الأسئلة والأجوبة

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 2

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 2

الموضوع : أجوبة الأستاذ على بعض الأسئلة التي وردت إليه في الأيام الأخيرة .
التاريخ : 5 / شعبان / 1423هـ .
الموافق : 12 / أكتوبر ـ تشرين الأول / 2002م .

السؤال ( 1 ) : ما هو دوري كطالب اتجاه قضايانا الوطنية ؟

الجواب ( 1 ) : في البداية أتمنى لك ولإخوانك الطلبة التوفيق في دراستكم , وأذكركم بأن تحقيق النجاح في الدراسة .. هو أول واجباتكم , واعلموا بأنكم تملكون مفاتيح التقدم والتأخر لبلادكم , لأنكم الذين سوف تتولون الوظائف والناصب والمسئوليات العامة في البلاد .

وأما عن أدواركم تجاه قضايانا الوطنية فأذكركم بالنقاط التالية :

النقطة الأولى : أول مسئولياتكم الوطنية هي المحافظة على وحدة الصف الإسلامي والوطني ، والسعي إلى تطوير العمل المشترك .

النقطة الثانية : عززوا الحوار بين كافة الأطراف الفكرية والقوى السياسية ، وشاركوا فيه بقوة وفاعلية ، واهتموا كثيرا بتنمية الثقافة الحقوقية والدستورية ، فهي المحور الرئيسي في العمل الوطني في الوقت الراهن .

النقطة الثالثة : تمسكوا بالواقعية في المطالبة بالحقوق , وهي الواقعية التي ترتبط بالأداء بعيدا عن المجاملة والمهادنة , وليست الواقعية الانتهازية التي يطرحها البعض على حساب المبدئية وفي مقابلها .

النقطة الرابعة : حافظوا على أمانة المسئولية ، وشاركوا بفاعلية في الأنشطة العامة : الإسلامية الوطنية ، واجعلوا هدفكم الرئيسي : تصحيح الوضع الدستوري , والحصول على مؤسسة برلمانية تعبر عن أرادة الشعب ، ولا تكون مرتهنة بيد السلطة التنفيذية .

النقطة الخامسة : لا تنسوا الله ( جل جلاله ) في كل أمر ، وتمسكوا بدينه العظيم .. فإن ذلك هو سر سعادتكم في الدنيا والآخرة .

السؤال ( 2 ) : أين الخلل الأكبر ؟
وما هي نسب الخلل بين هذه الفئات : القيادة ، الجماهير ، البسطاء ، النخب ؟
وما هو المطلوب من كل فئة ؟

الجواب ( 2 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : المطلوب من القيادة أن تمارس عملية التوعية والتحكم والتوجيه , وأن تهتم بقضايا الشأن العام ، وهموم الناس اليومية , وتبين رأيها بشفافية ووضوح فيها ، لتضيء للناس الطريق في أمورها , وان تتواصل مع قواعدها .. وتأخذ آراءهم بعين الاعتبار .

أما عن أهم جوانب الخلل في أدائها فيتمثل في : عدم تنظيم الحالة القيادية بصورة واضحة ، وضعف التواصل مع الجماهير ، وعدم وضوح منهجية المشاركة الجماهيرية في صناعة القرار والصلاحيات القيادية ، وعدم وضوح الخطاب بصورة كافية في الأمور والقضايا الوطنية المهمة والمصيرية ، وفصل الخطاب الديني عن قضايا الشأن العام وهموم الناس اليومية ، وضعف التأصيل الفكري ( إسلاميا ) للمواقف السياسية ( علمنة المواقف السياسية ) وضعف التأسيس السياسي ( سطحية المواقف ) .

النقطة الثانية : المطلوب من الجماهير الحضور الفاعل في الساحة , وطاعة القيادة والإخلاص لها , وأن تمارس المراقبة والنقد الموضوعي لأطروحات ومواقف القيادة .. بدون تقديس أو إجحاف ، لأن ذلك من شأنه أن يحافظ على استقامة القيادة وتحسين أداءها وتطويره , الأمر الذي يتعلق بمصالح الجماهير ، التي يجب عليها حفظها والدفاع عنها , وأن مصالح الجماهير أمانة في أعناق القيادة لا يجوز لها التفريط فيها .

