محاضرات وندوات عام 2005

كلمة الأستاذ في عيد الغدير في مدينة حمد – مأتم فاطمة الزهراء ( ع )

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
العنوان : الغدير .. حقائق ودروس .
المكان : مدينة حمد – مأتم فاطمة الزهراء ( ع ) .
اليوم : مساء الخميس – ليلة الجمعة .
التاريخ : 22 / ذو الحجة / 1425هـ .
الموافق : 3 / فبراير – شباط / 2005م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على النبي المصطفى ( محمد ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين .

اللهم أرحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا .. في الدنيا والآخرة يا كريم .

اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ..
أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

قال الله تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } .
( المائدة : 67 ) .

هذه الآية الشريفة المباركة : نزلت على الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو في طريق عودته من حجة الوداع إلى المدينة المنورة ، في يوم الخميس .. بتاريخ : ( 18 / ذو الحجة / 10 هـ ) في منطقة غدير خم ، وقد مهدت الطريق لحديث الغدير العظيم ، الذي قال فيه الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ” من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه ، وعادي من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، فإنه مني وأنا منه ، وإنه مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي .. ألا فليبلغ الشاهد الغائب ” .

وحديث الغدير : حديث متواتر من طرق مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد نقله الأمين في كتاب ( الغدير ) عن ( 180 : صحابيا ) و( 84 : تابعيا ) و( 360 : عالما وأديبا ) وروي علماء المدرستين نزول الآية الشريفة المباركة في غدير خم في فضل الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وذكروا حديث الغدير .

وتتضمن الآية الشريفة المباركة : حقائق أساسية ودروس بليغة حول العقائد الدينية والنشاط التبليغي .. منها الحقائق التالية :

الحقيقة الأولى : أن الآية الشريفة المباركة العظيمة ، طلبت من الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بصورة حاسمة لا تقبل التردد أو التأجيل ، أن يبلغ المسلمين ( حالا ) بأمر هو في غاية الأهمية ، يتعلق ببقاء الرسالة وسلامتها ، وأنه يبلغ من الأهمية والمكانة حدا يوازي أهمية ومكانة الرسالة كلها ، وأنه لعظيم أهميته ومكانته بالنسبة للرسالة ( وجودا وعدما ) فإن إهماله والامتناع عن التبليغ به ، يساوي الإهمال الكامل للرسالة نفسها ، وعدم التبليغ بها أو بشيء منها من الأساس ، وبإهماله وعدم التبليغ به ، ينسلخ الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مما شرف به من عنوان الرسالة ، ويكون جزؤه جزاء من كتم جميعها.

ولهذا جاء الأمر في الصيغة الحاسمة التي تحمل صورة التهديد الشديد التي لا مثيل له في القرآن الكريم ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) لأن النتيجة ستكون بهذه المثابة من الخطورة .

أيها الأحبة الأعزاء : لقد نزلت هذه الآية الشريفة المباركة بهذه الصيغة من الأمر والتهديد ، بعد أن كاد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ نهاية المطاف في مسيرة تبليغ الرسالة بكل الأساليب الحكيمة والوسائل الرشيدة ، وقد أبلى في ذلك بلاء حسنا ، وعاني التعب وتكبد الجهد والعناء ، مما يدل بكل جلاء ووضوح لكل ذي بصيرة ، على الأهمية القصوى التي تبلغها الولاية لأهل البيت عليهم السلام في مجال الهداية الربانية للإنسانية ، وتحقيق غرض الدين الحنيف ومقاصده العظيمة المقدسة ، وأنها ( أي : الولاية ) من الدين بمثابة الروح من الجسد ، الذي يتهدم بنيانه ، وتتلاشى أجزاؤه بمفارقة الروح له ، وأنها ( أي : الولاية ) أعظم من مجرد المحبة والتعاطف القلبي مع أهل البيت ( عليهم السلام ) .

وقد بينت في كلمة : ( الغدير .. صراط الإنسانية ) أن حفظ الصبغة الإنسانية للأفراد والمجتمعات ، لا يمكن أن تتحقق إلا بالهداية الربانية ، وأن السبيل إليها بعد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) لا غير .

