محاضرات وندوات عام 2006

كلمة الأستاذ في افتتاح المهرجان الرابع للإمام الحسن العسكري عليه السلام

الموضوع : كلمة قصيرة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : افتتاح المهرجان الرابع للإمام الحسن العسكري ( ع ) .
العنوان : دروس من حياة الإمام الحسن العسكري ( ع ) .
المكان : قرية عراد .
اليوم : مساء الأحد ـ ليلة الاثنين .
التاريخ : 6 / جمادى الثانية / 1427هـ .
الموافق : 2 / يوليو ـ تموز / 2006م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر
الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل علي محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعـرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ، ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أهنأكم وأبارك لكم بهذا المهرجان الجميل والرائع ، واسأل الله الكريم لكم التوفيق والتسديد والنجاح فيه . وسوف أجعل كلمتي القصيرة هذه تدور في دائرة عنوان المهرجان وأجوائه . فسوف أقـف في أول الحديث على بعض الدروس المستخلصة من حيـاة الإمـام الخالص الحسن العسكري ( عليه السلام ) واختمه بما يناسب المهرجان عن إحياء ذكرى أهل البيت ( عليهم السلام ) .

أيها الأحبة الأعزاء : إن حياة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) غنية جدا بالدروس والعظات والعبر لمن يريـد أن يتعلـم ويتعظ ويعتبر { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } وسـوف أقف منها على درسين مهمين .. وهما :

الدرس الأول ـ عمره الشريف : لقد تولى الإمام التقي الحسن العسكري ( عليه السلام ) زمام الإمامة بعـد وفـاة والـده الإمام علي الهادي ( عليهما السلام ) بتاريخ : ( 26 / جمادى الثانية / 254هـ ) وكـان عمره الشريـف ( 22 : عاما ) واستشهد ( روحي فـداه ) على يـد الخليفة العباسي ( المعتمد ) بتاريخ : ( 8 / ربيع الأول / 260هـ ) وعمره الشريف ( 28 : عاما ) فكان زمن إمامته ( 6 : سنوات ) فقط .

والدرس الذي نستخلصه من ذلـك : أن قيمة الإنسان ليست في كبر سنه ( كم يعيش في هذه الحياة الدنيا ) وكم يملك فيها من السلطة والقوة والنفوذ والجاه والرمزية أو المال والثروة ، وإنما تكمن قيمة الإنسان في قربـه الحقيقي من الله ( ذي الجلال والإكرام ) ومنزلته الرفيعـة عنـده ورضاه ( جل جلاله ) عنه ، وفيما ينجزه من أعمال نافعة ومواقف صادقة تساهم في خدمة الإنسانية واستقامة الحياة وتطويرها في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة . فقد استشهـد الإمامان : الجـواد والعسكري وجدتهمـا الزهراء ( عليهم السلام ) وهم في ريعـان الشباب ، في العشرينات من أعمارهم الشريفة المباركة ، وقد قـال اللـه تعالى مخاطبا نبيـه الكريم يحي بن زكريـا ( عليهما السلام ) : { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } وهذا بخلاف حرص بعضنا على الحياة الدنيا ، وتركيز همه الأكبر على طول البقاء فيها ، بعيدا عن المضمون والدور الذي يلعبه الفرد في الحياة وصلته برسالتها وغاية وجودنا فيها .. فكثيرا ما نردد : يا طويل العمر ، وأطال الله عمرك ، حتى وإن كان طول بقاء الفرد سببا لمزيد من الشقاء له وللآخرين بسبب الذنوب والجرائم التي يرتكبها ويحمل أوزارها فوق ظهوره ومواقفه المخزية التي تترك آثارها السلبية على الإنسان والمجتمع ، أو كانت أيامه تكرارا لبعضها بدون زيادة في العلم أو العمل الصالح .. وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالـب ( عليه السلام ) : ” من تساوى يوماه فهو مغبون ” .

