محاضرات وندوات عام 2007

كلمة الأستاذ في تأبين الشهيد عباس الشاخوري في ذكرى الأربعين

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : تأبين الشهيد عباس الشاخوري في ذكرى الأربعين .
المكان : مأتم الهداية ـ قرية الشاخورة .
التاريخ : 1 / جمادى الأولى / 1428هج .
الموافق : 18 / مايو ـ أيار / 2007م .

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الإمارة بالسوء ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : رحم الله من قرأ السورة الشريفة المباركة الفاتحة وأهدى ثوابها إلى روح الشهيد السعيد عباس الشاخوري .

أيها الأحبة الأعزاء : في هذه الليلة العزيزة التي نجتمع فيها تحت ظل الشهيد السعيد عباس الشاخوري بما تحمله شهادته من دلالات كثيرة ، سوف أتحدث حول مسألتين أساسيتين ..

المسألة الأولى : تتعلق بالحرب العدوانية المحتملة على الجمهورية الإسلامية في إيران .
المسألة الثانية : تتعلق بقضية شهيدنا السعيد عباس الشاخوري .

وقد عنونت الحديث بعنوان : ( لكي نكون يقظين ) وفيه رسالة تنبيه ومحبة لكل المخلصين الشرفاء في هذا الوطن العزيز المحاصر بالظلم والاستبداد والتمييز والاضطهاد المذهبي والتعصب الأعمى والتآمر والارتهان لإرادة الأجنبي على حساب سمعة الوطن وبخلاف إرادة أبنائه المظلومين ومصالحهم الحيوية ، وهو مساهمة متواضعة مني في التبصير بما ينتظرنا بحسب قراءتي للمؤشرات المتوفرة حاليا وتحليل الأوضاع القائمة ، لكي يتحمل كل قادر منا مسؤوليته الدينية والقومية والوطنية ويبرأ ذمته أمام الله جل جلاله والتاريخ .

المسألة الأولى ـ فيما يتعلق بالحرب العدوانية المحتملة على الجمهورية الإسلامية في إيران :

أيها الأحبة الأعزاء : تعتبر الحرب العدوانية الأمريكية المحتملة على الجمهورية الإسلامية في إيران أهم قضية دولية وإقليمية تشغل ذهن القادة والمراقبين والمهتمين في الوقت الحاضر ، لما سوف تنتج عنها من آثار خطيرة مدمرة إقليميا ودوليا ، ورغم التكتم الشديد على عمليات التحضير الخبيثة لهذه الحرب من تحت الكواليس في سبيل ضمان عامل المفاجئة في تنفيذ الضربة الأولى على الجمهورية الإسلامية في إيران ، فإن رائحتها النتنة قد شمها كل من له أنف سليم . وتقوم هذه الحرب ـ برأيي ـ على أساس تخوف أمريكا والغرب من نمو الجمهورية الإسلامية في إيران كقوة عظمى يمكنها فرض سيطرتها سلميا على المنطقة ـ كما ظهر صريحا في تصريحات نائب الرئيس الأمريكي ( تشيني ) في زيارته الأخيرة للمنطقة ـ مما يهدد المصالح الإستراتيجية لأمريكا والغرب بناء على الموقع الجغرافي الإستراتيجي المهم جدا للمنطقة بالنسبة لأمريكا كقوة عظمى ، وعلى ما تمتلكه المنطقة من مخزون نفطي ضخم ، وخطر نمو إيران كقوة عظمى على أمن الكيان الصهيوني اللقيط المغتصب لفلسطين العزيزة ، ودوره في إعطاء قوة دفع قوية للإسلام العزيز ـ وهو المشروع الحضاري الوحيد المنافس للمشروع الحضاري الغربي ـ كمشروع بديل عن الحضارة الغربية ، وهنا أرغب في التنبيه إلى أمرين ..

