فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 04-10-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 04 أكتوبر 2002 م

الخطبة الدينية : الإسراء والمعراج – مسيرة العرفان والحقيقة
الخطبة السياسية : خصوصية 24 أكتوبر

( أكرر ندائي إلى عظمة الملك وأرغب إليه بصدق إخلاص في هذا اليوم أيضا ، من خلال هذا المنبر : أن يؤجل الإنتخابات ، وأن يدخل في حوار وطني مع القوى السياسية على أساس دستور 73 وميثاق العمل الوطني ، وأن ذلك من أجل المصلحة الوطنية ، ومن أجل إنقاذ المشروع الإصلاحي لعظمة الملك )
( أرى أن الخسارة قد برزت منذ اليوم ، وقبل معرفة نسبة المشاركة ، وذلك من خلال عدد المرشحين ونوعيتهم ، فالموجودون أكثرهم لا يرضون الطموح الشعبي والرسمي . والمجلس القادم بهؤلاء الأشخاص سيكون صوريا ولا يستطيع أن يقدم شيئا للشعب أو للحكومة )

( في ظل الهيمنة الصهيونية هناك انتهاك لحرمة الأقصى والمقدسات الدينية ، وذبح وتضييع لتراث الأنبياء ، وانتهاك لحقوق الإنسان وحرماته ، فلا أمن ولا سلام ولا هداية للناس ، بل إضلال وتضييع ، وأن ذلك كله يتم تحت رعاية من أمريكا والغرب ، بما يقدمونه من دعم مادي سخي للصهاينة ، وغطاء في مجلس الأمن والأمم المتحدة ، ضد أي قرار محتمل يدين الصهاينة ، في الوقت الذي يدعون فيه أنهم أتباع المسيح ، والصهاينة يدنسون المقدسات المسيحية والإسلامية على حد سواء ، ويحاربون رسالة المسيح (ع) ومحمد (ص) على حد سواء ، مما يعني أن أمريكا والغرب ينطلقون من تعصب صليبي بغيض ضد الإسلام والمسلمين ، بعيد كل البعد عن الرسالة الحقيقية للمسيحية ، فالصليبية كالصهيونية لا علاقة لها بالمسيحية كدين ، فكما أنه لا علاقة للصهيونية باليهودية كدين ، كذلك لا علاقة للصليبية بالمسيحية كدين )
( للأسف فأن البعض قد فهم هذه الدعوة إلى تأجيل الانتخابات فهما خاطئا ، وقال بأن توجيه هذه الدعوة يعني أن صاحب الدعوة قد خسر الخيارات ، وأن الخيارات لديه قد استنفذت ، أو أنه قد ضيع الخيارات ، ولم يبق لديه إلا توجيه هذه الدعوة ، وأقول : ان هذه الدعوة هي حرص مني على الوحدة الوطنية وإنقاذ المشروع ، فنحن حريصون على الوحدة الوطنية ، ومتشبثون بإنقاذ المشروع الإصلاحي لعظمة الملك ، ومسارعون في ذلك إلى آخر فرصة ، وآخر نفس )
( أنبه بصورة خاصة إلى العنف ، وأرى أن حدوث العنف في ذلك اليوم أو قبله لن يوقف الانتخابات ولن يغير شيئا في شأنها ، ولكنه سيضر بالحركة المطلبية ، وسيجعل موقف المشاركة في وضع سياسي أقوى من الموقف المقاطع ، فلذلك فإني احذر وأحذر وأحذر من اللجوء إلى العنف . الآن في الطرح السياسي ، يطرح بعض الداعين للمشاركة ، ثنائية القبول بالأمر الوقع أو تفجر العنف ، وهذه الثنائية غير صحيحة ، وقد دعينا إلى المقاطعة والمطالبة بالحقوق من خلال النهج السلمي ، وسنستمر في حركتنا المطلبية بالنهج السلمي ، وإذا جاء العنف ، فسوف يصحح القول بهذه الثنائية ، ويعطي مؤشرا سلبيا عن المعارضة ، لينعكس بذلك مستقبلا على دورها ومطالبها )
( أقول : بأن اليأس قد دخل إلى قلب الكثير من تيارات المعارضة ، وغاب دورها الفاعل من الساحة ، وأن الانتفاضة المباركة – وهذا حق يجب أن يحفظ إليها – قد أعادت الأمل إلى قلب المعارضة ، وفعلت دورها في الساحة من جديد ، ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور المفصلي الهام والمبارك في الحركة الإصلاحية )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ))

الآيه الشريفة المباركة تتحدث عن رحلتي الإسراء والمعراج ، ويطلق العلماء اسم الإسراء على رحلة الرسول ( ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ويطلقون اسم المعراج على عروج الرسول ( رحلته ) من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا .

المسيرة

و في تقديري وفهمي أن رحلة الإسراء فيها تصوير رمزي مكثف للمسيرة التاريخية للإنسان ، كما أن رحلة المعراج فيها تصوير رمزي مكثف لمسيرة الوجود ككل ، الذي يعد الانسان جزء منها وله دور محوري فيها ، وأقدر أن رحلة الإسراء والمعراج تمثل ملحمة عظيمة من ملاحم القرآن الكريم . أسأل الله عز وجل أن يوفقني لإبراز بعض فصولها .

