ماذا بقي لي ؟

حركة حوارية حول واقع المرأة البحرينية العاملة
تبرز إيمان المرأة بذاتها وتعيشها بنفسها وقدراتها
على مواجهه الصعاب

نموذج حواري في شكل قصة قصيرة تطوي معاني
التضحية والإيثار والمعاناة

الإهداء

كلمات عرفان وتقدير إلى المرأة البحرينية
أما وأختا وبنتا
وهي تسّطر صفحات مشرفة في مسيرة العمل الوطني
إلى جانب زوجها وإخوتها وأبنها
من أجل بحرين أفضل وأجمل وأروع

إبراهيم حسين إسماعيل

دخل عادل عليها في مكتبها وزميلاتها وزملائها موظفي الوزارة يحوطونها شغفا بنظرة تسهم مرت من عينيه فشعر بشظاها من حولها ، فقابلت نظراته خجلا ً بابتسامه وادعه عصرت قلبه ، وأدمته وأذبت مشاعره ، ابتسامه يختلط فيها الخجل الأحمر بالود الأصيل واللطف الطاغي ، واصل عادل خطواته باتجاه عاتقة ليسلمها ملف المعاملة التي بيده لأحد الموظفين ولمياء ووديعة وجاسم معها ، وما إن اقترب من مكتبها وقفا متماسكا ً ، والاضطراب يكاد يلقيه وهو يوجه سهام عينيه ثانية إلى أماني التي تقطن في زاوية المكتب ، وهي تتظاهر بالانشغال لقصد نظراته الفاضحة.
أخذت عاتقة ملف المعاملة من عادل بعد أن بادرته بالسلام قائلة صباح الخير عادل ، من أين أتيت بهذه المعاملة ، ماذا تقولين أماني ، أماني في الزاوية التي نظر إليها .. عفوا عاتقة ، لقد أرسلني مدير الشئون المالية كي توقعي مستند الصرف هذا لمتطلبات هذا المكتب فقد وافق عليها المدير .

شكرا عادل ، نعم دائما أنت تأتي ببشائر وأخبار حلوة ، فمتى نسمع خبر زفافك !!

أزداد وجه عادل خجلا ً وارتباكا ً ، وانغمست أماني في الورق الذي أمامها وهي تبدوا منهمكة في طباعته .
ماذا تقولين أستاذه عاتقة ، الله كريم
وإنشاء الله يحقق ما في بالي وأتزوج من أحب …
عاتقة مسرعة ، من تحب ، كلمني اخبرني وأنا سأقول لها ، لا ..لا .. سأقول لكِ فيما بعد ، ويخرج مهرولا ً .

تبتسم عاتقة ، ابتسامة خبيثة وكأنها تخاطب وديعة فقط ، من هي حبيبة عادل يا وديعة ؟

أجاب جاسم : عادل دائما متردد ، دائما يبحث عن حور الجنة ، يريد أن يتنقل بين موظفات الوزارة من قسم إلى قسم ولكنه موظف في الحسابات ، فقد اعتاد أن يوظف موقفه الذي يمنحه فرصه الالتقاء بالجميع ، واعتقد أن عادته الحقيقية هذه في العمل وفي البيت إنه عادل متردد وكأنه استهوى هذه اللعبة .

