدفاع عن حقوقها المشروعة ومكتسباتها وصيانتهما .

الإجابة على أسئلة الحضور :

السؤال ( 1 ) : كيف يتم التوفيق بين القول بولاية الفقيه وشرط الكفاءة ؟

الجواب ( 1 ) : يشترط في الولي الفقيه أن يكون فقيهاً جامعاً للشرائط ، وأن تتوفر فيه شروط القيادة الناجحة ، فليس كل فقيه جامع لشروط الفقاهة والمرجعية الدينية يصلح أن يكون الولي الفقيه ، وإنما يشترط في الولي الفقيه أن يكون جامعاً لشروط الفقاهة ولشروط القيادة الناجحة معاً ، وبهذا نستطيع التوفيق بين القول بولاية الفقيه وشرط الكفاءة .

السؤال ( 2 ) : تتعذر القيادات في مواقفها الضعيفة بالضرورة ، فكيف ترد على ذلك ؟

الجواب ( 2 ) : هناك الضرورة الواقعية كالتي وجدناها في صلح الإمام الحسن عليه السلام ، وفيها يتجلى قوة وكفاءة وإخلاص القائد وإصراره على التقدم ودك حصون الأعداء ، ولكن الظروف الموضوعية المحسوبة والمشخصة بدقة تمنعه من التقدم فيضطر للتوقف . وهناك الضرورة الذاتية التي تعكس ضعف القائد وعدم كفاءته ، كالضرورة التي نجدها اليوم لدى الحكومات العربية في مواجهة غطرسة أمريكا والكيان الصهيوني ، بحجة أن الواقعية تفرض عليهم عدم المواجهة بسبب التفاوت الشديد في ميزان القوى لصالح أمريكا والكيان الصهيوني ، والدليل على ذاتية هذه الواقعية ، أن السيد المظفر السيد حسن نصر الله نصره تعالى على أعدائه ، وهو على رأس حركة وليس على رأس دولة ، استطاع أن يحقق من الانتصارات السياسية والعسكرية على الكيان الصهيوني وأمريكا ، ما عجزت عن تحقيقه كافة الحكومات والجيوش العربية ، وآخر هذه الانتصارات قضية الأسرى المتداولة حالياً على الساحة اللبنانية والفلسطينية والعربية والدولية ، وذلك لأنه يمتلك التصميم والإرادة السياسية الفولاذية والشجاعة لتحقيق أهدافه المشروعة ، ويمتلك الرؤية الواضحة للأهداف والمنهج والقدرة على تحريك الأدوات في اللعبة والحركة ، ولهذا نجح في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه كافة الحكومات والجيوش العربية ، وهذه هي الواقعية الموضوعية في مقابل الواقعية الذاتية التي تعبر عن ضعف القيادات وعجزها .

السؤال ( 3 ) : ما هو رأيك في الوضع القيادي في البحرين على مستوى التيار الإسلامي الشيعي ؟

الجواب ( 3 ) : ليس خفي على أحد الفراغ القيادي في التيار الإسلامي الشيعي في البحرين ، ليس بسبب عدم وجود الشخصيات المؤهلة للقيادة وملأ الفراغ ، وإنما بسبب عدم وجود التصدي الحقيقي الصريح ، وعدم ترتيب الوضع من قبل المعنيين في الصف الأول ، وغياب المنهج الواضح والرؤية الواضحة في التحرك ، وقد حدثت تراجعات خطيرة في المواقع والمكتسبات على مستوى التيار ، ومؤشرات أخطر على التأزم في الساحة الوطنية ، وعلى كافة المؤمنين وخاصة الرموز العلمائية الكبيرة أن يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الموضوع الخطير جداً .. جداً ، وأن يوجدوا حلاً مناسباً له قبل فوات الأوان .