الأمر الأول : أن ميل دول المنطقة إلى أمريكا وتحالفها معها في الوقت الحاضر يستند إلى ضعف دول المنطقة وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها من جهة وقوة أمريكا كقوة عظمى وقدرتها على فرض سيطرتها على العالم بالقوة من جهة ثانية ، ولو تغير ميزان القوى في المنطقة ، وأصبحت الجمهورية الإسلامية في إيران هي القوة الفعلية القادرة على فرض سيطرتها سلميا على المنطقة وحمايتها من العدوان الصهيوني والأمريكي ، فإن دول المنطقة سوف تغير تحالفها وتنقله من التحالف مع أمريكا إلى التحالف مع الجمهورية الإسلامية في إيران ، فهذا ما يفرضه العقل والمنطق وتقتضيه المصالح المباشرة لدول المنطقة على مستوى الحكومات والشعوب ، وسوف يتلاشى آنذاك تأثير الاختلاف المذهبي والقومي الذي تعزف عليه أمريكا وتحركه دائما في الوقت الحاضر لتوتير العلاقة بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية في إيران من أجل محاصرتها وإدخال الدول العربية في التحالف الصهيو / أمريكي المعادي لها وتوريط الدول العربية في الحرب العدوانية القذرة المحتملة ضدها على خلاف مبادئ وقيم الشعوب العربية وضد إرادتهم وبخلاف مصالحهم الحيوية في الحياة .

الأمر الثاني : أن التخوف الذي يظهره الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب من قدرة الجمهورية الإسلامية في إيران على أنتاج السلاح النووي ما هو إلا مجرد ذريعة لشن الحرب العدوانية عليها ، وهنا ينبغي التمييز بين منهجين في توقع الحرب ..

المنهج الأول : وهو منهج سياسي يركز على دراسة المؤشرات والظواهر السياسية الظاهرة على السطح مثل التنافس الحاصل بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السلطة في أمريكا ، والاختلاف الظاهر بينهما حول الحرب على أفغانستان والعراق ، ورفض الحزب الديمقراطي للتورط في حرب جديدة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران ، بالإضافة إلى المعارضة الشعبية للحرب ، وأمور أخرى مشابهة ، ليصل أصحاب هذا المنهج إلى نتيجة محددة وهي استبعاد نشوب الحرب في القريب المنظور .

المنهج الثاني : وهو منهج ديني يقوم على أساس تحليل النصوص التي تتعلق بظهور الإمام المهدي ( عجل تعالى فرجه الشريف ) وقد استدل أصحاب هذا المنهج من خلال النصوص على وجود نظام إسلامي قوي في إيران قبيل الظهور يقوم بدور إستراتيجي مهم جدا في الإعداد للظهور ونصرة الإمام المهدي ( عليه السلام ) والاستدلال على عدم وجود قوات أجنبية في المنطقة وانهيار الأنظمة السياسية فيها ، وضعف الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة وحاجته لقوات أجنبية تجتمع لحمايته والدفاع عنه في وقت الظهور ، وكل ذلك سوف يسهل حركة التحرير التي ينهض بها الإمام الحجة ( عليه السلام ) للمنطلقة لينطلق بعدها إلى تحرير العالم ، وهذا لا يكون إلا من خلال نشوب حرب ضروس بين الجمهورية الإسلامية في إيران وأمريكا وحلفائها من المنطقة وخارجها . وأنا أعتقد بصحة هذا المنهج في نفسه ، إلا أنه يحتاج إلى دقة علمية في تطبيقه ، وعدم الخلط في التحليل بينه وبين المناهج التي تعتمد على التحليل السياسي ، ومن الممكن أن تتقاطع نتائجه مع نتائج المناهج الأخرى كلا أو بعضا ، إلا أن هذا التقاطع ينبغي أن لا يؤدي إلى الخلط بين المناهج في التحليل ، وأكثر ما يقع فيه أصحاب هذا المنهج من أخطاء ، هو الخطأ في توقيت الأحداث المشار إليها في النصوص ، وفي تشخيص مصاديقها ، وفي الخلط المنهجي بينه وبين مناهج التحليل السياسي ، وتدخل الأمزجة والرغبات والعواطف والأحكام المسبقة للتأثير على نتائج البحث ، وهذا كله مما ينبغي الانتباه إليه في تطبيق هذا المنهج .

