الأستاذ في وسائل إعلام

من عبدالرحمن النعيمي إلى عبدالوهاب حسين

من عبدالرحمن النعيمي إلى عبدالوهاب حسين

«البحث عن الوحدة الوطنية الضائعة»

هاني الريس -الوسط

قبل أسبوعين فقط من مغادرته منفاه في دمشق متوجّهاً إلى البحرين، بعد إقرار العفو العام وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، هاتفني عبدالرحمن محمّد النعيمي – شافاه الله وعافاه – يودّعني ويتمنّى لي العودة مع العائدينَ إلى البحرين؛ لمواصلة مسيرة النضال في الداخل. فقال من ضمن ما حدّثني به عن ترتيبات أمور العودة: «إنّ أهم ما يشغل تفكيري وأنوي القيام

به في البحرين عند لحظة وصولي إليها، هو العمل الجاد، من أجل تأسيس تقاليد جديدة للعمل الديمقراطي يكون منظما ومستقلا عن السلطة السياسية، والنضال من أجل قيام وحدة وطنية تكون حركة شعبية ديمقراطية، تقود مسيرة النضال الوطني لإحداث التغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، وتحقيق الحلم الديمقراطي والحكم الدستوري الذي ناضلتْ واستشهدتْ من أجله أجيال من شعب البحرين، على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن». وكان في تلك اللحظة شديد التفاؤل وشديد الحماس، تجاه تلك المهمّة الوطنية الكبيرة؛ لأنّه كان يؤمن على رغم كلّ شيء، بأنّ بقاء الوطن وأمنه واستقراره وتعايشه لا يمكن له أنْ يكون بغير قوّة وحدته الوطنية، وشعرتُ حينها أنه كان صادقاً ومخلِصاً في تأكيد توقه إلى الوحدة الوطنية المرتكزة على الثوابت الوطنية الأصيلة وعلى أساس التوافق الوطني؛ لأنّه كان في المنافي البعيدة، يبدلُ الجهد والعمل والنضال من أجل توحيد قوى المعارضة اليسارية والقومية والإسلامية في الخارج، وفعلاً فقد كان الرجلُ عند وعده، وصار يبدل أقصى ما لديه من جهد ومن طاقة العمل؛ لكي يبدأ خطوة الألف ميل تجاه تأسيس الكيان السياسي الذي يفترض أنْ يجمع حوله الرموز والقيادات السياسية ومختلف قوى التغيير في البلاد، وعندما تكاتفت الجهود حول قيام تجمّع وطني ديمقراطي يتسع للجميع، وإعادة بناء معارضة قوية وقادرة على العمل والصمود وإبقاء الصراع السلمي قائماً مع السلطة حتى تحقيق جميع المطالب الشعبية، وجّهت الدعوة إلى قرابة 40 شخصية وطنية، سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوقية، لحضور جلسات الحوار والمشاركة في إعداد برنامج عمل وطني مشترك ويكون منسجماً مع ظروف وأوضاع المرحلة الإصلاحية الجديدة، التقت جميعاً في ضيافة النعيمي، بمنزله في عراد، وتحاورتْ وتناقشتْ ووضعتْ تصوّراتها وأهدافها وطموحاتها وأمانيها للمستقبل، في أجواء المكاشفة والمصارحة والاستعداد للعمل، ولكن -وللأسف الشديد- ما لبثت الأمور أنْ تغيّرت، وبسرعة مذهلة خرجتْ من القِمم خلافاتٌ واختلافاتٌ فكرية وعقائدية بين أقوى تيارين في المبادرة (الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني) كان البعضُ يعتقد أنه قد عفا عليها الزمن، بعد التحوّلات الديمقراطية الجديدة، التي غيّرت العالم برمّته، وكانت تغريها غرائز انتهازية لدى بعض، وثقافة إقصاء وتهميش واستبداد في الرأي وأنانية في الذات وتصفية الحسابات والحسابات المضادة والخوف من بروز الآخر واحتمال منافسته وتصدّره واجهة النضال الشعبي، وعندما اشتدّتْ وطأة الخلاف والاختلاف على حصد الامتيازات والمكاسب الذاتية، تلاشتْ أفكارُ التوحّد والوحدة، وذهبتْ في مهب الرياح أحلام وتمنيّات كانت أقرب إلى الحقيقة من الواقع، وخصوصاً أنّ المجتمع البحريني في ذلك الوقت بالذات كان في أمسّ الحاجة إلى مثل هذا النموذج الوحدوي، وإلى ظهور قيادة وطنية جديدة وموحّدة، أو شخصية قيادية كارزمية يسترشد بتوجيهاتها وخبرتها وقوة أفكارها الجميع، وذلك بعد انهيار لجنة العريضة الشعبية التي تزعّمتْ قيادة النضال الوطني في تسعينيات القرن الماضي، وغياب القائد الكارزمي، وحل جميع فصائل العمل الوطني التحررية التي كانت تعمل وتناضل من تحت الأرض قبيل تحويل دولة المراقبة الأمنية إلى مملكة دستورية، وكانَ هذا الذي حدث بالضبط للمبادرة التوحيدية أو الوحدوية، التي أطلق عنانها المناضل النعيمي.

وقال كثيرون ممن شهدوا انهيار هذه المبادرة، إنّ أية مبادرات أخرى قادمة من هذا النوع، ستكون بالتأكيد صعبة وشاقة، وستكلّف أصحابها المزيد من الوقت والجهد والعمل، من أجل الوصول إلى هدف الوحدة الوطنية، أو على الأقل إلى صيغة توافقية تكون مقبولة، لدى هذا الجمع الهائل من الجمعيات السياسية والتجمعات الأهلية والاجتماعية والحقوقية، المرخصة وغير المرخصة، والتي فتحتْ لها السلطات الأبواب مشرَعة، ولأهداف سياسية صرفة، كان مخططا لها بذكاء وبدقة متناهية لا تقبل التأويلات، كان من أبرزها على الإطلاق، تفتيت وحدة قوى المجتمع ، وقد حصل ذلك بالضبط، عندما تمكّنت الصراعات والغرائز الانتهازية، بالإضافة إلى الإجراءات والقيود الدستورية الجديدة، والحدود المفروضة على حريات الرأي والتعبير والمساءلة والمكاشفة والمحاسبة، والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، من تفكيك وتمزيق ثلاثة تحالفات رئيسية للمعارضة الوطنية هي: التحالف السداسي والتحالف الرباعي الذي قاطع انتخابات العام 2001، والمؤتمر الدس

العدد 1890 الجمعة 9 نوفمبر 2007 الموافق 29 شوال 1428 هــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.