الأسئلة والأجوبة

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 38

أسئلة وأجوبة ( 38 )

الموضوع : أجوبة الأستاذ عبد الوهاب حسين على بعض الأسئلة التي وردت إليه خلال الأيام القليلة الماضية .
التاريخ : 9 / ذو الحجة / 1426هـ .
الموافق : 10 / يناير ـ كانون الثاني / 2005م .

في البداية : أرفع أسمى التهاني إلى مقام إمامي ومولاي وسيدي وشفيعي يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم ( أيها القراء الأعزاء ) بمناسبة عيد الأضحى المبارك العظيم .. وكل عام وانتم خير .

السؤال ( 1 ) : طرحت بعض القيادات الدينية السياسية في البحرين بأن شعار ” هيهات منا الذلة ” شعار مرحلي وليس دائما .
( أ ) : ما هو رأي الأستاذ عبد الوهاب حسين في ذلك ؟
( ب ) : ألا يدل أمر الله تعالى لموسى وهارون بأن يقولا لفرعون قولا لينا على ذلك ؟
( ج ) : ما هي المؤشرات الحضارية لتقييم الأداء التي وعدتنا بتسليط الأضواء عليها ؟

الجواب ( 1 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : شعار ” هيهات منا الذلة ” شعار إسلامي صالح لكل المراحل والظروف ، وهو شعار سرمدي باقي في قلوب المؤمنين ما بقي الدهر . لأن عزة المؤمنين من عـزة الله ( جل جلاله ) القاهر فوق عباده . فالعزة صنو الإيمان وراسخة ومستقرة في قلب المؤمنين ومواقفهم من أجل نصرة الحق وأهله ، وإظهار دين الله ( تبارك وتعالى ) على الدين كله ولو كره المشركون في كل الظروف ، ولا يمكن أن يتخلى الإنسان المؤمن عن العزة في أحلك الظروف وأشدها بأسا أو أكثرها طواعية ويسرا .. إلا أن بتضعضع الإيمان في قلبه .

قال الله تبارك وتعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } .
( المنافقون : 8 ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في تفسير الآية الشريفة : ” المؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا ، المؤمن أعز من الجبل ، إن الجبل يستفل منه بالمعاول والمؤمن لا يستفل من دينه شيء ” ( البرهان . م 4 . 339 ) .

النقطة الثانية : العزة تعني شعور المؤمنين بالثقة والصلابة والقوة والتمسك بالثوابت والقدرة الفكرية والنفسية والعملية على الوقوف رافعين رؤوسهم في وجه كل التحديات والقوى المناوأة لهم في السلم والحرب ، وعدم الشعور بالضعف أمام أعدائهم وخصومهم ، ورفض الإذلال والقهر ، والإصرار على الانتصار وقهر كافة الصعوبات والتغلب على كافة التحديات التي تقف في وجه رسالتهم في الحياة وتحيل بينهم وبين تحقيق أهدافهم لخدمة الإنسانية المعذبة التي تنتظر دورهم .

والخلاصة : العزة ليست شعارا للمؤمنين في المواجهة العسكرية فحسب ، وإنما هي شعار ثابت لهم في كل أشكال المواجهة والبناء في الحياة .

قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت ” ( البحار . ج 77 . ص 162 ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أعز أمر الله يعزك الله ”
( كنز العمال . الهندي . ج 15. الحديث 43102 . ص785 ) .

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” العز إدراك النصر ” .
( غرر الحكم ) .

النقطة الثالثة : إذا التزام المؤمنين بالعزة في مواقفهم في الحياة ، تجلت فيهم صفات الجلال والكبرياء ، فتجعل لهم الهيبة والمخافة في قلوب الأعداء ، ويبارك الله ( تبارك وتعالى ) لهم في مواقفهم كلها ، وينصرهم على أعدائهم . أما إذا قبلوا بالذل والهوان والصغار ، فقد ابتعدوا عن ساحة عز الله ( جل جلاله ) وهانت عليهم أنفسهم ، واستهان بهم الأعداء والخصوم ، وأوغلوا في أذاهم ، حتى يسيموهم الخسف .. ولا ينصرون أبدا .

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ” إن الله تبارك وتعالى أعطى المؤمن ثلاث خصال : العز في الدنيا والآخرة ، والفلج ( الظفر والفوز ) في الدنيا والآخرة ، والمهابة في صدور الظالمين ” ( الكافي . ج 8 . ص 234 ) .

الجواب ( 1 ـ ب ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : إن أمر الله تبارك وتعالى لموسى وهارون ( عليهما السلام ) بالقول اللين في قوله تعالى { اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي . اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ( طه : 42 ـ 44 ) لا يدل على التنازل عن الشعار الإسلامي العظيم : ” هيهات منا الذلة ” وإنما يدل على الحكمة في أسلوب الدعوة إلى الله ( تبارك وتعالى ) .

قال الله تعالى : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } ( النحل : 125 ) .

النقطة الثانية : يجب علينا أن نميز بين الشكل والمضمون في الدعوة . فمن حيث الشكل نحن مطالبون ( شرعا وعقلا وأخلاقيا ) باللين في الدعوة إلى الله ( تبارك وتعالى ) ولكن ذلك لا يعني السماح بالتنازل في المضمون ، فلا يجوز ( عقلا وشرعا وأخلاقيا ) التغيير في مضمون الرسالة أو إضعاف المواقف . ولهذا نجد بأن الله ( تبارك وتعالى ) نهى موسى وهارون عن الضعف والتقصير { وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي } وكان نبي موسى ( عليه السلام ) قويا جدا في الإفصاح عن مضمون الرسالة وصلبا جدا في المواجهة السياسية مع فرعون .