حدث ثابت ولكن

حدث رحلتي الإسراء و المعراج ثابت بإجماع علماء المسلمين ، لكن الإختلاف وقع بينهم : هل أنه بالجسد والروح معا أم بالروح فقط ، وهل هي في اليقظة أو في المنام ، وهناك ثلاثة أقوال :

القول الأول : أن الرحلتين تمتا بالروح والجسد معا .

القول الثاني : أن رحلة الإسراء تمت بالروح والجسد معا ، أما رحلة المعراج فتمت بالروح دون الجسد ، أي هي حالة من حالات الشهود أو الكشف الباطني ، وهو يختلف عن القول الثالث .

القول الثالث : أنها رؤية في المنام ، وهذا القول ضعيف ، ومستبعد عند جل العلماء ويستدلون على ذلك من قوله تعالى (( أسرى بعبده )) ولفظ العبد في القرآن الكريم يدل على الروح والجسد معا ، كقوله تعالى ( الذي ينهى عبدا إذا صلى ) . أما الدليل الثاني الذي يستدلون به هو استنكار المشركين على الرسول بانه أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى ، وعروجه إلى السماء ولو تم ذلك في عالم الرؤيا لما احتاج الأمر إلى استنكار المشركين .

سيناريوهات الحادثة

في واقع الأمر نحن أمام ثلاث مستويات لتبين الأمر :

المستوى الأول : أن النبي (ص) يدعي بأنه رأى في المنام ما حدث له في الاسراء والمعراج ، وأن المشركين يكذبونه في إخباره بالرؤيا ، وليس عدم تصديق إمكان حدوث الرؤيا في حد ذاتها ، وهذا مستبعد لأن الرسول موصوف عند المشركين بالصادق الأمين قبل البعثة .

المستوى الثاني : أن الرسول يدعي بأنه رأى في المنام ما حدَّثَ به عن رحلتي الإسراء والمعراج ، ويدعي بأن له مكانة معنوية وأخلاقية عالية استنادا إلى الرؤيا وهذا أيضا مستبعد ، لأن المشركين لا ينكرون هذه المكانة المعنوية والأخلاقية للرسول (ص) ، ومن جهة ثانية ، فأن الرؤيا الحسنة قد تحصل لدى الإنسان الكافر أكثر مما تحصل للإنسان المؤمن ، كما حصل لفرعون في عهد النبي يوسف (ع) عندما رأى رؤياه التي عبرت عن مستقبل الدولة ، فعندها لا يصبح هذا الأمر ميزة للرسول باعتباره نبيا مرسلا من قبل الله .

موقع وجودي

المستوى الثالث : أن الرسول يدعي ، بأن له موقعا وجوديا ، وهذا الموقع الوجودي متصل بصدق النبوة ، والاتصال بالسماء والملأ الأعلى ، وهذا ما ينكره عليه المشركون ، ينكرون عليه ، هذا الموقع الوجودي أو هذه المكانة الوجودية ، والاتصال بالسماء ، والملأ الأعلى ، يعني النبوة .

ضرورة التفكير المنهجي

وهنا ينبغي أن نقف عند حادثة ارتداد بعض المسلمين ، بعد سماعهم بأخبار حادثة الإسراء والمعراج ، إننا نتفهم استنكار المشركين ، لأخبار حادثة الإسراء والمعراج لأنهم لا يؤمنون أصلا بالموقع الوجودي ، أو المكانة الوجودية للنبي محمد (ص) ، التي تعني النبوة ، أما المسلمون ، فهم يؤمنون بالموقع الوجودي ، أو المكانة الوجودية ، التي أهلت النبي محمد (ص) ، للنبوة وتلقي الوحي ، وبالتالي فإن أخبار رحلتي الإسراء والمعراج ، تنسجم مع هذا الموقع ، ومع هذه المكانة ، وهذا يشير إلى مسألة في غاية الأهمية ، يجب أن نلتفت إليها ، ونأخذ منها درسا في عقيدتنا ، وهي : أهمية التفكير المنهجي السليم ، فكثير من الأخطاء الفكرية والشبهات ، هي وليدة الخطأ في منهج التفكير ، ولو التفت الباحث أو المفكر إلى هذا الخطأ ، لما وقع في الانحراف أو الخطأ الفكري ، ولما تولدت الشبهات في تفكيره ، إن الكثير من الأخطاء الفكرية والشبهات ، لا تحتاج لأكثر من الالتفات إلى الخطأ في المنهج الفكري وتصحيحه .

التنزيه يتطلب

(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) التسبيح : معناه التنزيه ، والناحية البلاغية في الصياغة تدل على المبالغة في التنزيه بمعنى ينزهه تنزيها ، والتنزيه يتطلب أن ننفي عن الله كل ما لا يليق بساحة قدسه من الصفات والأفعال والأسماء ، وفي المقابل نثبت له كل الأسماء الحسنى ( ولله الأسماء الحسنى ) والصفات العليا ( صفات الجمال والجلال في اصطلاح علم الكلام ) ، والفعل الجميل ، فالإنسان المؤمن إذا فكر في الله وصفاته وأسمائه وأفعاله ، يدرك المقام العلي لله – جل جلاله – وبالتالي يتحرك قلبه ولسانه بتنزيه الله جل وعلا .

