لقاء الثلاثاء

لقاء الثلاثاء : 29 يونيو 2009م

لقاء الثلاثاء ( 15 )
بتاريخ : 6 / رجب / 1430هج .
الموافق : 29 / يونيو ـ خزيران / 2009م
• الثروة الكبيرة والموارد التي تتمتع بها البلاد، هي محور الصراع الفعلي من جانب السلطة، وأن القائمين على السلطة يستخدمون السلطة كأداة فاعلة لتحصيل المزيد من الثروة وفرض السيطرة على الموارد ومقدرات الشعب .
• الطائفية هي اللباس الذي ألبسته السلطة لصراعها مع المعارضة التي تناضل من أجل الحقوق الطبيعية والوضعية والحياة الكريمة للمواطنين، وذلك في سبيل التضليل والتغطية على حقيقة الصراع، ولكي تحصل لها على أنصار في مواجهة قوى المعارضة الشريفة .
• يشكل التجنيس والطائفية خطرا جديا على الهوية الوطنية للبلاد، وقد أثبتت التجربة، بأن السلطة غير معنية من قريب أو بعيد بالمحافظة على الهوية الوطنية، ولا مانع لديها من تغييرها إذا اقتضت مصالحها الخاصة ذلك .
• إضفاء القائمين على السلطة الطابع الطائفي على الصراع، خلق البيئة المناسبة لتوليد أزمات جديدة تتكاثر بالتوالد، مثل : التمييز الطائفي المقيت وتبعاته المؤلمة، وجعل الصراع أكثر تعقيدا، وممارسته ونتائجة أرسخ وأشمل لجوانب الحياة المختلفة وأكثر خطورة لأنها مقدسة، وأصبح الحل أصعب بسبب إدخال عنصر الدين في الصراع، وهي جريمة لا تغتفر بحق الدين والإنسانية والوطن والمواطنين .

