فهرس خطب الجمعة عام 2001

خطبة الجمعة بتاريخ 23-11-2001

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 23 نوفمبر 2001 م

الخطبة الدينية : مفهوم التوبة في القصص القرآني
الخطبة السياسية : لا يوجد عنوان

( قد يعيش الإنسان في زنزانة ضيقة وهو يشعر بالسعة والراحة ، وقد يعيش الإنسان في برية وهو يشعر بالضيق ، وقد يعيش الإنسان منفردا مع نفسه وهو يشعر بالسعادة ، وقد يعيش الإنسان مع أقرب المقربين إليه وهو يشعر بالضيق إذا لم تكن العلاقة بينه وبينهم علاقة صحيحة )
( العلاقات لها أثرها في نفسية الإنسان ويمكن أن تدفعه للأمام أو ترجعه للوراء ، وعلينا أن نتأمل كثيرا في علاقتنا مع إخواننا وأن نوظف هذه العلاقات في الدعوة إلى الله – عز وجل – وتقريب أنفسنا وإخواننا إلى الله – عز وجل – )

( الواقعية ليست من صفات القيادة فقط ، وإنما يجب على الإنسان المؤمن أن يتعلم الواقعية )
( فالتعامل مع الله يحتاج إلى الصدق و الواقعية فلا يجور أن نتعامل مع الله بمزاجية وانفعال )
( الرحمة التي يمتلئ بها قلب الرسول الأعظم (ص) لم تمنعه من التعامل معهم بواقعية ، فهو لم يتعامل معهم بمزاجية ولم يخدعهم وإنما كان حازما معهم ، وهذا الحزم هو الذي أنجاهم ورباهم وأهلهم لتحمل المسئولية )
( إن طاعة القيادة قوة وسبب من أسباب النجاح وإن معصية القيادة هو الذي يؤدي بنا للتفرق والتشتت والفشل ، ولكن .. بعد أن نتأكد من أهلية القيادة ..ليس كل قيادة وإنما القيادة الحقيقة والفعلية التي تتوفر فيها الصفات المطلوبة )
( لا توجد قضية مصيرية تستحق الاهتمام أكثر من التعامل مع الله .. وما قام به الصحابة الثلاثة هو النموذج لتعامل العقلاء مع التوبة )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وظنوا ألا ملجأ إليهم من الله إلا إليه ، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) صدق الله العلي العظيم .

تخلف وندم

هذه الآية الشريفة نزلت بعد عودة الرسول الأعظم (ص) من غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة الشريفة ، وكان قد تخلف عن الرسول الأعظم (ص) قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين .. بعض المؤمنين الذين تخلفوا عن الرسول الأعظم (ص) لاموا أنفسهم ثم سارعوا للحاق بالرسول ، وهناك ثلاثة من المؤمنين الصادقين في إيمانهم لم يكن لهم عذر ومع ذلك تخلفوا عن الرسول الأعظم (ص) ، وكان السبب في تأخرهم هو التواني والتسويف ، فكانوا يحدثون أنفسهم بأنهم غدا سوف يلتحقون برسول الله .. بعد غد سوف يلتحقون برسول الله ، وكانوا على هذا الحال حتى فوجئوا بعودة الرسول الأعظم (ص) من غزوة تبوك ، فلما علموا بذلك أسفوا ، وخرجوا لاستقبال الرسول الأعظم (ص) وأصحابه ، فسلموا على الرسول وهنئوه بالسلامة إلا أنه أعرض عنهم ولم يرد عليهم السلام ، وسلموا على أصحابه أيضا فأعرضوا عنهم ولم يردوا عليهم السلام ، وفي قول آخر أنهم دخلوا على الرسول الأعظم (ص) في المسجد حيث دخل إلى المسجد بعد عودته من المعركة ، فسلموا عليه وهنئوه بالسلامة ، كما دخل المنافقون أيضا . المنافقون اعتذروا إلى الرسول بأعذارهم الواهية ، ولكن الرسول قبل أعذراهم ، أما هؤلاء فقد صدقوا الرسول ولم يختلقوا الأعذار وقال كعب بن مالك للرسول : لم أكن قط أقوى مني في الوقت الذي خرج فيه الرسول (ص) ، وما اجتمعت لي راحلتان إلا في ذلك اليوم ، ولأنهم لم يختلقوا الأعذار وإنما صدقوا الرسول القول فقد أرجعهم فلم يقبل عذرهم ولم يقطع في أمرهم بشيء وترك أمرهم إلى الله ، فخرجوا من المسجد ، وبعد ذلك لم يكلمهم الرسول لأنه لم ينزل في شأنهم أمر من الله – عز وجل – ، ولم يكلمهم المسلمون ، وبعد مضي أربعين يوما جاءت أزواجهم إلى الرسول وقلن : لقد علمنا سخطك على أزواجنا فهل تأمرنا باعتزالهم ، فنهاهم الرسول عن الاعتزال وقال لهن : لا يقربوكن .

