محاضرات وندوات عام 2008

بين يدي الانقلاب على الميثاق

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : ذكرى الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والدستور .
المكان : مأتم العطار ـ سترة / مركوبان .
التاريخ : 7 / صفر / 1429هج .
الموافق : 15 / فبراير ـ شباط / 2008م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرف عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع غيرهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في 14 / فبراير ـ شباط / 2001م كان التصويت على ميثاق العمل الوطني ، وفي 14 / فبراير ـ شباط / 2002م ( أي بعد عام واحد فقط ) كان الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والدستور العقدي ، ثم كان ما كان على الساحة الوطنية من أوضاع ، وبالتالي فإني سوف أتحدث في هذه الليلة في ثلاثة محاور أساسية ، وهي :
أولا : التصويت على الميثاق .
ثانيا : الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي .
ثالثا : المواقف بعد الانقلاب .

المحور الأول ـ التصويت على الميثاق : أرى بأن السلطة قد طرحت ميثاق العمل الوطني كوسيلة للخروج من المأزق الأمني والسياسي الذين كانت تعيشهما في ذلك الوقت في ظل انتفاضة الكرامة الشعبية المباركة . ومن المعلوم لديكم أن السلطة قد نجحت في السيطرة ( بصورة عامة ) على الحالة الأمنية في الشارع في عام 1998م .
وقد وجد في ظل سيطرة السلطة على الحالة الأمنية للشارع اتجاهان ، وهما :
الاتجاه الأول : يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن نجاح الانتفاضة يتوقف على استمرار الحالة الأمنية المضطربة حتى تتحقق المطالب ، وبما أن السلطة قد نجحت في السيطرة على الحالة الأمنية للشارع فإن الانتفاضة قد انتهت عمليا ، وأصبح أصحاب هذا الاتجاه يفكرون كيف يعلنون انتهاء الانتفاضة رسميا .
الاتجاه الثاني : يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن صلب الانتفاضة يتمثل في العملية السياسية الفاعلة وليس في الحالة الأمنية ، ومتى توفرت الإرادة السياسية في الاستمرار ، فإن الانتفاضة باقية وسوف تنجح في تحقيق المطالب .
ومن عجائب الدهر : أن أصحاب الاتجاه الأول كانوا جميعا في خارج السجن ، أما من كانوا في داخل السجن فهم جميعا من أصحاب الاتجاه الثاني ، وفي الحالة الطبيعية : إذا كان للاتجاه الأول أن يوجد ، فيمكن أن يوجد لدى من هم في داخل السجن بسبب تعبهم من السجن والسجانين ، أما أن يوجد لدى من هم في خارج السجن ويكون جميع من هم في داخل السجن من أصحاب الاتجاه الثاني ، فهذا يدل على وجود خلل في الرؤية لدى أصحاب الاتجاه الأول وأنهم من ذوي النفس القصير .
أتذكر : أن الضابط عادل فليفل زارني في السجن مبعوثا من قبل السيد هندرسون ، وكان معي في ذلك الوقت الشيخ محمد الرياش ، وكان من جملة الرسائل التي أبلغني بها : أن الحكومة لا تريد أن تستجيب لأي من المطالب ، وأن علينا أن نتدبر أمرنا ، فقلت له : ليس أمام السلطة من مخرج سوى الاستجابة للمطالب ، وأنها إذا لم تستجب لها اليوم ، فإنها سوف تستجيب لها غدا .
وأيضا : لما حصلت على حكم بالإفراج من المحكمة ، وكان ذلك بفضل الله عز وجل والجهود المخلصة للمحامي الكبير الدكتور حسن رضي وشركاه ، لم تنفذ السلطة حكم المحكمة . وبعد أسبوعين من مسرحية الإفراج عني لمدة ساعة ، طلبوني ليلا في إدارة المخابرات وأبدوا رغبتهم بالإفراج عني بشرط أن لا أصلي جماعة ولا أخطب ولا أطالب بشيء ، فرفضت ذلك جملة وتفصيلا وهاجمت بشدة رموز السلطة والمخابرات ، إلا أن اللقاءات تواصلت ، وقالوا لي في آخر لقاء يتعلق بالموضوع : لتلتقي الحكومة مع عبد الوهاب في منتصف الطريق ، الحكومة تفرج عن عبد الوهاب ، وعبد الوهاب يصلي جماعة ويخطب ويطالب سياسيا بما يريد ، فقط لا ينسق مع الأطراف السياسية الأخرى ، فرفضت ذلك بشدة ، وقلت لهم : أخرج من السجن بدون قيد أو شرط ، وأمارس حياتي العامة بشكل طبيعي ، وأتصل وأنسق مع من أشاء في الداخل والخارج ، وإذا كنتم تفكرون أن تفرجوا عني وتتصرفوا معي كما تتصرفون مع سماحة الشيخ ألجمري بأن تفرضوا علي الإقامة في البيت أو ما شابه ذلك ، فإني سوف أتمرد عليكم وأخلق لكم مشكلة ، فالأفضل لكم أن تبقوني في السجن .