الحقيقة الثانية : أن لأمر الولاية الذي كلف الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغه بصورة حاسمة لا تقبل التردد أو التأجيل في هذه الآية الشريفة المباركة ، معارضون من أصحاب النفوذ أولي قوة لا يستهان بهم ، وأنهم سوف يخالفون أمر الولاية مخالفة شديدة ويتخذون التدابير اللازمة في مخيلتهم لفشله ، ويخشى منهم فعلا على الدين والأمة ، فإنهم سوف يثيرون المشاكل في وجه الرسالة ، ويشوهوا علاقة المسلمين بالدين الحنيف ، ويضعوا العقبات والعراقيل في طريقهم الصالح السوي في الحياة ، وفي الأمة منافقون سماعون لهم ، وآخرون ينعقون مع كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح ، مما يمهد الأرض لتحقيقهم بعض النجاح فيما يريدون .

الحقيقة الثالثة : أن الآية الشريفة المباركة العظيمة ، قد عالجت عدة مسائل مهمة تتعلق بالموضوع ، وتمثل جوانب من الخلفية الفكرية والسياسية لمواقف المعارضين لأمر الولاية ، وكان بعضها يثير مخاوف وقلق الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. منها :

المسألة الأولى : أن نظرة هؤلاء المعارضين إلى القيادة السياسية ، أنها من الأمور التي تخص الناس .. وليست من الدين : ( يكفينا كتاب الله ) وقد نفت الآية الشريفة المباركة وحديث الغدير ذلك ، وأكدا بأن مسألة القيادة السياسية من الدين ، وأن الهداية الربانية للإنسانية غير ممكنة بدون ولاية أهل البيت عليهم السلام بعد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

المسألة الثانية : أن هؤلاء المعارضين من الممكن أن يتهموا الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بسبب نسبه ومصاهرته له ، وقد نفت الآية الشريفة المباركة أن يكون للرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أي دور في تنصيب الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) للخلافة بعده ، وأنه أمر خالص من الله تبارك وتعالى ، وأن الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أهل لشغل هذا المنصب ذو الخطر العظيم بعد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وتحمل مسؤولياته الرسالية بكفاءته المعهودة التي أهله الله تبارك وتعالى بها لشغل هذا المنصب ، والقيام بجميع وظائف الهداية الربانية التي هي امتداد لخط الأنبياء عليهم السلام .

الحقيقة الرابعة : أن قلق الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن على حياته وسمعته الشخصية ، فقد خاض غمار المخاطرة بنفسه وبمن يحبهم من أهل بيته وأصحابه الأبرار ، وتحمل أذى المشركين والمنافقين والجهال من قومه وكلماتهم الجارحة ، من أجل رضا الرب تبارك وتعالى ، ووصول الرسالة إلى الناس ، ونجاحها في تحقيق أهدافها ، وإنما كان خوفه وقلقه صلى الله عليه وآله وسلم ، على الرسالة الربانية ، والمصالح الجوهرية للمسلمين ، ولهذا فإن الرب الرحمن الرحيم ، قد تكفل له بأن يحبط كيد الأعداء ، فلن يخلي لهم السبيل لينالوا مبتغاهم في إبطال كلمة الحق ، ولن يمكنهم من تحقيق ما يريدونه من الشر المتوجه لنفسه الشريفة أو مقاصده الرسالية العظيمة المقدسة .

وهذا يدل على عدة أمور .. منها :

الأمر الأول : أنهم لن يتمكنوا من قتل الرسول الأعظم الأكرم أو الإضرار الجسدي به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحيث يعجز عن التبليغ بهذا الأمر أو بأي أمر آخر يتوقف عليه بقاء الرسالة وسلامتها ، وهذا مما فرضه الله تبارك وتعالى على نفسه ، ويحكم العقل به ويقطع .