أيها الأحبة الأعزاء : علينا ونحن نقـف على سيـرة هذا الإمام العظيم ( عليه السلام ) وحياته أن نتعلم هذا الدرس البليغ من حياته الشريفة المباركة ، بأن تكـون حياتنا مزرعـة استثمار للآخرة ، وساحة تجارية نشيطة مع الله ( تبارك وتعالى ) فتكون جهودنـا الحقيقية ، وتوجهاتنا الصادقة ، منصبة على رسالة الحياة ، وغاية وجودنا فيها ، بإثـراء إنسانيتنا الكريمـة ، وتحصيل الكمال الإنساني الذي هيأنا الله ( جل جلاله ) له ، ليحصل لنا القرب من الله ( ذي الجلال والإكرام ) والمنزلة الرفيعة لديه ( جل جلاله ) والفوز برضاه ( عز وجل ) وذلـك كله من خلال : تحصيـل المعرفـة اليقينية بـه ( سبحانه وتعالى ) والنظر إلى جميع جوانب الحياة وزواياها وقضاياها وشؤونها من خلال تلك المعرفة ، والحرص الشديد على إنجاز الأعمال الصالح النافعة في الدين والدنيا والآخرة ، واتخاذ المواقف الصادقة معه ( عز وجل ) ومع العباد . والحـذر كل الحذر من القشور ومن الادعاءات الكاذبـة ومن اللجـوء إلى الطلاسم والأعمال المموهة ( كما يفعل بعض المشعوذين ) ومن ترديد الكلمات التي ليس ورائها يقين ، ولا أعمال صالحة ، ولا مواقف صادقة ، للإيهام الكاذب بالمعرفة والقرب والمنزلة الرفيعة عند الله ( جل جلاله ) فإنها من الكذب ، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وأن ضررها كبير ونتائجها وخيمة على العبد في الدنيا والآخرة .

الدرس الثاني ـ التمهيد للغيبة : يعتبر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) الحلقة الأخيرة في سلسلة الظهور ، وبعد عهده الشريف بدأ عصر الغيبة الصغرى ثم الكبرى . وكان الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) يخضع للإقامة الجبرية والرقابة الدقيقة من السلطة الغاشمة وممارسة الإرهاب والعنف ضده وضد شيعته الأبرار ، لأنهم يمثلون القوة المعارضة الأبرز والأكثر جدية وفاعلية وخطورة على السلطة الغاشمة . وفي ظل تلك الظروف الصعبة والمعقدة تحمل الإمام ( عليه السلام ) مسؤولية الإعداد والتهيئة لعصر الغيبة ، بما تطلبته من حذر شديد وحسن التدبير والتخطيط والتربية والقيادة ، وقد أنجزت المهمة على أحسن وأكمل وجـه .. وهذا يدل على أن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) كقائد : كان يمتلك شجاعة كبيرة ، ورؤية دينية وفكريـة وسياسية واضحة ، ورؤية واضحة للأهداف ، ويمتلك تخطيطا محكما لحركته ، وتربية صحيحة كاملة لقواعده الجماهيرية وللكوادر القيادية الفاعلة في حركته ، وإدارة دقيقة لها وللمواقف والأوضاع العامة في ساحة الحركة . ولم يكن مسايرا للسلطة والقوى الغاشمة ، ولم يقبل القبول الذليل بالأمر الواقع .. كما يتوهم البعض ، وإنما كان رافضا ومقاوما لها ومستعدا للتضحية في سبيل الله ( تبارك وتعالى ) وتحقيق الأهداف المقدسة لمشروع السماء العظيم . وقد حذرت المؤمنين الأعزاء في مناسبات سابقة من تلك الأطروحات التي توهم الناس بقبول الأئمة ( عليهم السلام ) بالأمر الواقع الظالم والمنحرف ، وتعايشهم مع الطواغيت والظالمين والمستبدين والمفسدين في الأرض ، في سبيل تبرير مواقف بعض الرموز والقيادات أو منهجهم في العمل أو تبرير بعض التوجهات المسايرة للسلطة وقوى الاستكبار العالمي .. وذلك : لأنها أطروحات مخالفة للواقع ، وفيهـا إساءة للرب الجليل الذي أستخلص الأئمة ( عليهم السلام ) لنفسه ودينـه ، ورفدهم بعلمه ، وجعلهم الذريعة إليه ، والوسيلة إلى رضوانه .. وفيها : إساءة لمقام الإمامة العظيم ، وجهل لدور الإمام في مشروع السماء العظيم ، ورسالته في حياة الإنسان وخدمة الإنسانية .