• ليس الحرمان من الحقوق خاص بالشيعة، بل السنة والشيعة شركاء في هذا الحرمان، وعليهم أن يقفوا بروح وطنية ناهضة وعادلة ضد هذا الحرمان الجائر، ويستردوا حقوقهم المشروعة : الطبيعية والوضعية .
• طموح الدول الغربية هو التدخل في الانتخابات الإيرانية كما تدخلت في الانتخابات اللبنانية، وما حدث في الأسبوع الماضي يثبت هذا الطموح الاستكباري للغرب .
• الأشخاص الذين لهم تضحيات في أي تجربه نضالية أو جهادية أو وطنية، تكون دوافعهم قوية في المحافظة عليها، وكلما زادت تضحياتهم كلما صعب عليهم التفريط فيها، وصعب عليهم الدخول في الاستثناء بالخروج على هذه القاعدة .
• الذين يفرطون في التجارب النضالية والوطنية هم المنتفعون الذين يتاجرون بها ويبحثون عن الأرباح الخاصة من ورائها، وليس لهم تضحيات حقيقية، ولا تربطهم لحمة روحية أو فكرية بالتجربة .
• أصحاب التضحيات في التجارب الوطنية والنضالية يحافظون عليها، لأنها جزء من تاريخهم الشخصي وكيانهم الفكري والروحي والمعنوي، وهم إن اختلفوا فإنما يختلفون من أجلها وليس على حسابها .
• الغرب ينظر اليوم الى ايران بنظام الولي الفقيه كمشروع حضاري متكامل، ويخشي من منافسته القوية لمشروعه الحضاري الذي أصبح يترنح تحت الضربات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الوقت الراهن .
• خلال مشاركتي الأخيرة في مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي في لندن، سمعت أكثر من مفكر بريطاني غير مسلم، يقول : أن إيران تمتلك مشروعا حضاريا متكاملا، يمكن أن تقود به العالم .
• لا بد من أن نميز بين مواقف الشخص ومزاجه الشخصي، فقد يوجد شخص لديه مواقف إسلامية ووطنية رائعه، ولكن مزاجه الشخصي سيئ بعض الشيء، فيصدر عنه بعض ما يؤذي في الحالات الشخصية، وفي مثل هذه الحالة، لا يصح الحكم على الشخص من خلال مزاجه الشخصي فحسب، ونسف مواقفه الإسلامية والوطنية الرائعة .
• يجب أن تكون نظرتنا إلى الأشخاص نظرة شاملة، وأن نعطي المواقف المرموقة حقها، ولا نحكم على الأشخاص المرموقين من خلال مزاجهم الشخصي الذي قد يسوء في بعض الحالات فحسب، فنضيع بذلك مكانتهم المرموقة، وننسف بذلك مواقفهم الجهادية والإنسانية العظيمة، فنظلمهم ونظلم بذلك أنفسنا .
حقيقة الصراع بين السلطة والمعارضة ..
تحدث الأستاذ عبد الوهاب حسين عن الحاجة إلى معرفة حقيقة الصراع بين السلطة والمعارضة على الساحة البحرينية، معتبرا أن الثروة الكبيرة والموارد التي تتمتع بها البلاد، هي محور الصراع الفعلي من جانب السلطة، وأن القائمين على السلطة يستخدمون السلطة كأداة فاعلة لتحصيل المزيد من الثروة وفرض السيطرة على الموارد ومقدرات الشعب . فهم لا ينفقون الثروة من أجل الحصول على السلطة، وإنما يستخدمون السلطة من أجل الحصول على المزيد من الثروة وفرض السيطرة على الموارد التي تنعم بها البلاد، وما ينفقونه من المال وما يمارسونه من البطش