فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 11-05-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 11 مايو 2001 م

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام على جميع الأوصياء ومصابيح الدجى، وأعلام الهدى ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين والصراط المستقيم، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على العلماء والشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة أيها الاخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

قال تعالى: ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين، هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) آمنا بالله صدق الله العلي العظيم. ( قد خلت) بمعنى: مضت، ( سنن ) السنة: بمعنى الطريقة التي يسلكها المجتمع، فمثلا : الماركسية طريقة، الليبرالية طريقة البوذية طريقة، الإسلام طريقة., وكذلك العدل طريقة، الربــــــا طريقــــة، الدكتاتورية طريقة، وهذه طرق جزئية. علماء التفسير أشاروا إلى نقطتين في تفسير هذه الآية تتعلق بالسنن الكونية التي تحكم حياة وحركة المجتمع. النقطة الأولى : إن حركة المجتمع محكومة بقوانين ثابتة تماما كالطبيعة، فنزول المطر يخضع لقوانين، المد والجزر يخضع لقوانين، نمو النبات وصحته يخضع لقوانين، نمو الحيوان وصحته يخضع لقوانين، سير السفينة في البحر يخضع لقوانين إقلاع الطائرة وتحليقها وهبوطها يخضع لقوانين… وهكذا. فكما أن الطبيعة تخضع لقوانين فكذلك المجتمع هو أيضا محكوم بقوانين في نهضته وسقوطه، في نجاحه وفشله ففشل المجتمع أو نجاحه يخضع لقوانين، وكذلك نهضة المجتمع تخضع لقوانين، فعندما نريد تحقيق نهضة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية في المجتمع فيجب أن نتبع القوانين التي تحكم المجتمع في سبيل تحقيق هذه النهضة، ونستطيع أن نتوصل من خلال هذه الفكرة للنتائج الثلاث التالية :
النتيجة الأولى : بأن ليس كل شخص يصلح لقيادة المجتمع ما دامت حركة المجتمع تخضع لقانون. مثل ذلك الطائرة أو السفينة التي ليس باستطاعة أي شخص قيادتهما، حيث لابد من توفر الخبرة والمعرفة من أجل قيادتهما.
النتيجة الثانية : إن النوايا الحسنة والطيبة، وكذلك الجهد والعمل الدؤوب لا يكفيان لتحقيق النجاح والنهضة للمجتمع ما لم يتوفر إلى جانب ذلك العلم والخبرة بقوانين العلم أو قواعد اللعبة.
النتيجة الثالثة : إن قيادة المجتمع وتحقيق النجاح والنهضة لا يمكن أن يتحقق بأي فكرة تخطر على بال القائد أو غيره، وإنما يتحقق ذلك وفق قوانين مكتشفة من المجتمع نفسه والتاريخ، وهذه النتائج الثلاث تبين مدى المسئولية على عواتق القيادات والمهتمين بالشأن العام، في ضرورة توفير العلم والخبرة في قيادة المجتمع وتحقيق النهضة الشاملة والتفوق والتغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجه المجتمع.
النقطة الثانية: والتي أشار إليها علماء التفسير في تفسير الآية فيما يتعلق بالسنن الكونية التي تحكم حركة المجتمع، إن هذه القوانين واحدة لجميع الناس، للمؤمنين والكافرين، ولجميع العصور والمجتمعات، فهذه القوانين تحكم المجتمعات المعاصرة كما تحكم المجتمعات السابقة، فإنها تحكم حركة المجتمع البحريني كما تحكم حركة المجتمع المصري والأمريكي والصيني والياباني وغيرها من المجتمعات. فهذه السنن واحدة لجميع الناس ولجميع العصور والمجتمعات، فالمجتمع الذي يوفر أسباب النصر ينتصر وإن كان ملحدا، والمجتمع الذي يوفر أسباب الهزيمة ينهزم وإن كان مجتمعا مؤمنا، فالمجتمع الذي يوفر أسباب النهوض الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي ينهض وإن كان ملحدا، والمجتمع الذي تتوفر أسباب السقوط والاندحار يندحر وإن كان مجتمعا مؤمنا، وهذا الحديث يوصلنا إلى نتيجتين أساسيتين وهما :
النتيجة الأولى: إن الدنيا يملكها من يوفر أسباب النجاح والفوز سواء كان مجتمعا مؤمنا أم مجتمعا كافرا.