أما عن أهم جوانب الخلل في أداء الجماهير فيتمثل في : عدم وضوح الرؤية في العلاقة مع القيادة وصلاحيات الطرفين : القيادة والجماهير ، وهيمنة المنهج التبريري في تقييم الجماهير لآراء وأطروحات ومواقف القيادة .

النقطة الثالثة : البسطاء في الحقيقة .. هم : بمثابة الأيتام في رعاية القيادة والمثقفين ، وأن الواجب يفرض علي القيادة والمثقفين : حسن الرعاية لهم , والعمل على توعيتهم ونشر الثقافة بينهم , ولا يجوز استغلالهم أو التفريط في حقوقهم ( كما يحصل كثيرا ) وإنما حمايتها والدفاع عنها .. بكل قوة وأمانة وصدق .

النقطة الرابعة : المطلوب من النخب تأدية حق المجتمع عليهم ، فكل ما لديهم من خير هو بفضل المجتمع عليهم , وعليهم واجب النقد والتطوير وتقديم الدراسات والمقترحات لقيادات المجتمع ومؤسساته , والمساهمة الفاعلة في أنشطة المجتمع المختلفة , وأن يكونوا في غاية القرب من القيادات للمساهمة معهم في تحمل أعباء القيادة والإدارة , وأن لا ينعزلوا عن المجتمع وهمومه وقضاياه , وإنما يشاركوه في أفراحه وأحزانه , وأن يكونوا بمثابة العين المبصرة للمجتمع ، لكي يشق طريقه إلى النجاح باقتدار .. في أمن وسلام .

أما عن أهم جوانب الخلل في أداء النخب فيتمثل في : بعض الاستعلاء والعزلة عن المجتمع والسلبية في التعاطي مع قضاياه ، وغلبة الروح النفعية على المبدئية في التعاطي مع قضايا المجتمع وهمومه والمساهمة فيها ، وضعف الإرادة في مواجهة الصعوبات ، وعدم الاستعداد الكافي للتضحية من أجل القضايا المصيرية للمجتمع ، وغلبة المنهج التبريري على فكرهم النقدي لأداء السلطة والقيادات الكبيرة في المعارضة .

السؤال ( 3 ) : لماذا لم تفتح أبواب الداخلية والدفاع للمواطنين المحتاجين للعمل ؟
أرجوا الإجابة بالسرعة القصوى .

الجواب ( 3 ) : لقد طالبت المعارضة ، بأن تتاح الفرصة لكافة أبناء الوطن ليحظوا بشرف الخدمة العسكرية ، والمحافظة على أمن وطنهم والدفاع عنه , وعدم التمييز بينهم في ذلك .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : أن التمييز بين المواطنين في شرف الخدمة العسكرية من شأنه أن يهدم جسور الثقة مع السلطة ، ويهدم جسور المحبة بين بعضهم البعض ، وذلك يضر بالوحدة الوطنية ، التي تعتبر المحافظة عليها من أهم واجبات السلطة وكافة القوى الشعبية .

السبب الثاني : إن التمييز بين المواطنين في شرف الخدمة العسكرية ، يعتبر جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون .

السبب الثالث : لا يمكن أن يحمي حدود الوطن ، ويحفظ أمنه واستقراره الداخلي ، إلا مواطنوه الذين نمت أجسادهم من مائه وترابه ، وارتبطت حياتهم ومصيرهم به . أما الأجانب والمجنسون فهم لا يصلحون لهذه المهمة الحساسة جدا , التي تحتاج من القائمين عليها الاستعداد للتضحية وتقديم الأنفس ثمنا لها ، حيث لم يأتي الأجانب والمجنسون إلا من أجل منفعتهم ، لا من اجل التضحية بأرواحهم من أجل وطن غير وطنهم ، ولهذا فقد نص ( دستور : 73 ) العقدي ( المادة : 30 ) ( الفقرة : ب ) على التالي ” الدولة هي وحدها التي تنشئ القوات المسلحة وهيئات الأمن العام , ولا يولى غير المواطنين هذه المهام إلا في الضرورة القصوى , وبالكيفية التي ينظمها القانون “

ونصت ( المادة : 16 ) ( الفقرة : أ ) على التالي : ” الوظائف العامة خدمة وطنية , ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة ، ولا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون ” وفي ( الفقرة : ب ) ” المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة وفقا للشروط التي يقرها القانون ” .