المنهج الثالث : يركز على ما يشكله نمو الجمهورية الإسلامية في إيران كقوة عظمى في المنطقة من تهديد جدي للمصالح الإستراتيجية الاستعمارية غير المشروعة لأمريكا والغرب في المنطقة والعالم ، وما يمثله ذلك النمو في حسابات الساسة والعسكريين والاقتصاديين الأمريكيين والغربيين من خطر جدي كبير على المصالح الاستعمارية غير المشروعة لأمريكا والغرب ، وأن القبول بنتائج الحرب رغم خطورتها الشديدة المدمرة على المنطقة والعالم أرجح لديهم من القبول بنتائج نمو الجمهورية الإسلامية كقوة عظمى في المنطقة ، مما يؤدي إلى تهميش العوامل الأخرى مثل التنافس بين الحزبين على السلطة ، والتورط في أفغانستان والعراق ، والمعارضة الشعبية للحرب ، في اتخاذ قرار الحرب العدوانية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران ، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة هذه الحرب ، فسوف تكون حرب تدمير وليست حرب احتلال كما سيوضح بعد قليل . ولأن الوقت ليس في مصلحة الكيان الصهيوني وأمريكا والدول الغربية ، فكلما مر الوقت أكثر نمت الجمهورية الإسلامية أكثر وقوى عودها وأصبحت مواجهتها أصعب وخسائرها أكبر وأكثر فداحة ، فإن أصحاب هذا المنهج يتوصلون إلى نتيجة محددة وهي نشوب الحرب في القريب المنظور .

وأنا أميل إلى هذا المنهج ، وأرى بأن نتائجه تتقاطع مع نتائج المنهج الديني مع الدقة في التطبيق ، وأتوقع حدوث الحرب العدوانية على الجمهورية الإسلامية في إيران في القريب المنظور ، وفي ولاية مجرم الحرب السفاك للدماء بوش ، وهذا ما يدل عليه سلوك الحزب الديمقراطي أيضا . فالحاجة إلى الحرب بالنظر إلى المصالح الإستراتيجية الاستعمارية لأمريكا والغرب ملحة ـ على الأساس الذي بينته قبل قليل ـ ولأن بوش والحزب الجمهوري قد تورطا في الحرب ضد أفغانستان والعراق ، فسوف يترك لهما إكمال المهمة بشن الحرب العدوانية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران رغم المعارضة الظاهرية للحرب من الحزب الديمقراطي من منفذ التعقيد في اتخاذ القرار بين الكونجرس والبيت الأبيض ، ويتم توريط بوش وحزبه بإرادتهما في تحمل مسؤوليات الحرب القومية أمام الشعب الأمريكي والتاريخية أمام الإنسانية والعالم ، ليدخل الحزب الديمقراطي بأمريكا بعد ذلك في صناعة تاريخ ومجد جديد لأمريكا ، تكون فيه أمريكا قوة عظمى ولكنها تحمل رسالة المحبة والديمقراطية والسلام للشعوب في العالم ، وليست قوة استعمارية غاشمة تكرهها الشعوب وتحاربها كما هو الحال في الوقت الحاضر ، وهذا ما يؤسس له الحزب الديمقراطي من خلال تصريحات ومواقف قياداته الظاهرة حول سوريا وإيران ، وأرى بأن قيادات الحزبين : الجمهوري والديمقراطي سوف تتواصل مع رموز وقيادات المعارضة في الدول العربية في الزمن القريب ، ولكل منهم دوافعه وحساباته الخاصة التي تتعلق بنظرته للحرب والمستقبل ، والدخول في التفاصيل خارج عن دائرة الحديث في هذه الليلة العزيزة ، إلا أن وجود هذه النقطة يعتبر من الدوافع الأساسية التي دفعتني لهذا الحديث في هذه الليلة ، وسوف أقتصر منها فقط على ما يتصل بساحتنا الوطنية العزيزة .

وفي سبيل المزيد من الفائدة والوضوح أشير إلى بعض النقاط المهمة ..