قال الله تعالى : { قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى . قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى . فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى . إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى . قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى . قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى . قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى . قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } .
( طه : 45 ـ 52 ) .

والخلاصة : أن الثورية الحقيقية والعزة هي في المحافظة على سلامة المضمون وقوة المواقف وصلابتها وليست في الشكل والحدة في الخطاب .

النقطة الثالثة : أن الالتفات إلى الحقيقة السابقة من شأنه تحصين الوعي الجماهيري لدى المؤمنين ، لأنه يميز بين المؤمنين الصادقين المجاهدين الذين يتأدبون بآداب الإسلام في الخطاب { قَوْلًا لَّيِّنًا } ويحافظون على سلامة المضمون { يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } وصلابة المواقف { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وبين المزايدين والمتسلقين ، الذي يتشدقون بالثورية من خلال الكلمات النارية الحادة ، ثم يتنازلون عن المضمون ، وتضعف مواقفهم في وقت المواجهة مع الأعداء والخصوم ولزوم التضحية ، كما قال الله تعالى عنهم : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } ( الأحزاب : 19 ) .

الجواب ( 1 ـ ج ) : توجد مؤشرات نستطيع أن نطلق عليها ( مؤشرات حضارية ) استنادا لبعدها الفكري والقيمي ، تؤشر على قابلية الكيان السياسي للنهوض والتقدم أو التعثر والفشل والانهيار ، سواء كان الكيان السياسي حزبا أو تيارا أو دولة أو غيره .. مما يساعدنا على التنبؤ بمستقبله .

والمؤشرات عديدة .. منها :

المؤشر الأول : تمتع أعضاء الكيان السياسي بروح العزة والكرامة والنخوة والإباء والتعاون ، ورسوخ العقيدة ، ووفرة الوجدان والضمير الحي ، وترجيح القيم المعنوية على المصالح المادية ، والاهتمام بكرامة الإنسان وحقوقه ، فتفشل معهم كل أساليب العنف والترهيب والترغيب التي تتبعها الحكومات والجماعات المضادة ، ويكون ذلك مؤشرا على القوة والقابلية للنهوض والانتصار والتقدم . أما إذا تمتع أعضاء الكيان السياسي بروح المذلة والمهانة والصغار ، وأصيبوا بالتخشب الروحي والأخلاقي ، ورجحت لديهم المصالح المادية ( السياسية والاقتصادية ) على القيم المعنوية ، وتشييء الإنسان في تفكيرهم ، ونظروا إليه كمجرد أداة أو لحم ودم وغريزة ، والحط من كرامته في الممارسة ، فإنهم يصبحون ضعفاء وتهون عليهم أنفسهم ويصبحوا لقمة سائغة بيد الأعداء ، ويكون ذلك مؤشرا على الضعف والتعثر والهزيمة والانهيار في المستقبل .

قاعدة ( 1 ) : إن مواجهة التحديات بكفاءة واقتدار لا تكون إلا بالصبغة العقائدية والقيم الروحية والمعنوية .
قاعدة ( 2 ) : إننا نتقدم ونحقق النصر بقدر ما نذوب في الإنسان ونصون كرامته ، ونتجه نحو الأسوأ والهزيمة والانهيار بقدر ما نتجه نحو المادية ونتجاهل كرامة الإنسان .

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في عهده للأشتر : ” وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تكون عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم .. فإنهم : إما أخ لك في الدين ، وإما نظير لك في الخلق ” .

المؤشر الثاني : تمتع أعضاء الكيان السياسي بروح معنوية عالية مع الثقة الكبيرة بالنفس والاتكال على الله الواحد القهار ، والإصرار على التحدي والانتصار ، والقيام بالأعمال المجيدة لإلحاق الهزيمة بالأعداء ، والسير قدما لتحقيق الأهداف المشروعة للكيان ، فتنفتح أمامهم الآفاق في أحلك الظروف ، ويكبر لديهم الأمل ، ويكثر لديهم الإبداع ، ويكون ذلك مؤشرا على القوة والقابلية للنهوض والانتصار والتقدم . أما إذا تمتع أعضاء الكيان السياسي بروح معنوية هابطة وعدم الثقة بالنفس ، والشعور بالهزيمة النفسية والانكسار أمام التحديات والصعاب والأعداء ، فتضيق في أعينهم الآفاق الرحبة ، ويصيبهم التبلد الفكري والروحي ، ويضربهم اليأس بسهمه المسموم ، ويكون ذلك مؤشرا على الضعف والتعثر والهزيمة والانهيار في المستقبل .

المؤشر الثالث : تمتع أصحاب الكيان السياسي بالصلابة والثبات في المواقف وترجيح القيم المعنوية على المصالح المادية والاستعداد الكامل للتضحية من أجل المبادئ والأهداف ، فيكون ذلك مؤشر على القوة والقابلية للنهوض والانتصار . أما إذا تمتع أصحاب الكيان السياسي بالرخاوة والتراجع والخوف والتردد ، وغلبة الحسابات المادية على القيم المعنوية ، والإمساك عن التضحية ، فيكون ذلك مؤشر على الضعف والتعثر والهزيمة والانهيار في المستقل .