النتيجة الثانية:إن الحق لا ينتصر بما هو حق مجرد، وإن الباطل لا ينهزم بما هو باطل مجرد، وإنما للحق رجال وللباطل رجال، فإذا وفر أهل الحق أسباب النصر ينتصرون، وإن وفر أهل الباطل أسباب النصر ينتصرون، ولهذا يجب على المجتمع أن يوفر أسباب النصر حيث قال تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) فيجب عليهم أن يتجنبوا أسباب الضعف والهزيمة حيث قال تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وكما قال الإمـــام علي (ع) يخاطب أصحابه ( إن هؤلاء – أصحاب معاوية – انتصروا لاجتماعهم على باطلهم وخذلتم لتفرقكم عن حقكم ). والسؤال: إلى أين أوصل هذا الفكر القرآني الراقي المسلمين، وأي شيء استفادوا منه؟ إن النظر إلى واقع الحال يغنينا عن الجواب !!
( فسيروا في الأرض ) هذه الآيـة جعلت من الأرض مسرحا للنشاط البشري، وإن هناك حضارات سادت ثم بادت، وحضارات لا زالت قائمة بعضها راقية والبعض الآخر متخلف، الآية الشريفة تأمرنا بالسير في الأرض، وبالتالي فهي تأمرنا بقراءة التاريخ ودراسته والتنقيب عن الآثار والتأمل فيها، كما تأمر بالسياحة في الأرض، فقراءة التاريخ تكشف لنا أمرين :
الأمر الأول : الكشف عن أفكار الأمم السابقة وأخلاقها وأعمالها.
الأمر الثاني : الكشف عن علل سقوط وفشل الأمم السابقة وعن علل نهوضها وانتصارها ونجاحها.
فالآية الشريفة تنبهنا بأن لا نمر على التاريخ مرور الكرام، ولا ننظر إلى التاريخ كفكاهات وقصص، بل تأمرنا بالوقوف مع التاريخ والتأمل في أحداثه واستخلاص العبر منه، ومعرفة القوانين التي تؤدي إلى نهوض المجتمع والقوانين التي تؤدي إلى فشله… وكذلك مع الآثار حيث تقوم بنفس وظائف دراسة التاريخ حيث تعرفنا على أفكار وأخلاق وأعمال الأمم السابقة، كما تعرفنا على علل سقوطها أو نهضتها، نجاحها أو فشلها.، فالآثار تتميز عن قراءة التاريخ المدون بأنها أقدر على تجسيد الأفكار والأخلاق والأعمال من التاريخ المدون، فحينما تقف على الأهرامات مثلا تستطيع من خلالها أن تتعرف على الشخصية المتجبرة والطاغية لفرعون المستعلي في الأرض، كما تتعرف على أحوال الشعب المستضعف من قبل فرعون الذي سخره لبناء الأهرامات، كما تستطيع أن تسأل نفسك،هل استطاع فرعون بجبروته أن يمنع ثورة بني إسرائيل بقيادة موسى (ع) ؟ إلى أين انتهى فرعون بجبروته وطغيانه ؟ فمن خلال الوقوف على الأهرامات،تستطيع أن تتعرف على أن التقدم العلمي والتكنولوجي يتجاور في مجتمع واحد مع الطغيان والظلم، فهناك تقدم علمي وتكنولوجي وهناك طغيان. وتستطيع أن تسأل نفسك. هل استطاع التقدم العلمي والتكنولوجي أن يمنع انهيار الحضارة الطاغية الظالمة ؟ كما تستطيع من خلال الوقوف على الأهرامات أن تتعرف على كيفية تسخير الأدب والفن لخدمة الطاغوت بدلا من أن يسخر لخدمت قضايا المجتمع، ويعبر عن قيم الجمالية الحقة، إلى آخره. وكذلك السياحة في الأرض تقوم بعدة أغراض كالترفيه عن النفس، حيث أن الأرواح تكل كما تكل الأبدان فأريحوها ساعة بعد ساعة، وكذلك السياحة توقفنا على أفكار المجتمعات المختلفة وأخلاقها وأعمالها، كما نستطيع من خلال ذلك أن نتعرف على العلل والقوانين التي تحكم نهضة المجتمعات أو تخلفها، نجاحها أو فشلها، كما نستطيع أخذ العظة والتعرف على معالم قدرة الله – عز وجل – في إبادة فرعون مثلا وهامان ونمرود وغيرهم ونهضة اليابان وماليزيا،،، ونتوصل من خلال هذا الحديث إلى نتيجة مهمة وهي : إن القرآن يدعوا إلى الانفتاح على الأمم والشعوب المختلفة والاستفادة منها، ويرفض العزلة والانغلاق على النفس.
(فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) في هذه الآية إشارة إلى أن من أول وأهم قوانين النهضة في المجتمعات الطاعة لله ولرسوله، وإن المكذبين لله وللرسول مهما حققوا من إنجازات فإن مصيرهم في النهاية إلى الفشل والاندحار،لأن المجتمعات التي تنحرف عن طاعة الله وطاعة الرسول ليس في إمكانها أن تخلق استقرارا شاملا ونهضة متوازنة في المجتمع، ليس في استطاعتها أن تخلق نهضة شاملة اجتماعية وأخلاقية وروحية إلى جانب النهضة المادية، ومصيرها في النهاية إلى الفشل والاندحار… كما تشير الآية الشريفة ضمناً إلى إن العاقبة للتقوى،لأن المتقين ومن خلال انفتاحهم على القرآن واستفادتهم من التجارب القرآنية وانفتاحهم على المجتمعات ودراستهم لتجارب الأمم وتعرفهم على قوانين النهوض والسقوط والفشل والنجاح، وتوظيف هذه المعرفة في حياتهم سوف يستطيعون في النهاية أن يحققوا النجاح التام في المجتمع البشري كما وعدهم الله جل جلاله. (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) هذا : إشارة إلى ما تقدم في الآيات السابقة من وجود القوانين التي تحكم المجتمعات ونهاية المكذبين. (بيان للناس). بيان : أي بلاغ وإيضاح للناس كافة بغير استثناء. (وهدى وموعظة للمتقين) هدى : أي دلالة على طريق الرشد والصواب، وموعظة : أي يؤثر في قلب الإنسان المؤمن،ويلين له قلب الإنسان المؤمن ويستفيد منه في حياته.فهو بلاغ وإيضاح ودلالة للناس كافة، ولكن الذين يستفيدون منه عملياً هم المتقون المنفتحون على القرآن. كما نستطيع من خلال هذه الآية أن نستفيد درساً عمليا ً وهو انه لا يكفي العلم بالشيء للاستفادة منه وإنما نحتاج بالإضافة للعلم بالشيء إلى الرغبة والإرادة والقدرة على الاستفادة من الشيء. وإن الآية الشريفة تنبهنا إلى إن الإيمان والتقوى ينشأ عنهما الرغبة والقدرة للاستفادة من الشيء،،، ونحن نرى في حياتنا إن الكثير من الأشخاص يعلمون بالأشياء ثم يخالفون ما يعلمون خوفا من التعب والمشقة، وإما رغبة في الراحة والمتعة، ضاربين عرض الحائط المصالح الحقيقية لأنفسهم والمجتمع، في الدنيا وآخره.
– بعد هذه الوقفة مع الآيات الشريفة ننتقل إلى القسم الثاني من الحديث عن الإمام الرضا (ع) بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاده، وفي بداية الحديث وبهذه المناسبة أرفع أحر وأصدق التعزية لسيدي ومولاي صاحب العصر والزمان (ع) وإلى كافة الفقهاء والعلماء وإليكم جميعا،،، ونحاول أن نأخذ قبسا وموعظة من حياة الإمام الرضا (ع).
فالإمام الرضا (ع) يمثل القطب الأعظم للمعارضة السياسية في زمانه، وقد عاصر في إمامته ثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم : هارون الرشيد والأمين والمأمون، وإن الإمام الرضا (ع) عانى في حياة الرشيد الكثير من المضايقات وداهمت الشرطة بيته أكثر من مره في حياته وسرقت أمواله وأموال أهل بيته، كما هدده الرشيد أكثر من مره في حياته، وكان الشيعة قلقين جدا على حياة الإمام الرضا (ع) وكانوا يشيرون عليه بأن يسر في الدعوة أي لا يظهر إمامته بعد أبيه من أجل حفظ نفسه وحفظ شيعته، ولكن الإمام الرضا (ع) بما يملك من بصيرة ووعي كان يصر على الاستمرار في الدعوة وإظهار إمامته وإقامة الحجة على الناس وإن لم يكن يخالف الحكمة في شيء،،، وفي عهد الأمين وبسبب انشغاله وصراعه مع أخيه المأمون وبسبب انشغاله بشهواته فقد غفل عن الإمام الرضا (ع)، وتعتبر هذه الفترة من حياة الإمام في خلافة الأمين (ما يقارب خمس سنوات أو أكثر ) أخصب حياته العلمية، حيث تفرغ للتعليم وتربية الشيعة،،، والدرس الذي نستفيده من ذلك الاستثمار الأمثل للظروف في الدعوة إلى الله جل جلاله. أما في حياة المأمون فأبرز حدث تمثل في ولاية العهد، حيث طلب المأمون من الإمام (ع) أن يكون وليا للعهد فرفض الإمام الرضا (ع) فهدده المأمون بالقتل وأجبره على قبول ولاية العهد، فولاية العهد نستطيع أن ننظر إليها من جانبين. جانب المأمون وجانب الإمام الرضا (ع).