السؤال ( 4 ) : ستظل البحرين رغم أنوف الدخلاء !!!
مشكلتنا في البحرين أنه ومنذ سيطرة الانجليز عليها ، وتحكم آل خليفة على العباد والبلاد ، بدأت سياسة التجنيس ، لتغيير التركيبة السكانية ، ومحاصرة السكان الأصليين وإضعافهم , فتارة نضرب بالبدوان ، وتارة بالساسانية الشيعية والسنية ، ومرة أخرى بالهنود والبلوش والباكستانيين ، والكل يلهم في هذا الجسد البحراني الكسيح ، والكل يتمركز ويتمصلح على حسابنا ، فلم يبقى من ثرواتنا ما يسد جوع أبنائنا ، وباتت أراضينا منهوبة ، وتاريخنا لا تعرفه أجيالنا ، فأصبحت كلمة بحريني الانجليزية الصنع وطنية ، والبحرانية طائفية ، فأبنكم يا أبناء زيد العبدي ، وأبناء الشيخ ميثم ؟ أرجوا منك التعليق بوضوح .

الجواب ( 4 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : في البداية أحذر كافة إخواني المواطنين ، من كل نزعة عنصرية شوفينية تميز بين أبناء البشر على أساس العرق أو اللون أو غيرهما ، وأن الظلم الواقع علينا من جراء التجنيس السياسي غير المشروع ، الذي تمارسه السلطة ( بغير حق ) لأغراض سياسية غير مشروعة تقوم ( أساسا ) على التمييز غير المشروع بين المواطنين ، وعلى خلاف إرادة أبناء الشعب .. أصحاب الحق الأصيل ، وضد مصالحهم الجوهرية الثابتة ، لا يصح أن يدفعنا لمثل هذه النزعات الممقوتة عقلا وشرعا ، فإنها على غير أخلاقنا ، وضد تراثنا الديني والوطني المشرف .

كما أحذر كافة المواطنين من التعاطي مع هذا الملف الخطير على أساس طائفي أو عرقي ، حيث ينبغي التعاطي معه على أساس وطني مشترك .. لا غير .

النقطة الثانية : لقد أوضحت المعارضة بجميع أنواع طيفها موقفها الرافض للتجنيس السياسي .. غير المشروع , الذي تمارسه السلطة على خلاف إرادة أبناء الشعب .. أصحاب الحق الشرعي الأصيل ، وضد مصالحهم الجوهرية : القريبة أو البعيد ، وحذرت المعارضة من أخطاره الشاملة على الوطن والمواطن , وطالبت بإيقافه فورا , وهي مطالبة باتخاذ مواقف أكثر حزما وفاعلية اتجاه هذا الملف الخطير جدا ، الذي يحمل في جوفه قنبلة شديدة التدمير للوطن والمكتسبات .

النقطة الثالثة : نطالب الحكومة بأن تتعامل بواقعية وشمولية اتجاه هذا الملف الخطير .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : أن التجنيس السياسي يمثل ( على المدى البعيد ) خطر على الحكومة .. كما هو خطر على الشعب , وأن المكاسب التي تنشدها السلطة على المدى القريب .. لن تنفعها على المدى البعيد .

السبب الثاني : ليس للحكومة الحق أن تعطي الجنسية لكي من هب ودب بدون رضا أبناء الشعب , ولا يصح للحكومة أن تجعل لها مصالح أو أجندة على خلاف مصالح الشعب الحقيقية الثابتة , لأن الشعب هو مصدر السلطات جميعا ، وهو صاحب الحق الشرعي الأصيل في التصرف في أرضه وسمائه ، ووظيفة السلطة تنحصر في الإدارة السياسية للبلاد ، بما يحفظ حقوق الشعب ويخدم مصالحه ويصون مكتسباته ، وهذه أمانتها التي يجب عليها المحافظة عليها ، وتفقد شرعيتها بخيانتها ، وليس لها الحق في التصرف حسب هواها ومشتهياتها في إدارة شؤون البلاد .

