قذارة الاستبعاض

منذ 25 أيار(مايو) 2000 بدأت قرى الجنوب تتنفس الصعداء وبدأ أطفالها وشبابها وشيوخها يشعرون بوجود معنى مختلف بتغير صورة الحياة وتبدلها فقرى الجنوب الصامدة قد أختزل أهلها صوراً للكفاح والمجد والمحبة والتعاطف والوداد وقد عاشت المقاومة في مخيلاتهم وأذهانهم وقد أعطت دروساً وهذه هي قناعة للصمود والتصدي لرؤى و قناعات الاستعمار الصهيوني والصمت الجبان العربي وهكذا فإنهم سعوا إلى الحياة الجديدة بعز كفاحهم ومجاهدتهم إلا أنهم لا يزالون يرون في روح المقاومة عطاءهم الشرعي وقدرهم السرمدي وهؤلاء هم شيوخا وشبابا ونساءاً وأطفالاً.

من هنا كانت طعنة 12 يوليو ضربة مهينة وفظيعة لقادة الصهاينة وهم يدركون فضاعتها مقارنة بالغطرسة التي يتصفون بها وقد أدركوا صعوبة الرد وفظاعته.

هذه هي كلمات أمل وهذا هو فضاء مخيلتها وهي سابقة الزمن وتتحين الفرص لتتابع أخبار أهلها في الجنوب في مارون الراس وعيترون وبنت جبيل عبر القنوات الفضائية وتسمع رؤى القصف عن قرب على أحياء قريتها والقرى المجارة وترى بعينها تقطع الجسور وهدم المدارس وحزب سيارات الإسعاف المترامي في كل ناحية والقصف العشوائي المذهول بإصرار المقاومة وفي المقابل ترى في المقابلات التلفزيونية لقاءات واصوات نشاز ومزيد ممن ارتبكوا واستعاضوا عن القوة بالتبرير والدروع بالاستهجان والمباشرة بالاستبضاع إنهم أجلاف ورعاة لم يدركوا أبدا قيمة للإنسان وكرامته.

وقد اعتادت أبواقهم الصمت حين لازالوا يلوذوا بالمواقف الملتوية حيث لا مناص ويحتمون بعقلانية بلهاء وهم يتبنون المواقف الدولية في ذلة ودونية متخذين من القوات الأممية طوق نجاتهم وذلك كله كشف عن هزيمة داخلية عميقة وصارخة ، وردة تبعثرت نواتجها في استفزازهم وتصريحاتهم ومواقفهم المتناقضة .

هكذا هي العواصف بداخل أمل وهي تتأهب وتترك الغرفة وترجع لتقيسها طولاً وعرضاً وهي تحاول معاودة الاتصال بأخيها جهاد في الجنوب بيد أن الحظ لم يحالفها في الحصول على خط منذ ثلاثة أيام ، فقد أصيبت محطات الاتصال بالعطل ولكنها مصرة وعنيدة على الاتصال لأنها مقاومة ورفاه الخليج ولم يؤثر على مخزون عزمها وقناعتها الأكيدة بالمقاومة والتحدي وعزة العمود .

وفي المقابل كاد جهاد كغيره من ابناء الجنوب مشغولاً بأهله وكيف يطمئن الأطفال ويعزز استعدادهم ويتكفل لهم بالمعونة بالرغم أنه مصاب ولا يزال مقعدا، يوم جرح في هجوم عناقيد الغضب سنة 96 ويتذكر جيدا كيف هي ساحات البذل والفداء وهو لا يزال يبدى تهئياً واستعدادا و تمردا على واقعه ..

جهاد هذا النموذج للتضحية والصبر كان مثالا يحتذى به في الإصرار والعزيمة فلا يزال يقود شبكة الاتصال وتعزيز روح المقاومة في نفوس أبناء قريته والقرى المجاورة وهو معروف ومشهور بصلابته في الدفاع عن الحزب والمقاومة.

وجهاد هذا البطل الصامد يدرك بجد خبرته العملية وثقافته وتاريخ حكام أمته وعظم المأساة وفضاعتها وقناعته في رأيه ان كل قادة ومن يتصدرونها اليوم هم : المختصون في دنيا السياسية والحكم لا يمتلكون من الحول او القوة ما يساعدهم على الإنتاج والتفريخ لذلك يلجئون إلى نكاح الاستبعاض وهو اعتراف فاضح بعجزهم وصورة عن نقص رجولتهم وهم يسعون في حصولهم على خلف هجين لقيط معامر!! يربونه ويعيشون معه كابن لهم كخلف وامتداد لوجودهم وسلطانهم غير الشرعي !!