وأعتقد أن الأخوة الآخرين في السجن كانوا على نفس الرأي تقريبا ، ولو أن من كانوا في السجن قد ضعفوا في موقفهم لما وجد الميثاق أصلا ، فالميثاق إنما وجد كوسيلة للخروج من المأزق في ظل التزام من كانوا في السجن بالمطالب وتصلبهم في الموقف ، فاضطرت السلطة لطرح الميثاق للخروج من المأزق الأمني والسياسي .
وخرجنا من السجن وكان أمامنا رأي أصحاب العريضة وحركة أحرار البحرين برفض الميثاق ، ولم أكن أعلم حتى ذلك الوقت شيئا عن رأي سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم ، ولم يحدثني أحد عنه ، وكان في مقدمة المتصدين : سماحة الشيخ عبد الأمير ألجمري وسماحة السيد عبد الله الغريفي وكانا في البلاد وخارج السجن يوم طرح الميثاق . أما الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين فلم يكن لهم حتى ذلك الوقت أي تنسيق مع أصحاب المبادرة ، وكان خيارهم الاستراتيجي المعلوم هو إسقاط النظام .
وعلى مستوى القاعدة : كانت فئة قليلة مع التصويت بنعم للميثاق ، وفئة قليلة مع التصويت بلا على الميثاق ، والغالبية العظمى كانت تنتظر خروج أصحاب المبادرة من السجن لتحدد رأيها . وقد أجرينا اتصالاتنا مع شركائنا في غضون ثلاثة أيام بعد خروجنا من السجن والتقينا مع الملك ، واشترطنا عليه بعض الشروط للتصويت بنعم على الميثاق ، وهي :
الشرط ( 1 ) : حاكمية الدستور على الميثاق .
الشرط ( 2 ) : أن يكون التشريع والرقابة من اختصاص المجلس المنتخب ، والمجلس المعين للاستشارة فقط .
ولما أعطانا الملك هذين الشرطين بلسانه طلبت منه أن يخرج شيء إلى الناس بهذا الخصوص ، فقال أنا رجل أكلم رجالا ، فقلت له هذا صحيح ولكننا نتكلم في شأن عام وليس في شان خاص ، فقال : سوف أطلب من وزير العدل بوصفه رئيس لجنة الميثاق أن يصرح إلى الصحافة بهذا المعني ، وفعلا صرح بذلك إلى الصحافة ونشر في يوم الجمعة بتاريخ : 9 / فبراير / 2001م ويعتبر تصريحه ( قانونيا ) بمثابة التفسير لما جاء في الميثاق .
الشرط ( 3 ) : إلغاء قانون أمن الدولة ، وقد أعلن الملك تجميده تمهيدا لإلغائه .
الشرط ( 4 ) : الإفراج عن كافة المعتقلين والسماح لكافة المبعدين بالعودة إلى الوطن .
وبعد القبول بهذه الشروط التقينا مع أصحاب العريضة في الداخل ، فغيروا رأيهم على ضوء قبول الملك بالشروط وقبلوا بالتصويت بنعم للميثاق وأصدروا بيانا بذلك . كما اتصلنا بالأخوة في حركة أحرار البحرين في لندن ، وتوصلنا معهم إلى أن يعلنوا إلى الجمهور حريتهم في التصويت وأصدروا بيانا بذلك ، وبعد هذا أعلنا موقفنا للتصويت على الميثاق بنعم .