توبة وعودة

وبقوا على ذلك أياما فقال كعب بن مالك لصاحبيه : إن الله ساخط علينا ، والرسول ساخط علينا ، وإخواننا ساخطون علينا ، وأزواجنا ساخطات علينا .. فما يبقينا في المدينة ؟ . فقرروا الخروج إلى قمم الجبال ، وكانوا يصومون النهار ، ويبكون الليل والنهار ، ويسألون الله – عز وجل – المغفرة ، وكان أزواجهم يأتون لهم بالطعام عند الليل فيضعون الطعام بين أيديهم دون تكليمهم وينصرفون عنهم ، وبقوا على ذلك أياما ، فقال كعب بن مالك لصاحبيه : إن الله ساخط علينا ، والرسول ساخط علينا ، وإخواننا ساخطون علينا ، وأزواجنا ساخطات علينا ، فلماذا لا يسخط بعضنا على بعض ؟ . فقرروا أن يفترقوا وألا يكلم بعضهم بعضا ، فذهب كل واحد في جهة من الجبل ، وبقوا على ذلك الحال يصومون النهار ، ويبكون الليل والنهار ، ويسألون الله المغفرة لمدة ثلاثة أيام بعد افتراقهم فنزلت هذه الآية . ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وظنوا ألا ملجأ إلى الله إلا إليه ، ثم تاب عليهم ليتوبوا عن الله هو التواب الرحيم ) فلما نزلت هذه الآية ذهب أصدقاؤهم إليهم يبشرونهم بتوبة الله عليهم ، فنزلوا من الجبل وحضروا إلى المسجد ، يقول كعب بن مالك : أنه رأى وجه الرسول الأعظم (ص) يسفر بالسرور لعودة هؤلاء الأصحاب وقال له : أبشر بخير يوم مر عليك في حياتك .. وهو نزول هذه الآية في حقه . فكان يقول عن نفسه : أنه لم يشعر لم بنعمة قط بعد نعمة الهداية إلى الله أكثر من شعوره بنعمة الصدق مع الرسول الأعظم (ص) وعدم اختلاقه الأعذار .. فأنزل الله في حقه هذه الآية الشريفة .
( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) الثلاثة هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وأمية بن هلال ، الذين خلفوا .. لعلماء التفسير قولين في تفسير هذه الآية يمكن دمجهما في قول واحد ومعناه : أنهم تخلفوا عن المسير مع الرسول الأعظم (ص) في الخروج إلى غزوة تبوك دون أن يكون ذلك عصيانا أو استكبارا أو تمردا على إرادة الله وإنما توانيا وتسويفا ، كما أن الرسول الأعظم (ص) لم يقبل عذرهم ولم يرده ولم يقطع في أمرهم بشيء .. وهنا خلفوا بما أرجعوا أي أن الرسول أرجع أمرهم إلى الله .