يختزن …

( أسرى بعبده ) المقصود بالعبد الرسول الأعظم (ص) ، ولفظ العبد هنا يختزن عدة أمور بالنظر إلى مقام النبي محمد (ص) ورسالته ، حيث يختزن اللفظ الإخلاص لله عز وجل في الطاعة والعبادة ، والإخلاص للرسالة أي المشروع ، في التبليغ والتطبيق والتضحية من أجله ، والإخلاص للناس الذين يستهدفهم المشروع أي الرسالة .

وصف الله نبيه بالعبد فيه عدة دروس مستفادة :

ضرورة الفصل

الدرس الأول : يكون من خلال المقابلة بين التسبيح لله وبين وصف النبي بالعبودية وهذا يفيدنا بضرورة الفصل بين مقام الربوبية والعبودية ، فمهما كان العبد عظيما لابد أن يكون بينه وبين الرب فاصل عظيم لا حدود له ، هو الحد الفاصل بين المتناهي واللامتناهي ، أو بين المحدود والمطلق . وفي ذلك تحذير مما وقع فيه النصارى مع النبي عيسى (ع) عندما ألهوه ، وفيه أيضا تحذير مما وقع فيه فرعون عندما ادعى الألوهية فقال : ( أنا ربكم الأعلى ) ، وصدقه الناس في ذلك واتبعوه .

الدرس الثاني : أن هذه الأية فيها إشارة بأن الإنسان يصل إلى أعلى درجات الكمال كلما أخلص العبودية لله .

لا نستغرق .. فنأله

الدرس الثالث : أن الأية تعلمنا كيف نتعامل مع العظماء ، سواء كان العظيم ملكا أو قائدا أو رمزا ، أو غير ذلك ، فالآية تنبهنا ألا نستغرق في شخصية العظيم فنألهه ، بل نستغرق في ذات الله من خلال ذلك العظيم ، فيجب أن ننظر إلى عظمة العظماء من خلال إخلاصهم وعبوديتهم لله أولا ، ثم من خلال مشاريع عملهم ، التي تهدف إلى خدمة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة ، ولا نستغرق في ذات العظيم من خلال موقعه أو ألقابه ، وما يضفيه على نفسه من مظاهر زائفة أو غير حقيقية ، بعيدة عن عمله وعبوديته لله .

( أسرى بعبده ليلا ) السري يعني السير ليلا ، فإذا كان الإسراء هو المسير ليلا ، فلماذا ذكر سبحانه الليل ؟ هنا نجد لهذا التعبير عدة فوائد :

المؤثرات في الدعوة

الفائدة الأولى : أن رحلتي الإسراء والمعراج تمت في ليلة واحدة بل في بعضها .

الفائدة الثانية : تنبهنا الأيه إلى المؤثرات الخارجية التي صاحبت الرحلة ، وتركت آثارها في روحية النبي (ص) ، والتي تخدم أهداف الرحلة ، وهنا نشير إلى : هدوء الليل وسكونه وهيبته ، وجمال السماء بنجومها وأجرامها ، وأن هذا الجو ترك أثره في معنوية النبي (ص) وروحانيته بحيث تصعَّد روحيا ، وتجلت له عظمة الذي أسرى به في ذلك الليل . هذا الصفاء يتناسب وغاية الرحلة ومنتهاها ( لنريه من آياتنا ) ونستفيد من ذلك درسا مهما ، وذلك بأن نهتم بالمؤثرات الخارجية في إيصال الدعوة أو الرسالة إلى الناس ، فالرسالة بطبيعتها قوية ومؤثرة ، ولكنها تستفيد من الدعامات والمؤثرات الخارجية لتقوية أثرها في النفوس ، فإننا نحتاج للمؤثرات الخارجية في إحياء مناسباتنا ، فلا نقتصر على القصائد والكلمات بل نضفي شيئا من المؤثرات الخارجية ليكون وقعها أكبر ، وقد جاء النص على تحسين الصوت في تلاوة القرآن ، وبعض المؤثرات الأخرى في الصلاة مثلا .

واحة سلام

(من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) أي من الحرم المكي ، الحرم الآمن ، وفيه إشارة إلى الأمن ( من دخله كان آمنا ) فالمسجد الحرام يمثل واحة سلام في صحراء مادية ومعنوية ، محفوفة بالمخاطر . نستفيد من القرآن الكريم وهو يحدثنا عن حادثة الإسراء والمعراج ، بأنه يعطينا قيمة لهذا البيت ، تلك القيمة المعنوية والمادية ، التي تنبع من صلة هذا البيت بالله عز وجل ، قوله تعالى : ( فليعبدوا رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ) فمن يريد الأمن والخير والسلام فليرتبط برب هذا البيت .

بركة عظيمة

(إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) المسجد الأقصى هو بيت المقدس ، وسمي الأقصى ، لأنه أبعد مسجد عن النبي (ص) في ذلك الزمان .

( باركنا ) نسب البركة إلى نفسه ، مما يدل على أن هذه البركة عظيمة ، وقوله تعالى : ( حوله ) يدل على أنها شاملة وذات سعة ، وأن البركة نابعة من هذا البيت. والبركة قد تكون مادية بما تعطيه الأرض من زراعة وأنهار ، وتجارة وعمران , وقد تكون بركة معنوية ، فالبيت كان مركزا للرسالات السماوية ، ومأوى الأنبياء الذين يحملون الهداية للإنسان .