السؤال ( 4 ) : ما هو السبب في ترك الساحة السياسية ، وهل في اعتزالكم تعسف في استعمال الحق ؟

الجواب ( 4 ) : لم اترك العمل السياسي ولم أغادر الساحة ، فلا زلت أتابع الساحة وأتصل برموز العمل السياسي والمؤسسات ، وأعطي ما يطلب مني من الرأي والمشورة ، وإنما توقفت عن إبداء الرأي السياسي المتعلق بالتوجيه السياسي للساحة المحلية وإبداء الرأي في القضايا الوطنية بواسطة الخطاب السياسي المباشر للجماهير ، وليس ذلك من التعسف إن شاء الله تعالى في استخدام الحق الشخصي ، وإنما كما قلت سابقاً بأنه أهون الضررين ، والحقيقة : فإن الأمانة الحقيقية والشرف الحقيقي ، ليس في عدم خيانة الناس فيما يعلمون ، وإنما عدم خيانتهم فيما يعلمون وفيما لا يعلمون . وقد ذكرت في البيان الذي أعلنت فيه التوقف ، بأني لن أذكر السبب الحقيقي وراء التوقف ، لأن المصلحة الجوهرية تتطلب ذلك ، ولن أذكر أسباب غير حقيقية ، احتراما لعقول الجماهير وذكائهم ، وعدم الرغبة في تضليلهم .

السؤال ( 5 ) : ما هو الوضع الحالي والمستقبلي للبلاد في نظرك ؟

الجواب ( 5 ) : سوف أجيب على السؤال بشكل يتناسب مع الوضع الذي اخترته لنفسي في الوقت الحاضر ، ولكنه صريح وواضح .

في البداية علينا أن ننظر إلى الوضع الإقليمي المؤثر على الساحة الوطنية ،
ويأتي في مقدمة ذلك النظر إلى الوضع في العراق البطل الجريح ، وخلاصته : أنه بالرغم من اختيار معظم القوى السياسية في العراق عدم المواجهة المباشرة مع أمريكا ، إلا أن المقاومة الحالية وحجم الخسائر البشرية في صفوف القوات الأمريكية ، أكبر من تحمل الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية ، وقد أعرب مسئولون أمريكيون كبار أنهم تفاجأوا بحجم ونوعية المقاومة واستمرارها ، وقد يترتب على ذلك خروج القوات الأمريكية من العراق قبل وضع الدستور وأجراء انتخابات في العراق ، وإذا حدث هذا فإن المؤشرات تدل على أن عودة الأمن والاستقرار في العراق سوف تكون في غاية الصعوبة ، وذلك بسبب حدة المصالح المتعارضة بين الأطراف المختلفة في العراق ، بالإضافة إلى استعداد أطراف خارجية كثيرة لتصفية حساباتها وإفارغها في داخل العراق الجريح ، مما يؤشر على احتمال حدوث وضع شبيه بالوضع اللبناني إبان الحرب الأهلية .. وربما أسوء ، ولا شك فإن عدم الاستقرار في العراق البطل الجريح ، سوف يلقي بظلال قاتمة جداً على المنطقة ، لا سيما إذا طال عمر الأزمة هناك . ويأتي بعد الوضع في العراق الوضع في المملكة العربية السعودية ، فمن المعروف أن المملكة العربية السعودية هي أكبر وأهم دولة خليجية ، وأن الدول الخليجية تنكأ عليها في أمنها واستقرارها ، فإذا اهتز الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية ، فإن الدول الخليجية الأخرى غير قادرة بمفردها على حماية أمنها واستقرارها ، وفي الوقت الحاضر فإن الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية ، يتعرض لامتحان عسير ، وقد شاهدنا أحد فصوله في التفجيرات الأخيرة في الرياض ، ولن يكون الفصل الأخير ، فربما تلحقه فصول .. وفصول ، ما لم يتم التوصل إلى حل مناسب هناك يوقف حالة التدهور ، وقد تسربت بعض الأنباء عن مساعي للحوار ، نسأل الله تعالى أن يوفق كل مسعى خير في بلاد المسلمين ، وأن يحفظ أمنهم ويجنبهم كل مكروه .

