فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 30-03-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 30 مارس 2001 م

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين و أصحابه المنتجبين. السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي و سيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن و الحسين، السلام على علي بن الحسين و أصحاب الحسين، السلام على جميع الأوصياء و مصابيح الدجى و أعلام الهدى و منار التقى و العروة الوثقى و الحبل المتين و الصراط المستقيم، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي و أرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفدا.السلام على العلماء و الشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأخوة، و الأخوات في الله و رحمة الله و بركاته.

قال تعالى : ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا…. ” صدق الله العظيم.
الأسوة بمعنى القدوة و هي حالة في الشخص يقتدي بها غيره.. و في هذه الآية الشريفة حثٌ من الله عز و جل لعباده المؤمنين على الإقتداء بالرسول الأعظم (ص) و اتباعه و بمقتضى أن الإيمان بالرسالة و الرسول يتطلب من المؤمن الإقتداء و الإتباع للرسول، المؤمن بالرسول إيمانه يتطلب منه أن يتبع و يقتدي بالرسول و إن عدم الاقتداء و عدم الاتباع مخالف للإيمان بالرسالة و الرسول.
” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” يفهم علماء اللغة بأن هذا اللفظ ” لقد ” يدل على استقرار هذا التكليف و استمراريته، فهذا التكليف باقٍ و مستمر في كل زمان و الخطاب موجه للمؤمنين بكل زمان و كل مكان، وفي هذا التكليف دليل على أن شخصية الرسول الأعظم (ص) شخصية شاملة كاملة و أنها تجسيد للرسالة الشاملة الكاملة، كما قالت عائشة أم المؤمنين حينما سئلت عن الرسول الأعظم قالت ” خُلقه القرآن ” فشخصية الرسول الأعظم تجسيد كامل للقرآن.
” لقد كان لكم ” (لكم) خطاب لأولئك المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام، و يتظاهرون بالإيمان. و لكنهم خذلوا الرسول الأعظم (ص) في الشدة في معركة الأحزاب و هذه الآية توبيخا و تقريعا لهم بسبب هذا الموقف، فهي تعيرهم ” كيف تكونوا مؤمنين أو كيف تدعون الإيمان و الإسلام و أنتم تتخلون عن الرسول الأعظم (ص) في وقت الشدة و المحنة، هذا ليس من الإيمان في شيء. و كما قال الله تعالى : ” ما كان لأهل المدينة و من حولها أن يتخلفوا عن رسول الله، و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه… “.
” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة… ” في رسول الله أسوة حسنة لها معنيان : المعنى الأول هو أن الرسول الأعظم (ص) في نفسه قدوة حسنة أو أسوة حسنة، بوصفه المثل الأعلى و النموذج الكامل للإنسان، فيقتدى به في جميع مجالات الحياة، فالانسان فيقتدي الرسول الأعظم (ص) في جميع مجالات الحياة، لأنه يمثل المثل الأعلى و النموذج الكامل للإنسان.
فالذين يريدون أن يتقربوا إلى الله عز وجل و يسمو بأنفسهم و يكملوا ذواتهم عليهم أن يقتدوا برسول الله (ص)، فالإقتداء بالرسول الأعظم (ص) هو الطريق لإكمال النفس، و السمو و الارتقاء بها.
المعنى الثاني : في رسول الله أسوة حسنة بمعنى أن في الرسول (ص) خصلة جميلة زكيه، ينبغي عليكم أن تقتدوا به فيها، و الموقف الذي تشير الآية القرآنية هو موقف الرسول الأعظم في المعركة في الحرب،في صمود الرسول و عدم تخلفه، وفي صبره و عدم جزعه.
فالآية تقدم الرسول الأعظم (ص) كالنموذج للموقف المطلوب في المواجهة مع الأعداء و تطالب المؤمنين بأن يقتدوا برسول الله في هذا الموقف، سواء أكان بوعيه بشئون المواجهة و بصيرته أم بروحه المعنوية أم بصموده و صبره في المعركة، إلى آخره من العناصر التي تمثلت في شخصية الرسول في المعركة.