السؤال ( 5 ) : كيف استفادة الحركات الإصلاحية العالمية والثورات المطالبة بالعدالة وسيادة القانون من مبادئ الثورة الحسينية العظيمة ؟

الجواب ( 5 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو الإمام الثالث من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) كان يرى بأنه أحق الناس بالسلطة من يزيد بن معاوية وغيره ، وكان يرى شرعية إسقاط سلطة أو حكومة يزيد بن معاوية بالسلم والحرب ، وكان ظاهر حركنه ( عليه السلام ) المواجهة المسلحة مع حكومة يزيد ، إلا أنه لم يكن يستهدف الوصول إلى السلطة من خلال الثورة ، لأنه كان يعلم مسبقا ( بحسب الأحاديث المتواترة ) بأنه لن يصل إلى السلطة ، وأنه سوف يقتل وجميع أصحابه في كربلاء .

النقطة الثانية : لم أقف على دراسة توضح كيف استفادت الحركات الإصلاحية العالمية والثورات المطالبة بالعدالة وسيادة القانون من مبادئ الثورة الحسينية ، وليس لي مثل هذه الدراسة . بعض الكتاب يتكلمون عن الثورة الفرنسية ( 1789 ـ 1799م ) وأنا لا أعلم كيف استفادت الثورة الفرنسية من الثورة الحسينية ، والبعض يتكلم عن الزعيم الهندي ( المهاتما غاندي الذي ولد في : 2 / أكتوبر /1869م ببلدة بور مندار ) وهو القائل : ” تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر ” وهذا القول ( في رأيي ) تعبير عام لا يدل على الكثير ، وربما تكون له أغراض سياسية في نفس قائله ( كسب ود الشيعة في الهند ) وهو لا يدل على أن الزعيم الهندي درس ثورة الأمام الحسين ( عليه السلام ) واستخلص مبادئها وطبقها ( فعلا ) في نشاطه السياسي وتزعمه إلى حركة الإصلاح في بلاده الهند .

أما أقرب الثورات إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) فهي ثورة الإمام الخميني ( رحمة الله تعالى عليه ) في إيران ، وهو القائل : ” كل ما لدينا من عاشوراء ” وهنا تنبغي الإشارة إلى مسألتين مهمتين في موضوع البحث .. وهما :

المسألة الأولى : أن قول الإمام الخميني هذا .. يدل فيما يدل : على أن من أهم عوامل نجاح ثورته الإسلامية التي قادها في إيران ، ما تركته عاشوراء الإمام الحسين ( عليه السلام ) من تأثيرات فكرية وروحية وأخلاقية وسياسية ( منهجية ) في الشعب الإيراني المسلم الموالي لأهل البيت ( عليهم السلام ) .. وهذا في غاية الوضوح .

المسألة الثانية : أن الإمام الخميني ( رحمة الله تعالى عليه ) فقيه من فقهاء مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وهو ( بطبيعة الحال ) يعمل وفق منهجهم الفكري والفقهي والسياسي .. وعليه : يكون من الطبيعي أنه استفاد ( فعلا ) من مبادئ ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في تفجير ثورته الإسلامية في إيران وقيادتها . إلا أني لم أقف على دراسة تشرح أو توضح كيف استفاد الإمام الخميني ( رحمة الله تعالى عليه ) ( فعلا ) من مبادئ ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وكيف طبقها .

وقد اطلعت على محاضرة ( قيمة ) لأية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم البحراني ( حفظه الله تعالى ورعاه ) تحت عنوان : ( ثورة أم وثورة شعاع ) فيها مقارنة بين الثورتين ، يستطيع الرجوع إليها كل من يرغب في ذلك من خلال موقع البيان ، إلا أنها ( لا تجيب ـ حسب فهمي ـ على السؤال ) وعليه فإني أغير صيغة السؤال إلى : كيف تستفيد بدلا من كيف استفادت .. وأذكر خمسة أمور :

الأمر الأول : أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) تحرك في ثورته من منطلق التكليف الشرعي ، وبحساب الثوابت الشرعية ، وليس بحساب المكاسب والخسائر المادية ( منطلق مبدئي وليس برجماتي ) وهذا ما ينبغي أن يفعله السائرون على نهج الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الثورة والإصلاح ، فإنه ينبغي عليهم التحرك من منطلق التكليف الشرعي ، وبحساب الثوابت الشرعية ، وليس بحساب المصالح والخسائر المادية .. وهذا لا يعني ( بطبيعة الحال ) : تجاهل الظروف الموضوعية التي من شأنها التأثير في المواقف ، ويدخل تأثيرها ضمن عوامل الفشل والنجاح ، ولو لا أخذها بعين الاعتبار ، لكانت حركة الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) طوال التاريخ ذات لون واحد ، وهي لم تكن كذلك ، مما يعني وجوب النظر إلى الظروف الموضوعية في التحرك ، ولكن من خلال الثوابت الشرعية .. وليس العكس ( أي أنها تدخل في دائرة التكتيك الذي ينبغي أن لا يتعارض مع المبادئ الإستراتيجية في التحرك ) .