وتستمر هواجس جهاد وهو يقول :

والحضي غير العقم ففي العقم مشيئة ربانية وإرادة إلهية وربما لطف إلهي مكنون لا ندركه ولا تعرف خفاياه على غير المختصون ، خاصة في ميدان السياسية وعندما يقامر السياسيون المختصون نتيجة عجزهم بمقدرات الأمة وآمالها وهكذا يحادث حياء نفسه وأردف يقول :
قد يكون الحضي فضيحة وعاراً أو خزي أبدي ووصمة عار في جبين الأمة كما هو شأن أجلاف الصحراء وعرب العرب ولعوب مصر!! هؤلاء الذين يدارون كرقع الشطرنج!!

وما أكثر الحكام والأمراء والملوك العرب المختصين الذي ضمن بدا يستنهض همته !! وإن حاول أن يثور لبث شجاعته أتاه زورق الذل مهدداً لعرشه وتاجه ومكاسبه وامتيازاته غير الشرعية وكأنه بذلك كتب عليه الخنوع وكي يبرر خنوعه بالقدرات وتخلف المجتمعات وما إليها!! ثم حوقل جهاد وقال ربي زدني شجاعة راسخة وإيمانا وألهمني الصبر على البلاء ..

هؤلاء المختصون يستنهضون اليوم همهم للتلذذ بديدان التراب وحشرات المستنقعات و أوثبة الوحول .

كي يتعايشوا معها ومع بني البشر فيبشرون او يعتبرون أو تاباُ خزايا مرتهنين !!

وعاد يردد وهم يسمع عن بعض الإسعاف القادم من سوريا عن إرادته النور .

هؤلاء المختصون اليوم لا يكفيهم ان لجأوا إلى نكاح الاستبعاض عجزاً وذلاً وتوارياً ، لكن مخلفاتهم ومواليدهم مواليد خزى وعار وذلة وصدق الله في محكم كتابة حينما قال : والذي خبث ويخرج ألا نكدا .

تداعيات فخرية تلك التوأمة الدائرة لهذه الأتربة والمستنقعات والوحول بتوأمة للرذيلة والعسف والانكسار هذا الواقع البيئي الهزيل المترهل بمزايا التبرير وإشاحة الوجه وغض النظر ولكن مع الأسف بفتح الشرق الأجساد عارية .

ارتداد ذليل هذا التعاطي القذر المبعد بفكر الإشكالية والخذلان وتاريخ المقامرة والاستلام والخنوع والتواصي والتعاصب مع الحياة بدونية و استهتار.

إرث بغيض فظيع ساذج حكاية التآمر بين سماسرة السياسية والمختصين منذ بزوغ ذلهم وبيان تراجعهم عن حماية المقدرات ومكاسب الأمة ..

هذا هو مشحون الغضب الذي يكتنزه خاطر جهاد ودواخله وهو يسمع مبررات كشف الحكام المنهزمين واقع المقاومة ومحاولة الإيقاع بها ، وتقبل مفاهيم الإرهاب والدفاع بلهجة المفتعل بدم بارد تفوح منه رائحة الخزي والخنوع وفي مقابل استخراج عشرات الجثث الهامدة المتعفنة من ثلاجة التبريد او التدفئة او تلك العالقة كمخلفات الدمار في الأحياء.

كان جهاد ابن الجنوب الصامد حانقا غاضبا على كاسرة السياسية من الحكم العرب ودعاة الوطنية في بيروت ومرتزقة المكاسب الدوليين وهم يزدادون على المقاومة ويبررون دفاع الكيان الصهيوني عن نفسه وكأن فيها لبنان .. لا قيمة لهم ..

جهاد محتاراً بين صراخ الأطفال وبكاء الحاجة وبين الهاتف ، فمن يا ترى .. تذكر أنه على موعد مع أمل .