– من جانب المأمون : المأمون وبعد أن تغلب على أخيه الأمين وخضعت له الدول الإسلامية كافة كانت دولته تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية شديدة بسبب الثورات المنتشرة في أقطار العالم الإسلامي آنذاك كالكوفة والبصرة والمدينة ومكة واليمن والبحرين وغيرها من الأقطار الإسلامية، فأراد المأمون السيطرة على الثورات والمعارضة الشيعية واتخذ لذلك غطاء سياسيا تمثل في جعل الإمام الرضا (ع) وليا للعهد، ويعتبر هذا التصرف تعبيرا عن حنكة سياسية وبعد نظر لدى المأمون، حيث استطاع من خلال ذلك أن يحقق الاستقرار السياسي والأمني طوال حياة الإمام الرضا (ع) حيث توقفت الثورات واختفت المعارضة الشيعية ضد المأمون، والأهم من ذلك أنه استطاع أن يبقي الخلافة في بني العباس، بخلاف رأي بعض أفراد العائلة الحاكمة العباسية الذين كانوا يتخوفون من انتقال الخلافة إلى بني هاشم.
– أما من جهة الإمام الرضا (ع) : فالذي أعطاه المأمون للإمام الرضا ليس شيئا قليلا وإنما أعطاه الكثير، حيث أن المأمون لم يجعل من الإمام الرضا (ع) شريفا أو وجيها ذا مكانة عند الخليفة ولم يجعله وزيرا ذا سلطات محدودة في الدولة، وإنما جعله وليا للعهد، ولكن هل استطاع هذا المنصب أن يفقد الإمام (ع) صوابه ؟! أم أن الإمام استطاع أن يحتفظ ببعد النظر ويعرف اللعبة بكل أبعادها. فالإمام (ع)، ببصيرته الرسالية استطاع أن يعرف بعد اللعبة وأعانه على ذلك تقواه،،، فالإمام استطاع أن يعرف الأبعاد الثلاثة الأساسية للعبة وهي :
1. استطاع أن يعرف بأن هذه اللعبة من أجل الاحتواء الشخصي له ووضعه تحت المراقبة والحصار المحكم.
2. استطاع الإمام أن يعرف بأن ولاية العهد هي غطاء سياسي ليحكم المأمون السيطرة على الثورات والمعارضة السياسية، وكان هذا الأمر هو الأشد على قلب ونفس الإمام (ع)، حتى كان يكثر من قوله : ( اللهم إن كانت راحتي مما أنا فيه الموت فعجله لي الساعة). فكان هذا الغطاء السياسي يغطي على مساوئ ومظالم المأمون، ويسكت الثورات والمعارضة السياسية.
3. إن هذه اللعبة تمثل خطرا على حياته، حيث كان يخبر المقربين إليه بان مصيره الشهادة. فهذه النتيجة ألا وهي الشهادة ترتبط بموقفه الرسالي وبأنه لن يتخلى عن مبادئه، لصالح مكاسب شخصية، ولن يدخل اللعبة السياسية على حساب مبادئه ورسالته.
فنستطيع من خلال هذا الموقف أن نتعرف على أن الإمام الرضا (ع) كان رساليا بكل ما للكلمة من معنى، وأن لديه إيمانا مطلقا برسالته ومبادئه التي يدعو إليها، ولأنه كذلك لم يستسلم في الأجواء المخملية للقصر، بل أصر على رسالته ومبادئه، ولم ينس قواعده الشعبية التي آمنت به وعملت معه، وإنما بقي وفيا لها ومتصلا بها حتى النهاية رغم صعوبة الظروف.
وهذا يعطينا نتيجتين أو درسين مهمين وهما :
– الدرس الأول : أهمية الوعي السياسي والرسالي لدى القيادة، وأهمية الإرادة والعزيمة والقدرة لدى القيادة، لاسيما في وقت المحنة وأمام المغريات، فإذا كانت القيادة لا تمتلك الوعي السياسي والرسالي الكافي، ولا تمتلك القدرة على الوقوف أمام المغريات والتهديدات فإنها قد تعرض الرسالة أو الخط إلى نكبات وقد لا تقوم لها بعدها قائمة.
