محاضرات وندوات عام 2005

كلمة الأستاذ في مؤتمر العاطلين عن العمل

كلمة الأستاذ في مؤتمر العاطلين عن العمل

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : مؤتمر العاطلين عن العمل .
المكان : جامع الإمام الصادق ( ع ) . القفول .
الجهة المنظمة : الهيئة العامة للباحثين عن عمل ( تحت التأسيس ) .
اليوم : مساء الأربعاء – ليلة الخميس .
التاريخ : 8 / ذي الحجة / 1425هـ .
الموافق : 19 / يناير – كانون الثاني / 2005م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على النبي المصطفى محمد ، وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين .

السلام عليكم أيها الأحبة الأعزاء ورحمة الله تعالى وبركاته .

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى . وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } .
( طه : 117 – 118 ) .

أيها الأحبة الأعزاء : تتضمن هاتان الآيتان القرآنيتان الشريفتان المباركتان العظيمتان من ( سورة : طه ) ( بصورة مباشرة وغير مباشرة ) حقائق مهمة عديدة .. منها :

الحقيقة الأولى : أن الإنسان يجب أن يعيش حياة ناعمة مطمئنة كريمة يُضمن له فيها حاجاته الأساسية بصورة مناسبة للزمان والمكان الذي يعيش فيهما .

الحقيقة الثانية : في مقدمة الحاجات الأساسية : الأمن على النفس ، وحرية العقيدة ، والطعام ، والشراب ، والملبس ، والمسكن .

الحقيقة الثالثة : أن النقص في هذه الحاجات الأساسية يؤدي إلى شقاء الإنسان وتعبه في الحياة .. ويحط من كرامته .

الحقيقة الرابعة : أن توفير هذه الحاجات الأساسية في كل مجتمع .. يحتاج : إلى قانون عادل ، وإدارة سياسية ناجحة ، وحكومة نزيهة عادلة ، وسعي الشعب وكفاحه وجهاده من أجل الحصول عليها .

الحقيقة الخامسة : أن القانون الذي ينتقص من هذه الحقوق .. قانون غير عادل ، والحكومة التي تنتقصها ولا تحرص على توفيرها .. حكومة غير عادلة وغير رشيدة ، وأنها تشبه إبليس في عداوتها للإنسان .

الحقيقة السادسة : إن حصول النقص في هذه الحاجات الأساسية في أي مجتمع من المجتمعات ، يدل على التخلف وغياب التخطيط فيه ، وتتحمل الشعوب والحكومات ( معا ) مسؤولية ذلك . الحكومات بسبب غياب التخطيط الناجح والإدارة الرشيدة ، والشعوب بسبب صمتها وعدم حركتها الفاعلة في المطالبة بحقوقها .

والنتيجة : أن كل الحكومات في العالم مطالبة بتوفير هذه الحاجات الأساسية لشعوبها ، وعلى الشعوب أن تحاسب الحكومات على هذه المسؤولية ، وتجاهد من أجل الحصول عليها وضمانها .. بكافة الأساليب والوسائل المشروعة .

وفي البحرين : نجد نقصا ملحوظا في توفير هذه الحاجات الأساسية ، وهو نقص ناتج عن تقصير الحكومة وسوء إدارتها .. وعن تعمد وقصد أحيانا ، بسبب إتباع سياسة التمييز الطائفي البغيضة بين المواطنين ، وتفضيل الأجنبي عليهم أحيانا لأهداف سياسية ومن أجل مراعاة أصحاب النفوذ في الدولة والمجتمع .. كما هو واضح في مشكلة البطالة التي نجتمع في هذه الليلة من أجل تلمس الطريق إلى حلها ، حيث العمالة الأجنبية المرتفعة جدا في سوق العمل المحلية مع غياب استراتيجية التدريب والإحلال ، والتمييز الطائفي الصارخ جدا في التوظيف ، وحرمان المواطنين الشيعة من حقهم في العمل في مؤسسات الدولة العسكرية وبعض المؤسسات المدنية .. الخ .

والخلاصة : أن المطالبة الشعبية بتصحيح هذه الأوضاع وفي مقدمتها توفير فرص العمل ، حق إنساني كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والدستور الوطني ، وهو حق يجب أن يحترم ، وأن يحصل على الدعم الشامل من جميع الأطراف : الرسمية والأهلية ، وإلا فالبديل .. هو : فقدان الأمن والاستقرار ، وهدر كرامة الإنسان ، والتخلف الشامل في الوطن .

روي عن الصحابي الجليل ( أبي ذر الغفاري – رضي الله تعالى عنه ) أنه قال : ” عجبت لمن لا يجد قوت يومه ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه !! ”

وهذا القول من الصحابي الجليل : يعبر عن جانب مهم من الفلسفة الإسلامية الاجتماعية ، وفيه نقطتان رئيسيتان .. وهما :

النقطة الأولى : مسؤولية الحكومة المباشرة عن توفير الحاجات الرئيسية لكافة أبناء الشعب .