وعليه : إذا شخص السائرون على نهج الإمام الحسين ( عليه السلام ) التكليف الشرعي ، فأنهم يمضون في التحرك خدمة لأهدافهم الإستراتيجية ، ويقدمون التضحيات العظام في سبيلها ، ولا ينظرون إلى حجم الخسائر المادية التي قد تلحق بهم .

الأمر الثاني : أن هدف الإمام الحسين ( عليه السلام ) من ثورته رضا الله تعالى ومصلحة الأمة . قال ( عليه السلام ) : ” لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ” فهو ( عليه السلام ) ينفي أن تكون حركته من أجل السمعة أو الريا ، أو من اجل البهرجة الإعلامية ، أو من أجل الاستعلاء على الناس ، أو من أجل حرف الأمور عن مواضعها ، ويؤكد على جدية حركته ، أن هدفه هو الإصلاح الحقيقي في أمة جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا ما ينبغي أن تكون عليه حركة السائرين على نهجه (عليه السلام ) من الإخلاص لله ( جل جلاله ) والجدية في التحرك ، وتوخي المصلحة العامة الفعلية للأمة .. وليس كحال الكثير من الناس : الذين تحركهم مصالحهم الخاصة ، والسمعة والرياء ، والبهرجة الإعلامية ( بدلا من الجدية ) ويتخذون من الدين والأمة جملا .

الأمر الثالث : إن الإمام الحسين ( عليه السلام ) استهدف في حركته رأس الفساد .. وهو يزيد أو النظام ، ولم يحرف المعركة يمنا أو شمالا هروبا من الثمن الجدي المطلوب للمعركة الحقيقية . وهذا ما ينبغي أن يفعله السائرون على نهج الإمام الحسين ( عليه السلام ) بأن يمتلكوا الشجاعة الكافية ، ويقصدوا دائما رأس الفساد ، ولا يحرفوا المعركة يمينا أو شمالا ، هروبا من التضحيات الجدية المطلوبة للمعركة ، فيشتتوا الجهود ، ويخسروا المعركة بالتأكيد .. مع التنبيه هنا : إلى أن القصد ( رأس الفساد ) يختلف باختلاف الموضوع .

الأمر الرابع : أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ذهب في تضحياته إلى أعلاها وأغلاها ، إذ ضحى بنفسه وآهل بيته وأصحابه ، وعرض أطفاله ونساءه للأسر والانتقال بهم من مكان إلى مكان ، وما كان له ليفعل ذلك لولا وضوح الرؤية لديه ، وصدقه في منطلقاته وأهدافه الرسالية ( عليه السلام ) وأنه يريد ( فعلا ) وجه الله تعالى .. وحده لا شريك له . وهذا ما ينبغي أن يكون عليه السائرون على نهجه ( عليه السلام ) من وضوح الرؤية ، والصدق في المنطلقات والأهداف ، وان يريدوا بعملهم وجه الله تعالى وتحقيق المصلحة العامة للعباد ، إذا أرادوا النصر من عند الله ( جل جلاله ) والخلود الحقيقي في التاريخ وعند الله تعالى في الآخرة .

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } ( محمد : 7 ) .