إلا أن معظم المفسرين يذهبون إلى المعنى الأول، و هو أن الرسول في نفسه قدوة حسنة و الإقتداء به في جميع مجالات الحياة، و من هذه المجالات ما الذي تناولته الآية الشريفة في تقريعها للمنافقين الذين تخلوا عن الرسول في وقت الشدة و نفهم ايضا من هذه الآية الشريفة أنها توضح لنا ما ينبغي أن يكون عليه القائد بالنسبة إلى أتباعه، فيجب على القائد أن يكون قدوة حسنة لأتباعه في جميع المجالات، في وعيه و بصيرته، في روحه المعنوية، في شجاعته و صبره… الخ. و إلا فلا يستحق أن يكون قائدا.
و بما إننا في محرم الحرام فإننا نفهم من هذه الآية ما ينبغي أن يكون عليه الخطيب أيضا الذي يعبر عن الحسين و عن مواقف الحسين، حيث ينبغي عليه أن يكون أيضا انمودجا و قدوة للمستمعين، أن يكون واعيا برسالة الحسين، و عارفا بمجريات الأمور لكي يبلغ برسالة الحسين ما تقتضيه الساحة، و يكون شجاعا و جريئا في التعبير عن رأيه و ما لم تتوافر فيه الصفات فإن هناك نقصا في هذا الخطيب.
كذلك الرادود أيضا يجب أن يكون قدوة للمعزين و قد ذكرت في كلام سابق حيث قلت 🙁 بأن مكانة الرادود من المعزين كمكانة الامام بين المصلين )، و هذا أيضا بصورة أدق ينطبق على الخطيب،وذلك إذا أردنا فعلا أن نكون أصحاب رسالة، و ليس على مستوى التكليف الشرعي.
” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا…” في بداية الآية قال الله تعالى ” لقد كان لكم ” وهو خطاب عام ثم انتقل الى التخصيص حيث قال ” لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا..” يرى المفسرون من خلال هذا التخصيص أو هذه الألفاظ ” لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا..” يقولون بأنه ليس كل من أدعى الإيمان فهو متأسي ومقتديا بالرسول وإنما الذي يتأسى بالرسول الذي يتأسى ويقتدي بالرسول هو من يتصف بهذه الصفات الثلاث : 1) يرجون الله 2) ويرجون اليوم الآخر 3) ويذكرون الله كثيرا.
( فالذين يرجون الله الرجاء ) بمعني توقع الخير، وتوقع الخير من الله أي توقع الثواب الله عز وجل.( فالذين يرجون الله ) هم الذين يؤمنون به ويتوقعون ثوابه، ( والذين يرجون اليوم الآخر ) هم الذين يتوقعون نعيم الآخرة ويعملون صالحا وهم أيضا الذين يذكرون الله كثيرا، وفي مقدمة الذكر لله أداء الفرائض الخمس والواجبات الشرعية والدعاء.
وهناك فرق بين وظيفة الرجاء بالله واليوم الآخر وبين ذكر لله كما يقول بعض المفسرين، فالرجاء لله واليوم الآخر يدفع الإنسان للعمل فالذي لا يرجو لا يعمل، وحينما يرجو الإنسان من الله عز وجل واليوم الآخر فهو يعمل ويضع قدمه في طريقة العمل، أما ذكر الله فله وظيفتان أساسيتان. الوظيفة الأولى هي :إبعاد الشيطان أي إبعاد الشيطان عن الإنسان العامل و جَعْل عمله خالصا لوجه الله، الوظيفة الثانية : إبقاء الإنسان على العمل فلا يضعف أمام الشدائد فالرجاء يدفعه للعمل، و ذكر الله يبعد الشيطان و يجعله يستمر في العمل.