والعنف من أجل إحكام السيطرة على السلطة، هو في الحقيقة السبيل لديهم للحصول على المزيد من الثروة والسيطرة على موارد البلاد . وقد ركبوا الصعب، وأستخدموا شتى الأساليب في النهب والسرقة والاستيلاء على الأراضي ومقدرات الشعب التي حرموا أبناء الشعب من الحصول على حقهم فيها، وسلكوا السبيل لأخذ اللقمة من أفواه الأطفال، وسلبوا من المواطنين السعادة والفرح والاستقرار وراحة البال . فقد فرضوا الدكتاتورية والاستبداد، ولم يتورعوا عن استيراد شعب بديل، يغدقون عليه من خيرات البلاد، في الوقت الذي يحرمون فيه السكان الأصليين من حقهم الطبيعي في الثروة والموارد ومن خدمات الدولة الأساسية الكافية، وذلك الاستيراد للشعب البديل، هو في الحقيقة من أجل المزيد من إحكام السيطرة على الحكم الذي هو الطريق للحصول على المزيد من الثروة، لأنهم لا ينظرون في علاقتهم مع الشعب إلى مسؤوليتهم كحكام، وإنما ينظرون إلى الحكم كوسيلة من وسائل التجارة والربح، وإلى البلاد كالبقرة الحلوب، وهم يحلبون الدم إن عز الحليب، ويلجؤون إلى الأخذ بالأساليب التي تدر عليهم ربحا ماديا أكثر، وإن تطلب ذلك البطش والعنف وسفك الدم الحرام للمواطنين، واستبدال شعب مكان شعب !!
وقال : الطائفية هي اللباس الذي ألبسته السلطة لصراعها مع المعارضة التي تناضل من أجل الحقوق الطبيعية والوضعية والحياة الكريمة للمواطنين، وذلك في سبيل التضليل والتغطية على حقيقة الصراع، ولكي تحصل لها على أنصار في مواجهة قوى المعارضة الشريفة . فهي لن تحصل لها على أنصار من الشرفاء والجماهير الغفيرة ضد المعارضة في ظل الدكتاتورية والاستبداد والظلم والطغيان ومصادرة الحريات وسرقة الثروات ووضع اليد على الأراضي العامة في البلاد، وحرمان أبناء الشعب من حقهم الطبيعي في صناعة القرار وفي الثروة وفي السكن المناسب والعلاج والحياة الكريمة ونحوه ـ وكلها متاحة لهم لو مارست الحكومة السلطة بشكل صحيح وكانت عادلة في توزيع الثروة ـ إلا بالتضليل والتغطية على حقيقة الصراع، وتغييب وجهته الأساسية، فكان السبيل للقائمين على السلطة للحصول على الانصار، هو :
• جلب المرتزقة الذين لا يشعرون بالانتماء للوطن، ولا تربطهم لحمة مع المواطنين، وتوظيفهم من أجل القمع والإرهاب وممارسة الأعمال القذرة، التي يتعفف عنها كل مواطن شريف يشعر بالانتماء للأرض وتربطه اللحمة مع المواطنين .
• إلباس الصراع لباس الطائفية، بهدف تحريك الدافع الديني لتجاهل الحرمان والظلم ومناصرة السلطة المستبدة الظالمة ضد المعارضة الشريفة المطالبة بالحقوق الشعبية المشروعة باسم الدين والمذهب والطائفة .
• شراء مجموعات من سماسرة الدين والسياسة من فسدة العقل والدين والضمير والأخلاق، والإغداق عليهم من المال الحرام، وتحريكهم لممارسة التضليل والتغطية على حقيقة الصراع والسعي لتوجيهه الوجهة الطائفية على حساب الحق والعدل والدين والوطن ومصالح المواطنين الحيوية .