فالمسجد الحرام والمسجد الأقصى كلاهما مصدر للخير والأمن والسلام ، ومن خلال هذين البيتين هناك حماية للحق والحياة ، والسلام والعدل ، وذكر هذه الرحلة فيه الكثير من الدروس :

تعصب صليبي صهيوني

الدرس الأول : ما يحدث الآن في فلسطين في ظل الهيمنة الصهيونية على المسجد الأقصى ، يعطينا أو يدلنا على أن البيت والرسالة التي يحملها في و غربة تامة ، ففي ظل الهيمنة الصهيونية هناك انتهاك لحرمة الأقصى والمقدسات الدينية ، وذبح وتضييع لتراث الأنبياء ، وانتهاك لحقوق الإنسان وحرماته ، فلا أمن ولا سلام ولا هداية للناس ، بل إضلال وتضييع ، وأن ذلك كله يتم تحت رعاية من أمريكا والغرب ، بما يقدمونه من دعم مادي سخي للصهاينة ، وغطاء في مجلس الأمن والأمم المتحدة ، ضد أي قرار محتمل يدين الصهاينة ، في الوقت الذي يدعون فيه أنهم أتباع المسيح ، والصهاينة يدنسون المقدسات المسيحية والإسلامية على حد سواء ، ويحاربون رسالة المسيح (ع) ومحمد (ص) على حد سواء ، مما يعني أن أمريكا والغرب ينطلقون من تعصب صليبي بغيض ضد الإسلام والمسلمين ، بعيد كل البعد عن الرسالة الحقيقية للمسيحية ، فالصليبية كالصهيونية لا علاقة لها بالمسيحية كدين ، فكما أنه لا علاقة للصهيونية باليهودية كدين ، كذلك لا علاقة للصليبية بالمسيحية كدين . فهؤلاء يدعون بأنهم مسيحيون وهم يقدمون العون لمن ينتهك المقدسات المسيحية بشكل سافر . هولاء مثلهم مثل الصهيونية لديهم مشروع سياسي صليبي حاقد تجاه الاسلام ، والصهاينة لديهم مشروع سياسي صهيوني حاقد تجاه الإسلام ، فالصهيونية ليس لها علاقة باليهودية كدين ، والصليبية ليس لها علاقة بالمسيحية كدين ، سوى التذرع ولبس الغطاء الديني للوصول لمشاريعهم الحاقدة . وأن الرئيس الأمريكي عبر بشكل فاضح عن ذلك التوجه الصليبي وعن نواياه تجاه المسلمين عندما وقع على قرار الكونجرس بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل .

وارث الرسالات والمقدسات

الدرس الثاني : أنه في الأحاديث أن النبي محمد(ص) تمثل له الأنبياء في بيت المقدس ، وأنه أمهم في الصلاة ، وفيه دليل على الوحدة التاريخية لخط الرسالات ، قال تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمومنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) وتمثلت هذه الوحدة في الرموز الذين هم الأنبياء ، والمقدسات الدينية التي ترتبط بتاريخهم ورسالتهم ، ومن خلال إأتمام الأنبياء خلف الرسول الأكرم نستدل على أن النبي ورث الأنبياء وورث رسالاتهم ومقدساتهم ، وأن ذلك كله أمانة اليوم لدى أمة محمد (ص) ، وعلينا أن نسأل أنفسنا عن هذه الأمانة ، هل حفظناها ؟!! أم ضيَّعناها ؟!! .

تتجاوز الجرافيا والسياسة

الدرس الثالث : أن المسئولية الرسالية ، وهي المسئولية تجاه العقيدة ورموزها ومقدساتها ، هذه المسئولية تتجاوز الحدود السياسة والجغرافيا ، فالرسول (ص) خرج من بلده مكة إلى المسجد الأقصى ، وبه تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية ، وهذا يدلنا على أن سلطة العقيدة ومقدساتها فوق كل سلطة ، ومسئولية المؤمن تجاه رسالته ورموز الرسالة ومقدساتها تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة ، فلا يجوز أن تتحكم الجغرافيا أو السياسة في حرية الإنسان في عقيدته ، ومسئولياته تجاه عقديته ورموزها ومقدساتها ، فلا أحد يستطيع اليوم أن يقول مثلا : بأن المسجد الأقصى هو مسئولية الفلسطينيين فقط .

مؤشر العزة أو الذلة

الدرس الرابع : أن مسألة القدس هي سر عزة المسلمين ومجدهم وكرامتهم ، فهي المؤشر على ما هم عليه من العزة أو الذلة . فإذا أردنا أن نعرف عزة السلمين أو ذلهم اليوم ، فلننظر إلى وضع القدس لتعطينا مؤشرا لما هم عليه الآن ، باعتبارها أمانة لديهم ، فإذا أنتهكت حرمة المسجد الأقصى على يد الصهاينة ، والمسلمون لا يحركون ساكنا تجاه مصيره ، فأي عزة وكرامة لديهم ، فإذا كانت هذه الانتهاكات الصارخة لحرمة المسجد الأقصى لا تحرك نخوة المسلمين ، وضمير المسلمين ، فأي شيء بعد الأقصى يمكنه أن يحركهم ، أن وضع الأقصى اليوم ، يدلنا على ما يعانيه المسلمون من ذل واستصغار وهوان ، وأن استعادة العزة والكرامة للمسلمين ، مرهون بتحرير ا لمسجد الأقصى ، وسوف تكون قمة الكرامة والعزة ، بظهور صاحب العصر الزمان ، الحجة ابن الحسن العسكري (عج) ، الذي سيحرر الأقصى والمسلمين من ذلتهم ، ويعرج في مدارج الكمال إلى الله رب العباد جميعا .