الأمر الخامس : أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) لم ينظر إلى النتائج القريبة المباشرة ، وإنما نظر إلى النتائج البعيدة ، فالنتائج القريبة المباشرة ( التي كان يعلمها مسبقا بيقين ) أنه قتل وجميع أهل بيته وأصحابه ، غير أن النتائج البعيدة ( التي كان يعلمها كذلك ) فقد أسقط حكم بني أمية ، وأصبح نبراس الثورة لكل مظلوم بعده في التاريخ ، وكلنا يرى اليوم النتائج المباركة العظيمة لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) . وهذا يعني أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) كان قد درس الواقع بعمق ، وشخص داءه ودواءه بدقة ، ووضع الخطط بإحكام ، ولم يتردد في أعطاه الدواء المناسب ، وهو دمه الشريف المبارك ، ودم أهل بيته وأصحابه ، وكان من وراءه ( عليه السلام ) من يعرف بدقة وشمول وعمق أهدافه ، ويستوعب بدرجة كافية خطط عمله ، ولديه الاستعداد الكامل لمواصلة المشوار ، وتقديم التضحيات اللازمة لذلك ، وعمل بكفاءة على استكمال المشوار من بعده . لهذا فقد أعطت ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ثمارها المباركة على طول التاريخ ، ولمساحات واسعة جدا . وهذا ما ينبغي أن يكون عليه السائرون على نهج الإمام الحسين ( عليه السلام ) في حركتهم ، فهم يدرسون الواقع قبل التحرك ، ويخططون لحركتهم ، ويتحركون وفق رؤية فكرية وسياسية واضحة ، وإستراتيجية عمل محكمة ، ولا يتخبطون ، وأنهم ينظرون للبعيد وليس للقريب فحسب ، وأنهم لفرط يقينهم ، ونفاذ بصيرتهم ، يقدمون في حركتهم على أعلا مستويات التضحية بنفس راضية مطمئنة !!

السؤال ( 6 ) : تجاذبان في الحركات الإسلامية : المرونة والعنف ، الجهاد السلمي والجهاد المسلح .
كيف يمكن الموازنة بينهما ؟ وعلى أي معيار يتم اختيار أحدهما ؟

الجواب ( 6 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : المقابلة بين المرونة والعنف في محلها ، ولكن وضعهما في سياق الجهاد السلمي والجهاد المسلح .. غير صحيح ، ولا يدل على فهم دقيق لمعنى العنف ، فمعنى العنف في اللغة : الغلطة والقسوة ، ومعناه في الاصطلاح ( حسب فهمي الخاص ) : الاستخدام غير المشروع للقوة ، وعليه يخرج عن دائرة العنف .. مثلا : كل كفاح مسلح ضد الاستعمار ، وكل استخدام للقوة بأساليب شرعية في الإصلاحات الداخلية والمطالبة بالحقوق الشعبية العادلة .. إذا كانت راجحة بدرجة كبيرة ، وعجزت الأساليب السلمية عن تحقيقها ، وأغلقت السلطات أمامها أبواب الحوار .

كما يخرج عن دائرة العنف : إقامة الحدود والقصاص التي قال الله تعالى عنها : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } ويدخل في العنف : الإرهاب السياسي الذي يعني إلغاء الأخر بأساليب الضغط غير المشروعة ، وتدخل فيه الاغتيالات السياسية للمعارضين خارج دائرة القانون . وكل العنف ( حسب التعريف السابق ) حرام في الشريعة الإسلامية .

النقطة الثانية : لقد خرج العنف عن جميع الموازنات لأنه غير شرعي ، وبقي الحديث عن الموازنة بين استخدام الأساليب السلمية ، واستخدام أساليب القوة المشروعة ، في الدفاع عن الوطن ، أو في المطالبة بالإصلاحات السياسية الداخلية الشاملة ، أو في المطالبة بالحقوق الشعبية العادلة .

من الناحية الإسلامية : لا تلجأ القوى الإسلامية للموازنة بينهما ، وإنما للترتيب ( إن صح التعبير ) حيث لا يجوز ( شرعا ) اللجوء لأساليب القوة ، إذا كانت الأساليب السلمية مجدية ، بل لا يجوز اللجوء لأسلوب سلمي شديد ، إذا كان الأسلوب السلمي غير الشديد مجدي في تحقيق الغرض الشرعي .. وهذا ما يفهمه كل من له صلة بالفقه الإسلامي العظيم .

النقطة الثالثة : يعتبر التشخيص الموضوعي لأهل الخبرة ( المؤمنين ، الثقات ، الذين يشعرون برقابة الله تعالى عليهم ، ولا يخرجون عنها في أعمالهم وأقوالهم ) معيارا للاختيار أو الانتقال من خيار إلى آخر .

قال الله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله وأعلموا أن الله مع المتقين } ( البقرة :194 ) .