– بدا جهاد متمسكا واجاب أمل : أمل عزيزتي كلنا بخير _ وغدا وهو يهاتف أخته في الخليج _ لا عليك نحن ، أقوياء صامدون ولسنا ربابة عمراً ولا نحتاج إلى أن يقف معنا العرب في وجه العدو بأموالهم أو حتى مواقفهم الخرساء أليس في أمكانتهم الصمت !! التي اعتدناها فقط نحتاج منهم أن يصمتوا . انطلاقا من قول الرسوم الأكرم (ص) قل خيراً أو أصمت ، فليصمت هؤلاء أجلاف البادية والصحراء وذوات العجز وأرباب الاستبعاض السياسي المقيت !!

فليصمت هؤلاء الجبابرة الخانقون والسماسرة المقامرون وأرباب الحجى في الجبن والتراجع والانسلاخ فقط ليصمتوا وليروا بعدها كيف سيكون الواقع وكيف ستكون المقاومة إن النصر لنا وهو آت .. آت كما قال سيد المقاومة .

هذا العملاق القومي الذي غير قواعد اللعبة وجعل القاعدة في الردع والهجوم بدلاً من الاستسلام وقبول واقع الخنوع والذلة مضمونا كرامة للأمة .

وأصبحت كما تألمون الاستراتيجية في توازن الرعب والخوف وهذا هو الشعب اللبناني و المقاومة والشعب العربي الآلي يستحضر قوله سبحانه ” إن تكونوا شاكون فانهم تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ” !!

أمل أيتها الغالية ، اسمعي يا ام ايمن ان العزة ليس في بقاء الجسد حيا وصحيحا انما البقاء بقاء الكرامة حية طاهرة مدوية في اعماقنا ونحن سائرون على درب المقاومة والجهاد للعدو الصهيوني الغاشم ، نعم نحن صامدون ومستعدون للتضحية من اجل الأمة والوطن ومستقبل الانسان العربي المسلم ، نعم دفاعنا عن الأمة .

– جهاد .. كيف هي أمي وما أحوال أبناء الشهيد شهاب .
– وأمك بخير وإصرار وأبناء أخيك في عيوننا نعم سيستنشقون حلاوة الكرامة والعزة والمجد وهم يحكون شجاعة أبيهم وإصراره على المواجهة وسيكون معنى الكرامة أكثر حلاوة وروعة بل أنه سيغطى على الأم اليتيم ولن يكون هناك بؤس أبداً صدقيني أم ايمن ان لا بؤس مع الكرامة والعزة وإن متنا سنموت شهداء شامخين .

– قلبنا معكم .. أيها الحبيب وكان ينوي أن تكون معنا والعائلة.

-لا لا لن أترك أرضي وهي تصارع وتقاتل وتجاهد .. فنحن جميعنا مقاومة فرأينا المقاومة ، وغذاؤنا المقاومة وموقفنا المقاومة ، حياتنا مقاومة ، مقاومة لأجل بناء أمة يندحر بعزمها العدو الصهيوني ويلقن درسا في المواجهة والتحدي والصمود .

فلتحيا المقاومة رمزاً للبقاء الشامخ العزيز ، ولتحيا المقاومة من أجل بناء الوعي وكتابة لتاريخ الصمود العربي المطمئن ولتبقى المقاومة رمزاً من رموز الرفض ونوراً يستضاء به في نفق الذلة !!.

-أخي جهاد : بودي أن اكون معكم مناصرة وأن أتجرع المقاومة والصمود جرعة جرعة .

-لكِ رسالتك أيها الطاهرة في الصمود فأنتم زينبيون الهوى والمعتقد ، ورسالة الصمود الأبي يجب أن تصل الجميع وتدوي في الآفاق وتسمع الصمم الجفاة وإنكم دون شك معنا ومنا ونحن معكم في ثباتكم ! ولكم دوركم المسئول وموقفكم الكبير العظيم وأنتم تدافعون عن الشريعة شرعية المقاومة وفي دفاعكم المشرف هذا دفاع عن حياة الأمة وعن عزتنا وشرفنا .

رعتكم السماء أيتها العزيزة وثقتي بالله ونصره كبيرة لا حد لها فنحن منصورون بالله وبسواعد المقاومة وإن قتلنا واستشهدنا ففي جنب الله وصدق الشاعر وهو يقول :

ولي وطن آليت أن لا أبيعه
وأن لا أرى غيري له الدهار مالكا
ووداعا عزيزي وإله خير راعٍ وهو أرحم الراحمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.