الغاية من الرحلتين

( لنريه من آياتنا ) تبين الغاية من رحلة الإسراء والمعراج بأن يمتلأ قلب النبي (ص) بآيات الله ، فيخشع قلبه ويمتلأ إيمانا ، وتزويده بكل ما يحتاجه في قيادته وهدايته للأمة ، بحيث يستوعب الرسالة وقيمتها ، وتزوده الآيات بالطاقة التي يحتاجها في السعي لتحقيق أهداف الرسالة وتطبيقها على أرض الواقع . وقد نسب ذو العزة والجلال الآيات إلى نفسه لتعطي دلالة على عظمتها . وقوله تعالى (من) تفيد التبعيض بحيث تعخبرنا الأية بأن النبي لم ير كل الآيات إنما رأى بعضها لأن الانسان مهما كان عظيما وإن كان بعظمة النبي(ص) ، الذي دنا فتدلى من العلي الأعلى ، فبينه وبين الرب حدود لا نهاية لها .

والسؤال ما هي الآيات الكبرى التي رآها (ص) ؟ .

الآيات العظيمة

الجواب : لقد رأى (ص) الكثير من الآيات العظيمة ، فقد دنا فتدلى ، ورأى من الآيات الكبرى ما لا حدود له في عقل الإنسان . وأول هذه الآيات الفترة الزمنية التي استغرقتها رحلتي الإسراء والمعراج ، وهي فترة وجيزة من ليلة واحدة ، أما الإسراء ، وهي رحلته (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فإن العقل البشري في الوقت الراهن ، يستوعب الانتقال السريع بين المكانين في فترة وجيزة بالوسائل المادية ، فقد استوعب العقل البشري اليوم ، سرعة الضوء ، والصواريخ والمركبات الفضائية ، ويستطيع أن يفهم ، البراق على أنها وسيلة نقل سريعة هيأها الله جل جلاله لنبيه (ص) في ذلك الوقت ، وليس ذلك على الله بعسير .

تأثير الملكوت

ونستطيع أن نعطي فهما آخر لوسيلة الانتقال من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، في ضوء آيات ومفاهيم القرآن ، وذلك عن طريق تأثير الملكوت في عالم الأشياء ، ومثال ذلك من القرآن ، قوله تعالى : ( وقال الذي عنده علم من الكتاب ، أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) ، فقد استطاع هذا الذي عنده علم من الكتاب ، أن ينقل عرش بلقيس ، وهو شيء مادي ، بكماله وتمامه ، وبدون أن يلحق به أي ضرر ، أو يتغير شيء من وجوده أو شكله ، من اليمن إلى القدس – واليمن أبعد مسافة من مكة التي انتقل منها الرسول (ص) إلى بيت المقدس – في أقل من طرفة عين ، وذلك بفعل أو تأثير عامل ملكوتي ، فيمكن أن نفهم أيضا البراق بأنها من عوامل الملكوت .

عروج كعروج الملائكة

أما المعراج ، فهو يقينا بوسيلة ملكويتة ، تماما كعروج الملائكة إلى الملأ الأعلى ، قوله تعالى في سورة المعارج : ( من الله ذي المعارج ، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ، وقد جاء في الروايات ، أن جبرئيل (ع) حمل رسول الله (ص) ، فهذه أول الآيات العظيمة ، التي رآها رسول الله (ص) في رحلتي الإسراء والمعراج ، وأقدر بأن الرسول الأعظم (ص) قد عرج به ، وقطع من المسافة في تلك الفترة الوجيزة ، أكثر بكثير مما تقطعه الملائكة في عروجها إلى الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فأي آية عظيمة رآها (ص) في ذلك .

الصور الملكوتية

ومن الآيات التي رآها (ص) تمثل الأنبياء له في المسجد الأقصى وفي السماوات السبع ، وتحدثه إليهم ، وتحدثهم إليه ، ورؤيته الملائكة ، وتحدثه إليهم ، وتحدثهم إليه ، وقد رأى جبرئيل (ع) في صورته الملكوتية الحقيقية ، رآه مرتين في تلك الرحلة على هذه الصورة ، ورؤيته المتجسدة للصور الملكوتية للأشياء والأعمال في عالم البرزخ ، ورؤيته لسدرة المنتهى ، التي تنتهي عندها الأعمال ، وعروج الملائكة … إلخ ، ورؤيته النار ، ودخوله جنة الخلد ، ثم ذهب في عروجه إلى الله ودنوه منه ، حتى تجاوز الحجب الأربعة ، بعد سدرة المنتهى ، التي توقف عندها عروج جبرئيل (ع) ، وقال : ( لو دنوت أنملة لاحترقت ) ، وذهب (ص) منفردا في عروجه حتى بلغ السبحة ، التي فسرها أهل البيت (ع) بجلال الله ، أي أن الرسول الأعظم (ص) ، قد بلغ الحد الفاصل بين الخالق والمخلوق ، أي الحد الذي لا يمكن أن يتجاوزه أي مخلوق في كماله ، أي مهما بلغت درجة كماله ، وإليك أن تتأمل وتفهم عظمة الآيات التي رآها (ص) في هذه الرحلة الملحمية العظيمة ، وهي تدل على عظمة رسول الله (ص) ، إلى حد يتصاغر دون استيعابها واستيعاب أبعادها عقل الإنسان ، ولكي نفهم ذلك ، نقف على قوله تعالى عن نبيه العظيم موسى بن عمران (ع) : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ، وخر موسى صعقا ) ، فقد صعق موسى (ع) لهذه الآية العظيمة ، ولقد رأى رسول الله (ص) من آيات ربه ، ما هو أعظم وأعظم بكثير من هذه الآية ، ولم يصعق (ص) ، فإليك أن تتأمل وتفهم عظمة الرسول (ص) .