النقطة الثانية : حق أبناء الشعب في المطالبة بحقوقهم وإلزام الحكومة بتلبيتها بكافة الأساليب والوسائل المشروعة .

وهنا أرغب في الإشارة إلى ثلاث مسائل مهمة تتعلق بعمل لجنة العاطلين .. وهي :

المسألة الأولى – أشير فيها إلى نقاط مهمة تتصل بالبطالة .. وأهمها :

النقطة الأولى : يعتبر القضاء على البطالة هدف أساسي من أهداف التنمية في كافة دول العالم ، لأنه عائق خطير في وجه أمنها وتقدمها ، ويشمل ذلك القضاء على البطالة المقنعة الذي منها انخفاض الأجور .

النقطة الثانية : البطالة تنتقص من كرامة الإنسان وحقوقه ، والقضاء عليها حق من حقوقه التي تناولتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية .. منها : الاتفاقية رقم ( 168 ) بشأن النهوض بالعمالة والحماية من البطالة التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته الخامسة والسبعين بتاريخ : ( 21 / يونيه – حزيران / 1988 ) .

النقطة الثالثة : البطالة تؤثر سلبيا بصورة مباشرة على حقوق الإنسان السياسية والمدنية ، لأن الإنسان العاطل عن العمل ، والذي لا يجد قوت يومه ، سوف ينصرف جل تفكيره إلى توفير لقمة العيش لنفسه وعياله ، وتصعب عليه المطالبة ببقية حقوقه السياسية والمدنية .

النقطة الرابعة : البطالة تؤدي إلى الفقر ، والفقر يحطم أجيالا من الناحية الجسمية والفكرية والمعنوية ، وتمتد آثاره السلبية الخطيرة إلى أجيال المستقبل ولا تقتصر على الجيل الحاضر ، لأن الفقر .. كما يقال : يخلق الفقر ويورثه !!

وقد عدد علماء النفس والاجتماع آثارا نفسية واجتماعية للبطالة وانعكاساتها الخطيرة على الأفراد والمجتمع ، بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والسياسية المباشرة .. منها على سبيل المثال لا الحصر الآثار التالية :

أولا – الآثار النفسية : الشعور بالإحباط الشديد والكآبة والقلق والملل واليأس وعدم الثقة بالنفس وما ينتج عنها من أمراض جسدية .. مثل : أمراض الجهاز الهضمي والسكر وضغط الدم وآلام الجسم .. وغيرها ، مما يهدم العاطلين عن العمل نفسيا ، ويدفعهم إلى التفكير جديا في الانتقام من الحكومات وأصحاب رؤوس الأموال الذين يرون فيهم المسؤولية عن مشكلتهم وحرمانهم من فرصتهم في العيش الكريم وتحقيق ذواتهم وتجسيد طموحاتهم المشروعة ، وهذا بدوره يؤدي إلى تهديد الاستقرار الأمني والسياسي والسلم الوطني ، ويضعف روح الانتماء للوطن ، ويؤدي إلى انتشار الاضرابات والعنف والجرائم .. مثل : الاعتداءات الجسدية والجنسية والقتل والمخدرات وشرب الخمر .. وغيرها .

ثانيا – الآثار الاجتماعية : تأخير الزواج مما يؤدي إلى انتشار العزوبة والعنوسة ، وترك الأسرة والهجرة إلى خارج الوطن طلبا للرزق ، وعدم القدرة على تلبية حاجات الأسرة القائمة والمساهمة في إعالتها ، مما يؤدي إلى تخلف أوضاعها الصحية والنفسية والاجتماعية والثقافية وشعور أبنائها بالحاجة والحرمان ، وهذا بدوره يؤثر تأثيرا سلبا على العلاقة الزوجية ، ويؤدي إلى تزايد المشاكل العائلية بين الزوجين وبينهما مع الأبناء ، وقد يؤدي – لا سيما مع ضعف الوازع الديني – إلى الانحرافات الفكرية والأخلاقية والسلوكية وانتشار الجرائم الخطيرة بين أبنائها .

الجدير بالذكر : أن تفاقم مشكلة البطالة وتعاظم آثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية ، بالإضافة إلى ما ينتج عنها من تخلف وما تلقي به من ظلال قاتمة سوداء على الأفراد والمجتمع والدولة ، فإنها قد تؤدي إلى سقوط الحكومات في بعض الدول .. كما حدث فعلا في بعض دول العالم الثالث .