ما ذكرته عن الاقتداء بالرسول الأعظم (ص) ينطبق بتمامه و كماله على الإقتداء بأهل البيت عليهم السلام الذين هم نفس الرسول (ص) ” قل تعالوا ندعو أنفسنا و أنفسكم ” فعبر عن الإمام علي بأنه نفسه و الأئمة عليهم السلام هم نفس الرسول الأعظم (ص) و أن الإقتداء بهم تكليف شرعي تماما كالإقتداء بالرسول الأعظم (ص) و نحن حينما نحيي ذكرى عاشورا و نسير في الموكب الحسيني و نحضر المآتم و نقرأ الزيارات فإننا بذلك نريد الطاعة لله و للرسول و لأهل البيت عليهم السلام، و الإقتداء بهم، و اتباعهم، فالإنسان الذي يحضر المأتم و الذي يسير في المسيرات العزائية و الذي يقرأ زيارة عاشوراء و غيرها من الزيارات، ثم يخالف أهل البيت.. ماذا كسب ؟ نفترض بأن هذا الإنسان بكى، تأثرا بما جرى على الإمام الحسين (ع) ثم خالف الإمام الحسين، و لم يتخلق بأخلاق الحسين، ماذا استفاد ؟ إذا كان الإنسان يشعر في نفسه بالضعف و الجبن و حضر مأتم الحسين و سار في المسيرة و لم يحاول أن يغيَّر هذه الصفة في نفسه، صفة الضعف و الجبن و الركوع أمام الشدائد ماذا استفاد من الحسين ؟.. فحينما نحضر الماتم و حينما نسير في المسيرات العزائية و حينما نقرأ الزيارات، فهذا كله يتطلب منَّا أن نحاسب أنفسنا و أن نتخلى عن كل الصفات و الأفعال التي تتناقض مع أفعال و صفات و أخلاقيات أهل البيت عليهم السلام و أن نتحلى بأفعالهم و صفاتهم و نتبعهم و لا نخالفهم في شيء.
فالإنسان قد يعصي الله – و العياذ بالله – و قد يُفرط في جنب الله، فإذا جعل من المشاركة في الموكب الحسيني (المأتم، المسيرات العزائية، الزيارة ) فلتكن فرصة لمراجعة النفس و اتباع الإمام الحسين، فهذه هي الاستفادة الحقيقة، فالاستفادة لا تتمثل في البكاء، و الثواب الحقيقي ليس على البكاء، وإنما هو إثارة للعاطفة من أجل السير في هذا الطريق، ألا و هو الاقتداء و الإتباع… فأرجو أن تُؤخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار. و كما قلت فالإنسان يخطئ و قد يعصي الله عز و جل، و لكن فليجعل من مشاركته في الموكب الحسيني فرصة لعودته إلى الله و الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام و أن حبه للحسين و تضحيات الحسين تدفعه و تشجعه على الرجوع و هذه قمة الشجاعة الأدبية التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان المؤمن.
بعد هذا الحديث أأتي إلى نقطة تتعلق بساحتنا المحلية، و كنت أرغب أن أتسلسل في الحديث و لكن لضيق الوقت سأذكرها كنقطة منفصلة… كلنا سمع رأي حجة الإسلام و المسلمين الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى) بشأن حرمة تمكين غير المسلمين سواء أكان تمكينهم في القلوب و المحبة أم تمكينهم على الأرض في الموقف و الجانب السياسي و الاجتماعي. و هذا الرأي ليس محل اختلاف بين المؤمنين، فكل المؤمنين متفقون و يعملون بهذا الموقف فالقرآن الكريم يؤكد على هذا المعنى و هذه بعض الآيات من سورة الممتحنة و أرجو أن تقرؤوها بتمعن : بسم الله الرحم الرحيم ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة، و قد كفروا بما جاءكم من الحق… ) بعد ذلك طالب القرآن المؤمنين بأن يقتدوا بإبراهيم و الذين معه فقوله تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم و مما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم و بدا بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) و في آية أخرى قال تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين يقاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولهم و من يتولهم فأولئك هم الظالمون ) فهاتان الآيتان تشيران إلى عدم جواز الولاية لأعداء الله و علينا أن نقتدي بالأنبياء و في مقدمتهم إبراهيم و الذين معه في هذا الموقف. و لكن لا يفهم من ذلك بأن الإنسان غير المسلم إذا لم يقف الموقف العدائي للإسلام و المسلمين ألا نقسط إليه، إنما ينهانا عن الذين يحاربون الله و الرسول، وكما قال الله تعالى في آية أخرى ( لا يجرمنكم شنآن قوم أن تقسطوا، اقسطوا هو أقرب للتقوى ) فهذا الجانب اتخذته كمقدمة لموضوع التنسيق مع العلمانيين الوطنيين في البحرين، فالكل يعرف بأننا ننسق مع الوطنيين العلمانيين داخل البحرين في مواقفنا السياسية فالقول الذي ذكره حجة الإسلام بأنه لا يجوز تمكين غير المسلمين سواء كان ذلك في القلوب أم على الأرض لا يتعارض مع التنسيق، حيث إنني سمعت شخصيا حجة الإسلام الشيخ عيسى أحمد قاسم رغم رأيه الأول الذي يقول يتحريم تمكين غير المؤمنين أنه لا يرفض التنسيق مع العلمانيين، و أيضا لا يجوز ظلم هؤلاء وحرمانهم من حقوقهم كمواطنين، و لا يمنع أيضا الحوار معهم، فهذه النقاط الثلاث سمعتها شخصيا من حجة الإسلام الشيخ عيسى أحمد قاسم، و بالتالي فالمطروح من قبلنا مع الشيخ و التنسيق مع المواطنين لا يتناقض مع رأي آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم و لكن المطلوب من الأخوة الوطنيين أن يعلنوا عن ثلاث نقاط و يعرفوها للأمة و هي : النقطة الأولى : احترامهم لخيار الشعب. و النقطة الثانية : احترامهم للدين الذي ارتضاه الشعب و هو دين الإسلام وحترام الشعائر و النقطة الثالثة : أن يمتنعوا كليا عن الإساءة للدين و المشاعر بقول أو فعل، و ليس معنى ذلك أن لا يعبروا عن آرائهم، فلهم الحق كل الحق في التعبير عن آرائهم بأسلوب علمي و موضوعي و أن يكون الحوار بيننا و بينهم على هذا الأساس، فالمرفوض هو السب و الشتم و الاستهزاء و السخرية، أما أن يعبر عن رأيه بأسلوب علمي موضوعي و يناقش على هذا الأساس فهذا غير مرفوض فمن حقه أن يقول بأسلوب علمي أن الله غير موجود وعلينا أن نناقشه على هذا الأساس، و من حقه أن يعبر بأسلوب علمي بالقول بأن النبي محمد ليس بنبي و أن النبي عيسى هو النبي، فنحن لا نرفض النقاش العلمي في طرح دقيق في أي اطروحات عقائدنا، إنما نرفض الأساليب غير الأخلاقية التي يرفضها العقلاء. و بعد هذا أتي إلى الموقف من لجنة العريضة و الذي أريد أن أطرحه أعلنه بصورة علنية و عامة حيث إن لجنة العريضة يعرفونه تماما… فلجنة العريضة ليست مؤسسة، و ليست منظمة سياسية و إنما هي مجرد إطار تنسيقي بين أطراف مختلفة، هذه هي النقطة الأولى، و النقطة الثانية إن هذه اللجنة تقوم على أساس التنسيق، و قد أثبت التنسيق أهميته و نجاحه في المرحلة السابقة، سواء أكان بالنسبة للعريضة الأولى أم العريضة الثانية أم التنسيق فيما يتعلق