وأرغب هنا في ذكر ثلاث ملاحظات :
الملاحظة ( 1 ) : أن التصويت على الميثاق بنعم كان بنسبة ( 98،4% ) وبقرار من القيادة المتصدية في الداخل ، ومنهم : سماحة الشيخ ألجمري وسماحة السيد عبد الله الغريفي ، ومن كان له رأي آخر فعليه أن يحترم هذا القرار القيادي والغالبية الساحقة التي صوتت بنعم على الميثاق ويكف عن الإهانة . ولا يستطيع أحد أن يدعي بأن الداعين إلى التصويت بنعم للميثاق قد منعوا أحدا من إبداء رأيه .
الملاحظة ( 2 ) : أن القائد السياسي لا يكتفي بإبداء رأيه ، وإنما يكوون رأيه ، ثم يحول الرأي إلى قرار وفق آليات محددة ، ثم يحول القرار إلى الموقف ، ويحول الموقف إلى حركة وفعل حتى تتحقق الأهداف .
الملاحظة ( 3 ) : أن كل الذين لم يوافقوا على الميثاق من الذين كانوا في الداخل أو كانوا في الخارج وعادوا إلى البلاد ، لم يتخذوا لأنفسهم وضعا خارج دائرة الميثاق واجهوا به الميثاق وما بني عليه ، وإنما رتبوا أوضاعهم جميعا طبقا لما جاء في الميثاق .
مثال للتوضيح : هناك من رفض دستور : 2002م ولهذا لم يرتب أوضاعه طبقا لما جاء فيه ، وإنما اتخذ لنفسه وضعا واجه فيه هذا الدستور وما بني عليه ـ على قاعدة : أن ما بني على باطل فهو باطل ـ وهذا في رأيي مما تفرضه المصداقية في الموقف والعمل السياسي .

المحور الثاني ـ الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي : أرى ـ وهذا الرأي يخالفني فيه بعض أصحاب الرأي السياسي المحترمين ـ بأن الملك لم تكن له نية الانقلاب على الميثاق والدستور حينما بدأ عهده الجديد ، وقد اُقنع ـ في ظل أداء المعارضة ـ بأن المعارضة سوف تحتج ثم تقبل بالأمر الواقع .
وكان في المعارضة اتجاهان في ذلك الوقت ، وهما :
الاتجاه الأول : يغلب على أصحابه الحذر الشديد من كل طرح أو موقف يمكن أن يغضب السلطة خوفا من أن تتراجع عن الإصلاحات . وكان أصحاب هذا الاتجاه يرفضون كل حديث عن المسألة الدستورية أو التجنيس أو التمييز الطائفي أو الشهداء أو ما شابهها من المسائل .
الاتجاه الثاني : يرى أصحابه بأن في يد الشعب والمعارضة الدستور والميثاق وتعهدات السلطة الشفهية والتحريرية ، ولهما مطالب عادلة لم تتحقق بعد ، وأن عليهما المحافظة على كافة الحقوق ومواصلة الضغط على السلطة حتى تتحقق المطالب .
وكنت أحذر كثيرا في ذلك الوقت مما أسميته بسياسة الإغراء بالخطأ التي يمارسها أصحاب الاتجاه الأول . وللأسف الشديد أن توقع من كان حول الملك وأقنعه بموقف المعارضة ( الاحتجاج ثم القبول بالأمر الواقع ) قد صدق ، وهذا ما يشهد به الواقع اليوم على الساحة الوطنية .