ورؤية الآيات فيها الكثير من الدروس والعبر منها :

تأهيل .. تفكر .. تطوير

الدرس الأول : أن الآية تنبهنا إلى ضرورة تأهيل الرموز والقادة ، وتزويدهم بكل ما يحتاجونه من علم ومعرفة في أداء مسئولياتهم .

الدرس الثاني : أن الآية لتحض الإنسان على التفكر ، وتجاوز حدود المألوف والنظر إلى البعيد ، فلا يقيده في ذلك سوى المنهج العلمي المحكم .

الدرس الثالث : تنبهنا الأيات إلى ضرورة التطوير من وسائلنا ، والاستعانة بالتكنولوجيا في حياتنا ومسيرتنا ، لأن البراق وسيلة متطورة ، وهو حالة غير مألوفة في الانتقال .

البعد الملكوتي للعلم

الدرس الرابع : وهو نظرتنا إلى العلم ، أي يجب أن ننظر إلى العلم من ناحية ملكية وملكوتية ، فلا نكتفي بالنظر إلى الأشياء من خلال وجهها المادي الذي يواجهنا فقط ، وإنما يجب أن ننظر إلى الأشياء من وجهها الملكوتي ، أي الوجه الذي يربطها بالله جل جلاله ، فهو الذي خلقها ، فهي تدل عليه وعلى أسمائه وصفاته ، فنحن بهذا ننظر إلى عظمة الله من خلالها ، قوله تعالى : ( سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) ، فالنظر إلى الأشياء من خلال وجهها المادي فقط ظلم عظيم من الإنسان إلى نفسه ، وتضييع إلى الحقيقة ، وابتعاد عن الغاية التي يجب أن يتوجه إليها الإنسان في حياته ، وهي كما قال تعالى : ( وما خلقت الجن الإنس إلا ليعبدون ) ، وقوله تعالى : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ، فلا نضيِّع الفرصة ، بتسخير العلم للأغراض المادية ، دون النظر إلى البعد الملكوتي الذي يربطنا بالله جل جلاله ، ويخدم الغاية القصوى التي من أجلها خلقنا سبحانه وتعالى.

الدرس الخامس : ترشدنا الآية الشريفة المباركة إلى أهمية وأفضلية السلوك والمعرفة العرفانية.

ساحة قدرة وسلطة ولطف

(إنه هو السميع البصر )الضمير (أنه) يعود إلى الله ، ويبعث اللفظ إلى قلوبنا الهيبة من الله والرهبة منه ، ويدلنا على أن رحلة الاسراء والمعراج جاءت من ساحة القدرة ، فبقدرته جل جلاله ، أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وعرج عرج به إلى السماوات العلا ، ومن ساحة السلطة ، أي بسلطته جل جلاله على مسيرة الانسان في الأرض ، ومسيرة السماء والوجود ككل ، أسرى وعرج بعبده ، وأيضا من ساحة لطفه وحكمته ورحمته فعل ذلك بعبده ورسوله (ص) .

أهلية الرسول

( السميع البصير ) أي السميع والبصير بكل ما دق ولطف في السماء والأرض ، فهو العليم بكل ما هو مسموع ومبصر في الأرض والسماء ، ويذكرنا ذلك في سياق الآية بقول الامام زين العابدين في دعاء يوم الجمعة : ( العليم الذي لا ينسى من ذكره ، ولا ينقص من شكره ، ولا يخيب من دعاه ، ولا يقطع رجاء من رجاه ) فهو السميع بأقوال النبي وهو البصير بأفعاله ، ولقد رأى وسمع من أقواله وافعاله ما يدل على إخلاصه لله جل جلاله ، وأهليته لكرامة رحلتي الإسراء والمعراج .

في المكان المناسب

والدرس المستفاد بأن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وأن لا نغتر بالمظاهر ، وإنما نبحث عن حقائق الرجال وإمكانياتهم الفعلية ، لنوليهم المناصب والمسئوليات العامة . وقال بعض المفسرين أن قوله تعالى : ( السميع البصير ) فيها بشارة للمؤمنين وفيها تهديد للعاصين ، لأنه تعالى يعلم المؤمنين برحلة الإسراء والمعراج ، فيبشرهم بالجنة والثواب العظيم ، ويعلم الكافرين بالإسراء والمعراج ، فيحذرهم من النار والعذاب الأليم .

الجانب السياسي: خصوصية 24 أكتوبر

هناك من يعطي هذا اليوم خصوصية وذلك على نحوين :

الانتخابات لا تعني ..