قاعدة ( 3 ) : إن الكيانات القوية تولد ( دائما ) في قلـب الأعمال الصعبة المجيدة والمعانات الصادقة والعمل الدؤوب .

المؤشر الرابع : التلاحم بين القيادة والقاعدة وفي صفوف القاعدة لدى الكيان السياسي ، وتنامي الشعور بالمسؤولية لديهم جميعا تجاه الكيان ومبادئه وأهدافه ورسالته ، والارتباط الروحي الراسخ به ، وإشراك القيادة للقاعدة في الصناعة الفعلية للقرار ، فيكون ذلك مؤشر على القوة والقابلية للنهوض والانتصار . أما إذا ضعفت الصلة والتواصل والترابط بين القيادة والقاعدة وفي صفوف القاعدة في الكيان السياسي ، ولم يتوفر الشعور الكافي بالمسؤولية تجاه الكيان ومبادئه وأهدافه ورسالته ، وسادت القيم المادية والارتباط بالكيان السياسي على أساسها ، وتجاهلت القيادة دور القاعدة في صناعة القرار ، وظهرت القيادة المسيطرة على حساب القيادة المبدعة ، ولم تثق القاعدة بكفاءة وحسن أداء القيادة وأمانتها ، وظهر الانفصال والمقاومة بينهما ، فيكون ذلك مؤشر على الضعف والتعثر والهزيمة والانهيار في المستقبل .

قاعدة ( 4 ) : إن قيمة الكيان لا تكمن في عدد أفراده ، وإنما بتساميهم وارتقائهم وحسن أدائهم .
قاعدة ( 5 ) : إن الفقيه والعالم الرباني والقائد هو الذي يكون مع الفقراء والجماهير روحا واحدا .

المؤشر الخامس : تمتع قيادة الكيان السياسي بحسن الإدارة والإبداع والتوازن في القرارات التي تتخذها ، والارتقاء المادي والمعنوي بالأعضاء ، ورفع معنوياتهم ، وشحنهم معنويا وعدم السماح لمعنوياتهم بالهبوط ، وإطلاق طاقاتهم المادية والعقلية والروحية ، وإطلاق روحية الأمل والتفاؤل والتحدي ، وتوظيفها بكفاءة عالية لحمل الرسالة التي يؤمن بها الكيان ومواجهة التحديات التي تواجهه بقوة وصلابة وثقة وتفاؤل ، وتطوير الأوضاع العامة ، وخدمة الأهداف المشروعة للكيان والرسالة باقتدار ( كالتزام فكري وشرعي وأخلاقي ) وبالتالي بروز القيادة المبدعة المحبوبة والمنفتحة على القاعدة والموثوق بأمانتها وصدقها وكفاءتها ، فيكون ذلك مؤشر على القوة والقابلية للنهوض والانتصار . أما إذا ساءت الإدارة ، وفشلت في خلق التوازن في القرارات وفي الارتقاء بالأعضاء ، وجمدت طاقاتهم المادية والعقلية والروحية ، وقتلت روحهم المعنوية أو أضعفتها ، وسادت القيادة المسيطرة التي لا يهمها إلا فرض سيـطرتها وأجندتها بغض النظـر عن قبـول القاعـدة أو رفضها لها ( كمؤشر على التحلل الفكري والروحي والأخلاقي لدى القيادة ) فلا تثق القاعدة بكفاءة وحسن أداء القيادة وأمانتها ، ويظهر الانفصال وتظهر المقاومة وردود الفعل الغاضبة بينهما ، فيكون ذلك مؤشر على الضعف والتعثر والهزيمة والانهيار في المستقبل .

المؤشر السادس : تنقسم القيادة إلى قسمين .. وهما :

القسم الأول : القيادة التي تنظم حالتها القيادية ، وتضع الآليات المناسبة لاتخاذ القرار ، وتتواصل مع القاعدة والجماهير باستمرار وفق آليات محددة ، ويكون همها التعبير عن الجماهير وتوسيع دائرة مشاركتهم في صناعة القرار ، فإن وجود هذه القيادة يعتبر مؤشر على القوة والتقدم والانتصار والنهوض .

القسم الثاني : القيادة التي لا تنظم حالتها القيادية ، ولا تنزل في قراراتها على آليات محددة متفق عليها ، وترى بأنها المصدر الوحيد للقرارات ، وأن القرارات الصائبة هي القرارات التي تتخذها نيابة عن القاعدة والجماهير ، لأن القاعدة والجماهير ( بحسب رأيها ) غير مؤهلة أو لأنها فوضت للقيادة صلاحية اتخاذ القرارات ، وتحصر دور القاعدة والجماهير في السمع والطاعة وحسن الأدب مع القيادة ، لتجعل القاعدة أو الجماهير تدخل في حالة سبات عميق لا تفيق منها أبدا ، وهذا مؤشر على الضعف وينبئ بالتخلف والفشل والانهيار في المستقبل .

قاعدة ( 6 ) : الإبداع في القيادة يدفع إلى الأمام والانتهازية والسيطرة تدفع إلى الانهيار .
قاعدة ( 7 ) : الجماهيرية أحد أهم خصوصيات المنهج الإسلامي ، والتركيز على النخبة والقيادة المتسلطة سمة التيارات الوصولية التي تهدف إلى السلطة والنفوذ والثروة على حساب الجماهير والمحرومين .

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في عهده للأشتر : ” وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية ، فإن سخط العامة يجحف ( يذهب ) برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة . وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء ، وأقل معونة له في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ( الشدة في السؤال ) وأقل شكرا عند العطاء ، وأبطأ عذرا عند المنع ، واضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة ، وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة .. فليكن صغوك لهم وميلك معهم ” .