الأمر الثاني : أن المعارضين لأمر الولاية ، قد ينجحوا جزئيا فيما يريدون من الحيلولة دون بسط أهل البيت ( عليهم السلام ) لسلطتهم على الأمة الإسلامية ، إلا أن الحجة علي ولايتهم ( عليهم السلام ) سوف تبقى قائمة ، وأنها سوف تكون في متناول كل من يبحث عنها ، ولن يخلو زمان من المؤمنين بها والداعين إليها ، وأن أهل البيت ( عليهم السلام ) سوف ينتصروا ميدانيا في نهاية المطاف ، وتكون لهم الغلبة والحاكمية والسلطة على كافة الناس ( بإجماع المسلمين في عهد القائم المهدي – عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وجعلنا من أنصاره والمستشهدين بين يديه ) مما يعني تحقق وعد الله تبارك وتعالى بالانتصار التام الكامل لدعوة الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وإحباط كيد المعارضين لأمر ولايتهم ( عليهم السلام ) .

الدروس والعبر المستخلصة من الآية الشريفة المباركة : نستخلص من الآية الشريفة المباركة العظيمة .. الدروس والعبر التالية :

الدرس الأول : أن الرسالة الربانية العظيمة ، تشق طريقها في الحياة من خلال الصراع مع قوى الشر والباطل ، وتقف في وجهها التحديات والصعوبات .. وليس بمعزل عن ذلك ، ومعنى ذلك أن يطأ المؤمنون المجاهدون والدعاة إلى الله تبارك وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة الأشواك بأقدامهم ، ويشربون من كأس الألم الذي يسقيهم إياه أعداؤهم وأعداء الحق والدين والإنسانية ، وأنه يجب عليهم الصبر والثبات وبذل التضحيات ، حتى يتحقق وعد الله تبارك وتعالى لهم بالنصر ، ويُظهر الدين الحق على الدين كله ، ولو كره المشركون ، وكفى بالله وكيلا ، وكفى بالله شهيدا .

الدرس الثاني : أن انتصار الدين الحق وظهوره على الدين كله .. يتطلب من المؤمنين أمور .. منها :

الأمر الأول : إظهار الحزم وتحمل ثقل المسؤولية في بيان مضامين الرسالة ، وإسقاط كافة الاعتبارات التي تحيل دون ذلك ، وعدم التردد أو الخوف من أجل صيانتها من التحريف أو التبديل ، وهذا يتطلب الابتعاد عن الخطاب الضبابي الغامض وغير الواضح وإزالة كل لبس في هذا المجال .

الأمر الثاني : الشجاعة في المواقف واتخاذ القرارات الرسالية التي تتعلق بالمحافظة على حسن سير النشاط الدعوي والمصالح الجوهرية للعباد ، والتحرك بحيوية وثبات ، والإصرار على إزالة كافة العقبات التي تقف في وجه الرسالة والمصالح العامة الجوهرية للمسلمين وحسن سير الدعوة ، وعدم الخوف من المواجهة مع التحديات والقوى المضادة .

وذلك للأسباب التالية ..

السبب الأول : لأن ذلك حق من حقوق الإنسانية ، وواجب فرضه الله تبارك وتعالى على المؤمنين في سبيل وصول الرسالة إلى غاياتها .

السبب الثاني : أن الاهتزاز في ذلك يؤدي لأن تكون قضية الرسالة كلها في مهب الريح ، وتضيع الغايات الأساسية للدين .

السبب الثالث : أن الحسم والثبات ، يرفع المؤمنين إلى الآفاق الروحية الواسعة ، والمكان الرفيع المحمود عند الله تبارك وتعالى ، ويجعلهم أهل لرحمته الواسعة ، وثوابه العظيم في الآخرة ، ويشعرهم بالفرح الروحي والراحة والسرور والطمأنينة في الحياة ، على الرغم من كل ما يواجهونه من الصعوبات ويكابدونه من آلام المواجهة .

الجدير بالذكر : أن ذلك لا يعني الخشونة والقسوة في إلقاء كلمة الحق وبيانها والدفاع عن الحقوق والمطالبة بها ، فقد أمرنا الله تبارك وتعالى باللين والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولا يوجد أي تعارض بين الأمرين – على خلاف ما يقوم به بعض المتربصين من محاولات إثبات التعارض بينهما بغير وجه حق – حيث يجب التفريق ( بين المادة والموضوع ، وبين الطريقة والأسلوب ) .