النقطة الأولى : يتوقع المراقبون أن تكون الحرب العدوانية المحتملة على الجمهورية الإسلامية في إيران بين طرفين شديدين ، ولن تكون بطرف واحد يفرض سيطرته الكاملة فيها على الطرف الآخر الضعيف تماما عن المقاومة والرد المؤثر على الطرف الأول المعتدي ـ كما كان الحال في احتلال أفغانستان والعراق ـ حيث لم تواجه أمريكا وحلفاؤها مقاومة تذكر من جيوش هذين البلدين الإسلاميين العزيزين أثناء احتلالهما . فالمراقبون يرون بأن العدوان على الجمهورية الإسلامية في إيران سوف يكون بهدف تدميرها والقضاء عليها كقوة عظمى في المنطقة ، وليس من أجل احتلالها وإسقاط النظام الإسلامي فيها ، لأنه ليس في وسع أمريكا وحلفائها احتلال الجمهورية الإسلامية في إيران وإسقاط النظام الإسلامي فيها . إلا أن المراقبين يتوقعون أن تُواجه أمريكا وحلفاؤها بمقاومة عنيفة لا تخلو من مفاجئات عسكرية كبيرة من الجمهورية الإسلامية في إيران ، ولهذا فإن عنصر المفاجأة والمباغتة في الهجوم على الجمهورية الإسلامية وتدمير أكبر قدر ممكن من المواقع المستهدفة قبل أن تستطيع الجمهورية الإسلامية استيعاب الضربة الأولى وتقوم بالرد على الهجوم ، يعتبر ذا أهمية إستراتيجية كبيرة جدا في التأثير على سير الحرب ونتائجها ، وهذا يتطلب إخفاء المؤشرات الدالة على قربها ، واللجوء إلى التضليل لإرباك توقعات المراقبين السياسيين والعسكريين ، وعلى هذا الأساس : فالمتوقع أن تكون الضربة الأولى مباغتة بواسطة الصواريخ عابرة القارات وليس من خلال القوات المتواجدة في المنطقة .

النقطة الثانية : يتوقع المراقبون أن المنطقة كلها سوف تكون ساحة مفتوحة للحرب ، وأن تشترك فيها أطراف عديدة إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها وأهدافها في هذه الحرب ، وسوف ينتج عنها إضعاف الأنظمة السياسية العربية القائمة حاليا في المنطقة ، وأتوقع شخصيا بأن يكون الهدف الأساس للكيان الصهيوني أثناء هذه الحرب ، هو استثمار الفرصة لضرب الجمهورية العربية السورية من أجل إسقاط النظام السوري العربي الممانع بالتعاون مع عملاء الكيان الصهيوني وأمريكا هناك .

وإزاء النتائج المتوقعة للحرب ودورها في إضعاف الأنظمة السياسية العربية القائمة حاليا في المنطقة ، فإن أمام هذه الأنظمة خياران لعلاقتها بالقوى السياسية المعارضة فيها ..

الخيار الأول : السعي لمد جسور الثقة معها وكسب مودتها بهدف كسر رغبتها في استغلال الظروف والسعي للسيطرة على الحكم .

الخيار الثاني : ضرب المعارضة بهدف إضعافها لكي لا تكون قادرة على استغلال الظروف والانقضاض على الحكم . وأرى بأن المملكة العربية السعودية والبحرين ـ وهما الدولتان الخليجيتان اللتان يتوقع نظامي الحكم فيهما وجود طموح لدى قوى معارضة فيهما للسيطرة على الحكم ـ قد أخذتا بالخيار الثاني وطبقتاه من الآن بتوجيه ضربات استباقية لقوى المعارضة فيهما ، وأن حكومة البحرين قد استعدت لذلك من خلال التجنيس السياسي أيضا ، وقد أوضحت هذا في مناسبات سابقة ولا حاجة للتكرار .

النقطة الثالثة : أرى بأن أمريكا الحريصة على ضم الدول العربية والخليجية إلى حلفها في حربها العدوانية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران ، سوف تكون حريصة أيضا على الاتصال بالقوى السياسية المعارضة في هذه الدول ومد جسور الثقة معها وكسب مودتها بهدف تحييدها في الحرب على الأقل وإتاحة الفرصة لنفسها لتجديد خياراتها في المستقبل بعد الحرب ـ بحسب الحاجة وبمقتضى المصلحة التي تفرضها المستجدات بناء على نتائج الحرب ـ وأن هذا التوجه سوف يكون بصورة أكثر أهمية لدى قيادات الحزب الديمقراطي نظرا للدور الذي يخطط له من أجل صناعة تاريخ جديد لأمريكا بعد الحرب . وهنا أرغب في التركيز على ما يهمنا بهذا الشأن على صعيد ساحتنا الوطنية .