السؤال ( 2 ) : طالبت قيادات شيعية سياسية كبيرة في البحرين بإبعاد الشعائر الدينية عن الفعاليات السياسية . ألا ترى بأن ذلك يؤدي إلى تجريد الشعار من بعدها السياسي ؟

الجواب ( 2 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أجمع علماء الإسلام على دخول البعد السياسي في الأعمال العبادية كافة ، في الحج والصلاة والصيام والزكاة وغيرها وشرحوها وقدموها للناس على هذا الأساس ، وطرح بعض الأطراف المشبوهة لخلاف ذلك لا عبرة به .

النقطة الثانية : إن رؤية علماء الدين المرموقين في البحرين لا تجرد العبادات من بعدها السياسي ، وهذا ما يشهد به إنتاجهم والأدبيات التي تصدر عنهم ، ومن يقول غير ذلك متوهم .

النقطة الثالثة : أن الدعوة إلى فصل الفعاليات السياسية ( وليس الطرح السياسي ) عن الشعائر لا يعني أبدا تجريد الشعائر من بعدها السياسي ، وإنما لحمايتها من أجل تحقيق أهداف دينية وسياسية أكثر أهمية .

النقطة الرابعة : لقد تبنى أصحاب المبادرة هذا الطرح أثناء انتفاضة الكرامة المباركة ، لأن فصل الفعاليات السياسية عن الشعائر الدينية كان من شأنه أن يسحب الذرائع من السلطة لضرب الشعائر ، وكنا نشعر بأننا في حاجة ماسة ( جدا ) في ذلك الوضع المتوتر لاجتماع الناس بصورة مكثفة ، وليس لنا من وسيلة إلى ذلك إلا من خلال الشعائر ، ولولا فصل الفعاليات السياسية عن الشعائر ، لما أتيح لجمهور الانتفاضة الاجتماعات المكثفة من خلال المشاركة في الشعائر الدينية المقدسة .

والخلاصة : نحن نؤكد على البعد السياسي لكافة الشعائر ، وفصل الفعاليات السياسية عن الشعائر الدينية لا يعني تجريدها من بعدها السياسي ، ونحن نطالب بهذا الفصل ( في الوقت الحاضر في البحرين ) من اجل حماية الشعائر .. لأننا نحتاج إلى ذلك دينيا وسياسيا .

السؤال ( 3 ) : لقد تبنت إدارة الوفاق قرار سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى ) حول التسجيل تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية ، ولكنها تجاهلت رأيه حول المطالبة بدستور جديد ، وصرح رئيسها فضيلة الشيخ على سلمان بأنها تتخذ قراراتها بصورة مستقلة وأنها ( فقط ) تتشاور مع العلماء .
( أ ) : ما هو تعليق الأستاذ عبد الوهاب حسين على ذلك ؟
( ب ) : هل يصح إسلاميا أن تتخذ الوفاق قرارا سياسيا يؤثر على الوضع العام في الساحة تخالف فيه التوجه العام في الساحة أو التيار ؟
( ج ) : هل يعتبر عملها هذا مخالفة شرعية ؟

الجواب ( 3 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : لقد ذكرت مرارا وجود بعض جوانب الخلل في الأداء ، وبعض ما ذكر في السؤال يكشف ( بحسب رأيي ) عن بعض هذا الخل .

النقطة الثانية : أن الالتزام الفكري والشرعي والأخلاقي لرموز وقيادات ومؤسسات التيار يفرض عليهم البحث ( باستمرار ) عن الآليات والوسائل التي من شأنها رفع الكفاءة وتحسين الأداء من أجل تحقيق أفضل النتائج في العمل السياسي والدعوي .

النقطة الثالثة : أن دعم سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى ) لجمعية الوفاق ظاهر وليس خفي ، وأن أداء الوفاق ظاهر وليس خفي أيضا .. والنتيجة : أن الدعم الظاهر مبني على الأداء الظاهر ، ولا يوجد مجال للتشكيك في نوايا القائمين على إدارة الوفاق .

النقطة الرابعة : أن طرح فضيلة الشيخ علي سلمان ( حفظه الله تعالى ) لاستقلالية الوفاق في قراراتها واكتفائها بالتشاور مع العلماء .. إذا صح ، فإنه ( بحسب فهمي ) يجرد الوفاق من الغطاء الشرعي لعملها ، وهو خلل كبير ينبغي ( إذا وجود ) تداركه بسرعة . إلا أن التصريح قد لا يعبر عن الواقع بصورة دقيقة ، ولا يعبر عن قناعة فكرية لدى فضيلة الشيخ علي سلمان ، بقدر ما يعبر عن خلل في التعبير وبعض المجاملة السياسية .

النقطة الخامسة : أرى ضرورة رسم الجماعات والهيئات الإسلامية علاقتها بمرجعيتها الدينية بصورة واضحة في الوقت الحاضر ، لأن النتائج الفكرية والسياسية السلبية الناتجة عن غياب الوعي بهذه المسألة تعتبر إسلاميا ( بحسب تقديري ) خطيرة جدا لا تسمح بتجاهلها .