تغيرت ملامح أماني ، وحاولت أن تتفحص بذات جاسم هل يعنيها بالحديث ، هل يقصدها ، كما تفعل عاتقة .. أم أنه فقط يقيم وضع عادل ، كموظف وأخ معه ، عندها عادت عاتقة للقول وقد تغيرت ملامح البشاشة الخبيثة إلى تمتمة فيها نبرات المعاناة : هذا هم أولاد جيلنا ينتقلون من بنت إلى أخرى وكأنهم يعتقدون أننا جئنا للاستعراض وعرض بضاعتنا في أسواقهم الرخيصة ، فماذا تقولين يا أماني ؟ تجاهلت أماني السؤال وكأنها لم تسمع فرفعت عاتقة صوتها بالسؤال ، فأزداد حرج أماني ، وقالت سرعة أنا معك فيما تقولين … برهة قصيرة وساد الصمت والشغل الجميع بقدوم المواطنين المراجعين لينفسوا كعادتهم كل يوم في هموم مواطنيهم وقبل ساعة من انتهاء انتزعت وداد نفسها من مكتبها وهي في طريقها إلى طاولة أماني وهي تقول .. ما عليكِ من عاتقة ، فهي دائما متحيرة متقلبة ، وأحيانا تتطلع إلى ما في يد الآخرين ، فأنا أرى عادل شاب لطيف ، فإذا تأكدتي من أنه يحبك ويريد ك ِ للزواج ، فلا تترددي.
بدأت أماني نتحدث في خجل عن الموضوع الذي طالما أقلقها ، فعادل دائما يبحث عن الخلوة معها ، وهي دائما تتهرب ، وعادة ما يهاتفها مساء كل يوم باحثا له عن موضوع أو قضية ليدس لها كلمات الإطراء والإيجاب ، وهي فاتنة وقلقة من جرأته أحيانا في الحديث، وترى رغبته في الخلوة بها أكثر حسوبة وحرجا ، شجعت وداد أماني على مقابلة عادل منفردين ، وقالت لها سأرتب المكتب لكما بعد مضى ساعة .
لأننا سندخل للاجتماع مع رئيس القسم ، ولابد من بقاء واحدة منا المكتب لمتابعة المراجعين .
ابتسمت أماني وهي تومئ برأسها موافقة على فكرة وداد. وأردفت وهي تقول أخبريه بأن الأمر عادي وأشعريه بأن الملف جاهز بعد 20 دقيقة ويستطيع أن يستلمه من عندك لأنك ستبقين بمفردك في المكتب وسيأتيك مسرعا ً ومهرولا ً.
خالط الفرح والقلق قلب أماني ، وعاشت منتظرة لقدوم الموعد الصعب الذي طالما أربك وسط الجميع فكيف هي اليوم بمفردها معه ساور أماني الخوف ، همت لأكثر من مرة أن ترفض الفكرة ، لكنها الأنسب فهي لم تعتد مقابلة أحد خارج الدوام ،ولا تعرف لقاءات المطاعم والمنتزهات وصحبه السيارة التي طالما سمعت عنها كثيرا وطالما تحدثت عنها الفتيات مرة بالرضا والشوق، وأخرى بالانزعاج والتعبير عن مشاعر الاستياء نتيجة للابتزاز والاستغلال والسمعة الدونية !! لمن تقبل بهذا !!قطع إرباكها قدوم عادل إليها وكأنه أتى بالبشرى ، خرج مرتبك هو الآخر ، قامت أماني له تقديرا وأشارت إليه أن يجلس بالقرب منها لتعطيه فكرة عن مضمون الملف وشرحت له التعليقات كي يوصلها ، فسارع بالجلوس ، ورآها لا زالت واقفة فوقف بوقفتها.
أشارت أماني ثنية عليه بالجلوس فجلس وبدأت تستعرض له الملف ، وهو يومئ لها مؤكدا كلامها .
ويداخل بكلمات الإطراء والإعجاب لعملها وأخلاقها وحاجته إلى أنه يحتاج أن يفهم المزيد من العمل حتى لا يتعبها بكثرة المراجعة ، ولأنه يقدر زحمه العمل عندها ، حاول عادل أن يحشر ما في داخله في الحديث لكنها كانت مندمجة ، فقاطعها قائلا : غدا سأكمل الحديث عن الملف والآن لم يبقى من الدوام إلا خمس دقائق والمكتب جميعهم قد غادروا بعد انتهاء الاجتماع فدعيني أحدثك عن موضوع خاص بيننا .
موضوع خاص ، ماذا تقصد ؟
أماني أنا معجب بشخصيتك ، أو بدون مقدمات أنا أحبك كثيرا .
6 أشهر وأنا أتابع تصرفاتك ِ وحركاتك ِ ، رزانة معاملتك مع المواطنين والموظفين ، من هم في جمالك مطلوب ومرغوب شعرت أماني بالحرج وحاولت أن تبادل الحديث لكنه واصل قائلا ً : لا بد أن أراك .
قالت في خجل : تستطيع الآن استكمال الحديث ، فقد بدأت علاقتنا تتضح للجميع وأشارت عاتقة اليوم واضحة ، نعم أنا معك فيما تقولين ، ولكن لماذا لا تدعينا نخرج معا للتواصل حديثنا .
لا أستطيع
اختاري المكان الذي يعجبك .
قلت لك لا أستطيع والآن دعني أذهب فهمت أماني بالوقوف وقام عادل واقفا ، فالتقت عيناها الجميلتين بعينيه ، وكأنه للتو يراها لأول مرة روعة في الجمال والتجلي .
أقترب منها أكثر ، فحاولت أن تغادر المكتب فرجاها أن تواصل الحديث معه لفترة وجيزة وقضت متجلدة في خجل تقديرا لطلبة ، فأقترب أكثر منها ويداها ترتعشان ووجهه أزداد حمرة وبدت نبرات صوته تتغير ، أدركت أماني حرج الموقف أكثر فمهت ثانية بالمغادرة لكنه مد يده ليمسك بها ووجه فمه لجذبها محاولا تقبيلها ، فدفعت بيدها مسرعة إلى صدره وشحت بوجهها عنه وتغيرت ملامح الملاك الطاهر الوديع إلى لبوه شرسة غاضبة وهي تقول ما هذا يا عادل ، كيف تجرؤا على ذلك ، ماذا بقي لي لو قبلت منك هذا .
هل أنا واطية ورخيصة إلى هذا الحد في نظرك ؟
انهمرت عيناها بالدموع وأسرعت مهرولة لتغادر مبنى الوزارة الذي خلا من غالبية الموظفين ، وهي تكرر قولها ، ماذا بقي لي ، ماذا بقي لي ، لقد خاب ظني فيك ، نعم لقد خاب ظني فيك .
حاول عادل أن يعتذر لكنها لم تسمع وغادرت موجعه مكلومة .
وفي المساء هاتفها ثانية ، وهو يقول لقد أطمأنت نفسي أكثر إليك وثقي بأنني لم أقصد الإساءة إليك ولكنك كنت قاتلتي ،ازداد تألقك وأنكشف لي مظاهر الجمال والروعة ، وأنا أقف معك ، ولكن صدمتني أن قصدت خير .
لا .. ليس هذا هو الأسلوب الصحيح ولن أقبل منك هذا أبدا ً ، لقد أعتقدت بحسن فيك ، وبدأت تزأر كالبؤة ، لكنه قاطعها ثانية قائلا ً : أنتِ شركية العمل ، وزوجة المستقبل ، وفي الأسبوع القادم سنزوركم وأخواتي في بيتكم ، فأعطيني العنوان ..
ابتهجت أماني وسطر الاثنان صفحات من السعادة لبيت بحريني جديد ..

كتبت في : 1مارس 2005 – الساعة : 2:30 صباحا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إغلاق