أقدر بأن السفارة الأمريكية سوف تسعى في هذا الوقت للاتصال بالقوى السياسية المصنفة على المعارضة في الساحة البحرينية والتي تعتقد بأن ليس لها مواقف عدائية من أمريكا أو أنه يمكن استمالتها وكسب ودها بحسب تقديرها . أما عن المجلس العلمائي وجمعية الوفاق فهما في التصنيف الأمريكي ـ بحسب تقديري ـ داخلين في العملية السياسية وليس لديهما بحسب الظاهر ميل إلى المواجهة مع السلطة في الوقت الحاضر ، إلا أنهما مصنفان لدى أمريكا والسلطة ضمن الخط الولائي ، ولهذا فالتقدير لديهما بأنهما سوف ينحازان بدوافع إيديولوجية إلى صف الجمهورية الإسلامية في إيران في حال نشبت الحرب بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة ثانية ، وهذا يتطلب أمريكا ـ وتتقاطع معه متطلبات السلطة في البحرين ـ شغلهما بملفات وقضايا أخرى والعمل على تأليب قوى المعارضة الأخرى والشارع ضدهما ، وفي هذا السياق الكيدي يأتي تحريك ملف الأحوال الشخصية بتحريض أمريكي وبتواطيء من حكومة البحرين ، ويأتي سعي السلطة في البحرين إلى محاكمة الأستاذين الكبيرين : المشيمع والخواجة . أما دور تحريك ملف الأحوال الشخصية في تحقيق الأهداف الكيدية المشار إليها فهو في غاية الوضوح ، وأما عن محاكمة الأستاذين الكبيرين : المشيمع والخواجة فتحتاج بحسب تقديري إلى بعض الشرح والتوضيح .

أيها الأحبة الأعزاء : إذا عدنا إلى موقف المجلس العلمائي وجمعية الوفاق من الاعتقال السابق للأستاذين والتحقيق معهما ، فنجد أن خطابهما لم يتضمن الاعتراض على أصل التحقيق ، وإنما الاعتراض على الطريقة التي تم بها الاعتقال ، ولهذا لجأت السلطة في سعيها للمحاكمة السياسية للأستاذين الكبيرين باتخاذ الإجرارات القانونية شكلا في الاستدعاء للمحاكمة بتاريخ : ( 21 / مايو / 2007م ) وذلك في سبيل قطع الطريق على المجلس العلمائي وجمعية الوفاق للاعتراض على المحاكمة التي هي محل اعتراض كبير من الجماهير ، مما يؤدي إلى إحراج شديد للمجلس العلمائي وجمعية الوفاق ، وإحداث شرخ كبير بين المجلس العلمائي وجمعية الوفاق من جهة وحركة حق وبعض قوى المعارضة الأخرى من جهة ثانية ، وأيضا مع قوى الموالاة في الوقت الذي يؤسس فيه للتخندق الطائفي في ساحتنا الوطنية ، ثم يتعمق الشرخ ليشمل من يتبعهما من الجماهير الغفيرة . وقد سعت السلطة بالإضافة إلى ذلك إلى تكوين ما أطلق عليه أسم اللجان الأمنية الأهلية وإلى الزيارات المكوكية للمحافظين على المجالس الموالية للسلطة في القرى والمدن البحرينية ـ وهي زيارات لم نشهدها في تاريخ هذه المحافظات منذ تأسيسها ولا في تاريخ هؤلاء المحافظين منذ خلقهم رب العالمين على وجه الأرض ـ وذلك من أجل توسيع الشرخ وتعميقه في الجسم الشعبي . وهنا يجب أن يكون جميع المخلصين الشرفاء من المواطنين صفا واحدا عند مسؤولياتهم الدينية والقومية والوطنية ، وأن يحذروا من وضع أنفسهم جسورا ـ بقصد أو بدون قصد ـ لتحقيق الأهداف الكيدية التآمرية ضد شعبنا المسلم البطل من خلال إتباع الهوى والشيطان والتخندق وراء الحدود الطائفية والحزبية والمصالح الإنية وحدود الذات ، وعليهم أن يأخذوا المسألة بأبعادها الدينية والقومية والوطنية البعيدة ، فلم تعد المسألة مجرد اختلاف حول قضية وطنية جزئية هنا أو هناك ، فالمسألة مسألة مصيرية أشمل ترتبط بحاضر الأمة والوطن ومستقبلهما ، فعلى جميع الأطراف المعنية أن تتحمل مسؤولياتها الدينية والقومية والوطنية ، وأن تترك أمزجتها وأن تتغلب على ذاتها وإنيتها وتغادر حصونها الطائفية والحزبية والفئوية ومصالحها الضيقة ، وأن تلتقي من الآن من أجل التفاهم والتنسيق حول ما ينبغي عليهم جميعا عمله في الظروف العصيبة من أجل مصلحة الدين والوطن قبل فوات الأوان ، وأن لا يتركوا أنفسهم ألعوبة بيد النفس الأمارة بالسوء والشيطان وأمريكا والسلطة في البحرين يتقاذفونهم يمينا وشمالا من أجل تحقيق أهدافهم الخبيثة على الساحة الوطنية وخارجها ، وهذا ما أردت أن أخلص إليه في هذا القسم من الحديث ، وأجعله أمانة لدى الجميع ، اللهم أشهد بأني قد بلغت .