الجواب ( 3 ـ ب ) : الذي أفهمه ( إسلاميا ) بأن الأحزاب الإسلامية لا تتخذ قراراتها بحسب أعضائها فحسب ، وإنما ينبغي عليها أن تلاحظ توجهات الأمة وإرادتها ، لأن الأحزاب الإسلامية لا تعبر عن نفسها ، وإنما تعبر عن الأمة ، على خلاف الأحزاب العلمانية في المجتمعات الغربية التي تعبر فقط عن أعضائها وقد تتبنى قرارات تغاير توجهات الأمة وتخالف إرادتها .

يقول سماحة آية الله الشيخ الآصفي ( حفظه الله تعالى ) : ” فالتنظيم السياسي على نحو الإجمال شريحة من جسم الأمة تؤدي دورا وظيفيا خاصا ، ولا تتميز عن سائر شرائح الأمة إلا بهذه الوظيفة ، وهي تنظيم أمور الدعوة إلى الله والحركة في سبيل تحكيم شريعة الله على وجه الأرض . ولا يصح على وجه الإطلاق أن يكون للحزب والحركة موقف أو قرار أو قيادة أو تصور غير موقف الأمة وقرارها وقيادتها ” ( علاقة الحركة الإسلامية بولاية الأمر . ص 44 ) ( أنظر الفصل الثاني من الكتاب المذكور . ص 39 ـ 55 ) .

الجواب ( 3 ـ ج ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : إذا اعتبرت الرؤية المذكورة رؤية شرعية ، فإن مخالفتها تعتبر مخالفة شرعية ، ولكن ذلك لا يعني عدم المعذورية ، لعدم العلم بها أو للاختلاف معها اجتهادا أو تقليدا .

النقطة الثانية : إني أطرح ما أطاله ( بحسب فهمي ) من أقوال الفقهاء بهدف التثقيف ، ولا يعتبر حجة على أحد ، وعلى كل مكلف الرجوع إلى مرجعيته في التقليد أو يتوجه بالسؤال إلى أصحاب الفضيلة العلماء .

النقطة الثالثة : ينبغي علينا ( كمؤمنين ) أن نبحث عن نقاط الالتقاء مع إخواننا المؤمنين ، وأن نتجنب تتبع العثرات من اجل خلق التوتر وزيادة رقعة الاختلاف بيننا لأغراض دنيوية ومصالح مادية .. فإن ذلك مزلق من مزالق الشيطان .

السؤال ( 4 ) : يقرأ البعض من أجوبة الأستاذ عبد الوهاب بأنه يستعد للرجوع للساحة من خلال فريق عمل .. ويستبعد البعض ذلك . ما هو الصحيح ؟

الجواب ( 4 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أنا لا استعد للعودة في الوقت الحاضر للساحة ، لا خشية ولا عجزا عن تحمل المسؤولية ، فقد حملت المسؤولية في وقت من الأوقات ولم أتنصل منها لثقلها أو تحت طائلة الضغوط . والذي أقرأه من نفسي بأني لو علمت بأن بيني وبين إطلاق رصاصة الموت أن أنطق بكلمة حـق أو أمتنع عن النطق بها فتكون حياتي ، لـما ترددت ( بحول الله ) في النطق بها لحظة واحدة . وقد عرف السجان من خلال التجربة بأنه لا فرق لدي بأن أخرج من السجن إلى بيتي أو أخرج من السجن إلى قبري . ولا فرق لدي بأن أبق في بيتي أو أذهب إلى السجن أو أذهب إلى القبر ، وليس لي هم أكبر من حسن العاقبة .. فأسالوا الله الكريم الرحيم لي ذلك .

النقطة الثانية : إن عدم رجوعي إلى الساحة يعود لتشخيصي للمصلحة في ظل الأوضاع والتوازنات والعلاقات في داخل التيار وما يمكن أن أقوم به .. ولأسباب أخرى . أسأل الله الغني الحميد أن يعينني على نفسي الأمارة بالسوء بما يعين به الصالحين على أنفسهم ، وأن لا يجعلني من الذين يبيعون الآخرة بالدنيا ، ومن الذين ينظرون إلى أنفسهم على حساب دينهم وأمتهم ووطنهم ، وأن يجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، وأن يحسن لي العاقبة ، وأن يجعل خير أيامي يوم ألقاه ( وأن يجعل وفاتي قتلا في سبيله ) .

النقطة الثالثة : إني لا أتجاهل الفرص التي تتاح لي لخدمة ديني وناسي ووطني ، ولا أهمل تدبير الشروط الشرعية للتكليف في الحاضر والمستقبل .

السؤال ( 5 ) : تنوعت توجهات قوى المعارضة واختلفت سقوفها في المسألة الدستورية بين الاعتراف بدستور ( 2002 ) والمطالبة بتعديلات عليه ، وبين المطالبة بدستور جديد تضعه هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب ، إلى المطالبة بإجراء استفتاء شعبي على النظام السياسي برمته . هل يمكن التوفيق بين ذلك كله كما تطمح إليه الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري ؟

الجواب ( 5 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : تنقسم الشرعية للأنظمة السياسية إلى قسمين .. وهما :

القسم الأول : الشرعية الدينية .
القسم الثاني : الشرعية الوضعية .

النقطة الثانية : الشرعية التي تبحث عنها السلطة في البحرين هي الشرعية الوضعية وليست الشرعية الدينية .. وإذا طلبت الشرعية الدينية : فإن بعض فقهاء مدرسـة الخلـفاء يمكـن ( بحسب فهمي ) أن يمنحوها إياها ، ولكن ليس في وسع أتباع مدرسة أهل البيت ( عليه السلام ) منحها الشرعية الدينية لأن ذلك ليس بيدهم .. بحسب رؤيتهم العقائدية والفقهية .