السؤال ( 7 ) : هل اللجوء للعنف أو السلم في الحركات الإسلامية يخضع لقواعد محكمة أم أنه نتيجة تكتيكات الوضع السياسي أو الاجتهاد الشخصي ؟

الجواب ( 7 ) : نستطيع أن نعرف الجواب على هذا السؤال من الجواب على السؤال السابق .. وألخص الجواب في النقاط التالية :

النقطة الأولى: العنف حراما شرعا حسب المفهوم الذي ذكرته سابقا .

النقطة الثانية: اللجوء إلى الأساليب السلمية أو أساليب القوة تخضع لضوابط شرعية كما أوضحت في الجواب السابق .

النقطة الثالثة: أن اللجوء لأساليب القوة بعد استنفاد الأساليب السلمية ، تخضع للتشخيص الموضوعي لأهل الخبرة ، المؤمنين ، الثقات ، الذين يشعرون برقابة الله ( جل جلاله ) عليهم ، ولا يخرجون عن تأثير هذه الرقابة عليهم .. في أقوالهم وأفعالهم .

السؤال ( 8 ) : من الذي يحدد اختيار منحى السلم أو العنف : القيادة أم الجماهيري؟

الجواب ( 8 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : يجب أن نستبدل لفظ العنف بلفظ القوة ، لان العنف كله حرام .. كما أوضحت في إجابات سابقه .

النقطة الثانية : أن الانتقال من الأساليب السلمية إلى أساليب القوه .. بعد استنفاذ الأساليب السلمية ، يتوقف على تشخيص أهل الخبرة الذين سبقت صفتهم في إجابات سابقة .. وليست قضية مزاج .

النقطة الثالثة : أن اختيار السلم أو القوة هو من أمر الله ( جل جلاله ) الذي لا يملك فيه الإنسان الاختيار .. حسب مزاجه ، أو مصالحه بدون مراعاة للأحكام الشرعية العظيمة .

قول الله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الحيرة من أمرهم } .

والانتقال من الأساليب السلمية إلى أساليب القوة ، ليس من أمر الناس الذي أمر الله جل جلاله القيادة بالرجوع إليهم فيها .

قول الله تعالى : { وشاورهم في الأمر } .

والخلاصة : أن الذي يحدد منحى السلم أو القوة هو القيادة .. بالاستناد إلى تشخيص أهل الخبرة ، ويفترض في القيادة الإسلامية : التفقه في الدين ، ويجب أن تكون مغطاة ( شرعيا ) من الفقيه الجامع لشرائط .

أما الجماهير : فان لها الحق في إبداء رأيها في تشخيص الحالة ، وليس لها الحق في فرض أحد الخيارين ، لأنة من أمر الله ( جل جلاله ) وليس من أمر الناس .

ملاحظة مهمة : الجوانب الفقهية المذكورة في الإجابة على السؤال ، هي حسب فهمي ( الشخصي ) لأقوال الفقهاء ، ذكرت بغرض التثقيف ، فلا يصح الاعتماد عليها في مقام العمل ، وينبغي الرجوع إلى الفقهاء وسؤالهم عنها ، لو دعت الحاجة إلى العمل .

السؤال ( 9 ) : تتهم الحركات الإسلامية بأنها حركات إرهابية خصوصا بعد هجمات (11) سبتمبر . ما مدى صحة أو خطأ هذا الاتهام ؟ وكيف تستطيع الحركات الإسلامية إبعاده عن نفسها ؟

الجواب ( 9 ) : الإرهاب يعني التخويف ، وهو ( حسب فهمي ) قسمان .. وهما :

القسم الأول ـ الإرهاب الردعي : ويعني إعداد القوة الكافية لردع الأعداء من التفكير في الاعتداء أو تنفيذه ومعاقبتهم إذا نفذوا اعتداءاتهم .

قال الله تعالى : { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } ( الأنفال : 60 ) .

وهذا إرهاب مشروع : حسب العقل والفطرة الإنسانية ، والمواثيق الدولية .. ويقره الدين الإسلامي الحنيف .

القسم الثاني _ الإرهاب العدواني : وهو مطابق لمفهوم العنف الذي أوضحته قبل قليل ، ويعني الاستخدام غير المشروع للقوة ، وتدخل في دائرته عدة أمور .. اذكر منها على سبيل المثال :

الأمر الأول : استخدام القوة لاحتلال ارض الغير والسيطرة على ثروات الشعوب وخبراتهم .