وعلى الصعيد الوطني المحلي : فإن المؤشرات تدل على غضب شعبي من سلوك الحكومة وممارساتها ، بسبب عدم حدوث أي تقدم يذكر في الملفات الساخنة الرئيسية ، بل يزداد تأزمها يوما بعد يوم ، وذلك لغياب الإرادة السياسية الجدية لحلها أو إحداث تقدم يذكر فيها حتى الآن ، وفي مقدمتها الملفات التالية : ملف المسألة الدستورية ، وملف التجنيس السياسي المقلق للغاية ، وملف التمييز الطائفي البشع ، والإمتيازات غير الواقعية ، وملف الفساد الإداري والمالي والأخلاقي المستشري إلى النخاع في الدولة والمجتمع ، وملف البطالة المفتعلة التي تغيب عنها الإرادة السياسية لحلها حتى الآن ، والعمالة الأجنبية وخروج رؤوس الأموال إلى خارج البلاد ، .. الخ ، وبالتالي فإن الحكومة لا تمسك بزمام الأمر في الساحة الجماهيرية .

وعلى صعيد المعارضة : فإن المؤشرات تدل على عدم الرضا وعدم الارتياح الشعبي لأداء المعارضة في الساحة الوطنية ، وعدم الرضا عن أسلوب تعاطيها مع القضايا الوطنية وكيفية تحريكها للملفات الساخنة وإدارتها لساحة المعارضة مع الحكومة ، وعدم الارتياح من عجزها عن توظيف الأساليب والأدوات السلمية بفاعلية للضغط على الحكومة لإحراز تقدم في الملفات الساخنة ، وبالتالي فإن المعارضة لا تمسك أيضاً بزمام الأمر ، وأن الذي يمسك بزمام الأمر حقيقة وفعلاً هي القناعات الموجودة والمتحركة في الشارع الجماهيري ويتغذى عليها ، ومع نفاذ هذه القناعات التي تتغذى عليها الجماهير أو اهتزازها ، فإن الساحة عرضة للانفلات ، وقد ظهرت بعض البوادر التي تحذر من احتمال الانفلات في الشارع الجماهيري ، كان آخرها ما حدث عند مركز المعارض ، مما يدعو كل من الحكومة والمعارضة إلى أن تتحملا مسؤولياتهما الوطنية والإنسانية في الساحة الوطنية قبل فوات الأوان .

أيها الأحبة الأعزاء : إنني أقدر من القراءة الموضوعية للمؤشرات ، بأن المشروع الإصلاحي في البحرين في حالة احتضار ، وأن السبيل الوحيد لإنعاشه وإعادته للحياة ، يتوقف على إيجاد مبادرة وطنية قوية وجريئة من قبل المعارضة لمعالجة كافة الملفات الساخنة ، لا سيما الملف الدستوري ، واستجابة ملكية قيادية وشجاعة تتجاوز المألوف والمعتاد في الإدارة السياسية ، وتتجاوز بعض المحذورات السابقة في التعاطي مع الملفات والقضايا الوطنية الحساسة والمهمة ، فإن هذا هو ما تفرضه الأمانة الوطنية ، وتتطلبه المصلحة والأمن والاستقرار الوطني ، الذي هو مسئولية كافة المواطنين ، وفي مقدمتهم القيادات السياسية العليا في البلاد ، وأعضاء الحكومة والمعارضة ، وإني رغم الاحباطات الشديدة الكثيرة والمتكررة ، فإني لا زلت أأمل وأرجوا وغير يائس ، لأن مقومات الأمل والنجاح لا زالت موجودة في الساحة والأفق .

السؤال ( 6 ) : ما هي أهم الأولويات التي تأخذ الشيعة في البحرين إلى بر الأمان في رأيك ؟