ومحليا في البحرين : فإن انتشار التدين بين أبناء الشعب ، قد ساعد على الحد بدرجة عالية من هذه الآثار السلبية الخطيرة المدمرة على الأفراد والمجتمع والدولة .. بدون أن يلغيها بالطبع ، وتبقى المسؤولية الرسمية والشعبية قائمة بصورة ملحة لمواجهة المشكلة والحد من تداعياتها الخطيرة والقضاء عليها .

النقطة الخامسة : كلما تأخر علاج مشكلة البطالة يوما ، كلما تفاقم خطرها وجعلها أكثر صعوبة ، وجعل خسائرها أكبر وأشمل وأكثر كلفة ، وجعل المجتمع أكثر تخلفا من جميع النواحي : الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإنسانية .

والخلاصة : أن مشكلة البطالة : مشكلة اقتصادية سياسية أمنية نفسية حضارية إنسانية من ذوات العيار الثقيل ، التي تتحول في كثير من دول العالم إلى مشاكل أساسية معقدة ، وأنها بمثابة الشبح الذي يلاحق المجتمع والأفراد .. لا سيما الخريجين من الشباب والشابات الذين أمضوا الشطر المهم من حياتهم في الدراسة والتخصص ، وتلقي بظلالها القاتمة على رؤيتهم للحياة ، وتعكر صفو أحلامهم وتطلعاتهم المشروعة فيها ، ولا يجوز تجاهلها أو التساهل بشأنها : شعبيا ورسميا ، لأن أخطارها في المجتمع وعلى الأفراد عميقة ومتعددة وبعيدة المدى ولأجيال متعاقبة .

الجدير بالذكر : أن البنك الدولي قد تخلى أخيرا عن مسلمة سياسة السوق الحر للحد من البطالة ، وطالب بتصدي الحكومات المباشر لحل قضية الفقر ، وأن يكون من مكونات السياسة الاقتصادية لكل دولة إجراءات تخفف وطأة الفقر على المجتمع .

المسألة الثانية – المطالب التي ينبغي أن ترفعها لجنة العاطلين عن العمل : ينبغي أن تتسع دائرة المطالب التي ترفعها لجنة العاطلين عن العمل لتشمل كافة الحقوق المتعلقة بالموضوع .. وأهمها المطالب التالية :

المطلب الأول : توفير فرص العمل المناسبة لكافة القادرين عليه .. بمن فيهما أصحاب الحاجات الخاصة .

المطلب الثاني : تحسين مستوى الأجور والمعيشة والقضاء على الفقر .

المطلب الثالث : المساواة بين كافة المواطنين في حق التوظيف في كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ، وتجريم التمييز بينهم ، ومحاسبة المسؤولين عنه ، ومعاقبتهم عليه .

المطلب الرابع : التوزيع العادل للثروة ، والعمل على زيادة مساحة الطبقة الوسطى .. وخفض التفاوت الطبقي بين المواطنين .

المطلب الخامس : تطبيق الضمان الاجتماعي لجميع حالات العجز والبطالة .

المطلب السادس : وضع استراتيجية علمية وطنية مركزية للتوظيف والتدريب والإحلال .. في القطاعين العام والخاص ، وتشديد الرقابة على تنفيذها .

المسألة الثالثة – الاستراتيجية التي ينبغي على لجنة العاطلين الالتزام بها في المطالبة بالحقوق : وتتضمن نقاط عديدة .. أهمها :

النقطة الأولى : الالتزام بالمنهج السلمي المقاوم الفاعل والمؤثر في المطالبة بالحقوق ، وتوظيف كافة أدواته وأساليبه المشروعة .

النقطة الثانية : تنظيم عملية المطالبة ، والحرص على استمراريتها وتوسيع دائرة تمثيلها لتشمل كافة العاطلين عن العمل .

النقطة الثالثة : الحرص على استقلالية اللجنة ، وعدم الانتقاص من التنسيق مع مؤسسات المجتمع .. لا سيما المؤسسات العمالية والسياسية .

النقطة الرابعة : عدم فصل مسألة العاطلين عن مسألة الإصلاح السياسي والدستوري ، وهذه النقطة في غاية الأهمية من الناحية الاستراتيجية ، لحمل ومعالجة كافة الملفات الوطنية الساخنة .

وفي الختام : أقترح على اللجنة السعي لتنظيم ندوات فكرية وثقافية لتعريف المواطنين بحجم مشكلة البطالة في الوطن ، وآثارها السلبية الخطيرة على الأفراد والمجتمع ، والتعريف بنشاطها وطلب الدعم والمساندة لها من المواطنين بكافة الأشكال ، وأن تهتم بتثقيف المواطنين بحقوقهم في دائرة تخصصها ، وأن تؤكد على ثقافة العمل والإنتاج والتأهيل الحرفي والمهني واكتساب الخبرات العملية .. كأحد أهم الوسائل لمقاومة البطالة .

أكتفي بهذا المقدار ..
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ..
واستودعكم الله القادر الحافظ من كل سوء ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.