أهمية العلاقات الاجتماعية

( حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) وفي ذلك كناية عن شدة الوحشة والجو النفسي الضيق بسبب مقاطعة الرسول والمسلمين وأزواجهم إليهم ، ورغم سعة الأرض كانوا يشعرون بضيق هذه الأرض مما يدل على أهمية العلاقات الاجتماعية والوشائج ، فالمهم ليس أن تكون الأرض واسعة وإنما ما هو الجو النفسي الذي يعيشه الإنسان في داخله ،،، فقد يعيش الإنسان في زنزانة ضيقة وهو يشعر بالسعة والراحة ، وقد يعيش الإنسان في برية وهو يشعر بالضيق ، وقد يعيش الإنسان منفردا مع نفسه وهو يشعر بالسعادة ، وقد يعيش الإنسان مع أقرب المقربين إليه وهو يشعر بالضيق إذا لم تكن العلاقة بينه وبينهم علاقة صحيحة ، فالعلاقات لها أثرها في نفسية الإنسان ويمكن أن تدفعه للأمام أو ترجعه للوراء ، وعلينا أن نتأمل كثيرا في علاقتنا مع إخواننا وأن نوظف هذه العلاقات في الدعوة إلى الله – عز وجل – وتقريب أنفسنا وإخواننا إلى الله – عز وجل – .
( وضاقت عليهم أنفسهم ) وذلك لما أن انعزلوا قرروا أن يفترقوا ، وأن كل واحد منهم يذهب إلى جهة من الجبل ، وفي ذلك إشارة إلى مدى الهم والغم الذي دخل إلى أنفسهم ، ومدى الوحشة التي دخلت إلى قلوبهم لأنهم أحسوا بسخط الله عليهم وسخط الرسول وسخط إخوانهم المؤمنين بسبب المعصية .

لا ملجأ إلا الله

( وظنوا ألا ملجأ إلى الله إلى إليه ) ظنوا بمعنى : علموا .. علموا أن لا ملجأ من الله .. لا ملجأ من سخط الله .. لا ملجأ من غضب الله إلا بالرجوع إلى الله والتوبة والاستغفار ، وذلك أن الله – عز وجل – هو المالك لأقطار السماوات والأرض فأين يذهب الإنسان من الله إذا عصى الله ؟!! وإذا سخط الله على إنسان أين يذهب هذا الإنسان ؟!! هل يوجد مكان يلتجأ إليه والله – عز وجل – هو المالك لأقطار السماوات والأرض ؟!! هل توجد حالة أو أسلوب يفر به الإنسان من الله – عز وجل – وملجأه ومرجعه ومآبه إلى الله ؟!! وسوف يقف بين يدي الله – عز وجل – ذليلا ، ويقف بين مصيرين إما الجنة أو النار !!! هل يوجد مصير غير هذا المصير؟!! هل يوجد مخرج غير هذا المخرج ؟!! هل توجد نهاية غير هذه النهاية وهو الموقوف بين يدي الله والحساب فإما الجنة أو النار ؟!!! .. وبعد ذلك فإن الله هو الرؤوف .. فهل أرأف وأرحم وأحب إلى العبد من الله – عز وجل – ؟! .. أقرب المقربين إليك .. أبوك .. أمك .. هل يحبانك كما يحبك الله ؟! هل أمك ترأف بك أكثر مما يرأف بك الله ؟! من أدخل الرأفة إلى قلب أمك ؟ وبالتالي فالآية : ( وظنوا إلا ملجأ إلى الله إلا إليه ) بالفعل .. حالة واقعية لأن الله هو الرؤوف الرحيم بعباده رغم أنه المالك لأقطار السماوات والأرض ، وأن المنتهى والمآب والعودة إلى الله – عز وجل – ، فلا سبيل للإنسان أبدا إلا هذا المصير ولا مهرب منه وهو الوقوف بين يدي الله عز وجل .