– الدرس الثاني : أهمية الإيمان والتقوى في إعطاء القدرة والإرادة للقيادة للوقوف أمام التهديدات والترغيبات، وهذه نفس النتيجة التي توصلنا إليها في نهاية شرح وتحليل الآيات السابقة.
– بعد هذا انتقل إلى القسم الثالث والأخير حول الساحة الوطنية.
وأشير هنا إلى حدث مهم وهو من أهم الأحداث في الأسبوع الماضي وهو نقل النيابة العامة من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، فالنيابة العامة في الأساس والأصل هي مؤسسة قضائية، وأنها يجب أن تكون تابعة للسلطة القضائية وليست جزءا من السلطات الأمنية، فوجود النيابة العامة في وزارة الداخلية ليس من شأنه أن يحقق سيادة القانون، وليس من شانه توفير العدالة وضمان حقوق الإنسان، فلما كانت النيابة العامة تابعة لوزارة الداخلية ضاعت العدالة وضاعت حقوق الإنسان،،، فنقل النيابة العامة من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل تعتبر خطوة إيجابية في حركة الإصلاحات، كما تتعلق بصورة مباشرة بسيادة القانون الذي هو شرط من شروط الإصلاحات السياسية، فسيادة القانون محتاجة لأمرين :
– الأمر الأول : استقلالية القضاء وحصانته.
– الأمر الثاني : استكمال مؤسسات القضاء، ومن المؤسسات المهمة في السلطات القضائية ثلاث وهي :
1. مجلس القضاء الأعلى وقد صدر مرسوم أميري بشأنه وهو المرسوم بقانون رقم 19 لعام 2000م حيث أنشئ المجلس الأعلى فعلا من القضاة أنفسهم.
2. المحكمة الدستورية والتي لم تنشا حتى الآن ونحن ننتظر بفارغ الصبر إنشاء هذه المحكمة لأهميتها في المرحلة الراهنة ولاسيما لعمل لجنة تعديل بعض مواد الدستور، ولجنة تفعيل الميثاق.
3. النيابة العامة.. ولكي نتعرف على أهمية النيابة العامة نقف باختصار شديد على أهم اختصاصاتها :
– إن النيابة العامة مسئولة عن رفع الدعاوى الجزائية ضد المتهمين نيابة عن المجتمع.
– إنها مسئولة عن الضبط القضائي.
– إنها تضع ضوابط للتحقيق والتفتيش.
– إنها مسئولة عن تطبيق الأحكام وتعقب المجرمين وتنفيذ الأحكام فيهم
– ومن صلاحياتها واختصاصاتها نقض الأحكام المخالفة للقانون أو الخطأ في الأحكام.
– ومن اختصاصها أن تطلب من القضاء تبرئة المتهم إذا تبين لها ذلك.
– ومن اختصاصها التفتيش على السجون للتأكد أولا من خلو السجون من سجناء بغير وجه قانوني، وبحصول السجناء على حقوقهم الكاملة كالرعاية الصحية والاجتماعية وعدم تعرضهم للمضايقات والتعذيب.
ومن خلال الوقوف عند هذه الاختصاصات ندرك الخطأ الجسيم في وضع هذه المؤسسة تابعة لوزارة الداخلية حيث أدى ذلك لعدم سيادة القانون والإضرار بحقوق الإنسان وعدم تطبيق العدالة، وندرك أن المكان الطبيعي لها بوصفها مؤسسة قضائية أن تكون تابعة للسلطة القضائية، وهناك علماء من رجال القانون من يتحفظ حتى على تبعية السلطة القضائية لوزارة العدل، لأن السلطة القضائية يجب أن تكون سلطة مستقلة، وأن وزارة العدل مؤسسة تابعة للسلطة التنفيذية فالمؤسسة القضائية يجب أن تكون مستقلة تماما عن أي مؤسسة تابعة للسلطة التنفيذية.
وفي ختام الحديث ونحن نتكلم عن الإصلاحات وعن العدالة لا يفوتني أن أنوه بلجنة تفعيل الميثاق بخصوص برنامج الأولويات التي وضعته لعملها وأنها بالفعل أولويات حقيقية وفعلية في الحركة الإصلاحية، وأن المراقب لا يغفل عن دور سمو ولي العهد – حفظه الله – في قيادة هذه اللجنة نحو الوجهة الصحيحة والمطلوب بعد ذلك التنفيذ السريع لما جاء في البرنامج.
وأسأل الله – عز وجل – أن يحفظ هذا البلد، ويأخذ بيد القيادة والشعب لما فيه الخير والصلاح وما يرضي الله عنا

أكتفي بهذا المقدار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 17صفر 1422هـ الموافق 2001/5/11 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.