النحو الأول في خصوصية 24 أكتوبر : يرى البعض أن هذا اليوم يوم مصيري ، وأن الانتخابات سوف تجري في هذا اليوم ، وأن الحكومة لن تغير شيئا ، ويرى هذا البعض ، أن جريان الانتخابات في هذا الموعد ، يعني أن الحكومة قد حققت انتصارا وأن المقاطعة قد خسرت . وأنا أقول أن حدوث الانتخابات في هذا الموعد لا يعني نصرا للحكومة ولا يعني خسارة للمقاطعة ، لأن الخسارة أو المكسب تتحق من خلال نسبة المشاركة ، فإذا انخفضت نسبة المشاركة ، فهذا يعني أن مشروع الحكومة قد خسر ، وكسبت المعارضة الجولة الأولى في حركتها التصحيحية .

أكرر ندائي

وأرى أن الخسارة قد برزت منذ اليوم ، وقبل معرفة نسبة المشاركة ، وذلك من خلال عدد المرشحين ونوعيتهم ، فالموجودون أكثرهم لا يرضون الطموح الشعبي والرسمي . والمجلس القادم بهؤلاء الأشخاص سيكون صوريا ولا يستطيع أن يقدم شيئا للشعب أو للحكومة ، فلذلك توجهت في نادي العروبة ، وفي الأسبوع الماضي من خلال هذا المنبر ، وأكرر ندائي إلى عظمة الملك وأرغب إليه بصدق إخلاص في هذا اليوم أيضا ، من خلال هذا المنبر : أن يؤجل الإنتخابات ، وأن يدخل في حوار وطني مع القوى السياسية على أساس دستور 73 وميثاق العمل الوطني ، وأن ذلك من أجل المصلحة الوطنية ، ومن أجل إنقاذ المشروع الإصلاحي لعظمة الملك.

حتى آخر نفس

وللأسف فأن البعض قد فهم هذه الدعوة فهما خاطئا ، وقال بأن توجيه هذه الدعوة يعني أن صاحب الدعوة قد خسر الخيارات ، وأن الخيارات لديه قد استنفذت ، أو أنه قد ضيع الخيارات ، ولم يبق لديه إلا توجيه هذه الدعوة ، وأقول : ان هذه الدعوة هي حرص مني على الوحدة الوطنية وإنقاذ المشروع ، فنحن حريصون على الوحدة الوطنية ، ومتشبثون بإنقاذ المشروع الإصلاحي لعظمة الملك ، ومسارعون في ذلك إلى آخر فرصة ، وآخر نفس .

نسبة المشاركة لا تعطي الشرعية

أن نسبة المشاركة من حيث ارتفاعها وانخفاضها ، لا تعطي الشرعية للدستور ، ولا تسحبها منه ، لأن شرعية الدستور وتعديله تعتمد على آليات معينة ، فعندما يتم الالتزام بآليات الدستور في التعديل أو الوضع للدستور ، يكتسب الشرعية ، وإذا تمت مخالفة تلك الآليات في التعديل أو الوضع يكون الحاصل غير شرعي ، ونسبة المشاركة لا تغير في ذلك شيئا ، ولكن إذا ارتفعت نسبة المشاركة ، فهذا يعني أن الحكومة قد حصلت على دعم سياسي قوي لتثبيت الأمر الواقع ، وهذا لا يعني أن الدستور أصبح شرعي ، وأن الطريق انقطع على المعارضة . وإذا انخفضت نسبة المشاركة ، فقد حصلت المعارضة على موقع سياسي قوي ، إلى جانب موقفها القوي من عدم شرعية دستور 2002 الجديد ، من أجل تصحيح الوضع الدستوري في البلد ، فنحن حينما نسعى إلى خفض نسبة المشاركة ، ليس من أجل خلع الشرعية عن الدستور ، لأن آلية الشرعية معلومة لدى فقهاء الدستور ، وليس منها ارتفاع أو انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات ، ولكن من أجل تعزيز الموقف السياسي الذي تحتاجه المعارضة أيضا في حركتها التصحيحية ، بالإضافة إلى الموقف الدستوري من الشرعية الدستورية في التعديل والوضع للدستور .

مفصلي ومتميز !!!

النحو الثاني في النظر ليوم 24 أكتوبر : يرى البعض الآخر ، وهم قليل من عموم أبناء الشعب الكرام ، إلى أن يوم 24 أكتوبر على أنه يوم مفصلي ، وله أهمية متميزة ، فإذا جرت الانتخابات ، فيرى هذا البعض أن الحكومة قد انتصرت ، والمعارضة قد خسرت ، ولذلك يرى أنه ينبغي أن يقوم الشعب بأي عمل ليفشل هذه الانتخابات ، ويسعى إلى توقفها ، وإن كان عن طريق اللجوء للعنف .