وأرغب هنا في ذكر بعض الملاحظات ، وهي :
الملاحظة ( 1 ) : هناك من يقول بأن الذين دعوا إلى التصويت على الميثاق لا يفهمون في السياسية ، وأنا أحترم هذا الرأي بالتأكيد ، ولكني لا أحترم من يتجاهل الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ويحمل التصويت على الميثاق مسؤولية الأوضاع السلبية على الساحة الوطنية ، لأن هذه الأوضاع ليست نتيجة لتطبيق بنود الميثاق ، وإنما هي نتيجة للانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ، وقد قال سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم في أكثر من مناسبة : لو عمل بالميثاق لكانت الأوضاع على الساحة الوطنية غير هذه الأوضاع . وسبق لي أن قلت وأكرر : لو وضع رشاش على رأسي وجعلت بين خيارين : أن أقول بخطأ التصويت على الميثاق أو ينسف رأسي ، لاخترت نسف رأسي على القول بخطأ التصويت على الميثاق ، رغم أني اليوم قد تجاوزت عمليا الميثاق حينما طالبت بوضع دستور جديد من خلال هيئة تأسيسية منتخبة ، بعد أن أصبحت بانقلاب السلطة على الميثاق في حل من التزمي به ، وذلك لأن القول بخطأ التصويت على الميثاق يعني تبرئة المجرم من مسؤولية الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي وتحميل الضحية وهم الغالبية الساحقة من أبناء الشعب المسؤولية بغير حق ، وهذا ظلم لا أريد أن أتحمل مسؤوليته أمام الله عز وجل والتاريخ والأخلاق . وأحذر الأخوة السياسيين من المشاركة في تزوير الحقائق وتضليل الرأي العام ، من خلال تحميل التصويت بنعم على الميثاق مسؤولية الأوضاع السلبية على الساحة الوطنية وتجاهل الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي .
الملاحظة ( 2 ) : من الذين قالوا بأن الذين دعوا للتصويت بنعم للميثاق لا يفهمون في السياسة ، عللوا ذلك بنقص الضمانات ، ولا أريد الآن مناقشة هؤلاء في مسألة الضمانات وقد ناقشتها في مناسبات سابقة ، وأكتفي بسؤالهم : إذا كانت العلة في الانقلاب على الميثاق نقص الضمانات ، فما هي علة الانقلاب على الدستور العقدي وهو أعظم وثيق قانونية في البلاد ، وعلة الانقلاب على الحياة البرلمانية في عام : 1975م ؟!
أيها الأعزاء : لماذا تتجاهلون حقيقة هذا السلوك الانقلابي لدى السلطة ، وتحملون الضحية المسؤولية بغير حق ؟!
الملاحظة ( 3 ) : أرى بأن الكثير من الذين يحملون مسؤولية الأوضاع السلبية على التصويت بنعم للميثاق ، كان رأيهم لا للميثاق أو لإثبات هذا الرأي ، وأنا أحترم هذا الرأي والتوجه بالتأكيد ، ولكن أقول لهؤلاء : ليس من الحكمة والأخلاق التخندق لإثبات صحة رأي بظلم الضحية وتبرئة المجرم ، وكما قلت قبل قليل : عليهم احترام القرار القيادي ورأي الغالبية الساحقة التي صوتت بنعم للميثاق .

المحور الثالث ـ المواقف بعد الانقلاب : برزت ثلاثة مواقف بعد الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ، وهي :
الموقف ( 1 ) : لم ير أصحابه أن هناك انقلابا وقبلوا بدستور 2002م وبنوا عليه .
الموقف ( 2 ) : رأى أصحابه في دستور 2002م انقلابا على الميثاق الوطني والدستور العقدي ، إلا أنهم رتبوا أوضاعهم عمليا بناء على معطيات دستور 2002م ، وهذا في رأيي خلاف المصداقية .
الموقف ( 3 ) : رأى أصحابه في دستور 2002م انقلابا على الميثاق الوطني والدستور العقدي ، واتخذوا لأنفسهم وضعا في مواجهة هذا الدستور وما بني عليه ، على قاعدة : أن ما بني على باطل فهو باطل ، وهذا في رأيي ما تقتضيه المصداقية في العمل والموقف .
ومن عجائب الدهر : أن أعمدة الذين دعوا إلى التصويت بنعم على الميثاق قد رفضوا الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ، واتخذوا لأنفسهم وضعا في مواجهة دستور 2002م وما بني عليه ، بينما رتب غالبية أعمدة من رفضوا التصويت بنعم للميثاق أوضاعهم على معطيات دستور 2002م . وأنا لا أصحح منطقيا وسياسيا هذا الموقف مع كل الاحترام والتقدير لأصحابه .
وأرى من سخف المنطق : الرأي الذي يبرر المشاركة في البرلمان بخطأ التصويت على الميثاق ـ وهذا غير الرأي الأول ـ وأسخف منه في المنطق والسياسة : أن يرفض شخص الميثاق ثم يشارك شخصيا في البرلمان ، ويكتشف بعد التجربة أن التغيير من الداخل شبه مستحيل ويحمل التصويت بنعم للميثاق مسؤولية ذلك الوضع المأساوي في البرلمان ، ولكي يبرأ ذمته فإنه سوف يطرح التعديلات الدستورية في البرلمان .