النقطة الثالثة : إن منح الشرعية الوضعية للسلطة ، ينبغي أن يربط بإقامة دولة الإنسان العادلة ، ووفاء السلطة بواجباتها ، وإعطائها الحقوق والحريات إلى كافة المواطنين بدون تمييز بينهم .. وهناك ثلاث حالات مفترضة :

الحالة الأولى : أن تفي السلطة بجميع واجباتها ، وتعطي المواطنين حقوقهم كاملة .. وفي هذه الحالة : تعطى الشرعية الوضعية كاملة ، وتقدم لها جميع أشكال الدعم والمساندة .

الحالة الثاني : أن تقصر السلطة في واجباتها ، وتنتقص بعض حقوق المواطنين وحرياتهم ، ولكنها تعترف بها ، وتسعى عمليا للتطوير والإصلاح ، وتحاور القوى السياسية الشعبية لهذا الهدف .. وفي هذه الحالة : تعطى الشرعية الوضعية أيضا ، وتطالب بالإصلاح ، ويتم التحاور معها والضغط عليها لهذا الهدف .

الحالة الثالثة : أن يحدث تقصير بالغ في أداء السلطة لواجباتها ، وانتقاص شبه كامل لحقوق المواطنين وحرياتهم ، وتلجأ إلى العنف والإرهاب لقمع تطلعات المواطنين للإصلاح والتطوير ، ولا تؤمن عمليا بالحوار مع قوى المعارضة بهدف الإصلاح والتطوير .. وفي هذه الحالة : لا تمنح الشرعية الوضعية ولا يعترف بها ، ويتم السعي لإسقاطها واستبدالها بسلطة أخرى عادلة .

النقطة الرابعة : يعتبر هذا التأسيس ( بحسب تقديري ) واقعيا وعقلائيا ومقبولا وفق المواثيق الدولية وتوجهات فلاسفة السياسة وفقهاء القانون ، وأساسا مناسبا لبحث كافة الخيارات والسقوف لدى قوى المعارضة .

النقطة الخامسة : أنصح كافة قوى المعارضة بالحذر من التقوقع حول الذات والدخول في مصادمات ومواجهات بينية ، وبالحرص الشديد على حفظ حقوق بعضهم بعضا في الاختلاف ( كالتزام ديني ووطني وأخلاقي ) وبالحرص على التكامل في الأدوار بدلا من التناحر .. من أجل خدمة الأهداف والمصالح الإسلامية والوطنية .

السؤال ( 6 ) : لدينا بعض الأسئلة نرجوا من الأستاذ عبد الوهاب حسين الإجابة عليها .
( أ ) : ما هو رأي الأستاذ حول مسألة المعتقلين في قضية المطار ؟
( ب ) : ما هو تأثير الحاشية على الرموز والقيادات ؟ وما هو المطلوب منهم ؟
( ج ) : ما هو رأيك في قياس المشاركة في البرلمان بتجارب أخرى من خارج البحرين ، والربط بين المشاركة في البرلمان والمشاركة في الحكومة ؟

الجواب ( 6 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أن أي تحرك مطلبي جاد في المسألة الدستورية والملفات الساخنة الأخرى ، لن يكون إلا مدفوع الثمن في الوقت الحاضر ، وأن التزام المطالبين بالمنهج السلمي لن يمنع السلطة من ممارسة العنف ضدهم من طرف واحد ، وسوف تسعى لافتعال الأوضاع التي تبرر لها ذلك ، وسوف تشحن الشارع طائفيا ، وسوف تخلق زوبعات إعلامية لمواجهة الحركة المطلبية .. على غرار ما تفعله ( دائما ) الحكومات البوليسية المستبدة .

النقطة الثانية : أن وجود معتقلين لا يضعف الحركة المطلبية وإنما يقويها ، وأن المعتقلين يمثلون ضغطا وثقلا سياسيا على السلطة وليس على الحركة المطلبية ، والمعتقلون هم أقل ما تقدمه الحركة المطلبية الجادة لتحقيق مطالبها .

النقطة الثالثة : في انتفاضة الكرامة كان يوجد اتجاهان .. وهما :

الاتجاه الأول : كان يعول على الوضع الأمني .
الاتجاه الثاني : كان يعول على العملية السياسية في نجاح الانتفاضة المباركة .

ولما نجحت السلطة من السيطرة الأمنية على الشارع في عام ( 1998 ) تقريبا ، رأى أصحاب الاتجاه الأول انتهاء الانتفاضة ، بينما بقي أصحاب الاتجاه الثاني على موقفهم حتى تقدمت السلطة بميثاق العمل الوطني وحدث الانفراج في الساحة ، وهذا يدل على قيمة العملية السياسية وأهمية المعتقلين في نجاح أي تحرك سياسي مطلبي جاد .

النقطة الرابعة : إذا أرادت الحركة المطلبية النجاح في تحقيق أهدافها .. فإن أقل ما هو مطلوب منها : أن توطن قياداتها وجماهيرها أنفسهم على الاعتقال لمدد طويلة ، ومن لا يوطن نفسه على الاعتقال ، فإن عليه أن يبتعد عن الحركة ولا يزج بنفسه فيها ، لأنه سوف يكون ثقلا عليها وسببا لضعفها وفشلها .. لا قدر الله .