بالتصويت على الميثاق الذي كان نتيجته الإجماع الوطني في التصويت على الميثاق بنعم، فكان هذا ثمرة التنسيق، و ما زالت هناك حاجة في المرحلة الحالية حتى عودة الحياة البرلمانية، فهناك مثلا لجنة تعديل الدستور و لجنة تفعيل الميثاق، و هناك أيضا قضايا أخرى قد تكون أكثر تعقيدا من هذه المسائل، حيث إنني أشرت إلى بعضها في أحاديث سابقة، تتعلق مثلا بالتنظيمات السياسية الموجودة في الساحة، فكل هذه الأمور تتطلب التنسيق، فقد نحتاج إلى موقف تنسيقي بين كافة التيارات و القوى السياسية في البلد حول بعض المواقف مثلا كالتي تتعلق بتعديل الدستور أو بتفعيل الميثاق أو بوجود تنظيمات سياسية في الساحة إلى آخره من الأمور، فالحاجة لا تزال قائمة، و أرى بأن الحاجة سوف تبقى قائمة حتى بعد عودة الحياة البرلمانية، فهناك أولويات، فالحكومة لها أولوياتها4 و الوطنيون لهم أولوياتهم، و الإسلاميون لهم أولوياتهم، فالحاجة ضرورية للتنسيق بين الأولويات لكي لا نتعارض و لكي لا تفشل تجربتنا البرلمانية، فالتنسيق كان حاجة و لا يزال في المنظور حاجة و سيبقى حاجة و النقطة الثالثة على أن التنسيق ليس حكرا على أحد، فالتنسيق في المرحلة السابقة شمل بعض الأطراف، و لكن التنسيق بما هو مبدأ يمكن أن يشمل أطراف أخرى، سواء كانت هذه الأطراف إسلامية أم أطراف قومية أم أطراف سياسية أخرى، فالتنسيق كمبدأ ليس من المفترض أن يكون مع الطرف الفلاني أو الجهة الفلانية، فيجب أن يشمل التنسيق جميع ألوان الطيف الفكري و السياسي الموجود في الساحة و يجب أن يكون التنسيق أيضا مع الحكومة، فكما أن التنسيق مطروح مع أطراف المعارضة فهو مطروح مع الحكومة أيضا الآن و في المستقبل، فرقعة التنسيق و مساحتها مع الأطراف المشاركة في التنسيق قد تتسع بل إن المطلوب اتساعها، و يجب أن يكون التنسيق لأهداف محددة و وفق ضوابط محددة، فالتنسيق من باب الإيضاح له بعدان الإسلامي و الوطني، فالبعد الإسلامي بالنسبة لنا ركيزة أساسية، و بمعنى آخر بأن التنسيق بين الإسلاميين الشيعة و السنة له الأهمية الكبرى و ذلك لكوننا إسلاميين و منطلقاتنا إسلامية و لا تتعارض مع المطالب العامة التي نطالب بها لكل المواطنين و هذه هي أطروحتنا و لكن لنا رؤيتنا و غاياتنا الإسلامية فالإسلاميون السنة أقرب إلينا من غيرهم، و بالتالي فالأولوية سوف تعطى للإسلاميين لا سيما إذا استثنينا الأقليات غير الإسلامية كالمسيحيين و اليهود و غيرهم، فتبقى الأطراف العلمانية أياً كان انتماؤها و منهجها و رؤيتها الفكرية و السياسية فإنها تنتمي لإحدى الطائفتين، فالانتماء الإسلامي هو الانتماء الأساس، و صحيح أن هناك رؤى سياسية مختلفة و قد تكون مشارب سياسية أخرى، و لكن يبقى الانتماء الأساس هو الانتماء الإسلامي و المطلوب من العلمانيين أن يتقبلوا هذا الطرح بواقعية و بروح رياضية، و إذا توقع العلمانيون مثلا أن فضيلة الشيخ ” أبو جميل ” و أن آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم سوف يعطيان الأولوية لغير الإسلاميين على حساب الإسلاميين، لأن التنسيق مع غير الإسلاميين كان أسبق فهذا شيء خاطئ، فهذا الطرح ليس فيه ابتسار أو خلط للأوراق، فهذا هو الطرح الواقعي، فنحن نؤمن