وفي ظل الدكتاتورية والتجنيس وإلباس الصراع لباس الطائفية، أصبح الصراع على محورين رئيسيين، وهما :
• الصراع على الثروة والموارد من جانب السلطة، ومن أجل الحقوق والحياة الكريمة من جانب الشعب والمعارضة الشريفة .
• الصراع على الهوية الوطنية، حيث يشكل التجنيس والطائفية خطرا جديا على الهوية الوطنية للبلاد، وقد أثبتت التجربة، بأن السلطة غير معنية من قريب أو بعيد بالمحافظة على الهوية الوطنية التي تشكلت على مر التاريخ الطويل للبلاد في ظل الإسلام الحنيف والانفتاح الحضاري على ثقافات العديد من الشعوب قبل الإسلام وبعده، ولا مانع لديها ( أي السلطة ) من تغيير الهوية الوطنية إذا اقتضت مصالحها الخاصة ذلك، بل سعت ولاتزال تسعى لتغييرها من أجل مصالحها الخاصة، وفي تقديري : هي تشعر بالخصومة مع الهوية الوطنية التي تشكلت في التاريخ الطويل للبلاد، لأنها غريبة عنها، وشرح ذلك يطول .

وقال : إضفاء القائمين على السلطة الطابع الطائفي على الصراع أدى إلى ..
• خلق البيئة المناسبة لتوليد أزمات جديدة تتكاثر بالتوالد، مثل : التمييز الطائفي المقيت وتبعاته المؤلمة .
• وجعل الصراع أكثر تعقيدا، وممارسته ونتائجه أرسخ وأكثر خطورة لأنها تعتبر ممارسة مقدسة، وأصبح الحل أصعب بسبب إدخال عنصر الدين في الصراع . وقد أصبحت الممارسات الطائفية شاملة لجميع جوانب الحياة المختلفة : السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وغيرها، ويمارسها أشخاص مضللون على أنها ممارسة دينية مقدسة، وكثر ضحاياها الأبرياء على مختلف الأصعدة : الأمنية والقضائية والسياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها .
وهذه جريمة لا تغتفر بحق الدين والإنسانية والوطن والمواطنين .