النقطة الخامسة : بناءا على ما سبق : لا يصح تحويل وجود المعتقلين في سجون السلطة من ورقة ضغط على السلطة إلى ورقة ضغط على الحركة المطلبية لكي تقدم تنازلات للسلطة عن مطالبها العادلة أو حقوقها المشروعة للإفراج عنهم ( كما حدث خطأ في بعض التجارب السابقة ) وإنما ينبغي عدم الخوف من وجود المعتقلين ، وتوظيف وجودهم لتعرية السلطة ونظامها والضغط عليها لكي تستجيب لمطالب الشعب العادلة ( كما فعل أصحاب الاتجاه الثاني في انتفاضة الكرامة المباركة ) .

النقطة السادسة : ما جاء في النقاط السابقة لا يعني إهمال قضية المعتقلين ، وإنما التحذير من التوظيف العكسي لها . فالمطلوب التعامل بجدية مع قضية المعتقلين ، ولا يصح أخلاقيا ( على الأقل ) إهمال قضيتهم .

الجواب ( 6 ـ ب ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : لا يستطيع أحد أن ينكر تأثير الحاشية على الإنسان وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة .

النقطة الثانية : يفترض في الرموز والقيادات الإسلامية أن تختار حاشيتها بدقة ، وأن لا تسمح لكل شخص بالدخول فيها ، وهذا يتوقف على درجة الوعي والتوجهات والخبرة العملية في الحياة . وهذا ما تميزت به مرجعية الشهيد السيد محمد باقر الصدر والإمـام الخميني ( قدس الله تعالى سرهما ) بينما كانت حاشية بعض المراجع مخترقة ، وسببت الكثير من الأذى للمذكورين .

الجواب ( 6 ـ ج ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : ليس من الصحيح اتخاذ قرار المشاركة أو المقاطعة للبرلمان قياسا على مؤمنين آخرين في خارج البحرين شاركوا أو قاطعوا ، لأن الاختلاف ليس في شرعية أو عدم شرعية المشاركة أو المقاطعة ، وإنما في صحتها أو خطئها من الناحية السياسية استنادا إلى المصلحة العليا ( إسلاميا ووطنيا ) على ضوء الواقع الذي نعيشه وما هو مطلوب منا تحقيقه سياسيا .

النقطة الثانية : إنني أأكد على أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين ، ولكن الاستفادة ينبغي أن تبنى على أسس صحيح . كما أأكد على أهمية الاستشارة على أن قيمتها تتوقف على إدراك المستشار إلى حقيقة الموضوع الذي تتعلق به الاستشارة وأبعاده الواقعية ، وليست استشارة مبنية على قياسات نظرية بعيدة عن واقع الحال وما هو مطلوب فعلا .

النقطة الثالثة : إني أجد ( بحسب تقديري للأطروحات والتوجهات ) أن الاحتجاج بالخارج في الدعوة للمشاركة ، هو نوع من الهروب مبني على أساس العجز عن مواجهة الحجة بالحجة .. وهو ( بحسب تقديري ) يمثل حالة سلبية لا تبشر بخير في العمل السياسي .

النقطة الرابعة : أساس المقاطعة في البحرين هي المسألة الدستورية ، ولهذا فالوضع عندنا يختلف عن وضع إخواننا المؤمنين في الخارج . كما أن التوجه للمشاركة أو المقاطعة ليس هو مجرد اختلاف حول قرار سياسي ، وإنما هو قائم على اختلاف منهجي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لصلته الوثيقة بالنتائج المطلوبة .

النقطة الخامسة : أن المشاركة في السلطة التشريعية لا يترتب عليه بالضرورة المشاركة في السلطة التنفيذية ( بغض النظر عن الاستحقاق ) فالمشاركة أو المقاطعة في السلطة التشريعية أو التنفيذية ينبغي أن تبنى على دراسة الواقع وتشخيص المصلحة ( إسلاميا ووطنيا ) استنادا إلى ذلك ، ثم اتخاذ القرار السياسي بالمشاركة أو المقاطعة . ولهذا وجدنا حزب الله المظفر في لبنان لم يشارك في البرلمان ، ثم شارك بموافقة الولي الفقيه في البرلمان ولم يشارك في السلطة التنفيذية ، ثم شارك في السلطة التنفيذية لما طرأت بعض التغيرات في الساحة اللبنانية . وفي الكويت أرادت السلطة توزير إحدى الشخصيات البرلمانية المحسوبة على خط الإمام هناك ، ولكن الخط لم يقبل المشاركة في السلطة التنفيذية رغم مشاركته في السلطة التشريعية .. ويبدو أن ذلك كان بتوجيه أو نصيحة من الولي الفقيه .

السؤال ( 7 ) : يؤكد الأستاذ عبد الوهاب حسين كثيرا في أطروحاته على مٍسألة التأسيس للمواقف السياسية .
( أ ) : ألا ترى بأن التأسيس من شأنه أن يشكل خطرا على القوى السياسية لأنه يكشف أوراقها ؟
( ب ) : كيف نستطيع ( فعلا ) تطبيق عملية التأسيس لمواقفنا وحياتنا السياسية ؟

الجواب ( 7 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : التأسيس الفكري والفقهي والقيمي والاجتماعي والسياسي من أهم معالم المنهج الإسلامي الحركي ( الثوري والإصلاحي ) ولـهذا وجدنا الإمام الحسين ( عليه السلام ) قد مارس كل أشكال التأسيس لثورته المباركة .. مثلا :

التأسيس الفكري : قوله ( عليه السلام ) : ” فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله ” .

وقوله ( عليه السلام ) : ” ونحن أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم ، والسائرين بالجور والعدوان ” .