أنبه إلى العنف

وأقول : في رأيي أن 24 أكتوبر ليس نهاية المطاف ، سواء جرت الانتخابات أم لم تجر ، وجريانها لا يضعف القضية ، ولا يغير شيئا في الحركة المطلبية ، كما أوضحت الأمر في مناقشة الرأي الأول ، ولكن أنبه بصورة خاصة إلى العنف ، وأرى أن حدوث العنف في ذلك اليوم أو قبله لن يوقف الانتخابات ولن يغير شيئا في شأنها ، ولكنه سيضر بالحركة المطلبية ، وسيجعل موقف المشاركة في وضع سياسي أقوى من الموقف المقاطع ، فلذلك فإني احذر وأحذر وأحذر من اللجوء إلى العنف . الآن في الطرح السياسي ، يطرح بعض الداعين للمشاركة ، ثنائية القبول بالأمر الوقع أو تفجر العنف ، وهذه الثنائية غير صحيحة ، وقد دعينا إلى المقاطعة والمطالبة بالحقوق من خلال النهج السلمي ، وسنستمر في حركتنا المطلبية بالنهج السلمي ، وإذا جاء العنف ، فسوف يصحح القول بهذه الثنائية ، ويعطي مؤشرا سلبيا عن المعارضة ، لينعكس بذلك مستقبلا على دورها ومطالبها .

الانتفاضة أعادت الأمل

وأنبه هنا إلى مسألة الانتفاضة المباركة ، لأن هذا البعض يشير إلى دورها الإيجابي في الإصلاحات ، وأقول : بأن اليأس قد دخل إلى قلب الكثير من تيارات المعارضة ، وغاب دورها الفاعل من الساحة ، وأن الانتفاضة المباركة – وهذا حق يجب أن يحفظ إليها – قد أعادت الأمل إلى قلب المعارضة ، وفعلت دورها في الساحة من جديد ، ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور المفصلي الهام والمبارك في الحركة الإصلاحية ، إلا أنه يجب النظر إلى الانتفاضة من جانبين :

التخلي يعني الفساد

الجانب الأول : المطالبة بالحقوق ، وهذا أمر يجب التركيز عليه ، وعدم التخلي عنه ، لأن التخلي عن المطالب ، يعني الفساد في الأرض ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : ( لنا حقوق فإن إعطيناها ، وإلا ركب أعقاب الإبل ) مما يدل على ركوب الصعاب ، من أجل تحقيق المطالب ، وإلا فإن النتيجة هي الذل والهوان .

الجانب الثاني : بروز ظاهرة العنف في الانتفاضة ، وهنا أنبه إلى أمرين :

العنف لم يكن مطلوبا

الأمر الأول : أن العنف لم يكن مطلوبا في الانتفاضة والحركة المطلبية فيها ، وإنما جرُّت الساحة إلى ذلك جرًّا ، من خلال اعتقال الرموز الذين حاولوا منع انجرار الساحة إلى العنف ، وحذروا من ذلك ، ومن خلال حشر الشعب المطالب بالحقوق في زاوية ضيقة ، وأجبروه على الرد بالمثل دفاعا عن النفس .

العنف أداة يمكن استبدالها

الأمر الثاني : أن العنف ما هو إلا أداة في المطالبة ، يمكن استبداله بأداة أخرى ، هي المنهج السلمي ، وأقدِّر بأن المنهج السلمي ، أقدر على تحقيق المطالب ، وأسلم من العنف ، ويضع المعارضة في موقع سياسي وحضاري أقوى ، وأقدر بأنه لولا اندلاع العنف ، لتحققت المطالب في فترة زمنية أسرع . وقد استطاعت الحكومة السيطرة على الشارع أمنيا في عام 1998م تقريبا ، ولكنها لم تستطع القضاء على الحركة المطلبية ، وقد استطاعت الرموز السياسية ، الاستمرار في الحركة المطلبية ، من خلال الأداء السلمي السياسي ، حتى تحققت المطالب ، وذلك لأن هؤلاء الرموز ، كانوا ينظرون بوعي وعمق إلى البعد السياسي في الحركة المطلبية ، وأنه المحور الحقيقي الفعَّال في الحركة المطلبية ، والأداة في ذلك هو النهج السلمي ، بينما استسلم إلى الأمر الواقع ، من كانوا ينظرون إلى العنف ، على أنه جسم الانتفاضة ، والمحور الفعال فيها ، وقد أثبت الواقع خطأهم .

المقاطعة مثالا

وإذا نظرنا إلى ما أنجزته المعارضة من نجاح باهر في إقناع الشارع والنخبة ورجال القانون بالمقاطعة ، واتخذت قرارها بذلك ، وفرضته كأمر واقع ، تجلى أثره الفعال ، في عزوف الرموز والشخصيات المرموقة ، عن ترشيح أنفسهم للمجلس القادم ، مما أحرج الحكومة ، وجعلها في موقف سياسي صعب ، يتوقع معه العقلاء ، أن يتخذ عظمة الملك ، قراره الشجاع بتأجيل الانتخابات ، والدخول في حوار وطني مع القوى السياسية ، على أساس دستور 73 وميثاق العمل الوطني ، من أجل المصلحة الوطنية ، وإنقاذ مشروعه الإصلاحي . ومن الواضح أن المعارضة قد حققت هذا الإنجاز السياسي الوطني الكبير ، من خلال النهج السلمي ، والعمل العلني ، أمام مرأى ومسمع الجميع ، ولم يكن في وسعها أن تحقق مثل هذا الإنجاز الكبير ، لو أنها لجأت إلى العنف ، ولو أنها فجرت ألف سلندر ، مما يعطينا مثلا حسيا على صحة وكفاءة المنهج السلمي في تحقيق الأهداف والمطالب الشعبية المشروعة .

أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله لي ولكم ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار )

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 27 رجب 1423 هـ الموافق 4 / 10 / 2002 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.