تفكير واقعي

ونحن نجد أن هؤلاء الثلاثة رغم أنهم يعيشون جوا نفسيا مكهربا وحالة ضيق إلا أن الحالة التقوائية من خلال تقوى الله وحضور الله في قلوبهم جعلتهم يفكرون بتفكير واقعي ، كما نجد التفكير الواقعي في التعامل مع الرسول والتعامل مع إخوانهم المؤمنين وأزواجهم .. لم يتعاملوا تعاملا انفعاليا .. لم يقولوا : لماذا سخط علينا الرسول ؟ ولماذا يعاملنا هذه المعاملة ؟ ولم يعاملنا إخواننا هذه المعاملة ؟ ولم تعاملنا أزواجنا هذه المعاملة ؟ .. لم يسألوا هذا السؤال .. وإنما فكروا بواقعية والتفكير الواقعي والصدق هما اللذان أنجاهم . فالتعامل مع الله يحتاج إلى هذا الصدق ويحتاج إلى هذه الواقعية فلا يجور أن نتعامل مع الله بمزاجية وانفعال لأن المزاجية والانفعال لا تجدينا ولا تنفعنا بشيء في تعاملنا مع الله ، وإنما الصدق والواقعية هما الكفيلان بنجاة الإنسان .

أي عذر لك ؟!!

( إن الله هو التواب الرحيم ) التواب بمعنى : كثير التوبة .. حالة مبالغة في التوبة ، لأن الله يتوب على عبده مهما كثرت ذنوبه ومهما عظمت .. العبد يذنب فيلجأ إلى الله فيتوب عليه مهما كثرت وعظمت هذه الذنوب ، فأي عذر لك أيها الإنسان ؟ وبماذا تقابل إحسان وجميل هذا الرب ؟! وهو يقول : مهما كثرت ذنوبك وعظمت فلا تيئس .. تب وأنا أتوب عليك .

شقاوة من يدخل جهنم

( إن الله هو التواب الرحيم ) الرحيم : بمعنى أن الله يتفضل على عباده بالآلاء والنعم مع استحقاقهم لفنون العذاب . العبد يستحق العذاب ولكن الله لا يعاقبه ويقابله بالرحمة ، فلنتأمل مدى شقاوة من يدخل النار إذا كانت هذه هي ألطاف الله بعبادة .. فأي شقاوة لذلك الإنسان الذي يدخل جهنم ؟!! هذا الذي يستحق جهنم مع هذه الصفات والأخلاق لهذا الرب العظيم .. كيف تكون حالته ؟!! فلماذا هذا الإصرار على الذنب ؟!! ولماذا هذا الإصرار على الإساءة للرب العظيم ؟!! ( لو علم المعرضون عني كيف انتظاري لهم وشوقي إلى توبتهم لماتوا شوقا إليَّ ولتفرقت أوصالهم ) بمعنى أن الله يشتاق إلى توبتك أيها المؤمن ، فما الذي يمنعك من التوبة ويؤخرك عنها ؟!! لاسيما وأنت تعيش في هذا الشهر .. شهر الرحمة والمغفرة والتوبة .. لماذا لا نقبل على الله – عز وجل – كما هو يقبل علينا وهو في غنى عنا ونحن محتاجون إليه ومآلنا ومصيرنا إليه ؟ !! فهل نصر على الشقاوة ؟!!! أو نحرص أو يكون لنا نصيب من السعادة فندخل الجنة . فلنعقد العزم على الرجوع إلى الله – عز وجل – .

هذه الآية تحمل لنا الكثير من الدروس والعبر ، فهذه الآية الشريفة تسلط الضوء على بعض سمات القيادة الإسلامية وقواعدها التي يجب أن تتصف بها ومن هذه الصفات :

صفات القيادة

1. القوة والحزم والواقعية : فهنا الرسول الأعظم (ص) تعامل مع أصحابه بحزم وواقعية . صحيح أن قلب الرسول الأعظم (ص) يفيض رحمة على أصحابه ، ولكن هذه الرحمة التي يمتلئ بها قلب الرسول الأعظم (ص) لم تمنعه من التعامل معهم بواقعية ، فهو لم يتعامل معهم بمزاجية ولم يخدعهم وإنما كان حازما معهم ، وهذا الحزم هو الذي أنجاهم ورباهم وأهلهم لتحمل المسئولية .