المسألة الثانية ـ فيما يتعلق بقضية الشهيد السعيد عباس الشاخوري : تعتبر حادثة استشهاد الشهيد السعيد عباس الشاخوري حادثة مؤلمة وذات دلالات خطيرة جدا في هذا الوقت العصيب في ظل التوترات الإقليمية والتراجعات والانتكاسات فيما يعرف بالمشروع الإصلاحي ، وتصاعد التوترات الأمنية على ساحتنا الوطنية ، وبروز ظواهر جديدة لم يعرفها مجتمعنا المسلم المسالم في البحرين من قبل ، منها الاستخدام المتكرر غير المشروع للسلاح في القتل والسطو وغيرهما ، وفي هذه الليلة العزيزة ونحن نقف تحت ظل شهيدنا العزيز عباس الشاخوري ، سوف أقدم بعض قراءتي لهذا الحدث المؤلم في نقاط ، بهدف الاختصار والوضوح .

النقطة الأولى ـ تتعلق بمسرح الجريمة وتوقيتها : ارتكبت الجريمة في نفس اليوم الذي يحي فيه أبناء الشعب الذكرى السنوية لشهيد الأقصى الشهيد السعيد محمد جمعة ، وهو من نفس الأبناء الغيارى لهذه القرية المفجوعة الشاخورة . أما عن مسرح الجريمة وهو فندق البستان ، فهو يسمح بتعويم المسؤولية عن الجريمة وتضييعها بين أطراف عديدة داخلية وخارجية ، ولهذا تاه الناس في البحث عن الجهة المسؤولة عن الجريمة ، فتسرع البعض واتهم الجنود الأمريكيين ، واتجه البعض الآخر لتحميل السلطة المسؤولية عن الجريمة ، واتجه البعض الثالث لاتهام أفراد من العائلة الحاكمة وبعض المتنفذين ، وأتاح المكان الفرصة للسلطة للتباطىء في كشف الحقيقة وربما إخفائها ، وأنا في الوقت الذي لا أرى فيه بأسا بأن تسعى الجماهير والنخب لتقليب الأمور وتحليلها من أجل وضع اليد على الجهة المسؤولة بل أشجع على ذلك من أجل بث الوعي بين الجماهير وتنمية القدرة لديهم على التحليل السياسي ، إلا أنني أفضل التركيز على مسؤولية السلطة بوجه عام ووزارة الداخلية بوجه خاص ، وذلك لتكرار الاستخدام غير المشروع للسلاح وفشل السلطة حتى الآن في كشف الجهة المسؤولة عن الجريمة ، مما يدل بوضوح تام على تقصيرها ، وعليه لا أرى بأسا بأن تطالب الجماهير وقوى المعارضة وزير الداخلية بالاستقالة من منصبه لهذا السبب الوجيه ، فمطالبة وزير الداخلية بالاستقالة ، مطلب واقعي ومعقول ومناسب جدا ومقبول بحسب رأيي ، وتلجأ إليه الشعوب المتحضرة في الدول الديمقراطية في مثل هذه الحالة .

