الأستاذ في وسائل إعلام

الوقت البحرينية :الترويج القيادي والتحرّر من العُقدة

الوقت البحرينية :الترويج القيادي والتحرّر من العُقدة

الترويج القيادي والتحرّر من العُقدة
نادر المتروك
استمراراً لحديث «القيادة»، أطلُّ عند بعض النماذج، وسأختارُ البدء بأبرزها وأكثرها إثارة للنقاش. في لقاءٍ أخيرٍ جَمَعَ بعض الرّموز مع الشّيخ عيسى قاسم، وبينهم عبدالوهاب حسين، نقل الأخيرُ انطباعاً عن اللّقاء يستحقّ التّثبيت، حيث أشار إلى أنّ الكلام الدّائر في اللّقاء يُوحي بأنّ الشّيخ قاسم غير مشغول بـ«عُقدة القيادة»، وُفقَ التّعبير الذي أورده التقرير الرّسمي للزّيارة الذي أعدّه ونشره الموقع الإلكتروني لحسين. لا أدري إنْ كانت صدفةً أم لا، ولكن نشْر التقرير تزامن مع تسليط هذه المساحة على الزّعاماتيّة وما وصفتُه بعقدتها غير المريحة.

الانطباعُ المُعلنُ يحمل درجة عالية من الصّدقيّة الظاهريّة، فالشّيخ قاسم – كما تؤكد سيرته العمليّة – ليس في وارد أيّ حُطامٍ زعاماتي، وقد أُتيحت له مناسباتٌ عدة ليتحوّل إلى زعامةٍ مطلقةٍ بلا منازع، ولكنه تحاشى ذلك، وفضّل في المرحلة اللاحقة لعودته إلى البحرين الانخراط في أُطرٍ تشاركيّة مختلقة، ابتداءً من صيغة العلماء السبّعة، التي قلّ وكثُر عددها بحسب الموضوعات والظروف، ومروراً بالمجلس العلمائي، وأخيراً البيانات المشتركة مع العلمائيّة الرّباعيّة (عبدالله الغريفي، حسين النّجاتي، عبدالحسين السّتري، إضافة إلى قاسم). ليس هناك منْ يقول صراحةً، إذاً، بأنّ قاسماً موبوء بالعُقدة الزّعاماتيّة، أو صاحب طموح في هذا الاتجاه. ولكن أصحاب هذا الرّأي يستدركون ويؤكّدون أنّ ذلك لا يعني خلوّ الممارسة القاسميّة من أداءٍ قياديّ ما، وأنّ هذا الأداء اعترته أخطاءٌ مختلفة، وبينها التلبّس بالانفراديّة التحزّبيّة – وليس الفرديّة الشّخصانيّة – ولكن هؤلاء ينفون، في الوقت ذاته، أيّ تبلور قيادي للشّيخ، يأخذ طابع التصدّي المباشر غير المنقطع، والهرميّة الزّعاماتيّة المطلقة، فضلاً عن غياب البلورة الفكريّة الملائمة للحال البحرينيّة. ولكن المشكلة غالباً ما تأتي من الأتباع «المقرّبين»، وليس «القادة» و«الرّموز». لم يحظ الشّيخ قاسم، وحتّى السّاعة، بالأتباع المناسبين. أو بالأحرى، ولأجل صياغةٍ آمنة؛ فإنّ هناك أعداداً ضخمة من الصّفوة المروّجة لقاسم تقع في أخطاءٍ فادحة في ترجمانها التمثيلي لفكر الشّيخ، خصوصاً حينما تستميتُ هذه النّخبة في تنصيبه – بمناسبةٍ ومن غير مناسبة – قائداً أوْحداً، وزعامة مطلقة، ومرجعيّة شخصانيّة معزولة عن محيطها التفاعلي. هذا اللّون الترويجي يتحمّل مسؤولية كبيرة في تشويه شخصية الشّيخ، والتسبّب في إعطاء انطباعٍ يبدو أنه ليس حقيقيّاً. والأفدح من ذلك، فإنّ الخلافات الطّبيعيّة التي يحقّ لأيٍّ كان اجتراحها مع الشّيخ قاسم – سواء في إطار الشّأن العام أم ضمن التباين الفكري والعقيدي – تُصبح مدعاة للاحتراق بنار التصنيف التسقيطي، لأنّ الاختلاف معه سيغدو «مناوأة» لقيادته، وترصّداً لزعامته، وتخريباً على الاصطفاف الجماهيري الذي يُراد أن يكون الرّجل الأول فيه! ذلك هو الحال في ظلّ الخطاب الترويجي القائم، رغم طفوّ بعض التعديلات «الأخلاقيّة» على هذا الخطاب، وما حصل من تقدّم إيجابي بمقدار «خطوة» محدودة في اتجاه تخفيف المغالاة الترويجيّة، وبدء الحديث عن «عدم عصمة» الشّيخ، واحترام خيارات الآخرين في الانتماء القيادي.. إلا أنّ ذلك ينتظر قدراً أكبر من المراجعة والتصحيح، وبما يُغطّي على الآفات الموروثة، والتي لازالت تعْلق بالخطاب المُعاد تجميله.
على هذا النّحو، كنتُ أناقش أكثر من زميل حينما يُطلقون عباراتٍ وصفيّة حادة تجاه رموز علمائيّة تتحرّك باجتهادها المنهجي والعلمي الخاص، فيرون ذلك عناداً للشّيخ قاسم ومصادمة معه. إنّ هذه النّظرة لم تأتِ من فراغ، وربّما لا يتحمّل هؤلاء كلّ مسبقاتها، ولكن المُلام أولاً وأخيراً هم النّاشطون في حملاتِ/ حفلات التّنصيب القيادي للشّيخ قاسم، خصوصاً وأنّ بعض هؤلاء اعتاد على استخدام عباراتٍ وإيحاءاتٍ تُفضي إلى ترتيب ظنونٍ خطيرة، بينها أنّ التّيار العريض الذي يحبّ الشّيخ قاسم ويتبعه يُعاني من استقالةِ العقل، ولا يُمارس النّقد الذاتي، ويضع الأشخاص – لا الأفكار والمبادئ – مقياساً ومعياراً في التقييم وتحديد المواقف، وأنه تيارٌ ملبوس بتقديس الأشخاص بما لا يُتيح التّعاطي الحواري معه. يظهرُ بوضوح أنّ اشتباهات متبادلة تقعُ بسبب تداعيات التّرويج العاطفيّة، وكما ألمحتُ سابقاً؛ فليس مطلوباً من أحدٍ التنازل عن قيادته، والتفريط في قناعاته وخياراته، ولكن حركة نحو التعايش الاجتماعي المشترك، وأخرى باتجاه التقييم الفكري الجاد.. كفيلٌ بإحداث المعادلة الصّعبة/ المفقودة.
العدد 1124 الجمعة 23 ربيع الأول 1430 هـ – 20 مارس 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إغلاق