وقال : المطلوب من جانب المعارضة ..
• أن تكشف حقيقة الصراع ووجهته الأساسية ( الثروة والموارد من جانب السلطة، والحقوق الشعبية المشروعة والحياة الكريمة من جانب المعارضة ) وتوجيه الصراع إلى وجهته الأساسية الصحيحة .
• وتكشف عن السلوك الطائفي غير المسؤول وغير الديني وغير الإنساني للسلطة .
• وتعمل على تعزيز المواطنة والعمل الوطني المشترك وترسخهما، والتركيز في المطالبة بالحقوق على القضايا الوطنية العامة، وعلى حقوق الطوائف في بعدها الإسلامي والإنساني والوطني العام، وتتجنب التخندق وراء المصالح الطائفية والحزبية والفيئوية، وكل ما من شأنه تعزيز الطائفية البغيضة . والحذر من المساهمة في تعزيز الصبغة الطائفية للصراع، فهذا ما تريده السلطة ويخدم أجندتها، وهو مضر بالمصالح العليا : الدينية والوطنية للمواطنين، وهو السبيل القذر إلى شق الصف، وإضعاف اللحمة الوطنية، وضياع الحقوق الطبيعية والوضعية للمواطنين .

وقال : على الشيعة الذين هم ضحايا التمييز الطائفي، أن يعلموا بأن إخوانهم السنة مثلهم، محرومون :
• من حقهم بالمساهمة في صناعة القرار .
• ومن حقهم في التمتع بحرية التفكير والتعبير عن الرأي .
• ومن حقهم في الثروة والحياة الكريمة .
• وغيرها من الحقوق الطبيعية والوضعية .
وعلى السنة الذين تقلقهم حركات المعارضة الشيعة، أن يعلموا بأن إخوانهم الشيعة ليست لديهم في الأساس أهداف طائفية غير وطنية، ولديهم كامل الحرص على :
• التساوي في الحقوق والواجبات لكل المواطنين ( المواطنة )
• والهوية العربية الإسلامية للبحرين .
ولن يفرطوا في شيء من ذلك إن شاء الله تعالى .

والخلاصة : ليس الحرمان من الحقوق خاص بالشيعة، بل السنة والشيعة شركاء في هذا الحرمان، وعليهم أن يقفوا بروح وطنية ناهضة وعادلة ضد هذا الحرمان الجائر، ويستردوا حقوقهم المشروعة : الطبيعية والوضعية، وبدون هذه الوقفة الوطنية المشتركة، لن يحصلوا على حقوقهم، ولن ينالوا العز ولن يصلوا إلى الحياة الكريمة التي يطمحون إليها، وسوف يبقوا أسرى الظلم والحرمان والذل والهوان ما بقوا، هم وأبناءهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم، حتى يقضي الله عز وجل أمرا كان مفعولا .
الانتخابات الإيرانية ..
وحول الانتخابات الإيرانية، قال : ذكرت قبل أسبوع أن طموح الدول الغربية هو التدخل في الانتخابات الإيرانية كما تدخلت في الانتخابات اللبنانية، وحينها لم أكن مطلعا على تفاصيل ما حدث في الاسبوع الماضي، واعتمدت في ذلك الرأي على القراءة العامة، وما حدث في الأسبوع الماضي يثبت هذا الطموح الاستكباري للغرب، وقد أثبت السيد القائد ( أيده الله تعالى ) كفاءة قيادية عالية، وأثبت دوره القيادي الحكيم قيمة منصب الولي الفقيه في المحافظة على النظام الإسلامي وتجاوز الأزمات، وهذا يثبت تأثير الممارسة على المباديء سلبا أو إيجابا، إضعافا أو تقوية، مما يحمل أصحاب المباديء مسؤولية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب من أجل حماية المباديء وتعزيزها وعدم إضعافها والإساءة إليها من خلال وضع الأشخاص غير المناسبين في الأماكن الحساسة التي تفوق قدراتهم الفكرية والروحية والمهنية .
وقال : صلاحيات الولي الفقيه محددة دستوريا، ولم يتجاوز السيد القائد صلاحياته الدستورية، فهو تدخل لحل المسألة في نطاق صلاحياته الدستورية ولم يتجاوزها، وأكد على عدم السماح باتباع وسائل غير دستورية، وهذه أحد أساليبه الناجحة في بناء الدولة وإدارة الجمهورية الإسلامية .
وبخصوص الشيخ رفسنجاني، قال : الأشخاص الذين لهم تضحيات في أي تجربه نضالية أو جهادية أو وطنية، تكون دوافعهم قوية في المحافظة عليها، وكلما زادت تضحياتهم كلما صعب عليهم التفريط فيها، وصعب عليهم الدخول في الاستثناء بالخروج على هذه القاعدة . فالذين يفرطون في التجارب النضالية والوطنية هم المنتفعون الذين يتاجرون بها ويبحثون عن الأرباح الخاصة من ورائها، وليس لهم تضحيات حقيقية، ولا تربطهم لحمة روحية أو فكرية بالتجربة، أما أصحاب التضحيات في التجارب الوطنية والنضالية فهم يحافظون عليها، لأنها جزء من تاريخهم الشخصي وكيانهم الفكري والروحي والمعنوي، وهم إن اختلفوا فإنما يختلفون من أجلها وليس على حسابها .
وقال : سماحة الشيخ رفسنجاني ( حفظه الله تعالى ) من المضحين في التجربة النضالية والوطنية الإيرانية، وتمثل التجربة جزء من تاريخه الشخصي وكيانه الفكري والروحي والمعنوي . وهو في الأساس من أثرى أثرياء إيران، وكان يستطيع أن يعيش حياة رغيده في ظل ثروته الطائلة، ولكنه التزم بخط الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) ووظف علمه وخبرته وموقعه وسمعته في السوق لخدمة الثورة، ودخل السجن مرات عديدة، وتعرض للتعذيب، وشخص مثله لا يتوقع أن تبدر منه مواقف مقصودة تعود بالضرر على الجمهورية الإسلامية ونظامها وتجربتها الحضارية الراقية .