عجبا : يقول بأن التغيير من الداخل شبه مستحيل ، ويقول بأنه سوف يبرأ ذمته بطرح التعديلات الدستورية في البرلمان ، وكأنه يخاطب عجماء لا عقل لها ولا لسان . وسوف يُكتب في التاريخ : أن هناك من يحمل هذا المنطق ، وأنه لا يستحي منه وإنما يتبجح به في العلن أمام الناس ، وأن هؤلاء معروفون بأسمائهم وأشخاصهم بين الناس .
أيها العزيز : إذا كنت صادقا فاخرج من هذا البرلمان الذي ترى بأن التغيير من خلاله شبه مستحيل ، والتحق بركب الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وطالبوا ولا زالوا يطالبون بالإصلاح الحقيقي في هذا البلد الطيب العزيز .
وفي الختام : أرغب في ذكر بعض الملاحظات :
الملاحظة ( 1 ) : أن التخلف والظلم والدكتاتورية والاستبداد والفساد قد تكرسن في هذه البلاد وغيرها من البلدان الإسلامية لقرون من الزمن ، حيث عجزت الشعوب عمليا عن تغييره وتعايشت معه ولا زالت باسم الدين أحيانا ، وتحت عنوان الحكمة والواقعية أحيانا أخرى ، وحمل الإسلام العزيز المسؤولية عن ذلك بوصفه الدين الذي يدين به غالبية الشعب ، وهذا عار يجب أن يغسل ، وبئس الواقعية التي تكرس هذا العار وليس من الحكمة في شيء والدين منه بريء .
الملاحظة ( 2 ) : يبرر البعض قبوله بذلك الواقع البائس بالطاعة لولي الأمر ، ويبرر بعض أتباع مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) قبوله بصلح الإمام الحسن وعدم ثورة أي من الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) على الحكام ما عدا سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) وبحسب ما أفهمه من أقوال العلماء : أن العقل والدين يحكمان بأن سلوك الأئمة ( عليهم السلام ) ومواقفهم كأقوالهم واحدة لا تختلف ، وأن التعارض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين ( عليهما السلام ) يحل من خلال دراسة ظروف كل منهما ، وبالتالي فإن الموقف لا يبرر بالصلح أو الثورة وإنما بالظروف التي يعيشها المكلف .
الملاحظة ( 3 ) : يجب التمييز بين موقفنا من الشخص ( الطبيعي أو الاعتباري ) وبين موقفنا من أطروحته ومشرعه ، فقد أحب شخصا وأقدره وأجله لعلمه وتقواه ووطنيته وغير ذلك ، ولكن لا أرى صحة أطروحته ومواقفه فأخالفه فيهما ويبقى حبي وتقديري وإجلالي له على ما هو عليه . وقد يكون هواي ورغبتي ليسا مع شخص ( طبيعي أو اعتباري ) وأرى الحق في أطروحته ومشروعه فأقبلهما منه بقبول الحق رغم أن هواي ورغبتي في مكان آخر . وهذا ما عبر عنه سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) بقوله : ” فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ” فالقبول بالحق سابق على القبول بالإمام الحسين ( عليه السلام ) وأساس له ، وأن ذلك نابع من الإيمان بالله عز وجل ، فلا يمكن لمؤمن أن يرفض أطروحة أو مشروع يرى أنهما مع الحق لأنهما من شخص ( طبيعي أو اعتباري ) لا يوافق هواه ورغبته ، ولا يمكنه أن يقبل أطروحة أو مشروع يرى أنهما ليسا مع الحق لأنهما من شخص يوافق هواه ورغبته ، فإن ذلك بخلاف الحق والتوحيد ، ولنا في زهير ابن القين قدوة حسنة حيث كان عثماني الهوى ، ثم تحول إلى معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) واستشهد معه لأنه رأى بأنه مع الحق ومضى إلى الله عز وجل شهيدا في ركب السعداء .
الملاحظة ( 4 ) : أرجو من إخواني أن يتعاطوا من مضمون هذه المحاضرة بعقول مفتوحة وضمائر حاضرة بشاهدة الرب الجليل .

أيها الأحبة الأعزاء ،،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إغلاق