والمطلوب : الحسم وعدم المداهنة في المادة والموضوع ( أي : بيان كلمة الحق فيهما بصورة حاسمة كاملة فاصلة شاملة ) واللجوء إلى اللين والحكمة في الطريقة والأسلوب .

الدرس الثالث : تدلنا الآية الشريفة المباركة على أمرين في غاية الأهمية في حياتنا الدينية والدعوية .. وهما :

الأمر الأول : أن التقية لا يجوز أن تكون على حساب الثوابت من العقيدة والأهداف الرسالية والمصالح الجوهرية الكبيرة للعباد ، لأن ذلك يحجب وضوح الرؤية ، ويلغي دور الرسالة وغاية وجودها ، وهو خلاف الحكمة ومقاصد العقلاء في الحياة .

الأمر الثاني : أن دائرة التكتيك .. التي تعبر : عن المرونة الحركية في التعايش مع الظروف المتغيرة ، تسمح بالتنازل في القضايا الثانوية والتعديل في تفاصيل التحرك الخاضعة لإمكانية التغيير والتبديل ، ولا يسمح له بأن يمس المبادئ العليا للدين وثوابته الفكرية والتشريعية والحركية ، أو أن يكون على حساب المسائل الرئيسية ، والقضايا الجوهرية الكبيرة ، والمقاصد العظيمة للدين الحنيف .

الدرس الرابع : أن الآية الشريفة المباركة : تكشف لنا عن أهمية القيادة لكل رسالة وأمة وشعب ، وأنها تحتاج إلى شروط قاسية وصفات حميدة ، وأنها عنوان إلى المسؤولية والقدرة والكفاءة على تحمل المسؤولية وأداء الحقوق إلى العباد ، وليست عنوان إلى التشريف والظفر بالمكاسب الشخصية ، وأنها تكون للرسالة والأمة والشعوب ، بمثابة الروح من الجسد ، فحياة الرسالات والأمم والشعوب تبدأ بالقيادات ، وأن موتها أيضا يبدأ بالقيادات ، وهذا يفرض علينا ضرورة تحمل المسؤولية والتدقيق في اختياراتنا للقيادات الرسمية والشعبية والممثلين عنا في جميع المجالات .

الدرس الخامس : أن أهمية الشيء لا توجب الاستعجال في طرحه ، وإنما توخي الحكمة واختيار التوقيت المناسب لذلك ، وهذا ما حاول الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعله بشأن الولاية ، والاستعجال القرآني له في طرحها في يوم الغدير .. لا يلغي ما ذكر ، وإنما يؤكد عدة أمور .. أهمها :

السبب الأول : ضيق الوقت ، وأنه لا يوجد أي متسع من الزمن للتأجيل ، وهذا ما أثبته الواقع ، حيث انتقل الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربه في يوم الاثنين ضُحى .. بتاريخ ( 28 / صفر / 11 هـ ) أي بعد شهرين وعشرة أيام فقط من حدث الغدير .

السبب الثاني : مناسبة التوقيت والظروف للتبليغ من أجل إظهار أهميتها ومكانتها في الهداية الربانية للإنسانية .

السبب الثالث : أن القبول والرفض لها يتوقف على الإخلاص وطهارة القلوب أو تلوثها وقذارتها بالنفاق وغيره ، شأنها في ذلك شأن كافة الحقائق الإيمانية الكبيرة .

فالقلوب الطاهرة النظيفة من الأهواء تتلقاها بالقبول ، أما القلوب القذرة فلا يجدي التأجيل معها نفعا ، ولا يأتي التأجيل أو أي شيء غيره معها بنتيجة إيجابية ، وأن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يتحمل المسؤولية عن عدم قبولهم لها ، وسوف يسألون عنها وحدهم يوم القيامة .