النقطة الثانية ـ تتعلق بالرسائل التي تحملها الجريمة إلى المعارضة : في ظل التراجعات فيما يعرف بالمشروع الإصلاحي ، والتوترات الأمنية المتصاعدة ، وانقسام المعارضة على نفسها ، وسعي السلطة لضرب خط الممانعة بيد من حديد ، وقمع الجماهير باستخدام العنف وإرهاب الدولة ضدهم ، فإن جريمة قتل الشهيد السعيد عباس الشاخوري ، تحمل في نفسها في ظل هذه الظروف ، رسالتين رئيسيتين يمكن توجيههما من قبل السلطة إلى المعارضة بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن الجريمة أو ارتكابها بقصد أو بدون قصد .. وهما :

الرسالة الأولى ـ موجهة إلى الجماهير : تقول فيها السلطة بلسان الحال والأفعال إلى الجماهير الرافضة والمقاومة ، بأنها قادرة في ظل ضعف المعارضة وانقسامها على نفسها واختلافها ، على اعتقال وتعذيب ومحاكمة من تشاء من الجماهير ، وأنها قادرة على أهانتهم وإيقاع العقاب الجماعي بهم من خلال إغراق المناطق بمسيول الدموع والرصاص المطاطي بدون حسيب أو رقيب ، وأن توهنهم وتجعل بأسهم بينهم شديد وتحرض بعضهم على بعض بأساليب شتى ، وفوق ذلك كله هي قدرة على قتلهم وتصفيتهم جسديا إن أرادت ، وفي جميع تلك الحالات لا أحد يسأل أو يدافع عنهم ولا أحد قادر على حمايتهم إن أراد .. والنتيجة : على كل واحد من الجماهير أن يهتم بحاله وينكفئ على نفسه وليس عليه من غيره ، وعليه أن يقبل بالأمر الواقع المذل وما يعطى له فيه من الفتات أو الحرمان فهذا قدره المقدر له في هذه الحياة ، وعليه أن يجلس في بيته يائسا محبطا نادبا لحظه ، فليس له من حيلة يحتال بها ولا وسيلة يتوسل بها لتغيير هذا الواقع المقدر عليه ، وعليه أن يترك التظاهر والاحتجاج والمقاومة ، وإلا فالمصير الأسود ينتظره .

الرسالة الثانية ـ موجهة إلى رموز المعارضة وقياداتها : تقول فيها السلطة بلسان الحال بأنها قادرة على الوصول إليهم وقتلهم وتعويم المسؤولية عن ذلك وتضييعها بين أطراف عديدة وتسجيل الحادث ضد مجهول ، وذلك بهدف تخويفهم ودفعهم لمسايرتها وإبعادهم عن المعارضة الحقيقة الجادة لأجندتها الاستبدادية والظالمة ، فتقضي بذلك على خط الممانعة في الساحة الوطنية ، ويصفو لها الجو لتكريس الاستبداد والظلم والاضطهاد والسيطرة التامة على ثروات البلاد ومقدراتها والاستئثار بها دون أبناء الشعب المظلوم ، ويساعدها على ذلك أمور ..

الأمر الأول : انتشار السلاح المهرب والمرخص بأنواعه لدى أطراف عديدة .
الأمر الثاني : تعدد الأطراف الداخلية والخارجية التي تستهدف رموز وقيادات المعارضة وتتقاطع مصالحها في تصفيتهم جسديا لأسباب سياسية وإيديولوجية .
الأمر الثالث : كون رموز المعارضة وقياداتها أهدافا مكشوفة يسهل اقتناصها والوصول إليها من قبل كل من يريدها بسوء ، حيث لا تتوفر لها أية حماية أمنية لازمة .