القاعدة المطيعة

2. تعامل القاعدة مع القيادة : فالقاعدة أطاعت القيادة ونفذت أوامرها ، ولم يحتج على أمر الرسول .. لماذا أمر الرسول بمقاطعة هؤلاء ، وإنما أطاعوا القيادة لأن القيادة تريد أن تربي القاعدة على صفات معينة وخلق معين وسلوك معين يؤهلهم لحمل الرسالة وتحقيق الهدف ، وبالتالي تأتي أهمية طاعة القيادة لأن طاعة القيادة قوة وسبب من أسباب النجاح وأن معصية القيادة هو الذي يؤدي بنا للتفرق والتشتت والفشل ، ولكن .. بعد أن نتأكد من أهلية القيادة .. ليس كل قيادة وإنما القيادة الحقيقة والفعلية التي تتوفر فيها الصفات المطلوبة .

المؤمن هو الواقعي

3. أن الواقعية ليست من صفات القيادة فقط ، وإنما الإنسان المؤمن يجب أن يتعلم الواقعية ، وكما ذكرت بأن الثلاثة تعاملوا بواقعية مع سخط الرسول وسخط المؤمنين وسخط أزواجهم ولم يتعاملوا بمزاجية وانفعال ، كما تنبهنا هذه الآية إلى خطورة التواني والتسويف في القضايا المهمة والمصيرية والحيوية .. فالخروج مع الرسول الأعظم للقتال قضية مهمة .. ما الذي حرم هؤلاء من الخروج ؟ ما الذي أسخط الله ورسوله والمؤمنين على هؤلاء ؟ السبب هو التواني والتسويف لغد وبعد غد حتى انتهوا لما انتهوا إليه .. إذن فالآية تنبهنا لخطورة التسويف والتواني لأنه قد ينتج عنهما نتائج خطرة جدا بمستوى سخط الله على العبد ،،، فيجب أن نتعامل مع القضايا المهمة والحيوية بجدية ، كما يجب أن نبعد عن كل القضايا المهمة التواني والتسويف .

هل هو تطرف ؟!

بعد ذلك يقفز هذا السؤال : نحن رأينا كيف تعامل هؤلاء مع التوبة ، وكيف أنهم خرجوا إلى الجبال يصومون النهار ، ويبكون الليل والنهار ، ويسخط بعضهم على بعض .. هذا التعامل مع التوبة هل هو تعامل واقعي أم أن هؤلاء أناس متطرفون ؟! ماذا تقولون ؟ّ هل تستحق منا التوبة هذا النوع من التعامل ؟ .. هذه الآية تبين لنا خطورة موضوع التوبة ، وتعطينا نموذجا واقعيا مدحه الله لتعامل الإنسان مع مسالة التوبة ، فهل التعامل مع التوبة بهذا الأسلوب هو أمر واقعي أم هو شيء من التطرف ؟ والجواب على هذا السؤال بسؤال آخر : هل توجد قضية أكثر مصيرية من التعامل مع الله ؟!! هل توجد قضية في حياتنا تأخذ الأولوية كقضية مصيرية أكثر من التعامل مع الله ؟!! فإذا الإنسان لم يطمئن لرضا الله ، فهل توجد قضية أخرى يتعامل معها الإنسان ويوليها اهتمامه أكثر من اهتمامه بأن يسعى لرضا الله – عز وجل – عنه وأن يبعد عنه سخط الله ؟!! وإذا وقع في المعصية فهل توجد قضية تستحق الاهتمام أكثر من أن يتوب إلى الله ويعتق رقبته من النار ؟!! ، ونحن كعقلاء هل توجد قضية تستحق الاهتمام أكثر من عتق رقبتنا من النار ؟! ففي الوقت الذي نسهر فيه ونجد في دراستنا وتجارتنا وعملنا ، فإذا خسرنا دينارا واحدا لا ننام الليل ولا النهار !! ولكن .. نرتكب المعاصي – والعياذ بالله – ونسوف في التوبة !! هل ما نقوم به عمل عقلائي ؟!! أم ما قام به هؤلاء الثلاثة هو النموذج لتعامل العقلاء مع مسألة التوبة .
أسأل الله – عز وجل – أن أكون قد وفقت لبيان أهمية وخطورة التوبة لنتعامل معها بواقعية .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 8 رمضان 1422هـ الموافق 2001/11/23 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.