الدرس السادس : أنه على الرغم من كل التجليات العظيمة للإخلاص والصدق لدى الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد وجد من يطعن في نياته وإخلاصه ، ويتهمه بالانحياز والميل عن الحق ، وهذا يعني بأنه لن يكون أحد من المؤمنين الرساليين بمعزل عن مثل هذه الاتهامات الباطلة من القوى الشريرة المضادة ، وعليهم أن يتحلوا بالحرص الشديد على الوفاء بالعهد ، والصبر والثبات على المواقف ، وأن لا يقيموا أي اعتبار لمثل تلك الاتهامات الباطلة والكلمات غير المسؤولة ، التي قد تثيرها تلك القوى بهدف تشويش الرؤية أو تشويه المواقف ، وعليهم أن يواصلوا طريقهم في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، والدفاع عن الحق والعدل والخير للناس جميعا ، بالحكمة والموعظة الحسنة .

الدرس السابع : أن الداعية الرسالي لا يتجمد عند حدود الربح والخسارة المادية في التحرك ، وإنما يعطي للأهداف الرسالية والقيم والمبادئ حقها .

كما لا يتجمد في المواقف عند حساب الظروف الموضوعية المحيطة فحسب ، وإنما يعطي الثقة بالله تبارك وتعالى حقها ، ويقتحم الواقع بروح التضحية التي تتطلع إلى قبول السماء ومددها الذي لا ينقطع عن عباده المؤمنين المجاهدين ، من أجل تحقيق الأهداف الرسالية العظيمة في المجتمع .

الدرس الثامن : أن الآية الشريفة المباركة تكشف لنا : أن الأخطار الداخلية أكثر فتكا بالرسالات والأمم والشعوب من الأخطار الخارجية ، وعليه ينبغي أن تكون لها الأولوية وتقدم على غيرها في المواجهة وفي كل عملية للإصلاح .

وفي الختام : أرغب في تناول مشكلة عملية تواجهنا في الحياة .. تتعلق بصدق الانتماء للدين .

أيها الأحبة الأعزاء : الدين ليس مجرد طقوس وكلمات تقال باللسان أو كتب تقرأ وتدرس ، وليس صفة تدعى وتوارث بين الناس ، وإنما هو رؤية فكرية ومنهج حياة لهما تأويلهما الواقعي في حقيقة الوجود ومسيرته إلى الله تبارك وتعالى ، وسوف نجد تأويلهما الواقعي شاخصا أمامنا في يوم القيامة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ، فعلينا – أيها الأحبة الأعزاء – بتقوى الله تبارك وتعالى ، والصدق في الانتماء للدين ، وأن نتعامل معه بجدية تامة بالغة ، في المعرفة والعمل ، فنتغلب على العصبية المذهبية في تحري الحق في المسائل الخلافية ، ونتجاوز تقليد الآباء والأجداد إلى اليقين في معرفته ، وأن نحذر من المنهج التبريري للقبول بالأمر الواقع المنحرف الذي ورثناه أو فرض علينا وألفته نفوسنا وأنست به ، لنضعف بذلك عن مواجهته بحزم المؤمنين وإخلاصهم للتوحيد ، ونعطي له باختيارنا الشرعية الفكرية الإرادية ليفرض هيمنته على عقولنا وقلوبنا وأرواحنا ، فيسممها ويبعدها عن صراط الإنسانية المستقيم !!

وعلينا أن نحرص على صحة العمل واكتساب الفضائل ومحاسن الأخلاق ، وأن نحذر من التساهل في العمل بأحكام الدين أو التقصير في الاقتداء بأولياء الله العظام ( عليهم السلام ) أو أن تلهنا الدنيا الفانية أو طول الأمل عن العمل للآخرة الباقية والاستعداد للقاء الله تبارك وتعالى .. فنكون من الأخسرين أعمالا .

وليكن من شعاراتنا التي نرفعها في الحياة بقوة وحزم : ( الإسلام طريقنا في الحياة ، ولن نتخلى عنه تحت تأثير الشهوات أو الإرهاب وتهديد السلاح ) .

أيها الأحبة الأعزاء ..
أكتفي بهذا المقدار ..
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ..
واستودعكم الله القادر الحافظ من كل سوء ومكروه ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.