بالتنسيق مع العلمانيين… نسقنا و سوف نبقى ننسق و لكن من خلال رؤيتنا الإسلامية حيث إن التنسيق مع الإسلاميين السنة له أولويته و أهميته بالنسبة لنا، و لهذا ليس من الغريب أن نطرح أن يكون هناك برنامج سياسي إسلامي مشترك، فهذا الطرح طرح واقعي، و كما قلت ليس في ذلك بأن عبد الوهاب أو التيار الإسلامي الشيعي حينما يطلب التنسيق مع الإسلاميين السنة و إعطاءهم الأولوية و في نفس الوقت يطالب بالتنسيق مع العلمانيين فهذا الموقف ليس فيه ابتسار و ليس فيه خلط للأوراق، و لا مجاملة ولا مغازلة لأحد، فهو موقف مبدئي و على الكل أن ينقله بواقعية و بروح رياضية… فالتنسيق كما قلت يجب أن يكون وفق ضوابط محددة و لأهداف محددة، و أن يكون التنسيق في المواقف المشتركة تبدأ من الألف إلى الياء، فمثلا العريضة الأولى و العريضة الثانية بدأنا بالتنسيق من الفكرة حتى آخر خطوات التنفيذ، و كذلك فيما يتعلق بالتنسيق و التصويت على الميثاق، و نرجو أن يكون هذا الأمر كذلك في المواقف القادمة، فنحن مثلا عاتبنا أصحاب العريضة لما أصدروا البيان المتعلق بآلية الدستور فنحن لم نقف على الفكرة و لم نشارك في صياغة البيان بل رأينا البيان جاهزا، فعاتبنهم في ذلك، و كذلك فيما يتعلق بالرسالة التي أرسلت إلى ” اللورد إيفري ” أيضا كانت جاهزة و لم ننسق في الفكرة على الرغم من أنها كتبت باسم أصحاب العريضة و لم تطرح علينا الفكرة و لم نشارك في صياغة الرسالة و إنما عرضت علينا الرسالة جاهزة. فعاتبناهم في ذلك أيضا… فنرجو أن تكون المواقف القادمة تتجنب هذه الأخطاء فالتنسيق يجب أن يبدأ من الألف و ينتهي بالياء.
و هناك قضيتان أخريان إحداهما عتاب يتعلق بتشكيلة أصحاب العريضة، حيث يوجد في تشكيلة العريضة الشيخ ( أبو جميل ) ” سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري و عبد الوهاب حسين، بينما الوطنيون يتراوح عددهم من ثمانية إلى عشرة أشخاص وهذا دليل على عدم التوازن، فالتركيبة تحتاج إلى إعادة تشكيل و الاخوة الوطنيون لديهم العلم بذلك… فطُرِح علينا هذا الأمر و سوف يؤخذ ذلك بعين الاعتبار.
و تبقى هناك مسألة أخرى محل أخذ و عطاء وهي التسمية، أَ من الضروري أن تبقى التسمية أم لا ؟ فهناك اختلاف في وجهات النظر فبالنسبة لدينا حتى الآن لا يوجد رأي أعطي في هذه المسألة، فيمكن أن يبقى الاسم و يمكن أن يتغير الاسم بحسب الحاجة. لا سيما و نحن قد طرحنا فكرة توسيع رقعة المشاركة، فمن الممكن بعد التوسيع أن يتم اقتراح تغيير هذا الاسم، فهذا الأمر متروك للمستقبل.
في الختام أعتذر عن نقص خطير في الخطاب… فهذا الخطاب كان من الضروري أن يشتمل على تعليق حول القمة العربية المنعقدة في الأردن، و التطورات الأخيرة في فلسطين إلا إنني لم أستطع أن أتناول هذا الموضوع بسبب نقص المتابعة نتيجة للظروف التي فرضت علينا، فعدم الإشارة لهذا الموضوع خطير و لكن الأخطر من أن يكون التعليق من دون أن يكون هناك متابعة كافية.

أسأل الله عز وجل أن نعالج و نسد هذا الفراغ في الخطابات القادمة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

بتاريخ 5 محرم 1422 هـ الموافق 30 / 3 / 2001 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.