التأسيس الفقهي : قوله ( عليه السلام ) : ” إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد قال في حياته : من رأي منكم سلطانا جائرا ، مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهده ، مخالفا لسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بقول ولا فعل ، كان حقا على الله أن يدخله مدخله ” .

التأسيس القيمي : قوله (عليه السلام ) : ” لا والله : لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد ” .

وقوله ( عليه السلام ) : ” ليرغب المؤمن في لقاء الله ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ” .

وقوله ( عليه السلام ) : ” ألا إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ” .

التأسيس السياسي : قوله ( عليه السلام ) : ” ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، ومثلي لا يبايع مثله ” .

وقوله ( عليه السلام ) : ” وقد علمتم أن هؤلاء القوم : قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله ” .

النقطة الثانية : أن المواقف السياسية الغير مؤسس لها هي مواقف بدون هوية ، ولا يمكن أن تعبر عن الإنسان المنتمي ( المواقف التي تعبر عن الإنسان المنتمي هي المواقف المؤسس لها فقط ) والمواقف الغير مؤسس لها لا يمكنها أن تحفظ كرامة الإنسان ، وهي مواقف غريبة عن المنهج الإسلامي الذي يؤكد ( دائما ) على كرامة الإنسان وقيمة الانتماء للإنسان والوعي والبصيرة لديه في الالتزام .

إننا بحاجة إلى عقول مفكرة تؤسس للمواقف وتعطيها هويتها قبل أن ندخل فيها ، لكي نحفظ للمواقف إنسانيتها وللإنسان كرامته .

النقطة الثالثة : أن المواقف الغير مؤسس لها فاقدة لمعيار التقييم ، ولا يمكنها أن تحقق نصرا أو تقدما في الحالة السياسية .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : أن التأسيس يمنح المواقف القوة والصلابة والثبات مما يؤدي قطعا إلى النصر .. والعكس صحيح .

السبب الثاني : أن الثبات في المواقف يؤدي إلى التراكم المتصل في النتائج .. وهذا يقود إلى النصر ، بينما غياب التأسيس يؤدي إلى تبدل المواقف وبعثرت النتائج ، مما يبعدنا عن طريق النصر ويجعله أمرا غير ممكن .

السبب الثالث : مع غياب التأسيس وفقدان المواقف للهوية ، ينعدم الموضوع الذي يدور حوله النصر أو الهزيمة .. ولا يمكن أن يتحقق النصر مع غياب الموضوع .

والخلاصة : أنني أخشى مع غياب التأسيس للمواقف أن نصبح أمة أو شعبا أو جماعة بدون عيون .. ولا نعرف إلى أين نذهب أو نتجه .

النقطة الرابعة : أن المواقف المؤسس لها هي وحدها التي يمكنها إيجاد حالة القوة والتماسك في الجماعة أو الكيان .. وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : أن التأسيس يخلق الروابط المعنوية القوية التي تربط بين أفراد الجماعة أو الكيان وتجمعهم حول الفكرة التي يقوم عليها الموقف ، وبدون التأسيس تبقى الرابطة بين أفراد الجماعة أو الكيان رابطة مصالح مادية أو عصبية جاهلية لا تقوم على أساس فكري أو قيمي رفيع .

قال الله تعالى : { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } .
( العنكبوت : 25 ) .

السبب الثاني : أن التأسيس هو الذي يمنح المواقف القوة والصلابة والثبات ، مما يضفي على الجماعة أو الكيان القوة والتماسك ، ومع غياب التأسيس تصبح المواقف رخوة ومهتزة وقابلة للتبدل في أية لحظة ، مما يؤدي إلى ضعف الجماعة أو الكيان وضعف تماسكهما .

النقطة الخامسة : هناك خلط في السؤال بين الفكرة التي يقوم عليها الانتماء وتعبر عنها المواقف ويجب أن تكون واضحة وصريحة وإلا أصبح الانتماء بدون واعي والالتزام على غير بصيرة ( وهو مرفوض من الناحية العقلية والشرعية والأخلاقية ومجانب لكرامة الإنسان ) وبين أمن الجماعة أو القضية الذي يجب أن يحاط بالسرية والكتمان . والتأسيس للمواقف يتعلق بالفكرة التي يقوم عليها الانتماء وليس بأمن الجماعة أو القضية .

والخلاصة : أن التأسيس يعطي الهوية للمواقف والتعبير عن الانتماء الحقيقي للفرد أو الجماعة أو الكيان ويميز مواقف الجماعات أو القوى بعضها عن البعض الآخر ( لا سيما في حالة التقاطع ) ويقوي الرابطة بين أفراد الجماعة أو الكيان الواحد ، ويمنحهم البصيرة والقوة والصلابة في المواقف ، ويعطي مواقفهم قيمة عملية ومعنوية ، ويضع الجماعة على طريق النصر .. ولا علاقة للتأسيس بتعريض أمن الجماعة أو القضية للخطر .

الجواب ( 7 ـ ب ) : نستطيع تفعيل عملية التأسيس لمواقفنا من خلال إتباع الخطوات التالية :

الخطوة الأولى : التأكيد على أهمية التأسيس في النظرية والتطبيق .

الخطوة الثانية : مطالبة الرموز والقيادات بالتأسيس للمواقف .

الخطوة الثالثة : ممارسة التقييم للمواقف والحكم عليها من خلال تأسيساتها ونتائجها الفعلية على الأرض .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله القادر الحافظ من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.