الجواب ( 6 ) : أري بأن سلم الأولويات على مستوى التيار هي كالتالي :
أولاً : بناء هيكلية التيار ومؤسساته ، وإعداد كوادره وتأهيلهم مهنياً على أسس علمية لممارسة دورهم في الساحة بحرفية تامة .
ثانياً : البناء والتأصيل الفكري والثقافي الإسلامي لأبناء التيار ، وتحصينهم ضد الهجمات الفكرية والثقافية المعادية ، وتنمية النخب الفكرية وتأهيلهم لنشر الثقافة الإسلامية ، ومواجهة التحديات الفكرية والثقافية بكفاءة عالية .
ثالثاً : التربية الأخلاقية والروحية لأبناء التيار ، وأرى ضرورة الاهتمام بالعبادات الجماعية ، مثل : الصلاة في المساجد ، وصلاة الجماعة ، والدعاء الجماعي ، وأرى بأن الاهتمام بالعبادات الجماعية والانخراط فيها يقوم بدور مهم جداً في تحصين الحالة الإيمانية ، ويسد الثغرة التي تركها التقصير في التوجيه الفكري والثقافي ، والتي يحتاج سدها مع التوجه إلى وقت طويل ، ومع عدم التوجه لا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم .

أيها الأحبة الأعزاء : الله .. الله في العبادات الجماعية حافظوا عليها وطوروها .
رابعاً : حمل الملفات السياسية والمطالبة بالحقوق ، وقد أخرت هذا الملف في سلم الأولويات رغم أهميته الإستثانئية في البحرين ، وذلك لسببين ، وهما كالتالي :
السبب الأول : أن تحقيق النجاح في هذا الملف يتوقف على مدى تحقيق النجاح في الملفات السابقة ، وهذا في غاية الوضوح .
السبب الثاني : أنا أعتقد بأن أي مشروع سياسي لا يقوده مشروع ثقافي هو مشروع سياسي سلطوي سطحي ، وأنه عديم القيمة من الناحية الإنسانية والحضارية ، وهو مشروع ضار للإنسان وحضارته ، ولا يخدم إلا الأغراض السياسية السلطوية للاستمرار في السلطة بالنسبة لمن هم في الحكومة ، وللوصول إليها لمن هم خارج الحكومة ، وفي المنهج الفكري الإسلامي ، فإن المشروع الفكري والثقافي هو المشروع الإمام للمشروع السياسي ، وأن المشروع السياسي يفقد قيمته الإنسانية والحضارية إذا غاب عنه المشروع الثقافي .

السؤال ( 7 ) : قلتم أنه يجب على القيادة أن تكون قريبة من القاعدة كما فعل الإمام الحسن عليه السلام ، وأود أن أسأل عن رموزنا السياسية ، فهم مغيبون عن الساحة في الوقت الحاضر؟

الجواب ( 7 ) : قلت قبل قليل بأن ثمة فراغ قيادي في التيار ، وهذا يلقي بظلال قاتمة على الساحة ، بالإضافة إلى النقص في عدد الرموز الفاعلة في الساحة ، ولا استبعد تأثير أنماط منهجية التفكير الحركي في خلق الحالة وتعميق الفراغ .

السؤال ( 8 ) : ما هو الأسلوب المطلوب إتباعه حالياً في البحرين : الأسلوب الحسني ، أم الأسلوب الحسيني ؟

الجواب ( 8 ) : لقد أجمعت قوى ورموز المعارضة الإسلامية والوطنية في البحرين ، على أن المنهج المطلوب إتباعه في المطالبة بالحقوق المشروعة في البحرين هو المنهج السلمي ، وأنا أرى بأن المنهج السلمي هو الأقدار على تحقيق المطالب المشروعة للشعب البحريني ، والعنف يعيق الحركة المطلبية ويؤخر تحقيق المطالب ، والمطلوب من المعارضة هو إجادة استخدام الأساليب السلمية وحسن توظيف أدوات المنهج السلمي بفاعلية ، وما يؤخذ على المعارضة اليوم ليس التزامها بالمنهج السلمي ، وإنما عدم توظيف أساليب وأدوات المنهج السلمي بفاعلية لتحقيق مطالب الشعب العادلة ، فالمطلوب هو توظيف أساليب المنهج السلمي وأدواته بفاعلية ، وليس التنازل عنه واللجوء إلى العنف أو القوة في المطالبة بالحقوق العادلة للشعب ففي ذلك إضرار بالمصالح العليا للوطن وإعاقة المسيرة الوطنية المباركة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.