وفي هذه المناسبة العزيزة تحت ظل شهيدنا الغالي عباس الشاخوري ، ومن فوق هذا المنبر الشريف ، أكرر ما سبق أن قلته للسلطة : بأن ليس في وسعها أبدا القضاء على خط الممانعة ، لأنه خط الأنبياء والأوصياء والصادقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا من العلماء الأجلاء والمناضلين الشرفاء ، وأنه راسخ بعمق ، وضارب بجذوره في وجدان الجماهير وكل مناضل شريف ، يغذيه القرآن الكريم والحديث الشريف وسيرة الطاهرين ، وأن الانقسام الحاصل اليوم في صفوف المعارضة لن يدوم ، فإن لم ينتهي بوحدة الكيان ، فسوف ينتهي بالتفاهم على المشتركات على أقل تقدير . فحالة الانقسام والتشرذم في صفوف المعارض مؤقتة وإلى حين ، وأن سلوك السلطة وممارساتها ضد رموز وقيادات وجماهير خط الممانعة لا يزيده إلا قوة وصلابة وجماهيرية ، وأن المحاولات اليائسة لتحريض القوى السياسية والجماهير على بعضها البعض ، لن تفلح ولن تبلغ غايتها ، لأن أساليب السلطة إنما تفلح مع ضعاف النفوس وعباد المادة الذين تحركهم الغرائز والرغبات الحيوانية بعيدا عن القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية والثوابت القومية والوطنية وتؤثر فيهم ، أما المؤمنون والمناضلون الشرفاء على مختلف انتماءاتهم ومشاربهم الروحية والفكرية والسياسية ، فإن سلوك السلطة وممارساتها من أجل تحريك الغرائز وشق الصفوف ، تضغط على وجدانهم الإيماني والإنساني ، وتحرك مخزونهم الروحي والقيمي الطاهر نحو التقارب والتلاحم ورص الصفوف ، فهم إذا اختلفوا إنما يختلفون من أجل المصلحة العامة الدينية والقومية والوطنية في الأساليب وليس على الأهداف ، فليس أمام السلطة من خيار إلا أن ترجع إلى شعبها المسالم المظلوم ، وتنصفه وتعطيه ما سلبته إياه من حقوق دستورية وغيرها ، وأن تتخلى عن أجندتها في الاستبداد والتمييز بين المواطنين والاضطهاد والتآمر ضد أبناء الشعب المسالم المظلوم وسلب ثرواته والسيطرة المطلقة على خيراته ومقدراته بدون وجه حق وبخلاف أمانة الحكم ومسؤولية الدولة ، وعليها أن تسعى لإقامة العدل والمساواة بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بينهم ، وإلا فالمستقبل ليس في مصلحتها أبدا ، فالأحداث العالمية والإقليمية والمحلية ـ كما هو واضح لكل ذي بصيرة ـ لا تسير في الاتجاه الذي تريده .

كما أنصح السلطة بما سبق أن نصحتها به : بأن تتحلى بالحكمة والواقعية وبعد النظر ، وتبتعد عن التصعيد والتعسف في استخدام السلطة وعن استخدام العنف وإرهاب الدولة ضد أبناء الشعب المسالم المظلوم ، وأن تنظر إلى البعيد وتبحث لنفسها عن مخرج من ورطة محاكمة الأستاذين الكبيرين : المشيمع والخواجة ، فليس من مصلحتها المضي قدما في هذه المحاكمة السياسية الظالمة ، وليس من مصلحة سمعة هذا الوطن العزيز ومصالح المواطنين الحيوية المضي قدما فيها ، فهذه المحاكمة سياسية وظالمة وغير محسوبة العواقب ، وأنها سوف تدخل البلاد في نفق مظلم طويل ومتاهات ضيقة يصعب الخروج منه بدون خسائر فادحة ماديا ومعنويا ، وأرى بأن التضامن مع الأستاذين الكبيرين : المشيمع والخواجة هي مسؤولية تاريخية : دينية وقومية ووطنية على كافة الرموز والقيادة والنخب والجماهير على اختلاف وتنوع انتماءاتها الفكرية والسياسية ، وأن أي تقصير في ذلك سوف تكون له مردودات سلبية على الجميع ، وهذه أمانتي قد أديتها ، اللهم أشهد بأني قد بلغت .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.