والدرس الذي نستخلصه من ذلك : أن نرفض الانحراف والظلم والاستبداد والاستكبار والفساد .. لأن القبول بها : ضد الفطرة والعقـل والدين والضمير والأخلاق والاقتـداء بالأولياء الصالحين ( عليهم السلام ) وأن تكون لنا قيادة مؤمنة واعية مقدامة وشجاعة وجريئة في مواقفها ، تمتلك رؤية دينية وفكرية وسياسية واضحة ، ورؤية واضحة للأهداف ، وتمتلك تخطيطا محكما للحركة ، وتتمتع بحسن التربية والقيادة والإدارة للكوادر والقواعد الجماهيرية وللمواقف والأوضاع العامة ، ولا تأخذها في الله ( عز وجل ) لومة لائم .. وذلك من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية والوطنية المقدسة للحركة .

وفي الختام : وبمناسبة افتتاح هذا المهرجان المبارك ، وفي ظل الإحباط المتزايد في الساحة السياسية المحلية ، فإني أدعوكم ( أيها الأحبة الأعزاء ) لزيادة الاهتمام بإحياء المناسبات الدينية ( الوفيات والمواليد وغيرها ) فإنها ( كما ذكرت في مناسبات كثيرة سابقة ) الملاذ الأول الحصين لجماهيرنا المسلمة الغيورة على دينها ووطنها ، للمحافظة على حضورها الفاعل في الساحة ، وارتفاع معنوياتها في الرفض والمقاومة والبناء والتعمير .

أوصيكم أيها الأحبة الأعزاء : بالسعي لتطوير الاحتفالات الدينية وتنويع أشكال الإحياء .. وذلك على الأسس الثلاثة التالية :

الأساس الأول ـ الأصالة والنقاء : وذلك من خلال مراعاة الأطر والأحكام الشرعية في الإحياء ، وتنقيته من كل شوائب الانحراف والإساءة .

الأساس الثاني ـ توسيع دائرة المشاركة الشعبية : وذلك من خلال الحرص على مشاركة كافة الشرائح والمستويات من الجنسين : الرجال والنساء ولكافة الأعمار : الأطفال والشباب والشيوخ ، وتنويع الأنشطة لتستوعب كافة المواهب الفكرية والأدبية والفنية وتلبي كافة الأذواق في المجتمع . على أن تكون المشاركة ليست بالحضور فحسب ، وإنما بالاشتراك في الأنشطة المتنوعة في الإحياء .. كما هو موجود فعلا في مهرجانكم هذا .

الأساس الثالث ـ المنفعة : وذلك من خلال الحرص على أن يكون الإحياء مفيدا لكافة الشرائح والمستويات المشاركة في الإحياء في الدين والدنيا ، بأن تخرج بفوائد عملية بعد المشاركة ، بأن تحصل على المزيد من المعرفة بالله ( سبحانه وتعالى ) والقرب منه ( عز وجل ) والمعرفة النافعة بأهـل البيت ( عليه السلام ) وطاعتهم والقرب من منهجهم وخطهم في الحياة ، والاقتداء بهم ( عليهم السلام ) في السلوك الصالح ، والمواقـف الصادقة ، والأعمال النافعة في الدين والدنيا والآخـرة ، والمعرفة بكافة شؤون الحياة العامة وقضاياها الجوهرية والحيوية ، وتحمل المسؤولية العامة الشرعية والأخلاقية نحو الدين والوطن والعباد ، وليس الدخول والخروج بدون فائدة .. كما يقال : دخلـت وأنا جوعـان ، وخرجـت وأنا جوعـان ، فيفقد الإحياء قيمته ، وتضيع غايته ورسالته والهدف منه في الحياة .

أيها الأحبة الأعزاء : إن حقيقة الإحياء والمشاركة والزيارة لأهـل البيت ( عليهم السلام ) وقيمتها تكمنان في قدرتهـا على أن تجعلنا قريبين من منهجهم ( عليهم السلام ) وخطهم في الحياة ، وتحملنا على الإقتـداء بهم ( عليهم السلام ) في السلوك والمواقف والأعمال الصالحة .. وبدون ذلـك : يصبح الإحياء ممارسة فارغـة من المضمون ، وتصبح المشاركة والزيارة فاقدة للقيمة والمعنى ، وتضيع رسالتها وأهدافها في الحياة ، وتصبح بدون فائدة حقيقية !!

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.