الجمهورية الإسلامية في إيران تجربة حضارية راقية ..
وقال : هناك تكالب دولي وإقليمي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي مستهدفة على مستويات عديدة : عسكرية واقتصادية وسياسية وغيرها، وبأساليب شتى، وتوجد أخطار جدية تحدق بها . وقد ثبت بالتجربة أن مقومات القوة في الجمهورية الإسلامية، أقوى ليس من الأزمة العارضة الحالية، بل من مجموع التحديات : الداخلية والخارجية التي تواجهها . فقد نجحت الجمهورية في تجاوز الأخطار الكبيرة التي واجهتها من بداية التأسيس وحتى الآن، وتقدمت للأمام بخطى ثابتة، رغم ما تعرضت له من حروب أصابت البنى التحتية الأساسية للدولة، وإرهاب داخلي نال من القيادات الأساسية فيها، وحصار خارجي محكم، وتصفير خزانتها عبر تجميد أموالها بأساليب استكبارية غير مشروعة . وكان الأعداء يطمحون في إسقاط النظام، وكحد أدنى أن تتجمد حركة الدولة عن النمو والتطور، لتفقد قيمتها كتجربة إسلامية رائدة، وتفقد الثورة الإسلامية قيمتها كقدوة لحركات التحرر في العالم، وتفقد الشعوب الإسلامية والمستضعفة الآمال المعقود عليها، وتبقى الشعوب الإسلامية والمستضعفة تعيش اليأس والارتماء في أحضان الاستكبار العالمي، وتستسلم لهيمنته وسيطرته على خيراتها وثرواتها ومقدراتها العظيمة . إلا أن ما حدث كان مخيبا لآمال الأعداء، فلم يسقط النظام، ولم يضعف، ولم تتوقف حركة الدولة عن النمو والتقدم، وإنما شقت الجمهورية الإسلامية طريقها في التقدم الحضاري الشامل : الفكري والثقافي والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي وغيره، وكل مراقب منصف يقول : انها تتقدم على كافة الأصعدة الحضارية وفي بناء الدولة، وهذا يثبت ـ كما قلت قبل قليل ـ بأن مقومات القوة في الجمهورية الإسلامية أقوى ليس من الأزمة العارضة الحالية، بل من مجموع التحديات : الداخلية والخارجية التي تواجهها .
وقال : الغرب ينظر اليوم الى ايران بنظام الولي الفقيه كمشروع حضاري متكامل، ويخشي من منافسته القوية لمشروعه الحضاري الذي أصبح يترنح تحت الضربات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الوقت الراهن . وخلال مشاركتي الأخيرة في مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي في لندن، سمعت أكثر من مفكر بريطاني غير مسلم، يقول : أن إيران تمتلك مشروعا حضاريا متكاملا، يمكن أن تقود به العالم .
المواقف والمزاج والأخلاق التجارية ..
وقال : لا بد من أن نميز بين مواقف الشخص ومزاجه الشخصي، فقد يوجد شخص لديه مواقف إسلامية ووطنية رائعه، ولكن مزاجه الشخصي سيئ بعض الشيء، فيصدر عنه بعض ما يؤذي في الحالات الشخصية، وفي مثل هذه الحالة، لا يصح الحكم على الشخص من خلال مزاجه الشخصي، ونسف مواقفه الإسلامية والوطنية الرائعة .
وقال : أفضل مثال لذلك الصحابي الجليل سعد ابن عبادة ( رضي الله عنه ) الذي سار الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في جنازته حافي القدمين، ولما سؤل، قال (بما معناه) : إن الملائكة تتزاحم على جنازة سعد، ثم لقنه حجته في قبره بنفسه، وحينما سمعت أم سعد بذلك، قالت : هنيئا لك ياسعد الجنة، فبلغت الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مقولتها، فعقب عليها ( بما معناه ) : أن سعد سيعاني من ضغطة القبر، وعلة ذلك حدة مزاجه مع أهله .
ويقابل ذلك الأخلاق التجارية لدى بعض الناس، حيث أنهم سيؤون في أنفسهم، ولكنهم يتظاهرون بحسن الخلق وحسن المعاملة مع الآخرين سمعة ورياء في المواضع التي يعود عليهم ذلك بالمصلحة الخاصة .
وقال : القرآن الكريم يبين لنا بأن الأنبياء ( عليهم السلام ) يتفاوتون في الفضل، ففي تجربة ذي النون وهو نبي الله يونس ( عليه السلام ) مع قومه حينما ذهب مغاضبا، عاتبه ربه وعاقبه بالحبس في بطن الحوت، وخاطب الله سبحانه وتعالى الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } ( القلم : 48 ) مع أن موقف نبي الله يونس ( عليه السلام ) لا يخل بفضله وعصمته، ولكن يدل الموقف الرباني منه على تفاوت الدرجات في الفضل والمواقف، وأن نبي الله يونس ( عليه السلام ) لم يتخذ الموقف الأفضل الذي كان بإمكانه أن يتخذه مع قومه .

والخلاصة : أن الأنبياء ( عليهم السلام ) والمؤمنين الصالحين يتفاوتون في درجات الفضل، وقد يصدر عنهم غير الأفضل في السلوك والمواقف في بعض الحالات، فلا يجوز أن نحكم عليهم من خلال هذه الحالات ونذهب بفضلهم ومكانتهم المرموقة أدراج الرياح . فلا يجوز أن نحكم على نبي الله يونس ( عليه السلام ) من خلال الموقف الذي خرج فيه مغاضبا فحسب، ولا يجوز أن نضيع فضل ومكانة سعد بن عبادة بحجة حدة مزاجه مع أهله وننسف بذلك كل مواقفه الجهادية والإنسانية المرموقة فنظلمه .
يجب أن تكون نظرتنا إلى الأشخاص نظرة شاملة، وأن نعطي المواقف المرموقة حقها، ولا نحكم على الأشخاص المرموقين من خلال مزاجهم الشخصي الذي قد يسوء في بعض الحالات، فنضيع بذلك مكانتهم المرموقة، وننسف بذلك مواقفهم الجهادية والإنسانية العظيمة، فنظلمهم ونظلم بذلك أنفسنا .

صادر عن : إدارة موقع الأستاذ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.