الأمر الثاني : استخدام الأنظمة الحاكمة للقوة من اجل سلب حقوق المواطنين وحرياتهم العامة أو انتقاصها .

الأمر الثالث : ممارسة عمليات الاغتيال والقتل خارج دائرة القانون .

الأمر الرابع : فرض النفس على الغير وإلغائه بأساليب غير قانونية .

والإسلاميون في الحكم أو المعارضة : لا يلجؤون لأي شكل من أشكال الإرهاب العدواني لأنة حرام .

السؤال ( 10 ) : الثورة الحسينية وهي قدوة الكيانات الإصلاحية الإسلامية ، تتهم بأنها خطت منحى العنف في الأمة . كيف تردون على هذا الزعم ؟

الجواب ( 10 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لا تصنف ضمن دائرة العنف .. لأنها لم تستخدم القوة بصورة غير شرعية لتحقيق أهدافها ، وأكثر ما يمكن أن يقال عنها : أنها أعطت الشرعية لاستخدام القوه ( المواجهة المسلحة ) في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإصلاح السياسي في داخل البلاد الإسلامية ، وذلك بعد أن ثبت في التشخيص الموضوعي لدى الإمام الحسين ( عليه السلام ) عدم جدوى الأساليب السلمية مع الحكم الأموي اليزيدي المفسد في الأرض .

النقطة الثانية : أن الأمام الحسين ( عليه السلام ) رغم تأكيده على شرعية المواجهة العسكرية للنظام الأموي اليزيدي الظالم والمفسد في الأرض ، وشرعية الإطاحة به وتغييره بالقوة العسكرية .. بعد التأكد من عجز الأساليب السلمية عن إصلاحه أو تغييره ، فإن تفاصيل المواجهة العسكرية بين الإمام الحسين ( عليه السلام ) والجيش الأموي اليزيدي في كربلاء .. تصور لنا بوضوح : أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) كان في حالة دفاع مشروع عن النفس ، وأن الذي مارس العنف والإرهاب العدواني هو النظام الأموي اليزيدي .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : اعتداء النظام الأموي اليزيدي ( بصورة غير مشروعة ) على الحقوق والحريات العامة المشروعة للمواطنين .

السبب الثاني : استخدام النظام الأموي اليزيدي للقوة ضد الإمام الحسين ( عليه السلام ) الذي طالبه بالإصلاح .. ولم يبتدئه بالقتال .

السبب الثالث : تنكيل النظام الأموي اليزيدي بالإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه والتمثيل بهم .. بعد القتل ، ثم الاعتداء على عياله وحرق الخيام وأسر الأطفال والنساء ، وكل ذلك يدخل في دائرة الاستخدام غير مشروع للقوة .. فهو من العنف والإرهاب العدواني المحرم شرعا .

النقطة الثالثة : أن ما جاء في ( النقطة الثانية ) يدخل في دائرة المبالغة في إقامة الحجة من الإمام الحسين ( عليه السلام ) على النظام اليزيدي ، ومدى المبدئية التي يتصف بها الإمام الحسين ( عليه السلام ) في ثورته ، والتخطيط الإستراتيجي الدقيق للمواجهة ، وأتباع التكتيكات المحكمة التي تصب في خدمة أهدافه الإستراتيجية النهائية ، ولا يعني عدم شرعية استخدام القوة للإطاحة بحكومة يزيد بن معاوية ، أو عدم استهداف الإمام الحسين ( عليه السلام ) تغيير النظام اليزيدي وإسقاطه . فالإمام الحسين ( عليه السلام ) كان يستهدف من ثورته ( على المدى القريب ) إسقاط النظام اليزيدي ، والتأسيس لشرعية الثورة ضد الحكومات الاستبدادية الظالمة المفسدة في الأرض ، وان تكون ثورته الخالدة ( على المدى البعيد ) نبراسا للثوار ضد الظلم والاستبداد والتخلف والفساد ، وكان ( عليه السلام ) ( حسب تصريحاته المتواترة ) : يعلم بأن ثورته المباركة ، سوف تنجح في تحقيق أهدافها ، وقد لعبت تفاصيل المواجهة ، وأخلاقيات المعسكرين ، دورا رئيسيا في تخليد ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) المباركة ، ونجاحها في تحقيق أهدافه الرسالية العظيمة على المدى القريب والبعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.